ريمة مطهر
04-03-2011, 08:08 PM
كتابة القرآن الكريم
كان القرآن الكريم يتنـزل منجمًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيحفظه ويبلغه للناس ، ويأمر بكتابته ، فيقول : ضعوا هذه السورة بجانب تلك السورة ، وضعوا هذه الآية بإزاء تلك الآية ، فيُحفظ ما كُتب في منـزله صلى الله عليه وسلم ، بعد أن ينسخ منه كتّاب الوحي نسخًا لأنفسهم .
وكُتب القرآن الكريم في العسب واللخاف ، والرّقاع ، وقطع الأديم ، وعظام الأكتاف ، والأضلاع .
ومن الصحابة من اكتفى بسماعه مِنْ فيه صلى الله عليه وسلم فحفظه كله ، أو حفظ معظمه ، أو بعضًا منه ، ومنهم من كتب الآيات ، ومنهم من كتب السورة ، ومنهم من كتب السور ، ومنهم من كتبه كله . فحُفظ القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم في الصدور وفي السطور .
ومن أشهر كتَّاب الوحي في عهد النبوة : الخلفاء الراشدون ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وخالد بن الوليد ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وقد شهد العرضة الأخيرة .
وكُتب القرآن الكريم كاملاً في عهد النبوة إلا أنه لم يُجمع في مصحف واحد لأسباب منها : ما كان يترقبه صلى الله عليه وسلم من زيادة فيه ، أو نسخ منه ، ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعتنون بحفظه واستظهاره أكثر من عنايتهم بكتابته .
وفي السنة الحادية عشرة من الهجرة وقعت معركة اليمامة المشهورة بين المرتدين بقيادة مسيلمة الكذاب ، والمسلمين بقيادة خالد بن الوليد ، واستحرَّ القتل في المسلمين ، واستشهد منهم سبعون من القرَّاء ؛ فارتاع عمر بن الخطاب ، وخاف ذهاب القرآن بذهاب هؤلاء القرَّاء ، ففزع إلى أبي بكر الصديق ، وأشار عليه بجمع القرآن ، فخاف أبو بكر أن يضع نفسه في منـزلة من يزيد احتياطه للدين على احتياط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال مترددًا حتى شرح الله صدره ، واطمأن إلى أن عمله مستمد من تشريع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن .
وكان زيد بن ثابت مداومًا على كتابة الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهد العرضة الأخيرة للقرآن ، وكان ذا عقل راجح وعدالة ورويَّة ، مشهودًا له بأنه أكثر الصحابة إتقانًا لحفظ القرآن ، ووعاء لحروفه ، وأداء لقراءته ، وضبطًا لإعرابه ولغاته ؛ فوقع عليه الاختيار رغم وجود من هو أكبر منه سنًا ، وأقدم إسلامًا ، وأكثر فضلاً .
يقول زيد : ( فو الله لو كلَّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن ) . فشرح الله صدر زيد كما شرح صدر أبي بكر ، ورغم حفظه وإتقانه ، إلا أنه أخذ يتتبع القرآن ، ويجمعه من العسب واللخاف والرقاع وغيرها مما كان مكتوبًا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن صدور الرجال ، وكان لا يكتب شيئًا حتى يشهد شاهدان على كتابته وسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرتّـبه على حسب العرضة الأخيرة التي شهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبقيت هذه الصحف في رعاية أبي بكر ، ثم في رعاية عمر ، ثم عند أم المؤمنين حفصة ، حتى أُحرقت بعد وفاتها رضي الله عنها .
اتسعت الفتوح ، وانتشر الصحابة في الأمصار ، وأصبح أهل كل مصر يقرؤون بقراءة الصحابي الذي نـزل في مصرهم ؛ ففي الشام بقراءة أُبي بن كعب ، وفي الكوفة بقراءة عبد الله بن مسعود ، وفي البصرة بقراءة أبي موسى الأشعري .
وكان مِن الصحابة الذين استقروا في البلاد المفتوحة مَن لم يشهد العرضة الأخيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقف على ما نُسخ من أحرفٍ وقراءات في هذه العرضة ، بينما وقف صحابة آخرون على ذلك ، وكان كل صحابي يقرأ بما وقف عليه من القرآن ، فتلقى الناس عنهم ذلك ، فاختلفت قراءاتهم ، وخطَّأ بعضُهم بعضاً .
وفي فتح أذربيجان وأرمينية ، في السنة الخامسة والعشرين من الهجرة اجتمع أهلُ الشام والعراق ، فتذاكروا القرآن ، واختلفوا فيه ، حتى كادت الفتنة تقع بينهم ، فكان حذيفة بن اليمان مشاركًا في هذا الفتح ؛ فذعر ذعرًا شديدًا ، وركب إلى عثمان في المدينة ، ولم يدخل داره حتى أتى عثمان ، فقال له : ( يا أمير المؤمنين أدرك الناس . قال : وما ذاك ؟! قال : غزوت مَرْج أرمينية ، فإذا أهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب ، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق ، وإذا أهل العراق يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود ، فيأتون بما لم يسمع به أهل الشام ، فيكفر بعضهم بعضًا ) .
وكان عثمان قد وقع له مثل ذلك ، حتى إنه خطب في الناس ، وقال لهم : أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون ، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافًا ، وأشد لحنًا ، اجتمعوا يا أصحاب محمد ، واكتبوا للناس إمامًا .
وكتب عثمان إلى حفصة : أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها إليك ، فأرسلت بها .
يقول زيد بن ثابت : فأمرني عثمان بن عفان أن أكتب مصحفًا ، وقال : إني مُدْخل معك رجلاً لبيبًا فصيحًا ، فما اجتمعتما عليه فاكتباه ، وما اختلفتما فيه فارفعاه إليّ .
وفي رواية عن مصعب بن سعد : فقال عثمان : من أكتب الناس ؟ قالوا : كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت . قال : فأي الناس أعـرب - وفي رواية أفصح -؟ قالوا : سعيد بن العاص . قال : فَلْيُمْلِ سعيد ، وليكتب زيد .
يقول زيد بن ثابت : فلما بلغنا : " إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ " قال زيد : فقلت ( التابوه ) ، وقال سعيد : ( التابوت ) . فرفعناه إلى عثمان ، فكتب ( التابوت ) ؛ لأنها من لغة قريش التي نـزل القرآن بلسانها .
فرغ زيد من كتابة المصحف ، فعرضه عَرْضة فلم يجد فيه قوله تعالى : " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا " فلم يجدها عند المهاجرين ، ولم يجدها عند الأنصار ، فوجدها عند خزيمة بن ثابت . ثم عرضه عرضة أخرى ، فلم يجد قوله تعالى : " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " . فاستعرض المهاجرين فلم يجدها عندهم ، واستعرض الأنصار فلم يجدها عندهم ، حتى وجدها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضًا ، فأثبتها ، ثم عرضه عرضة ثالثة فلم يجد فيه شيئًا ، فعرض عثمان المصحف على صحف حفصة ، فلم يختلفا في شيء ، فقرّت نفسه رضي الله عنه .
وفي رواية لمحمد بن سيرين : أن عثمان جمع لكتابة المصحف اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار ، منهم زيد بن ثابت ، وفي روايات متفرقة منهم : مالك بن أبي عامر ( جدّ مالك بن أنس ) وكثير بن أفلح ، وأبي بن كعب ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام .
يقول ابن حجر : ( وكأن ابتداء الأمر كان لزيد وسعيد للمعنى المذكور فيهما في رواية مصعب ، ثم احتاجوا إلى من يساعد في الكتابة بحسب الحاجة إلى عدد المصاحف التي ترسل للآفاق ، فأضافوا إلى زيد من ذُكر ، ثم استظهروا بأبي بن كعب في الإملاء ) .
اختلفت الروايات في عدد المصاحف التي كتبها عثمان ، فالمشهور أنها خمسة ، وورد أنها أربعة ، وورد أنها سبعة ، بعث بها إلى مكة ، والشام ، واليمن ، والبحرين ، والبصـرة ، والكوفـة ، وأبقى واحدًا بالمدينة سُمي ( المصحف الإمام ) . أمر عثمان بما سوى المصحف الذي كتبه والمصاحف التي استكتبها منه أن تحرق ، أو تخرق ( أي تدفن ) .
وهكذا كان الجمع الثاني للقرآن الكريم في عهد عثمان رضي الله عنه ، أشرف عليه بنفسه ، بمشاركة كبار الصحابة رضوان الله عليهم وموافقتهم وإجماعهم ، فجمع بهذا العمل الجليل كلمة المسلمين ، وحسم ما ظهر بينهم من خلاف .
المصدر
موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
كان القرآن الكريم يتنـزل منجمًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيحفظه ويبلغه للناس ، ويأمر بكتابته ، فيقول : ضعوا هذه السورة بجانب تلك السورة ، وضعوا هذه الآية بإزاء تلك الآية ، فيُحفظ ما كُتب في منـزله صلى الله عليه وسلم ، بعد أن ينسخ منه كتّاب الوحي نسخًا لأنفسهم .
وكُتب القرآن الكريم في العسب واللخاف ، والرّقاع ، وقطع الأديم ، وعظام الأكتاف ، والأضلاع .
ومن الصحابة من اكتفى بسماعه مِنْ فيه صلى الله عليه وسلم فحفظه كله ، أو حفظ معظمه ، أو بعضًا منه ، ومنهم من كتب الآيات ، ومنهم من كتب السورة ، ومنهم من كتب السور ، ومنهم من كتبه كله . فحُفظ القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم في الصدور وفي السطور .
ومن أشهر كتَّاب الوحي في عهد النبوة : الخلفاء الراشدون ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وخالد بن الوليد ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وقد شهد العرضة الأخيرة .
وكُتب القرآن الكريم كاملاً في عهد النبوة إلا أنه لم يُجمع في مصحف واحد لأسباب منها : ما كان يترقبه صلى الله عليه وسلم من زيادة فيه ، أو نسخ منه ، ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعتنون بحفظه واستظهاره أكثر من عنايتهم بكتابته .
وفي السنة الحادية عشرة من الهجرة وقعت معركة اليمامة المشهورة بين المرتدين بقيادة مسيلمة الكذاب ، والمسلمين بقيادة خالد بن الوليد ، واستحرَّ القتل في المسلمين ، واستشهد منهم سبعون من القرَّاء ؛ فارتاع عمر بن الخطاب ، وخاف ذهاب القرآن بذهاب هؤلاء القرَّاء ، ففزع إلى أبي بكر الصديق ، وأشار عليه بجمع القرآن ، فخاف أبو بكر أن يضع نفسه في منـزلة من يزيد احتياطه للدين على احتياط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال مترددًا حتى شرح الله صدره ، واطمأن إلى أن عمله مستمد من تشريع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن .
وكان زيد بن ثابت مداومًا على كتابة الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهد العرضة الأخيرة للقرآن ، وكان ذا عقل راجح وعدالة ورويَّة ، مشهودًا له بأنه أكثر الصحابة إتقانًا لحفظ القرآن ، ووعاء لحروفه ، وأداء لقراءته ، وضبطًا لإعرابه ولغاته ؛ فوقع عليه الاختيار رغم وجود من هو أكبر منه سنًا ، وأقدم إسلامًا ، وأكثر فضلاً .
يقول زيد : ( فو الله لو كلَّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن ) . فشرح الله صدر زيد كما شرح صدر أبي بكر ، ورغم حفظه وإتقانه ، إلا أنه أخذ يتتبع القرآن ، ويجمعه من العسب واللخاف والرقاع وغيرها مما كان مكتوبًا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن صدور الرجال ، وكان لا يكتب شيئًا حتى يشهد شاهدان على كتابته وسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرتّـبه على حسب العرضة الأخيرة التي شهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبقيت هذه الصحف في رعاية أبي بكر ، ثم في رعاية عمر ، ثم عند أم المؤمنين حفصة ، حتى أُحرقت بعد وفاتها رضي الله عنها .
اتسعت الفتوح ، وانتشر الصحابة في الأمصار ، وأصبح أهل كل مصر يقرؤون بقراءة الصحابي الذي نـزل في مصرهم ؛ ففي الشام بقراءة أُبي بن كعب ، وفي الكوفة بقراءة عبد الله بن مسعود ، وفي البصرة بقراءة أبي موسى الأشعري .
وكان مِن الصحابة الذين استقروا في البلاد المفتوحة مَن لم يشهد العرضة الأخيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يقف على ما نُسخ من أحرفٍ وقراءات في هذه العرضة ، بينما وقف صحابة آخرون على ذلك ، وكان كل صحابي يقرأ بما وقف عليه من القرآن ، فتلقى الناس عنهم ذلك ، فاختلفت قراءاتهم ، وخطَّأ بعضُهم بعضاً .
وفي فتح أذربيجان وأرمينية ، في السنة الخامسة والعشرين من الهجرة اجتمع أهلُ الشام والعراق ، فتذاكروا القرآن ، واختلفوا فيه ، حتى كادت الفتنة تقع بينهم ، فكان حذيفة بن اليمان مشاركًا في هذا الفتح ؛ فذعر ذعرًا شديدًا ، وركب إلى عثمان في المدينة ، ولم يدخل داره حتى أتى عثمان ، فقال له : ( يا أمير المؤمنين أدرك الناس . قال : وما ذاك ؟! قال : غزوت مَرْج أرمينية ، فإذا أهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب ، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق ، وإذا أهل العراق يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود ، فيأتون بما لم يسمع به أهل الشام ، فيكفر بعضهم بعضًا ) .
وكان عثمان قد وقع له مثل ذلك ، حتى إنه خطب في الناس ، وقال لهم : أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون ، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافًا ، وأشد لحنًا ، اجتمعوا يا أصحاب محمد ، واكتبوا للناس إمامًا .
وكتب عثمان إلى حفصة : أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها إليك ، فأرسلت بها .
يقول زيد بن ثابت : فأمرني عثمان بن عفان أن أكتب مصحفًا ، وقال : إني مُدْخل معك رجلاً لبيبًا فصيحًا ، فما اجتمعتما عليه فاكتباه ، وما اختلفتما فيه فارفعاه إليّ .
وفي رواية عن مصعب بن سعد : فقال عثمان : من أكتب الناس ؟ قالوا : كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت . قال : فأي الناس أعـرب - وفي رواية أفصح -؟ قالوا : سعيد بن العاص . قال : فَلْيُمْلِ سعيد ، وليكتب زيد .
يقول زيد بن ثابت : فلما بلغنا : " إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ " قال زيد : فقلت ( التابوه ) ، وقال سعيد : ( التابوت ) . فرفعناه إلى عثمان ، فكتب ( التابوت ) ؛ لأنها من لغة قريش التي نـزل القرآن بلسانها .
فرغ زيد من كتابة المصحف ، فعرضه عَرْضة فلم يجد فيه قوله تعالى : " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا " فلم يجدها عند المهاجرين ، ولم يجدها عند الأنصار ، فوجدها عند خزيمة بن ثابت . ثم عرضه عرضة أخرى ، فلم يجد قوله تعالى : " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " . فاستعرض المهاجرين فلم يجدها عندهم ، واستعرض الأنصار فلم يجدها عندهم ، حتى وجدها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضًا ، فأثبتها ، ثم عرضه عرضة ثالثة فلم يجد فيه شيئًا ، فعرض عثمان المصحف على صحف حفصة ، فلم يختلفا في شيء ، فقرّت نفسه رضي الله عنه .
وفي رواية لمحمد بن سيرين : أن عثمان جمع لكتابة المصحف اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار ، منهم زيد بن ثابت ، وفي روايات متفرقة منهم : مالك بن أبي عامر ( جدّ مالك بن أنس ) وكثير بن أفلح ، وأبي بن كعب ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام .
يقول ابن حجر : ( وكأن ابتداء الأمر كان لزيد وسعيد للمعنى المذكور فيهما في رواية مصعب ، ثم احتاجوا إلى من يساعد في الكتابة بحسب الحاجة إلى عدد المصاحف التي ترسل للآفاق ، فأضافوا إلى زيد من ذُكر ، ثم استظهروا بأبي بن كعب في الإملاء ) .
اختلفت الروايات في عدد المصاحف التي كتبها عثمان ، فالمشهور أنها خمسة ، وورد أنها أربعة ، وورد أنها سبعة ، بعث بها إلى مكة ، والشام ، واليمن ، والبحرين ، والبصـرة ، والكوفـة ، وأبقى واحدًا بالمدينة سُمي ( المصحف الإمام ) . أمر عثمان بما سوى المصحف الذي كتبه والمصاحف التي استكتبها منه أن تحرق ، أو تخرق ( أي تدفن ) .
وهكذا كان الجمع الثاني للقرآن الكريم في عهد عثمان رضي الله عنه ، أشرف عليه بنفسه ، بمشاركة كبار الصحابة رضوان الله عليهم وموافقتهم وإجماعهم ، فجمع بهذا العمل الجليل كلمة المسلمين ، وحسم ما ظهر بينهم من خلاف .
المصدر
موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف