شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : النجارون بمكة المكرمة


ريمة مطهر
03-04-2011, 07:43 PM
النجارون بمكة المكرمة

مكة المكرمة بلد غير ذي زرع ، شديد الحرارة ، ولا يوجد فيه مزارع ولا غابات ذات أشجار كبيرة ممتدة ، وربما كان بها بعض البساتين التي كانت في صدر الإسلام وتعد أولى تجربة مكة الزراعية ، وهي محدودة جداً ، حيث تقتصر على بعض الخضار والفاكهة القليلة .

ولم تكن مكة أيضاً من البلاد المصنعة للخشب والمصدرة له ، ولكنه بلد الله الحرام الذي يجبى إليه ثمرات كل شيء ، ومنها الخشب إلى جانب من يعمل فيه كمهنة وحرفة وتجارة بجلبه من البلاد البعيدة .

وقد وجدت مهنة أو حرفة النجارة بمكة واشتغل أهلها بها إلى جانب حرفة الحدادة التي تكثر بمكة بحكم العلاقة الكبيرة بينها وبين حرارة مناخها الجغرافية وأحوالها السياسية كصناعة الأسلحة ومتطلبات السياحة الدينية - الحج - كأدوات الخيام ولُجُم الدواب ، بل العلاقة الكبيرة بين مهنة الزراعة والحدادة ، بل حاجة الزراعة اللازمة إلى الحدادة في آلات وأدوات الزراعة والحراثة .

وقد وجد لاحقاً عدة ورش أو منجرة للخشب بمكة وهي يدوية في بداية ورودها ثم تطورت إلى آلات كهربائية كما هو مشاهد اليوم ، فمنها على سبيل المثال :

منجرة عبد الفتاح محمود موسى ، من حارة سوق الليل ، وكانت ورشته للنجارة بجوار دار العلوم بشعب علي المعروف .

أحمد نحاس ( شيخ طائفة النجارين ) من الفلق – حارة الشامية وورشته بجوار بيت العمدة عبد الله بصنوي ، قال الشيخ الكردي : ( وهو أول من أحضر منجرة بخشب بمكة المكرمة سنة 1358 هـ ) ومنهم أخوه صدقة نحاس وكانت ورشته في باب العمرة - حارة الشبيكة - خلف فندق مكة الذي هدم الآن في توسعة الملك عبد الله بن عبد العزيز للمسجد الحرام سنة 1429 هـ .

ومنهم : صالح ناقور ابن عمدة شعب عامر ، ومنهم : حسن طايفي من شعب عامر ، وعطية من برحة الرشيدي ، وهي جزء من شعب عامر ( حتى أصبع بمكة إلى سنة 1385 هـ نحو ثلاثين منجرة كهربائية ، منها مناجر : عربي مغربي ، صدقة وسراج كعكي ، سليمان غباشي ، أحمد داغستاني ، حجي عباس بخاري أحمد مشيع الغامدي وأحمد بكري ، وغيرهم ) .

أما مصادر الخشب وإيراده ، فكانوا يجلبونه من جدة عن طريق مستورديه من بلاد ( جاوة ) عبر السفن الكبيرة ، من أمثال السيد حسن شربتلي ، وباشراحيل وباناجه ، وغيرهم . وحينما جاء الخشب المسمى بـ ( البسكوت أو البسكويت ) وذلك لخفته وهشاشته تشبيهاً بحال البسكويت .

وأما الخشب الفني المحلي فكانوا يجلبونه من منطقة ( تربة ) ، وكان صاحب البيت يقوم بالاتفاق مع أحد النجارين ، على كمية وقيمة خشب الرواشين لقصها على قدر المكان بعد أخذ المقاس ( بالسنتى والملي ) وتستغرق مدة القص حوالي شهر أو شهرين وحسب الكمية والمساحة .

بعد ذلك يأتي دور النقاش ، أو الحفار حيث يقوم بنقش وحفر وزخرفة الخشب على الطراز المطلوب ، وغالباً ما يكون هذا العمل في محل النقاش ، وأحياناً يكون في البيت الذي سيركب فيه الرواشين ، وكان يعمل لها حفر ومجاري لتركيبها في قالب واحد ، وإذا احتاج إلى مسمار استخدم المسمار الاسطنبولي ، وهو دائري الرأس ومربع الساق ، وهو نوع يضرب المثل به في أداء الدور الذي وضع لأجله . ومن هؤلاء النقاشين ، محمود شكوري بريع الرسام ، وكان مشهوراً أيضاً بصناعة العربات التي يُحمل عليها ( العُرسان ) وتسحبها الخيول وهي مثل الهودج الذي يحمل على ظهور الإبل ، ومنها عربات الكرو لنقل ( العفش ) والتي تسحبها الحمير داخل الحارات , وهي من العادات والتقاليد التي لا تزال بعض المجتمعات العربية متمسكة بها حتى اليوم ، كالمغرب وتونس وفلسطين وغيرها .

ومنهم بيت صدقة هندي من حارة شعب عامر ، وبيت عبد الله إسماعيل نجار ، وإخوانه حسن وجميل من حارة أجياد . ويقوم هؤلاء أيضاً بنقش الأبواب والشبابيك بعد قصها في الورش على أيدي النجارين .

وهناك نجارون آخرون في أعمال النجارة التالية : الشباري والسيسم والسحارة والنمليات ونصبة الشاي والكرويتة والصناديق والأقفاص وبيت المرايات ، والهوريات وأدوات المكاييل والموازين للحبوب وغيرها ، وكانت محلات هؤلاء في سوق الليل والغزة ، وهناك بيت السرديدي في المسفلة من نجاري الشقادف والشباري ، وغيرها من حارات مكة .

المرجع
صور من تراث مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري ، الجزء الأول ، عبد الله محمد أبكر . بتصرف .