م.أديب الحبشي
06-18-2011, 10:20 AM
والولادات والوفيات بجدة القديمة
الوفيات في جدة
من العادات القديمة إذا مات الميت يحضر المعزون إلى أقرب مسجد لبيت المتوفي فيصلون العصر ثم يتلوا كل منهم ما يتيسر له من القرآن حتى يؤدون صلاة المغرب ثم ينصرفوا . . ثم تطور أسلوب العزاء إلى ما وصل إليه الحال الآن . .وقد تم هذا التغيير على النحو التالي :
نتيجة لتعارض التوقيت السابق مع وقت بعض أصحاب المهن والحرف ، علاوة على جهل غالبية الأهالي – آنذاك - بالقراءة وغيرها من الأسباب فقد اجتمع بعض الأعيان منذ أكثر من 80 عاماً لدى الشيخ / محمد الطويل ، وإهتدوا إلى الأخذ بنظام العزاء الجاري العمل به الآن ما بين المغرب والعشاء ، خاصة مع بدايات انتشار إضاءة الأتاريك . .
ولما كنت لاحظت في الآونة الأخيرة بعض الفوضى وعدم الانتظام في صفوف العزاء نتيجة جهل بعض الجيل الجديد بالعادات والتقاليد التي ينبغي التقيد بها لتفادى الفوضى والحرج . . والأصول ترتيب صف العزاء حسب أولوية السن بصرف النظر عن صلة القرابة . فيقف على رأس الصف الأكبر سناً ، ثم الأصغر فالأصغر . . وهكذا . .
كذلك لاحظت مؤخرا بعض الارتباك والفوضى في حمل نعش المتوفى نتيجة جهل الكثيرين بالأصول المتوارثة بحيث تتكدس الأعداد بحسن نية وطلباً للأجر- في حمل النعش من كل جانب بشكل غير منظم . . فيأتي أحدهم من خلفك ويدفع بك إلى الأمام وما إلى ذلك من أخطاء تخالف ما ينبغي أن يجرى عليه العمل بمناقلة النعش من أمام حامله وليس من خلفه ..
كل هذه أمور قد نظمها الآباء في مجتمعنا وهى ما ينبغي علينا مراعاتها لمصلحتنا كمجتمع له مظاهره وتقاليده الموروثة التي تعتبر مرآة لما وصل إليه أي مجتمع من تحضر ورقى ..
وكان الأهالي يحضرون المقرئ ليقرأ على المتوفي حال وفاته حتى تحين ساعة غسله . . أما إذا توفي ليلاً فيتم إحضار الشيخ للقراءة طوال الليل وتسمى " سهرة " حيث يقدم عشاء خفيف للأهل والمقربين . . كما يحضر الجيران عادة إفطارا خفيفا لأهل المتوفي بعد دفنه ..
وكان أهل المتوفي يحملون معهم في الجنازة كيس من الخبز بحيث يقسم الرغيف نصفين ويوضع بداخلهما التمر ثم يورع على الفقراء لدى دفنه ..
ومن العادات التي كانت شائعة أنه قبل خروج الجنازة يتم إرسال " كيس ملح " إلى أحد الأربطة القريبة . ولا أعلم تفسيراً لذلك.
هذا وكان للمقرئين منظمين ومشايخ ومن أشهر المشايخ في القرن الرابع عشر الهجري الشيخ / عبد الوهاب قاضي ومن بعده السيد / حسين عطية وكانت طائفتهم تضم أكثر من مائة مقرئ أغلبهم من أصحاب الكتاتيب الذين كانوا يتجمعون في مقهى " أبو القعور " ويأتيهم أصحاب الحاجة .. ومن أشهر الأسر التي عرفت وتوارثت قراءة القرآن في المآتم وخلافها " بيت عطية " .. ومن مشاهير المقرئين كان الشيخ / صالح بغدادي والشيخ / طه ميهي .
ومن بين المقرئين الكثير من المشايخ مكفوفي البصر وخفيفي الظل منهم الشيخ / إبراهيم فيضي ، والشيخ / عبد النبي رقبان ، والشيخ / سعيد رقبان ، والشيخ / محمد نونو ..
ومن بين العادات التي عاصرناها التجمع السنوي للمقرئين خلال شهر شعبان عند مقابر الأسد وأما حواء .. وكان زوار المقابر خاصة من النساء الذين يحضرون بكثرة يطلبون منهم القراءة على أمواتهم المدفونين بتلك المقابر ويوزعون عليهم الفتوت والتمر والشريك ..
وهكذا كان المقرئ عنصر رئيسي في أفراح الناس وأتراحهم بدءً من تسمية المولود وتعليمه وتزويجة وتسمية أولاده ويقرأ له خلال شهر رمضان ثم يقرأ له عند وفاته ، وبالتالي فهذا يؤكد دور القرآن في حياة المجتمع ..
أما بالنسبة للنساء فكان العزاء يسمى الوجبة وكانت لمدة (40) يوماً بمعدل ثلاثة أيام أسبوعياً يوم بعد يوم . ويتم الإعلان عن قطع العزاء مسبقاً . . وكانت تقام خلال تلك الأيام الولائم وهي عبارة عن الرز بالحمص والسقط والسلطة .. كما كانت من العادات المتبعة العشرين والأربعين والحول " بعد مرور سنة " وفي تلك الأيام يقرأ القرآن وتوزع الصدقات وتعد الولائم .
القبرجية : وهم من يتولون غسيل الموتى ، وحفر القبور. . وكان من أشهرهم آنذاك الغسال " دتو التكروني " ، والحفار " محمد أمين فلوسة " و" حسن نتو " وكانوا يحضرون دكة غسيل الميت والنعش إلى بيت المتوفي . . وعادة ما يلبسون الثياب الملونة والعمامة الحلبي والبقشة الملونة . . ومن أشهر المغسلين كذلك " يوسف ياسين " و " عبد الوهاب قاضي "..
أما أشهر غسالات النساء فكن من بيت ياسين وبيت عمارة . . وتعتبر مقبرتي " أمنا حواء " و " الأسد " أشهر مقابر جدة القديمة ولا زالت بل كانتا المقبرتين الوحيدتين المعروفتين لأهالي جدة القديمة .
هذا وفيما يتعلق بمقبرة المسيحيين بجدة فقد أشرت أليها في موضع آخر من الكتاب .. وكان الرحالة الفرنسي " ديديه " قد أشار خلال زيارته إلى جدة عام 1854م إلى تلك المقبرة . وذكر بأنه لم يكن يسمح في السابق بدفن المسيحيين بجدة شأن مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث كان يتم دفنهم في إحدى الجزر الصغيرة في خليج جدة .
المرجع
( كتاب جدة .. حكاية مدينة– لمحمد يوسف محمد حسن طرابلسي–الطبعة الأولى 1427هـ ، 2006م)
الوفيات في جدة
من العادات القديمة إذا مات الميت يحضر المعزون إلى أقرب مسجد لبيت المتوفي فيصلون العصر ثم يتلوا كل منهم ما يتيسر له من القرآن حتى يؤدون صلاة المغرب ثم ينصرفوا . . ثم تطور أسلوب العزاء إلى ما وصل إليه الحال الآن . .وقد تم هذا التغيير على النحو التالي :
نتيجة لتعارض التوقيت السابق مع وقت بعض أصحاب المهن والحرف ، علاوة على جهل غالبية الأهالي – آنذاك - بالقراءة وغيرها من الأسباب فقد اجتمع بعض الأعيان منذ أكثر من 80 عاماً لدى الشيخ / محمد الطويل ، وإهتدوا إلى الأخذ بنظام العزاء الجاري العمل به الآن ما بين المغرب والعشاء ، خاصة مع بدايات انتشار إضاءة الأتاريك . .
ولما كنت لاحظت في الآونة الأخيرة بعض الفوضى وعدم الانتظام في صفوف العزاء نتيجة جهل بعض الجيل الجديد بالعادات والتقاليد التي ينبغي التقيد بها لتفادى الفوضى والحرج . . والأصول ترتيب صف العزاء حسب أولوية السن بصرف النظر عن صلة القرابة . فيقف على رأس الصف الأكبر سناً ، ثم الأصغر فالأصغر . . وهكذا . .
كذلك لاحظت مؤخرا بعض الارتباك والفوضى في حمل نعش المتوفى نتيجة جهل الكثيرين بالأصول المتوارثة بحيث تتكدس الأعداد بحسن نية وطلباً للأجر- في حمل النعش من كل جانب بشكل غير منظم . . فيأتي أحدهم من خلفك ويدفع بك إلى الأمام وما إلى ذلك من أخطاء تخالف ما ينبغي أن يجرى عليه العمل بمناقلة النعش من أمام حامله وليس من خلفه ..
كل هذه أمور قد نظمها الآباء في مجتمعنا وهى ما ينبغي علينا مراعاتها لمصلحتنا كمجتمع له مظاهره وتقاليده الموروثة التي تعتبر مرآة لما وصل إليه أي مجتمع من تحضر ورقى ..
وكان الأهالي يحضرون المقرئ ليقرأ على المتوفي حال وفاته حتى تحين ساعة غسله . . أما إذا توفي ليلاً فيتم إحضار الشيخ للقراءة طوال الليل وتسمى " سهرة " حيث يقدم عشاء خفيف للأهل والمقربين . . كما يحضر الجيران عادة إفطارا خفيفا لأهل المتوفي بعد دفنه ..
وكان أهل المتوفي يحملون معهم في الجنازة كيس من الخبز بحيث يقسم الرغيف نصفين ويوضع بداخلهما التمر ثم يورع على الفقراء لدى دفنه ..
ومن العادات التي كانت شائعة أنه قبل خروج الجنازة يتم إرسال " كيس ملح " إلى أحد الأربطة القريبة . ولا أعلم تفسيراً لذلك.
هذا وكان للمقرئين منظمين ومشايخ ومن أشهر المشايخ في القرن الرابع عشر الهجري الشيخ / عبد الوهاب قاضي ومن بعده السيد / حسين عطية وكانت طائفتهم تضم أكثر من مائة مقرئ أغلبهم من أصحاب الكتاتيب الذين كانوا يتجمعون في مقهى " أبو القعور " ويأتيهم أصحاب الحاجة .. ومن أشهر الأسر التي عرفت وتوارثت قراءة القرآن في المآتم وخلافها " بيت عطية " .. ومن مشاهير المقرئين كان الشيخ / صالح بغدادي والشيخ / طه ميهي .
ومن بين المقرئين الكثير من المشايخ مكفوفي البصر وخفيفي الظل منهم الشيخ / إبراهيم فيضي ، والشيخ / عبد النبي رقبان ، والشيخ / سعيد رقبان ، والشيخ / محمد نونو ..
ومن بين العادات التي عاصرناها التجمع السنوي للمقرئين خلال شهر شعبان عند مقابر الأسد وأما حواء .. وكان زوار المقابر خاصة من النساء الذين يحضرون بكثرة يطلبون منهم القراءة على أمواتهم المدفونين بتلك المقابر ويوزعون عليهم الفتوت والتمر والشريك ..
وهكذا كان المقرئ عنصر رئيسي في أفراح الناس وأتراحهم بدءً من تسمية المولود وتعليمه وتزويجة وتسمية أولاده ويقرأ له خلال شهر رمضان ثم يقرأ له عند وفاته ، وبالتالي فهذا يؤكد دور القرآن في حياة المجتمع ..
أما بالنسبة للنساء فكان العزاء يسمى الوجبة وكانت لمدة (40) يوماً بمعدل ثلاثة أيام أسبوعياً يوم بعد يوم . ويتم الإعلان عن قطع العزاء مسبقاً . . وكانت تقام خلال تلك الأيام الولائم وهي عبارة عن الرز بالحمص والسقط والسلطة .. كما كانت من العادات المتبعة العشرين والأربعين والحول " بعد مرور سنة " وفي تلك الأيام يقرأ القرآن وتوزع الصدقات وتعد الولائم .
القبرجية : وهم من يتولون غسيل الموتى ، وحفر القبور. . وكان من أشهرهم آنذاك الغسال " دتو التكروني " ، والحفار " محمد أمين فلوسة " و" حسن نتو " وكانوا يحضرون دكة غسيل الميت والنعش إلى بيت المتوفي . . وعادة ما يلبسون الثياب الملونة والعمامة الحلبي والبقشة الملونة . . ومن أشهر المغسلين كذلك " يوسف ياسين " و " عبد الوهاب قاضي "..
أما أشهر غسالات النساء فكن من بيت ياسين وبيت عمارة . . وتعتبر مقبرتي " أمنا حواء " و " الأسد " أشهر مقابر جدة القديمة ولا زالت بل كانتا المقبرتين الوحيدتين المعروفتين لأهالي جدة القديمة .
هذا وفيما يتعلق بمقبرة المسيحيين بجدة فقد أشرت أليها في موضع آخر من الكتاب .. وكان الرحالة الفرنسي " ديديه " قد أشار خلال زيارته إلى جدة عام 1854م إلى تلك المقبرة . وذكر بأنه لم يكن يسمح في السابق بدفن المسيحيين بجدة شأن مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث كان يتم دفنهم في إحدى الجزر الصغيرة في خليج جدة .
المرجع
( كتاب جدة .. حكاية مدينة– لمحمد يوسف محمد حسن طرابلسي–الطبعة الأولى 1427هـ ، 2006م)