جمانة كتبي
02-26-2011, 01:23 AM
[ كارلو جورماني ] ..
رحلة البحث عن الخيول العربية
تشكل كتابات الرحالة الأوروبيين الذين زاروا جزيرة العرب، منظومة علمية بالغة الأهمية، فقد كان لهؤلاء المغامرين الرواد فضل الكشف عن معالمها وآثارها، بعد أن جاسوا خلال صحاريها وقفارها، وتوغلوا في مجاهلها، وأسدوا إلى حركة الاستشراق خدمات جليلة في التعرف على التاريخ السياسي والاقتصادي، والأحوال الاجتماعية والثقافية للمنطقة.
وقد هيأت الظروف للنبيل الإيطالي والتاجر وخبير الخيول العربية والوكيل المعتمد لشركات النقل الفرنسية في القدس، الرحالة "كارلو جورماني – Carlo Guarmani" أن يكون واحداً من الرحالة الرواد لجزيرة العرب.
ولد كارلو جوارماني بمدينة "ليجورن" الإيطالية عام 1828 م، إثر الفشل الذي أحاط بتجارة الأب، اصطحب أسرته وهاجروا جميعاً إلى بيروت عام 1850م، اشتغل جورماني بالتجارة حتى أصبح مديراً لمكتب البريد الإمبراطوري الفرنسي في القدس، ومن موقعه هذا، بدأ رحلاته إلى شمال نجد ومصر، ووصل إلى "الجوف" في إحدى رحلاته بحثاً عن الخيول العربية، ومما لاشك فيه أنه أخلص في دراستها، مما قاده إلى أسواق الخيول العربية في فلسطين والمناطق المتاخمة لنهر الأردن وسوريا وشمال نجد، وبرع في عقد صفقات البيع والشراء، وكان لإجادته اللغة العربية ومعرفة التقاليد المتوارثة ولهجات القبائل المنتشرة في شمال جزيرة العرب، الفضل في أن يتكيف مع الحياة الصحراوية فعاش عيشة بدوية خالصة في تفاصيل حياته اليومية.
ومثلما كانت جزيرة العرب، من وجهة نظر الجمعية الوطنية للطب في باريس. مهداً لأقدم جنس بشري، كانت أيضاً مشهورة بخيلها مثلما اشتهرت ببنيها "طبقاً لتعبير جاكلين بيرن". ونظراً لخبرة جورماني وشهرته في هذا المجال وعلاقاته الوثيقة بالقبائل العربية، استدعاه وزير الزراعة الفرنسي إلى باريس عام 1863 ليعهد إليه بمهمة شراء مجموعة من أجود الخيول العربية للبلاط الإمبراطوري، كما اغتنم الملك "فيكتور ايمانويل" الفرصة فعهد إليه بأن يشتري مجموعة خيل أصيلة للبلاط الإيطالي.
انتحل جورماني اسم "خليل أغا" وتظاهر بالإسلام وقدم نفسه كمندوب للحكومة العثمانية، بدأ رحلته في السادس والعشرين من يناير عام 1864م واستغرقت نحو أربعة أشهر، وضمنها كتابه بالإيطالية: "شمال نجد: رحلة من القدس إلى عنيزة في القصيم.. وترجم إلى الإنجليزية عام 1938م واكتسب جورماني شهرة إلى جوار الرحالة العظام: نيبور وبوركهارت وبيرتون وسيتزن وسادلير وجورج والن.. الذين ذكرهم جورماني في مقدمة كتابه وأشار إلى اعتزازه بانضمامه إلى هذه الأسماء المرموقة في أدب الرحلات.
من "معان" وخرائب البتراء وصلت قافلة جورماني إلى "وادي عربه" ثم قطعت وديان أرض الصوان إلى أن اجتازت سهل "الفيح الرملي". وأرغلت القافلة الصغيرة داخل البلاد، مغمورة بأريحية الضيافة البدوية، حتى حل جورماني ضيفاً على شيخ "بني صخر"، حيث حصل على جمل سريع بثلاث ليرات ذهبية وكتاب توصيته إلى حلفاء بني صخر. سار جورماني باتجاه "وادي القار" ثم إلى منطقة "رأس فيجر" التي تشكل جبلاً ومعلماً للأرض المنبسطة الجدباء حول "تيماء". وقدر جورماني عدد سكان تيماء بألف نسمة وهي "تشبه حرج نخيل كبير تحميه مجموعة من التلال ترتفع ما بين خمسة وستة أمتار، وأحياء القرية الثلاثة منفصلة عن بعضها وبها أكواخ من طابق واحد من الطوب المفرغ، وينتشر بها النخيل والأعناب والتين، ويزرع في بساتينها القمح والشعير، وبها مسجد له مئذنة منخفضة وبعض المزاريب من جذوع النخيل، ويبلغ قطر البئر الرئيسي 40 متراً ويعمل 48 جملاً لنزح مياهه بلا انقطاع، والمنتجات الرئيسية التمور والزبدة"..
ووصف جورماني "خيبر" وقال إنها تحوطها مزارع النخيل، وعدد سكانها 2500 نسمة، وتنقسم إلى سبعة أحياء، يشغل كل منها وادياً من الوديان السبعة الواقعة في سلسلة جبال "حراء" حيث تكثر ينابيع المياه العذبة، ووصف "عنيزة" بأنها عاصمة "القصيم" وأنها أهم مدينة في أواسط شبه الجزيرة العربية، وبها سبعة أحياء وعدد سكانها 15 ألف نسمة.
وعلى مسافة ثلاث ساعات من "بريدة" توجد "العيون" وبينها وقرية "جافه" تقع قرية "جواره".. وإلى الشمال الغربي، يسمي جوورماني الجبلان الواقعان بالقرب من جبة: أم سمان والجوطة. ثم إلى جبال "عليم" التي وصفها: والن وبالجريف والليدي آن بلنت، ومنها إلى "الجوف" ووصف الطريق عبر "النفود" بأنه خطر " ولا يمكن متابعته إلا بحراسة عين البدوي ".. وزار "بئر شقيق".. ووصف جوف العمرو بأنها "بلدة صغيرة يسكنها ستة آلاف نسمة، مشيدة بالطوب الطيني كما هي الحال في معظم بلدان نجد.. وسور البلدة المدمر كان في الأصل يحيط بأحيائها الأربعة عشر، وكل حي الآن له سوره الخاص به"، وأشار إلى أن حي "الدلهمية" قد دمر، وكل من الثلاثة عشر حياً أو قرية ترتبط بالأخرى ببساتين النخيل.. وأشار جورماني إلى أصل تسمية "جوف العمرو" : نسبة إلى اسم الوادي المنخفض الذي يقع فيه، وآل بني عمرو الذين شيدوا المكان على أطلال "دومة الجندل" ونزلوا في بعض أحياء البلدة.
وتحدث جورماني عن "دومة الجندل" "هذه البلدة القديمة التي فتحها خالد بن الوليد رضي الله عنه ونالت شهرتها بسبب التحكيم الذي جرى بها ".. وذكر القرى التي تتبع الجوف وهي "الجرعاوي، غطى، البحيرات، وادي الدربي، والمرتفعات التي تتبعها هي: حسياء، خذما، المويسن في السهل المرتفع على طريق "سكاكا"، وكتب أن البحيرات ووادي الدربي وغطى تقوم على أرض مرتفعة تحيط بالجوف، وبين وادي الدربي وغطى يوجد مجمع لماء المطر، وهي أرض ملحية، أما خارج الجوف وفي سهل على الجانب الآخر من الوادي، تقع قرية الجرعاوي، ووصف بلدة سكاكا "يقطنها عشرة آلاف نسمة عند قاع جبل الحماميات" على مسيرة ثمانية ساعات من سكاكا.. ومن الجوف انطلقت القافلة إلى "كاف".. ووصف جورماني أهوال الرحلة ووقائع القتال والسلب الذي تعرضت له القافلة من بدو: الضباعين والشعلان، حتى كاد أن يفقد خيوله النادرة وأوشك هو نفسه على الهلاك.
زخر كتابه بمعلومات جغرافية دقيقة، وإلى "والن" وجورماني ينسب فضل اكتشاف شمالي جزيرة العرب، غير أن الشهرة كانت من نصيب "وليم بالجريف".
في عام 1864م أصدر جورماني كتابه "الخمسة" وقصد السلالات الخمس الأصيلة من الخيول العربية: كحيلان، الصقلاوي، عبيان، الحمداني، هدبان، وحيث يَعد بدو جزيرة العرب هذه السلالات الخمس من أجود الخيول.
مجلة الحج والعمرة – السنة الرابعة والستون
العدد الخامس – جمادى الأولى 1430هـ
رحلة البحث عن الخيول العربية
تشكل كتابات الرحالة الأوروبيين الذين زاروا جزيرة العرب، منظومة علمية بالغة الأهمية، فقد كان لهؤلاء المغامرين الرواد فضل الكشف عن معالمها وآثارها، بعد أن جاسوا خلال صحاريها وقفارها، وتوغلوا في مجاهلها، وأسدوا إلى حركة الاستشراق خدمات جليلة في التعرف على التاريخ السياسي والاقتصادي، والأحوال الاجتماعية والثقافية للمنطقة.
وقد هيأت الظروف للنبيل الإيطالي والتاجر وخبير الخيول العربية والوكيل المعتمد لشركات النقل الفرنسية في القدس، الرحالة "كارلو جورماني – Carlo Guarmani" أن يكون واحداً من الرحالة الرواد لجزيرة العرب.
ولد كارلو جوارماني بمدينة "ليجورن" الإيطالية عام 1828 م، إثر الفشل الذي أحاط بتجارة الأب، اصطحب أسرته وهاجروا جميعاً إلى بيروت عام 1850م، اشتغل جورماني بالتجارة حتى أصبح مديراً لمكتب البريد الإمبراطوري الفرنسي في القدس، ومن موقعه هذا، بدأ رحلاته إلى شمال نجد ومصر، ووصل إلى "الجوف" في إحدى رحلاته بحثاً عن الخيول العربية، ومما لاشك فيه أنه أخلص في دراستها، مما قاده إلى أسواق الخيول العربية في فلسطين والمناطق المتاخمة لنهر الأردن وسوريا وشمال نجد، وبرع في عقد صفقات البيع والشراء، وكان لإجادته اللغة العربية ومعرفة التقاليد المتوارثة ولهجات القبائل المنتشرة في شمال جزيرة العرب، الفضل في أن يتكيف مع الحياة الصحراوية فعاش عيشة بدوية خالصة في تفاصيل حياته اليومية.
ومثلما كانت جزيرة العرب، من وجهة نظر الجمعية الوطنية للطب في باريس. مهداً لأقدم جنس بشري، كانت أيضاً مشهورة بخيلها مثلما اشتهرت ببنيها "طبقاً لتعبير جاكلين بيرن". ونظراً لخبرة جورماني وشهرته في هذا المجال وعلاقاته الوثيقة بالقبائل العربية، استدعاه وزير الزراعة الفرنسي إلى باريس عام 1863 ليعهد إليه بمهمة شراء مجموعة من أجود الخيول العربية للبلاط الإمبراطوري، كما اغتنم الملك "فيكتور ايمانويل" الفرصة فعهد إليه بأن يشتري مجموعة خيل أصيلة للبلاط الإيطالي.
انتحل جورماني اسم "خليل أغا" وتظاهر بالإسلام وقدم نفسه كمندوب للحكومة العثمانية، بدأ رحلته في السادس والعشرين من يناير عام 1864م واستغرقت نحو أربعة أشهر، وضمنها كتابه بالإيطالية: "شمال نجد: رحلة من القدس إلى عنيزة في القصيم.. وترجم إلى الإنجليزية عام 1938م واكتسب جورماني شهرة إلى جوار الرحالة العظام: نيبور وبوركهارت وبيرتون وسيتزن وسادلير وجورج والن.. الذين ذكرهم جورماني في مقدمة كتابه وأشار إلى اعتزازه بانضمامه إلى هذه الأسماء المرموقة في أدب الرحلات.
من "معان" وخرائب البتراء وصلت قافلة جورماني إلى "وادي عربه" ثم قطعت وديان أرض الصوان إلى أن اجتازت سهل "الفيح الرملي". وأرغلت القافلة الصغيرة داخل البلاد، مغمورة بأريحية الضيافة البدوية، حتى حل جورماني ضيفاً على شيخ "بني صخر"، حيث حصل على جمل سريع بثلاث ليرات ذهبية وكتاب توصيته إلى حلفاء بني صخر. سار جورماني باتجاه "وادي القار" ثم إلى منطقة "رأس فيجر" التي تشكل جبلاً ومعلماً للأرض المنبسطة الجدباء حول "تيماء". وقدر جورماني عدد سكان تيماء بألف نسمة وهي "تشبه حرج نخيل كبير تحميه مجموعة من التلال ترتفع ما بين خمسة وستة أمتار، وأحياء القرية الثلاثة منفصلة عن بعضها وبها أكواخ من طابق واحد من الطوب المفرغ، وينتشر بها النخيل والأعناب والتين، ويزرع في بساتينها القمح والشعير، وبها مسجد له مئذنة منخفضة وبعض المزاريب من جذوع النخيل، ويبلغ قطر البئر الرئيسي 40 متراً ويعمل 48 جملاً لنزح مياهه بلا انقطاع، والمنتجات الرئيسية التمور والزبدة"..
ووصف جورماني "خيبر" وقال إنها تحوطها مزارع النخيل، وعدد سكانها 2500 نسمة، وتنقسم إلى سبعة أحياء، يشغل كل منها وادياً من الوديان السبعة الواقعة في سلسلة جبال "حراء" حيث تكثر ينابيع المياه العذبة، ووصف "عنيزة" بأنها عاصمة "القصيم" وأنها أهم مدينة في أواسط شبه الجزيرة العربية، وبها سبعة أحياء وعدد سكانها 15 ألف نسمة.
وعلى مسافة ثلاث ساعات من "بريدة" توجد "العيون" وبينها وقرية "جافه" تقع قرية "جواره".. وإلى الشمال الغربي، يسمي جوورماني الجبلان الواقعان بالقرب من جبة: أم سمان والجوطة. ثم إلى جبال "عليم" التي وصفها: والن وبالجريف والليدي آن بلنت، ومنها إلى "الجوف" ووصف الطريق عبر "النفود" بأنه خطر " ولا يمكن متابعته إلا بحراسة عين البدوي ".. وزار "بئر شقيق".. ووصف جوف العمرو بأنها "بلدة صغيرة يسكنها ستة آلاف نسمة، مشيدة بالطوب الطيني كما هي الحال في معظم بلدان نجد.. وسور البلدة المدمر كان في الأصل يحيط بأحيائها الأربعة عشر، وكل حي الآن له سوره الخاص به"، وأشار إلى أن حي "الدلهمية" قد دمر، وكل من الثلاثة عشر حياً أو قرية ترتبط بالأخرى ببساتين النخيل.. وأشار جورماني إلى أصل تسمية "جوف العمرو" : نسبة إلى اسم الوادي المنخفض الذي يقع فيه، وآل بني عمرو الذين شيدوا المكان على أطلال "دومة الجندل" ونزلوا في بعض أحياء البلدة.
وتحدث جورماني عن "دومة الجندل" "هذه البلدة القديمة التي فتحها خالد بن الوليد رضي الله عنه ونالت شهرتها بسبب التحكيم الذي جرى بها ".. وذكر القرى التي تتبع الجوف وهي "الجرعاوي، غطى، البحيرات، وادي الدربي، والمرتفعات التي تتبعها هي: حسياء، خذما، المويسن في السهل المرتفع على طريق "سكاكا"، وكتب أن البحيرات ووادي الدربي وغطى تقوم على أرض مرتفعة تحيط بالجوف، وبين وادي الدربي وغطى يوجد مجمع لماء المطر، وهي أرض ملحية، أما خارج الجوف وفي سهل على الجانب الآخر من الوادي، تقع قرية الجرعاوي، ووصف بلدة سكاكا "يقطنها عشرة آلاف نسمة عند قاع جبل الحماميات" على مسيرة ثمانية ساعات من سكاكا.. ومن الجوف انطلقت القافلة إلى "كاف".. ووصف جورماني أهوال الرحلة ووقائع القتال والسلب الذي تعرضت له القافلة من بدو: الضباعين والشعلان، حتى كاد أن يفقد خيوله النادرة وأوشك هو نفسه على الهلاك.
زخر كتابه بمعلومات جغرافية دقيقة، وإلى "والن" وجورماني ينسب فضل اكتشاف شمالي جزيرة العرب، غير أن الشهرة كانت من نصيب "وليم بالجريف".
في عام 1864م أصدر جورماني كتابه "الخمسة" وقصد السلالات الخمس الأصيلة من الخيول العربية: كحيلان، الصقلاوي، عبيان، الحمداني، هدبان، وحيث يَعد بدو جزيرة العرب هذه السلالات الخمس من أجود الخيول.
مجلة الحج والعمرة – السنة الرابعة والستون
العدد الخامس – جمادى الأولى 1430هـ