ريمة مطهر
03-15-2011, 08:23 PM
الزوايا والخوانق ببيت المقدس
بيت المقدس الذي شهد قدوم أعداد كبيرة من الصحابة والتابعين بعد الفتح العربي الإسلامي ، شهد أيضاً قدوم زهاد ومتعبدين وصالحين ، للاعتكاف في المسجد وحوله .
ومن هؤلاء على سبيل المثال : قييصة بن ذؤيب ، وعبد الله بن محيريز , وهانىء بن كلثوم ، وأم الدرداء : هجيمة بنت حيي ، زوج الصحابي أبي الدرداء التي كانت تجالس الفقراء والمساكين وتحسن إليهم .
عاش الزهاد الأولون حياة بسيطة وأقاموا في معتكفات للتعبد وذكر الله . وفي القرن الثاني للهجرة ، قدم عدد كبير من الصوفية إلى الديار الفلسطينية المقدسة .
وفي مقدمة هؤلاء أم الخير رابعة بنت إسماعيل العدوية ، وبشر الحافي ، وذو النون الحصري ، وإبراهيم بن أدهم ، والسري بن المفلس السقطي .
الصوفيون كانوا أفراداً في الأصل ، ثم تجمعوا في منظمات منذ القرن الثالث الهجري . ولكن رواج الطرق الصوفية ، إنما تم في القرن السادس الهجري ، وانتشرت انتشاراً كبيراً ابتداء من القرن السابع الهجري ، فيما بلغت قمتها في القرن الثامن حيث لقي الصوفيون تشجيعاً من الحكام المماليك .
ارتبط بوجود الصوفية نشوء الزوايا والخوانق . والخانقاه كلمة فارسية تطلق على المباني التي تقام لإيواء الصوفية الذين يحلون فيها للعبادة . وقد سميت في العهد العثماني " تكايا " كما أطلق عليها أيضاً اسم الربط .
تركزت معظم الزوايا والخوانق في مدينتي القدس والخليل ، وقد بدأ تأسيسها في القرون الإسلامية الأولى ، ولم تكن مقصورة على الصوفية وإنما شغلها زهاد ومتعبدون . ولم يبق من معظمها أية آثار في الوقت الحاضر .
ولعل من قبيل الاستثناءات النادرة ، بقاء الزاوية الأدهمية في القدس ، التي تنسب إلى الصوفي إبراهيم بن أدهم المتوفي سنة مئة وإحدى وستين للهجرة .
أما معظم الزوايا التي لا تزال آثار كثير منها ماثلة فترجع إلى عصر المماليك ، الذين اجتهدوا في تعمير زوايا ومنشآت كانت موجودة قبلهم ، فضلاً عن إنشاء مؤسسات جديدة .
واليوم لا يعرف عن كثير من الزوايا سوى اسمها ، أو أسماء منشئيها فيما اندثرت هي .
ومع أن تعبيرات الزوايا والخوانق والتكايا والربط ، كانت تطلق على مؤسسة واحدة لإيواء الصوفية ، فإنها كانت مختلفة ، وكل منها تعني نمطا مختلفا من هذه المؤسسات .
فالزوايا التي انتشرت في معظم أنحاء فلسطين ، وكان في القدس أربعين منها ، هي مؤسسات شخصية ، غير مرتبطة في جميع الأحيان بالصوفية . إذ الزاوية هي مقر رجل من الأتقياء أو بيته ، يجمع فيها حوله جماعة من التلاميذ ، وفيها مصلى . ولهذا السبب كانت الزوايا أصغر من الخوانق والربط وأكثر منها عدداً ، كما أنها أقدم منها عهداً ، فقد كان الاعتكاف في غرفة صغيرة أو منارة في المسجد أمراً عادياً للزهاد والعباد منذ فجر الإسلام .
وكان هذا المعتكف يدعى زاوية منذ عهد الصحابة . ومما يدل على الأهمية التعليمية للزوايا ، فإن كثيراً من المدارس في بيت المقدس ، ومدن فلسطينية أخرى كانت تسمى زوايا . وبالعكس ، فالزوايا الأمينية ، والنصرية والختنية في القدس ، كانت تسمى مدارس أيضاً .
وفي بعض الزوايا أقيمت مكتبات هامة كما هو الحال في الزاوية النصرية في القدس ، التي أقيمت في القرن الخامس للهجرة .
في بيت المقدس كان عدد الزوايا ينوف عن الأربعين ومن أشهرها : النصرية ، الجراحية ، الدركاء ، الأدهمية ، البسطامية ، الرفاعية ، زاوية الهنود ، زاوية الأفغان - وغيرها .
أما الخانقاه فهي بعكس الزاوية ، إذ أنها ليست شخصية ، وإنما لها غالباً مقام رسمي في الدولة ، إذ هي تنفق عليها ، وتعين لها الشيوخ بمراسيم سلطانية .
انتشرت الخوانق بتوسع منذ القرن الخامس الهجري ، وهي أكبر بيوت الصوفية ، كانوا يقيمون فيها بصورة دائمة ، ويتلقون مخصصات محددة ، كما أن الخانقاه كانت مؤسسة للتعليم الديني أيضاً . وكانت على النازلين فيها التزامات معينة للتعبد والدرس والذكر .
أول الخوانق التي أسست في القدس ، هي خوانق الفرقة الكرامية ، أتباع محمد بن كرام المتوفي سنة مئتين وخمس وخمسين للهجرة ، وقد ذكرها الجغرافي المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم .
أما أول خانقاه معروفة معرفة جيدة نسبياً ، ولا تزال قائمة حتى الآن ، فهي الخانقاه الصلاحية التي بناها صلاح الدين سنة خمس مئة وثلاثة وثلاثين للهجرة وكانت لها أوقاف كثيرة .
بخلاف الزوايا ، التي اتسمت بالبساطة الشديدة ، وسيادة مظاهر التقشف انسجاماً مع طبيعتها وغرضها ، فقد اهتم المماليك بعمارة الخانقاه وزينتها وكسوتها وحرصوا على تدوين أسمائهم عليها كمنشئين لها ، منفقين الأموال على عمارتها وخدمتها والإنفاق على الصوفيين فيها .
المصدر
المركز الفلسطيني للإعلام ، بتصرف .
بيت المقدس الذي شهد قدوم أعداد كبيرة من الصحابة والتابعين بعد الفتح العربي الإسلامي ، شهد أيضاً قدوم زهاد ومتعبدين وصالحين ، للاعتكاف في المسجد وحوله .
ومن هؤلاء على سبيل المثال : قييصة بن ذؤيب ، وعبد الله بن محيريز , وهانىء بن كلثوم ، وأم الدرداء : هجيمة بنت حيي ، زوج الصحابي أبي الدرداء التي كانت تجالس الفقراء والمساكين وتحسن إليهم .
عاش الزهاد الأولون حياة بسيطة وأقاموا في معتكفات للتعبد وذكر الله . وفي القرن الثاني للهجرة ، قدم عدد كبير من الصوفية إلى الديار الفلسطينية المقدسة .
وفي مقدمة هؤلاء أم الخير رابعة بنت إسماعيل العدوية ، وبشر الحافي ، وذو النون الحصري ، وإبراهيم بن أدهم ، والسري بن المفلس السقطي .
الصوفيون كانوا أفراداً في الأصل ، ثم تجمعوا في منظمات منذ القرن الثالث الهجري . ولكن رواج الطرق الصوفية ، إنما تم في القرن السادس الهجري ، وانتشرت انتشاراً كبيراً ابتداء من القرن السابع الهجري ، فيما بلغت قمتها في القرن الثامن حيث لقي الصوفيون تشجيعاً من الحكام المماليك .
ارتبط بوجود الصوفية نشوء الزوايا والخوانق . والخانقاه كلمة فارسية تطلق على المباني التي تقام لإيواء الصوفية الذين يحلون فيها للعبادة . وقد سميت في العهد العثماني " تكايا " كما أطلق عليها أيضاً اسم الربط .
تركزت معظم الزوايا والخوانق في مدينتي القدس والخليل ، وقد بدأ تأسيسها في القرون الإسلامية الأولى ، ولم تكن مقصورة على الصوفية وإنما شغلها زهاد ومتعبدون . ولم يبق من معظمها أية آثار في الوقت الحاضر .
ولعل من قبيل الاستثناءات النادرة ، بقاء الزاوية الأدهمية في القدس ، التي تنسب إلى الصوفي إبراهيم بن أدهم المتوفي سنة مئة وإحدى وستين للهجرة .
أما معظم الزوايا التي لا تزال آثار كثير منها ماثلة فترجع إلى عصر المماليك ، الذين اجتهدوا في تعمير زوايا ومنشآت كانت موجودة قبلهم ، فضلاً عن إنشاء مؤسسات جديدة .
واليوم لا يعرف عن كثير من الزوايا سوى اسمها ، أو أسماء منشئيها فيما اندثرت هي .
ومع أن تعبيرات الزوايا والخوانق والتكايا والربط ، كانت تطلق على مؤسسة واحدة لإيواء الصوفية ، فإنها كانت مختلفة ، وكل منها تعني نمطا مختلفا من هذه المؤسسات .
فالزوايا التي انتشرت في معظم أنحاء فلسطين ، وكان في القدس أربعين منها ، هي مؤسسات شخصية ، غير مرتبطة في جميع الأحيان بالصوفية . إذ الزاوية هي مقر رجل من الأتقياء أو بيته ، يجمع فيها حوله جماعة من التلاميذ ، وفيها مصلى . ولهذا السبب كانت الزوايا أصغر من الخوانق والربط وأكثر منها عدداً ، كما أنها أقدم منها عهداً ، فقد كان الاعتكاف في غرفة صغيرة أو منارة في المسجد أمراً عادياً للزهاد والعباد منذ فجر الإسلام .
وكان هذا المعتكف يدعى زاوية منذ عهد الصحابة . ومما يدل على الأهمية التعليمية للزوايا ، فإن كثيراً من المدارس في بيت المقدس ، ومدن فلسطينية أخرى كانت تسمى زوايا . وبالعكس ، فالزوايا الأمينية ، والنصرية والختنية في القدس ، كانت تسمى مدارس أيضاً .
وفي بعض الزوايا أقيمت مكتبات هامة كما هو الحال في الزاوية النصرية في القدس ، التي أقيمت في القرن الخامس للهجرة .
في بيت المقدس كان عدد الزوايا ينوف عن الأربعين ومن أشهرها : النصرية ، الجراحية ، الدركاء ، الأدهمية ، البسطامية ، الرفاعية ، زاوية الهنود ، زاوية الأفغان - وغيرها .
أما الخانقاه فهي بعكس الزاوية ، إذ أنها ليست شخصية ، وإنما لها غالباً مقام رسمي في الدولة ، إذ هي تنفق عليها ، وتعين لها الشيوخ بمراسيم سلطانية .
انتشرت الخوانق بتوسع منذ القرن الخامس الهجري ، وهي أكبر بيوت الصوفية ، كانوا يقيمون فيها بصورة دائمة ، ويتلقون مخصصات محددة ، كما أن الخانقاه كانت مؤسسة للتعليم الديني أيضاً . وكانت على النازلين فيها التزامات معينة للتعبد والدرس والذكر .
أول الخوانق التي أسست في القدس ، هي خوانق الفرقة الكرامية ، أتباع محمد بن كرام المتوفي سنة مئتين وخمس وخمسين للهجرة ، وقد ذكرها الجغرافي المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم .
أما أول خانقاه معروفة معرفة جيدة نسبياً ، ولا تزال قائمة حتى الآن ، فهي الخانقاه الصلاحية التي بناها صلاح الدين سنة خمس مئة وثلاثة وثلاثين للهجرة وكانت لها أوقاف كثيرة .
بخلاف الزوايا ، التي اتسمت بالبساطة الشديدة ، وسيادة مظاهر التقشف انسجاماً مع طبيعتها وغرضها ، فقد اهتم المماليك بعمارة الخانقاه وزينتها وكسوتها وحرصوا على تدوين أسمائهم عليها كمنشئين لها ، منفقين الأموال على عمارتها وخدمتها والإنفاق على الصوفيين فيها .
المصدر
المركز الفلسطيني للإعلام ، بتصرف .