ثروت كتبي
01-21-2011, 01:54 PM
التعدين لدى المسلمين
علم التعدين: التعريف والأهمية والنشأة :
التَّعْـديـن عملية الحصول على المعادن ومواد أخرى من الأرض. وتشمل هذه المواد مركبات الفلزات ، والمواد غير المعدنية مثل الفحم الحجري والرمل والزيت والغاز الطبيعي, وكثيرًا من الأشياء الأخرى المفيدة.
ويوفر التعدين الحديد والنحاس اللازمين لصناعة الطائرات والسيارات والثلاجات. وتمدنا المناجم أيضًا بملح الطعام والذهب والفضة والماس لصناعة الحلي والفحم الحجري اللازم للوقود. ويُستخرج اليورانيوم للطاقة النووية، والأحجار للاستخدام في المباني، والفوسفات لنمو النباتات, والحصى لرصف الطرق.
تُستخرَج بعض المعادن بتكلفة أقل من معادن أخرى؛ نظرًا لوجودها على سطح الأرض. وتوجد بعض المعادن بعيدة عن سطح الأرض، وهذه تستخرج -فقط- بالحفر العميق في باطن الأرض, وتوجد عناصر أخرى في المحيطات والبحيرات والأنهار.
ظل الناس ـ منذ آلاف السنين ـ يحصلون على المعادن من الأرض، وقد قاموا حوالي عام 6000 ق.م، بحفر الحُفَر والأنفاق للحصول على حجر الصَّوَّان ـ والصَّوَّان حجر صلب استخدمه الأنسان في صناعة العُدَدَ والأسلحة ـ وبحلول عام 3500 قبل الميلاد تمكن الناس من تعدين القصدير والنحاس. وخلطوا هذين الفلزين لصناعة البرونز، وهو سبيكة صلبة (خليط من الفلزات). وصنعت من هذه السبيكة عُِدَد وأسلحة أفضل من تلك المصنوعة من الصوان. ولعل قدماء الرومان أول من أدرك أن التعدين يمكن أن يجعل الأمة غنية وقوية. فقد تاجَرَ الرومان في الأحجار والمعادن النفيسة وجلبوا الثروة للإمبراطورية الرومانية، كما استولوا على المناجم في كل دولة غزوها.
وقد اضمحلت الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي. ومنذ ذلك التاريخ ولفترة ألف عام لم يطرأ إلا تقدم ضئيل على صناعة التعدين, ثم حدثت قفزة بعد ذلك في التعدين في القرن الخامس عشر الميلادي، حيث استُخرِج حينذاك الفحمُ الحجريُّ والحديد والمعادن الأخرى في أوروبا، خاصة في ألمانيا والسويد وفرنسا, كما تطور التعدين في أمريكا الجنوبية أيضًا خلال نفس الفترة، حيث استخدم هنود الإنكا وقبائل أمريكا الجنوبية الأخرى المعادن لصناعة العُدَد والحُليِّ والأسلحة. " الموسوعة العربية العالمية "
يقول العالم الفرنسي برتلو، في كتابه تاريخ علم الكيمياء: "إن العلم البشري الأول وُلِدَ من صناعات التعدين البدائية. أي حينما اهتدى الإنسان لصنع الخلائط المعدنية، وقام بتزجيج الفخار, وصنع الزجاج وصبغ الأقمشة، وتعلم استعمال الميزان...".
ويقول ديورانت، في كتابه تاريخ الحضارة: "إن النحاس كان أول معدن استخدمه الإنسان فيما نعلم، في أعلى مجرى الرافدين، في عصر يرجع إلى(4500ق.م). ثم نجده في مقابر البداري في مصر، ويرجع عهده إلى مايقرب من (4000ق.م). ونجده كذلك في آثار أور في زمن يرجع إلى (3000ق.م).
وكان سكان وادي النيل من أوائل الشعوب التي اكتشفت الذهب والفضة منذ فجر التاريخ. ذلك لأن هذين المعدنين يُصادَفان بشكل حبيبات من المعدن الحر، تجتمع على شكل عروق في باطن الصخور. وبتأثير السيول والأمطار تتفتت تلك الصخور وتتحرر منها الحبيبات التي تُصادَف بين الرمال في مجاري السيول والأنهار والموجودة خاصة في جنوب وادي النيل.
أما النحاس فقد اكتشف في صحراء سيناء على شكل فلزات كبريتية، واستحصلوه منها بإحراقها بعد مزجها بالفحم النباتي الذي يرجع الأكاسيد المعدنية، ويحرر المعدن.
ونظراً لِلِّيونة وقابلية التطريق، اللتين يتمتع بهما الذهب والفضة والنحاس، فقد صنعوا منها كثيراً من الأواني والأدوات والحلي، فاستعملوا بعضها للزينة وبعضها لتحضير الطعام. وقد أبدع المصريون في صنع التحف والتماثيل الذهبية، كما أبدع اليمنيون في صنع الحلي والأسلحة الفضية. موقع مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق
الوضع في العالم قبل النهضة الإسلامية :
اشتُهِرَت الشعوب القديمة من سكان الشرق بتجربتها الواسعة في صناعة التعدين، وقد انتقل تراثها الحضاري إلى سائر شعوب البحر المتوسط. وهنالك بعض الأساطير القديمة التي تؤيد ذلك، منها: أن أحد ملوك فينيقية، ويدعى قدموس Cadmus، قد جاء إلى بلاد اليونان بصناعة التعدين، وهو أول من استفاد من مناجم الذهب والفضة الموجودة في جبال مكدونيا.
كما يحكى أن أميراً فينيقياً آخر يدعى تاسوس Tassus استثمر مناجم الذهب الموجودة في جزيرة تقع شمال بحر إيجه فسميت الجزيرة باسمه.
الجزيرة العربية :
يقول الدكتور جواد علي في كتاب المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام:
"لقد اكتشفت المعادن، وخاصة الذهب والفضة والنحاس، في الجزيرة العربية منذ أقدم العصور. وبما أن الصناعة لاتقوم إلا في مكان تتوافر فيه إمكانياتها، من استقرار وأمن وتوافر المواد الأولية ووجود حاجة إليها، لذلك فإن حالة البداوة التي كانت سائدة في بطن الجزيرة العربية لم تكن مؤهلة لاستثمار تلك الخامات. إلا أن الأقطار الواقعة في أطراف الجزيرة بدأت فيها صناعة التعدين في وقت باكر".
واليمن كانت في مقدمة الأقطار العربية في هذه الصناعة. وقد انتشرت منتجاتها المتعددة في جزيرة العرب وخارجها، فزادت صادراتها على وارداتها. وهذا ماجعل المستوى المعاشي فيها أعلى من المستوى المعاشي لبقية الأقطار العربية، وكانت تجارة المعادن الخام والمصنعة، وتصدير الأحجار الكريمة، من أكثر نشاطاتها.
كانت الصناعة في الجزيرة العربية محتقرة بصورة عامة، وهي عمل لايليق بالعربي الحر-كما كانوا يرون- أن يقوم به، لهذا قامت الصناعة على أكتاف العبيد والخدم والأعاجم.
كان الرقيق منتشراً في كل مكان من الأقطار العربية، ولاسيما في الأماكن الزراعية ومراكز التجارة والتعدين. وكان يشكل اليد العاملة المتوافرة الرخيصة والماهرة. ويُطلَق اسم أهل القرى على المستوطنين الذين يعثرون على بئر ماء، فيُنشِئوا مزرعة حوله، أو يعثرون على منجم (معدن) فيقوموا باستثماره. وهم يعملون لحسابهم إذا كانوا أحراراً، أو يعملون لحساب مالكهم إذا كانوا عبيداً.
(( وكان من العرب من عمل في صناعة التعدين كالوليد بن المغيرة والعاص بن هشام أخي أبي جهل وكانا حدادين ، وخباب
بن الأرت الذي كان من صانعي السيوف، وترد في الشعر الجاهلي أسماءُ كثيرٍ ممن عملوا في المعادن منهم: قَعْضَب وهو رجل
من بني قشير كان يعمل في صناعة الأسنة ذكره امرؤ القيس في شعره، فقال :
ردينيّة فيها أَسِنَّةُ قَعْضَب وأَوْتَادُه ماذيّةٌ وعمادُهُ
ومنهم سُرَيْجٌ رجل من بني أسد كان ماهراً في صناعة السيوف ، وفيه يقول خراشة بن عمرو العبسي :
رقيق الحواشي يترك الجرحَ أنجلا بِكُلِّ سُرَيْجيٍّ جَلا القَيْنُ مَتْنَهُ
ومنهم ابن مُجدّع الذي ذكره أوس بن حجر وأشاد بدقة صناعته، فهو يقطع السيف ويجلوه ويحدّ شفرته، وهو سيف أبيض
يتلألأ لمعاناً كأثر الجراد إذا دَبّ على الأرض، يقول أوس :
لـه رَوْنـَقٌ ذَرِّيُّــهُ يتـآكَلُ وذو شطباتٍ قَدُّهُ ابن مُجـَدَّعٍ
مَدَبُّ دبا سُودٍ سَرَى وهو مُسْهِلُ وأَخـْرَجَ منه القينُ أثْراً كأنَّهُ
وحظيت صناعة الدروع بنصيب وافر من اهتمام الشعراء، وهم ينسبونها إلى داود وسليمان عليهما السلام إلى تُبّع ومُحَرِّق
والحطمة بن محارب بن عبد القيس ، يقول سلامة بن جندل في نسبتها إلى داود عليه السلام وآل محرق :
كالنِّهي، يوم رياحِهِ، الرّقراق لبسوا من الماذيّ كلّ مُفَاضَةٍ
غـالٍ غرائبُهُنَّ فـي الآفاق مـن نَسْجِ داودٍ، وآل مُحَرِّقٍ)) " موقع مجمع اللغة العربية الأردني "
اهتمام الإسلام بعلم التعدين :
كما اهتم الإسلام بكافة العلوم اهتم كذلك بعلم التعدين ، وجاء في القرآن ما يشير إلى هذا العلم وأن له أهمية كبيرة وفائدة عظيمة جليلة على البشرية كلها تستوجب من الإنسان أن يشكر ربه أن وهب له هذا العلم النافع قال الله تعالى: " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس " ، وقال تعالى: " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله " ، وفي قصة ذي القرنين ، قام عليه السلام بعمل سور عظيم باستخدام الحديد وغيره من المعادن " آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا " ، وقال تعالى عن داود عليه السلام: " وألنّا له الحديد أن اعمل سابغات وقدّر في السرد واعملوا صالحا ...." وقال تعالى عن سليمان عليه السلام: " وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير . يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور " (( قال الزجاج: القِطْرُ النُّحاس وهو الصُّفْرز ذُكِرَ أَن الصُّفْر كان لا يذوب فذاب مُذْ ذلك فأَساله الله لسُليْمان )) لسان العرب [ جزء 11 - صفحة 350 ]
علم التعدين: التعريف والأهمية والنشأة :
التَّعْـديـن عملية الحصول على المعادن ومواد أخرى من الأرض. وتشمل هذه المواد مركبات الفلزات ، والمواد غير المعدنية مثل الفحم الحجري والرمل والزيت والغاز الطبيعي, وكثيرًا من الأشياء الأخرى المفيدة.
ويوفر التعدين الحديد والنحاس اللازمين لصناعة الطائرات والسيارات والثلاجات. وتمدنا المناجم أيضًا بملح الطعام والذهب والفضة والماس لصناعة الحلي والفحم الحجري اللازم للوقود. ويُستخرج اليورانيوم للطاقة النووية، والأحجار للاستخدام في المباني، والفوسفات لنمو النباتات, والحصى لرصف الطرق.
تُستخرَج بعض المعادن بتكلفة أقل من معادن أخرى؛ نظرًا لوجودها على سطح الأرض. وتوجد بعض المعادن بعيدة عن سطح الأرض، وهذه تستخرج -فقط- بالحفر العميق في باطن الأرض, وتوجد عناصر أخرى في المحيطات والبحيرات والأنهار.
ظل الناس ـ منذ آلاف السنين ـ يحصلون على المعادن من الأرض، وقد قاموا حوالي عام 6000 ق.م، بحفر الحُفَر والأنفاق للحصول على حجر الصَّوَّان ـ والصَّوَّان حجر صلب استخدمه الأنسان في صناعة العُدَدَ والأسلحة ـ وبحلول عام 3500 قبل الميلاد تمكن الناس من تعدين القصدير والنحاس. وخلطوا هذين الفلزين لصناعة البرونز، وهو سبيكة صلبة (خليط من الفلزات). وصنعت من هذه السبيكة عُِدَد وأسلحة أفضل من تلك المصنوعة من الصوان. ولعل قدماء الرومان أول من أدرك أن التعدين يمكن أن يجعل الأمة غنية وقوية. فقد تاجَرَ الرومان في الأحجار والمعادن النفيسة وجلبوا الثروة للإمبراطورية الرومانية، كما استولوا على المناجم في كل دولة غزوها.
وقد اضمحلت الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي. ومنذ ذلك التاريخ ولفترة ألف عام لم يطرأ إلا تقدم ضئيل على صناعة التعدين, ثم حدثت قفزة بعد ذلك في التعدين في القرن الخامس عشر الميلادي، حيث استُخرِج حينذاك الفحمُ الحجريُّ والحديد والمعادن الأخرى في أوروبا، خاصة في ألمانيا والسويد وفرنسا, كما تطور التعدين في أمريكا الجنوبية أيضًا خلال نفس الفترة، حيث استخدم هنود الإنكا وقبائل أمريكا الجنوبية الأخرى المعادن لصناعة العُدَد والحُليِّ والأسلحة. " الموسوعة العربية العالمية "
يقول العالم الفرنسي برتلو، في كتابه تاريخ علم الكيمياء: "إن العلم البشري الأول وُلِدَ من صناعات التعدين البدائية. أي حينما اهتدى الإنسان لصنع الخلائط المعدنية، وقام بتزجيج الفخار, وصنع الزجاج وصبغ الأقمشة، وتعلم استعمال الميزان...".
ويقول ديورانت، في كتابه تاريخ الحضارة: "إن النحاس كان أول معدن استخدمه الإنسان فيما نعلم، في أعلى مجرى الرافدين، في عصر يرجع إلى(4500ق.م). ثم نجده في مقابر البداري في مصر، ويرجع عهده إلى مايقرب من (4000ق.م). ونجده كذلك في آثار أور في زمن يرجع إلى (3000ق.م).
وكان سكان وادي النيل من أوائل الشعوب التي اكتشفت الذهب والفضة منذ فجر التاريخ. ذلك لأن هذين المعدنين يُصادَفان بشكل حبيبات من المعدن الحر، تجتمع على شكل عروق في باطن الصخور. وبتأثير السيول والأمطار تتفتت تلك الصخور وتتحرر منها الحبيبات التي تُصادَف بين الرمال في مجاري السيول والأنهار والموجودة خاصة في جنوب وادي النيل.
أما النحاس فقد اكتشف في صحراء سيناء على شكل فلزات كبريتية، واستحصلوه منها بإحراقها بعد مزجها بالفحم النباتي الذي يرجع الأكاسيد المعدنية، ويحرر المعدن.
ونظراً لِلِّيونة وقابلية التطريق، اللتين يتمتع بهما الذهب والفضة والنحاس، فقد صنعوا منها كثيراً من الأواني والأدوات والحلي، فاستعملوا بعضها للزينة وبعضها لتحضير الطعام. وقد أبدع المصريون في صنع التحف والتماثيل الذهبية، كما أبدع اليمنيون في صنع الحلي والأسلحة الفضية. موقع مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق
الوضع في العالم قبل النهضة الإسلامية :
اشتُهِرَت الشعوب القديمة من سكان الشرق بتجربتها الواسعة في صناعة التعدين، وقد انتقل تراثها الحضاري إلى سائر شعوب البحر المتوسط. وهنالك بعض الأساطير القديمة التي تؤيد ذلك، منها: أن أحد ملوك فينيقية، ويدعى قدموس Cadmus، قد جاء إلى بلاد اليونان بصناعة التعدين، وهو أول من استفاد من مناجم الذهب والفضة الموجودة في جبال مكدونيا.
كما يحكى أن أميراً فينيقياً آخر يدعى تاسوس Tassus استثمر مناجم الذهب الموجودة في جزيرة تقع شمال بحر إيجه فسميت الجزيرة باسمه.
الجزيرة العربية :
يقول الدكتور جواد علي في كتاب المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام:
"لقد اكتشفت المعادن، وخاصة الذهب والفضة والنحاس، في الجزيرة العربية منذ أقدم العصور. وبما أن الصناعة لاتقوم إلا في مكان تتوافر فيه إمكانياتها، من استقرار وأمن وتوافر المواد الأولية ووجود حاجة إليها، لذلك فإن حالة البداوة التي كانت سائدة في بطن الجزيرة العربية لم تكن مؤهلة لاستثمار تلك الخامات. إلا أن الأقطار الواقعة في أطراف الجزيرة بدأت فيها صناعة التعدين في وقت باكر".
واليمن كانت في مقدمة الأقطار العربية في هذه الصناعة. وقد انتشرت منتجاتها المتعددة في جزيرة العرب وخارجها، فزادت صادراتها على وارداتها. وهذا ماجعل المستوى المعاشي فيها أعلى من المستوى المعاشي لبقية الأقطار العربية، وكانت تجارة المعادن الخام والمصنعة، وتصدير الأحجار الكريمة، من أكثر نشاطاتها.
كانت الصناعة في الجزيرة العربية محتقرة بصورة عامة، وهي عمل لايليق بالعربي الحر-كما كانوا يرون- أن يقوم به، لهذا قامت الصناعة على أكتاف العبيد والخدم والأعاجم.
كان الرقيق منتشراً في كل مكان من الأقطار العربية، ولاسيما في الأماكن الزراعية ومراكز التجارة والتعدين. وكان يشكل اليد العاملة المتوافرة الرخيصة والماهرة. ويُطلَق اسم أهل القرى على المستوطنين الذين يعثرون على بئر ماء، فيُنشِئوا مزرعة حوله، أو يعثرون على منجم (معدن) فيقوموا باستثماره. وهم يعملون لحسابهم إذا كانوا أحراراً، أو يعملون لحساب مالكهم إذا كانوا عبيداً.
(( وكان من العرب من عمل في صناعة التعدين كالوليد بن المغيرة والعاص بن هشام أخي أبي جهل وكانا حدادين ، وخباب
بن الأرت الذي كان من صانعي السيوف، وترد في الشعر الجاهلي أسماءُ كثيرٍ ممن عملوا في المعادن منهم: قَعْضَب وهو رجل
من بني قشير كان يعمل في صناعة الأسنة ذكره امرؤ القيس في شعره، فقال :
ردينيّة فيها أَسِنَّةُ قَعْضَب وأَوْتَادُه ماذيّةٌ وعمادُهُ
ومنهم سُرَيْجٌ رجل من بني أسد كان ماهراً في صناعة السيوف ، وفيه يقول خراشة بن عمرو العبسي :
رقيق الحواشي يترك الجرحَ أنجلا بِكُلِّ سُرَيْجيٍّ جَلا القَيْنُ مَتْنَهُ
ومنهم ابن مُجدّع الذي ذكره أوس بن حجر وأشاد بدقة صناعته، فهو يقطع السيف ويجلوه ويحدّ شفرته، وهو سيف أبيض
يتلألأ لمعاناً كأثر الجراد إذا دَبّ على الأرض، يقول أوس :
لـه رَوْنـَقٌ ذَرِّيُّــهُ يتـآكَلُ وذو شطباتٍ قَدُّهُ ابن مُجـَدَّعٍ
مَدَبُّ دبا سُودٍ سَرَى وهو مُسْهِلُ وأَخـْرَجَ منه القينُ أثْراً كأنَّهُ
وحظيت صناعة الدروع بنصيب وافر من اهتمام الشعراء، وهم ينسبونها إلى داود وسليمان عليهما السلام إلى تُبّع ومُحَرِّق
والحطمة بن محارب بن عبد القيس ، يقول سلامة بن جندل في نسبتها إلى داود عليه السلام وآل محرق :
كالنِّهي، يوم رياحِهِ، الرّقراق لبسوا من الماذيّ كلّ مُفَاضَةٍ
غـالٍ غرائبُهُنَّ فـي الآفاق مـن نَسْجِ داودٍ، وآل مُحَرِّقٍ)) " موقع مجمع اللغة العربية الأردني "
اهتمام الإسلام بعلم التعدين :
كما اهتم الإسلام بكافة العلوم اهتم كذلك بعلم التعدين ، وجاء في القرآن ما يشير إلى هذا العلم وأن له أهمية كبيرة وفائدة عظيمة جليلة على البشرية كلها تستوجب من الإنسان أن يشكر ربه أن وهب له هذا العلم النافع قال الله تعالى: " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس " ، وقال تعالى: " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله " ، وفي قصة ذي القرنين ، قام عليه السلام بعمل سور عظيم باستخدام الحديد وغيره من المعادن " آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا " ، وقال تعالى عن داود عليه السلام: " وألنّا له الحديد أن اعمل سابغات وقدّر في السرد واعملوا صالحا ...." وقال تعالى عن سليمان عليه السلام: " وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير . يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور " (( قال الزجاج: القِطْرُ النُّحاس وهو الصُّفْرز ذُكِرَ أَن الصُّفْر كان لا يذوب فذاب مُذْ ذلك فأَساله الله لسُليْمان )) لسان العرب [ جزء 11 - صفحة 350 ]