فراس كتبي
02-26-2011, 05:05 PM
أول ما عظم أمر قريش فسميت آل بيت الله وقرابينه
حين هزم الله جيش الفيل ، وكان من أول حديثهم أن تبعاً دخل في اليهودية في أيام قباد ، وكان لدوس رجل من يهود نجران ضيعة يخرج بنوه إليها ليلاً ، فيجرون فيها من الماء أكثر مما يخصها ، فاجتمعت نصارى نجران فقتلوهم ، وطلبوا أباهم دوساً فأعجزهم .
فقالوا له : أقبل .
فقال : لا يقبل المرء على الموت ، فذهبت مثلاً .
فقالوا : إلى أين عن لهوك وغنائك ؟
فقال : الأحياء يعون .
فسار حتى دخل على ( ذي نواس ) ، وكان تهوّد ، فشكى إليه ما أصيب به ، فخرج إلى أهل نجران فحاصرهم ثم عاهدهم ، فلما تمكّن منهم أوقع بهم وهم مغترون ، فلم ينج منهم إلا الشريد .
فلحق بعضهم بالنجاشي ومعه الإنجيل قد أحرق أكثره ، فلما رآه ساءه فكاتب ملك الروم بذلك ، واستدعى من جهته سفناً يحمل فيها الرجال إلى اليمن ، وبلغ ذاك ( ذا نواس ) فصنع مفاتيح كثيرة ، فلما دنا منه جيش الحبشة أرسل إليهم بها ،
وقال : هذه خزائن اليمن فخذوا المال والأرض ، وأنا طوع لكم .
فاطمأنوا وترقوا في المخاليف – أي البقاع التي تجتمع فيها المساكن والقرى – يجبون ، فأرسل ذو نواس إلى المقاولة إذا كان يوم كذا فاذبحوا كل ثور أسود فيكم ، فعلموا الذي أراد فقتلوهم ، فلم يبق منهم إلا القليل .
وبلغ النجاشي ذلك فجهز إليهم سبعين ألفاً عليهم ( أبرهة مولى بن حزام ) ، وأمرهم ألا يقبلوا صلحاً ، فعلم ذو نواس أنه لا قبل له بهم ، فركب حتى أتى البحر فأقحم فرسه فيه فغرق ، وملكت الحبشة اليمن .
ونزل أبرهة صنعاء في قصر غمدان ، فكتب إليه النجاشي : من نزل منزل الملوك تجّبر ، فاهدم ما أشرف من حيطان غمدان حتى توازن به حيطان بلدك .
ففعل ، ثم انصرف عامة الجيش إلى الحبشة وأقام بها أبرهة ملكا ًمستبداً بالأموال ، فبعث إليه النجاشي بـ ( أرياط ) ، فلما نزل به دعاه إلى المبارزة فطمع أرياط فيه وكان أقوى منه ، وكمن له أبرهة عبداً من عبيده ، فلما بدره أرياط وثب العبد فطعنه فقتله ، وصفت اليمن لأبرهة .
فلما عرف النجاشي عصيان أبرهة حلف على وطء بلاده وجز ناصيته وإراقة دمه ، فحلق أبرهة شعره وأخذ جزءاً من دمه وبعضاً من تراب بلده ، وكتب إلى النجاشي : إنما أنا عبدك ، وقد بلغك عني الكذب ، وقد جززت ناصيتي وبعثت بها إليك وبدمي لتريقه وتراب أرضي لتطأه فتبر بيمينك .
فأعجبه ذلك وأمسك عن الإساءة إليه ، فاستجمع ملك اليمن لأبرهة .وبنى كنيسة صنعاء على علوة من غمدان ، فاشتغل ببنائها عشر سنين ، فلما أتمها رأى الناس شيئاً لم يروا مثله قط ، وأراد صرف حجاج العرب إليها حتى دخلها نفر من بني كنانة من قريش وأحدثوا بها ، فغضب أبرهة وعزم على غزو مكة وهدم الكعبة ، فخرج بجيش كثيف وتبعه الفساق من خثعم عليهم نفيل بن حبيب وبنو أمه من بني الحارث بن كعب .
فخرج نحو مكة ، فلما شارفها أخذ أموال قريش فاستاقها وهم بالمسير ، فخرج إليه عبد المطلب وكان له ولأهله فيها إبل فقال : خل عنها فلها من لو أراد منعها منعها .
فأمر له بإبله ، فخرج حتى قام بفناء البيت يدعو الله تعالى ويقول :
لاهم إن العبد يمنع رحله !!! فامنـع رحـالك
لا يغلـبن صليــبهم !!! ومحالهم أبداً محالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا !!! فأمـر مـا بـدا لك
ثم سار أبرهة ، فلما انتهى إلى المغمس نكص الفيل ، فزجروه وأدخلوا الحديد في أنفه حتى خزموه فلم يتحرك ، ثم طلعت عليهم طير أكبر من الجراد فقذفتهم بحجارة في أرجلها فولوا هاربين ، ثم هلك أكثرهم وفيهم أبرهة ، فلما دفع الله عن قريش شرهم قالت العرب : قريش آل الله وقرابينه .
المرجع
أبو هلال العسكري ، الأوائل ، ص 17
حين هزم الله جيش الفيل ، وكان من أول حديثهم أن تبعاً دخل في اليهودية في أيام قباد ، وكان لدوس رجل من يهود نجران ضيعة يخرج بنوه إليها ليلاً ، فيجرون فيها من الماء أكثر مما يخصها ، فاجتمعت نصارى نجران فقتلوهم ، وطلبوا أباهم دوساً فأعجزهم .
فقالوا له : أقبل .
فقال : لا يقبل المرء على الموت ، فذهبت مثلاً .
فقالوا : إلى أين عن لهوك وغنائك ؟
فقال : الأحياء يعون .
فسار حتى دخل على ( ذي نواس ) ، وكان تهوّد ، فشكى إليه ما أصيب به ، فخرج إلى أهل نجران فحاصرهم ثم عاهدهم ، فلما تمكّن منهم أوقع بهم وهم مغترون ، فلم ينج منهم إلا الشريد .
فلحق بعضهم بالنجاشي ومعه الإنجيل قد أحرق أكثره ، فلما رآه ساءه فكاتب ملك الروم بذلك ، واستدعى من جهته سفناً يحمل فيها الرجال إلى اليمن ، وبلغ ذاك ( ذا نواس ) فصنع مفاتيح كثيرة ، فلما دنا منه جيش الحبشة أرسل إليهم بها ،
وقال : هذه خزائن اليمن فخذوا المال والأرض ، وأنا طوع لكم .
فاطمأنوا وترقوا في المخاليف – أي البقاع التي تجتمع فيها المساكن والقرى – يجبون ، فأرسل ذو نواس إلى المقاولة إذا كان يوم كذا فاذبحوا كل ثور أسود فيكم ، فعلموا الذي أراد فقتلوهم ، فلم يبق منهم إلا القليل .
وبلغ النجاشي ذلك فجهز إليهم سبعين ألفاً عليهم ( أبرهة مولى بن حزام ) ، وأمرهم ألا يقبلوا صلحاً ، فعلم ذو نواس أنه لا قبل له بهم ، فركب حتى أتى البحر فأقحم فرسه فيه فغرق ، وملكت الحبشة اليمن .
ونزل أبرهة صنعاء في قصر غمدان ، فكتب إليه النجاشي : من نزل منزل الملوك تجّبر ، فاهدم ما أشرف من حيطان غمدان حتى توازن به حيطان بلدك .
ففعل ، ثم انصرف عامة الجيش إلى الحبشة وأقام بها أبرهة ملكا ًمستبداً بالأموال ، فبعث إليه النجاشي بـ ( أرياط ) ، فلما نزل به دعاه إلى المبارزة فطمع أرياط فيه وكان أقوى منه ، وكمن له أبرهة عبداً من عبيده ، فلما بدره أرياط وثب العبد فطعنه فقتله ، وصفت اليمن لأبرهة .
فلما عرف النجاشي عصيان أبرهة حلف على وطء بلاده وجز ناصيته وإراقة دمه ، فحلق أبرهة شعره وأخذ جزءاً من دمه وبعضاً من تراب بلده ، وكتب إلى النجاشي : إنما أنا عبدك ، وقد بلغك عني الكذب ، وقد جززت ناصيتي وبعثت بها إليك وبدمي لتريقه وتراب أرضي لتطأه فتبر بيمينك .
فأعجبه ذلك وأمسك عن الإساءة إليه ، فاستجمع ملك اليمن لأبرهة .وبنى كنيسة صنعاء على علوة من غمدان ، فاشتغل ببنائها عشر سنين ، فلما أتمها رأى الناس شيئاً لم يروا مثله قط ، وأراد صرف حجاج العرب إليها حتى دخلها نفر من بني كنانة من قريش وأحدثوا بها ، فغضب أبرهة وعزم على غزو مكة وهدم الكعبة ، فخرج بجيش كثيف وتبعه الفساق من خثعم عليهم نفيل بن حبيب وبنو أمه من بني الحارث بن كعب .
فخرج نحو مكة ، فلما شارفها أخذ أموال قريش فاستاقها وهم بالمسير ، فخرج إليه عبد المطلب وكان له ولأهله فيها إبل فقال : خل عنها فلها من لو أراد منعها منعها .
فأمر له بإبله ، فخرج حتى قام بفناء البيت يدعو الله تعالى ويقول :
لاهم إن العبد يمنع رحله !!! فامنـع رحـالك
لا يغلـبن صليــبهم !!! ومحالهم أبداً محالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا !!! فأمـر مـا بـدا لك
ثم سار أبرهة ، فلما انتهى إلى المغمس نكص الفيل ، فزجروه وأدخلوا الحديد في أنفه حتى خزموه فلم يتحرك ، ثم طلعت عليهم طير أكبر من الجراد فقذفتهم بحجارة في أرجلها فولوا هاربين ، ثم هلك أكثرهم وفيهم أبرهة ، فلما دفع الله عن قريش شرهم قالت العرب : قريش آل الله وقرابينه .
المرجع
أبو هلال العسكري ، الأوائل ، ص 17