ريمة مطهر
01-30-2011, 03:56 PM
عمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي ، أبو حفص .
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . وقيل : حنتمة بنت هشام بن المغيرة ، فعلى هذا تكون أخت أبي جهل ، وعلى الأول تكون ابنة عمه - قال أبو عمر : ومن قال ذلك - يعني بنت هشام - فقد أخطأ ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل والحارث ابني هشام ، وليس كذلك وإنما هي ابنة عمهما ، لأن هشاماً وهاشماً ابني المغيرة أخوان ، فهاشم والد حنتمة ، وهشام والد الحارث ، وأبي جهل ، وكان يقال لهاشم جد عمر : ذو الرمحين .
وقال ابن منده : أم عمر أخت أبي جهل . وقال أبو نعيم : هي بنت هشام أخت أبي جهل ، وأبو جهل خاله . ورواه عن ابن إسحاق .
وقال الزبير : حنتمة بنت هاشم فهي ابنة عم أبي جهل - كما قال أبو عمر - وكان لهاشم أولاد فلم يعقبوا . يجتمع عمر وسعيد بن زيد رضي الله عنهما في نفيل .
ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة . روي عن عمر أنه قال : ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين .
وكان من أشرف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية ، وذلك أن قريشاً كانوا إذا وقع بينهم حرب أو بينهم وبين غيرهم ، بعثوه سفيراً ، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر ، رضوا به ، بعثوه منافراً و مفاخراً .
إسلامه رضي الله عنه
لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، كان عمر شديداً عليه وعلى المسلمين . ثم أسلم بعد رجال سبقوه ، قال هلال بن يساف : أسلم عمر بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة . وقيل : أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلاً وعشرين امرأة ، فكمل الرجال به أربعين رجلاً .
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي بإسناده إلى أبي الحسن علي بن أحمد بن متويه قال : أنبأنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ ، حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، حدثنا صفوان بن المغلس ، حدثنا إسحاق بن بشر . حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم الرماني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً وامرأة . ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين ، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } .
وقال عبد الله بن ثعلبة بن صعير : أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة .
وقال سعيد بن المسيب : أسلم عمر بعد أربعين رجلاً وعشر نسوة ، فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة .
وقال الزبير : أسلم عمر بعد أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ، وبعد أربعين أو نيف وأربعين بين رجال ونساء .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - " .
أنبأنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده إلى عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثنا شريح بن عبيد قال : قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد ، فقمت خلفه ، فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن ، قال : فقلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش . قال : فقرأ { إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون }. قال : قلت : كاهن . قال : { ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون تنزيل من رب العالمين } . { ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمن ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين } .. إلى آخر السورة ، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع .
أنبأنا العدل أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري التغلبي الدمشقي ، أنبأنا الشريف النقيب أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد قراءة عليهما وأنا أسمع ، قالا : أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة ، أنبأنا محمد بن عوف ، أنبأنا سفيان الطائي قال : قرأت على إسحاق بن إبراهيم الحنفي قال : ذكره أسامة بن زيد ، عن أبيه ، عن جده أسلم قال : قال لنا عمر بن الخطاب : أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي ؟ قلنا : نعم . قال : كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينا أنا يوماً في يوم حار شديد الحر بالهاجرة ، في بعض طرق مكة ، إذ لقيني رجل من قريش فقال : أين تذهب يا ابن الخطاب ؟ أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك ؟! قال : قلت : وماذا ذاك ؟ قال : أختك قد صبأت . قال : فرجعت مغضباً ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة ، فيكونان معه ، ويصيبان من طعامه . وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين ، قال : فجئت حتى قرعت الباب ، فقيل : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب – قال : وكان القوم جلوساً يقرؤون القرآن في صحيفة معهم - فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا ، وتركوا - أو : نسوا الصحيفة من أيديهم . قال : فقامت المرأة ففتحت لي ، فقلت : يا عدوة نفسها ، قد بلغني أنك صبوت ! قال : فأرفع شيئاً في يدي فأضربها به ، قال : فسال الدم . قال : فلما رأت المرأة الدم بكت ، ثم قالت : يا ابن الخطاب ، ما كنت فاعلاً فافعل ، فقد أسلمت . قال : فدخلت وأنا مغضب فجلست على السرير ، فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت ، فقلت : ما هذا الكتاب ؟ أعطينيه . فقالت : لا أعطيك ، لست من أهله ، أنت لا تغتسل من الجنابة ، ولا تطهر ، وهذا لا يمسه إلا المطهرون ! قال : فلم أزل بها حتى أعطتنيه ، فإذا فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم " فلما مررت بـ " الرحمن الرحيم " ، ذعرت ورميت بالصحيفة من يدي - قال : ثم رجعت إليّ نفسي ، فإذا فيها : { سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } قال : فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت ، ثم ترجع إليّ نفسي ، حتى بلغت : { آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } حتى بلغت إلى قوله : { إن كنتم مؤمنين } - قال : فقلت : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله " - قال : فخرج القوم يتبادرون بالتكبير ، استبشاراً بما سمعوه مني ، وحمدوا الله عز وجل ، ثم قالوا : يا ابن الخطاب ، أبشر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الإثنين فقال : " اللهم ، أعز الإسلام بأحد الرجلين : إما عمرو بن هشام ، وإما عمر بن الخطاب ، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله لك . فأبشر - قال : فلما عرفوا مني الصدق قلت لهم ، أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالوا : هو في بيت في أسفل الصفا – وصفوه – قال : فخرجت حتى قرعت الباب ، قيل : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب . قال : وقد عرفوا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا بإسلامي – قال : فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب ! قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " افتحوا له ، فإنه إن يرد الله به خيراً يهده " . قال : ففتحوا لي ، وأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال : أرسلوه . قال : فأرسلوني ، فجلست بين يديه ، قال : فأخذ بمجمع قميصي فجذبني إليه ، ثم قال : " أسلم يا ابن الخطاب ، اللهم اهده " . قال : قلت : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله " ، فكبر المسلمون تكبيرة ، سمعت بطرق مكة - قال : وقد كان استخفى - قال : ثم خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً قد أسلم يضرب إلا رأيته - قال : فلما رأيت ذلك قلت : لا أحب إلا أن يصيبني ما يصيب المسلمين ، قال : فذهبت إلى خالي - وكان شريفاً فيهم - فقرعت الباب عليه ، فقال : من هذا ؟ فقلت : ابن الخطاب . قال : فخرج إليّ ، فقلت له : أشعرت أني قد صبوت ؟ قال : فعلت ؟ فقلت : نعم . قال : لا تفعل ! قال : فقلت : بلى ، قد فعلت . قال : لا تفعل ! وأجاف الباب دوني وتركني . قال قلت : ما هذا بشيء ! قال : فخرجت حتى جئت رجلاً من عظماء قريش ، فقرعت عليه الباب ، فقال : من هذا ؟ فقلت : عمر بن الخطاب . قال : فخرج إليّ ، فقلت له : أشعرت أني قد صبوت ؟ قال : فعلت ؟ فقلت : نعم . قال : فلا تفعل ! قلت : قد فعلت . قال : لا تفعل ! قال : ثم قام فدخل ، وأجاف الباب دوني . قال : فلما رأيت ذلك انصرفت . فقال لي رجل : تحب أن يعلم إسلامك ؟ قال قلت : نعم . قال : فإذا جلس الناس في الحجر واجتمعوا أتيت فلاناً - رجلاً لم يكن يكتم السر- فاصغ إليه ، وقل له - فيما بينك وبينه - : " إني قد صبوت " ، فإنه سوف يظهر عليك ويصيح ويعلنه . قال : فاجتمع الناس في الحجر ، فجئت الرجل فدنوت منه ، فأصغيت إليه فيما بيني وبينه ، فقلت : أعلمت أني قد صبوت ؟ " فقال : " ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ " . قال : فما زال الناس يضربونني وأضربهم ، قال : فقال خالي : ما هذا ؟ فقيل : ابن الخطاب ! قال : فقام على الحجر فأشار بكمه فقال : " ألا إني قد أجرت ابن أختي " . قال : فانكشف الناس عني ، وكنت لا أشاء أن أرى أحداً من المسلمين يضرب إلا رأيته وأنا لا أضرب . قال فقلت : ما هذا بشيء حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين ؟ قال : فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحجر ، وصلت إلى خالي فقلت : اسمع . فقال : ما أسمع ؟ قال : قلت : جوارك عليك رد . قال : فقال : لا تفعل يا ابن أختي . قال : قلت : بل هو ذاك . فقال : ما شئت ! قال : فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام .
أنبأنا أبو جعفر بن أحمد بن علي بإسناده عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : ثم إن قريشاً بعثت عمر بن الخطاب ، وهو يومئذ مشرك ، في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله في دار في أصل الصفا ، فلقيه النحام - وهو نعيم بن عبد الله بن أسيد ، وهو أخو بني عدي بن كعب ، قد أسلم قبل ذلك ، وعمر متقلد سيفه- فقال : يا عمر ، أين تريد ؟ فقال : أعند إلى محمد الذي سفه أحلام قريش ، وشتم آلهتهم ، وخالف جماعتهم . فقال النحام : والله لبئس الممشى يا عمر ! ولقد فرطت وأردت هلكة عدي بن كعب ! أو تراك تفلت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً ؟ فتحاوروا حتى ارتفعت أصواتهما ، فقال له عمر : إني لأظنك قد صبوت ، ولو أعلم ذلك لبدأت بك ! فلما رأى النحام أنه غير منته قال : فإني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا ، واركوك وما أنت عليه من ضلالتك . فلما سمع عمر تلك يقولها قال : وأيهم ؟ قال : ختنك وابن عمك وأختك . فانطلق عمر حتى أتى أخته ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته طائفة من أصحابه من ذوي الحاجة ، نظر إلى أولي السعة ، فيقول : عندك فلان . فوافق ذلك ابن عم عمر وختنة - زوج أخته - سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت ، وقد أنزل الله تعالى : { طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
وذكر نحو ما تقدم ، وفيه زيادة ونقصان . قال ابن إسحاق : فقال عمر عند ذلك - يعني إسلامه : والله لنحن بالإسلام أحق أن نبادي منا بالكفر ، فليظهرن بمكة دين الله ، فإن أراد قومنا بغياً علينا ناجزناهم ، وإن قومنا أنصفونا قبلنا منهم . فخرج عمر وأصحابه فجلسوا في المسجد ، فلما رأت قريش إسلام عمر سقط في أيديهم .
قال ابن إسحاق : حدثني نافع ، عن ابن عمر قال : لما أسلم عمر بن الخطاب قال : أي أهل مكة أنقل للحديث ؟ فقالوا : جميل بن معمر . فخرج عمر وخرجت وراء أبي ، وأنا غليم أعقل كل ما رأيت ، حتى أتاه فقال : يا جميل هل علمت أني أسلمت ؟ فو الله ما راجعه الكلام حتى قام يجر رداءه ، وخرج عمر يتبعه ، وأنا مع أبي ، حتى إذا قام على باب مسجد الكعبة ، صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، إن عمر قد صبأ . فقال عمر : كذبت ! ولكني أسلمت . فثاوروه ، فقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤوسهم ، فطلح وعرشوا على رأسه قياماً وهو يقول : " اصنعوا ما بدا لكم ، فأقسم بالله لو كنا ثلاثمائة رجل تركتموها لنا ، أو تركناها لكم " .
وذكر ابن إسحاق أن الذي أجار عمر هو العاص بن وائل أبو عمر بن العاص السهمي وإنما قال عمر إنه خاله لأن حنتمة أم عمر هي بنت هاشم بن المغيرة ، وأمها الشفاء بنت عبد قيس بن عدي بن سعد بن سهم السهمية ، فلهذا جعله خاله ، وأهل الأم كلهم أخوال ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص : " هذا خالي " لأنه زهري ، وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم زهرية . وكذلك القول في خاله الآخر الذي أغلق الباب في وجهه أنه أبو جهل ، فعلى قول من يجعل أم عمر أخت أبي جهل ، فهو خال حقيقة ، وعلى قول من يجعلها ابنة عم أبي جهل ، يكون مثل هذا .
وكان إسلام عمر في السنة السادسة ، قاله محمد بن سعد .
أخبرنا غير واحد إجازة قالوا : أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا أبو علي بن القهم أنبأنا محمد بن سعد ، أنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا أبو حرزة يعقوب بن مجاهد ، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي عمرو ذكوان قال : قلت لعائشة : من سمى عمر الفاروق ؟ قالت : النبي صلى الله عليه وسلم .
حزرة : بفتح الحاء المهملة ، وتسكين الزاي ، وبعدها راء ، ثم هاء .
قال وأنبأنا محمد بن سعد أنبأنا أحمد بن محمد الأزرقي المكي ، حدثنا عبد الرحمن بن حسن ، عن أيوب بن موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ، وهو الفاروق : فرق الله به بين الحق والباطل " .
وقال ابن شهاب : بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر : الفاروق .
أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري الدمشقي ، أنبأنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا : أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة ، حدثنا أبو عبيدة السري بن يحيى بن أخي هناد بن السري بالكوفة ، حدثنا شعيث بن إبراهيم ، حدثنا سيف بن عمر ، عن وائل بن داود ، عن يزيد البهي قال : قال الزبير بن العوام : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب " .
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا جعفر بن عون ويعلى بن عبيد والفضل بن دكين قالوا : حدثنا مسعر ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قال عبد الله بن مسعود : كان إسلام عمر فتحاً . وكانت هجرته نصراً ، وكانت إمارته رحمة . ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا .
قال : وحدثنا ابن مردويه ، حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا الحسن بن علي المعمري ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا جرير ، عن عمر بن سعيد ، عن مسروق ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل ، لا يزداد إلا قرباً . فلما قتل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر ، لا يزداد إلا بعداً .
هجرته رضي الله عنه
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله الدقاق إذناً ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، حدثنا أبو محمد الجوهري إملاء ، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد الحافظ ، حدثنا أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني بالبصرة ، حدثنا الزبير بن محمد بن خالد العثماني بمصر سنة خمس وستين ومائتين ، حدثنا عبد الله بن القاسم الأبلي ، عن أبيه ، عن عقيل بن خالد ، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن العباس قال : قال لي علي بن أبي طالب : ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً ، إلا عمر بن الخطاب ، فإنه لما همّ بالهجرة تقلد سيفه ، وتنكب قوسه ، وانتضى في يده أسهماً ، واختصر عنزته ، ومضى قبل الكعبة ، والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ، ثم أتى المقام فصلى متمكناً ، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة ، وقال لهم : شاهت الوجوه ، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس ، من أراد أن تثكله أمه ، ويوتم ولده ، ويرمل زوجته ، فليلقني وراء هذا الوادي . قال علي : فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه .
أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حدثني نافع ، عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عمر بن الخطاب قال : لما اجتمعنا للهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص بن وائل : قلنا : الميعاد بيننا " التناضب من أضاة بني غفار ، فمن أصبح منكم لم يأتها فليمض صاحباه . فأصبحت عندها أنا وعياش بن أبي ربيعة ، وحبس عنا هشام ، وفتن فافتتن . وقدمنا المدينة .
قال ابن إسحاق : نزل عمر بن الخطاب ، وزيد بن الخطاب ، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة ، وحنيس بن حذافة ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وواقد بن عبد الله ، وخولي بن أبي خولي ، وهلال بن أبي خولي ، وعياش بن أبي ربيعة ، وخالد وإياس وعاقل بنو البكير ، نزل هؤلاء على رفاعة بن المنذر ، في بني عمرو بن عوف .
أنبأنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن بدران ، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الفارسي ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار ، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى ، أخو بني فهر . ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ، فقلنا : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو على أثري . ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه .
شهوده رضي الله عنه بدراً وغيرها من المشاهد
شهد عمر بن الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً ، وأحداً ، والخندق وبيعة الرضوان ، وخيبر، والفتح ، وحنيناً ، وغيرها من المشاهد ، وكان أشد الناس على الكفار . وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسله إلى أهل مكة يوم الحديبية ، فقال : " يا رسول الله ، قد علمت قريش شدة عداوتي لها ، وإن ظفروا بي قتلوني " . فتركه ، وأرسل عثمان .
أنبأنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق - في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر – قال : وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين على واد يقال : " ذفران " ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعضه نزل . وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم ، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، فقال أبو بكر فأحسن ، ثم قام عمر فقال فأحسن . وذكر تمام الخبر .
وهو الذي أشار بقتل أسارى المشركين ببدر ، والقصة مشهورة .
وقال ابن إسحاق وغيره من أهل السير ، ممن شهد بدراً من بني عدي بن كعب : عمر بن الخطاب بن نفيل ، لم يختلفوا فيه .
وشهد أيضاً أحداً ، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أنبأنا عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال : حدثني الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة قالا : لما أراد أبو سفيان الانصراف أشرف على الجبل ، ثم نادى بأعلى صوته : إن الحرب سجال يوم بيوم بدر ، اعل هبل - أي أظهر دينك - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : قم فأجبه . فقال : الله أعلى وأجل ، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، فلما أجاب عمر أبا سفيان قال أبو سفيان : هلم إليّ يا عمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائته ، فانظر ما يقول " . فجاءه ، فقال له أبو سفيان : أنشدك الله يا عمر ، أقتلنا محمداً ؟ قال : لا ، وإنه ليسمع كلامك الآن . فقال أبو سفيان : أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر - لقول ابن قمئة لهم : قد قتلت محمداً .
علمه رضي الله عنه
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي يعلى ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، حدثنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو بكر بن مردويه ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا عبد العزيز بن أبان ، حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : قال ابن مسعود : لو أن علم عمر وضع في كفه ميزان ، ووضع علم الناس في كفه ميزان لرجح علم عمر . فذكرته لإبراهيم فقال : قد والله ، قال عبد الله أفضل من هذا . قلت : ماذا قال ؟ قال : لما مات عمر ذهب تسعة أعشار العلم .
أنبأنا إسماعيل بن علي بن عبيد وغيره بإسنادهم إلى محمد بن عيسى : حدثنا قتيبة حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت كأني أتيت بقدح لبن ، فشربت منه ، وأعطيت فضلي عمر بن الخطاب ". فقالوا : ما أولته يا رسول الله ؟ قال : العلم .
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الحافظ إجازة أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو الأغر قراتكين بن الأسعد ، حدثنا أبو محمد الجوهري ، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الفضل بن الجراح ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله النيري ، حدثنا أبو السائب قال : سمعت شيخاً من قريش يذكر عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : والله ما رأيت أحداً أرأف برعيته ، ولا خيراً من أبي بكر الصديق . ولم أر أحداً أقرأ لكتاب الله ، ولا أفقه في دين الله ، ولا أقوم بحدود الله ، ولا أهيب في صدور الرجال من عمر بن الخطاب . ولا رأيت أحداً أشد حياء من عثمان بن عفان .
زهده وتواضعه رضي الله عنه
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو بكر بن المزرقي ، حدثنا أبو الحسين بن المهتدي ، أنبأنا علي بن عمر بن محمد الحربي ، حدثنا أبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي ، حدثنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : قال طلحة بن عبيد الله : ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاماً ولا أقدمنا هجرة ، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا ، وأرغبنا في الآخرة .
قال : وأنبأنا أبي ، حدثنا أبو علي القرئ كتابة - وحدثني أبو مسعود الأصبهاني عنه - أنبأنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي يحيى ، حدثنا أحمد بن سعيد بن جرير ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدوسي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة قال : قال سعد بن أبي وقاص : والله ما كان عمر بأقدمنا هجرة ، وقد عرفت بأي شيء فضلنا ؛ كان أزهدنا في الدنيا .
عن ابن أبي حبة وغيره ، أنبأنا أبو غالب بن البنا ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، وأبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس قالا : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، أنبأنا الحسين بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت : أن عمر استسقى ، فأتي بإناء من عسل فوضعه على كفه – قال : فجعل يقول : " أشربها فتذهب حلاوتها وتبقى نقمتها " ، قالها ثلاثاً ، ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه .
أنبأنا أبو محمد القاسم بن علي ، أنبأنا أبي ، أنبأنا إسماعيل بن أحمد أبو القاسم ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى ، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا داود بن عمرو ، أنبأنا ابن أبي غنية ، هو يحيى بن عبد الملك ، حدثنا سلامة بن صبيح التميمي قال : قال الأحنف : كنت مع عمر بن الخطاب ، فلقيه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، انطلق معي فأعدني على فلان ، فإنه قد ظلمني . قال : فرفع الدرة فخفق بها رأسه فقال : تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم ، حتى إذا شغل في أمر من أمور المسلمين أتيتموه : أعدني أعدني ! قال : فانصرف الرجل وهو يتذمر – قال : عليّ الرجل . فألقى إليه المخفقة وقال : امتثل . فقال : لا والله ، ولكن أدعها لله ولك . قال : ليس هكذا ، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده أو تدعها لي ، فأعلم ذلك . قال : أدعها لله . قال : فانصرف . ثم جاء يمشي حتى دخل منزله ونحن معه ، فصلى ركعتين وجلس فقال : يا ابن الخطاب ، كنت وضيعاً فرفعك الله ، وكنت ضالاً فهداك الله ، وكنت ذليلاً فأعزك الله ، ثم حملك على رقاب الناس فجاءك رجل يستعديك فضربته ، ما تقول لربك غداً إذا أتيته ؟ قال : فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة حتى ظننا أنه خير أهل الأرض .
قال : وحدثنا أبي ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن ، أنبأنا أبو الحسين المهتدي ، أنبأنا عيسى بن علي ، أنبأنا عبد الله بن محمد ، حدثنا داود بن عمرو ، حدثنا عبد الجبار بن الورد ، عن ابن بن مليكة قال : بينما عمر قد وضع بين يديه طعاماً إذ جاء الغلام فقال : هذا عتبة بن فرقد بالباب ، قال : وما أقدم عتبة ؟ ائذن له . فلما دخل رأى بين يدي عمر طعامه : خبز وزيت . قال : اقترب يا عتبة فأصب من هذا . قال : فذهب يأكل فإذا هو طعام جشب لا يستطيع أن يسيغه . قال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في طعام يقال له : الحواري ؟ قال : ويلك ، ويسع ذلك المسلمين كلهم ؟ قال : لا والله . قال : ويلك يا عتبة ، أفأردت أن آكل طيباً في حياتي الدنيا وأستمتع ؟ .
وقال محمد بن سعد : أنبأنا الوليد بن الأغر المكي ، حدثنا عبد الحميد بن سليمان ، عن أبي حازم قال : دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته ، فقدمت إليه مرقاً بارداً وخبزاً وصبت في المرق زيتاً ، فقال : أدمان في إناء واحد ! لا أذوقه حتى ألقى الله عز وجل .
أنبأنا عمر بن محمد بن طبرزد ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية وأبو بكر بن إسماعيل قالا : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، حدثنا الحسين بن الحسن ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت عن أنس قال : لقد رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه .
وأنبأنا غير واحد إجازة ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد ، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن بن محمد ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي ، حدثني أبي ، حدثنا شعبة ، عن سعيد الجريري ، عن أبي عثمان قال : رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمرة وعليه غزار مرقوع بقطعة جراب .
فضائله رضي الله عنه
أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن سرايا بن علي الفقيه ، وأبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز ، وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فناخسرو التكريتي وغيرهم بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل الجعفي : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أنبأنا الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن سهاب قال : أخبرني سعيد بن المسيب رضي الله عنه : أن أبا هريرة قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالت : لعمر . فذكرت غيرته ، فوليت مدبراً . فبكى عمر وقال : أعليك أغار يا رسول الله ؟!.
قال : وحدثنا محمد بن إسماعيل : حدثنا محمد بن عبيد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما دون ذلك " ، وعرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : " الدين " .
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد ، حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما يرى الكوكب الدري في الأفق من آفاق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما " .
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الدمشقي ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي ، أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثنا محمد بن الصباح ، حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن النضر أبي عمر الخزار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتقض حراء قال : " اسكن " حراء ، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد . وكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن ، وسعد ، وسعيد بن زيد .
قال : وأنبأنا أبو الحسن خيثمة : حدثنا محمد بن عوف الطائي وأبو يحيى بن أبي سبرة قالا : حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك ، حدثنا المعلى بن هلال ، حدثنا ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل ، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر " .
قال : وأنبأنا خيثمة ، أنبأنا إبراهيم بن أبي العنبس القاضي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أنبأنا يونس بن أبي إسحاق ، عن الشعبي ، عن علي بن أبي طالب قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " يا علي ، هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين ، ثم قال لي : يا علي ، لا تخبرهما " .
أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد وغيره بإسنادهم عن أبي عيسى الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عامر هو العقدي ، حدثنا خارجة بن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " .
قال : وقال ابن عمر : " ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه ، وقال فيه عمر- أو : قال ابن الخطاب - شك خارجة - إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر " .
وذلك نحو ما قال في أسارى بدر ، فإنه أشار بقتلهم ، وأشار غيره بمفاداتهم ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم فيه عذاب عظيم } . وقوله في الحجاب ، فأنزله الله تعالى ، وقوله في الخمر .
قال : وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي أبو محمد ، حدثني عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال عمر لأبي بكر : يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : أما إنك إن قلت ذلك ، فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر " .
قال : وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا المقرئ ، عن حيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " .
قال : وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دخلت الجنة ، فإذا أنا بقصر من ذهب ، فقلت : لمن هذا ؟ " فقالوا : لشاب من قريش ، فظننت أني أنا هو ، فقلت : " ومن هو ؟ " قالوا : عمر بن الخطاب .
قال : وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا الحسين بن حريث ، أنبأنا علي بن الحسين بن واقد ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الله بن بريدة قال : سمعت بريدة يقول : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه ، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت : يا رسول الله ، إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى . قال : " إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا " . فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها ، وقعدت عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ، إني كنت جالساً وهي تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخلت أنت يا عمر فألقت الدف " .
قال : وحدثنا أبو عيسى : حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد كان يكون في الأمم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب " .
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا محمد بن سفيان بن إبراهيم ، حدثنا مسلم بن سعيد ، أنبأنا مجاشع بن عمرو ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسن : أن عمر بن الخطاب خطب إلى قوم من قريش بالمدينة فردوه ، وخطب إليهم المغيرة بن شعبة ، فزوجوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد ردوا رجلاً ما في الأرض رجل خيراً منه " .
قال : وأنبأنا أبو بكر قال : أنبأنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي ، حدثنا عيسى بن هارون بن الفرج ، حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا إسحاق بن بشر ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : أكثروا ذكر عمر ، فإنكم إذا ذكرتموه ذكرتم العدل ، وإذا ذكرتم العدل ذكرتم الله تبارك وتعالى .
قال : وأنبأنا أبو بكر ، حدثنا عبد الله بن إسحاق ، حدثنا جعفر الصائغ ، حدثنا حسين بن محمد المرودي ، حدثنا فرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، عن أبيه : أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض له في خطبته أن قال : " يا سارية بن حصن ، الجبل الجبل - من استرعى الذئب ظلم " . فتلفت الناس بعضهم إلى بعض ، فقال علي : صدق ، والله ليخرجن مما قال . فلما فرغ من صلاته قال له علي : ما شيء سنح لك في خطبتك ؟ قال : وما هو ؟ قال : قولك : " يا سارية ، الجبل الجبل ، من استرعى الذئب ظلم . قال : وهل كان ذلك مني ؟ قال : نعم ، وجميع أهل المسجد قد سمعوه . قال : إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا ، فركبوا أكتافهم ، وأنهم يمرون بجبل ، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا ، وأن جاوزا هلكوا ، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته . قال : فجاء البشير بالفتح بعد شهر ، فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة ، حين جاوزوا الجبل صوت يشبه صوت عمر ، يقول : " يا سارية بن حصن ، الجبل الجبل " قال : فعدلنا إليه ، ففتح الله علينا .
قال : وحدثنا أبو بكر ، حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر ، حدثنا أبو عتاب سهل بن حماد ، حدثنا المختار بن نافع ، عن أبي حيان التيمي ، عن أبيه ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أبا بكر ، زوجني ابنته ، وحملني إلى دار الهجرة ، وأعتق بلالاً من ماله ، رحم الله عمر ، يقول الحق وإن كان مراً ، تركه الحق وماله من صديق " .
قال : وحدثنا أبو بكر حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا إسحاق بن سعيد الدمشقي ، حدثنا سعيد بن بشير ، عن حرب بن الخطاب ، عن روح ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ركب رجل بقرة فقالت البقرة : " إنا والله ما لهذا خلقنا ! ما خلقنا إلا للحراثة " . فقال القوم : سبحان الله ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أشهد ، وأبو بكر وعمر يشهدان ، وليسا ثم " .
قال : وحدثنا أبو بكر : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا بكر بن سهل ، حدثنا عبد الغني بن سعيد ، حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يباهي بالناس يوم عرفة عامة ، ويباهي بعمر بن الخطاب خاصة " .
أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب ، أنبأنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج ، أنبأنا الحسن بن أحمد بن شاذان ، أنبأنا عثمان بن أحمد بن السماك ، حدثنا أحمد بن الخليل البرجلاني ، حدثنا أبو النضر المسعودي ، عن أبي نهشل ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله بن مسعود : فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع : بذكر الأسرى يوم بدر ، أمر بقتلهم ، فأنزل الله تعالى : " لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " . وبذكر الحجاب ، أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن ، فقالت زينب : إنك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا ، فأنزل الله تعالى : { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم أيد الإسلام بعمر "، وبرأيه في أبي بكر .
أنبأنا أبو محمد ، أنبأنا آبي ، أنبأنا أبو طالب علي بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين ، أنبأنا أبو محمد بن النحاس ، أنبأنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدثنا الغلابي - وهو محمد بن زكريا - حدثنا بشر بن حجر السامي ، حدثنا حفص بن عمر الدارمي ، عن الحسن بن عمارة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سويد بن غفلة قال : مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر ، وينتقصونهما ، فأتيت علي بن أبي طالب فقلت : يا أمير المؤمنين إني مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر وينتقصونهما ، ولولا أنهما يعلمون أنك تضمر لهما على ذلك لما اجترءوا عليه ! فقال علي : معاذ الله أن أضمر لهما إلا على الجميل ! ألا لعنة الله على من يضمر لهما إلا الحسن ! ثم نهض دامع العين يبكي ، فنادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، وإنه لعلى المنبر جالس ، وإن دموعه لتتحادر على لحيته ، وهي بيضاء ، ثم قام يخطب خطبة بليغة موجزة ، ثم قال : " ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه ومما يقولون بريء ، وعلى ما يقولون معاقب ، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا كل مؤمن تقي ، ولا يبغضهما إلا كل فاجر غوي ، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه ووزيراه .. " .
قال : وأنبأنا أبي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور الفقيه ، حدثنا أبو بكر الخطيب ، حدثنا محمد بن أحمد بن رزق ، حدثنا أحمد بن علي بن عبد الجبار بن خيرويه أبو سهل الكلوذاني ، حدثنا محمد بن يونس القرشي ، حدثنا روح بن عبادة، عن عوف عن قسامة بن زهير قال : وقف أعرابي على عمر بن الخطاب فقال :
يا عمر الخير جزيت الجنة ** جهز بنياتي واكسهـنـه
أقسم بالله لتفـعـلـنـه ** ................. ....
قال : فإن لم أفعل يكون ماذا يا أعرابي ؟ قال : أقسم بالله لأمضينه . قال : فإن مضيت يكون ماذا يا أعرابي ؟ قال :
والله عن حالي لتسألنـه ** ثم تكون المسألات عنه
والواقف المسؤول بينهنه ** إما إلى نار وإما جنـه
قال : فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه ، ثم قال : يا غلام ، أعطه قميصي هذا ، لذلك اليوم لا لشعره ، والله ما أملك قميصاً غيره ! .
وروى زيد بن أسلم ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب طاف ليلة ، فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون ، وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء ، فدنا عمر بن الخطاب من الباب ، فقال : يا أمة الله ، أيش بكاء هؤلاء الصبيان؟ فقالت : بكاؤهم من الجوع . قال : فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت : قد جعلت فيها ماء أعللهم بها حتى يناموا ، أوهمهم أن فيها شيئاً من دقيق وسمن . فجلس عمر فبكى ، ثم جاء إلى دار الصدقة فأخذ غرارة ، وجعل فيها شيئاً من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم ، حتى ملأ الغرارة ، ثم قال : يا أسلم، احمل عليّ . فقلت : يا أمير المؤمنين ، أنا أحمله عنك ! فقال لي : لا أم لك يا أسلم ، أنا أحمله لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة – قال : فحمله على عنقه ، حتى أتى به منزل المرأة – قال : وأخذ القدر ، فجعل فيها شيئاً من دقيق وشيئاً من شحم وتمر ، وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر - قال أسلم : وكانت لحيته عظيمة ، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته ، حتى طبخ لهم ، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا ، ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سبع ، وخفت منه أن أكلمه ، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا ، ثم قال : يا أسلم، أتدري لم ربضت بحذائهم ؟ قلت : لا يا أمير المؤمنين ! قال : رأيتهم يبكون ، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون ، فلما ضحكوا طابت نفسي .
خلافته رضي الله عنه وسيرته
أنبأنا محمد بن محمد بن سرايا وغير واحد بإسنادهم ، عن محمد بن إسماعيل قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا عبيد الله ، حدثني أبو بكر بن سالم ، عن سالم ، عن عبد الله بن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب ، فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً ، والله يغفر له ، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً ، فلم أر عبقرياً يفري فريه ، حتى روي النس ، وضربوا بعطن " . وهذا لما فتح الله على عمر من البلاد ، وحمل من الأموال ، وما غنمه المسلمون من الكفار .
وقد ورد في حديث آخر : " وإن وليتموها - يعني الخلافة - تجدوه قوياً في الدنيا ، قوياً في أمر الله : ، وقد تقدم .
قال أحمد بن عثمان : أنبأنا أبو مسعود سليمان ، أنبأنا أبو بكر بن مردويه الحافظ قال : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا هاشم بن مرثد ، حدثنا أبو صالح الفراء ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء - أو : عن زيد بن وهب - أن سويد بن غفلة الجعفي دخل على علي بن أبي طالب في إمارته فقال : يا أمير المؤمنين ، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعر بغير الذي هم أهل له من الإسلام . وذكر الحديث ، قال : فلما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة قال : مروا أبا بكر أن يصلي بالناس ، وهو يرى مكاني ، فصلى بالناس سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قبض الله نبيه ارتد الناس عن الإسلام ، فقالوا : نصلي ولا نعطى الزكاة ، فرضي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أبو بكر منفرداً برأيه ، فرجح برأيه رأيهم جميعاً ، وقال : " والله لو منعوني عقالاً ما فرض الله ورسوله لجاهدتهم عليه ، كما أجاهدهم على الصلاة " . فأعطى المسلمون البيعة طائعين ، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا ، فمضى رحمة الله عليه وترك الدنيا وهي مقبلة ، فخرج منها سليماً ، فسار فينا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا ننكر من أمره شيئاً ، حتى حضرته الوفاة ، فرأى أن عمر أقوى عليها ، ولو كانت محاباة لآثر بها ولده ، واستشار المسلمين في ذلك ، فمنهم من رضي ، ومنهم من كره ، وقالوا : أتؤمر علينا من كان عناناً وأنت حي ؟ فماذا تقول لربك إذا قدمت عليه ؟ قال : أقول لربي إذا قدمت عليه : إلهي أمرت عليهم خير أهلك " فأمر علينا عمر ، فقام فينا بأمر صاحبيه ، لا ننكر منه شيئاً ، نعرف فيه الزيادة كل يوم في الدين والدنيا ، فتح الله به الأرضين ، ومصر به الأمصار ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، البعيد والقريب سواء في العدل والحق ، وضرب الله بالحق على لسانه وقلبه ، حتى إن كنا لنظن أن السكينة تنطق على لسانه ، وأن ملكاً بين عينيه يسدده ويوفقه ..
قال : وأنبأنا ابن مردويه ، حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا أحمد بن القاسم البزار ، حدثنا يحيى بن مسعود ، حدثني عبد الله بن محمد بن أيوب ، حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن الهاشمي ، عن عبد خير ، عن علي بن أبي طالب قال : إن الله جعل أبا بكر وعمر حجة على من بعدهما من الولاة إلى يوم القيامة ، فسبقا والله سبقاً بعيداً ، وأتعبا والله من بعدهما إتعاباً شديداً ، فذكرهما حزن للأمة ، وطعن على الأئمة .
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله إذناً ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا أبو عمر ، أنبأنا أبو الحسن ، أنبأنا الحسين بن القهم ، حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا محمد بن عمر ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن عبد المجيد بن سهيل ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (ح) قال : وأخبرنا بردان بن أبي النضر ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، قال : وأنبأنا عمرو بن عبد الله بن عنبسة ، عن أبي النضر ، عن عبد الله البهي - دخل حديث بعضهم في بعض - أن أبا بكر الصديق لما مرض دعا عبد الرحمن - يعني ابن عوف - فقال له : أخبرني عن عمر بن الخطاب . فقال عبد الرحمن : ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني ! قال أبو بكر : وإن ! فقال عبد الرحمن : هو والله أفضل من رأيك فيه . ثم دعا عثمان بن عفان فقال : أخبرني عن عمر . فقال : أنت أخبرنا به ! فقال : على ذلك يا أبا عبد الله . فقال عثمان : اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته ، وأن ليس فينا مثله ! فقال أبو بكر : يرحمك الله ! والله لو تركته ما عدوتك . وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور ، وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار ، فقال أسيد : " اللهم أعلمه الخيرة بعدك ، يرضى للرضى ، ويسخط للسخط ، الذي يسر خير من الذي يعلن ، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه " ، وسمع بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به ، فدخلوا على أبي بكر ، فقال له قائل منهم : " ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا ، وقد ترى غلظته ؟ " فقال أبو بكر : أجلسوني ، أبالله تخوفونني ؟ خاب من تزود من أمركم بظلم ، أقول : " اللهم ، استخلفت عليهم خير أهلك ، أبلغ عني ما قلت لك من وراءك " ثم اضطجع ، ودعا عثمان بن عفان فقال : اكتب : " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها ، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها ، حيث يؤمن الكافر ، ويوقن الفاجر ، ويصدق الكاذب ؛ أنني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب ، فاسمعوا له وأطيعوا ، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً ، فإن عدل فذلك ظني به ، وعلمي فيه ، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت ، ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والسلام عليكم ورحمة الله " . ثم أمر بالكتاب فختمه ، ثم أمره فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب ، وأسد بن سعية القرظي ، فقال عثمان للناس : أتبايعون لمن في هذا الكتاب? فقالوا : نعم ، وقال بعضهم : قد علمنا به - قال ابن سعد : على القائل - وهو عمر ، فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا ، ثم دعا أبو بكر عمر خالياً فأوصى بما أوصاه به ، ثم خرج فرفع أبو بكر يديه مداً ، ثم قال : اللهم ، إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة ، فعملت فيهم ما أنت أعلم به ، واجتهدت لهم رأيي ، فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم ، وأحرصهم على ما فيه رشدهم ، وقد حضرني من أمرك ما حضرني ، فاخلفني فيهم ، فهم عبادك ، ونواصيهم بيدك ، وأصلح لهم ولاتهم ، واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي الرحمة وهدى الصالحين بعد ، وأصلح له رعيته .
وروى صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه : أنه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه فأصابه مفيقاً ، فقال له عبد الرحمن : أصبحت بحمد الله بارئاً . فقال أبو بكر : تراه ؟ قال : نعم . قال : إني على ذلك لشديد الوجع ، وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي ، إني وليت أمركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم من ذلك أنفه ، يريد أن يكون الأمر له ، قد رأيتم الدنيا قد أقبلت ولما تقبل ، وهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج ، وتألموا من الاضطجاع على الصوف الأذربي، كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان .
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم ، أنبأنا آبي ، أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا عيسى بن علي ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا داود بن عمرو ، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن الصلت بن بهرام ، عن يسار قال : لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال : يا أيها الناس ، إني قد عهدت عهداً أفترضون به ؟ فقال الناس : قد رضينا يا خليفة رسول الله . فقال علي : لا نرضى إلا أن يكون عمر بن الخطاب .
أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري التغلبي ، أنبأنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني وأبو القاسم السين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا : أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء ، أنبأنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة ، حدثنا سليمان بن عبد الحميد المهراني ، أنبأنا عبد الغفار بن داود الحراني ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاري ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن أبي خيثمة ، عن جدته الشفاء - وكانت من المهاجرات الأول- وأن عمر إذا دخل السوق أتاها ، قال : سألتها من أول من كتب : "عمر أمير المؤمنين " ؟ قالت : كتب عمر إلى عامله على العراقين : " أن ابعث إليّ برجلين جلدين نبيلين ، أسألهما عن أمر الناس " ، قال : فبعث إليه بعدي بن حاتم ، ولبيد بن ربيعة ، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ، ثم دخلا المسجد ، فاستقبلا عمرو بن العاص ، فقالا : استأذن لنا على أمير المؤمنين . فقلت : أنتما والله أصبتما اسمه ، وهو الأمير ، ونحن المؤمنون . فانطلقت حتى دخلت على عمر ، فقلت : يا أمير المؤمنين . فقال : لتخرجن مما قلت أو لأفعلن ! قلت : يا أمير المؤمنين ، بعث عامل العراقين بعدي بن حاتم ولبيد بن ربيعة ، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ، ثم استقبلاني فقالا : استأذن لنا على أمير المؤمنين ، فقلت : أنتما والله أصبتما ، اسمه هو الأمير ، ونحن المؤمنون .
وكان قبل ذلك يكتب : " من عمر خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، فجرى الكتاب " من عمر أمير المؤمنين " من ذلك اليوم .
وقيل : إن عمر قال : إن أبا بكر كان يقال له : " يا خليفة رسول الله " ، ويقال لي : يا خليفة خليفة رسول الله ، وهذا يطول ، أنتم المؤمنون وأنا أميركم . وقيل : إن المغيرة بن شعبة قال له ذلك ، والله أعلم .
سيرته
وأما سيرته فإنه فتح الفتوح ومصر الأمصار ، ففتح العراق ، والشام ، ومصر ، والجزيرة ، وديار بكر ، وأرمينية ، وأذربيجان ، وأرانيه ، وبلاد الجبال ، وبلاد فارس ، وخوزستان وغيرها .
وقد اختلف في خراسان ، فقال بعضهم : فتحها عمر ، ثم انتقضت بعده ففتحها عثمان . وقيل : إنه لم يفتحها ، وإنما فتحت أيام عثمان . وهو الصحيح .
وأدر العطاء على الناس ، ونزل نفسه بمنزلة الأجير وكآحاد المسلمين في بيت المال ، ودون الدواوين ، ورتب الناس على سابقتهم في العطاء والإذن والإكرام ، فكان أهل بدر أول الناس دخولاً عليه ، وكان عليّ أولهم . وكذلك فعل بالعطاء ، وأثبت أسماءهم في الديوان على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبدأ ببني هاشم ، والأقرب فالأقرب .
أنبأنا القاسم بن علي بن الحسن إجازة ، أنبأنا أبي ، أنبأتا فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلويه قالت : أنبأنا أبو بكر أحمد بن الخطيب ، أنبأنا أبو بكر الحيري ، أنبأنا أبو العباس الأصم ، أنبأنا الربيع قال : قال الشافعي : أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع ، عن الثقة - أحسبه محمد بن علي بن الحسن أو غيره - عن مولى لعثمان بن عفان قال : بينا أنا مع عثمان في مال له بالعالية في يوم صائف ، إذ رأى رجلاً يسوق بكرين ، وعلى الأرض مثل الفراش من الحر ، فقال : ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح . ثم دنا الرجل فقال : انظر من هذا ؟ فنظرت فقلت : أرى رجلاً معتماً بردائه ، يسوق بكرين . ثم دنا الرجل فقال : انظر . فنظرت فإذا عمر بن الخطاب ، فقلت : هذا أمير المؤمنين . فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فإذا نفح السموم ، فأعاد رأسه حتى حاذاه ، فقال : ما أخرجك هذه الساعة ؟ فقال : بكران من إبل الصدقة تخلفا ، وقد مضي بإبل الصدقة ، فأردت أن ألحقهما بالحمى ، وخشيت أن يضيعا ، فيسألني الله عنهما . فقال عثمان : يا أمير المؤمنين ، هلم إلى الماء والظل ونكفيك . فقال : عد إلى ظلك . فقلت : عندنا من يكفيك ! فقال : عد إلى ظلك . فمضى ، فقال عثمان : من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا ! فعاد إلينا فألقى نفسه .
روى السري بن يحيى ، حدثنا يحيى بن مصعب الكلبي ، حدثنا عمر بن نافع الثقفي ، عن أبي بكر العبسي قال : دخلت حين الصدقة مع عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، فجلس عثمان في الظل ، وقام عليّ على رأسه يملي عليه ما يقول عمر ، وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر ، عليه بردتان سوداوان ، متزر بواحدة وقد وضع الأخرى على رأسه ، وهو يتفقد إبل الصدقة ، فيكتب ألوانها وأسنانها . فقال علي لعثمان : أما سمعت قول ابنة شعيب في كتاب الله عز وجل : { إن خير من استأجرت القوي الأمين }، وأشار علي بيده إلى عمر ، فقال : هذا هو القوي الأمين .
أنبأنا غير واحد إجازة ، عن أبي غالب بن البناء ، أنبأنا أبو علي الحسن بن محمد بن فهد العلاف ، حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن حماد الموصلي ، حدثنا أبو الحسين محمد بن عثمان ، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، حدثنا موسى بن داود الضبي ، أنبأنا محمد بن صبيح ، عن إسماعيل بن زياد قال : مر علي بن أبي طالب على المساجد في شهر رمضان ، وفيها القناديل ، فقال : نور الله على عمر قبره كما نور علينا مساجدنا .
وروى حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، قال : خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى مكة ، فما ضرب فسطاطاً ولا خباءً حتى رجع . وكان إذا نزل يلقي له كساء أو نطع على الشجر ، فيستظل به .
وروى موسى بن إبراهيم المروزي ، عن فضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد قال : أنفق عمر بن الخطاب في حجة حجها ثمانين درهماً من المدينة إلى مكة ، ومن مكة إلى المدينة ، قال : ثم جعل يتأسف ويضرب بيده على الأخرى ، ويقول : ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا في مال الله تعالى .
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم إذناً ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيويه وأبو بكر بن إسماعيل قالا : أنبأنا يحيى بن محمد أنبأنا الحسين بن الحسن ، أنبأنا ابن المبارك ، عن مالك بن مغول : أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فإنه أهون- أو قال : أيسر – لحسابكم ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتجهزوا للعرض الأكبر " يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية " وله في سيرته أشياء عجيبة عظيمة ، لا يستطيعها إلا من وفقه الله تعالى ، فرضي الله عنه وأرضاه ، بمنه وكرمه .
مقتله رضي الله عنه
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمج بن الحسن الشافعي ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن خليل ، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي ، أنبأنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان ، حدثنا عبد الله بن الحسن الهاشمي ، حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، حدثنا قتادة ، عن أنس قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف ، فضربه برجله وقال : اثبت أحد ، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان .
أنبأنا القاسم بن علي بن الحسن كتابة ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو محمد بن طاوس ، أنبأنا طراد بن محمد - وأنبأنا به عالياً أبو الفضل عبد الله بن أحمد ، أنبأنا طراد بن محمد إجازة إن لم يكن سماعاً ، أنبأنا الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو علي بن صفوان ، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب لما نفر من منى ، أناخ بالأبطح ، ثم كوم كومة من البطحاء ، فألقى عليها طرف ردائه ، ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء ، ثم قال : اللهم كبرت سني ، وضعفت قوتي ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ! فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات .
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم ، أنبأنا أبي ، أنبأني أبو محمج بن الأكفاني ، أنبأنا عبد العزيز الكناني ، أنبأنا تمام بن محمد ، وعبد الرحمن بن عثمان ، وعقيل بن عبد الله ، قال : وأخبرني أبو محمد بن الأكفاني ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عقيل بن الكزبري ، أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر التميمي ، أنبأنا أحمد بن القاسم بن معروف ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم ، عن جبير بن مطعم ، قال : حججت مع عمر آخر حجة حجها ، فبينا نحن واقفون على جبل عرفة ، صرخ رجل فقال : يا خليفة . فقال رجل من لهب - وهو حي من أزد شنوءة يعتافون - : ما لك ؟ قطع الله لهجتك - وقال عقيل : لهاتك - والله لا يقف عمر على هذا الجبل بعد هذا العام أبداً . قال جبير : فوقعت بالرجل اللهبي فشتمته ، حتى إذا كان الغد وقف عمر وهو يرمي الجمار ، فجاءت عمر حصاة عاثرة من الحصى الذي يرمي به الناس ، فوقعت في رأسه ففصدت عرقاً من رأسه ، فقال رجل : أشعر أمير المؤمنين ورب الكعبة ، لا يقف عمر على هذا الموقف أبداً بعد هذا العام - قال جبير : فذهبت ألتفت إلى الرجل الذي قال ذلك ، فإذا هو اللهبي ، الذي قال لعمر على جبل عرفة ما قال . لهب : بكسر اللام ، وسكون الهاء .
أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحصن الفقيه بإسناده عن أبي يعلى ، حدثنا أحمد بن إبراهيم البكري ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال : خطب عمر الناس ، فقال : رأيت كأن ديكاً نقرني نقرة أو نقرتين ، ولا أدري ذلك إلا لحضور أجلي ، فإن عجل بي أمر فإن الخلافة شورى في هؤلاء الرهط الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض .
وأنبأنا أحمد بن عثمان ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم ، أنبأنا أبو بكر بن مردويه ، حدثنا عبد الله بن إسحاق ، حدثنا محمد بن الجهم السمري ، حدثنا جعفر بن عون ، أنبأنا محمد بن بشر ، عن مسعر بن كدام ، عن عبد الملك بن عمير ، عن الصقر بن عبد الله ، عن عروة ، عن عائشة قالت : بكت الجن على عمر قبل أن يموت بثلاث ، فقالت :
أبعد قتيل بالمـدينة أصـبـحـت ** له الأرض تهتز العضاه بأسـوق
جزى الله خيراً من أمير وباركت ** يد الله في ذاك الأديم المـمـزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ** بوائق في أكمامها لم تـفـتـق
فما كنت أخشى أن يكون مماتـه ** بكفى سبنتي أخضر العين مطرق
قيل : إن هذه الأبيات للشماخ ، أو لأخيه مزرد .
أنبأنا مسمار بن عمر بن العويس النيار وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فناخسرو وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل : حدثنا موسى بن إسماعيل ، أنبأنا أبو عوانة ، عن حصين ، عن عمرو بن ميمون قال : رأيت عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بأيام بالمدينة ، وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال : كيف فعلتما ؟ أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق ؟ قالا : حملناها أمراً هي له مطيقة ، وما فيها كبير فضل . قال : انظرا أن تكون حملتما الأرض ما لا تطيق . قالا : لا . فقال عمر : لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً – قال : فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب – قال : إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب ، وكان إذا مر بين الصفين قال : استووا ، حتى إذا لم ير فيهن خللاً تقدم فكبر ، وربما قرأ بسورة " يوسف " أو " النحل " أو نحو ذلك في الركعة الأولى ، حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول : قتلني – أو : أكلني الكلب - حين طعنه ، فطار العلج بسكين ذات طرفين ، لا يمر على أحد يميناً وشمالاً إلا طعنه ، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة ، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنساً ، فلما ظن أنه مأخوذ نحر نفسه ، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه ، فمن يلي عمر ، فقد رأى الذي أرى ، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون ، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهو يقولون : " سبحان الله ، سبحان الله " فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة ، فلما انصرفوا قال : يا بن عباس ، انظر من قتلني . فجال ساعة ، ثم جاء المسجد فقال : غلام المغيرة بن شعبة . قال : الصنع ؟ قال : نعم . قال : قاتله الله ! لقد أمرت به معروفاً ! الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة - وكان العباس أكثرهم رقيقاً – فقال : إن شئت فعلت ؟ أي : إن شئت قتلنا فقال : كذبت ! بعدما تكلموا بلسانكم ، وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم . واحتمل إلى بيته ، فانطلقنا معه ، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ ، فقائل يقول : لا بأس . وقائل يقول : أخاف عليه . فأتي بنبيذ فشربه ، فخرج من جوفه . ثم أتي بلبن فشربه ، فخرج من جوفه . فعرفوا أنه ميت . فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه ، وجاء غلام شاب فقال : أبشر - يا أمير المؤمنين - ببشرى الله له ، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة . قال : وددت أن ذلك كفافاً ، لا علي ولا لي . فلما أدبرا إذا إزاره يمس الأرض ، قال : ردوا عليّ الغلام ، قال : يا بن أخي ، ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك ، وأتقى لربك ، يا عبد الله بن عمر ، انظر ما عليّ من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه – قال : إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم ، وإلا فسل في بني عدي ، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ، ولا تعدهم إلى غيرهم ، فأد عني هذا المال ، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل لها : يقرأ عليك عمر السلام - ولا تقل " أمير المؤمنين " فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً- وقل" يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه . فسلم واستأذن ، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ، فقال : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه . فقالت : كنت أريده لنفسي ، ولأوثرن به اليوم على نفسي . فلما أقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء . قال : ارفعوني . فأسنده رجل إليه ، فقال : ما لديك ؟ قال : الذي تحب ، قد أذنت . قال : الحمد لله ، ما كان شيء أهم إليّ من ذلك ، فإذا أنا قبضت فاحملوني ، ثم سلم فقل : يستأذن عمر بن الخطاب ، فإن أذنت فأدخلوني ، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين . وجاءت أم المؤمنين حفصة ، والنساء تسير معها ، فلما رأيناها قمنا ، فولجت عليه فبكت عنده ساعة ، واستأذن الرجال ، فولجت داخلاً لهم ، فسمعنا بكاءها من الداخل ، فقالوا : أوص يا أمير المؤمنين . استخلف . قال : ما أجد أحق بهذا من هؤلاء النفر- أو : الرهط - الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض . فسمى : علياً ، وعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وسعداً ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقال : يشهدكم عبد الله بن عمر ، وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له - فإذا أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك ، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر ، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة .. وذكر الحديث وقد تقدم في ترجمة عثمان بن عفان .
وروى سماك بن حرب ، عن ابن عباس أن عمر قال لابنه عبد الله : خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب ، لعل الله يرحمني ! وويل لي وويل لآمي إن لم يرحمني الله عز وجل ! فإذا أنا مت فاغمض عيني ، واقصدوا في كفني ، فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه ، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي ، وأنشد :
ظلوم لنفسي غير إني مسلم ** أصلي الصلاة كلها وأصوم
أنبأنا أبو محمد ، أخبرنا أبي ، أنبأتنا أم المجتبى العلوية ، قالت : قرأ على إبراهيم بن منصور ، أخبرنا أبو محمد بن المقري ، أنبأنا أبو يعلى ، أنبأنا أبو عباد قطن بن نسير الغبري ، أنبأنا جعفر بن سليمان ، حدثنا ثابت ، عن أبي رافع قال : كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة ، وكان يصنع الأرحاء وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم ، فلقي أبو لؤلؤة عمر فقال : يا أمير المؤمنين ، إن المغيرة قد أثقل عليّ غلتي ، فكلمه يخفف عني . فقال له عمر : اتق الله ، وأحسن إلى مولاك - ومن نية عمر أن يلقى المغيرة فيكلمه يخفف عنه ، فغضب العبد وقال : وسع الناس كلهم عدله غيري . فأضمر على قتله ، فاصطنع له خنجراً له رأسان ، وشحذه وسمه ، ثم أتى به الهرمزان فقال : كيف ترى هذا ؟ قال : أرى ، أنك لا تضرب به أحداً إلا قتلته . قال : فتحين أبو لؤلؤة عمر ، فجاءه في صلاة الغداة حتى قام وراء عمر - وكان عمر إذا أقيمت الصلاة يقول : " أقيموا صفوفكم " ، فقال كما كان يقول ، فلما كبر ووجأه أبو لؤلؤة في كتفه ووجأه في خاصرته ، وقيل : ضربه ست ضربات ، فسقط عمر ، وطعن بخنجره ثلاثة عشر رجلاً ، فهلك منهم سبعة وأفرق منهم ستة ، وحمل عمر فضهب به . وقيل : إن عمر قال لأبي لؤلؤة : ألا تصنع لنا رحاً ؟ قال : بلى ، اصنع لك رحاً يتحدث بها أهل الأمصار . ففزع عمر من كلمته ، وعليّ معه ، فقال علي : إنه يتوعدك يا أمير المؤمنين .
قال : وأنبأنا أبي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيويه ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن محمد ، حدثنا محمد بن سعد ، أنبأنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل بن يونس ، عن كثير النواء ، عن أبي عبيد ، مولى ابن عباس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت مع علي فسمعنا الصيحة على عمر ، قال : فقام وقمت معه ، حتى دخلنا عليه البيت الذي هو فيه فقال : ما هذا الصوت ؟ فقالت له امرأة : سقاه الطبيب نبيذاً فخرج ، وسقاه لبناً فخرج ، وقال : لا أرى أن تمسي فما كنت فاعلاً فافعل . فقالت أم كلثوم : واعمرا ! وكان معها نسوة فبكين معها ، وارتج البيت بكاء ، فقال عمر : والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع . فقال ابن عباس : والله إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى : " وإن منكم إلا واردها " إن كنت - ما علمنا - لأمير المؤمنين ، وأمين المؤمنين ، وسيد المؤمنين ، تقضي بكتاب الله ، وتقسم بالسوية . فأعجبه قولي ، فاستوى جالساً فقال : أتشهد لي بهذا يا ابن عباس ؟ قال : فكففت ، فضرب على كتفي فقال : أشهد . فقلت : نعم ، أنا أشهد .
ولما قضى عمر رضي الله عنه - صلى عليه صهيب ، وكبر عليه أربعاً .
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبة بإسناده عن عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبي ، أنبأنا علي بن إسحاق ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن ابن أبي مليكة : أنه سمع ابن عباس يقول : وضع عمر على سريره ، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم ، فلم يرعني ، غلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي ، فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب ، فترحم على عمر وقال : ما خلفت أحداً أحب إليّ ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله ، إن كنت لأظن ليجعلنك الله مع صاحبيك ، وذلك أني كنت أكثر أن أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر . وإن كنت أظن ليجعلنك الله معهما .
ولما توفي عمر صلي عليه في المسجد ، وحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غسله ابنه عبد الله ، ونزل في قبره ابنه عبد الله ، وعثمان بن عفان ، وسعيد بن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف .
روى أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه أنه قال : طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة ، سنة ثلاث وعشرين ، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين ، وكانت خلافته عشر سنين ، وخمسة أشهر ، وأحداً وعشرين يوماً .
وقال عثمان بن محمد : هذا وهم ، توفي عمر لأربع ليال بقين من ذي الحجة ، وبويع عثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة .
وقال ابن قتيبة : ضربه أبو لؤلؤة يوم الاثنين لأربع بقين من ذي الحجة ، ومكث ثلاثاً ، وتوفي ، فصلى عليه صهيب ، وقبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر .
وكانت خلافته عشر سنين ، وستة أشهر ، وخمس ليال ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وقيل : كان عمره خمساً وخمسين سنة ، والأول أصح ما قيل في عمر .
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي، والحسين بن يوحن بن اتويه بن النعمان الباوردي قالا : حدثنا الفضل بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الرحمن البيلي الأصبهاني ، أخبرنا أبو القاسم أحمد بن منصور الخليلي البلخي ، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي ، أنبأنا أبو سعيد الهيثم بن كليب بن شريح بن معقل الشاشي ، أنبأنا أبو عيسى الترمذي ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن جرير ، عن معاوية أنه سمعه يخطب قال : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وأبو بكر وعمر وأنا ابن ثلاث وستين سنة .
وقال قتادة : طعن عمر يوم الأربعاء ، ومات يم الخميس .
وكان عمر أعسر يسر : يعمل بيديه . وكان أصلع طويلاً ، قد فرع الناس ، كأنه على دابة .
قال الواقدي : كان عمر أبيض أمهق ، تعلوه حمرة ، يصفر لحيته وإنما تغير لونه عام الرمادة لأنه أكثر أكل الزيت ، لأنه حرم على نفسه السمن واللبن حتى يخصب الناس فتغير لونه .
وقال سماك : كان عمر أروح كأنه راكب ، وكأنه من رجال بني سدوس . والأروح : الذي يتدانى قدماه إذا مشى .
وقال زر بن حبيش : كان عمر أعسر يسر ، آدم .
وقال الواقدي : لا يعرف عندنا أن عمر كان آدم إلا أن يكون رآه عام الرمادة .
قال أبو عمر : وصفه زر بن حبيش وغيره أنه كان آدم شديد الأدمة ، وهو الأكثر عند أهل العلم .
وقال أنس : كان عمر يخضب بالحناء بحتاً .
وهو أول من اتخذ الدرة ، وأول من جمع الناس على قيام رمضان ، وهو أول من سمي " أمير المؤمنين " ، وأكثر الشعراء مراثيه ، فمن ذلك قول حسان بن ثابت الأنصاري :
ثلاثة برزوا بـفـضـلـهـم ** نضرهم ربهـم إذا نـشـروا
فليس من مؤمن لـه بـصـر ** ينكر تفضيلـهـم إذا ذكـروا
عاشوا بلا فرقة ثـلاثـتـهـم ** واجتمعوا في الممات إذ قبروا
وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت زوج عمر بن الخطاب :
عين جـودي بـعــبـــرة ونـــحـــيب ** لا تـمـلـي عـلـى الإمـام الـنــجـــيب
فجعتني المنون بالفارس المعلم ** يوم الهياج والتلبيب
عصمة الناس والمعين على الدهر ** وغيث المنتاب والمحروب
رزاح : بفتح الراء ، والزاي .
المرجع أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي ، أبو حفص .
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . وقيل : حنتمة بنت هشام بن المغيرة ، فعلى هذا تكون أخت أبي جهل ، وعلى الأول تكون ابنة عمه - قال أبو عمر : ومن قال ذلك - يعني بنت هشام - فقد أخطأ ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل والحارث ابني هشام ، وليس كذلك وإنما هي ابنة عمهما ، لأن هشاماً وهاشماً ابني المغيرة أخوان ، فهاشم والد حنتمة ، وهشام والد الحارث ، وأبي جهل ، وكان يقال لهاشم جد عمر : ذو الرمحين .
وقال ابن منده : أم عمر أخت أبي جهل . وقال أبو نعيم : هي بنت هشام أخت أبي جهل ، وأبو جهل خاله . ورواه عن ابن إسحاق .
وقال الزبير : حنتمة بنت هاشم فهي ابنة عم أبي جهل - كما قال أبو عمر - وكان لهاشم أولاد فلم يعقبوا . يجتمع عمر وسعيد بن زيد رضي الله عنهما في نفيل .
ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة . روي عن عمر أنه قال : ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين .
وكان من أشرف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية ، وذلك أن قريشاً كانوا إذا وقع بينهم حرب أو بينهم وبين غيرهم ، بعثوه سفيراً ، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر ، رضوا به ، بعثوه منافراً و مفاخراً .
إسلامه رضي الله عنه
لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، كان عمر شديداً عليه وعلى المسلمين . ثم أسلم بعد رجال سبقوه ، قال هلال بن يساف : أسلم عمر بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة . وقيل : أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلاً وعشرين امرأة ، فكمل الرجال به أربعين رجلاً .
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي بإسناده إلى أبي الحسن علي بن أحمد بن متويه قال : أنبأنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ ، حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، حدثنا صفوان بن المغلس ، حدثنا إسحاق بن بشر . حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم الرماني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً وامرأة . ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين ، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } .
وقال عبد الله بن ثعلبة بن صعير : أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة .
وقال سعيد بن المسيب : أسلم عمر بعد أربعين رجلاً وعشر نسوة ، فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة .
وقال الزبير : أسلم عمر بعد أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ، وبعد أربعين أو نيف وأربعين بين رجال ونساء .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - " .
أنبأنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده إلى عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثنا شريح بن عبيد قال : قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد ، فقمت خلفه ، فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن ، قال : فقلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش . قال : فقرأ { إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون }. قال : قلت : كاهن . قال : { ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون تنزيل من رب العالمين } . { ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمن ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين } .. إلى آخر السورة ، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع .
أنبأنا العدل أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري التغلبي الدمشقي ، أنبأنا الشريف النقيب أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد قراءة عليهما وأنا أسمع ، قالا : أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة ، أنبأنا محمد بن عوف ، أنبأنا سفيان الطائي قال : قرأت على إسحاق بن إبراهيم الحنفي قال : ذكره أسامة بن زيد ، عن أبيه ، عن جده أسلم قال : قال لنا عمر بن الخطاب : أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي ؟ قلنا : نعم . قال : كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينا أنا يوماً في يوم حار شديد الحر بالهاجرة ، في بعض طرق مكة ، إذ لقيني رجل من قريش فقال : أين تذهب يا ابن الخطاب ؟ أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك ؟! قال : قلت : وماذا ذاك ؟ قال : أختك قد صبأت . قال : فرجعت مغضباً ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة ، فيكونان معه ، ويصيبان من طعامه . وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين ، قال : فجئت حتى قرعت الباب ، فقيل : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب – قال : وكان القوم جلوساً يقرؤون القرآن في صحيفة معهم - فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا ، وتركوا - أو : نسوا الصحيفة من أيديهم . قال : فقامت المرأة ففتحت لي ، فقلت : يا عدوة نفسها ، قد بلغني أنك صبوت ! قال : فأرفع شيئاً في يدي فأضربها به ، قال : فسال الدم . قال : فلما رأت المرأة الدم بكت ، ثم قالت : يا ابن الخطاب ، ما كنت فاعلاً فافعل ، فقد أسلمت . قال : فدخلت وأنا مغضب فجلست على السرير ، فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت ، فقلت : ما هذا الكتاب ؟ أعطينيه . فقالت : لا أعطيك ، لست من أهله ، أنت لا تغتسل من الجنابة ، ولا تطهر ، وهذا لا يمسه إلا المطهرون ! قال : فلم أزل بها حتى أعطتنيه ، فإذا فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم " فلما مررت بـ " الرحمن الرحيم " ، ذعرت ورميت بالصحيفة من يدي - قال : ثم رجعت إليّ نفسي ، فإذا فيها : { سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } قال : فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت ، ثم ترجع إليّ نفسي ، حتى بلغت : { آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } حتى بلغت إلى قوله : { إن كنتم مؤمنين } - قال : فقلت : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله " - قال : فخرج القوم يتبادرون بالتكبير ، استبشاراً بما سمعوه مني ، وحمدوا الله عز وجل ، ثم قالوا : يا ابن الخطاب ، أبشر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الإثنين فقال : " اللهم ، أعز الإسلام بأحد الرجلين : إما عمرو بن هشام ، وإما عمر بن الخطاب ، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله لك . فأبشر - قال : فلما عرفوا مني الصدق قلت لهم ، أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالوا : هو في بيت في أسفل الصفا – وصفوه – قال : فخرجت حتى قرعت الباب ، قيل : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب . قال : وقد عرفوا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا بإسلامي – قال : فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب ! قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " افتحوا له ، فإنه إن يرد الله به خيراً يهده " . قال : ففتحوا لي ، وأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال : أرسلوه . قال : فأرسلوني ، فجلست بين يديه ، قال : فأخذ بمجمع قميصي فجذبني إليه ، ثم قال : " أسلم يا ابن الخطاب ، اللهم اهده " . قال : قلت : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله " ، فكبر المسلمون تكبيرة ، سمعت بطرق مكة - قال : وقد كان استخفى - قال : ثم خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً قد أسلم يضرب إلا رأيته - قال : فلما رأيت ذلك قلت : لا أحب إلا أن يصيبني ما يصيب المسلمين ، قال : فذهبت إلى خالي - وكان شريفاً فيهم - فقرعت الباب عليه ، فقال : من هذا ؟ فقلت : ابن الخطاب . قال : فخرج إليّ ، فقلت له : أشعرت أني قد صبوت ؟ قال : فعلت ؟ فقلت : نعم . قال : لا تفعل ! قال : فقلت : بلى ، قد فعلت . قال : لا تفعل ! وأجاف الباب دوني وتركني . قال قلت : ما هذا بشيء ! قال : فخرجت حتى جئت رجلاً من عظماء قريش ، فقرعت عليه الباب ، فقال : من هذا ؟ فقلت : عمر بن الخطاب . قال : فخرج إليّ ، فقلت له : أشعرت أني قد صبوت ؟ قال : فعلت ؟ فقلت : نعم . قال : فلا تفعل ! قلت : قد فعلت . قال : لا تفعل ! قال : ثم قام فدخل ، وأجاف الباب دوني . قال : فلما رأيت ذلك انصرفت . فقال لي رجل : تحب أن يعلم إسلامك ؟ قال قلت : نعم . قال : فإذا جلس الناس في الحجر واجتمعوا أتيت فلاناً - رجلاً لم يكن يكتم السر- فاصغ إليه ، وقل له - فيما بينك وبينه - : " إني قد صبوت " ، فإنه سوف يظهر عليك ويصيح ويعلنه . قال : فاجتمع الناس في الحجر ، فجئت الرجل فدنوت منه ، فأصغيت إليه فيما بيني وبينه ، فقلت : أعلمت أني قد صبوت ؟ " فقال : " ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ " . قال : فما زال الناس يضربونني وأضربهم ، قال : فقال خالي : ما هذا ؟ فقيل : ابن الخطاب ! قال : فقام على الحجر فأشار بكمه فقال : " ألا إني قد أجرت ابن أختي " . قال : فانكشف الناس عني ، وكنت لا أشاء أن أرى أحداً من المسلمين يضرب إلا رأيته وأنا لا أضرب . قال فقلت : ما هذا بشيء حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين ؟ قال : فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحجر ، وصلت إلى خالي فقلت : اسمع . فقال : ما أسمع ؟ قال : قلت : جوارك عليك رد . قال : فقال : لا تفعل يا ابن أختي . قال : قلت : بل هو ذاك . فقال : ما شئت ! قال : فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام .
أنبأنا أبو جعفر بن أحمد بن علي بإسناده عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : ثم إن قريشاً بعثت عمر بن الخطاب ، وهو يومئذ مشرك ، في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله في دار في أصل الصفا ، فلقيه النحام - وهو نعيم بن عبد الله بن أسيد ، وهو أخو بني عدي بن كعب ، قد أسلم قبل ذلك ، وعمر متقلد سيفه- فقال : يا عمر ، أين تريد ؟ فقال : أعند إلى محمد الذي سفه أحلام قريش ، وشتم آلهتهم ، وخالف جماعتهم . فقال النحام : والله لبئس الممشى يا عمر ! ولقد فرطت وأردت هلكة عدي بن كعب ! أو تراك تفلت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً ؟ فتحاوروا حتى ارتفعت أصواتهما ، فقال له عمر : إني لأظنك قد صبوت ، ولو أعلم ذلك لبدأت بك ! فلما رأى النحام أنه غير منته قال : فإني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا ، واركوك وما أنت عليه من ضلالتك . فلما سمع عمر تلك يقولها قال : وأيهم ؟ قال : ختنك وابن عمك وأختك . فانطلق عمر حتى أتى أخته ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته طائفة من أصحابه من ذوي الحاجة ، نظر إلى أولي السعة ، فيقول : عندك فلان . فوافق ذلك ابن عم عمر وختنة - زوج أخته - سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت ، وقد أنزل الله تعالى : { طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
وذكر نحو ما تقدم ، وفيه زيادة ونقصان . قال ابن إسحاق : فقال عمر عند ذلك - يعني إسلامه : والله لنحن بالإسلام أحق أن نبادي منا بالكفر ، فليظهرن بمكة دين الله ، فإن أراد قومنا بغياً علينا ناجزناهم ، وإن قومنا أنصفونا قبلنا منهم . فخرج عمر وأصحابه فجلسوا في المسجد ، فلما رأت قريش إسلام عمر سقط في أيديهم .
قال ابن إسحاق : حدثني نافع ، عن ابن عمر قال : لما أسلم عمر بن الخطاب قال : أي أهل مكة أنقل للحديث ؟ فقالوا : جميل بن معمر . فخرج عمر وخرجت وراء أبي ، وأنا غليم أعقل كل ما رأيت ، حتى أتاه فقال : يا جميل هل علمت أني أسلمت ؟ فو الله ما راجعه الكلام حتى قام يجر رداءه ، وخرج عمر يتبعه ، وأنا مع أبي ، حتى إذا قام على باب مسجد الكعبة ، صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، إن عمر قد صبأ . فقال عمر : كذبت ! ولكني أسلمت . فثاوروه ، فقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤوسهم ، فطلح وعرشوا على رأسه قياماً وهو يقول : " اصنعوا ما بدا لكم ، فأقسم بالله لو كنا ثلاثمائة رجل تركتموها لنا ، أو تركناها لكم " .
وذكر ابن إسحاق أن الذي أجار عمر هو العاص بن وائل أبو عمر بن العاص السهمي وإنما قال عمر إنه خاله لأن حنتمة أم عمر هي بنت هاشم بن المغيرة ، وأمها الشفاء بنت عبد قيس بن عدي بن سعد بن سهم السهمية ، فلهذا جعله خاله ، وأهل الأم كلهم أخوال ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص : " هذا خالي " لأنه زهري ، وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم زهرية . وكذلك القول في خاله الآخر الذي أغلق الباب في وجهه أنه أبو جهل ، فعلى قول من يجعل أم عمر أخت أبي جهل ، فهو خال حقيقة ، وعلى قول من يجعلها ابنة عم أبي جهل ، يكون مثل هذا .
وكان إسلام عمر في السنة السادسة ، قاله محمد بن سعد .
أخبرنا غير واحد إجازة قالوا : أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا أبو علي بن القهم أنبأنا محمد بن سعد ، أنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا أبو حرزة يعقوب بن مجاهد ، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي عمرو ذكوان قال : قلت لعائشة : من سمى عمر الفاروق ؟ قالت : النبي صلى الله عليه وسلم .
حزرة : بفتح الحاء المهملة ، وتسكين الزاي ، وبعدها راء ، ثم هاء .
قال وأنبأنا محمد بن سعد أنبأنا أحمد بن محمد الأزرقي المكي ، حدثنا عبد الرحمن بن حسن ، عن أيوب بن موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ، وهو الفاروق : فرق الله به بين الحق والباطل " .
وقال ابن شهاب : بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر : الفاروق .
أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري الدمشقي ، أنبأنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا : أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة ، حدثنا أبو عبيدة السري بن يحيى بن أخي هناد بن السري بالكوفة ، حدثنا شعيث بن إبراهيم ، حدثنا سيف بن عمر ، عن وائل بن داود ، عن يزيد البهي قال : قال الزبير بن العوام : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب " .
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا جعفر بن عون ويعلى بن عبيد والفضل بن دكين قالوا : حدثنا مسعر ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قال عبد الله بن مسعود : كان إسلام عمر فتحاً . وكانت هجرته نصراً ، وكانت إمارته رحمة . ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا .
قال : وحدثنا ابن مردويه ، حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا الحسن بن علي المعمري ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا جرير ، عن عمر بن سعيد ، عن مسروق ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل ، لا يزداد إلا قرباً . فلما قتل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر ، لا يزداد إلا بعداً .
هجرته رضي الله عنه
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله الدقاق إذناً ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، حدثنا أبو محمد الجوهري إملاء ، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد الحافظ ، حدثنا أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني بالبصرة ، حدثنا الزبير بن محمد بن خالد العثماني بمصر سنة خمس وستين ومائتين ، حدثنا عبد الله بن القاسم الأبلي ، عن أبيه ، عن عقيل بن خالد ، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن العباس قال : قال لي علي بن أبي طالب : ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً ، إلا عمر بن الخطاب ، فإنه لما همّ بالهجرة تقلد سيفه ، وتنكب قوسه ، وانتضى في يده أسهماً ، واختصر عنزته ، ومضى قبل الكعبة ، والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ، ثم أتى المقام فصلى متمكناً ، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة ، وقال لهم : شاهت الوجوه ، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس ، من أراد أن تثكله أمه ، ويوتم ولده ، ويرمل زوجته ، فليلقني وراء هذا الوادي . قال علي : فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه .
أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حدثني نافع ، عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عمر بن الخطاب قال : لما اجتمعنا للهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص بن وائل : قلنا : الميعاد بيننا " التناضب من أضاة بني غفار ، فمن أصبح منكم لم يأتها فليمض صاحباه . فأصبحت عندها أنا وعياش بن أبي ربيعة ، وحبس عنا هشام ، وفتن فافتتن . وقدمنا المدينة .
قال ابن إسحاق : نزل عمر بن الخطاب ، وزيد بن الخطاب ، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة ، وحنيس بن حذافة ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وواقد بن عبد الله ، وخولي بن أبي خولي ، وهلال بن أبي خولي ، وعياش بن أبي ربيعة ، وخالد وإياس وعاقل بنو البكير ، نزل هؤلاء على رفاعة بن المنذر ، في بني عمرو بن عوف .
أنبأنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن بدران ، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الفارسي ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار ، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى ، أخو بني فهر . ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ، فقلنا : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو على أثري . ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه .
شهوده رضي الله عنه بدراً وغيرها من المشاهد
شهد عمر بن الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً ، وأحداً ، والخندق وبيعة الرضوان ، وخيبر، والفتح ، وحنيناً ، وغيرها من المشاهد ، وكان أشد الناس على الكفار . وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسله إلى أهل مكة يوم الحديبية ، فقال : " يا رسول الله ، قد علمت قريش شدة عداوتي لها ، وإن ظفروا بي قتلوني " . فتركه ، وأرسل عثمان .
أنبأنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق - في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر – قال : وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين على واد يقال : " ذفران " ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعضه نزل . وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم ، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، فقال أبو بكر فأحسن ، ثم قام عمر فقال فأحسن . وذكر تمام الخبر .
وهو الذي أشار بقتل أسارى المشركين ببدر ، والقصة مشهورة .
وقال ابن إسحاق وغيره من أهل السير ، ممن شهد بدراً من بني عدي بن كعب : عمر بن الخطاب بن نفيل ، لم يختلفوا فيه .
وشهد أيضاً أحداً ، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أنبأنا عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال : حدثني الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة قالا : لما أراد أبو سفيان الانصراف أشرف على الجبل ، ثم نادى بأعلى صوته : إن الحرب سجال يوم بيوم بدر ، اعل هبل - أي أظهر دينك - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : قم فأجبه . فقال : الله أعلى وأجل ، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، فلما أجاب عمر أبا سفيان قال أبو سفيان : هلم إليّ يا عمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائته ، فانظر ما يقول " . فجاءه ، فقال له أبو سفيان : أنشدك الله يا عمر ، أقتلنا محمداً ؟ قال : لا ، وإنه ليسمع كلامك الآن . فقال أبو سفيان : أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر - لقول ابن قمئة لهم : قد قتلت محمداً .
علمه رضي الله عنه
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي يعلى ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، حدثنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو بكر بن مردويه ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا عبد العزيز بن أبان ، حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : قال ابن مسعود : لو أن علم عمر وضع في كفه ميزان ، ووضع علم الناس في كفه ميزان لرجح علم عمر . فذكرته لإبراهيم فقال : قد والله ، قال عبد الله أفضل من هذا . قلت : ماذا قال ؟ قال : لما مات عمر ذهب تسعة أعشار العلم .
أنبأنا إسماعيل بن علي بن عبيد وغيره بإسنادهم إلى محمد بن عيسى : حدثنا قتيبة حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت كأني أتيت بقدح لبن ، فشربت منه ، وأعطيت فضلي عمر بن الخطاب ". فقالوا : ما أولته يا رسول الله ؟ قال : العلم .
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الحافظ إجازة أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو الأغر قراتكين بن الأسعد ، حدثنا أبو محمد الجوهري ، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الفضل بن الجراح ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله النيري ، حدثنا أبو السائب قال : سمعت شيخاً من قريش يذكر عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : والله ما رأيت أحداً أرأف برعيته ، ولا خيراً من أبي بكر الصديق . ولم أر أحداً أقرأ لكتاب الله ، ولا أفقه في دين الله ، ولا أقوم بحدود الله ، ولا أهيب في صدور الرجال من عمر بن الخطاب . ولا رأيت أحداً أشد حياء من عثمان بن عفان .
زهده وتواضعه رضي الله عنه
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو بكر بن المزرقي ، حدثنا أبو الحسين بن المهتدي ، أنبأنا علي بن عمر بن محمد الحربي ، حدثنا أبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي ، حدثنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : قال طلحة بن عبيد الله : ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاماً ولا أقدمنا هجرة ، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا ، وأرغبنا في الآخرة .
قال : وأنبأنا أبي ، حدثنا أبو علي القرئ كتابة - وحدثني أبو مسعود الأصبهاني عنه - أنبأنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي يحيى ، حدثنا أحمد بن سعيد بن جرير ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدوسي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة قال : قال سعد بن أبي وقاص : والله ما كان عمر بأقدمنا هجرة ، وقد عرفت بأي شيء فضلنا ؛ كان أزهدنا في الدنيا .
عن ابن أبي حبة وغيره ، أنبأنا أبو غالب بن البنا ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، وأبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس قالا : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، أنبأنا الحسين بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت : أن عمر استسقى ، فأتي بإناء من عسل فوضعه على كفه – قال : فجعل يقول : " أشربها فتذهب حلاوتها وتبقى نقمتها " ، قالها ثلاثاً ، ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه .
أنبأنا أبو محمد القاسم بن علي ، أنبأنا أبي ، أنبأنا إسماعيل بن أحمد أبو القاسم ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى ، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا داود بن عمرو ، أنبأنا ابن أبي غنية ، هو يحيى بن عبد الملك ، حدثنا سلامة بن صبيح التميمي قال : قال الأحنف : كنت مع عمر بن الخطاب ، فلقيه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، انطلق معي فأعدني على فلان ، فإنه قد ظلمني . قال : فرفع الدرة فخفق بها رأسه فقال : تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم ، حتى إذا شغل في أمر من أمور المسلمين أتيتموه : أعدني أعدني ! قال : فانصرف الرجل وهو يتذمر – قال : عليّ الرجل . فألقى إليه المخفقة وقال : امتثل . فقال : لا والله ، ولكن أدعها لله ولك . قال : ليس هكذا ، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده أو تدعها لي ، فأعلم ذلك . قال : أدعها لله . قال : فانصرف . ثم جاء يمشي حتى دخل منزله ونحن معه ، فصلى ركعتين وجلس فقال : يا ابن الخطاب ، كنت وضيعاً فرفعك الله ، وكنت ضالاً فهداك الله ، وكنت ذليلاً فأعزك الله ، ثم حملك على رقاب الناس فجاءك رجل يستعديك فضربته ، ما تقول لربك غداً إذا أتيته ؟ قال : فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة حتى ظننا أنه خير أهل الأرض .
قال : وحدثنا أبي ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن ، أنبأنا أبو الحسين المهتدي ، أنبأنا عيسى بن علي ، أنبأنا عبد الله بن محمد ، حدثنا داود بن عمرو ، حدثنا عبد الجبار بن الورد ، عن ابن بن مليكة قال : بينما عمر قد وضع بين يديه طعاماً إذ جاء الغلام فقال : هذا عتبة بن فرقد بالباب ، قال : وما أقدم عتبة ؟ ائذن له . فلما دخل رأى بين يدي عمر طعامه : خبز وزيت . قال : اقترب يا عتبة فأصب من هذا . قال : فذهب يأكل فإذا هو طعام جشب لا يستطيع أن يسيغه . قال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في طعام يقال له : الحواري ؟ قال : ويلك ، ويسع ذلك المسلمين كلهم ؟ قال : لا والله . قال : ويلك يا عتبة ، أفأردت أن آكل طيباً في حياتي الدنيا وأستمتع ؟ .
وقال محمد بن سعد : أنبأنا الوليد بن الأغر المكي ، حدثنا عبد الحميد بن سليمان ، عن أبي حازم قال : دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته ، فقدمت إليه مرقاً بارداً وخبزاً وصبت في المرق زيتاً ، فقال : أدمان في إناء واحد ! لا أذوقه حتى ألقى الله عز وجل .
أنبأنا عمر بن محمد بن طبرزد ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية وأبو بكر بن إسماعيل قالا : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، حدثنا الحسين بن الحسن ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت عن أنس قال : لقد رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه .
وأنبأنا غير واحد إجازة ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد ، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن بن محمد ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي ، حدثني أبي ، حدثنا شعبة ، عن سعيد الجريري ، عن أبي عثمان قال : رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمرة وعليه غزار مرقوع بقطعة جراب .
فضائله رضي الله عنه
أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن سرايا بن علي الفقيه ، وأبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز ، وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فناخسرو التكريتي وغيرهم بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل الجعفي : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أنبأنا الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن سهاب قال : أخبرني سعيد بن المسيب رضي الله عنه : أن أبا هريرة قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالت : لعمر . فذكرت غيرته ، فوليت مدبراً . فبكى عمر وقال : أعليك أغار يا رسول الله ؟!.
قال : وحدثنا محمد بن إسماعيل : حدثنا محمد بن عبيد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما دون ذلك " ، وعرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : " الدين " .
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد ، حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما يرى الكوكب الدري في الأفق من آفاق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما " .
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الدمشقي ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي ، أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثنا محمد بن الصباح ، حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن النضر أبي عمر الخزار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتقض حراء قال : " اسكن " حراء ، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد . وكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن ، وسعد ، وسعيد بن زيد .
قال : وأنبأنا أبو الحسن خيثمة : حدثنا محمد بن عوف الطائي وأبو يحيى بن أبي سبرة قالا : حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك ، حدثنا المعلى بن هلال ، حدثنا ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل ، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر " .
قال : وأنبأنا خيثمة ، أنبأنا إبراهيم بن أبي العنبس القاضي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أنبأنا يونس بن أبي إسحاق ، عن الشعبي ، عن علي بن أبي طالب قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " يا علي ، هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين ، ثم قال لي : يا علي ، لا تخبرهما " .
أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد وغيره بإسنادهم عن أبي عيسى الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عامر هو العقدي ، حدثنا خارجة بن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " .
قال : وقال ابن عمر : " ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه ، وقال فيه عمر- أو : قال ابن الخطاب - شك خارجة - إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر " .
وذلك نحو ما قال في أسارى بدر ، فإنه أشار بقتلهم ، وأشار غيره بمفاداتهم ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم فيه عذاب عظيم } . وقوله في الحجاب ، فأنزله الله تعالى ، وقوله في الخمر .
قال : وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي أبو محمد ، حدثني عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال عمر لأبي بكر : يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : أما إنك إن قلت ذلك ، فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر " .
قال : وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا المقرئ ، عن حيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " .
قال : وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دخلت الجنة ، فإذا أنا بقصر من ذهب ، فقلت : لمن هذا ؟ " فقالوا : لشاب من قريش ، فظننت أني أنا هو ، فقلت : " ومن هو ؟ " قالوا : عمر بن الخطاب .
قال : وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا الحسين بن حريث ، أنبأنا علي بن الحسين بن واقد ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الله بن بريدة قال : سمعت بريدة يقول : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه ، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت : يا رسول الله ، إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى . قال : " إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا " . فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها ، وقعدت عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ، إني كنت جالساً وهي تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخلت أنت يا عمر فألقت الدف " .
قال : وحدثنا أبو عيسى : حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد كان يكون في الأمم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب " .
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا محمد بن سفيان بن إبراهيم ، حدثنا مسلم بن سعيد ، أنبأنا مجاشع بن عمرو ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسن : أن عمر بن الخطاب خطب إلى قوم من قريش بالمدينة فردوه ، وخطب إليهم المغيرة بن شعبة ، فزوجوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد ردوا رجلاً ما في الأرض رجل خيراً منه " .
قال : وأنبأنا أبو بكر قال : أنبأنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي ، حدثنا عيسى بن هارون بن الفرج ، حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا إسحاق بن بشر ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : أكثروا ذكر عمر ، فإنكم إذا ذكرتموه ذكرتم العدل ، وإذا ذكرتم العدل ذكرتم الله تبارك وتعالى .
قال : وأنبأنا أبو بكر ، حدثنا عبد الله بن إسحاق ، حدثنا جعفر الصائغ ، حدثنا حسين بن محمد المرودي ، حدثنا فرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، عن أبيه : أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض له في خطبته أن قال : " يا سارية بن حصن ، الجبل الجبل - من استرعى الذئب ظلم " . فتلفت الناس بعضهم إلى بعض ، فقال علي : صدق ، والله ليخرجن مما قال . فلما فرغ من صلاته قال له علي : ما شيء سنح لك في خطبتك ؟ قال : وما هو ؟ قال : قولك : " يا سارية ، الجبل الجبل ، من استرعى الذئب ظلم . قال : وهل كان ذلك مني ؟ قال : نعم ، وجميع أهل المسجد قد سمعوه . قال : إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا ، فركبوا أكتافهم ، وأنهم يمرون بجبل ، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا ، وأن جاوزا هلكوا ، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته . قال : فجاء البشير بالفتح بعد شهر ، فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة ، حين جاوزوا الجبل صوت يشبه صوت عمر ، يقول : " يا سارية بن حصن ، الجبل الجبل " قال : فعدلنا إليه ، ففتح الله علينا .
قال : وحدثنا أبو بكر ، حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر ، حدثنا أبو عتاب سهل بن حماد ، حدثنا المختار بن نافع ، عن أبي حيان التيمي ، عن أبيه ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أبا بكر ، زوجني ابنته ، وحملني إلى دار الهجرة ، وأعتق بلالاً من ماله ، رحم الله عمر ، يقول الحق وإن كان مراً ، تركه الحق وماله من صديق " .
قال : وحدثنا أبو بكر حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا إسحاق بن سعيد الدمشقي ، حدثنا سعيد بن بشير ، عن حرب بن الخطاب ، عن روح ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : ركب رجل بقرة فقالت البقرة : " إنا والله ما لهذا خلقنا ! ما خلقنا إلا للحراثة " . فقال القوم : سبحان الله ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أشهد ، وأبو بكر وعمر يشهدان ، وليسا ثم " .
قال : وحدثنا أبو بكر : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا بكر بن سهل ، حدثنا عبد الغني بن سعيد ، حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يباهي بالناس يوم عرفة عامة ، ويباهي بعمر بن الخطاب خاصة " .
أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب ، أنبأنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج ، أنبأنا الحسن بن أحمد بن شاذان ، أنبأنا عثمان بن أحمد بن السماك ، حدثنا أحمد بن الخليل البرجلاني ، حدثنا أبو النضر المسعودي ، عن أبي نهشل ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله بن مسعود : فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع : بذكر الأسرى يوم بدر ، أمر بقتلهم ، فأنزل الله تعالى : " لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " . وبذكر الحجاب ، أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن ، فقالت زينب : إنك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا ، فأنزل الله تعالى : { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم أيد الإسلام بعمر "، وبرأيه في أبي بكر .
أنبأنا أبو محمد ، أنبأنا آبي ، أنبأنا أبو طالب علي بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين ، أنبأنا أبو محمد بن النحاس ، أنبأنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدثنا الغلابي - وهو محمد بن زكريا - حدثنا بشر بن حجر السامي ، حدثنا حفص بن عمر الدارمي ، عن الحسن بن عمارة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سويد بن غفلة قال : مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر ، وينتقصونهما ، فأتيت علي بن أبي طالب فقلت : يا أمير المؤمنين إني مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر وينتقصونهما ، ولولا أنهما يعلمون أنك تضمر لهما على ذلك لما اجترءوا عليه ! فقال علي : معاذ الله أن أضمر لهما إلا على الجميل ! ألا لعنة الله على من يضمر لهما إلا الحسن ! ثم نهض دامع العين يبكي ، فنادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، وإنه لعلى المنبر جالس ، وإن دموعه لتتحادر على لحيته ، وهي بيضاء ، ثم قام يخطب خطبة بليغة موجزة ، ثم قال : " ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه ومما يقولون بريء ، وعلى ما يقولون معاقب ، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا كل مؤمن تقي ، ولا يبغضهما إلا كل فاجر غوي ، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه ووزيراه .. " .
قال : وأنبأنا أبي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور الفقيه ، حدثنا أبو بكر الخطيب ، حدثنا محمد بن أحمد بن رزق ، حدثنا أحمد بن علي بن عبد الجبار بن خيرويه أبو سهل الكلوذاني ، حدثنا محمد بن يونس القرشي ، حدثنا روح بن عبادة، عن عوف عن قسامة بن زهير قال : وقف أعرابي على عمر بن الخطاب فقال :
يا عمر الخير جزيت الجنة ** جهز بنياتي واكسهـنـه
أقسم بالله لتفـعـلـنـه ** ................. ....
قال : فإن لم أفعل يكون ماذا يا أعرابي ؟ قال : أقسم بالله لأمضينه . قال : فإن مضيت يكون ماذا يا أعرابي ؟ قال :
والله عن حالي لتسألنـه ** ثم تكون المسألات عنه
والواقف المسؤول بينهنه ** إما إلى نار وإما جنـه
قال : فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه ، ثم قال : يا غلام ، أعطه قميصي هذا ، لذلك اليوم لا لشعره ، والله ما أملك قميصاً غيره ! .
وروى زيد بن أسلم ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب طاف ليلة ، فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون ، وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء ، فدنا عمر بن الخطاب من الباب ، فقال : يا أمة الله ، أيش بكاء هؤلاء الصبيان؟ فقالت : بكاؤهم من الجوع . قال : فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت : قد جعلت فيها ماء أعللهم بها حتى يناموا ، أوهمهم أن فيها شيئاً من دقيق وسمن . فجلس عمر فبكى ، ثم جاء إلى دار الصدقة فأخذ غرارة ، وجعل فيها شيئاً من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم ، حتى ملأ الغرارة ، ثم قال : يا أسلم، احمل عليّ . فقلت : يا أمير المؤمنين ، أنا أحمله عنك ! فقال لي : لا أم لك يا أسلم ، أنا أحمله لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة – قال : فحمله على عنقه ، حتى أتى به منزل المرأة – قال : وأخذ القدر ، فجعل فيها شيئاً من دقيق وشيئاً من شحم وتمر ، وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر - قال أسلم : وكانت لحيته عظيمة ، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته ، حتى طبخ لهم ، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا ، ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سبع ، وخفت منه أن أكلمه ، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا ، ثم قال : يا أسلم، أتدري لم ربضت بحذائهم ؟ قلت : لا يا أمير المؤمنين ! قال : رأيتهم يبكون ، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون ، فلما ضحكوا طابت نفسي .
خلافته رضي الله عنه وسيرته
أنبأنا محمد بن محمد بن سرايا وغير واحد بإسنادهم ، عن محمد بن إسماعيل قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا عبيد الله ، حدثني أبو بكر بن سالم ، عن سالم ، عن عبد الله بن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب ، فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً ، والله يغفر له ، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً ، فلم أر عبقرياً يفري فريه ، حتى روي النس ، وضربوا بعطن " . وهذا لما فتح الله على عمر من البلاد ، وحمل من الأموال ، وما غنمه المسلمون من الكفار .
وقد ورد في حديث آخر : " وإن وليتموها - يعني الخلافة - تجدوه قوياً في الدنيا ، قوياً في أمر الله : ، وقد تقدم .
قال أحمد بن عثمان : أنبأنا أبو مسعود سليمان ، أنبأنا أبو بكر بن مردويه الحافظ قال : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا هاشم بن مرثد ، حدثنا أبو صالح الفراء ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء - أو : عن زيد بن وهب - أن سويد بن غفلة الجعفي دخل على علي بن أبي طالب في إمارته فقال : يا أمير المؤمنين ، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعر بغير الذي هم أهل له من الإسلام . وذكر الحديث ، قال : فلما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة قال : مروا أبا بكر أن يصلي بالناس ، وهو يرى مكاني ، فصلى بالناس سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قبض الله نبيه ارتد الناس عن الإسلام ، فقالوا : نصلي ولا نعطى الزكاة ، فرضي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أبو بكر منفرداً برأيه ، فرجح برأيه رأيهم جميعاً ، وقال : " والله لو منعوني عقالاً ما فرض الله ورسوله لجاهدتهم عليه ، كما أجاهدهم على الصلاة " . فأعطى المسلمون البيعة طائعين ، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا ، فمضى رحمة الله عليه وترك الدنيا وهي مقبلة ، فخرج منها سليماً ، فسار فينا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا ننكر من أمره شيئاً ، حتى حضرته الوفاة ، فرأى أن عمر أقوى عليها ، ولو كانت محاباة لآثر بها ولده ، واستشار المسلمين في ذلك ، فمنهم من رضي ، ومنهم من كره ، وقالوا : أتؤمر علينا من كان عناناً وأنت حي ؟ فماذا تقول لربك إذا قدمت عليه ؟ قال : أقول لربي إذا قدمت عليه : إلهي أمرت عليهم خير أهلك " فأمر علينا عمر ، فقام فينا بأمر صاحبيه ، لا ننكر منه شيئاً ، نعرف فيه الزيادة كل يوم في الدين والدنيا ، فتح الله به الأرضين ، ومصر به الأمصار ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، البعيد والقريب سواء في العدل والحق ، وضرب الله بالحق على لسانه وقلبه ، حتى إن كنا لنظن أن السكينة تنطق على لسانه ، وأن ملكاً بين عينيه يسدده ويوفقه ..
قال : وأنبأنا ابن مردويه ، حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا أحمد بن القاسم البزار ، حدثنا يحيى بن مسعود ، حدثني عبد الله بن محمد بن أيوب ، حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن الهاشمي ، عن عبد خير ، عن علي بن أبي طالب قال : إن الله جعل أبا بكر وعمر حجة على من بعدهما من الولاة إلى يوم القيامة ، فسبقا والله سبقاً بعيداً ، وأتعبا والله من بعدهما إتعاباً شديداً ، فذكرهما حزن للأمة ، وطعن على الأئمة .
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله إذناً ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا أبو عمر ، أنبأنا أبو الحسن ، أنبأنا الحسين بن القهم ، حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا محمد بن عمر ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن عبد المجيد بن سهيل ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (ح) قال : وأخبرنا بردان بن أبي النضر ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، قال : وأنبأنا عمرو بن عبد الله بن عنبسة ، عن أبي النضر ، عن عبد الله البهي - دخل حديث بعضهم في بعض - أن أبا بكر الصديق لما مرض دعا عبد الرحمن - يعني ابن عوف - فقال له : أخبرني عن عمر بن الخطاب . فقال عبد الرحمن : ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني ! قال أبو بكر : وإن ! فقال عبد الرحمن : هو والله أفضل من رأيك فيه . ثم دعا عثمان بن عفان فقال : أخبرني عن عمر . فقال : أنت أخبرنا به ! فقال : على ذلك يا أبا عبد الله . فقال عثمان : اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته ، وأن ليس فينا مثله ! فقال أبو بكر : يرحمك الله ! والله لو تركته ما عدوتك . وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور ، وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار ، فقال أسيد : " اللهم أعلمه الخيرة بعدك ، يرضى للرضى ، ويسخط للسخط ، الذي يسر خير من الذي يعلن ، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه " ، وسمع بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به ، فدخلوا على أبي بكر ، فقال له قائل منهم : " ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا ، وقد ترى غلظته ؟ " فقال أبو بكر : أجلسوني ، أبالله تخوفونني ؟ خاب من تزود من أمركم بظلم ، أقول : " اللهم ، استخلفت عليهم خير أهلك ، أبلغ عني ما قلت لك من وراءك " ثم اضطجع ، ودعا عثمان بن عفان فقال : اكتب : " بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها ، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها ، حيث يؤمن الكافر ، ويوقن الفاجر ، ويصدق الكاذب ؛ أنني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب ، فاسمعوا له وأطيعوا ، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً ، فإن عدل فذلك ظني به ، وعلمي فيه ، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت ، ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والسلام عليكم ورحمة الله " . ثم أمر بالكتاب فختمه ، ثم أمره فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب ، وأسد بن سعية القرظي ، فقال عثمان للناس : أتبايعون لمن في هذا الكتاب? فقالوا : نعم ، وقال بعضهم : قد علمنا به - قال ابن سعد : على القائل - وهو عمر ، فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا ، ثم دعا أبو بكر عمر خالياً فأوصى بما أوصاه به ، ثم خرج فرفع أبو بكر يديه مداً ، ثم قال : اللهم ، إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة ، فعملت فيهم ما أنت أعلم به ، واجتهدت لهم رأيي ، فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم ، وأحرصهم على ما فيه رشدهم ، وقد حضرني من أمرك ما حضرني ، فاخلفني فيهم ، فهم عبادك ، ونواصيهم بيدك ، وأصلح لهم ولاتهم ، واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي الرحمة وهدى الصالحين بعد ، وأصلح له رعيته .
وروى صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه : أنه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه فأصابه مفيقاً ، فقال له عبد الرحمن : أصبحت بحمد الله بارئاً . فقال أبو بكر : تراه ؟ قال : نعم . قال : إني على ذلك لشديد الوجع ، وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي ، إني وليت أمركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم من ذلك أنفه ، يريد أن يكون الأمر له ، قد رأيتم الدنيا قد أقبلت ولما تقبل ، وهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج ، وتألموا من الاضطجاع على الصوف الأذربي، كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان .
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم ، أنبأنا آبي ، أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا عيسى بن علي ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا داود بن عمرو ، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن الصلت بن بهرام ، عن يسار قال : لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال : يا أيها الناس ، إني قد عهدت عهداً أفترضون به ؟ فقال الناس : قد رضينا يا خليفة رسول الله . فقال علي : لا نرضى إلا أن يكون عمر بن الخطاب .
أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري التغلبي ، أنبأنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني وأبو القاسم السين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا : أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء ، أنبأنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة ، حدثنا سليمان بن عبد الحميد المهراني ، أنبأنا عبد الغفار بن داود الحراني ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاري ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن أبي خيثمة ، عن جدته الشفاء - وكانت من المهاجرات الأول- وأن عمر إذا دخل السوق أتاها ، قال : سألتها من أول من كتب : "عمر أمير المؤمنين " ؟ قالت : كتب عمر إلى عامله على العراقين : " أن ابعث إليّ برجلين جلدين نبيلين ، أسألهما عن أمر الناس " ، قال : فبعث إليه بعدي بن حاتم ، ولبيد بن ربيعة ، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ، ثم دخلا المسجد ، فاستقبلا عمرو بن العاص ، فقالا : استأذن لنا على أمير المؤمنين . فقلت : أنتما والله أصبتما اسمه ، وهو الأمير ، ونحن المؤمنون . فانطلقت حتى دخلت على عمر ، فقلت : يا أمير المؤمنين . فقال : لتخرجن مما قلت أو لأفعلن ! قلت : يا أمير المؤمنين ، بعث عامل العراقين بعدي بن حاتم ولبيد بن ربيعة ، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ، ثم استقبلاني فقالا : استأذن لنا على أمير المؤمنين ، فقلت : أنتما والله أصبتما ، اسمه هو الأمير ، ونحن المؤمنون .
وكان قبل ذلك يكتب : " من عمر خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، فجرى الكتاب " من عمر أمير المؤمنين " من ذلك اليوم .
وقيل : إن عمر قال : إن أبا بكر كان يقال له : " يا خليفة رسول الله " ، ويقال لي : يا خليفة خليفة رسول الله ، وهذا يطول ، أنتم المؤمنون وأنا أميركم . وقيل : إن المغيرة بن شعبة قال له ذلك ، والله أعلم .
سيرته
وأما سيرته فإنه فتح الفتوح ومصر الأمصار ، ففتح العراق ، والشام ، ومصر ، والجزيرة ، وديار بكر ، وأرمينية ، وأذربيجان ، وأرانيه ، وبلاد الجبال ، وبلاد فارس ، وخوزستان وغيرها .
وقد اختلف في خراسان ، فقال بعضهم : فتحها عمر ، ثم انتقضت بعده ففتحها عثمان . وقيل : إنه لم يفتحها ، وإنما فتحت أيام عثمان . وهو الصحيح .
وأدر العطاء على الناس ، ونزل نفسه بمنزلة الأجير وكآحاد المسلمين في بيت المال ، ودون الدواوين ، ورتب الناس على سابقتهم في العطاء والإذن والإكرام ، فكان أهل بدر أول الناس دخولاً عليه ، وكان عليّ أولهم . وكذلك فعل بالعطاء ، وأثبت أسماءهم في الديوان على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبدأ ببني هاشم ، والأقرب فالأقرب .
أنبأنا القاسم بن علي بن الحسن إجازة ، أنبأنا أبي ، أنبأتا فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلويه قالت : أنبأنا أبو بكر أحمد بن الخطيب ، أنبأنا أبو بكر الحيري ، أنبأنا أبو العباس الأصم ، أنبأنا الربيع قال : قال الشافعي : أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع ، عن الثقة - أحسبه محمد بن علي بن الحسن أو غيره - عن مولى لعثمان بن عفان قال : بينا أنا مع عثمان في مال له بالعالية في يوم صائف ، إذ رأى رجلاً يسوق بكرين ، وعلى الأرض مثل الفراش من الحر ، فقال : ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح . ثم دنا الرجل فقال : انظر من هذا ؟ فنظرت فقلت : أرى رجلاً معتماً بردائه ، يسوق بكرين . ثم دنا الرجل فقال : انظر . فنظرت فإذا عمر بن الخطاب ، فقلت : هذا أمير المؤمنين . فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فإذا نفح السموم ، فأعاد رأسه حتى حاذاه ، فقال : ما أخرجك هذه الساعة ؟ فقال : بكران من إبل الصدقة تخلفا ، وقد مضي بإبل الصدقة ، فأردت أن ألحقهما بالحمى ، وخشيت أن يضيعا ، فيسألني الله عنهما . فقال عثمان : يا أمير المؤمنين ، هلم إلى الماء والظل ونكفيك . فقال : عد إلى ظلك . فقلت : عندنا من يكفيك ! فقال : عد إلى ظلك . فمضى ، فقال عثمان : من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا ! فعاد إلينا فألقى نفسه .
روى السري بن يحيى ، حدثنا يحيى بن مصعب الكلبي ، حدثنا عمر بن نافع الثقفي ، عن أبي بكر العبسي قال : دخلت حين الصدقة مع عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، فجلس عثمان في الظل ، وقام عليّ على رأسه يملي عليه ما يقول عمر ، وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر ، عليه بردتان سوداوان ، متزر بواحدة وقد وضع الأخرى على رأسه ، وهو يتفقد إبل الصدقة ، فيكتب ألوانها وأسنانها . فقال علي لعثمان : أما سمعت قول ابنة شعيب في كتاب الله عز وجل : { إن خير من استأجرت القوي الأمين }، وأشار علي بيده إلى عمر ، فقال : هذا هو القوي الأمين .
أنبأنا غير واحد إجازة ، عن أبي غالب بن البناء ، أنبأنا أبو علي الحسن بن محمد بن فهد العلاف ، حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن حماد الموصلي ، حدثنا أبو الحسين محمد بن عثمان ، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، حدثنا موسى بن داود الضبي ، أنبأنا محمد بن صبيح ، عن إسماعيل بن زياد قال : مر علي بن أبي طالب على المساجد في شهر رمضان ، وفيها القناديل ، فقال : نور الله على عمر قبره كما نور علينا مساجدنا .
وروى حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، قال : خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى مكة ، فما ضرب فسطاطاً ولا خباءً حتى رجع . وكان إذا نزل يلقي له كساء أو نطع على الشجر ، فيستظل به .
وروى موسى بن إبراهيم المروزي ، عن فضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد قال : أنفق عمر بن الخطاب في حجة حجها ثمانين درهماً من المدينة إلى مكة ، ومن مكة إلى المدينة ، قال : ثم جعل يتأسف ويضرب بيده على الأخرى ، ويقول : ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا في مال الله تعالى .
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم إذناً ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيويه وأبو بكر بن إسماعيل قالا : أنبأنا يحيى بن محمد أنبأنا الحسين بن الحسن ، أنبأنا ابن المبارك ، عن مالك بن مغول : أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فإنه أهون- أو قال : أيسر – لحسابكم ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتجهزوا للعرض الأكبر " يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية " وله في سيرته أشياء عجيبة عظيمة ، لا يستطيعها إلا من وفقه الله تعالى ، فرضي الله عنه وأرضاه ، بمنه وكرمه .
مقتله رضي الله عنه
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمج بن الحسن الشافعي ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن خليل ، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي ، أنبأنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان ، حدثنا عبد الله بن الحسن الهاشمي ، حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، حدثنا قتادة ، عن أنس قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف ، فضربه برجله وقال : اثبت أحد ، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان .
أنبأنا القاسم بن علي بن الحسن كتابة ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو محمد بن طاوس ، أنبأنا طراد بن محمد - وأنبأنا به عالياً أبو الفضل عبد الله بن أحمد ، أنبأنا طراد بن محمد إجازة إن لم يكن سماعاً ، أنبأنا الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو علي بن صفوان ، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب لما نفر من منى ، أناخ بالأبطح ، ثم كوم كومة من البطحاء ، فألقى عليها طرف ردائه ، ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء ، ثم قال : اللهم كبرت سني ، وضعفت قوتي ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ! فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات .
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم ، أنبأنا أبي ، أنبأني أبو محمج بن الأكفاني ، أنبأنا عبد العزيز الكناني ، أنبأنا تمام بن محمد ، وعبد الرحمن بن عثمان ، وعقيل بن عبد الله ، قال : وأخبرني أبو محمد بن الأكفاني ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عقيل بن الكزبري ، أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر التميمي ، أنبأنا أحمد بن القاسم بن معروف ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم ، عن جبير بن مطعم ، قال : حججت مع عمر آخر حجة حجها ، فبينا نحن واقفون على جبل عرفة ، صرخ رجل فقال : يا خليفة . فقال رجل من لهب - وهو حي من أزد شنوءة يعتافون - : ما لك ؟ قطع الله لهجتك - وقال عقيل : لهاتك - والله لا يقف عمر على هذا الجبل بعد هذا العام أبداً . قال جبير : فوقعت بالرجل اللهبي فشتمته ، حتى إذا كان الغد وقف عمر وهو يرمي الجمار ، فجاءت عمر حصاة عاثرة من الحصى الذي يرمي به الناس ، فوقعت في رأسه ففصدت عرقاً من رأسه ، فقال رجل : أشعر أمير المؤمنين ورب الكعبة ، لا يقف عمر على هذا الموقف أبداً بعد هذا العام - قال جبير : فذهبت ألتفت إلى الرجل الذي قال ذلك ، فإذا هو اللهبي ، الذي قال لعمر على جبل عرفة ما قال . لهب : بكسر اللام ، وسكون الهاء .
أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحصن الفقيه بإسناده عن أبي يعلى ، حدثنا أحمد بن إبراهيم البكري ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال : خطب عمر الناس ، فقال : رأيت كأن ديكاً نقرني نقرة أو نقرتين ، ولا أدري ذلك إلا لحضور أجلي ، فإن عجل بي أمر فإن الخلافة شورى في هؤلاء الرهط الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض .
وأنبأنا أحمد بن عثمان ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم ، أنبأنا أبو بكر بن مردويه ، حدثنا عبد الله بن إسحاق ، حدثنا محمد بن الجهم السمري ، حدثنا جعفر بن عون ، أنبأنا محمد بن بشر ، عن مسعر بن كدام ، عن عبد الملك بن عمير ، عن الصقر بن عبد الله ، عن عروة ، عن عائشة قالت : بكت الجن على عمر قبل أن يموت بثلاث ، فقالت :
أبعد قتيل بالمـدينة أصـبـحـت ** له الأرض تهتز العضاه بأسـوق
جزى الله خيراً من أمير وباركت ** يد الله في ذاك الأديم المـمـزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ** بوائق في أكمامها لم تـفـتـق
فما كنت أخشى أن يكون مماتـه ** بكفى سبنتي أخضر العين مطرق
قيل : إن هذه الأبيات للشماخ ، أو لأخيه مزرد .
أنبأنا مسمار بن عمر بن العويس النيار وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فناخسرو وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل : حدثنا موسى بن إسماعيل ، أنبأنا أبو عوانة ، عن حصين ، عن عمرو بن ميمون قال : رأيت عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بأيام بالمدينة ، وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال : كيف فعلتما ؟ أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق ؟ قالا : حملناها أمراً هي له مطيقة ، وما فيها كبير فضل . قال : انظرا أن تكون حملتما الأرض ما لا تطيق . قالا : لا . فقال عمر : لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً – قال : فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب – قال : إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب ، وكان إذا مر بين الصفين قال : استووا ، حتى إذا لم ير فيهن خللاً تقدم فكبر ، وربما قرأ بسورة " يوسف " أو " النحل " أو نحو ذلك في الركعة الأولى ، حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول : قتلني – أو : أكلني الكلب - حين طعنه ، فطار العلج بسكين ذات طرفين ، لا يمر على أحد يميناً وشمالاً إلا طعنه ، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة ، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنساً ، فلما ظن أنه مأخوذ نحر نفسه ، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه ، فمن يلي عمر ، فقد رأى الذي أرى ، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون ، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهو يقولون : " سبحان الله ، سبحان الله " فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة ، فلما انصرفوا قال : يا بن عباس ، انظر من قتلني . فجال ساعة ، ثم جاء المسجد فقال : غلام المغيرة بن شعبة . قال : الصنع ؟ قال : نعم . قال : قاتله الله ! لقد أمرت به معروفاً ! الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة - وكان العباس أكثرهم رقيقاً – فقال : إن شئت فعلت ؟ أي : إن شئت قتلنا فقال : كذبت ! بعدما تكلموا بلسانكم ، وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم . واحتمل إلى بيته ، فانطلقنا معه ، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ ، فقائل يقول : لا بأس . وقائل يقول : أخاف عليه . فأتي بنبيذ فشربه ، فخرج من جوفه . ثم أتي بلبن فشربه ، فخرج من جوفه . فعرفوا أنه ميت . فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه ، وجاء غلام شاب فقال : أبشر - يا أمير المؤمنين - ببشرى الله له ، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة . قال : وددت أن ذلك كفافاً ، لا علي ولا لي . فلما أدبرا إذا إزاره يمس الأرض ، قال : ردوا عليّ الغلام ، قال : يا بن أخي ، ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك ، وأتقى لربك ، يا عبد الله بن عمر ، انظر ما عليّ من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه – قال : إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم ، وإلا فسل في بني عدي ، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ، ولا تعدهم إلى غيرهم ، فأد عني هذا المال ، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل لها : يقرأ عليك عمر السلام - ولا تقل " أمير المؤمنين " فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً- وقل" يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه . فسلم واستأذن ، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ، فقال : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه . فقالت : كنت أريده لنفسي ، ولأوثرن به اليوم على نفسي . فلما أقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء . قال : ارفعوني . فأسنده رجل إليه ، فقال : ما لديك ؟ قال : الذي تحب ، قد أذنت . قال : الحمد لله ، ما كان شيء أهم إليّ من ذلك ، فإذا أنا قبضت فاحملوني ، ثم سلم فقل : يستأذن عمر بن الخطاب ، فإن أذنت فأدخلوني ، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين . وجاءت أم المؤمنين حفصة ، والنساء تسير معها ، فلما رأيناها قمنا ، فولجت عليه فبكت عنده ساعة ، واستأذن الرجال ، فولجت داخلاً لهم ، فسمعنا بكاءها من الداخل ، فقالوا : أوص يا أمير المؤمنين . استخلف . قال : ما أجد أحق بهذا من هؤلاء النفر- أو : الرهط - الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض . فسمى : علياً ، وعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وسعداً ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقال : يشهدكم عبد الله بن عمر ، وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له - فإذا أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك ، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر ، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة .. وذكر الحديث وقد تقدم في ترجمة عثمان بن عفان .
وروى سماك بن حرب ، عن ابن عباس أن عمر قال لابنه عبد الله : خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب ، لعل الله يرحمني ! وويل لي وويل لآمي إن لم يرحمني الله عز وجل ! فإذا أنا مت فاغمض عيني ، واقصدوا في كفني ، فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه ، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي ، وأنشد :
ظلوم لنفسي غير إني مسلم ** أصلي الصلاة كلها وأصوم
أنبأنا أبو محمد ، أخبرنا أبي ، أنبأتنا أم المجتبى العلوية ، قالت : قرأ على إبراهيم بن منصور ، أخبرنا أبو محمد بن المقري ، أنبأنا أبو يعلى ، أنبأنا أبو عباد قطن بن نسير الغبري ، أنبأنا جعفر بن سليمان ، حدثنا ثابت ، عن أبي رافع قال : كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة ، وكان يصنع الأرحاء وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم ، فلقي أبو لؤلؤة عمر فقال : يا أمير المؤمنين ، إن المغيرة قد أثقل عليّ غلتي ، فكلمه يخفف عني . فقال له عمر : اتق الله ، وأحسن إلى مولاك - ومن نية عمر أن يلقى المغيرة فيكلمه يخفف عنه ، فغضب العبد وقال : وسع الناس كلهم عدله غيري . فأضمر على قتله ، فاصطنع له خنجراً له رأسان ، وشحذه وسمه ، ثم أتى به الهرمزان فقال : كيف ترى هذا ؟ قال : أرى ، أنك لا تضرب به أحداً إلا قتلته . قال : فتحين أبو لؤلؤة عمر ، فجاءه في صلاة الغداة حتى قام وراء عمر - وكان عمر إذا أقيمت الصلاة يقول : " أقيموا صفوفكم " ، فقال كما كان يقول ، فلما كبر ووجأه أبو لؤلؤة في كتفه ووجأه في خاصرته ، وقيل : ضربه ست ضربات ، فسقط عمر ، وطعن بخنجره ثلاثة عشر رجلاً ، فهلك منهم سبعة وأفرق منهم ستة ، وحمل عمر فضهب به . وقيل : إن عمر قال لأبي لؤلؤة : ألا تصنع لنا رحاً ؟ قال : بلى ، اصنع لك رحاً يتحدث بها أهل الأمصار . ففزع عمر من كلمته ، وعليّ معه ، فقال علي : إنه يتوعدك يا أمير المؤمنين .
قال : وأنبأنا أبي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيويه ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن محمد ، حدثنا محمد بن سعد ، أنبأنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل بن يونس ، عن كثير النواء ، عن أبي عبيد ، مولى ابن عباس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت مع علي فسمعنا الصيحة على عمر ، قال : فقام وقمت معه ، حتى دخلنا عليه البيت الذي هو فيه فقال : ما هذا الصوت ؟ فقالت له امرأة : سقاه الطبيب نبيذاً فخرج ، وسقاه لبناً فخرج ، وقال : لا أرى أن تمسي فما كنت فاعلاً فافعل . فقالت أم كلثوم : واعمرا ! وكان معها نسوة فبكين معها ، وارتج البيت بكاء ، فقال عمر : والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع . فقال ابن عباس : والله إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى : " وإن منكم إلا واردها " إن كنت - ما علمنا - لأمير المؤمنين ، وأمين المؤمنين ، وسيد المؤمنين ، تقضي بكتاب الله ، وتقسم بالسوية . فأعجبه قولي ، فاستوى جالساً فقال : أتشهد لي بهذا يا ابن عباس ؟ قال : فكففت ، فضرب على كتفي فقال : أشهد . فقلت : نعم ، أنا أشهد .
ولما قضى عمر رضي الله عنه - صلى عليه صهيب ، وكبر عليه أربعاً .
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبة بإسناده عن عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبي ، أنبأنا علي بن إسحاق ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن ابن أبي مليكة : أنه سمع ابن عباس يقول : وضع عمر على سريره ، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم ، فلم يرعني ، غلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي ، فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب ، فترحم على عمر وقال : ما خلفت أحداً أحب إليّ ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله ، إن كنت لأظن ليجعلنك الله مع صاحبيك ، وذلك أني كنت أكثر أن أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر . وإن كنت أظن ليجعلنك الله معهما .
ولما توفي عمر صلي عليه في المسجد ، وحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غسله ابنه عبد الله ، ونزل في قبره ابنه عبد الله ، وعثمان بن عفان ، وسعيد بن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف .
روى أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه أنه قال : طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة ، سنة ثلاث وعشرين ، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين ، وكانت خلافته عشر سنين ، وخمسة أشهر ، وأحداً وعشرين يوماً .
وقال عثمان بن محمد : هذا وهم ، توفي عمر لأربع ليال بقين من ذي الحجة ، وبويع عثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة .
وقال ابن قتيبة : ضربه أبو لؤلؤة يوم الاثنين لأربع بقين من ذي الحجة ، ومكث ثلاثاً ، وتوفي ، فصلى عليه صهيب ، وقبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر .
وكانت خلافته عشر سنين ، وستة أشهر ، وخمس ليال ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وقيل : كان عمره خمساً وخمسين سنة ، والأول أصح ما قيل في عمر .
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي، والحسين بن يوحن بن اتويه بن النعمان الباوردي قالا : حدثنا الفضل بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الرحمن البيلي الأصبهاني ، أخبرنا أبو القاسم أحمد بن منصور الخليلي البلخي ، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي ، أنبأنا أبو سعيد الهيثم بن كليب بن شريح بن معقل الشاشي ، أنبأنا أبو عيسى الترمذي ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن جرير ، عن معاوية أنه سمعه يخطب قال : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وأبو بكر وعمر وأنا ابن ثلاث وستين سنة .
وقال قتادة : طعن عمر يوم الأربعاء ، ومات يم الخميس .
وكان عمر أعسر يسر : يعمل بيديه . وكان أصلع طويلاً ، قد فرع الناس ، كأنه على دابة .
قال الواقدي : كان عمر أبيض أمهق ، تعلوه حمرة ، يصفر لحيته وإنما تغير لونه عام الرمادة لأنه أكثر أكل الزيت ، لأنه حرم على نفسه السمن واللبن حتى يخصب الناس فتغير لونه .
وقال سماك : كان عمر أروح كأنه راكب ، وكأنه من رجال بني سدوس . والأروح : الذي يتدانى قدماه إذا مشى .
وقال زر بن حبيش : كان عمر أعسر يسر ، آدم .
وقال الواقدي : لا يعرف عندنا أن عمر كان آدم إلا أن يكون رآه عام الرمادة .
قال أبو عمر : وصفه زر بن حبيش وغيره أنه كان آدم شديد الأدمة ، وهو الأكثر عند أهل العلم .
وقال أنس : كان عمر يخضب بالحناء بحتاً .
وهو أول من اتخذ الدرة ، وأول من جمع الناس على قيام رمضان ، وهو أول من سمي " أمير المؤمنين " ، وأكثر الشعراء مراثيه ، فمن ذلك قول حسان بن ثابت الأنصاري :
ثلاثة برزوا بـفـضـلـهـم ** نضرهم ربهـم إذا نـشـروا
فليس من مؤمن لـه بـصـر ** ينكر تفضيلـهـم إذا ذكـروا
عاشوا بلا فرقة ثـلاثـتـهـم ** واجتمعوا في الممات إذ قبروا
وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت زوج عمر بن الخطاب :
عين جـودي بـعــبـــرة ونـــحـــيب ** لا تـمـلـي عـلـى الإمـام الـنــجـــيب
فجعتني المنون بالفارس المعلم ** يوم الهياج والتلبيب
عصمة الناس والمعين على الدهر ** وغيث المنتاب والمحروب
رزاح : بفتح الراء ، والزاي .
المرجع أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير