شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : رقوم منبر صلاح الدين المحترق


ريمة مطهر
03-14-2011, 09:41 PM
رقوم منبر صلاح الدين المحترق



في يوم 21 آب ( أغسطس ) عام 1969م ، أقدم صهيوني متطرف قدم من أستراليا اسمه مايكل روهان ، على حرق المسجد الأقصى ، فأتى الحريق على المنبر ، بالإضافة إلى أكثر من ثلث مساحة الجامع القبلي ، أي نحو 1500 متر مربع ، وكانت النتيجة إحراق أعمدة وأقواس وزخارف وأجزاء من القبة الداخلية ونحو 48 شباكاً والأهم هو احتراق المنبر وأجزاء من المحراب .

المنبر الجديد بدون رقوم المنبر القديم
وفي يوم 23كانون الثاني ( يناير ) 2007 ، وصل منبر جديد وبوشِرَ بتركيبه في اليوم التالي ، حتى استكمل تركيبه في الأول من شهر شباط ( فبراير ) 2007 .


ولكن الفرق كبير بين المنبرين ، من جميع النواحي ، ومن بين هذه الفروق ، النقوش ( الرقوم ) ، التي كانت على المنبر القديم ، الذي صنعه الزنكيون ، الذين ارتبطوا ببيت المقدس بالقدر نفسه الذي ارتبطت به بالفاتح الأول عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، والبناة الأوائل ( الأمويون ) .

وأبرزُ سلطانٍ أيوبي ارتبط بالقدس هو بلا جدال صلاح الدين الأيوبي ، الذي حيكت قصص كثيرة عنه منها ما أورده البعض على أنّه حقائق مؤكدة ! مثل أنّ صلاح الدين استجاب لنداءٍ أرسله أحد المسلمين في الأسْر الصليبي في القدس بصيغة أبيات على لسان القدس أو المسجد الأقصى :

يا أيها الملك الذي ... لمعالم الصلبان نكس
جاءت إليك ظلامةٌ ... تسعى من البيت المقدس
كل المساجد طهّرت ... وأنا على شرفي منجس

وبعد هزيمة الصليبين على يد صلاح الدين ، في معركة حطين الحاسمة ودخوله القدس في 2 / تشرين أول 1187م ، وكان من الطبيعي أنْ تجري أعمال عمارة كبيرة للمسجد الأقصى ، وأيضاً عملية كبيرة لمحو أية آثار للصليبين ومن بينها تحطيم أية نقوش أو مظاهر دينية وضعت في المسجد الأقصى وفي القدس بشكل عام .

وبعد تجديد محراب المسجد وأُرّخ لذلك بنقش بالفسيفساء المذهبة فوقه ( بسم الله الرحمن الرحيم, أمر بتجديد هذا المحراب المقدس وعمارة المسجد الأقصى الذي هو على التقوى مؤسس عبد الله ووليه يوسف بن أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدنيا والدين عندما فتحه الله على يديه في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسماية ، وهو يسأل الله إيزاعه شكر هذه النعمة وإجزال حظه في المغفرة والرحمة ) .

وكان ذلك عام 1187 ميلادية أي بعد نحو ستة قرون من الفتح العربي الإسلامي الكبير على يد عمر بن الخطاب .

وتم تركيب المنبر ، ولهذا المنبر قصة فهو يُعرَف باسم منبر نور الدين ، باسم الذي أمرَ بصنعه نور الدين محمود بن زنكي ، الذي لم يقدّر له أن يحضره بنفسه إلى القدس أو أنْ يتم إحضاره على عهده إلى الأقصى فأحضره تلميذه صلاح الدين الذي أكمل طريقه في مقارعة الصليبيين . وهو أثرٌ جمالي هام ، مصنوع من خشب الأبنوس ومزيّن بالأرابسك ولا يوجد فيه أي مسمار لأنه صنع باستخدام أسافين متداخلة .

وكان يوجد على جنبات المنبر ما يلي : ( بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته الذاكر لنعمته المجاهد في سبيله المرابط لأعداء دينه الملك العادل نور الدين ، ذكر الإسلام والمسلمين ، منصف المظلومين من الظالمين ، أبو القاسم محمود بن زنكي أبو سيف ناصر أمير المؤمنين ، أعز الله أنصاره ، وأدام اقتداره ، وأعلا مناره ، ونشر في الخافقين ألويته وأعلامه ، وأعز أولياء دولته ، وأذل كفار نعمته ، وفتح له على يديه وأقره بالنصر ، وارحمنا برحمتك يا رب العالمين ، وذلك سنة أربع وستين وخمسماية ) .

أي قبل أنْ يجلبه صلاح الدين بنحو عشرين عاماً .

وكان يوجد على رقبة المنبر النقش التالي : ( بسم الله الرحمن الرحيم. عمل في أيام مولانا الملك العادل الصالح إسماعيل بن محمد ركن ) والأرجح أنّ ركن قد تكون ( زنكي ) .

وسجّل المشاركون في صنعه أسماءهم :
( صنعه ابن ظافر الحلبي رحمه الله )
( صنعه سليمان بن معالي رحمه الله )
( صنعة حميد بن ظافر رحمه الله )
( صنعه فضايل وأبو الحسن ولدي يحيى الحلبي رحمه الله )

ونور الدين أحد الذين ارتبط اسمهم بالقدس بقوة رغم أنّه ، كما أشرنا ، لم يُقدّر له أنْ يشهد فتحها الجديد ، وهناك من رأى بعيداً عن الصولات والجولات بين الأيوبيين والصليبيين بأنّ نور الدين كان يرسل الفدائيين إلى بيت المقدس ، مثل الباحث عادل جبر ، الذي استشفّ من كتاباتٍ وجدت على مغارة في أسفل جبل الزيتون بالقدس ، دليلاً على ذلك .

وكتب جبر عن ذلك في جريدة صوت الشعب المقدسية عام 1923 ، أنّ الكتابات تتضمّن أسماء عربية بخط كوفي ، يعود إلى منتصف القرن السادس الهجري وهي : الله ولي بكر بن عمر ، حمزة بن حميد ، بشير بن عبد الله ، محمد بن سنان ، المنشئ إياس بن أحمد ، عبد الواحد بن السائب ، أيوب بن عبد الله . وبجانبها عبارة " خرج وهو يسأل الله الشهادة " .

وفي كهفٍ قريب من المغارة وجد اسم ( عبد الله عثمان بن سعيد القصري ) ، وكان بعض المستشرقين والأثريين الغربيين أشاروا إلى أنّ هذه الأسماء ربما تعود إلى متصوّفين أو قطّاع طرق ، ولكنّ عادل جبر أكّد أنهم فدائيو نور الدين زنكي الذي كان يرسلهم إلى القدس .

وهذا يعني أنّ نور الدين وهو يقارع دولة كبيرة وأمام ناظريه القدس تنتظره ، والمسجد الأقصى الذي لم يعدْ مسجداً يلوح إليه فجهّز له منبراً يليق به ، كان يستخدم ما توصلت إليه مختلف فنون الحرب الحديثة في عصره ، ولم يكنْ أبداً يستطيع الاستغناء عن بث العيون في بيت المقدس ، فإذا كان هؤلاء الذين وردت أسماؤهم على ذلك النقش عاشوا في فترة نور الدين أو من رجاله فهمْ إذن لم يكونوا من الفدائيين فإنهم من ضباط المخابرات الذين يعملون خلف خطوط العدو ، الذي انتصر عليه صلاح الدين نصراً مؤزراً .

المصدر
القدس - مؤسسة فلسطين للثقافة ( بتصرف )