شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : معجزات سليمان عليه السلام


ريمة مطهر
05-07-2011, 08:35 PM
سليمان
معجزات عن الجن والنملة والعرش

قال تعالى : { ولسليمان الرياح غدوّها شهر ورواحها شهر وأرسلنا له عين القطر , ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه , ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير } سبأ 12.

1. الجن
خرج سليمان عليه السلام كعادته إلى بيت المقدس , وكانت العاصفة شديدة , وبقي هناك في محرابه , يعبد الله حتى انتصف الليل , فلما همّ للعودة , تجلى له نور الله عز وجل , وشعر كأن روحه تهيم في تلك الأشعة النورانية , فانطلق لسانه وتحرّكت شفتاه فقال : { وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب } ص 35.

شعر سليمان عليه السلام كأنه في حلم لم يستيقظ منه إلا في الصباح فعاد إلى قصره وجلس على عرشه يفكر فيما رآه من محرابه , وفيما دعا به ربه . فسمع هاتفاً يهتف به ويقول له : لقد استجاب الله دعاءك , وسخر لك في ملكه ما لم يسخره لغيرك .

سخر الله سبحانه عز وجل الرياح لسليمان تجري بأمره حيث يشاء فتسقط الأمطار , وتسوق السفن .

وسخر له الجن والشياطين , يعملون له ما يريد من بناء المساكن والقصور , وإصلاح الأرض للزراعة , وحفر الآبار لريّها .

وأخضع الله سبحانه وتعالى لسليمان الطير والحيوان , فكان هؤلاء وهؤلاء من رعاياه المخلصين .

وكان سليمان عليه السلام عبداً شكوراً , يحمد الله وكان من عباد الله المخلصين . فقال عليه السلام :

رب , بما أنعمت عليّ وعلى والديّ , سأهب نفسي لطاعتك والجهاد في سبيلك , فوفقني إلى طريقك المستقيم .

- سأحارب الفقر الذي يذل عبادك المخلصين .
- سأعلن الحرب على الظلم الذي فتن عبيدك الأولين .
- سأجاهد ما حييت المشركين بك , الخارجين عن طاعتك .

عند ذلك سمع الملائكة تقول : آمين . فسجد لله القوي العزيز .

وحرص سليمان عليه السلام أن لا يفتنه الشيطان بالملك الواسع الذي وهبه الله له والقوى الخارقة التي لم يهبها الله لأحد من قبله ولا لأحد من بعده .

سخر سليمان عليه السلام كل هذه النعم التي أنعم الله بها عليه للإصلاح والتعمير , فخرجت السفن تدفعها ريح سليمان , وعادت تحمل المتاجر من البلاد النائية والجزية من ملوك الأرض والأقطار الواسعة , وقامت شياطين الجن بحفر الآبار وبنائها في الصحراء , وإصلاح الأراضي المحيطة بها , وقطع الأحجار من الجبال , وبناء المدن والأمصار بشوارعها الممهدة , وميادينها الفسيحة , وجعلت في وسط كل ميدان قدراً كبيراً من الحجر المنحوت , يشبه وعاء الطعام , ولكنه عظيم الاتساع , وتأتي السحب بعد ذلك فتملؤه بمياه الأمطار , فإذا هي كبيرة عظيمة الاتساع , تكسب الميادين بهجة وجمالاً فإذا أخذت المدينة زخرفها وازينت أقبل الناس على سكناها وبذر البذور في الوادي المحيط بها , وريّها بمياه الأمطار والآبار فتخضرّ الأرض , ويعم الخير , ويعيش الناس في رخاء يعبدون الله الواهب الرزاق .

وكثرت عمارة المدن , وزراعة الصحارى , وعاش بنو إسرائيل في نعيم ما رأوا مثله في غابر الأيام والأزمان .

وكان قصر سليمان قصراً رائعاً , بل يعدّ من أروع ما تمّ تشييده في هذا الوقت , فأحجاره من الرخام المرمر , وجدرانه وسقفه مموّهة بالذهب الخالص , وبالقرب من مساكن الجند وحظائر الخيل , وتحت القصر خزائن الملك في جوف الأرض , يهبطون إليها في سراديب ممتدّة بين قاعاتها , وفي نهايتها أبواب ضخمة , وقف على كل منها ماردان من عفاريت الجان .

ومن المعجزات التي أنعم الله بها على سليمان , أن الشياطين كانت تخرج كل يوم إلى الجبال : بعضهم ينبشونها ويستخرجون دفائنها من الذهب والماس , وآخرون يغوصون في البحار يصيدون حبّات اللؤلؤ الثمينة , ويعود هؤلاء وهؤلاء في المساء , فيضعون ما جمعوا في خزائن سليمان , ثم يغلقون أبواب الخزائن كلها , ويخرجون من سراديبها إلى بهو القصر العظيم , فتغلق البوابة الكبرى , ويقف لحراستها ماردان من أشراف الجان , لا تغمض لهما عين .

كانوا يخرجون في كل يوم ويعودون , حتى امتلأت خزائن الأرض بالمعادن النفيسة , والأحجار الكريمة التي لا يجرؤ على الدنو منها والاقتراب منها إنس ولا جان .

وكان سليمان عليه السلام يعاقب من يخالفه من الشياطين عقاباً صارماً , فيحبسه في قارورة من زجاج فلا يستطيع الفرار منها طول حياته , وفي يوم جيء له بأحد الشياطين مقيداً بالأغلال , فلما سأل عن ذنبه قيل له : إنه قد أضاع لؤلؤة كبيرة خرج بها من البحر , ولم يودعها خزائن الملك .

قال سليمان : أين خبأتها أيها العفريت ؟

قال الشيطان : لقد غصت مع الغائصين , وخرجت بلؤلؤة في حجم رأس الإنسان , ما رأى أحد مثلها في جمالها , وروعة بريقها , وظننت أنني بهذه اللؤلؤة سأحظى برضاك عني طول حياتي , ولكنني عند العودة فوجئت بمارد جبّار قد انقض عليّ من السماء , وخطفها مني ثم انطلق في الجو نحو الجنوب , واختفى بين طيّات السحاب , فما استطعت اللحاق به .

قال سليمان : إذا كان حقاً ما تقول فإني سأعرض الجن عليك لتخرجه من بينهم .

قال الشيطان : لو كان هذا الجني من مملكتك لما استطاع أن يفرّ مني , ولكنه جنيّ من نوع آخر يعيش في مملكة أخرى .

عندئذ أمر سليمان عليه السلام بسجنه حتى يرى مبلغ صدقه , ودعا وزيره " آصف " وكان وزيراً حكيماً , وعالماً , فرآى الوزير أن الجني صادق فيما يقوله , فقال لسليمان : يا نبي الله ؛ إن الشياطين لا تهتم بجمع اللآلىء بنفسها , ولا بد أنها مسخرة لملك من الإنس , ولقد ساق الله إليك هذا الحادث ليذكرك بما أخذته على نفسك وهو الجهاد في سبيل الله بما وهب لك من القرى , فشغلك جمع النفائس عن الوفاء بوعدك , وأرى أن تجدّ في البحث وراء هذا المارد حتى تهتدي إلى الملك الذي أرسله وربما وجدته من المجوس الذين يتخذون لهم أرباباً من دون الله عز وجل .

أمر سليمان بإطلاق سراح الجني الذي صاد اللؤلؤة , ومكث بعد ذلك ساعة مطرقاً يفكر في كلام وزيره , ثم ذهب إلى محرابه في بيت المقدس حتى منتصف الليل , وفي الصباح أمر أن يتهيأ الجيش للزحف نحو الجنوب .

ريمة مطهر
05-07-2011, 08:38 PM
2. حديث النملة

خرج سليمان يوماً على صهوة جواد أشهب وعن يمينه فرسان الإنس على خيول حمر , وعن يساره فرسان الجن على خيول سود , وخلفه المشاة الذين لا يحصى عددهم من الإنس ومردة الجن , وانتشرت الطيور جماعات في السماء , تحجب أشعة الشمس المحرقة عن هذا الجيش العظيم الذي لم ير الناس مثله .

تحرّك الجيش إلى الجنوب وظل أيام يضرب في مجاهل الصحراء حتى أشرف على وادي النمل فقالت نملة : { يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } النمل 18.

سمع سليمان عليه السلام قولها , وفهم حديثها , فتبسّم ضاحكاً من قولها وقال : { ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه } . النمل 19.

أحسّ سليمان بالمعجزة التي أنعم الله بها عليه وهي أنه يسمع قول نملة في باطن الأرض لا ترى بالعين المجرّدة ويفهم لغتها , ذلك أمر لا يؤتى لأحد غير سليمان عليه السلام وبمشيئة الله وقدرته عز وجل .

أمر سليمان عليه السلام فضربت الخيام , واستراح الجيش أمام وادي النمل يوماً وليلة , ولمّا تهيأ الجيش بعد ذلك للرحيل , جمع فتات الطعام , فاتخذ النمل طريقه إليه ينقله إلى بيوته , وتحوّل جيش سليمان عليه السلام إلى طريق آخر في الصحراء , فظلوا سائرين فيها ليالي وأيّاماً , ولم يصادفوا واحة ينزلون بها , أو عيناً يشربون منها حتى نفذ ما كان معهم من الماء , وأقبل السقاؤون على سليمان يخبرونه حقيقة الأمر .

واستخدم سليمان عليه السلام ما أتاه الله من فضل , بل نقول أنه استخدم المعجزة التي حباه الله إياها وهي تسخير الجن له فأصدر سليمان أمره إلى شياطين الجن بحفر الآبار وإخراج الماء من باطن الأرض , فحفروا ولكنهم لم يجدوا ماء فأعادوا الحفر في أكثر من جهة , فما خرج الماء في واحدة منها , وعادوا إلى سليمان بخيبة الأمل .

قيل لسليمان عليه السلام : إن الهدهد وحده هو الذي يعرف بفطرته أماكن الماء في طبقات الأرض , وهو الذي يستطيع أن يخبرنا عن ماء قريب من السطح .

قال سليمان لحاجبه : عليّ بالهدهد .

خرج الحاجب وعاد ليقول : إن الهدهد ليس موجوداً يا مولاي .

غضب سليمان عليه السلام , وخرج يتفقد الطير , فوجد مكان الهدهد خالياً فقال : { ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } النمل 20.

قال الغراب : لقد رأيته ينطلق نحو الجنوب في صحبة هدهد آخر من طيور هذه الأرض .

قال سليمان : لأعذبنه عذاباً شديداً , أو لأذبحنّه , أو ليأتيني بدليل قوي يبرر به سبب عصيانه أمر ومخالفته تعليماتي .

فقال " آصف " وزير سليمان عليه السلام : إن هذه أول مخالفة تصدر من طير ضعيف , كان مثالاً للطاعة والولاء , ولا بد أن في الأمر سرّاً .

قال سليمان : أي سر يختفي وراء غياب الهدهد ؟!.

قال آصف : أخشى أن قد اقتربنا من وادي الجان , واستعملت أبالستهم السحر والخداع فأضلتنا عن مكان الماء وأسرت الهدهد حتى لا يكتشف لنا ينابيعه .

وقد أخبرني أحد الشياطين أنه سمع في جوف الجبل عزيف الجن , وحاول أن يتفقد أثرهم فما عرف طريقهم , ولا مكانهم , وأبدى خوفه من أن نكون قد وقعنا في أسر مارد جبار من شياطين الجن .

تبسّم سليمان عليه السلام لهذا الخبر العجيب , وقال : الحمد لله الذي هدانا إليهم , وإن النصر لقريب .

كان أمر الماء يشغل سليمان , لأن جنوده يشعرون بالعطش وفي هذا الأمر خطر على حياتهم , فخرج عليه السلام من خيمته وأمر الريح العاصف بحمل السحب الماطرة إليه . فهبت الرياح من الشمال والجنوب , وساقت أمامها السحب ونزل المطر غزيراً من السماء , فملئت القدور والقرب والمواعين وشرب الجيش ماء عذباً , وحمدوا الله جميعاً على رحمته , وجليل نعمته , وهذه معجزة من معجزات نبي الله سليمان عليه السلام .

نعود إلى الهدهد الذي ترك مكانه بين الطيور , بدون إذن من سليمان عليه السلام فإنه نظر إلى مواعين الماء فوجدها فارغة , فخاف أن يموت جيش سيده من العطش , فترك مكانه وأسرع إلى الأمام يجدّ في البحث عن الماء , فوجد طبقات الأرض كلها صخور صمّاء , ليس بها عين من عيون الماء , وصادفه في طريقه هدهد آخر مقبل من الجنوب , فتعارفا وتطوّع هدهد الجنوب , وأرشده إلى ينبوع عظيم .

انطلق الهدهدان حتى أتيا وادياً خصيباً , ثم وقفا يستريحان على شجرة في بستان كبير مملوء بالأشجار والورود والأزاهير وفي وسطه بحيرة واسعة , يخرج الماء إليها من عيون الأرض . فينساب في الجداول بين نبات الأرض وأشجارها .

فرح هدهد سليمان , واستأذن صديقه هدهد الجنوب أن يعود إلى سيّده ليخبره بما رأى , ولكن هدهد الجنوب استوقفه وقال له : أنت لم تر إلا شيئاً صغيراً , فتعال معي لتشاهد عزاً وملكاً كبيراً خلف هذا الوادي , حتى إذا عدت إلى سيّدك أخبرته بكل ما رأيت , فيكون لخبرك أثر عظيم في نفسه .

قال هدهد سليمان : وماذا تريني بعد ؟

قال هدهد الجنوب : انطلق معي لتشاهد بعينيك .

طار الهدهدان وتخطيا جبلاً عالياً , ثم هبطا على واد أخضر به زرع نضير , وقصور فخمة , ثم اتجها نحو قصر بديع فوق ربوة عالية , فدهش هدهد الشمال بما رأى من مناظر العز والجاه , ومظاهر الملك والسلطان , فقال لصاحبه : عجباً ما رأيت مثل هذا إلا في ملك سليمان في الشمال .

قال هدهد الجنوب : وما ملك سليمان هذا بجانب ملك " بلقيس " في الجنوب , اهبط معي من هذه الفتحة لتشاهد هذه المملكة الرائعة وقومها وهم يعبدون الشمس .

هبط الهدهدان , ورأى هدهد سليمان القوم يسجدون للشمس من دون الله , فراغه ذلك , ثم ذهب به هدهد الجنوب إلى قصر " بلقيس " وأراه عرشها العظيم , ثم قال له : انظر إلى هذه اللؤلؤة الكبيرة , هل عند سيّدك مثلها ؟

قال هدهد سليمان : كيف وصلت إليها هذه اللؤلؤة ؟

قال هدهد الجنوب : جاء بها عفريت من الجن منذ شهر .

قال هدهد سليمان : إذن فهذه لؤلؤة سليمان التي خطفها عفريتكم من يد الجني الذي صادها والويل لكم من سليمان .

قال هدهد الجنوب : ليس الأمر كما تظن فـ " بلقيس " تملك الجن كما تملك الإنس , وأخشى على ملكك أن يغترّ بقوته , ويقدم على محاربتها , فيذوق ذل الأسر والهوان على يد جنودها .

ورغم أن هدهد الجنوب بالغ في القول على علاقة الجن ببلقيس لأن هذا الأمر لم يعطى إلا لسليمان عليه السلام , فقد سمع هدهد سليمان كل هذا , ورأى ما رأى , ثم عاد مسرعاً إلى سليمان , فوجد سحباً كثيرة تسقط الأمطار والقوم يشربون .

وصل الهدهد , هدهد سليمان , إلى مقرّه , وتقدّم في ذلة وخضوع إلى الملك سليمان فوجده ساخطاً عليه , وخاف على نفسه سوء العاقبة .

قال سليمان : أين كنت أيها الهدهد ؟ وما سلب مخالفتك أمري ؛ وتركك مكانك بدون إذني ؟!

قصّ الهدهد على سليمان قصته كلها .

ابتسم سليمان وقال : { سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين* اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون } النمل 27-28.

حمل الهدهد رسالة سليمان إلى بلقيس وطار بها إلى قصرها فوجدها جالسة على عرشها , وأمامها حاشيتها ووزراؤها فأسقط الخطاب في حجرها واختفى وراء ستار النافذة .

كانت بلقيس قد عقدت مجلس الشورى للنظر في الأخبار التي جاء بها الجن عن سليمان وجيوشه , فلما وقعت الرسالة في حجرها عجبت لذلك , ثم قرأتها على الحاضرين , جاء في الرسالة : { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم* ألا تعلو عليّ وأتوني مسلمين } النمل 30-31.

فقالت لهم بلقيس : { أفتوني في أمري } .

قالوا : { نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين } .

قالت بلقيس : { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة } ولقد سمعت بسليمان من قبل , ولا أرغب في حرب أخشى منها الهوان لقومي .

وإني مرسلة إلى سليمان بهدية , فإن كان من طلاب الدنيا قنع بها ورجع عنها , وإن رفضها فهو صاحب مبدأ , لا ينثني عنه , وعند ذلك نذهب إليه مسلمين قبل أن يأخذنا أسرى مقيّدين .

ذهب رسول بلقيس إلى سليمان وقدّم بين يديه صندوقاً مملوءاً بالذهب والأحجار الكريمة .

قال سليمان : من أين هذا ؟

قال : هدية من ملكتنا " بلقيس " إلى الملك سليمان .

قال سليمان : { أتمدونن بمال فما آتان الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون } النمل 36.

{ ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجهم منها أذلة وهم صاغرون } النمل 37.

عاد الرسول إلى بلقيس , وأخبرها بما سمع , فأمرت قومها أن يحملوا راية بيضاء , وخرجت بهم إلى سليمان عليه السلام في موكب عظيم , ولكن سليمان سيستبق وصول هذا الموكب بمعجزة تدهش لها بلقيس , ترى ما هذه المعجزة , وماذا ستكون ؟

ريمة مطهر
05-07-2011, 08:41 PM
3. العرش ومعجزة الإتيان به

علم الهدهد من خلال طيرانه ورحلاته أن بلقيس خرجت , فعاد إلى سليمان وأخبره بخروجها , فأمر الجن أن يعدوا لها بنياناً تنزل فيه , فبنوا صرحاً من قوارير خضر , وجعلوا له طوابق من قوارير بيض , فصار كأنه الماء , وجعلوا تحت الطوابق صور دواب البحر من السمك وغيره , فأصبح الذي ينظر إلى أرضه الزجاجية يظن أنها بحيرة بمائه وأسماكها .

ولما ظهر ركب " بلقيس " في الأفق البعيد , جمع سليمان أهل الرأي من الإنس والجان , وقال لهم : { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } .

فوقف عفريت من الجن وقال : { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } أي قبل أن تنتهي من مجلسك .

قال سليمان : { سوف لا ينتهي مجلسي قبل حضورها } .

قال وزيره " آصف " وكان رجلاً عنده علم من الله سبحانه وتعالى : { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } .


رفع سليمان عليه السلام نظره إلى السماء , وسجد " آصف " ودعا ربه سبحانه وتعالى , فإذا العرش أمامهم , فلما نظر سليمان إلى الأرض , ورأى العرش سرّ سروراً كثيراً , وأمر بوضعه أمامه مقلوباً .

أقبلت " بلقيس " فرأت عرشها مقلوباً أمام سليمان , وعجبت كثيراً لأنها تركته بقصرها في حراسة شديدة , ثم نظرت إلى قومها فوجدتهم جميعاً في ذهول .

قال سليمان : أهكذا عرشك ؟

قالت : كأنه هو , ولقد أتيتك بقومي مسلمين .

قال سليمان : الآن أنت وقومك , في أمان , وستظلين مليكة قومك تصرّفين أمورهم , وتحكمينهم بما أمر الله .

طلبت " بلقيس " السماح لها بالعودة إلى قومها لتبشرهم بالدين الجديد , فعرض عليها سليمان أن تستريح من عناء السفر قبل العودة فقبلت دعوته , وخرجت لتغير ملابسها في خيمتها , وذهب سليمان إلى الصرح فجلس على كرسي وانتظر قدومها .

أقبلت " بلقيس " في زينتها إلى مدخل الصرح , ووجدت سليمان في نهاية البهو يرحب بمقدمها , فلما نظرت إلى أرضه حسبتها حوضاً مملوءاً بالماء , وخشيت أن تبتل ملابسها , فكشفت عن ساقيها لتخوض الماء .

قال سليمان : { إنه صرح ممرّد } من قوارير زجاجية .

فخجلت من جهلها , وأقرّت لسليمان بالنبوّة , ولربه بالعظمة والقوّة , وقالت في حماسة ويقين : ربّ , إني ظلمت نفسي بعبادة الشمس , وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين .

ورجعت إلى قومها مؤمنة , وصارت ترسل الجزية في كل عام إلى سليمان .

ريمة مطهر
05-07-2011, 08:43 PM
4. معجزة عند الموت

قضى سليمان سنواته الباقية من حياته يقود رعيته بالعدل , ويتقرّب إلى ربه بالعبادة , وقد اختار لعبادته مكاناً ببيت المقدس , لا يجرؤ أحد على الدنو منه ما دام هو قائم يصلي في المحراب .

فلما علم أنه حان حينه , وانتهى أجله , توكأ على عصاه , وخرج إلى المسجد الأقصى , فدخل المحراب , واتجه إلى الله مرتكزاً على عصاه , فقبضه ملك الموت , وظل جثمانه واقفاً تسنده العصا أياماً , والناس والجن لا يدرون بموته , ولا يجرؤون على الاقتراب منه في محرابه , حتى تآكلت العصا , لقد أكلتها حشرة الأرض , فانكسرت العصا , ووقع الجثمان على الأرض فشاع الخبر , وشيّعته بنو إسرائيل إلى مثواه , وعادوا من قبره يرددون : سبحانك اللهم ! تؤتي الملك من تشاء , وتنزع الملك ممن تشاء .

هكذا كانت معجزات سليمان عليه السلام فهو يكلم النمل والطير والحيوان , ويسخر الرياح والجن بأمر ربه , وعندما يموت يموت هكذا , إنها معجزات عظيمة وملك لم يؤت لأحد من بعد سليمان عليه السلام .

المرجع
معجزات الأنبياء - عبد المنعم الهاشمي