شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : عمر بن الخطاب


ريمة مطهر
01-30-2011, 03:56 PM
عمر بن الخطاب

عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي ، أبو حفص ‏.‏

وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ‏.‏ وقيل‏ :‏ حنتمة بنت هشام بن المغيرة ، فعلى هذا تكون أخت أبي جهل ، وعلى الأول تكون ابنة عمه - قال أبو عمر ‏:‏ ومن قال ذلك - يعني بنت هشام - فقد أخطأ ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل والحارث ابني هشام ، وليس كذلك وإنما هي ابنة عمهما ، لأن هشاماً وهاشماً ابني المغيرة أخوان ، فهاشم والد حنتمة ، وهشام والد الحارث ، وأبي جهل ، وكان يقال لهاشم جد عمر ‏:‏ ذو الرمحين ‏.‏

وقال ابن منده ‏:‏ أم عمر أخت أبي جهل ‏.‏ وقال أبو نعيم‏ :‏ هي بنت هشام أخت أبي جهل ، وأبو جهل خاله .‏ ورواه عن ابن إسحاق ‏.‏

وقال الزبير ‏:‏ حنتمة بنت هاشم فهي ابنة عم أبي جهل - كما قال أبو عمر - وكان لهاشم أولاد فلم يعقبوا‏ .‏ يجتمع عمر وسعيد بن زيد رضي الله عنهما في نفيل ‏.‏

ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة ‏.‏ روي عن عمر أنه قال ‏:‏ ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين‏ .‏

وكان من أشرف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية ، وذلك أن قريشاً كانوا إذا وقع بينهم حرب أو بينهم وبين غيرهم ، بعثوه سفيراً ، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر ، رضوا به ، بعثوه منافراً و مفاخراً ‏.‏
إسلامه رضي الله عنه
لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، كان عمر شديداً عليه وعلى المسلمين ‏.‏ ثم أسلم بعد رجال سبقوه ، قال هلال بن يساف ‏:‏ أسلم عمر بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة‏ .‏ وقيل ‏:‏ أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلاً وعشرين امرأة ، فكمل الرجال به أربعين رجلاً ‏.‏

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي بإسناده إلى أبي الحسن علي بن أحمد بن متويه قال ‏:‏ أنبأنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ ، حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، حدثنا صفوان بن المغلس ، حدثنا إسحاق بن بشر‏ .‏ حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم الرماني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال ‏:‏ أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً وامرأة ‏.‏ ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين ، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى ‏:‏ ‏{ ‏يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين‏ } ‏‏.‏

وقال عبد الله بن ثعلبة بن صعير ‏:‏ أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة .‏

وقال سعيد بن المسيب ‏:‏ أسلم عمر بعد أربعين رجلاً وعشر نسوة ، فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة‏ .‏

وقال الزبير ‏:‏ أسلم عمر بعد أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ، وبعد أربعين أو نيف وأربعين بين رجال ونساء ‏.‏

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ‏:‏ ‏" ‏اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك ‏:‏ عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - ‏" ‏‏.‏

أنبأنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده إلى عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثنا شريح بن عبيد قال‏ :‏ قال عمر بن الخطاب ‏:‏ خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد ، فقمت خلفه ، فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن ، قال ‏:‏ فقلت‏ :‏ هذا والله شاعر كما قالت قريش ‏.‏ قال ‏:‏ فقرأ ‏{ ‏إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ‏}‏‏.‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ كاهن‏ .‏ قال ‏:‏ ‏{ ‏ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ‏} ‏‏.‏ ‏{ ‏ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمن ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين‏ } ‏‏.‏‏.‏ إلى آخر السورة ، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع ‏.‏

أنبأنا العدل أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري التغلبي الدمشقي ، أنبأنا الشريف النقيب أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد قراءة عليهما وأنا أسمع ، قالا ‏:‏ أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة ، أنبأنا محمد بن عوف ، أنبأنا سفيان الطائي قال‏ :‏ قرأت على إسحاق بن إبراهيم الحنفي قال ‏:‏ ذكره أسامة بن زيد ، عن أبيه ، عن جده أسلم قال ‏:‏ قال لنا عمر بن الخطاب ‏:‏ أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي ؟ قلنا‏ :‏ نعم ‏.‏ قال ‏:‏ كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينا أنا يوماً في يوم حار شديد الحر بالهاجرة ، في بعض طرق مكة ، إذ لقيني رجل من قريش فقال ‏:‏ أين تذهب يا ابن الخطاب ؟ أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك ؟‏!‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ وماذا ذاك ؟ قال ‏:‏ أختك قد صبأت ‏.‏ قال ‏:‏ فرجعت مغضباً ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة ، فيكونان معه ، ويصيبان من طعامه ‏.‏ وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين ، قال ‏:‏ فجئت حتى قرعت الباب ، فقيل ‏:‏ من هذا ؟ قلت ‏:‏ ابن الخطاب – قال ‏:‏ وكان القوم جلوساً يقرؤون القرآن في صحيفة معهم - فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا ، وتركوا - أو‏ :‏ نسوا الصحيفة من أيديهم‏ .‏ قال‏ :‏ فقامت المرأة ففتحت لي ، فقلت ‏:‏ يا عدوة نفسها ، قد بلغني أنك صبوت ‏!‏ قال ‏:‏ فأرفع شيئاً في يدي فأضربها به ، قال ‏:‏ فسال الدم ‏.‏ قال ‏:‏ فلما رأت المرأة الدم بكت ، ثم قالت ‏:‏ يا ابن الخطاب ، ما كنت فاعلاً فافعل ، فقد أسلمت ‏.‏ قال ‏:‏ فدخلت وأنا مغضب فجلست على السرير ، فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت ، فقلت ‏:‏ ما هذا الكتاب ؟ أعطينيه ‏.‏ فقالت ‏:‏ لا أعطيك ، لست من أهله ، أنت لا تغتسل من الجنابة ، ولا تطهر ، وهذا لا يمسه إلا المطهرون ‏!‏ قال ‏:‏ فلم أزل بها حتى أعطتنيه ، فإذا فيه ‏:‏ ‏" ‏بسم الله الرحمن الرحيم‏ "‏ فلما مررت بـ ‏" ‏الرحمن الرحيم ‏"‏ ، ذعرت ورميت بالصحيفة من يدي - قال‏ :‏ ثم رجعت إليّ نفسي ، فإذا فيها‏ :‏ ‏{ ‏سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ‏}‏ قال ‏:‏ فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت ، ثم ترجع إليّ نفسي ، حتى بلغت ‏:‏ ‏{ ‏آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه‏ }‏ حتى بلغت إلى قوله ‏:‏ ‏{ ‏إن كنتم مؤمنين‏ }‏ - قال‏ :‏ فقلت ‏:‏ ‏" أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله‏ "‏ - قال‏ :‏ فخرج القوم يتبادرون بالتكبير ، استبشاراً بما سمعوه مني ، وحمدوا الله عز وجل ، ثم قالوا‏ :‏ يا ابن الخطاب ، أبشر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الإثنين فقال ‏:‏ ‏" ‏اللهم ، أعز الإسلام بأحد الرجلين‏ :‏ إما عمرو بن هشام ، وإما عمر بن الخطاب ، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله لك‏ .‏ فأبشر - قال ‏:‏ فلما عرفوا مني الصدق قلت لهم ، أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ فقالوا ‏:‏ هو في بيت في أسفل الصفا – وصفوه – قال ‏:‏ فخرجت حتى قرعت الباب ، قيل ‏:‏ من هذا ؟ قلت ‏:‏ ابن الخطاب‏ .‏ قال ‏:‏ وقد عرفوا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا بإسلامي – قال ‏:‏ فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب ‏!‏ قال ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏" ‏افتحوا له ، فإنه إن يرد الله به خيراً يهده‏ "‏‏ .‏ قال ‏:‏ ففتحوا لي ، وأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال‏ :‏ فقال ‏:‏ أرسلوه . قال ‏:‏ فأرسلوني ، فجلست بين يديه ، قال ‏:‏ فأخذ بمجمع قميصي فجذبني إليه ، ثم قال ‏:‏ ‏" ‏أسلم يا ابن الخطاب ، اللهم اهده ‏"‏‏ .‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ ‏" ‏أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله‏ "‏ ، فكبر المسلمون تكبيرة ، سمعت بطرق مكة - قال‏ :‏ وقد كان استخفى - قال ‏:‏ ثم خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً قد أسلم يضرب إلا رأيته - قال ‏:‏ فلما رأيت ذلك قلت ‏:‏ لا أحب إلا أن يصيبني ما يصيب المسلمين ، قال ‏:‏ فذهبت إلى خالي - وكان شريفاً فيهم - فقرعت الباب عليه ، فقال ‏:‏ من هذا ؟ فقلت‏ :‏ ابن الخطاب ‏.‏ قال ‏:‏ فخرج إليّ ، فقلت له ‏:‏ أشعرت أني قد صبوت ؟ قال ‏:‏ فعلت ؟ فقلت ‏:‏ نعم‏ .‏ قال ‏:‏ لا تفعل‏ !‏ قال ‏:‏ فقلت :‏ بلى ، قد فعلت ‏.‏ قال‏ :‏ لا تفعل ‏!‏ وأجاف الباب دوني وتركني ‏.‏ قال قلت ‏:‏ ما هذا بشيء ‏!‏ قال ‏:‏ فخرجت حتى جئت رجلاً من عظماء قريش ، فقرعت عليه الباب ، فقال ‏:‏ من هذا ؟ فقلت ‏:‏ عمر بن الخطاب ‏.‏ قال ‏:‏ فخرج إليّ ، فقلت له ‏:‏ أشعرت أني قد صبوت ؟ قال ‏:‏ فعلت ؟ فقلت ‏:‏ نعم ‏.‏ قال‏ :‏ فلا تفعل‏ !‏ قلت‏ :‏ قد فعلت ‏.‏ قال ‏:‏ لا تفعل‏ !‏ قال ‏:‏ ثم قام فدخل ، وأجاف الباب دوني‏ .‏ قال ‏:‏ فلما رأيت ذلك انصرفت ‏.‏ فقال لي رجل ‏:‏ تحب أن يعلم إسلامك ؟ قال قلت ‏:‏ نعم ‏.‏ قال ‏:‏ فإذا جلس الناس في الحجر واجتمعوا أتيت فلاناً - رجلاً لم يكن يكتم السر- فاصغ إليه ، وقل له - فيما بينك وبينه - ‏:‏‏ " ‏إني قد صبوت‏ "‏ ، فإنه سوف يظهر عليك ويصيح ويعلنه‏ .‏ قال ‏:‏ فاجتمع الناس في الحجر ، فجئت الرجل فدنوت منه ، فأصغيت إليه فيما بيني وبينه ، فقلت ‏:‏ أعلمت أني قد صبوت ؟ ‏"‏ فقال ‏:‏ ‏"‏ ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ ‏"‏‏ .‏ قال ‏:‏ فما زال الناس يضربونني وأضربهم ، قال‏ :‏ فقال خالي ‏:‏ ما هذا ؟ فقيل ‏:‏ ابن الخطاب !‏ قال :‏ فقام على الحجر فأشار بكمه فقال ‏:‏ ‏"‏ ألا إني قد أجرت ابن أختي ‏"‏‏ .‏ قال ‏:‏ فانكشف الناس عني ، وكنت لا أشاء أن أرى أحداً من المسلمين يضرب إلا رأيته وأنا لا أضرب ‏.‏ قال فقلت‏ :‏ ما هذا بشيء حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين ؟ قال ‏:‏ فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحجر ، وصلت إلى خالي فقلت ‏:‏ اسمع‏ .‏ فقال‏ :‏ ما أسمع ؟ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ جوارك عليك رد‏ .‏ قال‏ :‏ فقال ‏:‏ لا تفعل يا ابن أختي ‏.‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ بل هو ذاك ‏.‏ فقال ‏:‏ ما شئت ‏!‏ قال ‏:‏ فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام .

أنبأنا أبو جعفر بن أحمد بن علي بإسناده عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال‏ :‏ ثم إن قريشاً بعثت عمر بن الخطاب ، وهو يومئذ مشرك ، في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله في دار في أصل الصفا ، فلقيه النحام - وهو نعيم بن عبد الله بن أسيد ، وهو أخو بني عدي بن كعب ، قد أسلم قبل ذلك ، وعمر متقلد سيفه- فقال‏ :‏ يا عمر ، أين تريد ؟ فقال‏ :‏ أعند إلى محمد الذي سفه أحلام قريش ، وشتم آلهتهم ، وخالف جماعتهم ‏.‏ فقال النحام‏ :‏ والله لبئس الممشى يا عمر ‏!‏ ولقد فرطت وأردت هلكة عدي بن كعب‏ !‏ أو تراك تفلت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً ؟ فتحاوروا حتى ارتفعت أصواتهما ، فقال له عمر ‏:‏ إني لأظنك قد صبوت ، ولو أعلم ذلك لبدأت بك ‏!‏ فلما رأى النحام أنه غير منته قال‏ :‏ فإني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا ، واركوك وما أنت عليه من ضلالتك ‏.‏ فلما سمع عمر تلك يقولها قال‏ :‏ وأيهم ؟ قال ‏:‏ ختنك وابن عمك وأختك ‏.‏ فانطلق عمر حتى أتى أخته ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته طائفة من أصحابه من ذوي الحاجة ، نظر إلى أولي السعة ، فيقول ‏:‏ عندك فلان ‏.‏ فوافق ذلك ابن عم عمر وختنة - زوج أخته - سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت ، وقد أنزل الله تعالى ‏:‏ ‏{ ‏طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ‏} ‏‏.‏

وذكر نحو ما تقدم ، وفيه زيادة ونقصان ‏.‏ قال ابن إسحاق‏ :‏ فقال عمر عند ذلك - يعني إسلامه ‏:‏ والله لنحن بالإسلام أحق أن نبادي منا بالكفر ، فليظهرن بمكة دين الله ، فإن أراد قومنا بغياً علينا ناجزناهم ، وإن قومنا أنصفونا قبلنا منهم‏ .‏ فخرج عمر وأصحابه فجلسوا في المسجد ، فلما رأت قريش إسلام عمر سقط في أيديهم‏ .‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني نافع ، عن ابن عمر قال ‏:‏ لما أسلم عمر بن الخطاب قال ‏:‏ أي أهل مكة أنقل للحديث ؟ فقالوا‏ :‏ جميل بن معمر ‏.‏ فخرج عمر وخرجت وراء أبي ، وأنا غليم أعقل كل ما رأيت ، حتى أتاه فقال ‏:‏ يا جميل هل علمت أني أسلمت ؟ فو الله ما راجعه الكلام حتى قام يجر رداءه ، وخرج عمر يتبعه ، وأنا مع أبي ، حتى إذا قام على باب مسجد الكعبة ، صرخ بأعلى صوته ‏:‏ يا معشر قريش ، إن عمر قد صبأ ‏.‏ فقال عمر‏ :‏ كذبت‏ !‏ ولكني أسلمت ‏.‏ فثاوروه ، فقاتلوه وقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤوسهم ، فطلح وعرشوا على رأسه قياماً وهو يقول ‏:‏ ‏" ‏اصنعوا ما بدا لكم ، فأقسم بالله لو كنا ثلاثمائة رجل تركتموها لنا ، أو تركناها لكم‏ " ‏‏.‏

وذكر ابن إسحاق أن الذي أجار عمر هو العاص بن وائل أبو عمر بن العاص السهمي وإنما قال عمر إنه خاله لأن حنتمة أم عمر هي بنت هاشم بن المغيرة ، وأمها الشفاء بنت عبد قيس بن عدي بن سعد بن سهم السهمية ، فلهذا جعله خاله ، وأهل الأم كلهم أخوال ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص ‏:‏ ‏" ‏هذا خالي‏ "‏ لأنه زهري ، وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم زهرية‏ .‏ وكذلك القول في خاله الآخر الذي أغلق الباب في وجهه أنه أبو جهل ، فعلى قول من يجعل أم عمر أخت أبي جهل ، فهو خال حقيقة ، وعلى قول من يجعلها ابنة عم أبي جهل ، يكون مثل هذا‏ .‏

وكان إسلام عمر في السنة السادسة ، قاله محمد بن سعد‏ .‏

أخبرنا غير واحد إجازة قالوا‏ :‏ أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا أبو علي بن القهم أنبأنا محمد بن سعد ، أنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا أبو حرزة يعقوب بن مجاهد ، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي عمرو ذكوان قال ‏:‏ قلت لعائشة ‏:‏ من سمى عمر الفاروق ؟ قالت‏ :‏ النبي صلى الله عليه وسلم ‏.‏
حزرة‏ :‏ بفتح الحاء المهملة ، وتسكين الزاي ، وبعدها راء ، ثم هاء‏ .‏

قال وأنبأنا محمد بن سعد أنبأنا أحمد بن محمد الأزرقي المكي ، حدثنا عبد الرحمن بن حسن ، عن أيوب بن موسى قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ، وهو الفاروق ‏:‏ فرق الله به بين الحق والباطل‏ " ‏‏.‏

وقال ابن شهاب‏ :‏ بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر ‏:‏ الفاروق‏ .‏

أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري الدمشقي ، أنبأنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا :‏ أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة ، حدثنا أبو عبيدة السري بن يحيى بن أخي هناد بن السري بالكوفة ، حدثنا شعيث بن إبراهيم ، حدثنا سيف بن عمر ، عن وائل بن داود ، عن يزيد البهي قال ‏:‏ قال الزبير بن العوام :‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏" ‏اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب‏ " ‏‏.‏

أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا جعفر بن عون ويعلى بن عبيد والفضل بن دكين قالوا ‏:‏ حدثنا مسعر ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال ‏:‏ قال عبد الله بن مسعود‏ :‏ كان إسلام عمر فتحاً ‏.‏ وكانت هجرته نصراً ، وكانت إمارته رحمة ‏.‏ ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا‏ .‏

قال ‏:‏ وحدثنا ابن مردويه ، حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا الحسن بن علي المعمري ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا جرير ، عن عمر بن سعيد ، عن مسروق ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة قال ‏:‏ لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل ، لا يزداد إلا قرباً‏ .‏ فلما قتل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر ، لا يزداد إلا بعداً ‏.‏
هجرته رضي الله عنه
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله الدقاق إذناً ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، حدثنا أبو محمد الجوهري إملاء ، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد الحافظ ، حدثنا أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني بالبصرة ، حدثنا الزبير بن محمد بن خالد العثماني بمصر سنة خمس وستين ومائتين ، حدثنا عبد الله بن القاسم الأبلي ، عن أبيه ، عن عقيل بن خالد ، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن العباس قال ‏:‏ قال لي علي بن أبي طالب ‏:‏ ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً ، إلا عمر بن الخطاب ، فإنه لما همّ بالهجرة تقلد سيفه ، وتنكب قوسه ، وانتضى في يده أسهماً ، واختصر عنزته ، ومضى قبل الكعبة ، والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ، ثم أتى المقام فصلى متمكناً ، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة ، وقال لهم‏ :‏ شاهت الوجوه ، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس ، من أراد أن تثكله أمه ، ويوتم ولده ، ويرمل زوجته ، فليلقني وراء هذا الوادي‏ .‏ قال علي‏ :‏ فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه‏ .‏

أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال ‏:‏ حدثني نافع ، عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عمر بن الخطاب قال ‏:‏ لما اجتمعنا للهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص بن وائل ‏:‏ قلنا ‏:‏ الميعاد بيننا ‏" ‏التناضب من أضاة بني غفار ، فمن أصبح منكم لم يأتها فليمض صاحباه ‏.‏ فأصبحت عندها أنا وعياش بن أبي ربيعة ، وحبس عنا هشام ، وفتن فافتتن ‏.‏ وقدمنا المدينة‏ .‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ نزل عمر بن الخطاب ، وزيد بن الخطاب ، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة ، وحنيس بن حذافة ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وواقد بن عبد الله ، وخولي بن أبي خولي ، وهلال بن أبي خولي ، وعياش بن أبي ربيعة ، وخالد وإياس وعاقل بنو البكير ، نزل هؤلاء على رفاعة بن المنذر ، في بني عمرو بن عوف‏ .‏

أنبأنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن بدران ، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الفارسي ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال ‏:‏ أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار ، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى ، أخو بني فهر ‏.‏ ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ، فقلنا‏ :‏ ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ‏:‏ هو على أثري ‏.‏ ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه‏ .‏
شهوده رضي الله عنه بدراً وغيرها من المشاهد
شهد عمر بن الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً ، وأحداً ، والخندق وبيعة الرضوان ، وخيبر، والفتح ، وحنيناً ، وغيرها من المشاهد ، وكان أشد الناس على الكفار ‏.‏ وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسله إلى أهل مكة يوم الحديبية ، فقال ‏:‏ ‏" ‏يا رسول الله ، قد علمت قريش شدة عداوتي لها ، وإن ظفروا بي قتلوني‏ " ‏‏.‏ فتركه ، وأرسل عثمان ‏.‏

أنبأنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق - في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر – قال ‏:‏ وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين على واد يقال ‏:‏ ‏" ‏ذفران ‏"‏ ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعضه نزل ‏.‏ وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم ، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، فقال أبو بكر فأحسن ، ثم قام عمر فقال فأحسن ‏.‏ وذكر تمام الخبر ‏.‏

وهو الذي أشار بقتل أسارى المشركين ببدر ، والقصة مشهورة ‏.‏

وقال ابن إسحاق وغيره من أهل السير ، ممن شهد بدراً من بني عدي بن كعب ‏:‏ عمر بن الخطاب بن نفيل ، لم يختلفوا فيه ‏.‏
وشهد أيضاً أحداً ، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

أنبأنا عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال ‏:‏ حدثني الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة قالا‏ :‏ لما أراد أبو سفيان الانصراف أشرف على الجبل ، ثم نادى بأعلى صوته ‏:‏ إن الحرب سجال يوم بيوم بدر ، اعل هبل - أي أظهر دينك - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب ‏:‏ قم فأجبه ‏.‏ فقال ‏:‏ الله أعلى وأجل ، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، فلما أجاب عمر أبا سفيان قال أبو سفيان ‏:‏ هلم إليّ يا عمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏: " ‏ائته ، فانظر ما يقول‏ " ‏‏.‏ فجاءه ، فقال له أبو سفيان ‏:‏ أنشدك الله يا عمر ، أقتلنا محمداً ؟ قال ‏:‏ لا ، وإنه ليسمع كلامك الآن‏ .‏ فقال أبو سفيان ‏:‏ أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر - لقول ابن قمئة لهم‏ :‏ قد قتلت محمداً‏ .‏
علمه رضي الله عنه
أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي يعلى ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، حدثنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو بكر بن مردويه ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا عبد العزيز بن أبان ، حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال ‏:‏ قال ابن مسعود ‏:‏ لو أن علم عمر وضع في كفه ميزان ، ووضع علم الناس في كفه ميزان لرجح علم عمر ‏.‏ فذكرته لإبراهيم فقال ‏:‏ قد والله ، قال عبد الله أفضل من هذا‏ .‏ قلت ‏:‏ ماذا قال ؟ قال :‏ لما مات عمر ذهب تسعة أعشار العلم ‏.‏

أنبأنا إسماعيل بن علي بن عبيد وغيره بإسنادهم إلى محمد بن عيسى ‏:‏ حدثنا قتيبة حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ :‏ " رأيت كأني أتيت بقدح لبن ، فشربت منه ، وأعطيت فضلي عمر بن الخطاب ‏"‏‏.‏ فقالوا‏ :‏ ما أولته يا رسول الله ؟ قال ‏:‏ العلم ‏.‏

أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الحافظ إجازة أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو الأغر قراتكين بن الأسعد ، حدثنا أبو محمد الجوهري ، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الفضل بن الجراح ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله النيري ، حدثنا أبو السائب قال ‏:‏ سمعت شيخاً من قريش يذكر عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال ‏:‏ والله ما رأيت أحداً أرأف برعيته ، ولا خيراً من أبي بكر الصديق ‏.‏ ولم أر أحداً أقرأ لكتاب الله ، ولا أفقه في دين الله ، ولا أقوم بحدود الله ، ولا أهيب في صدور الرجال من عمر بن الخطاب ‏.‏ ولا رأيت أحداً أشد حياء من عثمان بن عفان ‏.‏
زهده وتواضعه رضي الله عنه
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو بكر بن المزرقي ، حدثنا أبو الحسين بن المهتدي ، أنبأنا علي بن عمر بن محمد الحربي ، حدثنا أبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي ، حدثنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال ‏:‏ قال طلحة بن عبيد الله ‏:‏ ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاماً ولا أقدمنا هجرة ، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا ، وأرغبنا في الآخرة ‏.‏

قال ‏:‏ وأنبأنا أبي ، حدثنا أبو علي القرئ كتابة - وحدثني أبو مسعود الأصبهاني عنه - أنبأنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي يحيى ، حدثنا أحمد بن سعيد بن جرير ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدوسي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة قال :‏ قال سعد بن أبي وقاص ‏:‏ والله ما كان عمر بأقدمنا هجرة ، وقد عرفت بأي شيء فضلنا ؛ كان أزهدنا في الدنيا ‏.‏

عن ابن أبي حبة وغيره ، أنبأنا أبو غالب بن البنا ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، وأبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس قالا ‏:‏ حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، أنبأنا الحسين بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت‏ :‏ أن عمر استسقى ، فأتي بإناء من عسل فوضعه على كفه – قال ‏:‏ فجعل يقول ‏:‏ ‏"‏ أشربها فتذهب حلاوتها وتبقى نقمتها‏ " ‏، قالها ثلاثاً ، ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه ‏.‏

أنبأنا أبو محمد القاسم بن علي ، أنبأنا أبي ، أنبأنا إسماعيل بن أحمد أبو القاسم ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى ، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا داود بن عمرو ، أنبأنا ابن أبي غنية ، هو يحيى بن عبد الملك ، حدثنا سلامة بن صبيح التميمي قال‏ :‏ قال الأحنف‏ :‏ كنت مع عمر بن الخطاب ، فلقيه رجل فقال ‏:‏ يا أمير المؤمنين ، انطلق معي فأعدني على فلان ، فإنه قد ظلمني ‏.‏ قال ‏:‏ فرفع الدرة فخفق بها رأسه فقال‏ :‏ تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم ، حتى إذا شغل في أمر من أمور المسلمين أتيتموه ‏:‏ أعدني أعدني ‏!‏ قال ‏:‏ فانصرف الرجل وهو يتذمر – قال ‏:‏ عليّ الرجل ‏.‏ فألقى إليه المخفقة وقال ‏:‏ امتثل‏ .‏ فقال ‏:‏ لا والله ، ولكن أدعها لله ولك ‏.‏ قال ‏:‏ ليس هكذا ، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده أو تدعها لي ، فأعلم ذلك ‏.‏ قال ‏:‏ أدعها لله ‏.‏ قال ‏:‏ فانصرف ‏.‏ ثم جاء يمشي حتى دخل منزله ونحن معه ، فصلى ركعتين وجلس فقال‏ :‏ يا ابن الخطاب ، كنت وضيعاً فرفعك الله ، وكنت ضالاً فهداك الله ، وكنت ذليلاً فأعزك الله ، ثم حملك على رقاب الناس فجاءك رجل يستعديك فضربته ، ما تقول لربك غداً إذا أتيته ؟ قال ‏:‏ فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة حتى ظننا أنه خير أهل الأرض ‏.‏

قال ‏:‏ وحدثنا أبي ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن ، أنبأنا أبو الحسين المهتدي ، أنبأنا عيسى بن علي ، أنبأنا عبد الله بن محمد ، حدثنا داود بن عمرو ، حدثنا عبد الجبار بن الورد ، عن ابن بن مليكة قال ‏:‏ بينما عمر قد وضع بين يديه طعاماً إذ جاء الغلام فقال ‏:‏ هذا عتبة بن فرقد بالباب ، قال ‏:‏ وما أقدم عتبة ؟ ائذن له ‏.‏ فلما دخل رأى بين يدي عمر طعامه ‏:‏ خبز وزيت ‏.‏ قال ‏:‏ اقترب يا عتبة فأصب من هذا ‏.‏ قال‏ :‏ فذهب يأكل فإذا هو طعام جشب لا يستطيع أن يسيغه ‏.‏ قال ‏:‏ يا أمير المؤمنين ، هل لك في طعام يقال له ‏:‏ الحواري ؟ قال ‏:‏ ويلك ، ويسع ذلك المسلمين كلهم ؟ قال ‏:‏ لا والله ‏.‏ قال ‏:‏ ويلك يا عتبة ، أفأردت أن آكل طيباً في حياتي الدنيا وأستمتع ؟ ‏.‏

وقال محمد بن سعد ‏:‏ أنبأنا الوليد بن الأغر المكي ، حدثنا عبد الحميد بن سليمان ، عن أبي حازم قال ‏:‏ دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته ، فقدمت إليه مرقاً بارداً وخبزاً وصبت في المرق زيتاً ، فقال ‏:‏ أدمان في إناء واحد ‏!‏ لا أذوقه حتى ألقى الله عز وجل ‏.‏

أنبأنا عمر بن محمد بن طبرزد ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية وأبو بكر بن إسماعيل قالا ‏:‏ حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، حدثنا الحسين بن الحسن ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت عن أنس قال ‏:‏ لقد رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه ‏.‏

وأنبأنا غير واحد إجازة ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد ، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن بن محمد ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي ، حدثني أبي ، حدثنا شعبة ، عن سعيد الجريري ، عن أبي عثمان قال ‏:‏ رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمرة وعليه غزار مرقوع بقطعة جراب‏ .‏
فضائله رضي الله عنه ‏
‏أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن سرايا بن علي الفقيه ، وأبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز ، وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فناخسرو التكريتي وغيرهم بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل الجعفي ‏:‏ حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أنبأنا الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن سهاب قال ‏:‏ أخبرني سعيد بن المسيب رضي الله عنه ‏:‏ أن أبا هريرة قال‏ :‏ بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال‏ :‏ بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر ، فقلت‏ :‏ لمن هذا القصر ؟ قالت ‏:‏ لعمر ‏.‏ فذكرت غيرته ، فوليت مدبراً ‏.‏ فبكى عمر وقال ‏:‏ أعليك أغار يا رسول الله ؟‏!‏‏.‏

قال‏ :‏ وحدثنا محمد بن إسماعيل ‏:‏ حدثنا محمد بن عبيد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما دون ذلك‏ " ‏، وعرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا :‏ فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال ‏:‏ ‏" ‏الدين‏ "‏‏ .‏

أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد ، حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏" ‏إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما يرى الكوكب الدري في الأفق من آفاق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ‏"‏‏ .‏

أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الدمشقي ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي ، أنبأنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثنا محمد بن الصباح ، حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن النضر أبي عمر الخزار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتقض حراء ‏‏قال ‏:‏ " اسكن‏ "‏ حراء ، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد ‏.‏ وكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن ، وسعد ، وسعيد بن زيد ‏.‏

قال ‏:‏ وأنبأنا أبو الحسن خيثمة‏ :‏ حدثنا محمد بن عوف الطائي وأبو يحيى بن أبي سبرة قالا‏ :‏ حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك ، حدثنا المعلى بن هلال ، حدثنا ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال‏ :‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏" ‏وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل ، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر ‏"‏‏ .‏

قال ‏:‏ وأنبأنا خيثمة ، أنبأنا إبراهيم بن أبي العنبس القاضي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، أنبأنا يونس بن أبي إسحاق ، عن الشعبي ، عن علي بن أبي طالب قال ‏:‏ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ‏" ‏يا علي ، هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين ، ثم قال لي ‏:‏ يا علي ، لا تخبرهما ‏" ‏‏.‏

أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد وغيره بإسنادهم عن أبي عيسى الترمذي ‏:‏ حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عامر هو العقدي ، حدثنا خارجة بن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر :‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏" ‏إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ‏" ‏‏.‏

قال ‏:‏ وقال ابن عمر ‏:‏ ‏" ‏ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه ، وقال فيه عمر- أو‏ :‏ قال ابن الخطاب - شك خارجة - إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر ‏" ‏‏.‏

وذلك نحو ما قال في أسارى بدر ، فإنه أشار بقتلهم ، وأشار غيره بمفاداتهم ، فأنزل الله تبارك وتعالى ‏:‏ ‏{ ‏لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم فيه عذاب عظيم‏ }‏‏ .‏ وقوله في الحجاب ، فأنزله الله تعالى ، وقوله في الخمر ‏.‏

قال ‏:‏ وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي أبو محمد ، حدثني عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال ‏:‏ قال عمر لأبي بكر‏ :‏ يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر ‏:‏ أما إنك إن قلت ذلك ، فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ ‏" ‏ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر‏ "‏‏ .‏

قال ‏:‏ وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا المقرئ ، عن حيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ‏" ‏لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب‏ " ‏‏.‏

قال ‏:‏ وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس :‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ " دخلت الجنة ، فإذا أنا بقصر من ذهب ، فقلت ‏:‏ لمن هذا ؟ " فقالوا ‏:‏ لشاب من قريش ، فظننت أني أنا هو ، فقلت ‏:‏ " ومن هو ؟ " قالوا ‏:‏ عمر بن الخطاب ‏.‏

قال‏ :‏ وأنبأنا أبو عيسى ، حدثنا الحسين بن حريث ، أنبأنا علي بن الحسين بن واقد ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الله بن بريدة قال ‏:‏ سمعت بريدة يقول ‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه ، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت ‏:‏ يا رسول الله ، إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى ‏.‏ قال ‏:‏ " إن كنت نذرت فاضربي ، وإلا فلا‏ " .‏ فجعلت تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها ، وقعدت عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ :‏ " إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ، إني كنت جالساً وهي تضرب ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخلت أنت يا عمر فألقت الدف " ‏.‏

قال‏ :‏ وحدثنا أبو عيسى ‏:‏ حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏" ‏قد كان يكون في الأمم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب ‏" ‏‏.‏

أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا محمد بن سفيان بن إبراهيم ، حدثنا مسلم بن سعيد ، أنبأنا مجاشع بن عمرو ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسن ‏:‏ أن عمر بن الخطاب خطب إلى قوم من قريش بالمدينة فردوه ، وخطب إليهم المغيرة بن شعبة ، فزوجوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ لقد ردوا رجلاً ما في الأرض رجل خيراً منه‏ " ‏‏.‏

قال ‏:‏ وأنبأنا أبو بكر قال‏ :‏ أنبأنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي ، حدثنا عيسى بن هارون بن الفرج ، حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا إسحاق بن بشر ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال ‏:‏ أكثروا ذكر عمر ، فإنكم إذا ذكرتموه ذكرتم العدل ، وإذا ذكرتم العدل ذكرتم الله تبارك وتعالى‏ .‏

قال‏ :‏ وأنبأنا أبو بكر ، حدثنا عبد الله بن إسحاق ، حدثنا جعفر الصائغ ، حدثنا حسين بن محمد المرودي ، حدثنا فرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، عن أبيه ‏:‏ أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض له في خطبته أن قال ‏:‏ ‏" ‏يا سارية بن حصن ، الجبل الجبل - من استرعى الذئب ظلم‏ " ‏‏.‏ فتلفت الناس بعضهم إلى بعض ، فقال علي ‏:‏ صدق ، والله ليخرجن مما قال ‏.‏ فلما فرغ من صلاته قال له علي‏ :‏ ما شيء سنح لك في خطبتك ؟ قال ‏:‏ وما هو ؟ قال ‏:‏ قولك ‏:‏ ‏" ‏يا سارية ، الجبل الجبل ، من استرعى الذئب ظلم . قال ‏:‏ وهل كان ذلك مني ؟ قال‏ :‏ نعم ، وجميع أهل المسجد قد سمعوه ‏.‏ قال ‏:‏ إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا ، فركبوا أكتافهم ، وأنهم يمرون بجبل ، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا ، وأن جاوزا هلكوا ، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته ‏.‏ قال‏ :‏ فجاء البشير بالفتح بعد شهر ، فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة ، حين جاوزوا الجبل صوت يشبه صوت عمر ، يقول ‏:‏ ‏" ‏يا سارية بن حصن ، الجبل الجبل‏ "‏ قال ‏:‏ فعدلنا إليه ، ففتح الله علينا‏ .‏

قال ‏:‏ وحدثنا أبو بكر ، حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر ، حدثنا أبو عتاب سهل بن حماد ، حدثنا المختار بن نافع ، عن أبي حيان التيمي ، عن أبيه ، عن علي قال‏ :‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ :‏ ‏" ‏رحم الله أبا بكر ، زوجني ابنته ، وحملني إلى دار الهجرة ، وأعتق بلالاً من ماله ، رحم الله عمر ، يقول الحق وإن كان مراً ، تركه الحق وماله من صديق‏ " ‏‏.‏

قال ‏:‏ وحدثنا أبو بكر حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا إسحاق بن سعيد الدمشقي ، حدثنا سعيد بن بشير ، عن حرب بن الخطاب ، عن روح ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال‏ :‏ إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ركب رجل بقرة فقالت البقرة ‏:‏ ‏" ‏إنا والله ما لهذا خلقنا‏ !‏ ما خلقنا إلا للحراثة‏ "‏‏ .‏ فقال القوم‏ :‏ سبحان الله‏ !‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏ :‏ ‏" ‏أشهد ، وأبو بكر وعمر يشهدان ، وليسا ثم ‏" ‏‏.‏

قال ‏:‏ وحدثنا أبو بكر ‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا بكر بن سهل ، حدثنا عبد الغني بن سعيد ، حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال‏ :‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ إن الله عز وجل يباهي بالناس يوم عرفة عامة ، ويباهي بعمر بن الخطاب خاصة‏ "‏‏ .‏

أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب ، أنبأنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج ، أنبأنا الحسن بن أحمد بن شاذان ، أنبأنا عثمان بن أحمد بن السماك ، حدثنا أحمد بن الخليل البرجلاني ، حدثنا أبو النضر المسعودي ، عن أبي نهشل ، عن أبي وائل قال ‏:‏ قال عبد الله بن مسعود‏ :‏ فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع‏ :‏ بذكر الأسرى يوم بدر ، أمر بقتلهم ، فأنزل الله تعالى ‏:‏ ‏" ‏لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم‏ " ‏‏.‏ وبذكر الحجاب ، أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن ، فقالت زينب ‏:‏ إنك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا ، فأنزل الله تعالى ‏:‏ ‏{ ‏وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب‏ }‏ وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ‏" ‏اللهم أيد الإسلام بعمر ‏"‏، وبرأيه في أبي بكر ‏.‏

أنبأنا أبو محمد ، أنبأنا آبي ، أنبأنا أبو طالب علي بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين ، أنبأنا أبو محمد بن النحاس ، أنبأنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدثنا الغلابي - وهو محمد بن زكريا - حدثنا بشر بن حجر السامي ، حدثنا حفص بن عمر الدارمي ، عن الحسن بن عمارة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سويد بن غفلة قال ‏:‏ مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر ، وينتقصونهما ، فأتيت علي بن أبي طالب فقلت‏ :‏ يا أمير المؤمنين إني مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر وينتقصونهما ، ولولا أنهما يعلمون أنك تضمر لهما على ذلك لما اجترءوا عليه ‏!‏ فقال علي ‏:‏ معاذ الله أن أضمر لهما إلا على الجميل ‏!‏ ألا لعنة الله على من يضمر لهما إلا الحسن‏ !‏ ثم نهض دامع العين يبكي ، فنادى ‏:‏ الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، وإنه لعلى المنبر جالس ، وإن دموعه لتتحادر على لحيته ، وهي بيضاء ، ثم قام يخطب خطبة بليغة موجزة ، ثم قال ‏:‏ ‏" ‏ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه ومما يقولون بريء ، وعلى ما يقولون معاقب ، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا كل مؤمن تقي ، ولا يبغضهما إلا كل فاجر غوي ، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه ووزيراه ‏.‏‏. ‏‏" ‏‏.‏

قال ‏:‏ وأنبأنا أبي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور الفقيه ، حدثنا أبو بكر الخطيب ، حدثنا محمد بن أحمد بن رزق ، حدثنا أحمد بن علي بن عبد الجبار بن خيرويه أبو سهل الكلوذاني ، حدثنا محمد بن يونس القرشي ، حدثنا روح بن عبادة، عن عوف عن قسامة بن زهير قال ‏:‏ وقف أعرابي على عمر بن الخطاب فقال‏ :‏
يا عمر الخير جزيت الجنة ** جهز بنياتي واكسهـنـه
أقسم بالله لتفـعـلـنـه ** ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏. ‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

قال ‏:‏ فإن لم أفعل يكون ماذا يا أعرابي ؟ قال‏ :‏ أقسم بالله لأمضينه ‏.‏ قال ‏:‏ فإن مضيت يكون ماذا يا أعرابي ؟ قال ‏:‏
والله عن حالي لتسألنـه ** ثم تكون المسألات عنه
والواقف المسؤول بينهنه ** إما إلى نار وإما جنـه

قال ‏:‏ فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه ، ثم قال ‏:‏ يا غلام ، أعطه قميصي هذا ، لذلك اليوم لا لشعره ، والله ما أملك قميصاً غيره‏ !‏‏ .‏

وروى زيد بن أسلم ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب طاف ليلة ، فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون ، وإذا قدر على النار قد ملأتها ماء ، فدنا عمر بن الخطاب من الباب ، فقال‏ :‏ يا أمة الله ، أيش بكاء هؤلاء الصبيان؟ فقالت ‏:‏ بكاؤهم من الجوع ‏.‏ قال‏ :‏ فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت ‏:‏ قد جعلت فيها ماء أعللهم بها حتى يناموا ، أوهمهم أن فيها شيئاً من دقيق وسمن‏ .‏ فجلس عمر فبكى ، ثم جاء إلى دار الصدقة فأخذ غرارة ، وجعل فيها شيئاً من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم ، حتى ملأ الغرارة ، ثم قال‏ :‏ يا أسلم، احمل عليّ‏ .‏ فقلت ‏:‏ يا أمير المؤمنين ، أنا أحمله عنك ‏!‏ فقال لي‏ :‏ لا أم لك يا أسلم ، أنا أحمله لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة – قال :‏ فحمله على عنقه ، حتى أتى به منزل المرأة – قال ‏:‏ وأخذ القدر ، فجعل فيها شيئاً من دقيق وشيئاً من شحم وتمر ، وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر - قال أسلم ‏:‏ وكانت لحيته عظيمة ، فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته ، حتى طبخ لهم ، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا ، ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سبع ، وخفت منه أن أكلمه ، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا ، ثم قال‏ :‏ يا أسلم، أتدري لم ربضت بحذائهم ؟ قلت ‏:‏ لا يا أمير المؤمنين ‏!‏ قال ‏:‏ رأيتهم يبكون ، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون ، فلما ضحكوا طابت نفسي ‏.‏
خلافته رضي الله عنه وسيرته
أنبأنا محمد بن محمد بن سرايا وغير واحد بإسنادهم ، عن محمد بن إسماعيل قال ‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا عبيد الله ، حدثني أبو بكر بن سالم ، عن سالم ، عن عبد الله بن عمر ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏ :‏ ‏" ‏رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب ، فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً ، والله يغفر له ، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً ، فلم أر عبقرياً يفري فريه ، حتى روي النس ، وضربوا بعطن ‏" ‏‏.‏ وهذا لما فتح الله على عمر من البلاد ، وحمل من الأموال ، وما غنمه المسلمون من الكفار ‏.‏

وقد ورد في حديث آخر ‏:‏ ‏" ‏وإن وليتموها - يعني الخلافة - تجدوه قوياً في الدنيا ، قوياً في أمر الله ‏:‏ ، وقد تقدم ‏.‏

قال أحمد بن عثمان‏ :‏ أنبأنا أبو مسعود سليمان ، أنبأنا أبو بكر بن مردويه الحافظ قال‏ :‏ حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا هاشم بن مرثد ، حدثنا أبو صالح الفراء ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء - أو‏ :‏ عن زيد بن وهب - أن سويد بن غفلة الجعفي دخل على علي بن أبي طالب في إمارته فقال ‏:‏ يا أمير المؤمنين ، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعر بغير الذي هم أهل له من الإسلام‏ .‏ وذكر الحديث ، قال ‏:‏ فلما حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة قال ‏:‏ مروا أبا بكر أن يصلي بالناس ، وهو يرى مكاني ، فصلى بالناس سبعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قبض الله نبيه ارتد الناس عن الإسلام ، فقالوا ‏:‏ نصلي ولا نعطى الزكاة ، فرضي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أبو بكر منفرداً برأيه ، فرجح برأيه رأيهم جميعاً ، وقال ‏:‏ ‏"‏ والله لو منعوني عقالاً ما فرض الله ورسوله لجاهدتهم عليه ، كما أجاهدهم على الصلاة ‏" ‏‏.‏ فأعطى المسلمون البيعة طائعين ، فكان أول من سبق في ذلك من ولد عبد المطلب أنا ، فمضى رحمة الله عليه وترك الدنيا وهي مقبلة ، فخرج منها سليماً ، فسار فينا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا ننكر من أمره شيئاً ، حتى حضرته الوفاة ، فرأى أن عمر أقوى عليها ، ولو كانت محاباة لآثر بها ولده ، واستشار المسلمين في ذلك ، فمنهم من رضي ، ومنهم من كره ، وقالوا ‏:‏ أتؤمر علينا من كان عناناً وأنت حي ؟ فماذا تقول لربك إذا قدمت عليه ؟ قال ‏:‏ أقول لربي إذا قدمت عليه ‏:‏ إلهي أمرت عليهم خير أهلك‏ "‏ فأمر علينا عمر ، فقام فينا بأمر صاحبيه ، لا ننكر منه شيئاً ، نعرف فيه الزيادة كل يوم في الدين والدنيا ، فتح الله به الأرضين ، ومصر به الأمصار ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، البعيد والقريب سواء في العدل والحق ، وضرب الله بالحق على لسانه وقلبه ، حتى إن كنا لنظن أن السكينة تنطق على لسانه ، وأن ملكاً بين عينيه يسدده ويوفقه ‏.‏‏.‏

قال‏ :‏ وأنبأنا ابن مردويه ، حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا أحمد بن القاسم البزار ، حدثنا يحيى بن مسعود ، حدثني عبد الله بن محمد بن أيوب ، حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن الهاشمي ، عن عبد خير ، عن علي بن أبي طالب قال‏ :‏ إن الله جعل أبا بكر وعمر حجة على من بعدهما من الولاة إلى يوم القيامة ، فسبقا والله سبقاً بعيداً ، وأتعبا والله من بعدهما إتعاباً شديداً ، فذكرهما حزن للأمة ، وطعن على الأئمة ‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله إذناً ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا أبو عمر ، أنبأنا أبو الحسن ، أنبأنا الحسين بن القهم ، حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا محمد بن عمر ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن عبد المجيد بن سهيل ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (‏ح‏) قال ‏:‏ وأخبرنا بردان بن أبي النضر ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، قال ‏:‏ وأنبأنا عمرو بن عبد الله بن عنبسة ، عن أبي النضر ، عن عبد الله البهي - دخل حديث بعضهم في بعض - أن أبا بكر الصديق لما مرض دعا عبد الرحمن - يعني ابن عوف - فقال له ‏:‏ أخبرني عن عمر بن الخطاب‏ .‏ فقال عبد الرحمن ‏:‏ ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني ‏!‏ قال أبو بكر ‏:‏ وإن‏ !‏ فقال عبد الرحمن ‏:‏ هو والله أفضل من رأيك فيه ‏.‏ ثم دعا عثمان بن عفان فقال ‏:‏ أخبرني عن عمر ‏.‏ فقال ‏:‏ أنت أخبرنا به‏ !‏ فقال ‏:‏ على ذلك يا أبا عبد الله‏ .‏ فقال عثمان ‏:‏ اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته ، وأن ليس فينا مثله ‏!‏ فقال أبو بكر : يرحمك الله‏ !‏ والله لو تركته ما عدوتك ‏.‏ وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور ، وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار ، فقال أسيد ‏:‏ ‏" ‏اللهم أعلمه الخيرة بعدك ، يرضى للرضى ، ويسخط للسخط ، الذي يسر خير من الذي يعلن ، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه ‏"‏ ، وسمع بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به ، فدخلوا على أبي بكر ، فقال له قائل منهم ‏:‏ ‏"‏ ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا ، وقد ترى غلظته ؟‏ "‏ فقال أبو بكر ‏:‏ أجلسوني ، أبالله تخوفونني ؟ خاب من تزود من أمركم بظلم ، أقول ‏:‏ ‏" ‏اللهم ، استخلفت عليهم خير أهلك ، أبلغ عني ما قلت لك من وراءك ‏"‏ ثم اضطجع ، ودعا عثمان بن عفان فقال‏ :‏ اكتب ‏:‏ ‏" ‏بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها ، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها ، حيث يؤمن الكافر ، ويوقن الفاجر ، ويصدق الكاذب ؛ أنني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب ، فاسمعوا له وأطيعوا ، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً ، فإن عدل فذلك ظني به ، وعلمي فيه ، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت ، ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والسلام عليكم ورحمة الله ‏" ‏‏.‏ ثم أمر بالكتاب فختمه ، ثم أمره فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب ، وأسد بن سعية القرظي ، فقال عثمان للناس ‏:‏ أتبايعون لمن في هذا الكتاب? فقالوا‏ :‏ نعم ، وقال بعضهم‏ :‏ قد علمنا به - قال ابن سعد ‏:‏ على القائل - وهو عمر ، فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا ، ثم دعا أبو بكر عمر خالياً فأوصى بما أوصاه به ، ثم خرج فرفع أبو بكر يديه مداً ، ثم قال ‏:‏ اللهم ، إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة ، فعملت فيهم ما أنت أعلم به ، واجتهدت لهم رأيي ، فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم ، وأحرصهم على ما فيه رشدهم ، وقد حضرني من أمرك ما حضرني ، فاخلفني فيهم ، فهم عبادك ، ونواصيهم بيدك ، وأصلح لهم ولاتهم ، واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي الرحمة وهدى الصالحين بعد ، وأصلح له رعيته ‏.‏

وروى صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ‏:‏ أنه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه فأصابه مفيقاً ، فقال له عبد الرحمن :‏ أصبحت بحمد الله بارئاً ‏.‏ فقال أبو بكر ‏:‏ تراه ؟ قال ‏:‏ نعم ‏.‏ قال ‏:‏ إني على ذلك لشديد الوجع ، وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي ، إني وليت أمركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم من ذلك أنفه ، يريد أن يكون الأمر له ، قد رأيتم الدنيا قد أقبلت ولما تقبل ، وهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج ، وتألموا من الاضطجاع على الصوف الأذربي، كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان ‏.‏

أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم ، أنبأنا آبي ، أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا عيسى بن علي ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا داود بن عمرو ، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن الصلت بن بهرام ، عن يسار قال‏ :‏ لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال ‏:‏ يا أيها الناس ، إني قد عهدت عهداً أفترضون به ؟ فقال الناس ‏:‏ قد رضينا يا خليفة رسول الله‏ .‏ فقال علي ‏:‏ لا نرضى إلا أن يكون عمر بن الخطاب ‏.‏

أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصري التغلبي ، أنبأنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني وأبو القاسم السين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا ‏:‏ أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء ، أنبأنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة ، حدثنا سليمان بن عبد الحميد المهراني ، أنبأنا عبد الغفار بن داود الحراني ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاري ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن أبي خيثمة ، عن جدته الشفاء - وكانت من المهاجرات الأول- وأن عمر إذا دخل السوق أتاها ، قال ‏:‏ سألتها من أول من كتب ‏:‏ ‏"‏عمر أمير المؤمنين‏ " ؟ قالت ‏:‏ كتب عمر إلى عامله على العراقين ‏:‏ ‏" ‏أن ابعث إليّ برجلين جلدين نبيلين ، أسألهما عن أمر الناس‏ "‏ ، قال‏ :‏ فبعث إليه بعدي بن حاتم ، ولبيد بن ربيعة ، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ، ثم دخلا المسجد ، فاستقبلا عمرو بن العاص ، فقالا ‏:‏ استأذن لنا على أمير المؤمنين ‏.‏ فقلت ‏:‏ أنتما والله أصبتما اسمه ، وهو الأمير ، ونحن المؤمنون‏ .‏ فانطلقت حتى دخلت على عمر ، فقلت‏ :‏ يا أمير المؤمنين ‏.‏ فقال‏ :‏ لتخرجن مما قلت أو لأفعلن‏ !‏ قلت‏ :‏ يا أمير المؤمنين ، بعث عامل العراقين بعدي بن حاتم ولبيد بن ربيعة ، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ، ثم استقبلاني فقالا ‏:‏ استأذن لنا على أمير المؤمنين ، فقلت ‏:‏ أنتما والله أصبتما ، اسمه هو الأمير ، ونحن المؤمنون ‏.‏
وكان قبل ذلك يكتب ‏:‏ ‏" ‏من عمر خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ " ‏، فجرى الكتاب ‏"‏ من عمر أمير المؤمنين‏ "‏ من ذلك اليوم ‏.‏

وقيل ‏:‏ إن عمر قال ‏:‏ إن أبا بكر كان يقال له ‏:‏ ‏"‏ يا خليفة رسول الله‏ " ‏، ويقال لي ‏:‏ يا خليفة خليفة رسول الله ، وهذا يطول ، أنتم المؤمنون وأنا أميركم‏ .‏ وقيل ‏:‏ إن المغيرة بن شعبة قال له ذلك ، والله أعلم ‏.‏
سيرته
وأما سيرته فإنه فتح الفتوح ومصر الأمصار ، ففتح العراق ، والشام ، ومصر ، والجزيرة ، وديار بكر ، وأرمينية ، وأذربيجان ، وأرانيه ، وبلاد الجبال ، وبلاد فارس ، وخوزستان وغيرها ‏.‏

وقد اختلف في خراسان ، فقال بعضهم ‏:‏ فتحها عمر ، ثم انتقضت بعده ففتحها عثمان ‏.‏ وقيل‏ :‏ إنه لم يفتحها ، وإنما فتحت أيام عثمان ‏.‏ وهو الصحيح‏ .‏

وأدر العطاء على الناس ، ونزل نفسه بمنزلة الأجير وكآحاد المسلمين في بيت المال ، ودون الدواوين ، ورتب الناس على سابقتهم في العطاء والإذن والإكرام ، فكان أهل بدر أول الناس دخولاً عليه ، وكان عليّ أولهم ‏.‏ وكذلك فعل بالعطاء ، وأثبت أسماءهم في الديوان على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبدأ ببني هاشم ، والأقرب فالأقرب ‏.‏

أنبأنا القاسم بن علي بن الحسن إجازة ، أنبأنا أبي ، أنبأتا فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلويه قالت‏ :‏ أنبأنا أبو بكر أحمد بن الخطيب ، أنبأنا أبو بكر الحيري ، أنبأنا أبو العباس الأصم ، أنبأنا الربيع قال ‏:‏ قال الشافعي ‏:‏ أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع ، عن الثقة - أحسبه محمد بن علي بن الحسن أو غيره - عن مولى لعثمان بن عفان قال‏ :‏ بينا أنا مع عثمان في مال له بالعالية في يوم صائف ، إذ رأى رجلاً يسوق بكرين ، وعلى الأرض مثل الفراش من الحر ، فقال ‏:‏ ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح‏ .‏ ثم دنا الرجل فقال‏ :‏ انظر من هذا ؟ فنظرت فقلت ‏:‏ أرى رجلاً معتماً بردائه ، يسوق بكرين ‏.‏ ثم دنا الرجل فقال ‏:‏ انظر ‏.‏ فنظرت فإذا عمر بن الخطاب ، فقلت ‏:‏ هذا أمير المؤمنين ‏.‏ فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فإذا نفح السموم ، فأعاد رأسه حتى حاذاه ، فقال ‏:‏ ما أخرجك هذه الساعة ؟ فقال ‏:‏ بكران من إبل الصدقة تخلفا ، وقد مضي بإبل الصدقة ، فأردت أن ألحقهما بالحمى ، وخشيت أن يضيعا ، فيسألني الله عنهما‏ .‏ فقال عثمان ‏:‏ يا أمير المؤمنين ، هلم إلى الماء والظل ونكفيك ‏.‏ فقال ‏:‏ عد إلى ظلك ‏.‏ فقلت ‏:‏ عندنا من يكفيك‏ !‏ فقال ‏:‏ عد إلى ظلك‏ .‏ فمضى ، فقال عثمان ‏:‏ من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا ‏!‏ فعاد إلينا فألقى نفسه ‏.‏

روى السري بن يحيى ، حدثنا يحيى بن مصعب الكلبي ، حدثنا عمر بن نافع الثقفي ، عن أبي بكر العبسي قال ‏:‏ دخلت حين الصدقة مع عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، فجلس عثمان في الظل ، وقام عليّ على رأسه يملي عليه ما يقول عمر ، وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر ، عليه بردتان سوداوان ، متزر بواحدة وقد وضع الأخرى على رأسه ، وهو يتفقد إبل الصدقة ، فيكتب ألوانها وأسنانها ‏.‏ فقال علي لعثمان‏ :‏ أما سمعت قول ابنة شعيب في كتاب الله عز وجل ‏:‏ ‏{ ‏إن خير من استأجرت القوي الأمين‏ }‏، وأشار علي بيده إلى عمر ، فقال ‏:‏ هذا هو القوي الأمين ‏.‏

أنبأنا غير واحد إجازة ، عن أبي غالب بن البناء ، أنبأنا أبو علي الحسن بن محمد بن فهد العلاف ، حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن حماد الموصلي ، حدثنا أبو الحسين محمد بن عثمان ، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، حدثنا موسى بن داود الضبي ، أنبأنا محمد بن صبيح ، عن إسماعيل بن زياد قال ‏:‏ مر علي بن أبي طالب على المساجد في شهر رمضان ، وفيها القناديل ، فقال ‏:‏ نور الله على عمر قبره كما نور علينا مساجدنا ‏.‏

وروى حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، قال ‏:‏ خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى مكة ، فما ضرب فسطاطاً ولا خباءً حتى رجع ‏.‏ وكان إذا نزل يلقي له كساء أو نطع على الشجر ، فيستظل به ‏.‏

وروى موسى بن إبراهيم المروزي ، عن فضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد قال ‏:‏ أنفق عمر بن الخطاب في حجة حجها ثمانين درهماً من المدينة إلى مكة ، ومن مكة إلى المدينة ، قال ‏:‏ ثم جعل يتأسف ويضرب بيده على الأخرى ، ويقول ‏:‏ ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا في مال الله تعالى‏ .‏

أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم إذناً ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيويه وأبو بكر بن إسماعيل قالا ‏:‏ أنبأنا يحيى بن محمد أنبأنا الحسين بن الحسن ، أنبأنا ابن المبارك ، عن مالك بن مغول ‏:‏ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال ‏:‏ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فإنه أهون- أو قال ‏:‏ أيسر – لحسابكم ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتجهزوا للعرض الأكبر ‏"‏ يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ‏"‏ وله في سيرته أشياء عجيبة عظيمة ، لا يستطيعها إلا من وفقه الله تعالى ، فرضي الله عنه وأرضاه ، بمنه وكرمه ‏.‏
مقتله رضي الله عنه
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمج بن الحسن الشافعي ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن خليل ، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي ، أنبأنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان ، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان ، حدثنا عبد الله بن الحسن الهاشمي ، حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، حدثنا قتادة ، عن أنس قال‏ :‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف ، فضربه برجله وقال‏ :‏ اثبت أحد ، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان ‏.‏

أنبأنا القاسم بن علي بن الحسن كتابة ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو محمد بن طاوس ، أنبأنا طراد بن محمد - وأنبأنا به عالياً أبو الفضل عبد الله بن أحمد ، أنبأنا طراد بن محمد إجازة إن لم يكن سماعاً ، أنبأنا الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو علي بن صفوان ، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد بن المسيب ‏:‏ أن عمر بن الخطاب لما نفر من منى ، أناخ بالأبطح ، ثم كوم كومة من البطحاء ، فألقى عليها طرف ردائه ، ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء ، ثم قال‏ :‏ اللهم كبرت سني ، وضعفت قوتي ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط‏ !‏ فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات ‏.‏

أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم ، أنبأنا أبي ، أنبأني أبو محمج بن الأكفاني ، أنبأنا عبد العزيز الكناني ، أنبأنا تمام بن محمد ، وعبد الرحمن بن عثمان ، وعقيل بن عبد الله ، قال ‏:‏ وأخبرني أبو محمد بن الأكفاني ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عقيل بن الكزبري ، أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر التميمي ، أنبأنا أحمد بن القاسم بن معروف ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم ، عن جبير بن مطعم ، قال ‏:‏ حججت مع عمر آخر حجة حجها ، فبينا نحن واقفون على جبل عرفة ، صرخ رجل فقال‏ :‏ يا خليفة ‏.‏ فقال رجل من لهب - وهو حي من أزد شنوءة يعتافون - ‏:‏ ما لك ؟ قطع الله لهجتك - وقال عقيل ‏:‏ لهاتك - والله لا يقف عمر على هذا الجبل بعد هذا العام أبداً‏ .‏ قال جبير ‏:‏ فوقعت بالرجل اللهبي فشتمته ، حتى إذا كان الغد وقف عمر وهو يرمي الجمار ، فجاءت عمر حصاة عاثرة من الحصى الذي يرمي به الناس ، فوقعت في رأسه ففصدت عرقاً من رأسه ، فقال رجل‏ :‏ أشعر أمير المؤمنين ورب الكعبة ، لا يقف عمر على هذا الموقف أبداً بعد هذا العام - قال جبير ‏:‏ فذهبت ألتفت إلى الرجل الذي قال ذلك ، فإذا هو اللهبي ، الذي قال لعمر على جبل عرفة ما قال‏ .‏ لهب‏ :‏ بكسر اللام ، وسكون الهاء ‏.‏

أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحصن الفقيه بإسناده عن أبي يعلى ، حدثنا أحمد بن إبراهيم البكري ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال ‏:‏ خطب عمر الناس ، فقال ‏:‏ رأيت كأن ديكاً نقرني نقرة أو نقرتين ، ولا أدري ذلك إلا لحضور أجلي ، فإن عجل بي أمر فإن الخلافة شورى في هؤلاء الرهط الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ‏.‏

وأنبأنا أحمد بن عثمان ، أنبأنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ، أنبأنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم ، أنبأنا أبو بكر بن مردويه ، حدثنا عبد الله بن إسحاق ، حدثنا محمد بن الجهم السمري ، حدثنا جعفر بن عون ، أنبأنا محمد بن بشر ، عن مسعر بن كدام ، عن عبد الملك بن عمير ، عن الصقر بن عبد الله ، عن عروة ، عن عائشة قالت‏ :‏ بكت الجن على عمر قبل أن يموت بثلاث ، فقالت ‏:‏
أبعد قتيل بالمـدينة أصـبـحـت ** له الأرض تهتز العضاه بأسـوق
جزى الله خيراً من أمير وباركت ** يد الله في ذاك الأديم المـمـزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ** بوائق في أكمامها لم تـفـتـق
فما كنت أخشى أن يكون مماتـه ** بكفى سبنتي أخضر العين مطرق

قيل ‏:‏ إن هذه الأبيات للشماخ ، أو لأخيه مزرد‏ .‏

أنبأنا مسمار بن عمر بن العويس النيار وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فناخسرو وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل ‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل ، أنبأنا أبو عوانة ، عن حصين ، عن عمرو بن ميمون قال ‏:‏ رأيت عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بأيام بالمدينة ، وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال ‏:‏ كيف فعلتما ؟ أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق ؟ قالا ‏:‏ حملناها أمراً هي له مطيقة ، وما فيها كبير فضل ‏.‏ قال ‏:‏ انظرا أن تكون حملتما الأرض ما لا تطيق ‏.‏ قالا‏ :‏ لا ‏.‏ فقال عمر ‏:‏ لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً – قال ‏:‏ فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب – قال ‏:‏ إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب ، وكان إذا مر بين الصفين قال ‏:‏ استووا ، حتى إذا لم ير فيهن خللاً تقدم فكبر ، وربما قرأ بسورة ‏" ‏يوسف ‏"‏ أو ‏" ‏النحل ‏"‏ أو نحو ذلك في الركعة الأولى ، حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول ‏:‏ قتلني – أو ‏:‏ أكلني الكلب - حين طعنه ، فطار العلج بسكين ذات طرفين ، لا يمر على أحد يميناً وشمالاً إلا طعنه ، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة ، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنساً ، فلما ظن أنه مأخوذ نحر نفسه ، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه ، فمن يلي عمر ، فقد رأى الذي أرى ، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون ، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهو يقولون ‏:‏ ‏" ‏سبحان الله ، سبحان الله‏ "‏ فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة ، فلما انصرفوا قال‏ :‏ يا بن عباس ، انظر من قتلني ‏.‏ فجال ساعة ، ثم جاء المسجد فقال ‏:‏ غلام المغيرة بن شعبة ‏.‏ قال ‏:‏ الصنع ؟ قال ‏:‏ نعم ‏.‏ قال :‏ قاتله الله ‏!‏ لقد أمرت به معروفاً‏ !‏ الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة - وكان العباس أكثرهم رقيقاً – فقال ‏:‏ إن شئت فعلت ؟ أي ‏:‏ إن شئت قتلنا فقال‏ :‏ كذبت ‏!‏ بعدما تكلموا بلسانكم ، وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم‏ .‏ واحتمل إلى بيته ، فانطلقنا معه ، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ ، فقائل يقول ‏:‏ لا بأس . وقائل يقول ‏:‏ أخاف عليه‏ .‏ فأتي بنبيذ فشربه ، فخرج من جوفه ‏.‏ ثم أتي بلبن فشربه ، فخرج من جوفه ‏.‏ فعرفوا أنه ميت ‏.‏ فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه ، وجاء غلام شاب فقال ‏:‏ أبشر - يا أمير المؤمنين - ببشرى الله له ، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة ‏.‏ قال ‏:‏ وددت أن ذلك كفافاً ، لا علي ولا لي‏ .‏ فلما أدبرا إذا إزاره يمس الأرض ، قال‏ :‏ ردوا عليّ الغلام ، قال ‏:‏ يا بن أخي ، ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك ، وأتقى لربك ، يا عبد الله بن عمر ، انظر ما عليّ من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه – قال ‏:‏ إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم ، وإلا فسل في بني عدي ، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ، ولا تعدهم إلى غيرهم ، فأد عني هذا المال ، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل لها‏ :‏ يقرأ عليك عمر السلام - ولا تقل ‏" ‏أمير المؤمنين‏ "‏ فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً- وقل‏"‏ يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه ‏.‏ فسلم واستأذن ، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ، فقال ‏:‏ يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ‏.‏ فقالت ‏:‏ كنت أريده لنفسي ، ولأوثرن به اليوم على نفسي ‏.‏ فلما أقبل قيل ‏:‏ هذا عبد الله بن عمر قد جاء ‏.‏ قال ‏:‏ ارفعوني ‏.‏ فأسنده رجل إليه ، فقال ‏:‏ ما لديك ؟ قال ‏:‏ الذي تحب ، قد أذنت ‏.‏ قال ‏:‏ الحمد لله ، ما كان شيء أهم إليّ من ذلك ، فإذا أنا قبضت فاحملوني ، ثم سلم فقل ‏:‏ يستأذن عمر بن الخطاب ، فإن أذنت فأدخلوني ، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين ‏.‏ وجاءت أم المؤمنين حفصة ، والنساء تسير معها ، فلما رأيناها قمنا ، فولجت عليه فبكت عنده ساعة ، واستأذن الرجال ، فولجت داخلاً لهم ، فسمعنا بكاءها من الداخل ، فقالوا‏ :‏ أوص يا أمير المؤمنين ‏.‏ استخلف ‏.‏ قال ‏:‏ ما أجد أحق بهذا من هؤلاء النفر- أو‏ :‏ الرهط - الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ‏.‏ فسمى ‏:‏ علياً ، وعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وسعداً ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقال ‏:‏ يشهدكم عبد الله بن عمر ، وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له - فإذا أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك ، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر ، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة ‏.‏‏.‏ وذكر الحديث وقد تقدم في ترجمة عثمان بن عفان ‏.‏

وروى سماك بن حرب ، عن ابن عباس أن عمر قال لابنه عبد الله ‏:‏ خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب ، لعل الله يرحمني‏ !‏ وويل لي وويل لآمي إن لم يرحمني الله عز وجل ‏!‏ فإذا أنا مت فاغمض عيني ، واقصدوا في كفني ، فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه ، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي ، وأنشد ‏:‏
ظلوم لنفسي غير إني مسلم ** أصلي الصلاة كلها وأصوم

أنبأنا أبو محمد ، أخبرنا أبي ، أنبأتنا أم المجتبى العلوية ، قالت‏ :‏ قرأ على إبراهيم بن منصور ، أخبرنا أبو محمد بن المقري ، أنبأنا أبو يعلى ، أنبأنا أبو عباد قطن بن نسير الغبري ، أنبأنا جعفر بن سليمان ، حدثنا ثابت ، عن أبي رافع قال ‏:‏ كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة ، وكان يصنع الأرحاء وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم ، فلقي أبو لؤلؤة عمر فقال ‏:‏ يا أمير المؤمنين ، إن المغيرة قد أثقل عليّ غلتي ، فكلمه يخفف عني ‏.‏ فقال له عمر ‏:‏ اتق الله ، وأحسن إلى مولاك - ومن نية عمر أن يلقى المغيرة فيكلمه يخفف عنه ، فغضب العبد وقال‏ :‏ وسع الناس كلهم عدله غيري ‏.‏ فأضمر على قتله ، فاصطنع له خنجراً له رأسان ، وشحذه وسمه ، ثم أتى به الهرمزان فقال ‏:‏ كيف ترى هذا ؟ قال‏ :‏ أرى ، أنك لا تضرب به أحداً إلا قتلته‏ .‏ قال ‏:‏ فتحين أبو لؤلؤة عمر ، فجاءه في صلاة الغداة حتى قام وراء عمر - وكان عمر إذا أقيمت الصلاة يقول ‏:‏ ‏" ‏أقيموا صفوفكم ‏" ‏، فقال كما كان يقول ، فلما كبر ووجأه أبو لؤلؤة في كتفه ووجأه في خاصرته ، وقيل ‏:‏ ضربه ست ضربات ، فسقط عمر ، وطعن بخنجره ثلاثة عشر رجلاً ، فهلك منهم سبعة وأفرق منهم ستة ، وحمل عمر فضهب به ‏.‏ وقيل ‏:‏ إن عمر قال لأبي لؤلؤة‏ :‏ ألا تصنع لنا رحاً ؟ قال ‏:‏ بلى ، اصنع لك رحاً يتحدث بها أهل الأمصار ‏.‏ ففزع عمر من كلمته ، وعليّ معه ، فقال علي ‏:‏ إنه يتوعدك يا أمير المؤمنين ‏.‏

قال ‏:‏ وأنبأنا أبي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيويه ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن محمد ، حدثنا محمد بن سعد ، أنبأنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل بن يونس ، عن كثير النواء ، عن أبي عبيد ، مولى ابن عباس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‏:‏ كنت مع علي فسمعنا الصيحة على عمر ، قال ‏:‏ فقام وقمت معه ، حتى دخلنا عليه البيت الذي هو فيه فقال‏ :‏ ما هذا الصوت ؟ فقالت له امرأة ‏:‏ سقاه الطبيب نبيذاً فخرج ، وسقاه لبناً فخرج ، وقال‏ :‏ لا أرى أن تمسي فما كنت فاعلاً فافعل ‏.‏ فقالت أم كلثوم ‏:‏ واعمرا‏ !‏ وكان معها نسوة فبكين معها ، وارتج البيت بكاء ، فقال عمر‏ :‏ والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع ‏.‏ فقال ابن عباس ‏:‏ والله إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى ‏:‏ ‏" ‏وإن منكم إلا واردها‏ "‏ إن كنت - ما علمنا - لأمير المؤمنين ، وأمين المؤمنين ، وسيد المؤمنين ، تقضي بكتاب الله ، وتقسم بالسوية ‏.‏ فأعجبه قولي ، فاستوى جالساً فقال ‏:‏ أتشهد لي بهذا يا ابن عباس ؟ قال‏ :‏ فكففت ، فضرب على كتفي فقال ‏:‏ أشهد ‏.‏ فقلت ‏:‏ نعم ، أنا أشهد‏ .‏

ولما قضى عمر رضي الله عنه - صلى عليه صهيب ، وكبر عليه أربعاً‏ .‏

أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبة بإسناده عن عبد الله بن أحمد قال‏ :‏ حدثني أبي ، أنبأنا علي بن إسحاق ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا عمر بن سعيد بن أبي حسين ، عن ابن أبي مليكة ‏:‏ أنه سمع ابن عباس يقول ‏:‏ وضع عمر على سريره ، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم ، فلم يرعني ، غلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي ، فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب ، فترحم على عمر وقال ‏:‏ ما خلفت أحداً أحب إليّ ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله ، إن كنت لأظن ليجعلنك الله مع صاحبيك ، وذلك أني كنت أكثر أن أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر‏ .‏ وإن كنت أظن ليجعلنك الله معهما ‏.‏

ولما توفي عمر صلي عليه في المسجد ، وحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غسله ابنه عبد الله ، ونزل في قبره ابنه عبد الله ، وعثمان بن عفان ، وسعيد بن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف ‏.‏

روى أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه أنه قال ‏:‏ طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة ، سنة ثلاث وعشرين ، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين ، وكانت خلافته عشر سنين ، وخمسة أشهر ، وأحداً وعشرين يوماً‏ .‏

وقال عثمان بن محمد ‏ :‏ هذا وهم ، توفي عمر لأربع ليال بقين من ذي الحجة ، وبويع عثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة‏ .‏

وقال ابن قتيبة ‏:‏ ضربه أبو لؤلؤة يوم الاثنين لأربع بقين من ذي الحجة ، ومكث ثلاثاً ، وتوفي ، فصلى عليه صهيب ، وقبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر‏ .‏

وكانت خلافته عشر سنين ، وستة أشهر ، وخمس ليال ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وقيل ‏:‏ كان عمره خمساً وخمسين سنة ، والأول أصح ما قيل في عمر ‏.‏

أنبأنا أحمد بن عثمان بن أبي علي، والحسين بن يوحن بن اتويه بن النعمان الباوردي قالا ‏:‏ حدثنا الفضل بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الرحمن البيلي الأصبهاني ، أخبرنا أبو القاسم أحمد بن منصور الخليلي البلخي ، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي ، أنبأنا أبو سعيد الهيثم بن كليب بن شريح بن معقل الشاشي ، أنبأنا أبو عيسى الترمذي ، قال ‏:‏ حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن جرير ، عن معاوية أنه سمعه يخطب قال :‏ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وأبو بكر وعمر وأنا ابن ثلاث وستين سنة ‏.‏
وقال قتادة‏ :‏ طعن عمر يوم الأربعاء ، ومات يم الخميس ‏.‏

وكان عمر أعسر يسر‏ :‏ يعمل بيديه ‏.‏ وكان أصلع طويلاً ، قد فرع الناس ، كأنه على دابة‏ .‏

قال الواقدي ‏:‏ كان عمر أبيض أمهق ، تعلوه حمرة ، يصفر لحيته وإنما تغير لونه عام الرمادة لأنه أكثر أكل الزيت ، لأنه حرم على نفسه السمن واللبن حتى يخصب الناس فتغير لونه ‏.‏

وقال سماك ‏:‏ كان عمر أروح كأنه راكب ، وكأنه من رجال بني سدوس ‏.‏ والأروح‏ :‏ الذي يتدانى قدماه إذا مشى ‏.‏

وقال زر بن حبيش ‏:‏ كان عمر أعسر يسر ، آدم ‏.‏

وقال الواقدي ‏:‏ لا يعرف عندنا أن عمر كان آدم إلا أن يكون رآه عام الرمادة ‏.‏

قال أبو عمر ‏:‏ وصفه زر بن حبيش وغيره أنه كان آدم شديد الأدمة ، وهو الأكثر عند أهل العلم ‏.‏

وقال أنس ‏:‏ كان عمر يخضب بالحناء بحتاً ‏.‏

وهو أول من اتخذ الدرة ، وأول من جمع الناس على قيام رمضان ، وهو أول من سمي ‏" ‏أمير المؤمنين‏ " ‏، وأكثر الشعراء مراثيه ، فمن ذلك قول حسان بن ثابت الأنصاري ‏:‏
ثلاثة برزوا بـفـضـلـهـم ** نضرهم ربهـم إذا نـشـروا
فليس من مؤمن لـه بـصـر ** ينكر تفضيلـهـم إذا ذكـروا
عاشوا بلا فرقة ثـلاثـتـهـم ** واجتمعوا في الممات إذ قبروا

وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت زوج عمر بن الخطاب‏ :‏
عين جـودي بـعــبـــرة ونـــحـــيب ** لا تـمـلـي عـلـى الإمـام الـنــجـــيب
فجعتني المنون بالفارس المعلم ** يوم الهياج والتلبيب
عصمة الناس والمعين على الدهر ** وغيث المنتاب والمحروب

رزاح ‏:‏ بفتح الراء ، والزاي ‏.‏

المرجع أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير