شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : الغابة وبركة الزبير .. المدينة المنورة


سلسبيل كتبي
03-24-2011, 11:39 PM
الغابة وبركة الزبير .. المدينة المنورة



ما كان لنا أن نغفل ذكر الغابة وقد ذكرنا يثرب وزعابة ..

الغابة لغة : الأرض ذات الشجر المتكائف ، وهذا الوصف ينطبق من جميع الوجوه على الغابة التي تقع بشمالي المدينة ، غربي جبل أحد .

وقد توجهنا في ظهر يوم من أيام عام 1349 هـ ، إلى هذه الغابة بقصد الاطلاع والتنزه معاً . وكنا ممتطين صهوة سيارة لوري كبيرة يملكها المرحوم السيد محمود أحمد ، ونحن معه فيها قاصدين استكشاف هذه الغابة من جانبيها : الجانب الموالي للمدينة والجانب الآخر الموالي للشمال .

فلما تجاوزنا خيف العيون متجهين إلى الشمال الغربي دخلنا في أرض رملية ألقتنا إلى أرض مسبخة ساخت فيها عجلات سيارتنا الكبيرة واشتد زفيرها كأنما تستغيث بنا من هول هذه الأرض المغراق ، فنزلنا عنها ودفعنها فاندفعت ، وامتطيناها ثانية فما هي إلا بضع دقائق فنزلنا عنها ودفعنها ، فاندفعت ، وامتطينا ثانية فما هي إلا بضع دقائق حتى عادت إلى سيرتها الأولى ، فتركناها في مكانها ، وقلنا لأقدامنا : تقدمي أنت إلى الأمام . ومضينا حتى بلغنا حدود الغابة ... فهالنا منظرها الموحش الكئيب الذي شاهدناه من خلال جذوع أشجارها وفروعها ، ودخلناها في تأمل وعلى مهل ، في شبه اشمئزاز وتحرز يسوقنا حب الاطلاع ، ويحدونا حب التنزه ..

أما الاطلاع فأمر معقول ومقبول . وأما التنزه فلا تنزه بهذه الأجمة المخيفة ذات الشقوق الهائلة الغائرة في باطن الأرض التي احتقرتها السيول بقوة تيارها . وقد لاحظنا أنه بأطراف هذه الشقوق تقوم شجيرات متكاثفة من الأثل والطرفاء القصيرة الشبيهة في شكلها الباهت الصامت بالعجائز العابسة الكالحة الوجوه ... وسرنا في الغابة متماسكين ومتقاربين خوفاً من الضياع . وبعد أن تعمقنا فيها قليلاً شاهدنا آثار وطأة حيوان كبير قال بعضنا : إنه أثر سبع ، وقال بعضنا الآخر : بل إنه أثر نمر ، وعلى كل فهو داهية دهياء ... وما كدنا نقارب الجبل الذي بطرفها الشمالي الغربي حتى استوقفنا الدليل الأعرابي وحذرنا من تجاوز هذا الموضع قائلاً : " في ذلك المكان – مشيراً إلى موضع من الغابة – غدير لا يخلو من ماء متكدر ، تحوم حوله أنواع الحيوان وقد يقع فيه السائر من دون قصد ، فيعسر خروجه لشدة وحله " . وعدنا أدراجنا ننفض غبرات التقزز والاشمئزاز حتى وصلنا سيارتنا ، فامتطيناها وعدنا إلى المدينة ، وفي نفوسنا أثر كآبة منظر الغابة وإيحاشها ، وأثر من خيبة آمالنا في استكشافها .

نقل السمهودي : " أن الزبير بن العوام كان قد اشترى الغابة بمائة وسبعين ألفاً ( لعلها دارهم ) وبيعت في تركته بألف ألف مائة ألف " . ومعنى ذلك أنه عمرها واستثمرها ، حتى بلغت قيمتها بعد إصلاحها وتعميرها أضغافاً مضاعفة .. وقلت في نفسي – أنا أتأمل وضع الغابة الحالي وأقارنه بما ذكر - : سبحان الله أكان ذلك في هذه الغابة الموحشة المقفرة من الزرع والنبات والنخيل في هذا العصر وفيما قبل هذا عصر ؟ حقاً إن هذه الأماكن كالبشر تسعد ثم تشقى ثم تسعد . ولا ندري متى تحف السعادة بعد هذا ؟ .

وبشرقي الغابة قريباً من سفح أحد الشمالي بركة مربعة في نهاية الكبر ، والاتساع ، وضخامة البناء ، وجودته ، مجصصة ظاهراً وباطناً . وهي مشهورة باسم بركة الزبير ، إلى اليوم . ولعلها كانت تسقي أراضي الزبير وفي مقدمتها هذه الغابة في عهد ازدهارها واستمثارها .

وطول هذه البركة 24 متراً و75 سنتيمتراً ، في عرض مثله . وعمقها متر و25 سنتيمتراً ، وسمك جدرنها 3 أمتار و75 سنتيمتراً . ولها ستة مصارف ، ويأتيها الماء من عين الزبير .

ومع ضخامة هذه البركة وخلودها لم يرد لها ذكر فيما اطلعت عليه من تواريخ المدينة .

وجدير بالذكر أن عبد الله السليمان وزير المال في عهد المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود ، قد عمر هذه البركة , وأجرى إليها المار من عينها الأثرية المطمورة وشرع في إحياء أراضيها الواسعة .


المرجع :


عبد القدوس الأنصاري ، آثار المدينة المنورة ، الطبعة الثالثة ، 1393 هـ – 1973 م .