شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : سوق سويقة .. مكة المكرمة


ثروت كتبي
04-22-2011, 05:28 PM
سوق سُويقَة

هي سوق قديمة بمكة ، وتقع في الجهة الشمالية – الشامية – من المسجد الحرام وتبدأ من قاعة الشفا وتنتهي بقصر المشنشن بالمروة .
وكانت ذات مظلات تقي حرارة الشمس ، وهي مع ذلك ترش بالماء وقت الحرم لأن الأرض كانت ترابية في ذلك الوقت كما هو معروف في أحياء مكة .
فتُرش كما ذكرنا حتى ينزلق الماشي عليها أحياناً ، وكان أحدهم يدعو خادمه أو ابنه ليحضر إليه فيقول : (يا واد تعالى من سويقة فإنها أظل – أي باردة) هكذا ذكر لنا الكبار من أهل الحارة .
وكان فيها دكاكين كثيرة وأكثرها للقماشة (باعة الأقمشة) ومنها دكاكين قليلة للعطارة ، ومنها لباعة النعناع ونكهات الشاي وباعة المساويك والحكل والحناء .
وعن سويقة يقول الغزاوي : (ما قرأته في تواريخ مكة القديمة والمؤلفة حتى قبل ألف سنة مضت ، حملني على أن أكتب هذه الشذرة عن (سويقة) التي هي أعمر وأكبر سوق عرفتها مكة في تاريخها الماضي والحاضر ، فقد ورد ذكرها في أوائل ما دونه مؤلفو (أم القرى) من عهد الأزرقي .
ولهذا فإن من البر بها أن لا تمحى من الخارطة ، وفي الوسع أن يطلق نفس الاسم على كل ما حل محلها بعد الاصطلاحات الجديدة والعمران الحديث ، إبقاء على الطلل الدارس والذكريات التي تتصل بها ، وهي عزيزة وعريقة وما في ذلك من بأس ولا يتعذر بحال .
وكما قيل : (ما قارب الشيء يعطى حكمه) . ولئن تبدل الخرب بالعامر ، والقديم بالجديد فليس هناك مانع من بقاء اسم المكان ، كما كان ، وأحسب أن ذلك مما يحرص عليه ذوو الشأن ، وتوصل به الرحم في البنيان ، و (الذكريات صدى السنين الحاكي) .
أما دكاكين القماشة أو التجار وأصحاب الدكاكين فكما ذكرها الأستاذ عبد الله عمر خياط : (أرثي حسن الخلق وصدق التعامل والتيسير على الناس الذي كان يتحلى به تجار سويقة . . يوم كان هذا السوق في مكة هو المركز التجاري لعموم مدن المنطقة الغربية بمن فيه من رجالات مكة الذين تتشكل منهم البيوت التجارية منها ، وأذكر بعضهم اعتماداً على ما تبقي في ذاكرتي التي شاخت :
بيت البوقرية ، وبيت السندي ، وبيت الدهلوية وبيت الرمضاني وبيت العطار وبيت الفارسي وبيت الألفي وبيت البشاوري وبيت مطر وبيت الجستنية وبيت قربان وبيت أبو راشد وبيت جمال وبيت إسماعيل وبيت حبحب وبيت ألاشموني وبيت الطيب وبيت قطب وبيت ناظر وبيت السقاف وبيت القامة وبيت نور وبيت رفيع وبيت عاشور وبيت قدس وبيت خوندنه وبيت المشاط وبيت بانعمه وبيت بافيل وبيت العادة ، وصبحي الأعمى وسعيد عرب وهاشم وسعيد الشواء والقزاز ، وكانت هذه البيوت وغيرها في (سويقة) هي رمز التجارة ومركز التسويق الذي يغذي جميع الأسواق في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف وما حولها ، وكان أسلوب البيع هو إعطاء التجار ما يسترزقون به من البضائع .
أما في العصر فقد كانوا يستحصلون أقيام المباع من تجار مكة وكان الشيخ أسعد هاشم من أولئك الذين يدورون على التجار لاستيفاء ما تيسر من المتعاملين معه لأنه على ثقة بأنه ليس من تاجر غلا وهو حريص على التسديد وفاء للثقة وحرصاًً على الاستمرارية) مقالة نشرت بجريدة عكاظ .
ومن الأخبار التي كانت تنشر في جريدة البلاد السعودية قبل خمسين سنة نشر عن سويقة ما يلي : (الحمير في سويقة : لفت نظرنا أصحاب الدكاكين في سويقة إلى الحالة التي عليها سويقة الآن ، فقد صارت ممراً عاماً لجميع حمير البلدة ، وأهل النورة والحجارة للشارع العام ، والمار الآن من سويقة لابد وأن يمسك (نوبة) في المرور عدا ما سببه النورة والأتربة من مضايقات لأصحاب الدكاكين والمارة ، وقد أكد لنا أصحاب الدكاكين أنهم كتبا إلى (البلدية) بذلك لكنهم لا يزالون ينتظرون النتيجة) .
وقد كان للجمتمع المكي قوة في تماسكه وتكاتفه المتصل بعضه ببعض فلا ترى فيهم شذوذاً في الغالب ، ففقيرهم مستور الحال لا يظهر عليه أثر الفقر ، وذلك لمعاونة أهل الخير في رد حاله إلى الكفاف وعدم السؤال ، فهم بذلك أغنياء بفضل الله إلا أن هناك من برز في ذلك الوقت في صورة الغنى والوجاهة من بين ذلك المجتمع ، وكان لمثل هؤلاء البارزين وزنهم ومكانتهم الاجتماعية فمن أشهرهم :
آل السندي : في المسفلة .
آل التونسي : في شعب عامر ، وفي الشبيكة .
آل العطار : في القرارة .
آل الشبانة : في القشاشية .
آل الشيبي : في المسعى .
آل القطان : في الشامية .
آل باناجه وبيت القامة : في المسعى .
آل الألفي : في سوق الليل .
آل البوقري : في المسفلة – نهاية الهجلة .
آل الزينل : في الشبيكة .
آل الدهلوي : في حارة الباب ، وجبل هندي ، وكانت دكاكين الدهلوية بالشامية وسويقة لبيع الحنابل ، والعطور ، وأواني الكولندي ، والأقمشة ، والساعات .
ومع هذا كله كان لا يظهر أثر الغنى على هؤلاء أو بعضهم ، وذلك لتواضعهم وإحساسهم نحو الآخرين من إخوانهم الفقراء ، بل وقيل لي أن العم عبد المؤمن الجزار المعروف – رحمه الله – أنه مرة كان في بيت البوقرية (المذكور) فرآهم يأكلن العيش الناشف بالفتوت مع شربة المقادم في وجبتي الإفطار والعشاء وكان طبخهم بالبيت مرة واحدة في اليوم وربما يومين ، رغم أنهم من الأغنياء المشهورين بالسعة في المال والعرض ، ويقال : إن (زنبيل) والدهم الذي كان يحمله ويبيع فيه الحمص لا يزال (للذكرى) موجوداً حتى الآن .
لنرجع إلى سويقة وللحفاظ على اسم (سويقة) ولإبقاء الذكرى أعاد الشيخ حسين بكري قزاز اسم هذه السوق وأنشأ مبنى في شارع الستين (شارع عبد الله عريف أمين العاصمة سابقاً) بهذا الاسم ليعيد القزاز للمجتمع المكي ذكريات كانه القديم بسويقة القديمة .
وهذه السوق الجديدة (سويقة أيضاً فيها من الأقمشة كما هو حال الأم السابقة ولكن قد ينقصها (فخر الموجود) من ذلك القماش القديم ، وعلى كل حال (ريحة أبو علي ولا عدمه) كما يقولون .
أما قصر المشنشن فيقع في آخر سويقة – وهو بكسر الميم وفتح الشين وإسكان النون وفتح الشين الثانية ثم النون – هكذا نطقه المكيون .
وهو إلى المروة أقرب ، واسمه أكبر من حجمه ، وهو في حد ذاته قديم جداً ، بل أقدم بيت في سويقة ، ويتكون من ثلاثة أدوار ودرجة أو سلالم مهدهدة مظللة وكان يسكنه المرحوم زيني جمال ، ومن بعد سكنه السيد حسن الدباغ وشقيقه السيد إبراهيم ، وكلمة (مشنشن) فصيحة مأخوذة من الشن وهو الضعف والقِدم والبِلى .

المرجع
صور من تراث مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري - عبدالله محمد أبكر