شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام مالك


ريمة مطهر
05-29-2011, 08:03 PM
مالك الإمام
( الطبقة السابعة من التابعين )

هو شيخ الإسلام ، حجة الأمة ، إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث ، وهو ذو أصبح بن عوف بن مالك بن زيد بن شداد بن زرعة ، وهو حمير الأصغر الحميري ثم الأصبحي المدني ، حليف بني تيم من قريش ، فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة .

وأمه هي : عالية بنت شريك الأزدية . وأعمامه هم : أبو سهيل نافع وأويس ، والربيع ، والنضر ، أولاد أبي عامر .

وقد روى الزهري عن : والده أنس ، وعميه أويس وأبي سهيل . وقال : مولى التيميين ، وروى أبو أويس عبد الله عن عمه الربيع ، وكان أبوهم من كبار علماء التابعين . أخذ عن عثمان وطائفة .

ريمة مطهر
05-29-2011, 08:22 PM
مولد مالك

على الأصح في سنة ثلاث وتسعين عام موت أنس خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونشأ في صون ورفاهية وتجمل . وطلب العلم وهو حدث بعيد موت القاسم وسالم .

فأخذ عن : نافع ، وسعيد المقبري ، وعامر بن عبد الله بن الزبير ، وابن المنكدر ، والزهري ، وعبد الله بن دينار ، وخلق سنذكرهم على المعجم ، وإلى جانب كل واحد منهم ما روى عنه في الموطأ ، كم عدده . وهم : إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أيوب بن أبي تميمة السختياني عالم البصرة ، أيوب بن حبيب الجهني مولى سعد بن مالك ، . إبراهيم بن عقبة ، إسماعيل بن أبي حكيم ، إسماعيل بن محمد بن سعد ، ثور بن زيد الديلي ، جعفر بن محمد ، حميد الطويل ، حميد بن قيس الأعرج ، خبيب بن عبد الرحمن ، داود بن الحصين ، داود أبو ليلى بن عبد الله في القسامة ، ربيعة الرأي ، زيد بن أسلم ، زيد بن رباح ، زياد بن سعد زيد بن أبي أنيسة ، سالم أبو النضر ، سعيد بن أبي سعيد ، سمي مولى أبي بكر ، سلمة بن دينار أبو حازم ، سهيل بن أبي صالح ، سلمة بن صفوان الزرقي ، سعد بن إسحاق ، سعيد بن عمرو بن شرحبيل ، شريك بن أبي نمر ، صالح بن كيسان ، صفوان بن سليم ، صيفي مولى ابن أفلح ، ضمرة بن سعيد ، طلحة بن عبد الملك ، عامر بن عبد الله بن الزبير ، عبد الله بن الفضل ، عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ، عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عبد الله بن يزيد مولى الأسود ، عبد الله بن دينار ، أبو الزناد عبد الله بن ذكوان .

عبد الرحمن بن القاسم ، عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عبد الله بن عبد الرحمن أبو طوالة ، عبيد الله بن سليمان الأغر ، عبيد الله بن عبد الرحمن ، عبد الرحمن بن حرملة ، عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عبد المجيد بن سهيل ، عبد ربه بن سعيد ، عبد الكريم الجزري ، عطاء الخراساني ، عمرو بن الحارث ، عمرو بن أبي عمرو ، عمرو بن يحيى بن عمار ، علقمة بن أبي علقمة ، العلاء بن عبد الرحمن ، فضيل بن أبي عبد الله ، قطن بن وهب ، الزهري ، ابن المنكدر ، أبو الزبير ، محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة ، محمد بن عمرو بن حلحلة ، محمد بن عمارة ، محمد بن أبي أمامة ، محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة ، محمد بن أبي بكر الثقفي ، محمد بن عمرو بن علقمة ، محمد بن يحيى بن حبان ، محمد بن أبي بكر بن حزم ، أبو الرجال محمد ، موسى بن عقبة ، موسى بن ميسرة ، موسى بن أبي تميم ، مخرمة بن سليمان ، مسلم بن أبي مريم ، المسور بن رفاعة ، نافع ، أبو سهيل نافع بن مالك ، نعيم المجمر ، وهب بن كيسان ، هاشم بن هاشم الوقاصي ، هلال بن أبي ميمونة ، هشام بن عروة ، يحيى بن سعيد الأنصاري ، يزيد بن خصيفة ، يزيد بن أبي زياد المدني ، يزيد بن عبد الله بن الهاد ، يزيد بن رومان ، يزيد بن عبد الله بن قسيط ، يونس بن يوسف بن حماس ، أبو بكر بن عمر العمري ، أبو بكر بن نافع ، الثقة عنده ، الثقة .

فعنهم كلهم ست مائة وستة وثلاثون حديثاً ، وستة أحاديث عمن لم يسم ، واختلف في ذلك في أحد وسبعين حديثاً .

وممن روى عنه : مالك مقاطيع : عبد الكريم بن أبي المخارق ، ومحمد بن عقبة ، وعمر بن حسين ، وكثير بن زيد ، وكثير بن فرقد ، ومحمد بن عبيد الله بن أبي مريم ، وعثمان بن حفص بن خلدة ، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، ويعقوب بن يزيد بن طلحة ، ويحيى بن محمد بن طحلاء ، وسعيد بن عبد الرحمن بن رقيش ، وعبد الرحمن بن المجبر ، والصلت بن زييد وأبو عبيد حاجب سليمان ، ومحمد بن يوسف ، وعفيف بن عمرو ، ومحمد بن زيد بن قنفذ ، وأبو جعفر القارئ ، وعمر بن محمد بن زيد ، وصدقة بن يسار المكي ، وزياد بن أبي زياد ، وعمارة بن صياد ، وسعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت ، وسعيد بن عمرو بن سليم ، وعروة بن أذينة ، وأيوب بن موسى ، ومحمد بن أبي حرملة ، وأبو بكر بن عثمان ، وجميل بن عبد الرحمن المؤذن ، وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد ، وعمرو بن عبيد الله الأنصاري ، وإبراهيم بن أبي عبلة ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند ، ويزيد بن حفص ، وعاصم بن عبيد الله ، وثابت الأحنف ، وعبد الرحمن بن أبي حبيب ، وعمر بن أبي دلاف ، وعبد الملك بن قريز ، والوليد بن عبد الله بن صياد ، وعائشة بنت سعد .

وفي ( الموطأ ) عدة مراسيل أيضاً عن الزهري ، ويحيى الأنصاري وهشام بن عروة . عمل الإمام الدارقطني أطراف جميع ذلك في جزء كبير ، فشفى وبين ، وقد كنت أفردت أسماء الرواة عنه في جزء كبير يقارب عددهم ألفاً وأربعمائة ، فلنذكر أعيانهم .

حدث عنه من شيوخه : عمه أبو سهيل ، ويحيى بن أبي كثير ، والزهري ، ويحيى بن سعيد ، ويزيد بن الهاد ، وزيد بن أبي أنيسة ، وعمر بن محمد بن زيد ، وغيرهم .

ومن أقرانه : معمر ، وابن جريج ، وأبو حنيفة ، وعمرو بن الحارث ، والأوزاعي ، وشعبة ، والثوري ، وجويرية بن أسماء ، والليث ، وحماد بن زيد ، وخلق ، وإسماعيل بن جعفر ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك ، والدراوردي ، وابن أبي الزناد ، وابن علية ، ويحيى بن أبي زائدة ، وأبو إسحاق الفزاري ، ومحمد بن الحسن الفقيه ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ومعن بن عيسى القزاز ، وعبد الله بن وهب ، وأبو قرة موسى بن طارق ، والنعمان بن عبد السلام ، ووكيع ، والوليد بن مسلم ، ويحيى القطان ، وإسحاق بن سليمان الرازي ، وأنس بن عياض الليثي ، وضمرة بن ربيعة ، وأمية بن خالد ، وبشر بن السري الأفوه ، وبقية بن الوليد ، وبكر بن الشرود الصنعاني ، وأبو أسامة ، وحجاج بن محمد ، وروح بن عبادة ، وأشهب بن عبد العزيز ، وأبو عبد الله الشافعي ، وعبد الله بن عبد الحكم ، وزياد بن عبد الرحمن شبطون الأندلسي ، وأبو داود الطيالسي ، وأبو كامل مظفر بن مدرك ، وأبو عاصم النبيل ، وعبد الرزاق ، وأبو عامر العقدي ، وأبو مسهر الدمشقي ، وعبد الله بن نافع الصائغ ، وعبد الله بن عثمان المروزي عبدان ، ومروان بن محمد الطاط‍ري ، وعبد الله بن يوسف التنيسي ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، ومعلى بن منصور الرازي ، ومنصور بن سلمة الخزاعي ، والهيثم بن جميل الأنطاكي ، وهشام بن عبيد الله الرازي ، وأسد بن موسى ، وآدم بن أبي إياس ، ومحمد بن عيسى بن الطباع ، وخالد بن مخلد القطواني ، ويحيى بن صالح الوحاظي ، وأبو بكر ، وإسماعيل ابنا أبي أويس ، وعلي بن الجعد ، وخلف بن هشام .

ويحيى بن يحيى التميمي ، ويحيى بن يحيى الليثي ، وسعيد بن منصور ، ويحيى بن بكير ، وأبو جعفر النفيلي ، وقتيبة بن سعيد ، ومصعب بن عبد الله الزبيري ، وأبو مصعب الزهري ، وأحمد بن يونس اليربوعي ، وسويد بن سعيد ، ومحمد بن سليمان لوين ، وهشام بن عمار ، وأحمد بن حاتم الطويل ، وأحمد بن نصر الخزاعي الشهيد ، وأحمد بن محمد الأزرقي ، وإبراهيم بن يوسف البلخي الماكياني ، وإبراهيم بن سليمان الزيات البلخي ، وإسماعيل بن موسى الفزاري ، وإسحاق بن عيسى بن الطباع أخو محمد ، وإسحاق بن محمد الفروي ، وإسحاق بن الفرات ، وإسحاق بن إبراهيم الحنيني ، وبشر بن الوليد الكندي ، وحبيب بن أبي حبيب كاتب مالك ، والحكم بن المبارك الخاشتي وخالد بن خداش المهلبي ، وخلف بن هشام البزار ، وزهير بن عباد الرؤاسي ، وسعيد بن عفير المصري ، وسعيد بن داود الزبيري ، وسعيد بن أبي مريم ، وأبو الربيع سليمان بن داود الزهراني ، وصالح بن عبد الله الترمذي ، وعبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري ، وعبد الله بن نافع الجمحي ، وعبد الرحمن بن عمرو البجلي الحراني ، وعبد الأعلى بن حماد النرسي ، وعبد العزيز بن يحيى المدني ، وأبو نعيم عبيد بن هشام الحلبي ، وعلي بن عبد الحميد المعني ، وعتبة بن عبد الله اليحمدي المروزي ، وعمرو بن خالد الحراني ، وعاصم بن علي الواسطي ، وعباس بن الوليد النرسي ، وكامل بن طلحة ، ومحمد بن معاوية النيسابوري ، ومحمد بن عمر الواقدي ، وأبو الأحوص محمد بن حبان البغوي ، ومحمد بن جعفر الوركاني ، ومحمد بن إبراهيم بن أبي سكينة ، ومنصور بن أبي مزاحم ، ومطرف بن عبد الله اليساري ، ومحرز بن سلمة العدني ، ومحرز بن عون ، والهيثم بن خارجة ، ويحيى بن قزعة المدني ، ويحيى بن سليمان بن نضلة المدني ، ويزيد بن صالح النيسابوري الفراء .

وآخر أصحابه موتاً راوي ( الموطأ ) أبو حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي ، عاش بعد مالك ثمانين عاماً .

وقد حج قديماً ، ولحق عطاء بن أبي رباح ، فقال مصعب الزبيري : سمعت ابن أبي الزبير ، يقول : حدثنا مالك ، قال : رأيت عطاء بن أبي رباح دخل المسجد ، وأخذ برمانة المنبر ، ثم استقبل القبلة .

قال معن ، والواقدي ، ومحمد بن الضحاك : حملت أم مالك بمالك ثلاث سنين . وعن الواقدي قال : حملت به سنتين .

وطلب مالك العلم ، وهو ابن بضع عشرة سنة ، وتأهل للفتيا ، وجلس للإفادة ، وله إحدى وعشرون سنة ، وحدث عنه جماعة وهو حي شاب طري ، وقصده طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور وما بعد ذلك ، وازدحموا عليه في خلافة الرشيد ، وإلى أن مات .

أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الغني المعدل ، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف ، أخبرنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا محمد بن أبي القاسم الخطيب ، قالا : أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا علي بن محمد بن محمد الأنباري ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، أخبرنا محمد بن مخلد ، حدثنا أبو يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار ، حدثنا ابن عيينة عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم ، فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة " . وبه إلى ابن مخلد : حدثنا ليث بن الفرج ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي على الناس زمان يضربون أكباد الإبل . . " . فذكر الحديث . هذا حديث نظيف الإسناد ، غريب المتن . رواه عدة عن سفيان بن عيينة . وفي لفظ : " يوشك أن يضرب الناس آباط الإبل يلتمسون العلم " وفي لفظ : " من عالم بالمدينة " وفي لفظ : " أفقه من عالم المدينة " .

وقد رواه المحاربي عن ابن جريج موقوفاً ، ويروى عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن ابن جريج مرفوعاً . .

وقد رواه النسائي فقال : حدثنا علي بن أحمد ، حدثنا محمد بن كثير ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يضربون أكباد الإبل فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة " . قال النسائي : هذا خطأ ، الصواب عن أبي الزبير ، عن أبي صالح .

معن بن عيسى ، عن أبي المنذر زهير التميمي ، قال : قال عبيد الله بن عمر ، عن سعيد بن أبي هند ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج ناس من المشرق والمغرب في طلب العلم ، فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة " .

ويروى عن ابن عيينة قال : كنت أقول : هو سعيد بن المسيب ، حتى قلت : كان في زمانه سليمان بن يسار ، وسالم بن عبد الله ، وغيرهما ، ثم أصبحت اليوم أقول : إنه مالك ، لم يبق له نظير بالمدينة .

قال القاضي عياض : هذا هو الصحيح عن سفيان . رواه عنه ابن مهدي وابن معين ، وذؤيب بن عمامة وابن المديني ، والزبير بن بكار ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، كلهم سمع سفيان يفسره بمالك ، أو يقول : وأظنه ، أو أحسبه ، أو أراه ، أو كانوا يرونه .

وذكر أبو المغيرة المخزومي أن معناه : ما دام المسلمون يطلبون العلم لا يجدون أعلم من عالم بالمدينة . فيكون على هذا : سعيد بن المسيب ، ثم بعده من هو من شيوخ مالك ، ثم مالك ، ثم من قام بعده بعلمه ، وكان أعلم أصحابه .

قلت : كان عالم المدينة في زمانه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، زيد بن ثابت ، وعائشة ، ثم ابن عمر ، ثم سعيد بن المسيب ، ثم الزهري ، ثم عبيد الله بن عمر ، ثم مالك .

وعن ابن عيينة قال : مالك عالم أهل الحجاز ، وهو حجة زمانه . وقال الشافعي - وصدق وبر - إذا ذكر العلماء فمالك النجم . قال الزبير بن بكار في حديث : ليضربن الناس أكباد الإبل . . . كان سفيان بن عيينة إذا حدث بهذا في حياة مالك ، يقول : أراه مالكاً . فأقام على ذلك زماناً ثم رجع بعد ، فقال : أراه عبد الله بن عبد العزيز العمري الزاهد .

قال ابن عبد البر ، وغير واحد : ليس العمري ممن يلحق في العلم والفقه بمالك ، وإن كان شريفاً سيداً ، عابداً .

قال أحمد بن أبي خيثمة : حدثنا مصعب ، قال : أخبرنا سفيان : نرى هذا الحديث أنه هو مالك ، وكان سفيان يسألني عن أخبار مالك .

قلت : قد كان لهذا العمري علم وفقه جيد وفضل ، وكان قوالاً بالحق ، أماراً بالعرف ، منعزلاً عن الناس ، وكان يحض مالكاً إذا خلا به على الزهد ، والانقطاع والعزلة ، فرحمهما الله .

ولم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكاً في العلم والفقه ، والجلالة والحفظ ، فقد كان بها بعد الصحابة مثل سعيد بن المسيب ، والفقهاء السبعة والقاسم ، وسالم ، وعكرمة ، ونافع ، وطبقتهم ، ثم زيد بن أسلم ، وابن شهاب ، وأبي الزناد ، ويحيى بن سعيد ، وصفوان بن سليم ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وطبقتهم ، فلما تفانوا ، اشتهر ذكر مالك بها ، وابن أبي ذئب ، وعبد العزيز بن الماجشون ، وسليمان بن بلال ، وفليح بن سليمان ، والدراوردي ، وأقرانهم ، فكان مالك هو المقدم فيهم على الإطلاق ، والذي تضرب إليه آباط الإبل من الآفاق ، رحمه الله تعالى . وقد وقع لي من عواليه ( موطأ ) أبي مصعب . وفي الطريق إجازة ، ووقع لي من عالي حديثه بالاتصال أربعون حديثاً من المائة الشريحية ، وجزء بيبى ، وجزء البانياسي ، والأجزاء المحامليات ، فمن ذلك :

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الهمداني ، قال : أخبرنا أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري ببغداد ، سنة عشرين وستمائة ، أخبرنا عمي أبو بكر محمد بن عبد العزيز في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، أخبرنا عاصم بن الحسن ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي ، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي ، حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني ، حدثنا مالك ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن أبي يونس مولى عائشة ، عن عائشة أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب ، وأنا أسمع - : يا رسول الله ، إني أصبح جنباً ، وأنا أريد الصيام ، أفأغتسل وأصوم ذلك اليوم ؟ فقال : " وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم ذلك اليوم " فقال له الرجل : يا رسول الله ، إنك لست مثلنا ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي " .

هذا حديث صحيح . أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك ، ورواه النسائي في مسند مالك له ، عن محمد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم الفقيه ، عن مالك .

وروى النسائي هذا المتن بنحوه عن أحمد بن حفص النيسابوري ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن ط‍همان ، عن حجاج بن حجاج ، عن قتادة ، عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن نافع مولى أم سلمة ، عن أم سلمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا إسناد غريب ، عزيز قد توالى فيه خمسة تابعيون بعضهم عن بعض ، ومن حيث العدد : كأنني صافحت فيه النسائي .

ورواه أيضا ابن أبي عروبة ، عن قتادة بإسناده ، لكنه لم يسم فيه نافعاً ، بل قال : عن مولى أم سلمة ، عنها ، وحديث عائشة هو في صحيح مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن عبد الرحمن وهو أبو طوالة ، ولم يخرج البخاري لأبي يونس شيئا فيما علمت ، والله أعلم .

قال أبو عبد الله الحاكم - وذكر سادة من أئمة التابعين بالمدينة ، كابن المسيب ، ومن بعده - قال : فما ضربت أكباد الإبل من النواحي إلى أحد منهم دون غيره ، حتى انقرضوا وخلا عصرهم ، ثم حدث مثل : ابن شهاب ، وربيعة ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الله بن يزيد بن هرمز ، وأبي الزناد ، وصفوان بن سليم ، وكلهم يفتي بالمدينة ، ولم ينفرد واحد منهم بأن ضربت إليه أكباد الإبل حتى خلا هذا العصر فلم يقع بهم التأويل في عالم أهل المدينة . ثم حدث بعدهم مالك ، فكان مفتيها ، فضربت إليه أكباد الإبل من الآفاق ، واعترفوا له ، وروت الأئمة عنه ممن كان أقدم منه سناً ، كالليث عالم أهل مصر والمغرب ، وكالأوزاعي عالم أهل الشام ومفتيهم ، والثوري ، وهو المقدم بالكوفة ، وشعبة عالم أهل البصرة . إلى أن قال : وحمل عنه قبلهم يحيى بن سعيد الأنصاري حين ولاه أبو جعفر قضاء القضاة ، فسأل مالكاً أن يكتب له مائة حديث حين خرج إلى العراق ، ومن قبل كان ابن جريج حمل عنه .

أبو مصعب : سمعت مالكاً يقول : دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين ، وقد نزل على مثال له - يعني فرشه - وإذا على بساطه دابتان ما تروثان ولا تبولان ، وجاء صبي يخرج ثم يرجع ، فقال لي : أتدري من هذا ؟ قلت : لا . قال : هذا ابني ، وإنما يفزع من هيبتك ، ثم ساءلني عن أشياء منها حلال ، ومنها حرام ، ثم قال لي : أنت - والله - أعقل الناس ، وأعلم الناس . قلت : لا والله يا أمير المؤمنين . قال : بلى . ولكنك تكتم . ثم قال : والله لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف ، ولأبعثن به إلى الآفاق ، فلأحملنهم عليه .

الحسن بن عبد العزيز الجروي : حدثنا عبد الله بن يوسف ، عن خلف بن عمر ، سمع مالكاً يقول : ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني : هل تراني موضعاً لذلك ؟ سألت ربيعة ، وسألت يحيى بن سعيد ، فأمراني بذلك . فقلت : فلو نهوك ؟ قال : كنت أنتهي ، لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه .

قال خلف : ودخلت عليه ، فقال : ما ترى ؟ فإذا رؤيا بعثها بعض إخوانه ، يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، في مسجد قد اجتمع الناس عليه ، فقال لهم : إني قد خبأت تحت منبري طيباً أو علماً ، وأمرت مالكاً أن يفرقه على الناس ، فانصرف الناس وهم يقولون : إذا ينفذ مالك ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بكى ، فقمت عنه .

أحمد بن صالح : سمعت ابن وهب يقول : قال مالك : لقد سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ، ما حدثت بها قط ، ولا أحدث بها .

نصر بن علي الجهضمي حدثني حسين بن عروة قال : قدم المهدي ، فبعث إلى مالك بألفي دينار ، أو قال : بثلاثة آلاف دينار ، ثم أتاه الربيع بعد ذلك ، فقال : إن أمير المؤمنين يحب أن تعادله إلى مدينة السلام ، فقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون والمال عندي على حاله " .

محمود بن غيلان ، حدثنا إسماعيل بن داود المخراقي : سمعت مالكاً يقول : أخذ ربيعة الرأي بيدي ، فقال : ورب هذا المقام ، ما رأيت عراقياً تام العقل ، وسمعت مالكاً يقول : كان عطاء بن أبي رباح ضعيف العقل .

ياسين بن عبد الأحد ، حدثني عمر بن المحبر الرعيني ، قال : قدم المهدي المدينة ، فبعث إلى مالك ، فأتاه ، فقال لهارون وموسى : اسمعا منه ، فبعث إليه ، فلم يجبهما ، فأعلما المهدي ، فكلمه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، العلم يؤتى أهله . فقال : صدق مالك ، صيرا إليه ، فلما صارا إليه ، قال له مؤدبهما : اقرأ علينا ، فقال : إن أهل المدينة يقرءون على العالم ، كما يقرأ الصبيان على المعلم ، فإذا أخطئوا ، أفتاهم . فرجعوا إلى المهدي ، فبعث إلى مالك ، فكلمه ، فقال : سمعت ابن شهاب يقول : جمعنا هذا العلم في الروضة من رجال ، وهم يا أمير المؤمنين : سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة ، وعروة ، والقاسم ، وسالم ، وخارجة بن زيد ، وسليمان بن يسار ، ونافع ، وعبد الرحمن بن هرمز ، ومن بعدهم : أبو الزناد ، وربيعة ، ويحيى بن سعيد ، وابن شهاب ، كل هؤلاء يقرأ عليهم ولا يقرءون ، فقال : في هؤلاء قدوة ، صيروا إليه ، فاقرءوا عليه ، ففعلوا .

قتيبة : حدثنا معن ، عن مالك ، قال : قدم هارون يريد الحج ، ومعه يعقوب أبو يوسف ، فأتى مالك أمير المؤمنين ، فقربه وأكرمه ، فلما جلس ، أقبل إليه أبو يوسف ، فسأله عن مسألة فلم يجبه ، ثم عاد فسأله فلم يجبه ، ثم عاد فسأله . فقال هارون : يا أبا عبد الله ، هذا قاضينا يعقوب ، يسألك ، قال : فأقبل عليه مالك ، فقال : يا هذا ، إذا رأيتني جلست لأهل الباطل ، فتعال أجبك معهم .

السراج : حدثنا قتيبة : كنا إذا دخلنا على مالك ، خرج إلينا مزيناً مكحلاً مطيباً ، قد لبس من أحسن ثيابه ، وتصدر الحلقة ، ودعا بالمراوح ، فأعطى لكل منا مروحة .

محمد بن سعد : حدثني محمد بن عمر ، قال : كان مالك يأتي المسجد ، فيشهد الصلوات والجمعة والجنائز ، ويعود المرضى ، ويجلس في المسجد ، فيجتمع إليه أصحابه ، ثم ترك الجلوس ، فكان يصلي وينصرف ، وترك شهود الجنائز ، ثم ترك ذلك كله ، والجمعة ، واحتمل الناس ذلك كله ، وكانوا أرغب ما كانوا فيه ، وربما كلم في ذلك ، فيقول : ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره .

وكان يجلس في منزله على ضجاع له ، ونمارق [ مطروحة في منزله يمنة ويسرة ] لمن يأتيه من قريش ، والأنصار ، والناس .

وكان مجلسه مجلس وقار وحلم . قال : وكان رجلاً مهيباً نبيلاً ، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ، ولا رفع صوت ، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث ، فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث ، وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه ، وكان له كاتب قد نسخ كتبه ، يقال له : ( حبيب ) . يقرأ للجماعة ، ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم ، هيبة لمالك ، وإجلالاً له ، وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك ، وكان ذلك قليلاً .

ابن وهب : سمعت مالكاً يقول : ما أكثر أحد قط فأفلح .

حرملة : حدثنا ابن وهب ، قال لي مالك : العلم ينقص ولا يزيد ، ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب .

أحمد بن مسعود المقدسي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، قال : كان مالك يقول : والله ما دخلت على ملك من هؤلاء الملوك حتى أصل إليه ، إلا نزع الله هيبته من صدري .

حرملة : حدثنا ابن وهب : سمعت مالكاً يقول : اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع .

هارون بن موسى الفروي : سمعت مصعباً الزبيري يقول : سأل هارون الرشيد مالكاً ، وهو في منزله ، ومعه بنوه ، أن يقرأ عليهم . قال : ما قرأت على أحد منذ زمان وإنما يقرأ عليّ ، فقال : أخرج الناس حتى أقرأ أنا عليك ، فقال : إذا منع العام لبعض الخاص ، لم ينتفع الخاص . وأمر معن بن عيسى ، فقرأ عليه .

إسماعيل بن أبي أويس ، قال : سألت خالي مالكاً عن مسألة ، فقال لي : قر . ثم توضأ ، ثم جلس على السرير ، ثم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله . وكان لا يفتي حتى يقولها .

ابن وهب : سمعت مالكاً يقول : ما تعلمت العلم إلا لنفسي ، وما تعلمت ليحتاج الناس إليّ ، وكذلك كان الناس .

إسماعيل القاضي : سمعت أبا مصعب يقول : لم يشهد مالك الجماعة خمساً وعشرين سنة ، فقيل له : ما يمنعك ؟ قال : مخافة أن أرى منكراً ، فأحتاج أن أغيره .

إبراهيم الحزامي : حدثني مطرف بن عبد الله ، قال لي مالك : ما يقول الناس فيّ ؟ قلت : أما الصديق فيثني ، وأما العدو فيقع . فقال : ما زال الناس كذلك ، ولكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها .

أحمد بن سعيد الرباطي سمعت عبد الرزاق يقول : سأل سندل مالكاً عن مسألة ، فأجابه ، فقال : أنت من الناس ، أحياناً تخطئ ، وأحياناً لا تصيب ، قال : صدقت . هكذا الناس . فقيل لمالك : لم تدر ما قال لك ؟ ففطن لها ، وقال : عهدت العلماء ، ولا يتكلمون بمثل هذا ، وإنما أجيبه على جواب الناس .

حرملة : حدثنا ابن وهب : سمعت مالكاً يقول : ليس هذا الجدل من الدين بشيء .

ابن وهب ، عن مالك ، قال : دخلت على المنصور ، وكان يدخل عليه الهاشميون ، فيقبلون يده ورجله - عصمني الله من ذلك - .

الحارث بن مسكين : أخبرنا ابن القاسم قال : قيل لمالك : لم لم تأخذ عن عمرو بن دينار ؟ قال : أتيته ، فوجدته يأخذون عنه قياماً ، فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذه قائماً .

إبراهيم بن المنذر : حدثنا معن ، وغيره ، عن مالك ، قال : لا يؤخذ العلم عن أربعة : سفيه يعلن السفه ، وإن كان أروى الناس ، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه ، ومن يكذب في حديث الناس ، وإن كنت لا أتهمه في الحديث ، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به .

أصبغ : حدثنا ابن وهب ، عن مالك - وسئل عن الصلاة خلف أهل البدع ؛ القدرية وغيرهم - فقال : لا أرى أن يصلى خلفهم . قيل : فالجمعة ؟ قال : إن الجمعة فريضة ، وقد يذكر عن الرجل الشيء ، وليس هو عليه . فقيل له : أرأيت إن استيقنت ، أو بلغني من أثق به ، أليس لا أصلي الجمعة خلفه ؟ قال : إن استيقنت . كأنه يقول : إن لم يستيقن ذلك ، فهو في سعة من الصلاة خلفه .

أبو يوسف أحمد بن محمد الصيدلاني : سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول : كنت عند مالك فنظر إلى أصحابه ، فقال : انظروا أهل المشرق ، فأنزلوهم بمنزلة أهل الكتاب إذا حدثوكم ، فلا تصدقوهم ، ولا تكذبوهم ، ثم التفت ، فرآني ، فكأنه استحيا ، فقال : يا أبا عبد الله ، أكره أن تكون غيبة ، هكذا أدركت أصحابنا يقولون .

قلت : هذا القول من الإمام قاله لأنه لم يكن له اعتناء بأحوال بعض القوم ، ولا خبر تراجمهم ، وهذا هو الورع . ألا تراه لما خبر حال أيوب السختياني العراقي كيف احتج به . وكذلك حميد الطويل ، وغير واحد ممن روى عنهم . وأهل العراق كغيرهم ، فيهم الثقة الحجة ، والصدوق ، والفقيه ، والمقرئ ، والعابد ، وفيهم الضعيف ، والمتروك ، والمتهم . وفي ( الصحيحين ) شيء كثير جداً من رواية العراقيين - رحمهم الله - . وفيهم من التابعين كمثل : علقمة ، ومسروق ، وعبيدة ، والحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، وإبراهيم ، ثم الحكم ، وقتادة ، ومنصور ، وأبي إسحاق ، وابن عون ، ثم مسعر ، وشعبة ، وسفيان ، والحمادين ، وخلائق أضعافهم ، رحم الله الجميع . وهذه الحكاية رواها الحاكم عن النجاد ، عن هلال بن العلاء ، عن الصيدلاني .
عن عيسى بن عمر قال : ما رأيت قط بياضاً ولا حمرة أحسن من وجه مالك ، ولا أشد بياض ثوب من مالك . ونقل غير واحد أنه كان طوالاً ، جسيماً ، عظيم الهامة ، أشقر ، أبيض الرأس واللحية ، عظيم اللحية ، أصلع ، وكان لا يحفي شاربه ويراه مثلة .

وقيل : كان أزرق العين . روى بعض ذلك ابن سعد ، عن مطرف بن عبد الله .

وقال محمد بن الضحاك الحزامي : كان مالك نقي الثوب ، رقيقه ، يكثر اختلاف اللبوس .

وقال الوليد بن مسلم : كان مالك يلبس البياض ، ورأيته والأوزاعي يلبسان السيجان .

قال أشهب : كان مالك إذا اعتم ، جعل منها تحت ذقنه ، ويسدل طرفها بين كتفيه .

وقال خالد بن خداش : رأيت على مالك طيلساناً ، وثياباً مروية جياداً .

وقال أشهب : كان مالك إذا اكتحل للضرورة جلس في بيته .

وقال مصعب : كان يلبس الثياب العدنية ويتطيب .

وقال أبو عاصم : ما رأيت محدثاً أحسن وجهاً من مالك .

وقيل : كان شديد البياض إلى صفرة ، أعين أشم ، كان يوفر سبلته ويحتج بفتل عمر شاربه .

وقال ابن وهب : رأيت مالكاً خضب بحناء مرة .

وقال أبو مصعب : كان مالك من أحسن الناس وجهاً ، وأجلاهم عيناً ، وأنقاهم بياضاً ، وأتمهم طولاً ، في جودة بدن .

وعن الواقدي : كان ربعة ، لم يخضب ، ولا دخل الحمام .

وعن بشر بن الحارث قال : دخلت على مالك ، فرأيت عليه طيلساناً يساوي خمسمائة ، وقد وقع جناحاه على عينيه أشبه شيء بالملوك .

وقال أشهب : كان مالك إذا اعتم ، جعل منها تحت حنكه ، وأرسل طرفها خلفه ، وكان يتطيب بالمسك وغيره .

وقد ساق القاضي عياض من وجوه حسن بزة الإمام ووفور تجمله .

في نسب مالك اختلاف مع اتفاقهم على أنه عربي أصبحي ، فقيل في جده الأعلى : عوف بن مالك بن زيد بن عامر بن ربيعة بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، وإلى قحطان جماع اليمن . ولم يختلفوا أن الأصبحيين من حمير ، وحمير فمن قحطان .

نعم ، وغيمان في نسبه المشهور بغين معجمة ، ثم بآخر الحروف على المشهور ، وقيل : عثمان على الجادة وهذا لم يصح . وخثيل : بخاء معجمة ثم بمثلثة . قاله ابن سعد وغيره ، وقال إسماعيل بن أبي أويس والدارقطني : جثيل : بجيم ثم بمثلثة ، وقيل : حنبل ، وقيل : حسل ، وكلاهما تصحيف .

قال القاضي عياض : اختلف في نسب ذي أصبح اختلافاً كثيراً .

مولده : تقدم أنه سنة ثلاث وتسعين ، قاله يحيى بن بكير ، وغيره ، وقيل : سنة أربع ، قاله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وعمارة بن وثيمة ، وغيرهما . وقيل : سنة سبع ، وهو شاذ .

قال خليفة بن خياط ، وإسماعيل بن أبي أويس : ذو أصبح من حمير .

وروي عن ابن إسحاق أنه زعم أن مالكاً وآله موالي بني تيم ، فأخطأ وكان ذلك أقوى سبب في تكذيب الإمام مالك له ، وطعنه عليه . وقد كان مالك إماماً في نقد الرجال ، حافظاً مجوداً متقناً .

قال بشر بن عمر الزهراني : سألت مالكاً عن رجل ، فقال : هل رأيته في كتبي ؟ قلت : لا ، قال : لو كان ثقة لرأيته في كتبي .

فهذا القول يعطيك بأنه لا يروي إلا عمن هو عنده ثقة . ولا يلزم من ذلك أنه يروي عن كل الثقات ، ثم لا يلزم مما قال أن كل من روى عنه ، وهو عنده ثقة ، أن يكون ثقة عند باقي الحفاظ ، فقد يخفى عليه من حال شيخه ما يظهر لغيره ، إلا أنه بكل حال كثير التحري في نقد الرجال - رحمه الله - .

ابن البرقي : حدثنا عثمان بن كنانة ، عن مالك ، قال : ربما جلس إلينا الشيخ ، فيحدث جل نهاره ، ما نأخذ عنه حديثاً واحداً ، وما بنا أن نتهمه ، ولكن لم يكن من أهل الحديث .

إسماعيل القاضي : حدثنا عتيق بن يعقوب ، سمعت مالكاً يقول : حدثنا ابن شهاب ببضعة وأربعين حديثاً ، ثم قال : أعدها عليّ ، فأعدت عليه منها أربعين حديثاً .

وقال نصر بن علي : حدثنا حسين بن عروة ، عن مالك ، قال : قدم علينا الزهري ، فأتيناه ومعنا ربيعة ، فحدثنا بنيف وأربعين حديثاً ، ثم أتيناه من الغد ، فقال : انظروا كتاباً حتى أحدثكم منه ، أرأيتم ما حدثتكم به أمس ، أيش في أيديكم منه ؟ فقال ربيعة : هاهنا من يرد عليك ما حدثت به أمس . قال : ومن هو ؟ قال : ابن أبي عامر . قال : هات ، فسرد له أربعين حديثاً منها ، فقال الزهري : ما كنت أرى أنه بقي من يحفظ هذا غيري . قال البخاري عن علي بن عبد الله : لمالك نحو من ألف حديث .

قلت : أراد ما اشتهر له في ( الموطأ ) وغيره ، وإلا فعنده شيء كثير ما كان يفعل أن يرويه .

وروى علي ابن المديني ، عن سفيان ، قال : رحم الله مالكاً ، ما كان أشد انتقاده للرجال .

ابن أبي خيثمة : حدثنا ابن معين ، قال ابن عيينة : ما نحن عند مالك ، إنما كنا نتبع آثار مالك ، وننظر الشيخ ، إن كان كتب عنه مالك ، كتبنا عنه .

وروى طاهر بن خالد الأيلي ، عن أبيه ، عن ابن عيينة ، قال : كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحاً ، ولا يحدث إلا عن ثقة ، ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موته - يعني من العلم . -

الطحاوي : حدثنا يونس : سمعت سفيان - وذكر حديثاً - فقالوا : يخالفك فيه مالك ، فقال : أتقرنني بمالك ؟ ما أنا وهو إلا كما قال جرير:

وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس

ثم قال يونس : سمعت الشافعي يقول : مالك وابن عيينة القرينان ، ولولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز .

وهب بن جرير وغيره ، عن شعبة ، قال : قدمت المدينة بعد موت نافع بسنة ، ولمالك بن أنس حلقة .

وقال حماد بن زيد : حدثنا أيوب قال : لقد كان لمالك حلقة في حياة نافع .

وقال أشهب : سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن مالك ، وابن الماجشون ، فرفع مالكاً ، وقال : ما اعتدلا في العلم قط .

ابن المديني : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : أخبرني وهيب - وكان من أبصر الناس بالحديث والرجال - أنه قدم المدينة ، قال : فلم أر أحداً إلا تعرف وتنكر إلا مالكاً ، ويحيى بن سعيد الأنصاري .

قال عبد الرحمن : لا أقدم على مالك في صحة الحديث أحداً .

وقال ابن لهيعة : قلت لأبي الأسود : من للرأي بعد ربيعة بالمدينة ؟ قال : الغلام الأصبحي . الحارث بن مسكين : سمعت ابن وهب يقول : لولا أني أدركت مالكاً ، والليث ، لضللت .

هارون بن سعيد : سمعت ابن وهب ذكر اختلاف الحديث والروايات ، فقال : لولا أني لقيت مالكاً لضللت .

وقال يحيى القطان : ما في القوم أصح حديثاً من مالك ، كان إماماً في الحديث . قال : وسفيان الثوري فوقه في كل شيء .

قال الشافعي : قال محمد بن الحسن : أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسراً ، وسمعت من لفظه أكثر من سبع مائة حديث ، فكان محمد إذا حدث عن مالك امتلأ منزله ، وإذا حدث عن غيره من الكوفيين ، لم يجئه إلا اليسير .

قال ابن أبي عمر العدني : سمعت الشافعي يقول : مالك معلمي ، وعنه أخذت العلم .

وعن الشافعي قال : كان مالك إذا شك في حديث ، طرحه كله .

أبو عمر بن عبد البر : حدثنا قاسم بن محمد ، حدثنا خالد بن سعد ، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن ، حدثنا إبراهيم بن نصر ، سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، سمعت الشافعي يقول : قال لي محمد بن الحسن : صاحبنا أعلم من صاحبكم - يريد أبا حنيفة ومالكاً - وما كان لصاحبكم أن يتكلم ، وما كان لصاحبنا أن يسكت . فغضبت ، وقلت : نشدتك الله : من أعلم بالسنة ، مالك ، أو صاحبكم ؟ فقال : مالك ، لكن صاحبنا أقيس . فقلت : نعم ، ومالك أعلم بكتاب الله وناسخه ومنسوخه ، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي حنيفة ، ومن كان أعلم بالكتاب والسنة كان أولى بالكلام .

قال يونس بن عبد الأعلى : قال لي الشافعي : ذاكرت يوماً محمد بن الحسن ، ودار بيننا كلام واختلاف ، حتى جعلت أنظر إلى أوداجه تدر وأزراره تتقطع . فقلت : نشدتك بالله ، تعلم أن صاحبنا كان أعلم بكتاب الله ؟ قال : اللهم نعم . قلت : وكان عالماً باختلاف الصحابة ؟ قال : نعم .

قال ابن مهدي : أئمة الناس في زمانهم أربعة : الثوري ، ومالك ، والأوزاعي ، وحماد بن زيد ، وقال : ما رأيت أحداً أعقل من مالك .

يونس بن عبد الأعلى : حدثنا ابن وهب ، سمعت مالكاً - وقال له ابن القاسم : ليس بعد أهل المدينة أحد أعلم بالبيوع من أهل مصر - فقال مالك : من أين علموا ذلك ؟ قال : منك يا أبا عبد الله . فقال : ما أعلمها أنا ، فكيف يعلمونها بي ؟ وعن مالك قال : جنة العالم : ( لا أدري ) فإذا أغفلها أصيبت مقاتله .

قال مصعب بن عبد الله : كانت حلقة مالك في زمن ربيعة مثل حلقة ربيعة وأكبر ، وقد أفتى معه عند السلطان .

الزبير بن بكار : حدثنا مطرف ، حدثنا مالك ، قال : لما أجمعت التحويل عن مجلس ربيعة ، جلست أنا وسليمان بن بلال في ناحية المسجد ، فلما قام ربيعة ، عدل إلينا ، فقال : يا مالك ، تلعب بنفسك زفنت ، وصفق لك سليمان ، بلغت إلى أن تتخذ مجلساً لنفسك ؟! ارجع إلى مجلسك .

قال الهيثم بن جميل : سمعت مالكاً سئل عن ثمان وأربعين مسألة ، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها بـ ( لا أدري ) .

وعن خالد بن خداش ، قال : قدمت على مالك بأربعين مسألة ، فما أجابني منها إلا في خمس مسائل .

ابن وهب ، عن مالك ، سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول : ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول : ( لا أدري ) . حتى يكون ذلك أصلاً يفزعون إليه .

قال ابن عبد البر : صح عن أبي الدرداء أن : ( لا أدري ) نصف العلم .

قال محمد بن رمح : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إن مالكاً والليث يختلفان ، فبأيهما آخذ ؟ قال : مالك مالك .

أشهب ، عن عبد العزيز الدراوردي ، قال : دخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فوافيته يخطب ، إذ أقبل مالك ، فلما أبصره النبي صلى الله عليه وسلم قال : إليّ إليّ ، فأقبل حتى دنا منه ، فسل صلى الله عليه وسلم خاتمه من خنصره ، فوضعه في خنصر مالك .

محمد بن جرير : حدثنا العباس بن الوليد ، حدثنا إبراهيم بن حماد الزهري ، سمعت مالكاً يقول : قال لي المهدي : ضع يا أبا عبد الله كتاباً أحمل الأمة عليه . فقلت : يا أمير المؤمنين ، أما هذا الصقع - وأشرت إلى المغرب - فقد كفيته ، وأما الشام ففيهم من قد علمت - يعني الأوزاعي - وأما العراق فهم أهل العراق .

ابن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، سمعت مالكاً يقول : لما حج المنصور دعاني فدخلت عليه ، فحادثته ، وسألني فأجبته ، فقال : عزمت أن آمر بكتبك هذه - يعني ( الموطأ ) - فتنسخ نسخاً ، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين بنسخة ، وآمرهم أن يعملوا بما فيها ، ويدعوا ما سوى ذلك من العلم المحدث ، فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم . قلت : يا أمير المؤمنين ، لا تفعل ، فإن الناس قد سيقت إليهم أقاويل ، وسمعوا أحاديث ، ورووا روايات ، وأخذ كل قوم بما سيق إليهم ، وعملوا به ، ودانوا به ، من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد ، فدع الناس وما هم عليه ، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم . فقال : لعمري ، لو طاوعتني لأمرت بذلك .

قال الزبير بن بكار : حدثنا ابن مسكين ، ومحمد بن مسلمة ، قالا : سمعنا مالكاً يذكر دخوله على المنصور ، وقوله في انتساخ كتبه ، وحمل الناس عليها ، فقلت : قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به ، ورد العامة عن مثل هذا عسير .

قال الواقدي : كان مالك يجلس في منزله على ضجاع ونمارق مطروحة يمنة ويسرة في سائر البيت لمن يأتي ، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم ، وكان مهيباً ، نبيلاً ، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث بعد الحديث ، وربما أذن لبعضهم ، فقرأ عليه ، وكان له كاتب يقال له : حبيب . قد نسخ كتبه ، ويقرأ للجماعة ، فإذا أخطأ فتح عليه مالك ، وكان ذلك قليلاً .

أبو زرعة : حدثنا أبو مسهر ، قال لي مالك : قال لي أبو جعفر : يا أبا عبد الله ، ذهب الناس ، لم يبق غيري وغيرك .

ابن وهب ، عن مالك : دخلت على أبي جعفر ، فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبلون يده ، وعوفيت ، فلم أقبل له يداً .
قال محمد بن جرير : كان مالك قد ضرب بالسياط ، واختلف في سبب ذلك ، فحدثني العباس بن الوليد ، حدثنا ابن ذكوان ، عن مروان الطاطري ، أن أبا جعفر نهى مالكاً عن الحديث : ( ليس على مستكره طلاق ) ثم دس إليه من يسأله ، فحدثه به على رءوس الناس ، فضربه بالسياط .

وحدثنا العباس ، حدثنا إبراهيم بن حماد أنه كان ينظر إلى مالك إذا أقيم من مجلسه ، حمل يده بالأخرى .

ابن سعد : حدثنا الواقدي قال : لما دعي مالك ، وشوور ، وسمع منه ، وقبل قوله ، حسد ، وبغوه بكل شيء ، فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة ، سعوا به إليه ، وكثروا عليه عنده ، وقالوا : لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء ، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره : أنه لا يجوز عنده ، قال : فغضب جعفر ، فدعا بمالك ، فاحتج عليه بما رفع إليه عنه ، فأمر بتجريده ، وضربه بالسياط ، وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه ، وارتكب منه أمر عظيم ، فو الله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو .

قلت : هذا ثمرة المحنة المحمودة ، أنها ترفع العبد عند المؤمنين ، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا ، ويعفو الله عن كثير ، ومن يرد الله به خيراً يصب منه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل قضاء المؤمن خير له " . وقال الله تعالى : " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين " وأنزل تعالى في وقعة أحد قوله : " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم " وقال : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ ، واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه ، فالله حكم مقسط ، ثم يحمد الله على سلامة دينه ، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له .

قال القاضي عياض : ألف في مناقب مالك - رحمه الله - جماعة منهم القاضي أبو عبد الله التستري المالكي ، له في ذلك ثلاث مجلدات ، وأبو الحسن بن فهر المصري وجعفر بن محمد الفريابي القاضي ، وأبو بشر الدولابي الحافظ ، والزبير بن بكار ، وأبو علاثة محمد بن أبي غسان ، وابن حبيب ، وأبو محمد بن الجارود ، وأحمد بن رشدين ، وأبو عمرو المغامي والحسن بن إسماعيل الضراب ، وأبو الحسن بن منتاب ، وأبو إسحاق بن شعبان ، وأبو بكر أحمد بن محمد اليقطيني ، والحافظ أبو نصر بن الجبان ، وأبو بكر بن روزبة الدمشقي ، والقاضي أبو عبد الله الزنكاني وأبو الحسن بن عبيد الله الزبيري ، وأبو بكر أحمد بن مروان الدينوري ، والقاضي أبو بكر الأبهري ، والقاضي أبو الفضل القشيري ، وأبو بكر بن اللباد ، وأبو محمد بن أبي زيد ، والحافظ أبو عبد الله الحاكم ، وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي ، وأبو عمر الطلمنكي ، وأبو عمر بن حزم الصدفي ، وأبو عمر بن عبد البر ، والقاضي أبو محمد بن نصر ، وابن الإمام التطيلي ، وابن حارث القروي ، والقاضي أبو الوليد الباجي ، وأبو مروان بن أصبغ . وقد جمع الحافظ أبو بكر الخطيب كتاباً كبيراً في الرواة عن مالك ، وشيء من روايتهم عنه .

قلت : وللحافظ أبي نعيم ترجمة طولى في ( الحلية ) لمالك . وممن ألف في الرواة عنه : الإمام أبو عبد الله بن مفرج ، والإمام أبو عبد الله بن أبي دليم ، وعبد الرحمن بن محمد البكري .

قال عياض : واستقصينا كتابنا هذا في أخبار مالك من تصانيف المحدثين : ككتب البخاري ، والزبير ، وابن أبي حاتم ، ووكيع القاضي ، والدارقطني ، وابن جرير الطبري ، والصولي ، وأحمد بن كامل ، وأبي سعيد بن يونس الصدفي ، وأبي عمر الكندي ، وأبي عمر الصدفي القرطبي ، وأبي عبد الله بن حارث القروي ، وأبي العرب التميمي ، وأبي إسحاق بن الرفيق الكاتب ، وأبي علي بن البصري في القرويين ، وتاريخ أبي بكر بن أبي عبد الله المالكي في القرويين ، وتواريخ الأندلس : ككتاب أبي عبد الله بن عبد البر ، وكتاب ( الاحتفال ) لأبي عمر بن عفيف ، و ( الانتخاب ) لأبي القاسم بن مفرج ، وتاريخ أبي محمد بن الفرضي ، وتواريخ أبي مروان ، وابن حيان ، والرازي ، وكتاب أحمد بن عبد الرحمن بن مظاهر . وما وقع إلي من تاريخ الخطيب في البغداديين ، وكتاب أبي نصر الأمير وطبقات أبي إسحاق الشيرازي ، وكتاب ابن عبد البر في الأئمة الثلاثة ورواتهم .

قال القاضي : وحققنا من روى ( الموطأ ) عن مالك ، ومن نص عليهم أصحاب الأثر والنقاد : ابن وهب ، ابن القاسم ، محمد بن الحسن ، الغاز بن قيس ، زياد شبطون ، الشافعي ، القعنبي ، معن بن عيسى ، عبد الله بن يوسف ، يحيى بن يحيى التميمي ، يحيى بن يحيى الليثي ، يحيى بن بكير ، مطرف بن عبد الله اليساري ، عبد الله بن عبد الحكم ، موسى بن طارق ، أسد بن الفرات ، ومحمد بن المبارك الصوري ، أبو مسهر الغساني ، حبيب كاتب الليث ، قرعوس بن العباس ، أحمد بن منصور الحراني يحيى بن صالح الوحاظي ، يحيى بن مضر ، سعيد بن داود الزبيري ، مصعب بن عبد الله الزبيري ، أبو مصعب الزهري ، سويد بن سعيد ، سعيد بن أبي مريم ، سعيد بن عفير ، علي بن زياد التونسي ، قتيبة بن سعيد الثقفي ، عتيق بن يعقوب الزبيري ، محمد بن شروس الصنعاني ، إسحاق بن عيسى بن الطباع ، خالد بن نزار الأيلي ، إسماعيل بن أبي أويس ، وأخوه أبو بكر ، عيسى بن شجرة المغربي ، بربر المغني والد الزبير بن بكار ، أبو حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي .

خاتمة من روى عنه : قيل : إن زكريا بن دويد الكندي لقي مالكاً ، ولكنه كذاب ، بقي إلى سنة نيف وستين ومائتين ، وعليه بنى الخطيب في كتاب : ( السابق واللاحق ) ، خلف بن جرير القروي ، محمد بن يحيى السبائي ، محرز بن هارون ، سعيد بن عبدوس ، عباس بن ناصح ، عبيد بن حيان الدمشقي ، أيوب بن صالح الرملي ، حفص بن عبد السلام ، وأخوه حسان ، يحيى وفاطمة ولدا مالك ، سليمان بن برد ، عبد الرحمن بن خالد ، عبد الرحمن بن هند ، عبد الرحمن بن عبد الله الأندلسي .

وقد قيل : إن قاضي البصرة محمد بن عبد الله الأنصاري روى ( الموطأ ) عن مالك إجازة . وقيل : إن أبا يوسف القاضي رواه عن رجل ، عن مالك ، وما زال العلماء قديماً وحديثاً لهم أتم اعتناء برواية ( الموطأ ) ومعرفته ، وتحصيله . وقد جمع إسماعيل القاضي أحاديث الموطأ عن رجاله ، عن مالك ، وسائر ما وقع له من حديث مالك .

وألّف قاسم بن أصبغ الحافظ حديث مالك ، وأبو القاسم الجوهري ، وأبو الحسن القابسي عمل ( الملخص ) ، وحفظه خلق من الطلبة . وألف أبو ذر الهروي ( مسند الموطآت ) ، وألّف أبو بكر القباب حديث مالك . ولأبي الحسن بن حبيب السجلماسي ) مسند الموطأ ( ، ولفلان المطرز ، ولأبي عبد الله الجيزي ، وأحمد بن بندار الفارسي ، وأبي سعيد بن الأعرابي ، وابن مفرج .

وألّف النسائي ( مسند مالك ) ، وأبو أحمد بن عدي ، وأحمد بن إبراهيم بن جامع السكري ، وابن عفير ، وأبو عبد الله النيسابوري السراج ، وأبو بكر بن زياد النيسابوري ، وأبو حفص بن شاهين ، وأبو العرب التميمي ، ويحيى بن سعيد ، والحافظ أبو القاسم الأندلسي ، وأبو عمر بن عبد البر ، له : ( التقصي ) ، ومحمد بن عيشون الطليطلي . وألّف مسند مالك أبو القاسم الجوهري ، وذلك غير ما في ) الموطأ ( ، والحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي ، وأبو بكر محمد بن عيسى الحضرمي ، وأبو الفضل بن أبي عمران الهروي . وعمل الدارقطني كتاب ( اختلافات الموطأ ) . وألّف دعلج السجزي غرائب حديث مالك ، وابن الجارود ، وقاسم بن أصبغ .

وعمل الدارقطني أيضاً ( الأحاديث التي خولف فيها مالك ) . ولأبي بكر البزار مؤلف في ذلك . وعمل محمد بن المظفر الحافظ ما وصله مالك خارج موطئه ، وألّف أبو عمر بن نصر الطليطلي ) مسند الموطأ ( وكذا إبراهيم بن نصر ، وأحمد بن سعيد بن فرضخ الإخميمي ، والمحدث أبو سليمان بن زبر ، وأسامة بن علي المصري ، وموسى بن هارون الحمال الحافظ ، والقاضي أبو بكر بن السليم أفرد ما ليس في ( الموطأ ) . وعمل أبو الحسن بن أبي طالب العابر كتاب ( موطأ الموطأ ) . وعمل الدارقطني الخطيب أطراف الموطأ . وعمل له شرحاً يحيى بن مزين الفقيه ، وله كتاب في رجاله . ولابن وهب فيه شرح ، ولعيسى بن دينار ، ولعبد الله بن نافع الصائغ ، ولحرملة ، ولابن حبيب ، ولمحمد بن سحنون . ولمسلم مؤلف في شيوخ مالك . وللبرقي ( رجال الموطأ ) ، وللطلمنكي وأبي عبد الله بن الحذاء ، ولأبي عبد الله بن مفرج ، ولأحمد بن عمران الأخفش في غريبه . وللبرقي ، وللغساني المصري ، ولأبي جعفر الداودي ، ولأبي مروان القنازعي ، ولأبي عبد الملك البوني .

وجمع ابن جوصا بين ( الموطأ ) رواية ابن وهب وابن القاسم ، ولغيره جمع بين رواية يحيى بن يحيى ، وأبي مصعب . ولابن عبد البر شرحان ، وهما : ( التمهيد ) و ( الاستذكار ) وله كتاب ما رواه مالك خارح الموطأ . وعمل على ( الموطأ ) أبو الوليد الباجي كتاب : ( الإيمان ) ، وكتاب : ( المنتقى ) ، وعمل كتاب : ( الاستيفاء ) ، طويل جداً ، ولم يتمه .

وشرحه أبو الوليد بن الصفار في كتاب اسمه : ( الموعب ) . لم يتمه . وكتاب : ( المحلى في شرح الموطأ ) للقاضي محمد بن سليمان بن خليفة . ولأبي محمد بن حزم شرح . ولأبي بكر بن سائق شرح ، ولابن أبي صفرة شرح . ولأبي عبد الله بن الحاج القاضي شرح . ولشيخنا أبي الوليد بن العواد : ( الجمع بين التمهيد والاستذكار ( ما تم . ولأبي محمد بن السيد البطليوسي شرح كبير . ولابن عيشون : ( توجيه الموطأ ) . ولعثمان بن عبد ربه المعافري الدباغ شيء في ذلك على أبواب ( الموطأ ) . ولأبي القاسم بن الجد : ( اختصار التمهيد ) ولحازم بن محمد بن حازم كتاب ( السافر عن آثار الموطأ ) . و ( تفسير الموطأ ) لأبي الحسن الإشبيلي . وتفسير لابن شراحيل . وللطلمنكي تفسير لم يتم . و ( شرح مسند الموطأ ( ليونس بن مغيث . وللمهلب بن أبي صفرة في ذلك . ولأخيه أبي عبد الله في ذلك . وللقاضي أبي بكر بن العربي كتاب : ( القبس في شرح الموطأ ) . ولأبي محمد بن يربوع الحافظ كتاب على معرفة رجال الموطأ . ولعاصم النحوي شريح لم يكمل . ولأبي بكر بن موهب القيري ، شرح الملخص في مجلدات .

ولمالك - رحمه الله - رسالة في القدر ، كتبها إلى ابن وهب وإسنادها صحيح . وله مؤلف : في النجوم ومنازل القمر ، رواه سحنون ، عن ابن نافع الصائغ ، عنه مشهور . ورسالة في الأقضية ، مجلد ، رواية محمد بن يوسف بن مطروح ، عن عبد الله بن عبد الجليل . ورسالة إلى أبي غسان محمد بن مطرف .

ورسالة آداب إلى الرشيد ، إسنادها منقطع ، قد أنكرها إسماعيل القاضي وغيره ، وفيها أحاديث لا تعرف . قلت : هذه الرسالة موضوعة . وقال القاضي الأبهري : فيها أحاديث لو سمع مالك من يحدث بها لأدبه . وله جزء في التفسير يرويه خالد بن عبد الرحمن المخزومي ، يرويه القاضي عياض عن أبي جعفر أحمد بن سعيد ، عن أبي عبد الله محمد بن الحسن المقرئ ، عن محمد بن علي المصيصي ، عن أبيه بإسناده .

وكتاب ( السر ) من رواية ابن القاسم عنه ، رواه الحسن بن أحمد العثماني ، عن محمد بن عبد العزيز بن وزير الجروي ، عن الحارث بن مسكين ، عنه .

قلت : هو جزء واحد سمعه أبو محمد بن النحاس المصري ، من محمد بن بشر العكري ، حدثنا مقدام بن داود الرعيني ، حدثنا الحارث بن مسكين ، وأبو زيد بن أبي الغمر ، قالا : حدثنا ابن القاسم .

قال : ورسالة إلى الليث في إجماع أهل المدينة معروفة . فأما ما نقل عنه كبار أصحابه من المسائل والفتاوى والفوائد ، فشيء كثير . ومن كنوز ذلك : ( المدونة ) و ( الواضحة ) وأشياء .

قال مالكي : قد ندر الاجتهاد اليوم ، وتعذر ، فمالك أفضل من يقلد ، فرجح تقليده .

وقال شيخ : إن الإمام لمن التزم بتقليده ، كالنبي مع أمته ، لا تحل مخالفته .

قلت : قوله : لا تحل مخالفته ، مجرد دعوى واجتهاد بلا معرفة ، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر ، حجته في تلك المسألة أقوى ، لا بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له ، لا كمن تمذهب لإمام ، فإذا لاح له ما يوافق هواه ، عمل به من أي مذهب كان ، ومن تتبع رخص المذاهب ، وزلات المجتهدين ، فقد رق دينه ، كما قال الأوزاعي أو غيره : من أخذ بقول المكيين في المتعة ، والكوفيين في النبيذ ، والمدنيين في الغناء ، والشاميين في عصمة الخلفاء ، فقد جمع الشر . وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها ، وفي الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه ، وشبه ذلك ، فقد تعرض للانحلال ، فنسأل الله العافية والتوفيق .

ولكن : شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفاً في الفقه ، فإذا حفظه ، بحثه ، وطالع الشروح ، فإن كان ذكياً فقيه النفس ، ورأى حجج الأئمة ، فليراقب الله ، وليحتط لدينه ، فإن خير الدين الورع ، ومن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، والمعصوم من عصمه الله .

فالمقلدون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط ثبوت الإسناد إليهم ، ثم أئمة التابعين كعلقمة ، ومسروق ، وعبيدة السلماني ، وسعيد بن المسيب ، وأبي الشعثاء ، وسعيد بن جبير ، وعبيد الله بن عبد الله ، وعروة ، والقاسم ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي . ثم كالزهري ، وأبي الزناد ، وأيوب السختياني ، وربيعة ، وطبقتهم . ثم كأبي حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي ، وابن جريج ، ومعمر ، وابن أبي عروبة ، وسفيان الثوري ، والحمادين ، وشعبة ، والليث ، وابن الماجشون ، وابن أبي ذئب .

ثم كابن المبارك ، ومسلم الزنجي ، والقاضي أبي يوسف ، والهقل بن زياد ، ووكيع ، والوليد بن مسلم ، وطبقتهم . ثم كالشافعي ، وأبي عبيد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، والبويطي ، وأبي بكر بن أبي شيبة . ثم كالمزني ، وأبي بكر الأثرم ، والبخاري ، وداود بن علي ، ومحمد بن نصر المروزي ، وإبراهيم الحربي ، وإسماعيل القاضي . ثم كمحمد بن جرير الطبري ، وأبي بكر بن خزيمة ، وأبي عباس بن سريج ، وأبي بكر بن المنذر ، وأبي جعفر الطحاوي ، وأبي بكر الخلال . ثم من بعد هذا النمط تناقص الاجتهاد ، ووضعت المختصرات ، وأخلد الفقهاء إلى التقليد من غير نظر في الأعلم ، بل بحسب الاتفاق ، والتشهي ، والتعظيم ، والعادة ، والبلد . فلو أراد الطالب اليوم أن يتمذهب في المغرب لأبي حنيفة ، لعسر عليه ، كما لو أراد أن يتمذهب لابن حنبل ببخارى ، وسمرقند ، لصعب عليه ، فلا يجيء منه حنبلي ، ولا من المغربي حنفي ، ولا من الهندي مالكي . وبكل حال : فإلى فقه مالك المنتهى . فعامة آرائه مسددة ، ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل ، ومراعاة المقاصد ، لكفاه .

ومذهبه قد ملأ المغرب ، والأندلس ، وكثيراً من بلاد مصر ، وبعض الشام ، واليمن ، والسودان ، وبالبصرة ، وبغداد ، والكوفة ، وبعض خراسان .

وكذلك اشتهر مذهب الأوزاعي مدة ، وتلاشى أصحابه ، وتفانوا . وكذلك مذهب سفيان وغيره ممن سمينا ، ولم يبق اليوم إلا هذه المذاهب الأربعة . وقل من ينهض بمعرفتها كما ينبغي ، فضلاً عن أن يكون مجتهداً . وانقطع أتباع أبي ثور بعد الثلاث مائة ، وأصحاب داود إلا القليل ، وبقي مذهب ابن جرير إلى ما بعد الأربع مائة .

وللزيدية مذهب في الفروع بالحجاز وباليمن ، لكنه معدود في أقوال أهل البدع ، كالإمامية ، ولا بأس بمذهب داود ، وفيه أقوال حسنة ، ومتابعة للنصوص ، مع أن جماعة من العلماء لا يعتدون بخلافه ، وله شذوذ في مسائل شانت مذهبه .

وأما القاضي ، فذكر ما يدل على جواز تقليدهم إجماعاً ، فإنه سمى المذاهب الأربعة ، والسفيانية ، والأوزاعية ، والداودية . ثم إنه قال : فهؤلاء الذين وقع إجماع الناس على تقليدهم ، مع الاختلاف في أعيانهم ، واتفاق العلماء على اتباعهم ، والاقتداء بمذاهبهم ، ودرس كتبهم ، والتفقه على مآخذهم ، والتفريع على أصولهم ، دون غيرهم ممن تقدمهم أو عاصرهم ، للعلل التي ذكرناها . وصار الناس اليوم في الدنيا إلى خمسة مذاهب ، فالخامس : هو مذهب الداودية . فحق على طالب العلم أن يعرف أولاهم بالتقليد ، ليحصل على مذهبه . وها نحن نبين أن مالكاً - رحمه الله - هو ذلك ، لجمعه أدوات الإمامة وكونه أعلم القوم .

ثم وجه القاضي دعواه ، وحسنها ونمقها ، ولكن ما يعجز كل واحد من حنفي ، وشافعي ، وحنبلي ، وداودي ، عن ادعاء مثل ذلك لمتبوعه ، بل ذلك لسان حاله ، وإن لم يفه به .

ثم قال القاضي عياض : وعندنا - ولله الحمد - لكل إمام من المذكورين مناقب تقضي له بالإمامة .

قلت : ولكن هذا الإمام الذي هو النجم الهادي قد أنصف ، وقال قولاً فصلاً ، حيث يقول : كل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم . ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقهاً ، وسعة علم ، وحسن قصد ، فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله ، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل ، ولاح له الدليل ، وقامت عليه الحجة ، فلا يقلد فيها إمامه ، بل يعمل بما تبرهن ، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان ، لا بالتشهي والغرض . لكنه لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه ، أو ليصمت فيما خفي عليه دليله .

قال الشافعي : العلم يدور على ثلاثة : مالك ، والليث ، وابن عيينة .

قلت : بل وعلى سبعة معهم ، وهم : الأوزاعي ، والثوري ، ومعمر ، وأبو حنيفة ، وشعبة ، والحمادان .

وروي عن الأوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكاً يقول : عالم العلماء ، ومفتي الحرمين .

وعن بقية أنه قال : ما بقي على وجه الأرض أعلم بسنة ماضية منك يا مالك .

وقال أبو يوسف : ما رأيت أعلم من أبي حنيفة ، ومالك ، وابن أبي ليلى .

وذكر أحمد بن حنبل مالكاً ، فقدمه على الأوزاعي ، والثوري ، والليث ، وحماد ، والحكم ، في العلم . وقال : هو إمام في الحديث وفي الفقه . وقال القطان : هو إمام يقتدى به . وقال ابن معين : مالك من حجج الله على خلقه . وقال أسد بن الفرات : إذا أردت الله والدار الآخرة فعليك بمالك . وقد صنف مكي القيسي كتاباً فيما روي عن مالك في التفسير ، ومعاني القرآن . وقد ذكره أبو عمرو الداني في ( طبقات القراء ) . وأنه تلا على نافع بن أبي نعيم .

وقال بهلول بن راشد ما رأيت أنزع بآية من مالك مع معرفته بالصحيح والسقيم .

قرأت على إسحاق بن طارق ، أخبرنا ابن خليل ، أخبرنا أبو المكارم التيمي ، ونبأني ابن سلامة ، عن أبي المكارم ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا أبو محمد بن حيان ، حدثنا محمد بن أحمد بن عمرو ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن كليب ، عن الفضل بن زياد ، سألت أحمد بن حنبل : من ضرب مالكاً ؟ قال : بعض الولاة في طلاق المكره ، كان لا يجيزه ، فضربه لذلك . وبه قال أبو نعيم : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا المفضل الجندي ، سمعت أبا مصعب ، سمعت مالكاً ، يقول : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك .

ثم قال أبو مصعب : كان مالك لا يحدث إلا وهو على طهارة إجلالاً للحديث .

وبه قال : حدثنا ابن حيان ، حدثنا محمد بن أحمد بن الوليد ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي : إذا جاء الأثر كان مالك كالنجم ، وهو وسفيان القرينان .

وبه : حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا السراج ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة : أتيت المدينة بعد موت نافع بسنة ، فإذا الحلقة لمالك .

وبه : حدثنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا محمد بن أحمد بن راشد ، سمعت أبا داود يقول : حكى لي بعض أصحاب ابن وهب ، عنه ، أن مالكاً لما ضرب ، حلق وحمل على بعير ، فقيل له : ناد على نفسك . فقال : ألا من عرفني ، فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس ، أقول : طلاق المكره ليس بشيء . فبلغ ذلك جعفر بن سليمان الأمير ، فقال : أدركوه ، أنزلوه .

وبه : حدثنا إبراهيم ، حدثنا السراج ، حدثنا الحسن بن عبد العزيز ، حدثنا الحارث بن مسكين ، عن ابن وهب قال : قيل لمالك : ما تقول في طلب العلم ؟ قال : حسن جميل ، لكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي ، فالزمه .

وبه عن ابن وهب : سئل مالك عن الداعي يقول : يا سيدي . فقال : يعجبني دعاء الأنبياء : ربنا ، ربنا .

وبه : حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم ، حدثنا الأبار ، حدثنا أحمد بن هاشم ، حدثنا ضمرة ، سمعت مالكاً يقول : لو أن لي سلطاناً على من يفسر القرآن لضربت رأسه .

قلت : يعني تفسيره برأيه . وكذلك جاء عن مالك ، من طريق أخرى .

وبه : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا نعيم بن حماد ، سمعت ابن المبارك يقول : ما رأيت أحداً ارتفع مثل مالك ، ليس له كثير صلاة ولا صيام ، إلا أن تكون له سريرة .

قلت : ما كان عليه من العلم ونشره أفضل من نوافل الصوم والصلاة لمن أراد به الله .

وبه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا المقدام بن داود ، حدثنا عبد الله بن عبد الحكم ، سمعت مالكاً يقول : شاورني هارون الرشيد في ثلاثة : في أن يعلق الموطأ في الكعبة ، ويحمل الناس على ما فيه ، وفي أن ينقض منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعله من ذهب وفضة وجوهر ، وفي أن يقدم نافعاً إماماً في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : أما تعليق ( الموطأ ) ، فإن الصحابة اختلفوا في الفروع ، وتفرقوا ، وكل عند نفسه مصيب . وأما نقض المنبر ، فلا أرى أن يحرم الناس أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما تقدمتك نافعاً فإنه إمام في القراءة ، لا يؤمن أن تبدر منه بادرة في المحراب ، فتحفظ عليه . فقال : وفقك الله يا أبا عبد الله .

هذا إسناد حسن ، لكن لعل الراوي وهم في قوله : هارون ، لأن نافعاً قبل خلافة هارون مات .

من قول مالك في السنة : وبه حدثنا محمد بن أحمد بن علي ، حدثنا الفريابي ، حدثنا الحلواني ، سمعت مطرف بن عبد الله ، سمعت مالكاً يقول : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً ، الأخذ بها اتباع لكتاب الله ، واستكمال بطاعة الله ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغييرها ، ولا تبديلها ، ولا النظر في شيء خالفها ، من اهتدى بها ، فهو مهتد ، ومن استنصر بها ، فهو منصور ، ومن تركها ، اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً . وبه إلى الحلواني : سمعت إسحاق بن عيسى يقول : قال مالك : أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل ، تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله ؟!

وبه حدثنا الحسن بن سعيد ، حدثنا زكريا الساجي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو ثور : سمعت الشافعي يقول : كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء ، قال : أما إني على بينة من ديني ، وأما أنت ، فشاك ، اذهب إلى شاك مثلك فخاصمه .

وبه حدثنا سليمان الطبراني ، حدثنا الحسين بن إسحاق ، حدثنا يحيى بن خلف الطرسوسي - وكان من ثقات المسلمين - ، قال : كنت عند مالك ، فدخل عليه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول : القرآن مخلوق ؟ فقال مالك : زنديق ، اقتلوه . فقال : يا أبا عبد الله ، إنما أحكي كلاماً سمعته ، قال : إنما سمعته منك ، وعظم هذا القول .

وبه حدثنا ابن حيان ، حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، قال : قال مالك : الناس ينظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة بأعينهم .

وبه حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، سمعت مالكاً يقول لرجل سأله عن القدر : نعم . قال الله تعالى : " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " .

وبه حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا ابن أبي عاصم ، سمعت سعيد بن عبد الجبار ، سمعت مالكاً يقول : رأيي فيهم أن يستتابوا ، فإن تابوا ، وإلا قتلوا - يعني القدرية .

وبه حدثنا محمد بن علي العقيلي ، حدثنا القاضي أبو أمية الغلابي ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا مهدي بن جعفر ، حدثنا جعفر بن عبد الله قال : كنا عند مالك ، فجاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله : " الرحمن على العرش استوى " كيف استوى ؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته ، فنظر إلى الأرض ، وجعل ينكت بعود في يده ، حتى علاه الرحضاء ثم رفع رأسه ، ورمى بالعود ، وقال : الكيف منه غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وأظنك صاحب بدعة . وأمر به فأخرج .

قال سلمة بن شبيب مرة في رواية هذا : وقال للسائل : إني أخاف أن تكون ضالاً .

وقال أبو الربيع الرشيديني : حدثنا ابن وهب قال : كنا عند مالك ، فقال رجل : يا أبا عبد الله : " الرحمن على العرش استوى " كيف استواؤه ؟ . فأطرق مالك ، وأخذته الرحضاء ، ثم رفع رأسه ، فقال : " الرحمن على العرش استوى " كما وصف نفسه ، ولا يقال له : كيف ، و ( كيف ) عنه مرفوع ، وأنت رجل سوء صاحب بدعة ، أخرجوه .

وقال محمد بن عمرو قشمرد النيسابوري : سمعت يحيى بن يحيى يقول : كنا عند مالك فجاءه رجل ، فقال " : الرحمن على العرش استوى " فذكر نحوه ، وفيه ، فقال : الاستواء غير مجهول .

وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب : ( الرد على الجهمية ) له ، قال : حدثني أبي ، حدثنا سريج بن النعمان ، عن عبد الله بن نافع ، قال : قال مالك : الله في السماء ، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء .

وقال محمد بن إسحاق الصغاني : حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد العمري ، حدثنا ابن أبي أويس ، سمعت مالكاً يقول : القرآن كلام الله ، وكلام الله منه ، وليس من الله شيء مخلوق .

قال القاضي عياض في سيرة مالك قال ابن نافع وأشهب - وأحدهما يزيد على الآخر - قلت : يا أبا عبد الله : " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " ينظرون إلى الله ؟ قال : نعم ، بأعينهم هاتين . قلت : فإن قوماً يقولون : ناظرة : بمعنى منتظرة إلى الثواب . قال : بل تنظر إلى الله ، أما سمعت قول موسى : " رب أرني أنظر إليك " أتراه سأل محالاً ؟ قال الله : لن تراني في الدنيا ، لأنها دار فناء ، فإذا صاروا إلى دار البقاء ، نظروا بما يبقى إلى ما يبقى . قال تعالى : " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " .

قال القاضي وقال غير واحد عن مالك : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، وبعضه أفضل من بعض .

قال : وقال ابن القاسم : كان مالك يقول : الإيمان يزيد . وتوقف عن النقصان .

قال : وروى ابن نافع ، عن مالك : من قال : القرآن مخلوق ، يجلد ويحبس .

قال : وفي رواية بشر بن بكر ، عن مالك قال : يقتل ولا تقبل له توبة .

يونس الصدفي : حدثنا أشهب ، عن مالك ، قال : القدرية لا تناكحوهم ، ولا تصلوا خلفهم .

أحمد بن عيسى : حدثنا ابن وهب ، قال : قال مالك : لا يستتاب من سب النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار والمسلمين .

أبو أحمد بن عدي : حدثنا أحمد بن علي المدائني ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر ، حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر ، قال : قال القاسم : سألت مالكاً عمن حدث بالحديث ، الذين قالوا : ( إن الله خلق آدم على صورته ) . والحديث الذي جاء : ( إن الله يكشف عن ساقه ، وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد ) فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ، ونهى أن يحدث بها أحد ، فقيل له : إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به ، فقال : من هو ؟ قيل : ابن عجلان عن أبي الزناد ، قال : لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ، ولم يكن عالماً . وذكر أبا الزناد ، فقال : لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات . رواها مقدام الرعيني ، عن ابن أبي الغمر ، والحارث بن مسكين ، قالا : حدثنا ابن القاسم .

قلت : أنكر الإمام ذلك ، لأنه لم يثبت عنده ، ولا اتصل به ، فهو معذور ، كما أن صاحبي ( الصحيحين ) معذوران في إخراج ذلك - أعني الحديث الأول والثاني - لثبوت سندهما ، وأما الحديث الثالث ، فلا أعرفه بهذا اللفظ ، فقولنا في ذلك وبابه : الإقرار ، والإمرار ، وتفويض معناه إلى قائله الصادق المعصوم .

وقال ابن عدي : حدثنا محمد بن هارون بن حسان ، حدثنا صالح بن أيوب ، حدثنا حبيب بن أبي حبيب ، حدثني مالك قال : يتنزل ربنا - تبارك وتعالى - أمره ، فأما هو ، فدائم لا يزول . قال صالح : فذكرت ذلك ليحيى بن بكير ، فقال : حسن والله ، ولم أسمعه من مالك .

قلت : لا أعرف صالحاً ، وحبيب مشهور ، والمحفوظ عن مالك - رحمه الله - رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات ، فقال : أمرها كما جاءت ، بلا تفسير . فيكون للإمام في ذلك قولان إن صحت رواية حبيب .

أحمد بن عبد الرحيم بن البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا عمرو بن حسان أن أبا خليد قال لمالك : يا أبا عبد الله إن أهل دمشق يقرءون : إبراهام . فقال : أهل دمشق بأكل البطيخ أعلم منهم بالقراءة . قال له أبو خليد : إنهم يدعون قراءة عثمان ، قال مالك : فهذا مصحف عثمان عندي . ودعا به ، ففتح ، فإذا فيه : إبراهام ، كما قال أهل دمشق .

قلت : رسم المصحف محتمل للقراءتين ، وقراءة الجمهور أفصح وأولى .

قال ابن القاسم : سألت مالكاً عن علي وعثمان . فقال : ما أدركت أحداً ممن أقتدي به إلا وهو يرى الكف عنهما ، قال ابن القاسم : يريد التفضيل بينهما . فقلت : فأبو بكر وعمر ؟ فقال : ليس فيهما إشكال ، إنهما أفضل من غيرهما .

قال الحسن بن رشيق : سمعت النسائي يقول : أمناء الله على علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة : شعبة ، ومالك ، ويحيى القطان .

قال القاضي عياض : قال معن : انصرف مالك يوماً ، فلحقه رجل يقال له : أبو الجويرية ، متهم بالإرجاء . فقال : اسمع مني ، قال : احذر أن أشهد عليك . قال : والله ما أريد إلا الحق ، فإن كان صواباً فقل به ، أو فتكلم . قال : فإن غلبتني ؟ قال : اتبعني . قال : فإن غلبتك ؟ قال : اتبعتك . قال : فإن جاء رجل فكلمنا ، فغلبنا ؟ قال : اتبعناه . فقال مالك : يا هذا ، إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بدين واحد ، وأراك تتنقل .

وعن مالك قال : الجدال في الدين ينشئ المراء ، ويذهب بنور العلم من القلب ويقسي ، ويورث الضغن .

قال القاضي عياض : قال أبو طالب المكي : كان مالك - رحمه الله - أبعد الناس من مذاهب المتكلمين ، وأشد نقضاً للعراقيين . ثم قال القاضي عياض : قال سفيان بن عيينة : سأل رجل مالكاً فقال : " الرحمن على العرش استوى " كيف استوى ؟ فسكت مالك حتى علاه الرحضاء ، ثم قال : الاستواء منه معلوم ، والكيف منه غير معقول ، والسؤال عن هذا بدعة ، والإيمان به واجب ، وإني لأظنك ضالاً . أخرجوه . فناداه الرجل : يا أبا عبد الله ، والله لقد سألت عنها أهل البصرة والكوفة والعراق ، فلم أجد أحداً وفق لما وفقت له .

قال ابن عدي في ( مسند مالك ) بإسناد صح عن ابن وهب : سمعت مالكاً يقول : لقد سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ما حدثت بها قط .

وقال : نشر نافع عن ابن عمر علماً كثيراً أكثر مما نشر عنه بنوه .

الحارث بن مسكين : أخبرنا ابن وهب ، قال مالك : كنت آتي نافعا ، وأنا غلام حديث السن ، مع غلام لي ، فينزل من درجه ، فيقف معي ويحدثني ، وكان يجلس بعد الصبح في المسجد ، فلا يكاد يأتيه أحد .

سعيد بن أبي مريم : سمعت مالكاً يقول : جالس نعيم المجمر أبا هريرة عشرين سنة .

قال معن : كان مالك يتقي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الياء والتاء ونحوهما .

وقال ابن وهب : قال مالك : العلم حيث شاء الله جعله ، ليس هو بكثرة الرواية .

ابن وهب : سمعت مالكاً يقول : حق على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية ، والعلم حسن لمن رزق خيره ، وهو قسم من الله تعالى فلا تمكن الناس من نفسك ، فإن من سعادة المرء أن يوفق للخير ، وإن من شقوة المرء أن لا يزال يخطئ ، وذل وإهانة للعلم أن يتكلم الرجل بالعلم عند من لا يطيعه .

القعنبي : سمعت مالكاً يقول : كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه .

قال عبد الله بن نافع : جالست مالكاً خمساً وثلاثين سنة .

قال ابن وهب : لو شئت أن أملأ ألواحي من قول مالك : ( لا أدري ) لفعلت .

حرملة : حدثنا ابن وهب ، سمعت مالكاً يقول : ليس هذا الجدل من الدين بشيء . وسمعته يقول : قلت لأمير المؤمنين ، فيمن يتكلم في هذه المسائل المعضلة : الكلام فيها يا أمير المؤمنين يورث البغضاء .

سلمة بن شبيب : حدثنا عبد الرزاق ، سمعت سفيان ، وابن جريج ، ومالكاً ، وابن عيينة ، كلهم يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص .

قال مخلد بن خداش : سألت مالكاً عن الشطرنج . فقال : أحق هو ؟ فقلت : لا . قال : " فماذا بعد الحق إلا الضلال " .

قال ابن وهب : حججت سنة ثمان وأربعين ومائة ، وصائح يصيح : لا يفتي الناس إلا مالك بن أنس وابن الماجشون .

ابن وهب ، عن مالك قال : بلغني أنه ما زهد أحد في الدنيا واتقى ، إلا نطق بالحكمة .

ابن وهب ، عن مالك قال : إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه ، ذهب بهاؤه .

أحمد بن حنبل : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك ، قال : التوقيت في المسح بدعة .

عبد الرحمن بن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول : اجتمع مالك وأبو يوسف عند أمير المؤمنين ، فتكلموا في الوقوف ، وما يحبسه الناس . فقال يعقوب : هذا باطل . قال شريح : جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس . فقال مالك : إنما أطلق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسائبة . فأما الوقوف ، فهذا وقف عمر قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " حبس أصلها ، وسبل ثمرتها " وهذا وقف الزبير ، فأعجب الخليفة ذلك منه . وبقي يعقوب

ابن وهب : حدثني مالك قال : كان بين جدار قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المنبر قدر ممر الرجل متحرجاً ، وقدر ممر الشاة ، وإن أول من قدم جدار القبلة حتى جعلها عند المقصورة عمر بن الخطاب . وإن عثمان قربها إلى حيث هي اليوم .

داود بن رشيد : حدثنا الوليد بن مسلم : سألت مالكاً عن تفضيض المصاحف ، فأخرج إلينا مصحفاً ، فقال : حدثني أبي ، عن جدي : أنهم جمعوا القرآن على عهد عثمان ، وأنهم فضضوا المصاحف على هذا أو نحوه .

قال ابن المديني : لمالك نحو ألف حديث ، يعني مرفوعة .

وقال إسماعيل بن أبي أويس : قال لي مالك : قرأت على نافع بن أبي نعيم .

وروى القعنبي ، عن ابن عيينة ، قال : ما ترك مالك على ظهر الأرض مثله .

قال ابن سعد : كان مالك ثقة ، ثبتاً ، حجة ، عالماً ، ورعاً .

وقال ابن وهب : لولا مالك ، والليث ، لضللنا .

وقال الشافعي : ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صواباً من ( موطأ مالك ) .

قلت : هذا قاله قبل أن يؤلف الصحيحان .

قال خالد بن نزار الأيلي : بعث المنصور إلى مالك حين قدم المدينة ، فقال : إن الناس قد اختلفوا بالعراق ، فضع كتاباً نجمعهم عليه . فوضع ( الموطأ ) .

قال عبد السلام بن عاصم : قلت لأحمد بن حنبل : رجل يحب أن يحفظ حديث رجل بعينه ؟ قال : يحفظ حديث مالك . قلت : فرأي ؟ قال : رأي مالك .

قال ابن وهب : قيل لأخت مالك : ما كان شغل مالك في بيته ؟ قالت : المصحف ، التلاوة .

قال أبو مصعب : كانوا يزدحمون على باب مالك حتى يقتتلوا من الزحام . وكنا إذا كنا عنده لا يلتفت ذا إلى ذا ، قائلون برءوسهم هكذا . وكانت السلاطين تهابه ، وكان يقول : لا ، ونعم . ولا يقال له : من أين قلت ذا ؟ أبو حاتم الرازي : حدثنا عبد المتعال بن صالح من أصحاب مالك ، قال : قيل لمالك : إنك تدخل على السلطان ، وهم يظلمون ، ويجورون ، فقال : يرحمك الله . فأين المكلم بالحق .

وقال موسى بن داود : سمعت مالكاً يقول : قدم علينا أبو جعفر المنصور سنة خمسين ومائة ، فقال : يا مالك ، كثر شيبك . قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، من أتت عليه السنون كثر شيبه . قال : ما لي أراك تعتمد على قول ابن عمر من بين الصحابة ؟ قلت : كان آخر من بقي عندنا من الصحابة ، فاحتاج إليه الناس ، فسألوه ، فتمسكوا بقوله .

ذكر علي بن المديني أصحاب نافع ، فقال : مالك وإتقانه ، وأيوب وفضله ، وعبيد الله وحفظه .

ابن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول : قال لي محمد : أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم ؟ - يعني أبا حنيفة ومالكاً - قلت : على الإنصاف ؟ قال : نعم . قلت : أنشدك بالله ، من أعلم بالقرآن ؟ قال : صاحبكم . قلت : من أعلم بالسنة ؟ قال : صاحبكم . قلت : فمن أعلم بأقاويل الصحابة والمتقدمين ؟ قال : صاحبكم . قلت : فلم يبق إلا القياس ، والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء ، فمن لم يعرف الأصول ، على أي شيء يقيس ؟

قلت : وعلى الإنصاف ، لو قال قائل : بل هما سواء في علم الكتاب ، والأول : أعلم بالقياس ، والثاني : أعلم بالسنة ، وعنده علم جم من أقوال كثير من الصحابة ، كما أن الأول أعلم بأقاويل علي ، وابن مسعود وطائفة ممن كان بالكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضي الله عن الإمامين ، فقد صرنا في وقت لا يقدر الشخص على النطق بالإنصاف ، نسأل الله السلامة .

قال مطرف بن عبد الله وغيره : كان خاتم مالك الذي مات وهو في يده فصه أسود حجري ، ونقشه : حسبي الله ونعم الوكيل ، وكان يلبسه في يساره ، وربما لبسه في يمينه .

وعن ابن مهدي قال : ما رأيت أحداً أهيب ، ولا أتم عقلاً من مالك ، ولا أشد تقوى .

وقال ابن وهب : ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه . وعن مالك قال : ما جالست سفيهاً قط .

قال ابن عبد الحكم : أفتى مالك مع نافع وربيعة .

وقال أبو الوليد الباجي : روي أن المنصور حج ، وأقاد مالكاً من جعفر بن سليمان الذي كان ضربه . فأبى مالك ، وقال : معاذ الله .

قال مصعب بن عبد الله في مالك :

يدع الجواب فلا يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان
عز الوقار ونور سلطان التقى ... فهو المهيب وليس ذا سلطان

قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي : سمعت عبد الله بن عمر بن الرماح ، قال : دخلت على مالك ، فقلت : يا أبا عبد الله ، ما في الصلاة من فريضة ؟ وما فيها من سنة ؟ أو قال : نافلة ، فقال مالك : كلام الزنادقة ، أخرجوه .

وقال منصور بن سلمة الخزاعي : كنت عند مالك ، فقال له رجل : يا أبا عبد الله ، أقمت على بابك سبعين يوماً حتى كتبت ستين حديثاً ، فقال : ستون حديثاً ! وجعل يستكثرها . فقال الرجل : ربما كتبنا بالكوفة أو بالعراق في المجلس الواحد ستين حديثاً ، فقال : وكيف بالعراق دار الضرب ، يضرب بالليل ، وينفق بالنهار ؟

قال أبو العباس السراج : سمعت البخاري يقول : أصح الأسانيد : مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر .

قال الحافظ ابن عبد البر في ( التمهيد ) : هذا كتبته من حفظي ، وغاب عني أصلي : إن عبد الله العمري العابد كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل . فكتب إليه مالك : إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق ، فرب رجل فتح له في الصلاة ، ولم يفتح له في الصوم ، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم ، وآخر فتح له في الجهاد . فنشر العلم من أفضل أعمال البر ، وقد رضيت بما فتح لي فيه ، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه ، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر .

قال الحسين بن حسن بن مهاجر الحافظ : سمعت أبا مصعب الزهري يقول : كان مالك بعد تخلفه عن المسجد يصلي في منزله في جماعة يصلون بصلاته ، وكان يصلي صلاة الجمعة في منزله وحده .

ريمة مطهر
05-29-2011, 08:28 PM
رواية بعض مشايخه عنه

أخبرنا علي بن عبد الغني المعدل ، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف ، وأنبأنا أبو المعالي الأبرقوهي أخبرنا محمد بن أبي القاسم الخطيب ، قالا : أخبرنا أبو الفتح بن البطي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الأنباري في المحرم سنة أربع وثمانين وأربع مائة ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي ، أخبرنا محمد بن مخلد العطار ، حدثنا محمد بن الحارث أبو بكر الباغندي ، حدثنا عبيد بن محمد النساج ، حدثنا أحمد بن شبيب ، حدثنا أبي ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، حدثني رجل من أهل المدينة ، يقال له : مالك بن أنس ، عن سعد بن إسحاق ، عن عمته زينب ، عن أبي سعيد أنه خرج في طلب أعلاج له ، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث مثل حديث الناس .

وأنبأنا أحمد بن سلامة ، عن جماعة ، أن أبا علي الحداد أخبرهم : أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا ابن الصواف ، ومحمد بن حميد ، قالا : حدثنا الباغندي ، حدثنا عبيد النساج ، حدثنا أحمد بن شبيب ، حدثنا أبي ، عن يونس ، عن الزهري ، عن مالك بن أنس ، عن سعد بن إسحاق ، عن عمته زينب ، عن الفريعة أخت أبي سعيد ، أن زوجها تكارى علوجاً له فقتلوه ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني لست في مسكن له ، ولا يجري عليّ منه رزق ، فأنتقل إلى أهل أبياتي ، فأقيم عليهم ؟ قال : " اعتدي حيث يبلغك الخبر " .

وأخبرناه بتمامه عاليا أبو محمد عبد الخالق بن علوان بقراءتي ، أخبرنا البهاء عبد الرحمن ، أخبرتنا شهدة الكاتبة ، أخبرنا أحمد بن عبد القادر ، أخبرنا عثمان بن دوست ، أخبرنا محمد بن عبد الله ، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي ، حدثنا القعنبي ، أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق ، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان - وهي أخت أبي سعيد الخدري - أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بظهر القدوم لحقهم فقتلوه ، قالت : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي ، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ، ولا نفقة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " . فخرجت . فقال : كيف قلت ؟ فرددت عليه القصة . فقال : " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً ، فلما كان عثمان بن عفان ، أرسل إليّ ، فسألني عن ذلك ، فأخبرته ، فاتبعه ، وقضى به .

وأخبرناه عالياً بدرجات : أحمد بن هبة الله ، عن المؤيد بن محمد ، أخبرنا هبة الله بن سهل ، أخبرنا سعيد بن محمد ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد ، حدثنا أبو مصعب ، حدثنا مالك بنحوه .

وبإسنادي إلى ابن مخلد ، حدثنا زكريا بن يحيى الناقد ، حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عبد الله بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء يوم خيبر ثم قال حماد : وحدثنا به مالك ، ومعمر بهذا الإسناد .

وأخبرناه عاليا سنقر الزيني بحلب ، أخبرنا الموفق عبد اللطيف ، وأنجب الحمامي ، وعبد اللطيف القبيطي ، ومحمد بن السباك ، وغيرهم قالوا : أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا مالك البانياسي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد ، أخبرنا أبو مصعب الزهري ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله والحسن ، ابني محمد بن علي ، عن أبيهما ، عن علي بن أبي طالب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية .

وأخبرنا به إسماعيل بن عبد الرحمن ، أخبرنا الإمام أبو محمد بن قدامة ، أخبرنا علي بن عبد الرحمن الطوسي ، أخبرنا مالك البانياسي ، فذكره . وبه إلى ابن مخلد ، حدثنا عبد الملك الرقاشي ، حدثنا أبو غسان يحيى بن كثير العنبري ، حدثنا شعبة ، عن مالك بن أنس ، عن عمرو بن مسلم ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم سلمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل العشر ، وأراد أحدكم أن يضحي ، فليمسك عن شعره وأظفاره " أخرجه مسلم عن شيخ له ، عن العنبري . فوقع لنا بدلاً عالياً .

وبه حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، أخبرني يحيى بن معين ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن مالك ، عن عمر أو عمرو بن مسلم بنحوه . هذا غريب ، وليس ذا في ( الموطأ ) .

الحاكم في ترجمة مالك ، في كتاب ( مزكي الأخبار ) : حدثنا أبو الطيب محمد بن أحمد الكرابيسي ، حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد ، من أصله ، حدثنا هشام بن عمار ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن مالك بن أنس ، عن سمي ، عن أبي صالح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " السفر قطعة من العذاب " . غريب جداً .

قرأت على إسحاق بن طارق ، أخبرك ابن خليل ، أخبرنا أبو المكارم اللبان ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا أبو بكر بن خلاد ، حدثنا محمد بن غالب ، حدثنا القعنبي .

وبه إلى أبي نعيم ، وحدثنا محمد بن حميد ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن يحيى بن أيوب ، كلاهما عن مالك ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية البدنة عن سبعة .

وبه إلى أبي نعيم ، حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد ، حدثنا بكر بن سهل ، حدثنا محمد بن مخلد الرعيني ، حدثنا مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء ، قلما ترد فيهما دعوة : حضور الصلاة ، وعند الزحف للقتال " .

رواه أيضاً أيوب بن سويد وأبو المنذر إسماعيل بن عمر ، عن مالك . نحوه .

أخبرنا أبو المعالي الهمداني ، أخبرنا محمد بن أبي القاسم بحران أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا علي بن محمد الخطيب ، أخبرنا أبو عمر الفارسي ، أخبرنا محمد بن مخلد ، حدثنا جعفر بن أحمد بن عاصم ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا محمد بن حرب ، عن ابن جريج ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة زمن الفتح وعلى رأسه المغفر .

أخبرنا أبو المعالي ، أخبرنا محمد ، حدثنا محمد ، أخبرنا علي ، أخبرنا أبو عمر ، أخبرنا ابن مخلد ، حدثنا العلاء بن سالم ، حدثنا شعيب بن حرب ، حدثنا مالك ، حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن عمرو بن سليم ، عن أبي قتادة بن ربعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أحدكم المسجد فليصل ركعتين قبل أن يقعد " اتفقا عليه من حديث مالك .

الحافظ أبو بكر الخطيب : أخبرنا البرقاني ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم الجرجاني ، قرئ على أبي عروبة الحراني ، حدثكم محمد بن وهب ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن مالك بن أنس ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، لا أعلمه إلا عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رحم الله عبداً كانت عنده لأخيه مظلمة في نفس ، أو مال ، فأتاه فاستحل منه قبل أن تؤخذ حسناته ، فإن لم يكن له حسنات ، أخذ من سيئات صاحبه ، فتوضع في سيئاته " .

الحاكم : حدثنا عمرو بن محمد بن منصور العدل ، حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثني أبي ، حدثنا بكر بن مضر ، حدثنا ابن الهاد ، حدثني مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحتلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته ، وينثل ما فيه ، فلا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه " .

ورواه إسحاق بن بكر بن مضر ، عن أبيه ، وقد وقع لي عالياً كأني سمعته من الحاكم .

أخبرناه عبد الحافظ بن بدران ، بنابلس ، أخبرنا موسى بن عبد القادر والحسين بن مبارك ، وأخبرنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا الحسن بن مبارك ونفيس بن كرم ، وعبد اللطيف بن عسكر ، وأخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، وعدة ، بمصر ، وسنقر الزيني بحلب ، قالوا : أخبرنا عبد الله بن عمر ، وأخبرنا عبد الله بن محمد بن قوام ، ويوسف بن أبي نصر ، وعلي بن عثمان الأمين ، ومحمد بن حازم ، ومحمد بن يوسف الذهبي ، ومحمد بن هاشم العباسي ، وعمر ، وأبو بكر ، أخبرنا أحمد بن عبد الدائم ، وسويج بن محمد ، ومحمد بن أبي العز ، وفاطمة بنت عبد الله الآمدية ، وخديجة بنت محمد المراتبية وفاطمة بنت إبراهيم البطائحية ، وهدية بنت عبد الحميد قالوا : أنبأنا الحسين بن أبي بكر اليماني ، وأخبرنا علي بن محمد الفقيه ، وأحمد بن هبة الله الحاجب ، ونصر الله بن محمد ، وأحمد بن العماد ، وعلي بن أحمد ، وأحمد بن محمد بن المجاهد ، وعلي بن محمد الملقن ، وأحمد بن رسلان وعمر بن محمد المذهب ، وأحمد بن عبد الرحمن ، وعبد الدائم بن أحمد الوزان ، وعبيد الحميد بن أحمد ، ومحمد بن علي بن فضل ، وأحمد بن عبد الله اليونيني ، ومحمد بن قايماز الدقيقي ، وهدية بنت علي قالوا : أخبرنا الحسين بن أبي بكر وعبد الله بن عمر ، قالوا ستتهم : أخبرنا عبد الأول بن عيسى ، أخبرنا محمد بن عبد العزيز الفارسي سنة تسع وستين وأربع مائة ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا العلاء بن موسى إملاء سنة سبع وعشرين ومائتين ، حدثنا ليث بن سعد ، عن نافع عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام ، فقال " : لا يحلبن أحدكم ماشية أحد بغير إذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر باب خزانته ، فينتقل طعامه ، وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم ، فلا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه " أخرجه مسلم عن محمد بن رمح ، عن ليث .

محمد بن يوسف الزبيدي : حدثنا أبو قرة ، عن موسى بن عقبة ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعاً : لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها .

أخبرنا علي بن تيمية ، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف ، وأخبرنا الأبرقوهي ، أخبرنا ابن تيمية الخطيب قالا : أخبرنا ابن البطي ، أخبرنا علي بن محمد ، أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، أخبرنا محمد بن مخلد ، حدثنا الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، عن سفيان الثوري ، عن مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن ابن المسيب أن عمر ، وعثمان قضيا في الملطاة وهي السمحاق بنصف ما في الموضحة . قال عبد الرزاق : ثم قدم علينا سفيان ، فسألناه ، فحدثنا به عن مالك ، ثم لقيت مالكا ، فقلت : إن سفيان حدثنا عنك ، عن ابن قسيط ، عن ابن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف الموضحة . فقال : صدق ، حدثته به . قلت : حدثني . قال : ما أحدث به اليوم .

أخبرنا أحمد بن عبد المنعم ، أخبرنا محمد بن سعيد ، وأخبرنا علي بن محمد ، وجماعة ، قالوا : أخبرنا الحسين بن المبارك ، قالا : أخبرنا أبو زرعة ، أخبرنا محمد بن أحمد الساوي أخبرنا أبو بكر الحيري ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا الشافعي ، حدثنا سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، عن سفيان ، عن مالك ، نحوه . وهذا إسناد عزيز ، نزل الشافعي في إسناده كثيراً ، تحصيلاً للعلم .

الحاكم : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ ، حدثنا محمد بن الضحاك بن عمرو ، حدثنا عمران بن عبد الرحيم ، حدثنا بكار بن الحسن ، حدثنا إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة ، عن أبيه ، عن أبي حنيفة ، عن مالك ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها " .

أخبرنا به أحمد بن هبة الله ، عن المؤيد الطوسي ، أخبرنا هبة الله السيدي ، أخبرنا أبو عثمان البحيري ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد ، حدثنا أبو مصعب ، عن مالك ، نحوه . وساويت الحاكم ، وقد رواه عن مالك سفيان الثوري ، وشريك القاضي ، وشعبة .

الحاكم : أخبرنا أبو علي الحافظ ، أخبرنا أبو الطاهر محمد بن أحمد المديني بمصر ، حدثنا يحيى بن درست ، حدثنا أبو إسماعيل القناد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن الأوزاعي ، ومالك ، عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " القطع في ربع دينار فصاعداً " غريب جداً . ولا نعلم مالكاً اجتمع بيحيى ، ولو جرى ذلك لكان يروي عنه ، ولكان من كبراء مشيخة مالك . تفرد به أبو الطاهر ، وفيه مقال .

يعقوب بن شيبة السدوسي : حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن المغيرة بن النعمان ، عن مالك بن أنس ، عن هانئ بن حرام ، قال : كتب إلى عمر بن الخطاب في رجل وجد مع امرأته رجلاً فقتله ، فكتب في السر : يعطي الدية ، وكتب في العلانية : يقاد منه .

قال يعقوب : أراد عمر أن يرهب بذلك . وبإسنادي إلى ابن مخلد العطار : حدثنا أحمد بن محمد بن أنس ، حدثنا أبو هبيرة الدمشقي ، حدثنا سلامة بن بشر ، حدثنا يزيد بن السمط ، عن الأوزاعي ، عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة ، فيقال : هذه غدرة فلان " أخرجه النسائي عن يزيد بن عبد الصمد ، عن سلامة به . ووقع لنا عالياً . أخبرناه علي بن أحمد الحسيني أخبرنا محمد بن أحمد القطيعي ، أخبرنا أحمد بن محمد العباسي ، أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن الشافعي ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم العبقسي أخبرنا محمد بن إبراهيم الديبلي حدثنا محمد بن أبي الأزهر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن دينار بهذا .

وبإسنادي إلى ابن مخلد ، قال : حدثني أحمد بن سعد الزهري ، قال : ذكر علي بن بحر القطان ، سمعت ابن أبي حازم ، يقول : رأيت البتي قائماً على رأس مالك بن أنس وبه : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الحنين ، حدثنا الأصمعي ، عن شعبة ، قال : قدمت المدينة سنة ثماني عشرة ومائة ، فوجدت لمالك حلقة ، ووجدت نافعاً قد مات .

وبه : أخبرنا الرمادي ، حدثنا الحكم بن عبد الله ، أخبرني أبي ، عن مالك ، قال : رحت إلى الظهر من بيت ابن هرمز اثنتي عشرة سنة .

وبه : حدثنا الرمادي ، حدثنا الحكم ، أخبرنا أشهب ، عن مالك ، قال : حدثني ابن شهاب ، فقلت له : أعده عليّ . قال : لا . قلت : أما كان يعاد عليك ؟ قال : لا . فقلت : كنت تكتب ؟ قال : لا . وكف الحديدة - يعني اللجام - .

أخبرنا أحمد بن إسحاق بن محمد المؤيدي ، أخبرنا أحمد بن يوسف ، والفتح بن عبد الله ، قالا : أخبرنا محمد بن عمر الأرموي أخبرنا أحمد بن محمد البزاز ، أخبرنا علي بن عمر الحربي ، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا معن ، عن مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح امرأة قط . أخرجه النسائي في جمعه أحاديث مالك ، عن معاوية بن صالح الدمشقي ، عن يحيى بن معين .

أخبرنا عمر بن عبد المنعم الطائي غير مرة ، أخبرنا عبد الصمد بن محمد الشافعي سنة تسع وست مائة - وأنا في الرابعة - أخبرنا علي بن المسلم الفقيه ، أخبرنا أبو نصر الحسين بن محمد الخطيب ، سنة خمس وستين وأربع مائة ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد الغساني ، بصيدا ، سنة أربع وتسعين وثلاث مائة ، حدثنا أبو روق أحمد بن محمد الهزاني بالبصرة ، حدثنا محمد بن الوليد البسري ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة عن مالك . ( ح ) وأخبرنا بعلو أحمد بن هبة الله بن أحمد ، عن المؤيد بن محمد ، أخبرنا هبة الله بن سهل ، أخبرنا سعيد بن محمد ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد ، حدثنا أبو مصعب ، حدثنا مالك ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها " . لفظ شعبة .

أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي ، أخبرنا زكريا بن علي بن حسان ببغداد ، وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد ببعلبك ، وأحمد بن محمد بمصر ، وجماعة ، قالوا : أخبرنا أبو المنجا عبد الله بن عمر بن اللتي ، قالا : أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى ( ح ) وأخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه كتابة ، أخبرنا عبد القادر الحافظ ، أخبرنا عبد الجليل بن أبي سعد ، بهراة ، قالا : أخبرتنا أم الفضل بيبى بنت عبد الصمد ، قالت : أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا مصعب الزبيري ، حدثني مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة ، وبلال ، وعثمان بن طلحة الحجبي ، فأغلقها عليهم ، ومكث فيها ، فسألت بلالاً حين خرج : ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : جعل عموداً عن يساره ، وعمودين عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ، ثم صلى . وبه حدثني مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته .

ريمة مطهر
05-29-2011, 08:34 PM
وفاة مالك

قال القعنبي : سمعتهم يقولون : عمر مالك تسع وثمانون سنة ، مات سنة تسع وسبعين ومائة .

وقال إسماعيل بن أبي أويس : مرض مالك ، فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت ، قالوا : تشهد ، ثم قال : " لله الأمر من قبل ومن بعد " وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة ، فصلى عليه الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي ، ولد زينب بنت سليمان العباسية ، ويعرف بأمه . رواها محمد بن سعد عنه ، ثم قال : وسألت مصعباً ، فقال : بل مات في صفر ، فأخبرني معن بن عيسى بمثل ذلك .

وقال أبو مصعب الزهري : مات لعشر مضت من ربيع الأول سنة تسع ، وقال محمد بن سحنون : مات في حادي عشر ربيع الأول ، وقال ابن وهب : مات لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول .

قال القاضي عياض الصحيح : وفاته في ربيع الأول يوم الأحد لتمام اثنين وعشرين يوماً من مرضه .

وغسله ابن أبي زنبر وابن كنانة ، وابنه يحيى وكاتبه حبيب يصبان عليهما الماء ، ونزل في قبره جماعة ، وأوصى أن يكفن في ثياب بيض ، وأن يُصلى عليه في موضع الجنائز ، فصلى عليه الأمير المذكور . قال : وكان نائبا لأبيه محمد على المدينة ، ثم مشى أمام جنازته ، وحمل نعشه ، وبلغ كفنه خمسة دنانير .

قلت : تواترت وفاته في سنة تسع فلا اعتبار لقول من غلط وجعلها في سنة ثمان وسبعين ، ولا اعتبار بقول حبيب كاتبه ، ومطرف فيما حكي عنه ، فقالا : سنة ثمانين ومائة .

ونقل القاضي عياض أن أسد بن موسى قال : رأيت مالكاً بعد موته ، وعليه طويلة ، وثياب خضر وهو على ناقة ، يطير بين السماء والأرض . فقلت : يا أبا عبد الله ، أليس قد مت ؟ قال : بلى . فقلت : فإلام صرت ؟ فقال : قدمت على ربي وكلمني كفاحاً ، وقال : سلني أعطك ، وتمن عليّ أرضك .

قال القاضي عياض : واختلف في سنه . فقال عبد الله بن نافع الصائغ ، وابن أبي أويس ، ومحمد بن سعد ، وحبيب : إن عمره خمس وثمانون سنة . قال : وقيل : أربع وثمانون سنة ، وقيل : سبع وثمانون سنة ، وقال الواقدي : تسعون سنة ، وقال الفريابي ، وأبو مصعب : ست وثمانون سنة . وقال القعنبي : تسع وثمانون سنة ، وعن عبد الرحمن بن القاسم ، قال : عاش سبعاً وثمانين سنة . وشذ أيوب بن صالح ، فقال : عاش اثنتين وتسعين سنة . قال أبو محمد الضراب : هذا خطأ . الصواب ست وثمانون .

واختلف في حمل أمه به : فقال معن ، والصائغ ، ومحمد بن الضحاك : حملت به ثلاث سنين . وقال نحوه والد الزبير بن بكار ، وعن الواقدي : حملت به سنتين .

قلت : ودفن بالبقيع اتفاقاً ، وقبره مشهور يزار - رحمه الله - .

ويقال : إنه في الليلة التي مات فيها ، رأى رجل من الأنصار قائلاً ينشد :

لقد أصبح الإسلام زعزع ركنه ... غداة ثوى الهادي لدى ملحد القبر
إمام الهدى ما زال للعلم صائنا ... عليه سلام الله في آخر الدهر

قال : فانتبهت ، فإذا الصارخة على مالك .

ثم أورد القاضي عياض عدة منامات حسنة للإمام وسائر كتابه بلا أسانيد ، وفي بعض ذلك ما ينكر .

قال ابن القاسم : مات مالك عن مائة عمامة ، فضلاً عن سواها .

وقال ابن أبي أويس : بيع ما في منزل خالي مالك من بسط ، ومنصات ، ومخاد ، وغير ذلك ، بما ينيف على خمس مائة دينار .

وقال محمد بن عيسى بن خلف : خلف مالك خمس مائة زوج من النعال ، ولقد اشتهى يوماً كساءً قوصياً ، فما مات إلا وعنده منها سبعة ، بعثت إليه .

وأهدى له يحيى بن يحيى النيسابوري هدية ، فوجدت بخط جعفر : قال مشايخنا الثقات : إنه باع منها من فضلتها بثمانين ألفاً .

قال أبو عمرو : ترك من الناض ألفي دينار وست مائة دينار ، وسبعة وعشرين ديناراً ، ومن الدراهم ألف درهم .

قلت : قد كان هذا الإمام من الكبراء السعداء ، والسادة العلماء ، ذا حشمة وتجمل ، وعبيد ، ودار فاخرة ، ونعمة ظاهرة ، ورفعة في الدنيا والآخرة . كان يقبل الهدية ، ويأكل طيباً ، ويعمل صالحاً . وما أحسن قول ابن المبارك فيه :

صموت إذا ما الصمت زين أهله ... وفتاق أبكار الكلام المختم
وعى ما وعى القرآن من كل حكمة ... وسيطت له الآداب باللحم والدم

قال القاضي عياض رحمه الله فيه :

يا سائلا عن حميد الهدي والسنن ... اطلب ، هديت علوم الفقه والسنن
وعقد قلبك فاشدده على ثلج ... لا تطوينه على شك ولا دخن
واسلك سبيل الألى حازوا نهى وتقى ... كانوا فبانوا حسان السر والعلن
هم الأئمة والأقطاب ما انخدعوا ... ولا شروا دينهم بالبخس والغبن
أصحاب خير الورى أحبار ملته ... خير القرون نجوم الدهر والزمن
من اهتدى بهداهم مهتد وهم ... نجاة من بعدهم من غمرة الفتن
وتابعوهم على الهدي القويم هم ... أهل التقى والهدى والعلم والفطن
فاختر لدينك ذا علم تقلده ... مشهر الذكر في شام وفي يمن
حوى أصولهم ثم اقتفى أثرا ... نهجا إلى كل معنى رائق حسن
ومالك المرتضى لا شك أفضلهم ... إمام دار الهدى والوحي والسنن
فعنه حز علمه إن كنت متبعا ... ودع زخارف كالأحلام والوسن
فهو المقلد في الآثار يسندها ... خلاف من هو فيها غير مؤتمن
وهو المقدم في فقه وفي نظر ... والمقتدى في الهدى في ذلك الزمن
وعالم الأرض طرا بالذي حكمت ... شهادة المصطفى ذي الفضل والمنن
ومن إليه بأقطار البلاد غدت ... تنضى المطايا وتضحى بزل البدن
من أشرب الخلق طرا حبه فجرى ... طي القلوب كجري الماء في الغصن
وقال كل لسان في فضائله ... قولا وإن قصروا في الوصف عن لسن
عليه من ربه أصفى عواطفه ... ومن رضاه كصوب العارض الهتن
وجاد ملحده وطفاء هاطلة ... تسقي برحماه مثوى ذلك الجنن

المرجع
سير أعلام النبلاء - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي