مشاهدة النسخة كاملة : معجزات إبراهيم عليه السلام
ريمة مطهر
04-30-2011, 10:02 PM
إبراهيم
النار لا تحرق النبي
قال تعالى : { قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين* قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين } الأنبياء 68-70.
إبراهيم الخليل عليه السلام نبي الله , وهو خليل الرحمن , وأبو الأنبياء الأكبر من بعد نوح عليهما السلام , ولد إبراهيم عليه السلام في أور الكلدانيين في العراق , أما أبوه فهو " آزر " كما ورد في القرآن الكريم , وكان قوم إبراهيم عليه السلام الذين ولد فيهم يعبدون الكواكب السيّارة والأصنام , وقد دلت الآثار التي أكتشفت في العراق على صحة ما عرف في التاريخ من عبادتهم للأصنام الكثيرة , كما ورد في القرآن الكريم حتى كاد أن يكون لكل منهم صنم خاص به سواء الأغنياء أو الفقراء منهم في ذلك .
وقد عاب إبراهيم عليه السلام على قومه في العراق شركهم بالله وعبادتهم الأصنام , وجادل أباه وقومه في ذلك , ثم أراد أن يلفت أنظارهم إلى باطل ما هم عليه من عبادة غير الله بما جاء به من حجج مقنعة وقوية وقيامه بتكسيره أصنامهم إلا كبيرهم , ولكن لم يرجعوا عن كفرهم وضلالهم , وإنما قرروا قتله بإلقائه في النار .
هذه السطور هي ملخص سريع لقصة سيدنا إبراهيم إلى أن جاءت معجزة خروجه من النار ونجاته منها . ولنر هذا الصراع من البدء إلى أن وصل إلى نقظة القرار الشرير وهو السعي إلى حرق إبراهيم عليه السلام بالنار والتخلص منه .
ريمة مطهر
04-30-2011, 10:04 PM
1. حوار مع الأب
بدأ إبراهيم عليه السلام حواراً مع أبيه بالدعوة إلى الله فنهاه عن عبادة الأصنام وقد ذكر ذلك في القرآن الكريم .
قال عز وجل : { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين } . الأنعام 74.
ولقد أنكر إبراهيم عليه السلام على أبيه عبادة الأصنام , وقال له : إني أراك وقومك تسلكون مسلك الضلال , فأنتم لا تهتدون إلى الطريق الصحيح , إنكم تائهون لا تهتدون إلى أين تذهبون , إن ضلالكم هذ واضح لا شبهة فيه لأن الأصنام والأوثان التي تعبدونها , والتي اتخذتموها آلهة لكم , لا تصلح أن تكون آلهة في أنفسها .
قد آمن إبراهيم عليه السلام وأيقن أن الله واحد لا شريك له صاحب معجزات تفوق كل هذا الكون آمن بذلك وبدأ يضرب الأمثال لقد أراه ربه الدلالة على وحدانيّته , فلما رأى كوكباً قال لقومه هذا ربي على زعمكم , لأنهم كانوا يعبدون الكواكب والشمس والنجوم والقمر , وكذلك قال إبراهيم لقومه عن القمر فقال : إنه ربي على زعم أنكم تقولون أنه إله ورب وكذلك عن الشمس , فلما غابت وأفلت , وقد رأى أفول الشمس قال للناس مبرّئاً نفسه من الكفر والشرك : اني بريء من شرككم بالله تعالى . وإني بريء أيضاً من هذه الأصنام والكواكب والمعبودات التي جعلتموها آلهة مع الله , وقال إبراهيم عليه السلام : { قال يا قوم إني بريء مما تشركون } . الأنعام 78.
ثم أضاف إبراهيم عليه السلام مبلّغاً قومه رسالته ودينه وربّه الذي آمن به , فقال :
{ إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً , وما أنا من المشركين } الأنعام 79.
وهنا يقصد إبراهيم عليه السلام أنه قصد بعبادته وتوحيده لله عز وجلّ , وبذلك يكون إبراهيم عليه السلام حنيفاً , أي مائلاً للحق ومنحازاً له , وقال إبراهيم عليه السلام نافياً عن نفسه الشرك : { وما أنا من المشركين } ولن أشرك بعبادة ربي أبداً فهو الذي خلقني ورزقني ومنّ عليّ بكل هذه النعم التي لا تحصى ولا تعد .
ولكن القوم لم يقتنعوا بكل هذه الحجج القويّة والدعوة الواضحة .
ريمة مطهر
04-30-2011, 10:05 PM
2. حوار مع قومه
جادل القوم الكفار إبراهيم عليه السلام فيما يقوله وفيما توصّل إليه من الحق بشأن معبوداتهم الباطلة , لم يقنعهم قول الحق الذي قاله إبراهيم عليه السلام فقال لهم : أتجادلونني في أمر الله الذي لا إله إلا هو , وقد بصّرني وهداني إلى الحق , فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة , وإنني لا أخاف من آلهتكم ولا أبالي بها ولا أقيم لها وزناً أبداً فان كانت حقاً آلهة وكان لها ضرر أو كيد فكيدوني بها ولا تمهلوني , فالذي ينفع ويضر هو الله وحده أفلا تعتبرون وتعقلون وتتذكرون ما بيّنته لكم لتعلموا أن هذه الأصنام باطلة فتبتعدوا عن عبادتها , كيف أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونه من دون الله ولا تخافون أنتم من الله الذي أشركتم به .
فأي الطائفتين يا قوم أحق بالأمن والطمأنينة والنجاة من عذاب الله يوم القيامة . هل هو الفريق الذي يعبد أصناماً خرساء صمّاء لا تنفع ولا تضرّ , ولا تنطق ولا تعقل , أو من يعبد الله الذي بيده الضرر والنفع , وخالق كل هذه النعم , وكل هذا الكون بما فيه الكواكب والشمس والقمر والأحجار التي تعبدونها فهل تعقلون كل هذا ؟ إن كنتم تعقلوه فاعبدوا الله وحده لا شريك له واتركوا عبادة الأصنام .
أما الامنون المطمئنون فهم الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له , سبحانه عز وجلّ , إن هؤلاء المؤمنين هم الآمنون المهتدون في الدنيا .
ريمة مطهر
04-30-2011, 10:07 PM
3. حوار مع الأب ثانية
حرص إبراهيم كل الحرص على هداية أبيه وضمّه إلى دعوة التوحيد وترك الشرك بالله عز وجل , فكان عليه السلام صريحاً معه , يصارحه فيما هو عليه من الكفر , ويقول له إن هذا الكفر إن لم يقلع عنه ويتركه سيذهب إلى النار , وسيعذب عذاباً شديداً .
لذلك فقد كان إبراهيم عليه السلام لطيفاً ليّناً مع أبيه فهو يكرر دعوته له بغاية التلطف واللين معه , مستعملاً في حديثه كلمة { يا أبت } يشعره بأنه ابنه البار الحريص على ما ينفع أباه . وقد جاء حديثه في القرآن الكريم مع أبيه لطيفاً ليّناً فقال له : { واذكر في الكتاب إبراهيم , إنه كان صدّيقاً نبيّاً * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } مريم 41-42.
لقد سلك إبراهيم عليه السلام في دعوته لأبيه مسلكاً عظيماً , ومنهجاً حسناً , واحتج عليه أبدع احتجاج كل ذلك بحسن أدب وخلق جميل , حتى لا تأخذه عزة نفسه فيرتكب ذنباً ويستمر في شركه وكفره .
لقد طلب إبراهيم من أبيه معرفة السبب في عبادته لما لا ينفع ولا يضر ولا يستحق العبادة أصلاً , كيف يترك عبادة الله الخالق الرازق النافع الضار الذي يحيي ويميت ؟! وهل يستسيغ ذلك عاقل ؟!
وابتعد إبراهيم عليه السلام عن وصف أبيه بالجهل فقال : { يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك } . مريم 43.
كان إبراهيم عليه السلام في حديثه وسطاً , فلم يصف أباه بالجهل المطلق , ولم يصف نفسه بالعلم الفائق , ولكنه قال عليه السلام لأبيه : إن معي طائفة من العلم وشيئاً منه ليس معك , وذلك علم الدلالة على الحق والطريق الصحيح , وهي دلالات وحجج واضحة قوية حاسمة لا لبس ولا شكّ فيها , فلا تستكثر يا أبت عليّ النصح وأقبل قولي . فلك أن تتصوّر أنني أسير معك في طريق وعندي معرفة بالطريق ومسالكه , فمن مصلحتك أن تتبعني حتى تنجو من الضلال والتيه .
وحذر إبراهيم عليه السلام أباه من عبادة الشيطان , فقال له : { يا أبت لا تعبد الشيطان , إن الشيطان كان للرحمن عصيّاً } مريم 44.
أي أن عبادتك لغير الله من أصنام وأوثان هي عبادة للشيطان , لأن الشيطان هو الذي يأمر بذلك وهو المؤول عنها , ولا ينبغي لك أن تطيع من يعصي الله الذي خلقك وأنعم عليك .
ثم قال إبراهيم لأبيه في تلطف : يا أبت إني أخاف إن عصيت الله وواليت عدوّه أن يقطع رحمته عنك كما قطعها عن الشيطان , فتكون كالشيطان يصيبك عذاب شديد .
وقد كان كل هذا التحذير والتخويف واضحاً , ولكنه حمل أدباً وحسن خلق من إبراهيم حين قال : { أخاف أن يمسّك عذاب } مريم 45.
فذكر إبراهيم عليه السلام خوفه عليه حتى من مس العذاب .
هكذا كان إبراهيم عليه السلام لطيفاً مع أبيه , حسن الخلق ينصحه ويدعوه لطاعة الله , فيبدأ كل نصيحة من نصائحه الأربع بقوله { يا أبت } على سبيل التوسل إليه والاستعطاف , ونيل رضاه , بذلك ضرب إبراهيم عليه السلام مثلاً عظيماً في حسن الخلق والتأدب مع أقرب الناس إليه وهو أبوه آزر , ولكن هل كان رد الأب إيجابياً ؟
للأسف , لم يكن كذلك , فقد أصرّ على عناده وكفره وقال لإبراهيم : أمعرض أنت يا إبراهيم ومنصرف عن آلهتي ؟ لئن لم تمتنع عن الطعن والاساءة لآلهتي وإن لم تبتعد عن نصحك لي بترك عبادتها لأرجمنّك بالحجارة , هيا اهجرني وابعد عني ولا تعد تأتيني أبداً .
سمع إبراهيم عليه السلام ردّ أبيه , ولم يعارضه بسوء الرد ولم يستمر معه في الجدال , وإنما قال له : { سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيّاً } . مريم 47.
لن أصيبك بمكروه يا أبي , ولكن سأدعو ربي أن يغفر لك إنه كان بي حفياً أي مبالغاً في اللطف بي . القرطبي ج1 ص111-113.
وقال إبراهيم عليه السلام : سأجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله , وأعبد ربي وحده لا شريك له عسى أن لا أكون بدعائه خائباً ضائع الجهد والسعي . ومضى إبراهيم عليه السلام لشأنه .
ريمة مطهر
04-30-2011, 10:10 PM
4. حوار قبل تحطيم الأصنام
عاد إبراهيم عليه السلام ليحاور قومه , عسى أن يعودوا عن عنادهم وكفرهم , وسألهم قائلاً : { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } الأنبياء 52.
فأجابوا على الفور : { قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين } الأنبياء 53.
أي أنهم يعبدونها تقليداً لأسلافهم وأجدادهم ، وحجتهم أمام إبراهيم هي تقليد آبائهم الذين ضلوا الطريق .
فقال لهم إبراهيم عليه السلام وعلى الفور وفي جرأة شديدة : { لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين } الأنبياء 54.
عند ذلك اتهموا إبراهيم عليه السلام باللعب بالألفاظ وقالوا له : { قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين } . الأنبياء 55.
أي : أجئتنا بالجد في دعوتك ورسالتك ونسبتنا إلى الكفر والضلال , أم أنت من اللاعبين المازحين في كلامهم , إننا لم نسمع من قبل كلاماٍ كالذي تقوله يا إبراهيم .
فقال إبراهيم عليه السلام : لست بلاعب , بل أدعوكم إلى الله ربكم خالق السموات والأرض الذي خلقهن وأبدعهن إنه هو الذي يجب أن يعبد وليس هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع وأنا على ذلكم من الشاهدين , قوي الحجة , فهذه حجتي التي لا ينكرها أحد , وأنتم تحتجون بحجة باطلة وهي أنكم وجدتم آباءكم يعبدونها .
ريمة مطهر
04-30-2011, 10:46 PM
5. إبراهيم يحطم الأصنام
بعد انتهاء هذا الجدال بين إبراهيم عليه السلام وقومه أراد ابراهيم عليه السلام أن يلفت أنظارهم , فعزم على تكسير أصنامهم وتحطيمها , لقد أقسم إبراهيم قائلاً : { وتالله لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين } الأنبياء 57.
وانتظر إبراهيم انصرافهم وخروجهم من عيدهم وتجمعهم , وحمل فأساً ومضى إلى حيث توجد الأصنام وجعل يحطم ويكسر الأصنام , حتى جعلها جميعاً قطعاً متناثرة هنا وهناك وأبقى على صنمهم الأكبر , أكبر صنم فيهم وعلّق في عنقه الفأس التي كسر بها بقيّة الأصنام , لعلهم يرجعون إلى إبرهيم عليه السلام ودينه ويتعظون بهذه الموعظة .
ريمة مطهر
04-30-2011, 10:48 PM
6. بدء المعجزة الكبرى
عاد الكفار إلى الأصنام وهالهم وروّعهم ما شاهدوه .. لقد كسرت أصنامهم جميعها وعلّق الفأس في عنق الصنم الأكبر فقالوا : من الظالم الذي فعل هذا بآلهتنا ؟ إنه جريء في ظلمه هذا .
كان بعض الناس من الكفار قد سمعوا إبراهيم عليه السلام ويقول : { لأكيدنّ أصنامكم } فقالوا : سمعنا فتى يذكر أصناماً بمكروه منه اسمه إبراهيم .
فقرروا أن يشكّلوا له محكمة يحاكمونه فيها أمام حشد كبير من الناس وهذ ما يريده إبراهيم عليه السلام , حتى يبيّن لأكبر عدد من الناس وأمام أكبر عدد منهم أنهم جاهلون , وأغبياء عندما عبدوا هذه الأصنام التي لا تدفع عنهم الضرر ولا تدفع حتى عن نفسها الضرر , ولا تملك لنفسها نصراً عندما تتعرّض لسوء وهذا أمر ماثل وواضح أمامكم .
واحتشد الناس وجيء بإبراهيم أمام حشد هائل من الناس وطرح عليه السؤال : { أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم } الأنبياء 62.
أجابهم بما يريد من إثبات بطلان حجتهم , وغباء تفكيرهم قال : { بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون }!! حتى يتبيّن لهم أن هذه الأصنام لا تنطق ولا تعقل فهي جماد , وبهذا قصد إبراهيم تقريعهم وتوبيخهم على عبادة هذه الأصنام , فراجعوا عقولهم , ورجع بعضهم إلى بعض لضعف حجتهم وعجزهم عن الرد , وقال بعضهم لبعض : أنتم الظالمون بعبادة من لا ينطق بلفظة ولا يملك لنفسه شيئاً , فكيف ينفع من يعبده ويدفع عنه الضرر وقد فشلوا في منع الفأس من تكسيرهم وتحطيمهم .
ولكن الكفار عادوا إلى جهلهم وعنادهم وقالوا لإبراهيم : لقد علمت أنهم لا ينطقون يا إبراهيم فكيف تقول لنا اسألوهم إن كانوا ينطقون , وأنت تعلم أنها لا تنطق ؟
عند ذلك بدأ إبراهيم عليه السلام في استثمار هذا الموقف بعد أن وضعهم في أوّل طريق الحجة السليمة الصحيحة فقال لهم : إذا كانت لا تنطق ولا تفع ولا تضر فلم تعبدونها من دون الله ؟ , ثم تضجّر إبراهيم وتأفف منهم وقال لهم : { أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون } الأنبياء 67.
ورغم كل ذلك فقد صدر الأمر , أمر العاجز عن الاقناع بالحجة صدر الأمر بقتل إبراهيم عليه السلام , وأن يكون هذا القتل بطريقة بشعة , إنه الحرق بالنار حتى الموت .
قالوا : { حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين } الأنبياء 68.
وجاء قولهم أو حكمهم في موضع آخر من الآيات الكريمة : { قالوا ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم * فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين *} الصافات 97-98.
لقد عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعت حجتهم وغلبهم إبراهيم عليه السلام بالحق , ولم تبق لهم حجة ولا شبهة إلا استعمال قوتهم وسلطانهم , لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم , فكادهم الله جل جلاله , وأملى كلمته ودينه وبرهانه .
ريمة مطهر
04-30-2011, 10:52 PM
7. بدء المعجزة
ذهب الكفار إلى رجل من الأكراد يقال له " هيزن " وطلبوا منه أن يصنع منجنيقاً ليضعوا فيه إبراهيم عليه السلام ويلقوه في النار .
وشرعوا على الفور في جمع الحطب من جميع الأماكن والشعاب هنا وهناك , فمكثوا مدة طويلة حتى أن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطباً لحرق إبراهيم عليه السلام , وحفروا حفرة ضخمة فوضعوا فيها كل الحطب الذي جمعوه , وأشعلوا النار , فاضطرمت وتأججت والتهبت علاها شرر لم ير مثله قط .
ثم أخذوا يقيّدون إبراهيم ويكتنفونه ويربطونه بالحبال وهو يقول : " لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك , لا شريك لك " رواه ابن عسكر في تاريخه 2\147.
فلما حملوه ووضعوه في كفة المنجنيق مقيّداً مكشوفاً وأطلقوه إلى النار بالمنجنيق , لقيه جبريل في الهواء فقال له : يا إبراهيم ألك حاجة ؟
فقال : أما إليك فلا ! قصص الأنبياء لابن كثير ص 121.
وجاء أمر الله فوريّاً وسريعاً للنار فقال عز وجل : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم }
حتى قيل أنه لولا أن الله قال : { وسلاماً على إبراهيم } لآذى بردها إبراهيم عليه السلام .
وقيل أنه لم يصب إبراهيم عليه السلام منها إلا العرق على وجهه كان يمسحه جبريل عليه السلام .
ولما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار كان يقول :
اللهم إنك في السماء واحد , وأنا في الأرض واحد أعبدك .
وكان معه في النار ملك الظل , وصار إبراهيم عليه السلام من ميل الحفرة حوله نار وهو في روضة خضراء , والناس ينظرون إليه لا يقدرون على الوصول , ولا هو يخرج إليهم .
ومكث إبراهيم في النار أربعين يوماً أو خمسين يوماً كانت أطيب عيشاً وأكثر برداً وسعادة .
ولم تحرق النار منه سوى وثاقه وحبله الذي ربطوه به فقط وكانت النار برداً وسلاماً على إبراهيم , خرج منها بمعجزة عظيمة منّ الله بها عليه , وأبت النار أن تحرق إلا الكفار , فإنها لا تحرق الأنبياء بأمر الله , وهذه معجزة من معجزات إبراهيم عليه السلام التي منّ الله بها عليه .
المرجع
معجزات الأنبياء - عبد المنعم الهاشمي
ريمة مطهر
04-30-2011, 10:57 PM
معجزة الكبش العظيم
قال تعالى : { فلما أسلما وتلّه للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدّقت الرؤيا , إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم } الصافات 103-107.
كان إبراهيم عليه السلام قد كبر ونالت منه الشيخوخة منالها ولم ينجب أبناء , وكان يدعو ربه دائماً أن يرزقه الولد فأحست سارة برغبته هذه فقالت له : يا إبراهيم , إني عاقر , وأحب أن يرزقك الله بولد ولذلك فإنني سأهب لك جاريتي هاجر لكي تتزوّجها , فقد يرزقك الله بل ويرزقنا جميعاً منها ولداً تقرّ به أعيننا !! صمت إبراهيم قليلاً وحذر سارة من الغيرة إذا أتمّ هذا الأمر , فقالت سارة في ثقة واطمئنان تعودان إلى عاطفة وحنان متدفقين منها وهي أنثى شأنها شأن حواء على وجه الأرض , تحكم الأمور وتغلبها على الأرحج بعاطفتها , قالت : لا تخف يا إبراهيم , لا تخف .
تزوّج إبراهيم عليه السلام من هاجر التي وهبتها له سارة ومرّت أيام جميلة سعيدة فحملت هاجر وولدت لإبراهيم عليه السلام ولداً جميلاً وضيئاً سمّاه إسماعيل .
وجاء إسماعيل بفرحة كبيرة دخلت على نفس إبراهيم عليه السلام فأحب إبراهيم عليه السلام إسماعيل حباً كثيراً , فكم من مرّة حمله وداعبه , وأحبه حباً كثيراً .
واستمرّت الأحوال في البيت النبوي الكبير هانئة سعيدة بوليدهم الصغي ر, فأبو الأنبياء سعيد غاية السعادة يشكر ربه ليل نهار ويسبّح بحمده على ما أفاء عليه من نعمة الولد وهو في هذا السن المتقدم .
وفجأة دوت في البيت النبوي الكبير مفاجأة كان مصدرها السيّدة سارة , فقد خرجت الأنوثة لطبيعتها تعبّر عما يجيش في صدرها دون تكلف , دبّت الغيرة في نفس الأنثى سارة وهي شأنه شأن بنات جنسها لا تستطيع أن تكتم ما في نفسها ولا أن تغيّر فطرة النساء وبنات حوّاء , جاهدت نفسها وكظمت غيظها , وحاولت أن تفعل شيئاً ، كانت تعلم أن هذا الأمر سيزعج إبراهيم عليه السلام ولكن نفسها لم تقاوم جبروت الغيرة , اقتربت من إبراهيم قليلاً وتهاوت الدموع من عينيها قطرات وقالت في صوت متهدج : يا إبراهيم ؛ إني لا أستطيع أن أساكن هاجر وابنها بعد اليوم , فانظر لنفسك ولها أمراً .
صمتت سارة وقد انتابها حزن شديد من أجل خليل الله الذي شاركها الصمت أيضاً , نعم لا تستطيع سارة أن تكبح جماح الغيرة , وهذا ما كان يخشاه إبراهيم .
ظنّ إبراهيم عليه السلام في البداية أن الأمر بضع خطوات وينتهي الأمر بمسكن جديد قريب لهاجر وابنها , ولكن سارة ذهبت مذهباً بعيداً , قالت : إنني لا أريد أن تسكن هاجر بلداً أسكنه ..
هكذا لم تستطع الصبر على مجرد وجودهما بالقرب من إبراهيم فيراهما بين الحين والآخر عن قرب .
انصرفت مشيئة الله أن يكون هذا قول سارة , وحاول إبراهيم أن يترضى سارة على هاجر وولدها إسماعيل , ولكنها أبت وأصرّت , فوجد أن لا مناص من أن يباعد بينهما .
اصطحب إبراهيم هاجر وولده اسماعيل , وخرج بهما قاصداً مكاناً يؤويهما فيه , وسار ما شاء الله له أن يسير , فترك فلسطين , وقصد جهة الجنوب , ضارباً في صحراء الحجاز , كان ذلك على ما يبدو بوحي خفي , فكان يمشي طوال النهار ولا يستقر في مكان إلا اذا أحس بتعب واحتاج للراحة أو أحس بجوع أو عطش , ثم يستأنف المسير بهاجر وولده الطفل الصغير , وظلّ على هذه الحال إلى أن استقرّ به المقام بوادي مكة , ومكان ملتقى الطرق للقادم والذاهب من الشام إلى اليمن وبالعكس , وفي هذا الوادي أقام إبراهيم لأسرته الصغيرة الأم ووليدها خيمة , يأويان إليها إذا جنّ عليهما الليل ويضعان فيها ما معهما من زاد ومتاع .
التفتت هاجر يميناً ونظرت يساراً , وكان ما تراه لا يوحي بشيء مريح , فهو مكان مجدب مقفر , فلم تقع عيناها على زرع ولا ضرع , ولا ماء , ولا حتى بشر يؤنسون وحدتها .
ساد الصمت برهة من الزمن هاجر تنظر هنا وهناك , وقد أصابتها حيرة ودهشة , فكيف اختار إبراهيم هذا المكان المقفر الموحش مستقرّاً لإسرته , لا بد وأنه موحى إليه أو مأمور بذلك , وخطر ببالها أن تسأله حتى تجد تأكيد لخواطره وشكوكها , فرفعت رأسها وقالت في شغف : أأمرك ربك أن تتركنا هنا يا إبراهيم ؟!.
قال إبراهيم : نعم .
قالت هاجر المؤمنة بربها على الفور : إذن توكل على الله , فقد وكلتنا إلى من لايضيع عنده الرجاء .
وفي وداع يحمل هيبة الإيمان وجبروت المشاعر , ترك إبراهيم عليه السلام هاجر ووليدها الطفل الصغير إسماعيل ومضى وأحسب أن الدموع قد احتبست في حدقات هؤلاء البشر منها دموع طفل أنهكه السفر , وأقلقه أم ّ تضطرب أمام تجربة لم تعهدها من قبل .
ومضى إبراهيم منصرفاً عن زوجته وابنه , فلما صار على مرمى النظر منهما , رفع رأسه وابتهل في دعاء خاشع فقال : { ربنا إني أسكنت من ذريّتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } ابراهيم 37.
وكانت نظرة الوداع من إبراهيم بعد هذا الدعاء المبارك , الذي يعد دعاء الزمان, ومضى إبراهيم عليه السلام عائداً إلى بلاد الشام .
مرّت الايام وعطش إسماعيل وبكى وهرولت هاجر من وادي المروة إلى جبل الصفا وكررت , وتفجّر بئر زمزم , وشرب إسماعيل من عين عذبة خصصت لضيوف الرحمن , ولم تخف هاجر الضيعة فهنا سيبني خليل الله بيت الله .
وكانت عين زمزم التي تفجر ماؤها خير شيء في هذا المكان رغبة المارّة , فنزلوا بها , وأقاموا أوقاتاً إلى جوارها للاستراحة والاستسقاء .
وراق لإحدى قبائل العرب أن تنزل بجوار وادي مكة , وهي قبيلة جرهم , فاستأذنوا هاجر , فأذنت لهم , فوجدت إلى جوارها من تستأنس به , وتطمئن إلى جواره . وعمرت مكة بهذه القبيلة وأصبح الوادي عامراً بالناس والابل والماشية والطيور , وتحققت دعوة إبراهيم عليه السلام عندما دعا لها وهو مغادر هذا الوادي قاصداً بلاد الشام وفلسطين التي تسكنها سارة حين دعا ربه قائلاً : { فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات } .
وفي بلاد الشام شعر إبراهيم عليه السلام بحنين لرؤية ابنه اسماعيل وزوجته هاجر , وجاء خليل الله إبراهيم ليرى ما فعل الله بوديعته , فوجد عمراناً وناساً وخياماً , وحياة تدب في كل مكان , حتى ظن أنه قد ضلّ عن وادي مكة الذي ترك فيه إسماعيل وهاجر بأمر ربه , فقد كان وادياً غير ذي زرع , حتى أنه سأل : أهذا وادي مكة , أهنا تسكن هاجر وإسماعيل ؟
عرف إبراهيم عليه السلام أنه وادي مكة .
ومضى خليل الرحمن يبحث عن خيمة هاجر وابنه اسماعيل بلهفة ما بعدها لهفة , وشوق ما بعده شوق , لقد كثرت الخيام وتعددت , ولكن خيمة هاجر شهيرة , معروفة لدى العامة في مكة . فأرشده الناس إليها .
نظر إبراهيم الخليل عليه السلام في وجه طفله المشرق , فسرّه سروراً كثيراً , وفرح به فرحاً وفرحت هاجر بلقاء زوجها وشكرا الله على ما أولاهما من نعم , وعلى ما حباهما من عطف .
وظلّ هذا حال إبراهيم عليه السلام يأتي إلى أسرته الصغيرة الجميلة بين الحين والحين لرؤية إسماعيل وأمه .
وفي كل مرّة كان إبراهيم يصلي ويسجد شكراً لله عز وجل الذي أقر عينه بجمال طفله وهو في هذه السن البعيدة والعمر المتأخر , ولم تكن هذه نعمة الله الوحيدة على إبراهيم الخليل عليه السلام , ولكن الله أفاء عليه بالكثير الكثير من النعم والعطايا . وأكبرها نعمة الإيمان .
ريمة مطهر
04-30-2011, 11:02 PM
1. المعجزة الكبرى
كانت هذه المعجزة اختباراً عظيماً , بكل المقاييس , ولكنه اختبار من الله لرجل هو خليله وهو عبده وهو نبي من الصالحين , أي نوع من أنواع الإختبار يا ترى سيجري على إبراهيم الخليل عليه السلام .
نحن أمام نبي يعدّ أبا الأنبياء , وخليل الرحمن , وصفه ربه بالحلم , ونحن أيضاً أمام نبي قلبه أرحم قلب على وجه الأرض , فاتسع هذا القلب الكبير لحب الله عز وجل , وحب مخلوقاته , وهذا القلب الرحيم , يمتحن في دقاته دقة دقة ونبضاته نبضة نبضة , لقد كان إسماعيل دقات قلبه , وحبه الكبير , جاءه على كبر من السن , جاءه وهو طاعن في السن ولا أمل هناك في أن ينجب ثم يأتيه الاختبار الصعب في هذا الابن والذي هو قرّة عينه ونبضة قلبه .
ويجيء الأمر والاختبار أثناء النوم , لم يكن وحياً مباشراً فما أن استسلم إبراهيم عليه السلام للنوم حتى رأى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي لم ينجب غيره .
ترى ماذا حدث في هذه الرؤيا ؟ لقد رأى إبراهيم عليه السلام في نومه هاتفاً يهتف قائلاً : يا إبراهيم ؛ اذبح ابنك في سبيل الله .
ترى ماذا فعل إبراهيم عليه السلام بعدما سمع هذا الهاتف ؟ لقد هبّ عليه السلام من نومه مذعوراً , واستعاذ بالله من مكر الشيطان , ثم عاود نومه مرة أخرى , فعاوده الهاتف أيضاً يهتف قائلا : يا إبراهيم اذبح ابنك في سبيل الله .
فهبّ إبراهيم عليه السلام قائماً , وقد صحّ عنده أن الهاتف من عند الله عز وجل , وتحقق أن الله يأمره بذبح ابنه الحبيب إسماعيل .
من الخطأ أن يظن الانسان أن صراعاً من نفس إبراهيم لم ينشأ بعد هذه الرؤيا , فهذا بلاء مبين , لا بدّ أن ينشأ في النفس من أجله صراع طويل , نشب هذا الصراع في نفس إبراهيم عليه السلام , صراع الأبوّة الحانية والقلب الذي حمل أكبر قدر من الرحمة والحلم , فكّر إبراهيم في الأمر وتدبّر , وتراجع كل شيء إلا شيء واحد وهو الإيمان بالله , فهكذا أراه الله في المنام , وبهذه الرؤيا يكون الأمر بالتنفيذ من الله , ورؤيا الأنبياء حق , فلينفذ إبراهيم عليه السلام أمر ربه , فكله خير , فإذا كان التفكير يقتصر على إسماعيل الابن ومخاطبة قلب إبراهيم لنفسه , فإن هذا الأمر لا بد وأن يتراجع إلى الخلف .
أزاح إبراهيم كل هذا من تفكيره , وصوّب فكره لاتجاه واحد يقول : نفذ أمر حبيبك يا إبراهيم ..
كل ما فكر فيه إبراهيم عليه السلام , كيف يفاتح ابنه في الأمر وماذا يقول عنه إذا أرقده الأرض ليذبحه .
من الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهراً ويذبحه قهراً .
وصل إبراهيم إلى هذه القناعة , لا بد أن يكون صريحاً وواضحاً مع ابنه .
جاء إبراهيم إلى هذه القناعة , لا بد أن يكون صريحاً وواضحاً مع ابنه.
جاء إبراهيم إلى ابنه , فقال له : يا بنيّ خذ الحبل والسكين وانطلق بنا إلى هذه الهضبة لنجمع الحطب .
أطاع إسماعيل عليه السلام , وفعل ما أمره به أبوه , وتبعه إلى الهضبة التي أشار إليها والده , كان إسماعيل غلاماً مطيعاً لا يعصي أباه أبداً , مضى إلى هناك حيث أمره ووقف إبراهيم أمام ابنه إسماعيل عليهما السلام وقد أصبح الإثنان في خلوة لا يراهما أحد إلا الله سبحانه عز وجل , عندئذ قال إبراهيم لابنه إسماعيل : { يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى , قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } . الصافات 102.
انظر إلى تلطف إبراهيم في إبلاغ ولده هذا الأمر , وتركه للأمر لينظر فيه الابن بالطاعة , إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه .. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك ؟ وجاءت إجابة اسماعيل بنفس جواب إبراهيم عليه السلام هذا أمر يا أبي , إنه أمر الله , فبادر بتنفيذه , وجاء الرد في القرآن على لسان إسماعيل يقول : { يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } .
انظر إلى هذا الشق من المعجزة , إنه ردّ الابن , إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده .. إن شاء الله .. من الصابرين .
فلما تناول إبراهيم عليه السلام من إسماعيل الحبل ليوثقه والسكين في يده ليذبحه , قال إسماعيل له : يا أبتاه , إذا أردت أن ذبحي فاشدد وثاقي لئلا يصيبك شيء من دمي فينقص أجري , إن الموت لشديد , ولا آمن أن أضطرب عند الذبح إذا أحسست مس السكين , واشحذ شفرتك حتى تجهز عليّ سريعاً , فإذا أنت أضجعتني لتذبحني , فاكببني على وجهي , ولا تضجعني لجنبي , فإني أخشى إن أنت نظرت إلى وجهي أن تدركك رقة , فتحول بينك وبين تنفيذ أمر ربّك فيّ , وإن أردت أن تردّ قميصي على أمي فافعل , فعسى أن يكون هذا أسلى لها .
فقال إبراهيم : نعم العون أنت يا بني على أمر الله .
ثم شحذ إبراهيم شفرته , وأحكم وثاق ابنه , وكبّه على وجهه جاعلاً جبينه إلى الأرض متحاشياً النظر إلى وجهه , وبسمل واستشهد ثم همّ بذبحه , ولم يكد يسحب السكين على قفا ابنه ليذبحه , حتى سمع منادياً ينادي , ماذا يقول المنادي إذن ؟ إنه يبشر بالمعجزة الكبرى .
قال المنادي : يا إبراهيم ؛ قد صدقت الرؤيا , فافتد ابنك بذبح عظيم .. !!
نظر إبراهيم عليه السلام إلى حيث سمع المنادي , فوجد بجانبه كبشاً أبيض أعين أقرن , فعرف أن الله سبحانه عز وجل قد أرسل هذا الكبش فداء لابنه إسماعيل , وقيل إن هذا الكبش رعى في الجنة أربعين خريفاً ( الطبري في تاريخه 1/277) , وكان يرتفع في الجنة حتى تشقق , وكان له ثغاء , وقيل أنه الكبش الذي قرّبه هابيل ابن آدم فتقبّل منه , تاريخ الطبري .
أخلى إبراهيم ابنه من وثاقه , وهو يقبّله باكياً من شدة الفرح ويقول : يا بنيّ ؛ لقد وُهبت لي اليوم من جديد .
ثم أوثق الكبش جيداً , وذبحه شاكراً ربه , وكان هذا البلاء العظيم الذي ابتلى الله به إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام هو اختبار عظيم , ومعجزة بكل المقاييس من المعجزات التي ساقتها إرادة الله عز وجلّ لهما , وقد ضرب إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام المثل العظيم في الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره , والطاعة الخاشعة المؤمنة لأمر الله , فوهبهما الله هذه المعجزة الكريمة , والأضحية المباركة . وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذه المعجزة في لحظتها الحاسمة فقال عز وجل : { فلما أسلما وتلّه للجبين } الصافات 103.
قيل : أسلما : أي استسلما لأمر الله وعزم على ذلك فما أن ألقاه إلى وجهه : { وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدّقت الرؤيا , إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * فديناه بذبح عظيم } . الصافات 104-108.
هذا هو الاسلام الحقيقي , الذي ضرب فيه إبراهيم وإسماعيل ابنه المثل العظيم ، فكان جزاء الله لهما عظيماً , لأنهم أحسنوا عبادة الله , وأحسنوا طاعة الله , ونجحوا في اختبار صعب شمل المصاعب التي تهزم قوى الإنسان وتجعله يخرّ صريعاً أمامها , ولكن بقدر ما كان للأب من إيمان مدهش وصبر عظيم وتسليم قانع راض بها القدر كان للابن الغلام الصغير .
إن إبراهيم عليه السلام كان معجزة إيمانيّة سلوكيّة , وإسماعيل ضرب مثلاً في الطاعة فكان مدهشاً في رباطة جأشه ووصوله إلى مدى بعيد من الطاعة .
إن الموقف كله معجزة , ولم يكن الكبش وحده هو المعجزة , الأب , الابن , الكبش , مشيئة الله , كل هذه الأطراف صنعنت معجزة هائلة لن تنساها البشريّة .
المرجع
معجزات الأنبياء - عبد المنعم الهاشمي