ريمة مطهر
04-03-2011, 08:30 PM
تجويد الخط في المصحف الشريف
جاء في الفهرست : أنَّ أول مَن كتب المصاحف في الصدر الأول ، ووصف بحسن الخط (( خالد بن أبي الهياج )) ، وكان كاتباً للوليد بن عبد الملك ( 86-89 هـ /705-708م ) ، كتب له المصاحف والأشعارَ والأخبار ، وهو الذي كتب في قِبلة المسجد النبوي بالذهب من ( والشمس وضحاها ) إلى آخر القرآن ، وكان عمر بن عبد العزيز مِمن اطّلع على خطّه وأعجب به ، وطلب منه أن يكتب له مصحفًا تفنّـن في خطه ، فقلَّبه عمر واستحسنه إلا أنه استكثر ثمنه فرده عليه .
ثم جاء بعده (( مالك بن دينار )) ، وهو مولى لأسامة بن لؤي بن غالب ، ويكنّى بأبي يحيى ، واشتهر بتجويد الخط ، وكتب المصاحف مقابل أجر كان يتقاضاه .
وممن اشتهر بتجويد الخط في العصر الأموي أيضًا (( قطبة المحرِّر )) وهو من كتَّاب الدولة ، يقول عنه ابن النديم : (( استخرج الأقلام الأربعة ، واشتق بعضها من بعض ، وكان قطبة من أكتب الناس على الأرض بالعربية )) . وإليه ينسب تحويل الخط العربي من الكوفي إلى الخط الذي هو عليه الآن .
أما في العصر العباسي ، وفي خلافة أبي العباس السفاح (132-136 هـ / 749-754م) فقد انتهت جودة الخط إلى (( الضحاك بن عجلان )) يقول ابن النديم : (( فزاد على قطبة ، فكان بعده أكتب الخلق )) . وممن جوَّد الخطَ في عهدي المنصور (136-158 هـ / 754-775م) والمهدي (158- 169 هـ/775-785م) ((إسحاق بن حمَّاد )) الذي زاد في تجويده على (( الضحاك بن عجلان )) .
وظل الخط العربي يرقى ويتنوع حتى وصل إلى عشرين نوعًا على رأس المائة الثالثة من الهجرة عندما انتهت رئاسة الخط إلى الوزير أبي علي محمد بن علي بن مقلة ، وأخيه أبي عبد الله الحسن بن علي . يقول ابن النديم : (( وهذان رجلان لم يُرَ مثلهما في الماضي إلى وقتنا هذا ، وعلى خط أبيهما مقلة كتبا .. وقد كتب في زمانهما جماعة ، وبعدهما من أهلهما وأولادهما ، فلم يقاربوهما ، وإنما يندر للواحد منهما الحرف بعد الحرف ، والكلمة بعد الكلمة ، وإنما الكمال كان لأبي علي وأبي عبد الله .. ورأيت مصحفًا بخط جدهما مقلة )) .
قام الوزير ابن مقلة بحصر الأنواع التي وصل إليها الخطُّ العربي في عصره إلى ستة أنواع هي : الثلث ، والنسخ ، والتوقيع ، والريحان ، والمحقق ، والرقاع . وهو الذي أكمل ما بدأه قطبة المحرِّر من تحويل الخط الكوفي إلى الشكل الذي هو عليه الآن . وأول من قدَّر مقاييس وأبعاد النقط ، وأحكم ضبطها وهندسها .
ومع نهاية القرن الرابع الهجري ، وبداية القرن الخامس الهجري انتقلت رئاسة الخط العربي إلى أبي الحسن علي بن هلال الكاتب البغدادي المعروف بابن البواب ، أو بابن الستري ، وكان حافظًا للقرآن ، و كان يقال له : الناقل الأول ؛ لأنه هذب وعظَّم وصحَّح خطوط ابن مقلة في النسخ والثلث اللذين قلبهما من الخط الكوفي ، واخترع ابن البواب عدَّة أقلام ، وبلغ في جودة الخط مبلغًا عظيمًا ، لم يبلغه أحد مثله .
وفي القرن السابع الهجري انتهت رئاسة الخط إلى عدد من الخطاطين منهم : ياقوت بن عبد الله الموصلي أمين الدين الملكي ، المتوفى سنة 618 هـ ، كاتب السلطان ملكشاه (465-485 هـ / 1072-1092م) ، وقد أخذ الخط عن الشيخة المحدِّثة الكاتبة (( شهدة بنت أحمد الإبَري الدينوري )) ، المتوفاة ببغداد سنة 574 هـ ، وهي ممن أخذ الخط عن ابن البواب ، وكان ياقوت الموصلي مولعًا بنسخ معجم " الصحاح " ، للجوهري ، وكتب منه نسخًا كثيرة ، باع النسخة بمائة دينار .
ومنهم ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي ، شهاب الدين ، المتوفى سنة 626هـ ، صاحب كتاب (( معجم البلدان )) ، وكتاب (( معجم الأدباء )) .
ومنهم ياقوت بن عبد الله الرومي المُستَعْصِمي ، المتوفى ببغداد سنة 698 هـ ، وهو من أشهر من جوَّد الخط في ذلك الزمن ، قلَّد ابن مقلة ، وابن البواب ، وكان أديبًا شاعرًا خازنًا بدار الكتب المستنصرية . يقول عنه طاش كبري زاده : (( وهو الذي طبق الأرض شرقًا وغربًا اسمه ، وسار ذكره مسير الأمطار في الأمصار ، وأذعن لصنعته الكل ، واعترفوا بالعجز عن مداناة رتبته فضلاً عن الوصول إليها ؛ لأنه سحر في الكتابة سحرًا لو رآه السامري لقال : إن هذا سحر حلال )) .
وكان ياقوت المستعصمي يمثل نهاية الاحتكار العراقي للخط المجوَّد المنسوب ، حيث أخذت المراكز الثقافية الأخرى في العالم الإسلامي تنافس بغداد في الاهتمام بالخط وتجويده .
ففي مصر عُرف تجويد الخط منذ عصر الدولة الطولونية (254-292 هـ /868-905م) ، وفي العصر الفاطمي (358-567 هـ /968-1171م) وصلت إلى مستوى المنافسة مع بغداد عاصمة العباسيين ، واستمرت كذلك في عصر الأيوبيين (569-650 هـ / 1174-1252م) إلى أن جاء العصر المملوكي (648-932 هـ /1220-1517م) ، حيث بلغت مركز الصدارة ، وظهرت فيها كتبٌ تناولت نظريات فن الخط وتعليمه ، مثل : مقدمة ابن خلدون ، وصبح الأعشى للقلقشندي .
وفي شمال الشام تطور فنُّ الخط منذ أواخر القرن الخامس الهجري ، وأجاد السوريون الشماليون خط النسخ ، وخطَّ الطومار ومشتقاته .
وفي تركيا ، حيث قامت الدولة العثمانية (699-1341 هـ /1299-1922م) بلغت العناية بتجويد الخط حدًّا بعيدًا ، وأنشئت في الآستانة سنة 1326 هـ أول مدرسة خاصة لتعليم الخط والنقش والتذهيب ، وطوَّروا ما أخذوه من مدارس سبقتهم في تجويد الخط ؛ مثل : قلم الثلث والثلثين اللذين أخذوهما من المدرسة المصرية ، وخط النسخ من السلاجقة ، بل وزادوا على ذلك أقلامًا جديدة لأول مرة ؛ مثل الرقعة ، والديواني ، وجلي الديواني ، وتفردوا أيضًا بخط الطغراء ، وهو في أصله توقيع سلطاني ، وخط الإجازة وهو يجمع بين النسخ والثلث ، والهمايوني ، وهو خط مُوَلّد عن الديواني .
لم يتفوق الأتراك العثمانيون في الخط فقط ، بل وفي تذهيب المصاحف وزخرفتها .
ولم يزل الأتراك ممسكين بزمام التفوق في تطور الخط العربي حتى سنة 1342 هـ عندما استبدلوا بالحرف العربي الحرفَ اللاتيني ، حيث انتقل قياد التفوق الخطي إلى مصر مرة أخرى .
فقد استقدم الملك فؤاد (1335-1355 هـ / 1917-1936م) في سنة 1921م أشهر الخطاطين في الآستانة ، وهو الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي ، فكتب له مصحفًا في ستة شهور ، وذهّبه وزخرفه في ثمانية شهور .
وفي منتصف شهر أكتوبر سنة 1922م فُتحت مدرسةٌ لتعليم الخطوط العربية ، وكان في مقدمة أساتذتها الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي ، وقد تخرجت أول دفعة في هذه المدرسة في يونيه سنة 1925م ، وبعد فترة ألحق بها قسم في فن الزخرفة والتذهيب .
استقطبت مصر عددًا من الخطاطين الأتراك منهم : عبد الله بك الزهدي ( خطاط المسجد النبوي ، المتوفى بمصر سنة 1296 هـ ) ، ومحمد عبد العزيز الرفاعي ، وأحمد كامل ، تخرج على أيديهم عدد من الخطاطين المصريين ، وغيرهم من مختلف البلاد الإسلامية .
وفي إيران لم تكن العناية بالخط العربي ، وكتابة المصاحف أقل منها في تركيا ، ونبغ الإيرانيون في مجال التذهيب ، حتى تفوقوا على الأتراك في هذا الفن ، كما عرفوا خطوطًا خاصة بهم منها : خط الشكسته ، وهو أقدم خط عرفه الفرس ، وخط التعليق ، وهو خط فارسي ظهر في أواخر القرن السابع الهجري ، وخط النسخ تعليق الذي يجمع بين خطي النسخ والتعليق ، الذي ظهر في القرن التاسع الهجري . وفي الوقت الذي أخذ فيه الأتراك عن الفرس خط التعليق وبرعوا فيه ، فإن الفرس لم ينجحوا في إجادة الخط الديواني الذي أخذوه من الأتراك . أما شمال إفريقية فقد انتقل الخط إليها عن طريق المدينة ، ثم الشام ، فعُرف الخط المغربي ، وانتشر في شمال إفريقية ووسطها وغربها وفي الأندلس . ومن الخطوط التي ظهرت في هذا الجزء من العالم الإسلامي خط القيروان الذي اتخذ الخط الكوفي أساسًا له ، وخط المهدية ، وخط الأندلس الذي احتل المكانة الأولى في كل شمال إفريقية في أواخر عهد الموحدين (524-668 هـ /1130-1269م) ، ثم ظهر الخط الفاسي ، ثم ظهر الخط السوداني الذي عرف اعتبارًا من القرن السابع الهجري . وفي الجناح الشرقي من البلاد الإسلامية كان الغزنويون ، والسلاجقة العظام لا يقلون اهتمامًا بالخط عن نظرائهم في البلاد الإسلامية الأخرى ، ومثلهم في ذلك الإيلخانيون ، والتيموريون ، والجلائرون في القرنين السابع والثامن الهجريين .
المصدر
موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، بتصرف .
جاء في الفهرست : أنَّ أول مَن كتب المصاحف في الصدر الأول ، ووصف بحسن الخط (( خالد بن أبي الهياج )) ، وكان كاتباً للوليد بن عبد الملك ( 86-89 هـ /705-708م ) ، كتب له المصاحف والأشعارَ والأخبار ، وهو الذي كتب في قِبلة المسجد النبوي بالذهب من ( والشمس وضحاها ) إلى آخر القرآن ، وكان عمر بن عبد العزيز مِمن اطّلع على خطّه وأعجب به ، وطلب منه أن يكتب له مصحفًا تفنّـن في خطه ، فقلَّبه عمر واستحسنه إلا أنه استكثر ثمنه فرده عليه .
ثم جاء بعده (( مالك بن دينار )) ، وهو مولى لأسامة بن لؤي بن غالب ، ويكنّى بأبي يحيى ، واشتهر بتجويد الخط ، وكتب المصاحف مقابل أجر كان يتقاضاه .
وممن اشتهر بتجويد الخط في العصر الأموي أيضًا (( قطبة المحرِّر )) وهو من كتَّاب الدولة ، يقول عنه ابن النديم : (( استخرج الأقلام الأربعة ، واشتق بعضها من بعض ، وكان قطبة من أكتب الناس على الأرض بالعربية )) . وإليه ينسب تحويل الخط العربي من الكوفي إلى الخط الذي هو عليه الآن .
أما في العصر العباسي ، وفي خلافة أبي العباس السفاح (132-136 هـ / 749-754م) فقد انتهت جودة الخط إلى (( الضحاك بن عجلان )) يقول ابن النديم : (( فزاد على قطبة ، فكان بعده أكتب الخلق )) . وممن جوَّد الخطَ في عهدي المنصور (136-158 هـ / 754-775م) والمهدي (158- 169 هـ/775-785م) ((إسحاق بن حمَّاد )) الذي زاد في تجويده على (( الضحاك بن عجلان )) .
وظل الخط العربي يرقى ويتنوع حتى وصل إلى عشرين نوعًا على رأس المائة الثالثة من الهجرة عندما انتهت رئاسة الخط إلى الوزير أبي علي محمد بن علي بن مقلة ، وأخيه أبي عبد الله الحسن بن علي . يقول ابن النديم : (( وهذان رجلان لم يُرَ مثلهما في الماضي إلى وقتنا هذا ، وعلى خط أبيهما مقلة كتبا .. وقد كتب في زمانهما جماعة ، وبعدهما من أهلهما وأولادهما ، فلم يقاربوهما ، وإنما يندر للواحد منهما الحرف بعد الحرف ، والكلمة بعد الكلمة ، وإنما الكمال كان لأبي علي وأبي عبد الله .. ورأيت مصحفًا بخط جدهما مقلة )) .
قام الوزير ابن مقلة بحصر الأنواع التي وصل إليها الخطُّ العربي في عصره إلى ستة أنواع هي : الثلث ، والنسخ ، والتوقيع ، والريحان ، والمحقق ، والرقاع . وهو الذي أكمل ما بدأه قطبة المحرِّر من تحويل الخط الكوفي إلى الشكل الذي هو عليه الآن . وأول من قدَّر مقاييس وأبعاد النقط ، وأحكم ضبطها وهندسها .
ومع نهاية القرن الرابع الهجري ، وبداية القرن الخامس الهجري انتقلت رئاسة الخط العربي إلى أبي الحسن علي بن هلال الكاتب البغدادي المعروف بابن البواب ، أو بابن الستري ، وكان حافظًا للقرآن ، و كان يقال له : الناقل الأول ؛ لأنه هذب وعظَّم وصحَّح خطوط ابن مقلة في النسخ والثلث اللذين قلبهما من الخط الكوفي ، واخترع ابن البواب عدَّة أقلام ، وبلغ في جودة الخط مبلغًا عظيمًا ، لم يبلغه أحد مثله .
وفي القرن السابع الهجري انتهت رئاسة الخط إلى عدد من الخطاطين منهم : ياقوت بن عبد الله الموصلي أمين الدين الملكي ، المتوفى سنة 618 هـ ، كاتب السلطان ملكشاه (465-485 هـ / 1072-1092م) ، وقد أخذ الخط عن الشيخة المحدِّثة الكاتبة (( شهدة بنت أحمد الإبَري الدينوري )) ، المتوفاة ببغداد سنة 574 هـ ، وهي ممن أخذ الخط عن ابن البواب ، وكان ياقوت الموصلي مولعًا بنسخ معجم " الصحاح " ، للجوهري ، وكتب منه نسخًا كثيرة ، باع النسخة بمائة دينار .
ومنهم ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي ، شهاب الدين ، المتوفى سنة 626هـ ، صاحب كتاب (( معجم البلدان )) ، وكتاب (( معجم الأدباء )) .
ومنهم ياقوت بن عبد الله الرومي المُستَعْصِمي ، المتوفى ببغداد سنة 698 هـ ، وهو من أشهر من جوَّد الخط في ذلك الزمن ، قلَّد ابن مقلة ، وابن البواب ، وكان أديبًا شاعرًا خازنًا بدار الكتب المستنصرية . يقول عنه طاش كبري زاده : (( وهو الذي طبق الأرض شرقًا وغربًا اسمه ، وسار ذكره مسير الأمطار في الأمصار ، وأذعن لصنعته الكل ، واعترفوا بالعجز عن مداناة رتبته فضلاً عن الوصول إليها ؛ لأنه سحر في الكتابة سحرًا لو رآه السامري لقال : إن هذا سحر حلال )) .
وكان ياقوت المستعصمي يمثل نهاية الاحتكار العراقي للخط المجوَّد المنسوب ، حيث أخذت المراكز الثقافية الأخرى في العالم الإسلامي تنافس بغداد في الاهتمام بالخط وتجويده .
ففي مصر عُرف تجويد الخط منذ عصر الدولة الطولونية (254-292 هـ /868-905م) ، وفي العصر الفاطمي (358-567 هـ /968-1171م) وصلت إلى مستوى المنافسة مع بغداد عاصمة العباسيين ، واستمرت كذلك في عصر الأيوبيين (569-650 هـ / 1174-1252م) إلى أن جاء العصر المملوكي (648-932 هـ /1220-1517م) ، حيث بلغت مركز الصدارة ، وظهرت فيها كتبٌ تناولت نظريات فن الخط وتعليمه ، مثل : مقدمة ابن خلدون ، وصبح الأعشى للقلقشندي .
وفي شمال الشام تطور فنُّ الخط منذ أواخر القرن الخامس الهجري ، وأجاد السوريون الشماليون خط النسخ ، وخطَّ الطومار ومشتقاته .
وفي تركيا ، حيث قامت الدولة العثمانية (699-1341 هـ /1299-1922م) بلغت العناية بتجويد الخط حدًّا بعيدًا ، وأنشئت في الآستانة سنة 1326 هـ أول مدرسة خاصة لتعليم الخط والنقش والتذهيب ، وطوَّروا ما أخذوه من مدارس سبقتهم في تجويد الخط ؛ مثل : قلم الثلث والثلثين اللذين أخذوهما من المدرسة المصرية ، وخط النسخ من السلاجقة ، بل وزادوا على ذلك أقلامًا جديدة لأول مرة ؛ مثل الرقعة ، والديواني ، وجلي الديواني ، وتفردوا أيضًا بخط الطغراء ، وهو في أصله توقيع سلطاني ، وخط الإجازة وهو يجمع بين النسخ والثلث ، والهمايوني ، وهو خط مُوَلّد عن الديواني .
لم يتفوق الأتراك العثمانيون في الخط فقط ، بل وفي تذهيب المصاحف وزخرفتها .
ولم يزل الأتراك ممسكين بزمام التفوق في تطور الخط العربي حتى سنة 1342 هـ عندما استبدلوا بالحرف العربي الحرفَ اللاتيني ، حيث انتقل قياد التفوق الخطي إلى مصر مرة أخرى .
فقد استقدم الملك فؤاد (1335-1355 هـ / 1917-1936م) في سنة 1921م أشهر الخطاطين في الآستانة ، وهو الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي ، فكتب له مصحفًا في ستة شهور ، وذهّبه وزخرفه في ثمانية شهور .
وفي منتصف شهر أكتوبر سنة 1922م فُتحت مدرسةٌ لتعليم الخطوط العربية ، وكان في مقدمة أساتذتها الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي ، وقد تخرجت أول دفعة في هذه المدرسة في يونيه سنة 1925م ، وبعد فترة ألحق بها قسم في فن الزخرفة والتذهيب .
استقطبت مصر عددًا من الخطاطين الأتراك منهم : عبد الله بك الزهدي ( خطاط المسجد النبوي ، المتوفى بمصر سنة 1296 هـ ) ، ومحمد عبد العزيز الرفاعي ، وأحمد كامل ، تخرج على أيديهم عدد من الخطاطين المصريين ، وغيرهم من مختلف البلاد الإسلامية .
وفي إيران لم تكن العناية بالخط العربي ، وكتابة المصاحف أقل منها في تركيا ، ونبغ الإيرانيون في مجال التذهيب ، حتى تفوقوا على الأتراك في هذا الفن ، كما عرفوا خطوطًا خاصة بهم منها : خط الشكسته ، وهو أقدم خط عرفه الفرس ، وخط التعليق ، وهو خط فارسي ظهر في أواخر القرن السابع الهجري ، وخط النسخ تعليق الذي يجمع بين خطي النسخ والتعليق ، الذي ظهر في القرن التاسع الهجري . وفي الوقت الذي أخذ فيه الأتراك عن الفرس خط التعليق وبرعوا فيه ، فإن الفرس لم ينجحوا في إجادة الخط الديواني الذي أخذوه من الأتراك . أما شمال إفريقية فقد انتقل الخط إليها عن طريق المدينة ، ثم الشام ، فعُرف الخط المغربي ، وانتشر في شمال إفريقية ووسطها وغربها وفي الأندلس . ومن الخطوط التي ظهرت في هذا الجزء من العالم الإسلامي خط القيروان الذي اتخذ الخط الكوفي أساسًا له ، وخط المهدية ، وخط الأندلس الذي احتل المكانة الأولى في كل شمال إفريقية في أواخر عهد الموحدين (524-668 هـ /1130-1269م) ، ثم ظهر الخط الفاسي ، ثم ظهر الخط السوداني الذي عرف اعتبارًا من القرن السابع الهجري . وفي الجناح الشرقي من البلاد الإسلامية كان الغزنويون ، والسلاجقة العظام لا يقلون اهتمامًا بالخط عن نظرائهم في البلاد الإسلامية الأخرى ، ومثلهم في ذلك الإيلخانيون ، والتيموريون ، والجلائرون في القرنين السابع والثامن الهجريين .
المصدر
موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، بتصرف .