أقوال التابعين في التفسير




أقوال التابعين في التفسير هي المصدر الرابع في التفسير فإذا لم نجد تفسير القرآن بالقرآن، ولا بالسنة، ولا بأقوال الصحابة، فإننا نرجع في ذلك إلى أقوال التابعين، لأنهم أقرب إلى الصواب في فهم القرآن فقد أخذوا التفسير عن الصحابة.


مصادرهم في التفسير:
لقد كانت حاجة المشتغلين بالتفسير من التابعين أن يكملوا ما احتاج إلى بيان فزادوا في التفسير بمقدار الحاجة معتمدين في ذلك على ما يأتي:
1- فهم كتاب اللّه تعالى على ما جاء في الكتاب نفسه.
2- ما رواه الصحابة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .
3- ما سمعوه من الصحابة من تفسيرهم للقرآن.
4- ما أخذوه من أهل الكتاب مما جاء في كتبهم.
5- ما فتح اللّه به عليهم من طريق الاجتهاد والنظر[1] .








الهامش :~

[1] التفسير والمفسرون للدكتور الذهبي 1/ 99 بتصرف.

مدارس التفسير في عصر التابعين


من المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يستقروا في بلد واحد بل تفرقوا في الأمصار وحملوا معهم ما وعوه من العلم مما حفظوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إليهم كثير من التابعين يأخذون العلم عنهم وينقلونه لمن بعدهم فقامت في هذه الأمصار المختلفة مدارس علمية على يد الصحابة تتلمذ فيها كثيرمن التابعين.

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: "أما التفسير فأعلم الناس به أهل مكة
لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم من أصحاب ابن عباس، كطاووس، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير، وأمثالهم، وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود، ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم، وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير، وأخذ عنه أيضاً ابنه عبد الرحمن، وأخذه عن عبد الرحمن: عبد اللّه بن وهب " [2] .
يتضح لنا من كلام شيخ الإِسلام السابق أن للتابعين مدارس في التفسير هي كالآتي:


مدرسة التفسير بمكة:
قامت هذه المدرسة على يد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ومن أشهر من تتلمذ على يديه سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وطاووس بن كيسان اليماني وعطاء بن أبي رباح رحمهم الله تعالى.


مدرسة التفسير بالمدينة:
قامت هذه المدرسة على يد أبي بن كعب الذي يعد أشهر من تتلمذ عليه زيد بن أسلم وأبو العالية ومحمد بن كعب القرظي رحمهم الله تعالى.


مدرسة التفسير بالكوفة:
قامت هذه المدرسة على يد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ومن أشهر من تتلمذ على يديه علقمة بن قيس، ومسروق، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي [3] ، رحمهم الله تعالى.


الهامش :~


[2] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، مقدمة التفسير جـ 13 ص 347.
[3] مناهج المفسرين من العصر الأول إلى العصر الحديث للنقراشي 1/ 31- 33.

أشهر المفسرين من التابعين


سنورد فيما يلي تعريفاً لمفسر واحد من كل مدرسة من المدارس السابقة.

1- من مدرسة التفسير بمكة: (مجاهد رضي الله عنه):
هو الإِمام الثقة شيخ القراء والمفسرين أبو الحجاج مجاهد بن حجر المكي، مولى السائب بن أبي السائب ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 21 هـ.
كان رحمه الله أوثق أصحاب ابن عباس ولهذا اعتمد على تفسيره البخاري والشافعي وغيرهما.
روى ابن إسحاق عنه أنه قال: "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها".
وكان سفيان الثوري يقول: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به".
توفي بمكة سنة أربع ومائة وعمره ثلاث وثمانون سنة [4] .


2- من مدرسة التفسير بالمدينة: (زيد بن أسلم رضي الله عنه):
هو الإِمام الحجة القدوة، كان ثقةً عالماً وكان يرسل، أبو أسامة أو أبو عبد الله زيد بن أسلم العدوي المدني الفقيه المفسر مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان من كبار التابعين الذين عرفوا بالتفسير، كان معروفاً بغزارة العلم بين معاصريه فكانوا يجلسون إليه ويأخذون عنه وأشهر من أخذ عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد، ومالك بن أنس إمام دار الهجرة.
توفي سنة ست وثلاثين ومائة من الهجرة [5] .


3- من مدرسة التفسير بالكوفة: (الحسن البصري رحمه الله تعالى):
هو أبو سعيد الحسن بن أبيِ الحسن يسار البصري، ولد لسنتين بقيتا
من خلافة عمر، كان فصيحاَ ورعاً زاهداً لا يسبق في وعظه، جمع إلى صلاحه وورعه غزارة علمه بكتاب اللّه تعالى وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم وأحكام الحلال والحرام، وقد شهد له بالعلم خلق كثير منهم أنس بن مالك فقد قال فيه: "سلوا الحسن فإنه حفظ ونسينا".
توفي رحمه الله سنة عشر ومائة من الهجرة [6] .








الهامش :~


[4] (http://membres.multimania.fr/makuielys/1/usultafsir/8.htm#_ftnref4) انظر سير الأعلام للذهبي (4/ 449)، وتقريب التهذيب لابن حجر ص 520.
[5] (http://membres.multimania.fr/makuielys/1/usultafsir/8.htm#_ftnref5) انظر سير الأعلام للذهبي (5/ 316)، وتقريب التهذيب لابن حجر ص 222
[6] (http://membres.multimania.fr/makuielys/1/usultafsir/8.htm#_ftnref6) انظر سير الأعلام للذهبي (563/4)، وتهذيب التهذيب لابن حجر (2/263).

اختلاف العلماء في الأخذ بتفسير التابعي


اختلف العلماء في الرجوع إلى تفسير التابعين والأخذ بأقواهم إذا لم يؤثر في ذلك شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كالآتي:


1- ذهب بعض العلماء: إلى أنه لا يؤخذ بتفسير التابعي، واستدلوا :
بأن التابعين ليس لهم سماع من الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يمكن الحمل عليه كما قيل في تفسير الصحابي: إنه محمول على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وبأنهم لم يشاهدوا القرائن والأحوال التي نِزل عليها القرآن، فيجوز عليهم الخطأ في فهم المراد وظن ما ليس بدليل دليلاَ. ومع ذلك فعدالة التابعين غير منصوص عليها كما نص على عدالة الصحابة، وهو رواية عن الإِمام أحمد.

2- ذهب أكثر المفسرين والرواية الأخرى عن الإِمام أحمد: إلى أنه يؤخذ بقول التابعي فيِ التفسير، لأن التابعين تلقوا غالب تفسيراتهم عن الصحابة، فمجاهد مثلاً يقول: "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها "، وقتادة يقول: "ما في القرآن آية إلاّ وقد سمعت فيها شيئاً، ولذا حكى أكثر المفسرين أقوال التابعين في كتبهم ونقلوها عنهم مع اعتمادهم لها [7] .
وقد ذكر شيخ الإِسلام ابن تيمية عن شعبة بن الحجاج قوله: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم. وهذا صحيح، أما إذا اجتمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك [8] .





الهامش :~


[7] التفسير والمفسرون للدكتور الذهبي (1/ 128) بتصرف.
[8] مقدمة في أصول التفسيرلابن تيمية ص 5 10.


" alt=""/>

أول من دون علم التفسير


كانت الخطوة الأولى للتفسير ما تناقل بطريق الرواية، فالصحابة يرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يروى بعضهم عن بعض والتابعون يروون عن الصحابة كما يروى بعضهم عن بعض.
أما تدوين علم التفسير فأول من حظي بشرفه (سعيد بن جبير بن هشام الأسدي بالولاء، كوفي أحد أعلام التابعين، أخذ العلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، كان في أول أمره كاتباً لعبد الله بن عتبة بن مسعود، ثم كتب لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري.
قتل على يد الحجاج سنة 95 هـ. قال أحمد بن حنبل: قتل سعيد وما على وجه الأرض أحد إلاّ وهو مفتقر إلى علمه) [9] .





الهامش :~

[9] وفيات الأعيان لابن خلكان (2/ 371) بتصرف.




منقول للفائدة