ريمة مطهر
04-03-2011, 08:19 PM
نقط المصحف الشريف
كُتبت مصاحف عثمان خالية من النقط والشكل ؛ حتى تحتمل قراءتُها الأحرف السبعة التي نـزل بها القرآن الكريم ، وعندما أرسلها إلى الأمصار رضي بها الجميع ، ونسخوا على غرارها مصاحف كثيرة خالية من النقط والشكل . واستمروا على ذلك أكثر من أربعين سنة .
وخلال هذه الفترة توسعت الفتوح ، ودخلت أممٌ كثيرة لا تتكلم العربية في الإسلام ؛ فتفشت العجمة بين الناس ، وكثر اللحن ، حتى بين العرب أنفسهم ؛ بسبب كثرة اختلاطهم ومصاهرتهم للعجم ، ولما كان المصحف الشريف غير منقوط خشي ولاة أمر المسلمين عليه أن يتطرق له اللحن والتحريف .
وكان أول من التفت إلى نقط المصحف الشريف هو زياد بن أبيه ؛ ولذلك قصة ، وهي : أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى زياد عندما كان واليًا على البصرة (45-53هـ) أن يبعث إليه ابنه عبيد الله ، ولما دخل عليه وجده يلحن في كلامه ، فكتب إلى زياد يلومه على وقوع ابنه في اللحن ، فبعث زياد إلى أبي الأسود الدؤلي يقول له : (( إن هذه الحمراء قد كثرت وأفسدت مِن ألسنة العرب ، فلو وضعت شيئًا يُصلح به الناسُ كلامَهم ، ويعربون به كتاب الله )) . فاعتذر أبو الأسود فلجأ زياد إلى حيلة ؛ بأن وضع في طريقه رجلاً وقال له : إذا مرّ بك أبو الأسود فاقرأ شيئًا من القرآن ، وتعمد اللحن فيه . فلما مرّ به قرأ قوله تعالى : أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ، بجرّ لام رسوله ، فشق ذلك على أبي الأسود ، وقال: (( عزّ وجه الله أن يتبرأ من رسوله ) . وقال لزياد : ( قد أجبتك إلى ما طلبت ، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن ) ، واختار رجلاً من عبد القيس ، وقال له : ( خذ المصحف ، وصِبغًا يخالف لون المداد ، فإذا رأيتني فتحت شفتي بالحرف فانقط واحدة فوقه ، وإذا كسرتها فانقط واحدة أسفله ، وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف ( أي أمامه ) ، فإذا أتبعت شيئًا من هذه الحركات غنة ( أي تنوينًا ) ، فانقط نقطتين )) .
فأخذ أبو الأسود يقرأ المصحف بالتأني ، والكاتب يضع النقط ، واستمر على ذلك حتى أعرب المصحف كله ، وكان كلما أتم الكاتب صحيفة ، أعاد أبو الأسود نظره فيها .
وجاء تلاميذ أبي الأسود بعده ، وتفننوا في شكل النقطة ؛ فمنهم مَن جعلها مربعة ، ومنهم من جعلها مدورة مطموسة الوسط ، ومنهم من جعلها مدورة خالية الوسط . وكانوا لا يضعون شيئًا أمام الحرف الساكن ، أما إذا كان منونًا فيضعون نقطتين فوقه ، أو تحته ، أو عن شماله ؛ واحدة للدلالة على أن النون مدغمة أو مخفاة ، وفي تطور لاحق وضعوا للسكون جرة أفقية فوق الحرف منفصلة عنه ، وجعلوا علامة الحرف المشدد كالقوس ، ولألف الوصل جرة متصلة بها في أعلاها ، إذا كان قبلها فتحة ، وفي أسفلها إذا كان قبلها كسرة ، وفي وسطها إذا كان قبلها ضمة هكــذا ، وذلك باللون الأحمر .
وكان هذا النقط يُسمى شكلاً أو ضبطًا ؛ لأنه يدل على شكل الحرف وصورته ، وما يعرض له من حركة ، أو سكون ، أو شد ، أو مد ، ونحو ذلك .
وكانت الآراء مختلفة في أول من وضع هذا النقط ، إلا أن أكثر هذه الآراء يذهب إلى أن المخترع الأول لهذا النوع من النقط هو أبو الأسود الدؤلي .
كما كانت الآراء مختلفة بين جوازه والأخذ به ، وكراهته والرغبة عنه ؛ جوازه لما فيه من البيان والضبط والتقييد ، وكراهته ؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم عندما جمعوا القرآن ، وكتبوا المصاحف جردوها من النقط والشكل ، فلو كان مطلوبًا لما جردوها ، يقول القلقشندي : (( وأما أهل التوقيع في زماننا فإنهم يرغبون عنه ( أي النقط ) ؛ خشية الإظلام بالنقط والشكل ، إلا ما فيه إلباس على ما مر ، وأهل الدَّيْونة لا يرون بشيء من ذلك أصلاً ويعدون ذلك من عيوب الكتابة ، وإن دعت الحاجة إليه )) .
أما نقط الإعجام ، فهو ما يدل على ذات الحرف ، ويميز المتشابه منه ؛ لمنع العجمة ، أو اللبس . كحروف الباء والتاء والثاء والياء ، والجيم والحاء والخاء ، والراء والزاي ، والسين والشين ، والعين والغين ، والفاء والقاف ، ونحوها مما يتفق في الرسم ويختلف في النطق ، فقد دعت الحاجة إليه عندما كثر الداخلون في الإسلام من الأعاجم ، وكثر التصحيف في لغة العرب ، وخيف على القرآن أن تمتد له يد العبث .
واختلفت الآراء في أول من أخذ بهذا النقط ، وأرجحها في ذلك ما ذهب إلى أن أول من قام به هما : نصر بن عاصم ويحيى بن يَعْمَر ؛ وذلك عندما أمر الخليفة الأموي عبد ُالملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق (75-95هـ) أن يضع علاجًا لمشكلة تفشي العجمة ، وكثرة التصحيف ، فاختار كلاً من نصر بن عاصم ، ويحيى بن يَعْمَر لهذه المهمة ؛ لأنهما أعرف أهل عصرهما بعلوم العربية وأسرارها ، وفنون القراءات وتوجيهها .
وبعد البحث والتروي ، قررا إحياء نقط الإعجام ، وقررا الأخذ بالإهمال والإعجام ، مثلاً الدال والذال ، تهمل الأولى وتعجم الثانية بنقطة واحدة فوقية ، وكذلك الراء والزاي ، والصاد والضاد ، والطاء والظاء ، والعين والغين . أما السين والشين ، فأهملت الأولى وأعجمت الثانية بثلاث نقط فوقية ؛ لأنها ثلاث أسنان ، فلو أعجمت الثانية واحدة لتوهم متوهم أن الحرف الذي تحت النقطة نون والباقي حرفان مثل الباء والتاء تسوهل في إعجامهما .
أما الباء والتاء والثاء والنون والياء ، فأعجمت كلها ، والجيم والحاء والخاء ، أعجمت الجيم والخاء ، وأهملت الحاء ، أما الفاء والقاف ، فإن القياس أن تهمل الأولى وتعجم الثانية ، إلا أن المشارقة نقطوا الفاء بواحدة فوقية ، والقاف باثنتين فوقيتين أيضًا ، أما المغاربة فذهبوا إلى نقط الفاء بواحدة تحتية ، والقاف بواحدة فوقية .. وهكذا كان نقط الإعجام في بقية الأحرف .
وقد أخذ نقط الإعجام في بدايته شكل التدوير ، ثم تطور بعد ذلك وأخذ شكل المربع ، وشكل المدور المطموس الوسط ، كما استخدمت الجرة الصغيرة فوق الحرف وتحته .
وكتب هذا النوع من النقط بلون مداد المصحف ؛ حتى لا يشتبه بنقط الإعراب ، واستمر الوضع على ذلك حتى نهاية الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية سنة 132هـ ، حيث تفنن الناس خلال هذه الفترة في اتخاذ الألوان في نقط مصاحفهم ، ففي المدينة استخدموا السواد للحروف ونقط الإعجام ، والحمرة للحركات والسكون والتشديد والتخفيف ، والصفرة للهمزات ، وفي الأندلس استخدموا أربعة ألوان : السواد للحروف ، والحمرة لنقط الإعراب ، والصفرة للهمزات ، والخضرة لألِفات الوصل ، أما في العراق فاستخدموا السواد لكتابة حروف المصحف ونُقط الإعجام ، والحمرة لنقط الإعراب ( الحركات والهمزات ) ، واستخدم في بعض المصاحف الخاصة الحمرة للرفع والخفض والنصب ، والخضرة للهمزة المجردة ، والصفرة للهمزة المشدَّدة .
فاستخدام السواد كان عند الجميع لحروف المصحف ونقط الإعجام ، والألوان الأخرى لغيرهما .
امتلأت المصاحف بالألوان المتعددة (( التي أصبحت عبئًا على عقل القارئ ، وصعوبة على قلم الكاتب )) ، وكان النقط جميعه مدورًا سواء نقط الإعراب أو الإعجام ، فوقع الناس في الخلط بين الحروف .
واتفقت الآراء على أن يجعل نقط الإعراب ( الشكل ) بمداد الكتابة نفسه تيسيرًا على الناس ، فأخذ إمام اللغة : الخليل بن أحمد الفراهيدي على عاتقه القيام بهذا العمل ؛ فجعل الفتحة ألفًا صغيرة مضطجعة فوق الحرف ، والكسرة ياء صغيرة تحته ، والضمة واوًا صغيرة فوقه . وإن كان الحرف منوّنًا كـرر الحرف ، وجعل ما فيه إدغام من السكون الشديد رأس شين بغير نقط ( سـ ) ، وما ليس فيه إدغام من السكون الخفيف رأس خاء بلا نقط ( حـ ) والهمزة رأس عين ( عـ ) ، وفوق ألف الوصل رأس صاد ( صـ ) ، وللمد الواجب ميمًا صغيرة مع جزء من الدال ( مد ) .
يقول الدالي : (( وبهذا وضع الخليل ثماني علامات : الفتحة ، والضمة ، والكسرة ، والسكون ، والشدة ، والمدة ، والصلة ، والهمزة ، وبهذه الطريقة أمكن أن يجمع بين الكتابة والإعجــام والشكل بلون واحد )) .
المصدر
موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
كُتبت مصاحف عثمان خالية من النقط والشكل ؛ حتى تحتمل قراءتُها الأحرف السبعة التي نـزل بها القرآن الكريم ، وعندما أرسلها إلى الأمصار رضي بها الجميع ، ونسخوا على غرارها مصاحف كثيرة خالية من النقط والشكل . واستمروا على ذلك أكثر من أربعين سنة .
وخلال هذه الفترة توسعت الفتوح ، ودخلت أممٌ كثيرة لا تتكلم العربية في الإسلام ؛ فتفشت العجمة بين الناس ، وكثر اللحن ، حتى بين العرب أنفسهم ؛ بسبب كثرة اختلاطهم ومصاهرتهم للعجم ، ولما كان المصحف الشريف غير منقوط خشي ولاة أمر المسلمين عليه أن يتطرق له اللحن والتحريف .
وكان أول من التفت إلى نقط المصحف الشريف هو زياد بن أبيه ؛ ولذلك قصة ، وهي : أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى زياد عندما كان واليًا على البصرة (45-53هـ) أن يبعث إليه ابنه عبيد الله ، ولما دخل عليه وجده يلحن في كلامه ، فكتب إلى زياد يلومه على وقوع ابنه في اللحن ، فبعث زياد إلى أبي الأسود الدؤلي يقول له : (( إن هذه الحمراء قد كثرت وأفسدت مِن ألسنة العرب ، فلو وضعت شيئًا يُصلح به الناسُ كلامَهم ، ويعربون به كتاب الله )) . فاعتذر أبو الأسود فلجأ زياد إلى حيلة ؛ بأن وضع في طريقه رجلاً وقال له : إذا مرّ بك أبو الأسود فاقرأ شيئًا من القرآن ، وتعمد اللحن فيه . فلما مرّ به قرأ قوله تعالى : أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ، بجرّ لام رسوله ، فشق ذلك على أبي الأسود ، وقال: (( عزّ وجه الله أن يتبرأ من رسوله ) . وقال لزياد : ( قد أجبتك إلى ما طلبت ، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن ) ، واختار رجلاً من عبد القيس ، وقال له : ( خذ المصحف ، وصِبغًا يخالف لون المداد ، فإذا رأيتني فتحت شفتي بالحرف فانقط واحدة فوقه ، وإذا كسرتها فانقط واحدة أسفله ، وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف ( أي أمامه ) ، فإذا أتبعت شيئًا من هذه الحركات غنة ( أي تنوينًا ) ، فانقط نقطتين )) .
فأخذ أبو الأسود يقرأ المصحف بالتأني ، والكاتب يضع النقط ، واستمر على ذلك حتى أعرب المصحف كله ، وكان كلما أتم الكاتب صحيفة ، أعاد أبو الأسود نظره فيها .
وجاء تلاميذ أبي الأسود بعده ، وتفننوا في شكل النقطة ؛ فمنهم مَن جعلها مربعة ، ومنهم من جعلها مدورة مطموسة الوسط ، ومنهم من جعلها مدورة خالية الوسط . وكانوا لا يضعون شيئًا أمام الحرف الساكن ، أما إذا كان منونًا فيضعون نقطتين فوقه ، أو تحته ، أو عن شماله ؛ واحدة للدلالة على أن النون مدغمة أو مخفاة ، وفي تطور لاحق وضعوا للسكون جرة أفقية فوق الحرف منفصلة عنه ، وجعلوا علامة الحرف المشدد كالقوس ، ولألف الوصل جرة متصلة بها في أعلاها ، إذا كان قبلها فتحة ، وفي أسفلها إذا كان قبلها كسرة ، وفي وسطها إذا كان قبلها ضمة هكــذا ، وذلك باللون الأحمر .
وكان هذا النقط يُسمى شكلاً أو ضبطًا ؛ لأنه يدل على شكل الحرف وصورته ، وما يعرض له من حركة ، أو سكون ، أو شد ، أو مد ، ونحو ذلك .
وكانت الآراء مختلفة في أول من وضع هذا النقط ، إلا أن أكثر هذه الآراء يذهب إلى أن المخترع الأول لهذا النوع من النقط هو أبو الأسود الدؤلي .
كما كانت الآراء مختلفة بين جوازه والأخذ به ، وكراهته والرغبة عنه ؛ جوازه لما فيه من البيان والضبط والتقييد ، وكراهته ؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم عندما جمعوا القرآن ، وكتبوا المصاحف جردوها من النقط والشكل ، فلو كان مطلوبًا لما جردوها ، يقول القلقشندي : (( وأما أهل التوقيع في زماننا فإنهم يرغبون عنه ( أي النقط ) ؛ خشية الإظلام بالنقط والشكل ، إلا ما فيه إلباس على ما مر ، وأهل الدَّيْونة لا يرون بشيء من ذلك أصلاً ويعدون ذلك من عيوب الكتابة ، وإن دعت الحاجة إليه )) .
أما نقط الإعجام ، فهو ما يدل على ذات الحرف ، ويميز المتشابه منه ؛ لمنع العجمة ، أو اللبس . كحروف الباء والتاء والثاء والياء ، والجيم والحاء والخاء ، والراء والزاي ، والسين والشين ، والعين والغين ، والفاء والقاف ، ونحوها مما يتفق في الرسم ويختلف في النطق ، فقد دعت الحاجة إليه عندما كثر الداخلون في الإسلام من الأعاجم ، وكثر التصحيف في لغة العرب ، وخيف على القرآن أن تمتد له يد العبث .
واختلفت الآراء في أول من أخذ بهذا النقط ، وأرجحها في ذلك ما ذهب إلى أن أول من قام به هما : نصر بن عاصم ويحيى بن يَعْمَر ؛ وذلك عندما أمر الخليفة الأموي عبد ُالملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق (75-95هـ) أن يضع علاجًا لمشكلة تفشي العجمة ، وكثرة التصحيف ، فاختار كلاً من نصر بن عاصم ، ويحيى بن يَعْمَر لهذه المهمة ؛ لأنهما أعرف أهل عصرهما بعلوم العربية وأسرارها ، وفنون القراءات وتوجيهها .
وبعد البحث والتروي ، قررا إحياء نقط الإعجام ، وقررا الأخذ بالإهمال والإعجام ، مثلاً الدال والذال ، تهمل الأولى وتعجم الثانية بنقطة واحدة فوقية ، وكذلك الراء والزاي ، والصاد والضاد ، والطاء والظاء ، والعين والغين . أما السين والشين ، فأهملت الأولى وأعجمت الثانية بثلاث نقط فوقية ؛ لأنها ثلاث أسنان ، فلو أعجمت الثانية واحدة لتوهم متوهم أن الحرف الذي تحت النقطة نون والباقي حرفان مثل الباء والتاء تسوهل في إعجامهما .
أما الباء والتاء والثاء والنون والياء ، فأعجمت كلها ، والجيم والحاء والخاء ، أعجمت الجيم والخاء ، وأهملت الحاء ، أما الفاء والقاف ، فإن القياس أن تهمل الأولى وتعجم الثانية ، إلا أن المشارقة نقطوا الفاء بواحدة فوقية ، والقاف باثنتين فوقيتين أيضًا ، أما المغاربة فذهبوا إلى نقط الفاء بواحدة تحتية ، والقاف بواحدة فوقية .. وهكذا كان نقط الإعجام في بقية الأحرف .
وقد أخذ نقط الإعجام في بدايته شكل التدوير ، ثم تطور بعد ذلك وأخذ شكل المربع ، وشكل المدور المطموس الوسط ، كما استخدمت الجرة الصغيرة فوق الحرف وتحته .
وكتب هذا النوع من النقط بلون مداد المصحف ؛ حتى لا يشتبه بنقط الإعراب ، واستمر الوضع على ذلك حتى نهاية الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية سنة 132هـ ، حيث تفنن الناس خلال هذه الفترة في اتخاذ الألوان في نقط مصاحفهم ، ففي المدينة استخدموا السواد للحروف ونقط الإعجام ، والحمرة للحركات والسكون والتشديد والتخفيف ، والصفرة للهمزات ، وفي الأندلس استخدموا أربعة ألوان : السواد للحروف ، والحمرة لنقط الإعراب ، والصفرة للهمزات ، والخضرة لألِفات الوصل ، أما في العراق فاستخدموا السواد لكتابة حروف المصحف ونُقط الإعجام ، والحمرة لنقط الإعراب ( الحركات والهمزات ) ، واستخدم في بعض المصاحف الخاصة الحمرة للرفع والخفض والنصب ، والخضرة للهمزة المجردة ، والصفرة للهمزة المشدَّدة .
فاستخدام السواد كان عند الجميع لحروف المصحف ونقط الإعجام ، والألوان الأخرى لغيرهما .
امتلأت المصاحف بالألوان المتعددة (( التي أصبحت عبئًا على عقل القارئ ، وصعوبة على قلم الكاتب )) ، وكان النقط جميعه مدورًا سواء نقط الإعراب أو الإعجام ، فوقع الناس في الخلط بين الحروف .
واتفقت الآراء على أن يجعل نقط الإعراب ( الشكل ) بمداد الكتابة نفسه تيسيرًا على الناس ، فأخذ إمام اللغة : الخليل بن أحمد الفراهيدي على عاتقه القيام بهذا العمل ؛ فجعل الفتحة ألفًا صغيرة مضطجعة فوق الحرف ، والكسرة ياء صغيرة تحته ، والضمة واوًا صغيرة فوقه . وإن كان الحرف منوّنًا كـرر الحرف ، وجعل ما فيه إدغام من السكون الشديد رأس شين بغير نقط ( سـ ) ، وما ليس فيه إدغام من السكون الخفيف رأس خاء بلا نقط ( حـ ) والهمزة رأس عين ( عـ ) ، وفوق ألف الوصل رأس صاد ( صـ ) ، وللمد الواجب ميمًا صغيرة مع جزء من الدال ( مد ) .
يقول الدالي : (( وبهذا وضع الخليل ثماني علامات : الفتحة ، والضمة ، والكسرة ، والسكون ، والشدة ، والمدة ، والصلة ، والهمزة ، وبهذه الطريقة أمكن أن يجمع بين الكتابة والإعجــام والشكل بلون واحد )) .
المصدر
موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف