مشاهدة النسخة كاملة : معجزة عزير عليه السلام
ريمة مطهر
05-06-2011, 09:50 PM
عزير
الحياة بعد الموت
قال تعالى : { أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم , قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً , فلمّا تبيّن له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } البقرة 259.
1. أما قبل
فحديثنا عن معجزة عزير عليه السلام , يحتاج إلى تعريف مختصر يسير , بمن هو عزير , حتى نجعل لكل أوّل آخر , ونربط المعجزات بالمصائر .
وعزير عليه السلام صبي من نسل نبي الله هارون عليه السلام , وفي وقت معجزته هذه كان يقيم مع قومه من بني إسرائيل في بابل , الذين كثروا بها وتناسلوا بعد أن أخرجهم بختنصر , وأخذ معظم الأسرى إلى بابل وكان بختنصر هو أول من جاس في ديارهم , بعد أن أفسدوا في الأرض , ولذلك فقد حقت عليهم كلمة الله عز وجل : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين ولتعلنّ علوّاً كبيراً * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار , وكان وعد الله مفعولاً } . الإسراء 4-5.
كان عزير عليه السلام صبياً نابهاً كارهاً لحياة الذل في أرض بابل , يملأ قلبه الأسى والحزن لما يلقاه بنو قومه من الذل والعبودية والهوان , وكان عزير عابداً صالحاً يقرأ التوراة , ولم يكن في بني إسرائيل آنذاك من يحفظ التوراة عن ظهر قلب سوى عزير , وكان أبوه وجدّه يحفظانها من قبل .
وكان عزير عليه السلام يقرأ التوراة ويعمل بها , ويعظ الناس , فأحبّه الإسرائيليون والبابليون على حد سواء , لخلقه , واستقامته , وحسن سيرته وسلوكه بينهم , وصدق نصائحه وتوجيهاته ومواعظه , وكان عزير مستجاب الدعاء , فما يدعو لأحد بخير إلا استجاب الله لدعائه المبارك .
وقد تزوّج عزير عليه السلام وأنجب ابنين , ولم بلغ الأربعين من عمره أوحى الله إليه أنه سيخرج من هذه الأرض , أرض بابل , التي أسره فيها بختنصر وأن بني إسرائيل سيخرجون أيضاُ , ويعيدون عمارة بلادهم .
ولما كان العزير عاقلاً هادئاً حكيماً , فإنه لم يبح لأحد بما أوحي إليه لا لبني إسرائيل ولا لغيرهم , وكان كتمانه هذا حرصاً وخوفاً على بني إسرائيل من أن ينزل بهم شر من أي جانب أو جهة .
ومرّت الأيام وعزير عليه السلام يجد في داخله حافزاً إلى الخروج من بابل حيث الذل والمهانة إلى حيث وعده ربه بعمارة الأرض المقدسة , وتزايدت في داخل عزير تلك الحوافز يوماً بعد يوم , ومر شهر وحنين عزير يشتد أكثر وأكثر , وأصبح لا يطيق البقاء في بابل ، وأقرّ في نفسه أنه لا مفرّ من الخروج .
فكّر عزير عليه السلام قليلاً فيما سيواجهه من مشاكل من جراء خروجه من بابل , فماذا سيصنع بزوجته وأبنائه , وخادمته التي طالما كانت وفيّة أمينة مطيعة له على مدى سنوات مضت .
وسأل نفسه : كيف يصطحب كل هؤلاء معه ؟ وفي ظل حراسة مشددة , وهل يغفل هؤلاء الحراس , الذين وضعهم الملك في كل مكان من بابل ؟
كانت هذه المشكلة التي تؤرق عزير عليه السلام وأحس أنها ستعطل خروجه من بابل , ولكنه فكر في الأمر مليّاً , وجمع زوجته وبنيه , وخادمته الأمينة في ليلة من الليالي , وفي مكان أمين , وقد سكن الليل , وأوى الناس إلى مضاجعهم , وقال لهم :
لقد قررت الرحيل .
فقالت الزوجة : إلى أين ؟
فقال عزير : إلى الأرض المقدسة .
قالت الزوجة : إن هذا الأمر غاية في الصعوبة , ونحن نحاط بهذا الكم من حراس بختنصر .
ولكن عزير الذي أوحي إليه أصرّ أن يخرج مهما كان الثمن , ذلك لأنه رأى في الخروج تنفيذاً لأمر الله عز وجل .
عندما أباح عزير بالسر وهو أن خروجه بوحي من الله عز وجل , وأن الوحي بشّر بعمارة بني إسرائيل لأرضهم , وزوال ذل وهوان بختنصر عنهم , فرحت الزوجة والأبناء والخادمة , وعرفوا أن عزيراً أصبح نبيّاً من أنبياء بني إسرائيل .
فقال لهم عزير عليه السلام : لقد أوحي إليّ منذ ثلاثة أشهر , وها هي التوراة في قلبي أحفظها , فهي كلام الله , تنير لي الطريق إن شاء الله .
طلبت الزوجة عندئذ من زوجها عزير أن يعلم بني إسرائيل بما أوحي إليه من الله عز وجل , حتى يستبشروا وتقوى عزائمهم ويتخلصوا من الذل الذي اعتادوا عليه منذ أن اجتاحهم بختنصر بجيوشه القاسية الفتاكة .
وقالت الزوجة والأبناء : إن خروجك وحيداً لن يعمّر الأرض فإنك لن تجد هناك من يعينك على ذلك , ولن تجد أيضاً هناك من تعلمه التوراة , وبقاؤك معنا سيفيدنا لأننا سنتعلمها منك .
قال عزير : هذا أمر الله , وأنا جبلت على طاعته ولن أعصي له أمراَ , وقد أوحى الله أمراَ واقعاَ في المستقبل لا نعرف نحن عنه شيئاَ , ولكن مشيئة الله نافذة , وبعد وقت قليل سيلحق بي بنو إسرائيل وستلحقون بي أنتم جميعاَ , فاصبروا , ولا تجزعوا فإنه أمر الله , ولا رادّ لأمره , سنلتقي هناك في الأرض المقدسة , وسنجتمع كلنا في الغد القريب .
ثم أكّد عزير على سريّة خروجه , فقال لهم : إذا أصبحتم فاكتموا أمري , فإذا سأل عني سائل فقولوا له : خرج ولا ندري متى يعود .. !
فلما تأثرت الزوجة والأبناء أكّد عزير عليه السلام قائلاً : تصبّروا , فإننا سنلتقي إن شاء الهل , فهكذا أوحى الله إليّ .. كفوا عن البكاء والحزن , واحبسوا أصواتكم حتى لا يشعر بنا أحد ..
والآن أستودعكم الله .
سألت الزوجة : وماذا أعددت لركوبك ؟
قال : لقد اشتريت حماراً جلداً قوياً منذ أيام لهذا الغرض .
فقالت : وأين هو ؟
قال : تركته عند صديقي , وواعدته أن يلقاني به الليلة , خارج أسوار المدينة .
قالت : وهل علم صديقك بنبأ رحيلك ؟
فقال عزير : نعم , علم بكل شيء , وكان أول من آمن بنبوّتي , وسيكتم أمري كله إن شاء الله .
كان الفراق صعباً بالنسبة للزوجة والأولاد والخادمة , وكان وداعاً هامساً , حاراً , هادئاً .. وخرج عزير .
ريمة مطهر
05-06-2011, 09:52 PM
2. بدء المعجزة
مضى عزير عليه السلام في رحلة طويلة شاقة , بعد لحظات خوف وترقب أثناء خروجه من بابل وقد أحاطها الحراس والجنود في كل مكان .
وبعد طول مسير وكثير عناء , وجد العزير نفسه في الأرض المقدسة التي طالما تاقت نفسه لرؤيتها , فلما دخل وجد شيئاً عجيباً , لم يجد آثاراً للعمران , بل وجد الخراب جاثماً عليها منذ ثلاثين سنة مضت , منذ أن خرّبتها جيوش بختنصر الذي كان قد اقتحم دمشق , وسار منها إلى بيت المقدس , وتذكّر عزير ملك بني إسرائيل الذي خرج إليه , وقدّم له الطاعة وطلب منه الصلح , وأعطاه من الأموال والجواهر والأشياء النفيسة ما أرضاه , ويومها طلب بختنصر بعض أعيان بني إسرائيل ليكونوا رهائن عنده ضماناً لاستمرار الصلح , وعدم التمرّد . تاريخ الطبري .
وتذكّر أن أهله بني إسرائيل لما نزل بختنصر فزعوا , وتفرّقوا , وأغلقوا دورهم عليهم , فلما صالحه الملك وأعطاه الرهائن وجلا عن البلاد بجيشه , خرجوا من جحورهم غاضبين يلومون ملكهم على الصلح , ويعلنون أنهم كانوا قادرين على قتال عدوّهم , وانزال الهزيمة به , وثاروا على ملكهم وقتلوه , ونقضوا الصلح مع بختنصر .
وتذكّر كذلك لما رأى الخراب أن بختنصر لما علم بما حدث منهم عاد إلى بيت المقدس , فتحصنوا بداخلها , فحاصروها حصاراً شديداً , ثم قام بدك أسوارها بما يقذفه عليها من مدمّرات , حتى تهدّمت , فاندفع جيشه وخرّب المدينة , وقتل النساء والأطفال , وخربوا الدور والزروع والقرى وقتلوا وأسروا كل من وصلت إليه أيديهم .. حتى خرّبت الديار , وكثرت الدماء , وتناثرت الأشياء وهرب من هرب وأسر من أسر , وهرب منهم من هرب إلى مصر, وإلى مكة وإلى يثرب وجهات أخرى , وبقي بختنصر ليأتي على البقيّة الباقية من هدم للبيع والمعابد وإحراق كل ما وقع له من نسخ التوراة , وقتل الشباب من الأسرى القادرين على حمل السلاح , واستبقى النساء والأطفال عبيداً عنده وخدماً , وغادر البلاد بعد تركها خراباً .
كل هذا تذكره عزير عليه السلام لما رأى الخراب والدمار حوله في كل مكان ؛ فقد وجد أشجار الفاكهة قائمة بغير عناية , فلم تحصد منذ سنين ولم تقطف ثمارها , فهي محمّلة بالثمار الحديثة والقديمة , والأعشاب وبعض الزروع وقد تفرّقت هنا وهناك بغير انتظام , وقد كست الأرض , فتطول في مكان وتقصر في الآخر .
وسمع عزير عليه السلام عواء الذئاب بعيداً , وأصوات السباع , وبحث عن أي أثر لأي إنسان فلم يجد , وظل العزير يمشي ويمشي حتى بلغ مدينة القدس ووجد بها آثاراً لمذبحة بختنصر . فعظام القتلى بقايا بالية مبعثرة , والدماء على الجدران جافة سوداء , وعشرات الألوف من الجماجم الآدميّة تدل على هول ما أنزل بختنصر ببني إسرائيل من هلاك , ورأى عزير البيوت وقد تهدمت وطمرت بالأنقاض , أما المساجد والمعابد فقد أصبحت خاوية على عروشها , مهجورة وقد ملأها التراب ...
هال عزيراً عليه السلام ما شهده من مشاهد , وقد جرت أحداث بختنصر هذه وهو صبي لم يتجاوز العاشرة من عمره , ولكنه سمع فيما بعد بهذه المذابح والمعارك من الآباء لكن ما شهده كان أكبر مما تصوّره , لم يكن يعرف أن هذه المعارك كانت عاتية فادحة الخسائر إلى هذا الحد , الذي يشهده بعينيه وهو يمر بين الأنقاض والديار المهدّمة .
طاف عزير عليه السلام مدينة الأشباح , وقد شغله هذا الماضي المفجع المحزن والحاضر وما سيكون عليه المستقبل , سأل نفسه عدة أسئلة :
أتصبح هذه الأرض القفراء عامرة ؟
أتصير هذه يوماً من الأيام , معمورة الأسواق والندوات والمجالس , آهلة بالسكان والأطفال والنساء والبيوت ؟
وقد أوحى الله إليه أنه سبحانه عز وجل سيعيدها سيرتها الأولى فتدب فيها الحياة , وتنشط الحركة وتقوم التجارة , ويزدهر نشاط الناس بالزراعة والصناعة .. صمت عزير عليه السلام قليلاً وتساءل في عجب { أنّى يحي هذه الله بعد موتها } البقرة 259.
أحس عزير عليه السلام بوحدة قاتلة , ووحشيّة مميتة من هذا الصمت الذي يطوف حوله , صمت المدينة , والأشجار , وكل شيء حوله صامت لا يتحرك , وأحزنته مشاهد الدمار التي ما زالت متناثرة في الشوارع والطرقات على شكل عظام ودماء , وبقايا حياة كانت مليئة بالحيوية والبهجة , ولم يسمع عزير حوله سوى صوت الرياح تهمس في أذنيه مرة عاصفة وأخرى عليلة هادئة النسمات .
من كل هذا الجو الموحش آثر عزير أن يتخذ لنفسه مغارة في أحد الجبال المحيطة بالقدس ليقيم فيها , وحث حماره فمشى , وعند أحد البساتين توقف عزير عليه السلام وصنع لنفسه سلة ملأها عنباً وتيناً , وعصر بعض العنب , وجعله معه في إناء من الجلد ليشربه .
وفي ضحى هذا اليوم دخل عزير عليه السلام مغارته الواسعة العتيدة فربط بها حماره , ووضع سلته وشرابه إلى جانبه واستلقى على ظهره ليريح نفسه من العناء والتعب , وقد شغله فكرة بواحدة من الأفكار تقول : كيف تعود إلى الحياة ثانية إلى هذه القرية ؟!
وعزير عليه السلام على علم من وحي الله أن الحياة ستعود مرة ثانية إلى هذه القرية ولكنه إنسان , ومازال رغم كل ذلك يقول ويردد : { أنّى يحي هذه الله بعد موتها } .
من هذا التساؤل العجيب , ومن هذا الاستطلاع وحبه المعروف عند البشر , تكون المعجزة في طريقها إلى عزير عليه السلام بأمر الله عز وجل .
وظل عزير عليه السلام يقول : كيف تعود الحياة إلى سائر بني إسرائيل وها هي صامتة صمت الزمن أمامي ؟!
ظل عزير عليه السلام على هذه الحال , حتى أسلمه التعب والتساؤل والرغبة في المعرفة إلى نوم عميق عمق الزمن الذي طال , ثقيل ثقل السنين التي مضت ولم يشعر بها عزير أبداً .
وفي نومه العميق أو في نومته الصغرى , نام نومة كبرى , لقد قبض الله روحه , ولم يعد عزير يشعر بشيء مما حوله فهو في يد العناية الإلهية , تنصرف إلى ما تشاء ولا رادّ لمشيئة الله لا في الأرض ولا في السماء .
ريمة مطهر
05-06-2011, 09:54 PM
3. العودة
مضت السنون سريعة خاطفة عاماً وراء عام , ومضى على عزير عليه السلام من بابل عشرة أعوام , انتظرت فيها زوجته وبنوه مشيئة الله عز وجل التي تتيح لهم الخروج من بابل حتى يلحقوا به في الأرض المقدسة , ولكن طال انتظارهم , ولم يحدث شيء , وتلاحقت الأعوام حتى بلغت أربعين عاماً , ولم يخرج بنو إسرائيل ولم تأت أخبار عن عزيراً , ويئسوا من العودة إلى الأرض المقدسة .
أربعون عاماً كانت كافية لتغيير أشياء كثيرة , فتغيّرت أجيال واندثرت أجيال . وفي خضم هذا الأمن والطمأنينة , نشأت في بني إسرائيل فتاة جميلة بارعة الجمال , تتسم بالذكاء حتى تفوقت على بنات جيلها جمالاً وذكاءً , فكان أن رآها ملك بابل فطلب الزواج منها , فتزوجها وهام بها حباً , وأصبحت ذات مكانة رفيعة لدى زوجها , ومنزلة عظيمة ومنّ الله عليها بمولود جميل , مما زاد حبها رسوخاً في نفس زوجها الملك , ملك بابل , وأصبحت الزوجة ذات مكانة عظيمة في أوساط زوجها والقصر وكل من حولها , وكان لها عظيم الأثر في نفس زوجها الملك مما جعله يحسن معاملة بني إسرائيل , فصار الأحبار يدخلون القصر ويعلمون ابنها التوراة , فأصبح محباً لأهل أمه , مما جعل الأحبار يشعرون ببركة هذا الزواج , فأصبحوا يتمتعون بمعاملة كريمة واحترام كبير وإكرام ما بعده إكرام , وأصبح لهم نفوذ كبير في القصر , فهم بمنزلة وزراء الملك وأعلى الناس في حاشيته ومستشاريه .
ومرّت السنون والأحوال تزداد تحسناً بالنسبة لبني إسرائيل , وجاء اليوم الذي مات فيه الملك , فخلفه ابنه الذي رضع حباً لأخواله بني اسرائيل , وحفظ منهم التوراة وعلومها , وأحبهم حباً شديداً , وجاء اليوم أيضاً الذي جلست فيه الأم لابنها الملك لتحدثه عن أرض بني اسرائيل التي ما زالت خاوية خربة وتحتاج لأبنائها كي يعمروها , ويزرعوا أرضها .
وفي هذا اليوم المشهود لبني اسرائيل والذي جاء بعد مضي سبعين سنة على خروج عزير عليه السلام من بابل ، في هذا اليوم خرج المنادي ينادي في شوارع بابل : من أحبّ أن يخرج من بني اسرائيل إلى بلاده فليخرج ولا حرج عليه في ذلك .
فخرج بنو إسرائيل مهاجرين إلى بلادهم , وهناك هالهم ما رأوه من خراب ودمار , ولكنهم شمّروا عن ساعد الجد , فغرسوا وزرعوا , ودبّت الحركة في المدينةالتي أصبحت أكثر نظافة ونظاماً عما قبل , وعادت الحياة تدب من جديد في أرجائها , وخرجوا إلى القرى المحيطة بها فعمروها , وبدأ التجار عملهم , فاستؤنفت التجارة بين القرى , وبدأ أرباب الصناعة في تشغيل صناعاتهم وظهرت المساكن الجديدة هنا وهناك , وامتدت الأيادي للبناء , وكان الجميع في سعادة وهم يبنون ويعمّرون ويشعرون بالحريّة , ولم يعد الذل يطاردهم كما كان في بابل . ومضت ثلاثون عاماً أصبحت فيها البلاد عامرة , وقد أثمرت صناعاتهم وعمّرت قراهم , وانحسرت آثار الكارثة التي مرت بهم تماماً ولم يعد لها أثر يذكر .
ريمة مطهر
05-06-2011, 10:00 PM
4. ظهور المعجزة
كانت زوجة عزير عليه السلام قد كبرت وأخذ منها الزمان ما أخذ , وكذلك خادمته الصغيرة , وقد بحثوا جميعاً في أول مجيئهم مع بني إسرائيل عن عزير في كل مكان بالمدينة , فلم يجدوا له أثراً , وأرسلوا إلى المدن والقرى للبحث عن عزير ولكن دون جدوى .
وأثناء سؤالهم هذا صرفهم الله عز وجل عن المغارة التي سكنها عزير ومات فيها , وانصرفت مشيئة الله أن لا يقترب بشر من هذه المغارة , لأمر عنده كان مفعولاً , واكتملت مائة عام على وفاة عزير , فتحرّك الجسد الذي أصبح تراباً , وأحياه ربه بعد مائة عام , ردّ فيه الحياة , فاجتمعت عظام جسمه ونبض قلبه من جديد فاعتدل جالساً , ونظر حوله هنا وهناك فوجد إلى جواره إناء العصير , وطعامه لم يحدث له شيء وسمع منادياً ينادي { كم لبثت } كم من الوقت قضيت في النوم ؟ .
نظر عزير عليه السلام حوله فوجد الشمس قد بدأت تعلو من المشرق , فأجاب على الفور { لبثت يوماً أو بعض يوم } أي نمت يوماً أو أقل من يوم , فوجد الصوت الذي ناداه يقول : { بل لبثت مائة عام .. } .
دهش عزير عليه السلام وفزع مما سمع , وردّد في ذهول : مائة عام ؟! وأعاد النظر إلى سلة الفاكهة , فوجد العنب طازجاً كأنه مقطوف لتوه وكذلك التين , والعصير في الإناء الجلدي كما هو لم يتغيّر ولم تصدر عنه رائحة غير مقبولة , ولم يتبخر ولم يتجمّد , ولم يدركه أي تحول في الطعم أو اللون .
تذكر عزير شيئاً ونظر هنا وهناك بسرعة , وتطلع إلى الأفق هناك خلف الأشجار , وكأنه يبحث عن شيء , لقد تذكّر حماره , أين هو ؟ .. لا بد أنه هرب , ووقعت عيناه على عظام بالية في المكان الذي ربطه فيه , وربما تساءل في نفسه , ولم الحمار , لقد أصبح عظاماً نخرة بعد أن أفناه الدهر ؟
وقف عزير عليه السلام بين فاكهته وطعامه الذي لم يتغيّر وبين حماره الذي فني وأصبح عظاماً لطول ما مرّ به من السنين , وبدأ يردد : إنها مائة عام , حقاً إنها مائة عام , كانت كافية بافناء جلد الحمار وعظامه , ولحمه , لقد بليت حوافره وزالت وأصبح مكان عينيه حفرتان في عظام الرأس المجوّفة .
رأى عزير عليه السلام آيات ربه : فطعامه لم يتغير وحماره أصابه الفناء .. سبحان الله , إنها بلا شك آية من آيات الله العلي القدير , ونعمة من نعمه العظيمة , ثم زاد مستدركاً : بل إنها آية , وكرّر : انها آية من آيات الله .
وانصرف عزير عليه السلام للتسبيح والصلوات حتى سمع قول الله عز وجلّ : { ولنجعلك آية للناس } البقرة 259.
لم تكن الآية في الطعام والشراب الذي لم يتغيّر بل أصبحت في عزير عليه السلام نفسه , وهذا ما جعله يفكّر فيما سيأتي من بعد ذلك . ما الذي سيحدث بحيث يصبح عزير آية تدعو إلى العجب والدهشة ومعجزة يتحدّث عنها الناس جميعاً ؟!
ولكن ما هي الآية ؟ وعمّ ستكون المعجزة ؟!
فجأة سمع عزير عليه السلام نداء خفيّاً , يقطع عليه تفكيره , ويصرفه عن هذا التفكّر والتأمّل , جاء النداء يقول آمراً عزير : { وانظر إلى العظام } البقرة 259.
نظر عزير عليه السلام إلى العظام , ثم أكمل الصوت أو النداء : { كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً } البقرة 259.
أعاد النظر عزير عليه السلام فإذا به يجد عظام الحمار تتحرك قائمة بقدرة الله ومشيئته , كل عضو يتحرك إلى مكانه المعروف من الجسم , حتى اكتمل هيكل الحمار العظمي ثم يكسو الله لقدرته ومشيئته هيكل العظام هذا باللحم , حتى يعود حمار العزير خلقاً كاملاً سوياً كما كان .
أخذت الدهشة عزيراً عليه السلام لكنه تمالك نفسه , ولما رأى ذلك بعينه سلّم وآمن بقدرة الله عز وجل , واطمأن يقينه , فقال في خشوع : { أعلم أن الله على كل شيء قدير } البقرة 259.
لقد كان عزير عليه السلام في زمن سبق موته يعجب لقدرة الله كيف تعيد الحياة إلى هذه البلاد بعد أن رآها مقفرة موحشة , وها هو اليوم يرى أعجب وأعظم مما كان يتصوّر , إنها قدرة الله سبحانه عز وجل .
وخرج عزير عليه السلام ينظر إلى الطريق العام فوجد الناس تأتيه من بعيد وهم يتكلمون رائحين وغادين , ورأى المدينة قد عمّرت , ورأى في المدينة أنواراً خافتة تظهر مع طلائع الظلام التي أقبلت مع الغروب , مما جعل العزير يشعر بالفرح والسرور ويشكر الله على نعمته , ويتيقن كما كان أن الله على كل شيء قدير .
مضى العزير إلى المدينة يتطلع إلى أخبارها وكيف أصبحت بعد مائة عام , وماذا يفعل الناس : أهم سعداء أم بهم همّ وما هي أخبار أسرته ؟ هل هناك أحد منهم على قيد الحياة ؟
دخل عزير المدينة وفي رأسه مئات الأسئلة يريد إجابة عليها , فإذا به يرى مبان جديدة , رائعة التقسيم والبنيان على غير ما كان يرى منذ مائة عام , وشوارع وخططاً غير التي كان بعهدها في القديم , وأخذ ينظر هنا وهناك , ويتنقل في طرقاتها وشوارعها بحثاً عن منزله القديم الذي تركه منذ أكثر من مائة وعشرين سنة , ولما وجد نفسه في مكان جديد عليه وقد تغيّر تماماً عما عهده قبل مائة عام , هداه فكره إلى أن يسأل الناس المارّة في الشوارع .
تحدّث عزير عليه السلام وقال لأحدهم : أين دار العزير ؟ فأجابه الرجل : لا نعرف داراً للعزير , ولكن يوجد هنا ديار أبناء العزير ! انظر إلى هذه الدور المتراصّة , إنها دور أبناء العزير .
مضى العزير إلى المكان حتى جاء إلى دور أبنائه , وعند أوّل باب من أبوابها طرق الباب طرقاً خفيفاً , فسمع صوتاً من الداخل يقول : من الطارق ؟ من بالباب ؟ فأجاب على الفور : أنا العزير!!
فقال الفتى الذي ردّ عليه : ماذا تقول ؟ العزير! أتسخر منا يا رجل ؟
فقال العزير : افتح الباب يا بني وستعرف أنني لا أكذب عليك ولا أسخر منك .
ففتح الفتى الباب , ونظر إلى الرجل في دهشة واستغراب , ثم قال : لقد فقدنا العزير منذ مائة عام على ما سمعت من أبي , وكان سنه يومئذ أربعين سنة , فلو كان حياً لوجب أن تكون سنه الآن مائة وأربعين سنة , وأنا أراك الآن في سن الأربعين , إنّك أصغر من أحفاده , فكيف يمكنني التصديق بأنك أنت العزير ؟!
سمع الناس الحوار بين العزير وأحد أحفاده فتجمّعوا حوله وأمطروه بالأسئلة , وكان يجيب بثقة ولسان صدق ويقول لهم : لقد أماتني الله مائة عام ثم بعثني , ورأيت بنفسي طعامي لم يتغيّر لونه ولا طعمه وشرابي لم يتبخر ولم يتغيّر وحماري الذي رأيت عظامه تتحرك وتأتي كل واحدة مكانها حتى اكتمل , فكساه الله لحماً وعلا صوته ونهق نهيقاً شديداً , كل هذا بعد مائة عام وقد ظننتها يوماً أو بعض يوم , ولكنّ الله عز وجل أعلمني أنها مائة عام , بعثت بعدها بمشيئة الله , أليس الله على كل شيء قدير ؟!
في هذه الأثناء ظهرت عجوز لا ترى أمامها تتوكأ بصعوبة على الحائط مقعدة , ونادت قائلة : أدخلوه إلى داخل الدار , فإنني أعرف علامة في العزير فإن كان هو عرفته بها , فدخل العزير عليه السلام عليها فإذا هي عجوز عمياء قد أهلكها الدهر , فقالت له : أتقول أنك أنت العزير يا هذا ؟
قال : نعم .
قالت لقد كان لدى العزير خادمة , وقد تركها وسنها عشرون عاماً , أتعرف اسمها ؟
قال : نعم اسمها " أشتر " ( قصص الأنبياء لابن كثير ) , وقد تركتها وسنها عشرون عاماً , فإذا كانت على قيد الحياة فسنّها الآن مائة وعشرون عاماً .
فقالت العجوز : أتعرف أنني أنا " اشتر " خادمة العزير ؟ وكان في العزير علامة , فقد كان مستجاب الدعوة فينا , فكان لا يسأل الله شيئاً إلا استجاب له , فإن كنت العزير حقاً , فادع الله لي أن يردّ عليّ بصري , وأن يشفي قدمي , فقد صرت مقعدة لا أستطيع المشي والنهوض من شدة الآلام فيهما .
وفي لحظات دعا العزير ربه , ومسح بيده على عينيه ا, وأخذ بيدها لينهضها وهي مقعدة فإذا بها تنهض على ساقيها , وتبصر أحسن ما يكون الإبصار , وتأملت في وجه وقالت : أشهد أنك عزير , إني أراك الآن كما رأيتك آخر مرة شاهدتك فيها منذ مائة عام ..
وجاءت عجوز أخرى يقرب عمرها من مائة وأربعين عاماً وقالت : وأنا أتعرفني يا عزير ؟ فقال : أنت زوجتي ولن أجهلك أبداً .
وكان عند خروجه قد أعطاها خاتمه وقال : لعلك تذكرينني به , وكذلك هي فقد أعطته خاتمها كي يذكرها به , فقالت له : أتذكر ماذا تبادلنا ليلة خروجك ؟
قال : تبادلنا خاتمي وخاتمك , فقد أعطيتك خاتمي وقلت لك : لعلك تذكرينني به .. وأعطيتني خاتمك وقلت لي : لعلك تذكرني به .. وها هو ذا خاتمك , وخلعه من إصبعه , وقدّمه لها .
فرحت العجوز زوجة عزير وقالت : وها هو ذا خاتمك يا عزير ولطالما ذكرتك به .
وتجمّع الناس على هذه الأحداث العجيبة التي جرت أمامهم فتكاثروا وجاء غيرهم , حتى ضاقت دار عزير , فوقفوا أمامها يعجبون لهذا الأمر العظيم , وهذه الآية الكبرى التي توالت أمامهم كالحلم , فكلما همّوا بتكذيب كلمة جاء تصديقها بشاهد وموثق , لأن مشيئة الله عز وجل انصرفت كي يكون عزير آية للناس , وذلك لقول الله عز وجل : { ولنجعلك آية للناس } .
في هذه الأثناء خرجت خادمته التي أبصرت واستعادت عافيتها وانصرفت عنها آلام قدميها , مسرعة إلى مكان هي تعرف ارتباطه بهذا الأمر وهذه الآية , التي انصرفت مشيئة الله أن يكون عزير بطلها , لقد خرجت إلى بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم , وأخبرتهم بخبر وصوله , وكان على رأس المجلس شيخ وقور أخذ منه الدهر ما أخذ , إنه ابن العزير الذي بلغ من العمر عتيّاً . لقد بلغ مائة سنة وثماني عشرة , وجلس شيخاً في مجلسهم ..
وجاءت تصرخ وتقول : هذا عزير قد جاءكم .
فقال ابن العزير الأكبر وقد رفع وجهه وفحص ببصره الضعيف هذه الفتاة : من هذه الجارية ؟
فقالت : أنا جارية أبيك عزير .. أنا خادمته " أشتر " , لقد جاء أبوك ودعا لي ربه بالشفاء وردّ بصري عليّ فاستجاب الله له كما عرفناه منذ مائة عام , أتدري أن الله أماته مائة عام ثم أحياه وبعثه من جديد !
صمت الشيوخ جميعاً وساد المجلس لحظات من الهول والصمت , وهم يسمعون كلاماً يظنون أنه لا يصدق , ولكن ها هي جارية عزير ماثلة أمامهم وقد قصّت عليهم حقائق , فهي " اشتر " وهو اسمها , وعزير كان مستجاب الدعاء كما علموا وتعلموا من الآباء والأجداد , إنها حقائق لا تكذب , وعزير خرج من بينهم منذ مائة عام كما تقول أيضاً , وهي الآن تدعوهم لرؤيته رؤيا العين , كل هذا دعاهم إلى الوقوف فرداً فرداً والتوجه إلى خارج مجلسهم كي يرون بأعينهم ما سمعته آذانهم , وإن لم يروه شكّوا في الأمر كله , فلن يصدّق أحد منهم ما سمعه من أشتر تصديقاً كاملاً إلا إذا مضى في طريقه إلى دار العزير ورأى بنفسه العزير ماثلاً أمامه بهيئته التي فقدت خيالها وملامحها ذاكرتهم , مضى القوم في الطريق إلى دار العزير , ولم يتوقف أحد منهم ولم يتحدث أحد منهم إلى أحد .
تقدّم ابن العزير الجميع وهو يتكئ على عصاه وقد أهلكته الشيخوخة ولم يسعفه الكبر كي يسرع الخطى أكثر من هذا , لقد بلغ مائة وعشرين عاماً , و " أشتر " تقول أن أباه هناك في سن الصبا وهو في سن الأربعين , يا له من أمر يعجب له الإنسان المحدود بفكره وقدرته .
وعلى مشارف المنزل وعلى مقربة منه تمعّن ابن العزير ومسح عينيه كي ينقشع عنهما بعض ما تركه الزمن من غمامة , فرأى شاباً في الأربعين قد وقف شامخاً شديداً عظيم البنية وقد أضاء وجهه نور الايمان وتقوى القلب .
حيّا ابن العزير أباه وهو يتفحّص وجهه وقال في هدوء شديد موجهاً حديثه إلى أبيه العزير : إن لي في أبي علامة .
فقال العزير : وما هي ؟
قال الابن الشيخ : شامة سوداء مثل الهلال بين كتفيه .
صمت الابن الشيخ وساد الصمت المكان لحظات , والجميع يتطلع بعينه إلى العزير , وظنوا أن الأمر فيه من الكذب , فالأب شاب واقف في شموخ والأبن عجوز لا تكاد رجلاه تحملانه .
صمت عزير عليه السلام قليلاً ثم حرّك يديه وكشف لابنه عن كتفه فنظر الابن إلى كتف أبيه فوجد الشامة السوداء مثل الهلال على كتفه ..
هلل الابن الشيخ وقبّل أباه ورحّب به وقال : إنه حقاً أبي وأشهد أنه أبي .. وهلل معه بنو إسرائيل جميعاً وفرحوا بمجيء العزبر ووجوده بينهم .
لكن أحد الأحبار قطع هذا الترحيب بدليل جديد يريد أن يتأكد من خلاله أن هذا الشاب الماثل أمامه الذي مات مائة عام وكان له من العمر أربعين قبلها هو عزير حقاً.
قال الحبر : إن لنا نحن بنو إسرائيل في العزير علامة , غير التي شهدها ابنك وشهد أنك أباه .
قال : لم يكن فينا أحد يحفظ التوراة عن ظهر قلب كما حفظها عزير .
فقال العزير في ثقة واعتزاز , وصدق وكبرياء لهؤلاء الناس : وأنا أحفظ التوراة عن ظهر قلب .
قام بعض شيوخ بني إسرائيل وانسحبوا من المجلس وجاؤوا بنسخة من التوراة قديمة كان أحدهم قد خبأها خوفاً من بختنصر الذي كان يحرق التوراة أو يريد حرقها , وقالوا لعزير : اقرأ علينا التوراة , ونحن نراجع إن كنت تحفظها أم غير ذلك .
جلس عزير عليه السلام شاباً وسط القوم وشرع يقرأ التوراة عن ظهر قلب وهم يراجعون عليه في صحف التوراة , وظل يقرأ ويقرأ وهم يزدادون خشوعاً حتى انتهى منها دون أن يخطئ في حرف واحد من حروفها , أو يتردد في آية واحدة من آياتها أو كلماتها .
شهد الجميع بأنه العزير , وفرحوا به , ونظر بعضهم في المجلس فوجد آية عظيمة من آيات الله , لقد جلس العزير في هذا المجلس وفيه بنوه وبنو بنيه وهم شيوخ وقد شاب شعرهم وشابت لحاهم , وقوّست السنون ظهورهم وأحنتها بشدة , بينما يجلس عزير شاباً في الأربعين أسود الشعر , قوي البنية , منتصب القامة , فكانت آية عظيمة , وكان عزير عليه السلام آية بما حدث له وحدث معه من مشاهد اختصه الله بها حينما قال له : { ولنجعلك آية للناس } .
حقاً إنه آية في موته وهو في سن الأربعين وآية في بعثه بعد مائة سنة , وروؤيته مشهد إعادة خلق حماره من جديد والعظام تتحرّك أمامه واللحم يكسو جسم الحمار من جديد , وطعامه لم يتغيّر , ولم تجففه الشمس ولا الهواء بل ظل طازجاً , وقد جاءت قصة عزير في القرآن الكريم تحكي عن الآية التي جعلت فيه , وأخذت منه درساً وعظة لكي يعلم من لا يعلم أن الله على كل شيء قدير وأنه سبحانه عز وجل قادر على أن يحيي الموتى فهو الذي خلقها , وأماتها , وأنشأها مرّة أخرى , وهو خالق الطعام وقادر على إبقائه مائة عام دون أن يتبخر أو يتخثر أو تفوح رائحته كما يحصل خلال أيام قليلة بين يدي البشر , وهو القادر على خلق حمار عزير بعد أن أماته مائة عام وهو الذي صوّره أمام عبده عزير كي يؤمن الذين في قلوبهم تردد بأن الله على كل شيء قدير , فالخلق خلقه والكون كونه سبحانه وتعالى عز وجل , ليس كمثله شيء , واحد أحد فرد صمد .
ونقرأ قصة العزير في سورة البقرة . قال تعالى : { أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت , قال لبثت يوماً أو بعض يوم , قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس , وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً , فلمّا تبيّن له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } البقرة 259.
المرجع
معجزات الأنبياء - عبد المنعم الهاشمي