ثروت كتبي
01-20-2011, 04:31 PM
قصة اكتشاف الربذة
المدينة الإسلامية المبكرة
د. سعد عبدالعزيز الراشد
نص المحاضرة التي ألقاها الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد في الأمسية الثقافية التي نظمتها مؤسسة بركات ومركز المهارات في جدة في الثالث من شهر ربيع الأول 1429هـ الموافق للحادي عشر من شهر مارس 2008م
يمكن القول إن الربذة تستحق أن يكتب عنها قصصاً عديدة، لا قصة واحدة، وقد يكون لدينا المبرر الكافي للتدليل على ذلك، فالربذة ارتبطت تاريخياً بعصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعصر الخلفاء الراشدين وامتداداً بالفترة الأموية وحتى منتصف الخلافة العباسية، ولم تكن الربذة مجهولة الاسم والموقع في العصر الجاهلي، فقد قال عنها بعض الجغرافيين الأوائل إنها من القرى القديمة في الجاهلية، وفي العصر الإسلامي اعتبرت الربذة واحدة من أهم المحطات الرئيسية على طريق التجارة والحج الذي ربط مكة المكرمة والمدينة المنورة بالعراق والمشرق الإسلامي، والربذة أيضا اشتهرت بأنها من أحسن الأماكن الصالحة لرعي الإبل والخيل فكانت بذلك منطقة محمية (حمى) لدولة الإسلام بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرضها تنبت أنواعا من الشجيرات والنباتات وتبقى معشبة طوال العام، وأوضحت الدراسات أن الغطاء النباتي من الأشجار والنباتات يصل إلى أكثر من خمسين نوعا ومن ذلك الرمث والحمض والسمر والسلم والسيال والطلح، وهذه الأنواع من النباتات تمد الإبل والخيول بطاقة غذائية عالية ومن أهمها نبات الحمض الذي يغطي سهل الحمى، فقد قيل إنه (إذا عقد البعير شحماً بالربذة سوفر عليه سفرتان لا تنقصان شحمه). وكان لحمى الربذة ولاة يعينون من قبل الخلفاء أنفسهم لرعايته وحمايته والمحافظة عليه، والإشراف على دواب الدولة الإسلامية من جمال وخيول وملاحظة تكاثرها حتى تصبح جاهزة للجهاد. ونظراً لأهمية موقع الربذة وفضائها الواسع ونقطة تلاقي الأودية والشعاب وملتقى الطرق، ولذلك شهدت المنطقة تحركات مكثفة بعد مقتل عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، فعسكر بها الخليفة علي بن أبي طالب فترة من الوقت في سنة 36هـ (656م) يجمع عدته تمهيدا للسير نحو البصرة، ونهج نفس الشيء الحسن بن علي حينما خرج من مكة المكرمة في طريقه نحو الكوفة سنة 60 هـ (679م)، وقد نزلها المرقع بن ثمامة الأسدي، أحد أعوان الحسين بعد حادثة كربلاء، وبقي فيها حتى توفي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة 64هـ (683م) حيث غادرها بعد ذلك إلى الكوفة.
ولا يذكر اسم الربذة إلا ويذكر معها الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري الذي اختارها للسكنى في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 30هـ (651-652م) وعندما قدم إليها أبو ذر، بني فيها سكنه ومسجده، وخلال إقامته بالربذة كان يتردد على المدينة حسب ما أوصاه به الخليفة عثمان، وقد توفي أبو ذر في الربذة سنة 32 هـ (653م) وتولى أمر غسله والصلاة عليه ودفنه الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ومعه جماعة وصل عددهم زهاء ستة عشر رجلاً، كانوا قادمين في قافلة من العراق إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.
ويبدو أن وجود أبي ذر الغفاري بالربذة وغيره من الصحابة استهوى الكثير من الناس رجالاً ونساء للسكن فيها أو للمرور بها، إما طلباً لرواية حديث أو التأكد من صحته.
فيذكر أن جسرة بنت دجاجة العامرية روت عن أبي ذر سماعا عن عائشة.. وقد اعتمرت نحوا من أربعين عمرة ورأت أبا ذر بالربذة. ولعلنا نؤكد على نقطة مهمة وهو أن نزوح أبي ذر الغفاري إلى الربذة واختيارها سكنا له لم يكن صدفة، ولم يكن بسبب نفيه من المدينة في عهد عثمان حسب روايات بعض المصادر، فقصة إسلامه المبكرة تدل على أنه وقومه من بني غفار، وكانوا يسيطرون على ملتقى طرق التجارة إلى الشام، وتدل الروايات التاريخية أن أبا ذر بعد إسلامه وخروجه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى إلى المسجد الحرام وصرخ بأعلى صوته أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقام إليه القوم فضربوه فأكب عليه العباس وقال لهم (ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأنه طريق تجاركم إلى الشام) أو أنه قال: ويلكم تقتلون رجلاً من غفار ومتجركم وممركم على غفار) ومن الروايات التي تؤكد صلة أبي ذر الغفاري بالربذة أنه كان يحدث بالمسجد النبوي ووقف مرة بباب المسجد ويقول: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الرَّبذي..) وفي ضوء هذه الروايات وسياق إسلام أبي ذر، نستنتج أن الربذة كانت الموطن الأصلي لهذا الصحابي الجليل وقومه من بني غفار، قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (غفار غفر الله لها! وأسلم سالمها الله) وأبو ذكر الغفاري أول من حيا النبي بتحية الإسلام، وهو صاحب القصة المشهورة في غزوة تبوك، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فيه (يرحم الله أبا ذر! يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده) وورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر) وقد نكتفي بهذه الإلماحات عن أبي ذر الغفاري ومكانته بين الصحابة وصلته بالربذة.
ولعلنا أيضا نشير إلى أن الربذة سكنها عدد من الشخصيات التاريخية وبعضهم مات فيها، ومنهم عتبة بن غزوان الذي اختط البصرة زمن عمر بن الخطاب، فقد مات بالربذة سنة 17هـ والصحابي محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة أحد من شهد معركة بدر وباقي المواقع الحربية، فقد اعتزل الفتنة زمن عثمان بن عفان وسكن الربذة بضع سنين ومات بالمدينة سنة 43هـ وسكن الربذة ومات فيها ودفن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عمرو المدني، فقد توفي سنة 70هـ، وعاش في الربذة الصحابي سلمة بن الأكوع الذي تزوج فيها وأنجب أولاداً وتوفي بالمدينة سنة 74هـ. وينسب إلى الربذة عدد من رواة الحديث ومنهم من استهوى السكنى فيها ومن هؤلاء على سبيل المثال موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي وأخواه محمد وعبدالله، وقد توفي موسى ودفن بالربذة سنة 153هـ وكان إبراهيم بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام يأتي الربذة كثيرا ويقيم فيها ويتجر بها وقد توفي إبراهيم بالمدينة المنورة سنة 230هـ، أما يحيى بن أكثم، قاضي القضاة زمن الخليفة المتوكل، فقد توفي بالربذة سنة 242هـ (856هـ)، وقد أشارت المصادر إلى أن عالم النحو الشهير يحيى بن زياد المعروف بالفراء، مات في طريق مكة (أو في طريق الحج) سنة 207هـ، وقد أكدت مجموعة من النقوش المنحوتة على واجهة صخرية في جبل سنام يتكرر فيها اسم يحيى بن زياد. والفراء هو صاحب المقولة الشهيرة (أموت وفي نفسي شيء من حتى).
وكانتالربذة من الأماكن المحببة لنفوس الأمراء والخلفاء من بني العباس للاستراحة والاقامة فيها، ومن هؤلاء أبو جعفر المنصور والمهدي وهارون الرشيد الذين أجروا الكثير من الإصلاحات والمشاريع الخيرية على طرق الحج بين العراق والحرمين الشريفين، وحذا حذوهم في تقديم الأعمال الخيرية، الأمراء والوزراء والقادة والتجار، وكان لسيدات البلاط العباسي أعمال مماثلة وفي مقدمتهن السيدة زبيدة بنت جعفر، زوجة الخليفة هارون الرشيد، التي بذلت العطاء وأنفقت الأموال في سبيل بناء المنازل والدور، وحفر الآبار وتشييد البرك على امتداد طريق الحج الذي عرف باسم (درب زبيدة)، وختمت السيدة زبيدة أعمالها الجليلة بعمارة (عين زبيدة) خدمة لحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين والسكان على حد سواء ولا تزال آثار عيون زبيدة، بخرزاتها وقنواتها المحفورة في باطن الأرض أو المبنية على حواف الجبال، باقية حتى اليوم.
وفي ضوء المعلومات المتناثرة عند الجغرافيين والرحالة المسلمين عن الربذة، أنها كانت من أحسن المنازل على طريق الحج، وقد بلغت الربذة مجدها العصر العباسي المبكر، عندما حج الخليفة هارون الرشيد تسع مرات خلال فترة خلافته، (170-193هـ-786- 809م)، كان يصل إليها عبر طريق مباشر يربط الربذة بالمدينة المنورة مباشرة، في ذلك الوقت كانت القافلة الواحدة للحجاج القادمين من العراق، والمشرق الإسلامي تصل إلى أكثر من عشرين ألفاً من الجمال وكان الحجاج يقصدون مكة أفراداً أو جماعات، وكان هارون الرشيد عندما يحج يشايعه في طريقه الوزراء والقواد وأمراء الأجناد والعلماء والفقهاء والجنود والعساكر، كانت أخبار الأمصار والبلدان تأتيه، في كل منزل ينزله، على النجائب من مسيرة ثمانية أيام ويأتيه الجواب من يومه من مسيرة شهر ونحوه على أجنحة الحمام. وفي تلك الحقبة الزمنية من تاريخنا الإسلامي كان طريق الحج (درب زبيدة) ومحطاته ومنازله واستراحاته يشهد حركة بشرية نشطة لا تنقطع، وتزداد في مواسم الحج، وكان الطريق يشكل شريانا حيوياً وموردا اقتصاديا للبادية والحاضرة والمستقرين في البلدات والقرى البعيدة والقريبة، فيجلبون مصنوعاتهم اليدوية ومنتجاتهم الزراعية والأعلاف والخيول والدواب لمقايضتها وبيعها على الحجاج والتجار على حد سواء. وكانت الربذة واحدة من أهم البلدات على طريق الحج خاصة وأن حمى الربذة بعد عهد الخليفة المهدي العباسي (158-169هـ-775- 785م) لم يعد مقتصرا على إبل وخيل الدولة الإسلامية بل مشاعا بين الناس لرعي دوابهم. ولعل أهم ما كان يحتاجه آلاف الحجاج والمسافرين والمقيمين هو الماء، عصب الحياة للإنسان والحيوان والنبات، فكانت الربذة تشكل مستودعا لحفظ المياه، بسبب المرافق المائية المتوفرة فيها من آبار وبرك، وخزانات المياه التي أسست داخل منازل الربذة والتي بينتها أعمال الحفائر الأثرية.
إن الأحوال المعيشية في وسط الجزيرة العربية والحجاز، بدأت تتغير للأسوأ بسبب الفتن التي تسارعت على الدولة العباسية من خروج على سلطة الدولة من الفرق والطوائف وتمرد بعض القبائل. فقد ثار عدد من القبائل في وسط الجزيرة، بسبب عوامل اقتصادية ومطامع للسلطة، فأدت تلك الفتن إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وإلحاق الأذى والقتل للحجاج من نساء ورجال وأطفال وشيوخ وقتل للدواب، وتخريب المنشآت المائية، وإرباك قوافل الحجيج من الوصول إلى الحرمين الشريفين بل وتعطيل فريضة الحج.
وبالرغم من جهود خلفاء بني العباس في بسط سلطة الدولة وإعادة الطمأنينة والاستقرار للحرمين الشريفين، إلا أن فتن القبائل ظلت مستمرة في فترات متقطعة على مدى قرون. وفي هذا الخضم من الإرباك الذي كانت تحدثه القبائل برزت فتنة كبري كادت أن تقوض أركان الخلافة العباسية، وهي فتنة القرامطة التي ظهرت مع نهاية القرن الثالث الهجري (بداية العاشر الميلادي) فقد سيطر القرامطة على مناطق شاسعة في شرق وشمال الجزيرة العربية، وكانت هجماتهم على محطات ومنازل طريق الحج تتسم بالشراسة وعدم الرحمة بالإنسان والحيوان، فقد كانوا ينفذون حملات خاطفة على قوافل الحجيج، فيأخذون أحمال البضائع الثمينة وأمتعة الحجاج والارزاق وخزائن الخلافة، وفي كل حادثة يقدمون عليها يقومون بقتل الحجاج دون رحمة أو شفقة ويتتبعون الناجين منهم فيجهزون عليهم وفي أحيان الكثيرة يتركون الحجاج على أوضاعهم ليلقوا مصيرهم جوعا وعطشا من حر الشمس وتتصيدهم الوحوش الكاسرة وكانوا يلجؤون إلى ردم الآبار والبرك بالجيف والتراب والحجارة.
وبلغ القرامطة ذروة سطوتهم في 8 ذي الحجة 317هـ (12 يناير 930م) عندما اجتاحوا مكة المكرمة واستباحوها قتلا وتشريدا ونهبا واقتلاعهم للحجر الأسود وتعرية الكعبة الشريفة من كسوتها وقلع بابها. وبعد عامين (319هـ- 932م) كانت نهاية الربذة على أيدي القرامطة بعد أن تعرضت للخراب والدمار من القبائل العربية، فأجبروا أهلها على الرحيل وخربت البلدة وبهذا يسدل الستار على مدينة إسلامية كانت من أحسن المدن على طريق الحج، وقد أصابت الدهشة الجغرافي محمد بن أحمد المقدسي حينما وقف على أطلال الربذة بعد سنوات من تخريبها فوصفها بقوله: (ماء زعاق وموقع خراب).
وهكذا انتهت قصة مدينة بقيت عامرة زهاء ثلاثة قرون وزيادة، وربما استمرت موردا للمياه وموطنا للرعي، لكن مسار طريق الحج تحول عنها ولم يقدم لنا المؤرخون والجغرافيون وأصحاب الطبقات وصفا لهذه البلدة قبل خرابها وكأنهم تركوا هذه المهمة للآثاريين ليكتشفوا أسرار هذه المدينة ومعالمها المعمارية ومرافقها والشواهد الحضارية فيها.
وظلت الربذة على مدى قرون وحتى عهد قريب، معروفة (اسما) ومجهولة موضعا. وكان الرحالة والجغرافي محمد بن عبدالله بن بليهد (ت: 1377هـ - 1957م) أول من حاول التعريف بحمى الربذة وتحقيق موقعها الذي لم يحالفه الحظ فقد قال: (والربذة لم تعرف في هذا العهد إلا أن تكون (الحناكية) أو قريبة منها، وهذا الاستنتاج سبب مزيدا من الحيرة أمام الباحثين. كان موقع الربذة موضع اهتمامي إلى عام (1389هـ - 1390هـ) (1971م- 1972م) عندما عزمت على إعداد دراسة شاملة للتحضير للدكتوراه عن آثار ومعالم طريق الحج من العراق إلى مكة المكرمة (درب زبيدة) فعكفت على دراسة المصادر التاريخية والجغرافية والأدبية لطريق الحج، واستخلصت منها معلومات مهمة، ساعدتني في تنفيذ أول رحلة ميدانية تتبعت فيها معظم مساراته وفروعه على امتداد مسافة تزيد على 1400 كيلو، استمرت رحلة البحث بشكل متواصل خلال الفترة من (ا ربيع الثاني - 10 جمادى الأولى 1393هـ الموافق 14 مايو إلى 11 يونيو عام 1973م).
وجاءت نتائج ما توصلنا إليه من استنتاجات عن الربذة متقاربة مع استنتاجات الشيخ حمد الجاسر، الذي نشر بحثا في مجلة العرب بعنوان (الربذة: تحديد موقعها)، كما دون عدد من أصحاب المعاجم السعوديين معلومات مفيدة عن الربذة على نفس النهج الذي سار عليه الشيخ حمد الجاسر ومنهم: محمد بن ناصر العبودي وسعد بن جنيدل وعاتق البلادي.
وجاءت استنتاجات الجاسر بقوله: أرى أن موقع الربذة (يقصد المدينة لا الحمى) فيما بين بركة أبي سليم وبين بئر النفازي، بل لا أستبعد أن هذه البئر كانت من آبار الربذة، وقد تكون البئر التي كانت تعرف قديما باسم بئر ابي ذر الغفاري فحرف الاسم).
ولمزيد من البحث الميداني وجمع المعلومات عن موقع الربذة والمنطقة المحيطة بها، وارتباطها بطريق الحج (درب زبيدة)، تم تنظيم رحلة علمية، استطلاعية مركزة على جزء من طريق درب زبيدة شمل مواقع أثرية ومعالم عديدة للطريق ومنها المكان الذي تقع فيه (بركة أبو سليم) والموسومة بهذا الاسم على خرائط المملكة الطبيعية والجغرافية، كما تم حصر المعالم الطبيعية وامتداد الغطاء النباتي للمنطقة وبالتالي توصلنا إلى قناعة بأن موقع البركة المشار إليها والمواقع الأثرية الأخرى الباقية حول المكان أو على امتداد درب زبيدة وكذلك المعالم الطبيعية، جعلتنا مطمئنين أننا في الموضع الحقيقي الذي نشأت فيه مدينة الربذة، وقد نشرنا في أعقاب تلك الرحلة ما توصلنا إليه من نتائج. فالربذة تقع إلى الشرق من المدينة المنورة بميل نحو الجنوب بمسافة تقدر بحوالي 200 كيل، على حافة جبال الحجاز الغربية على خط عرض 24 40 وخط الطول 41 -18، ويبعد عنها خط القصيم - مدينة المنورة شمالا بحوالي 70 كيلا، وإلى الجنوب منها بمسافة 150 كيلا مهد الذهب (معدن بني سليم قديماً).
لقد مهدت الدراسات الأولية عن موقع الربذة للبدء في أعمال البحث والتنقيب والكشف عن حضارة هذه المدينة من جهة، ومن جهة أخرى تدريب طلاب قسم الآثار والمتاحف، على أعمال التنقيب تحت إشراف أساتذة مختصين، وقد بدأ الموسم الأول للحفريات الأثرية خلال الفترة من (7 جمادى الثانية إلى 6 رجب 1399هـ الموافق 3-3-مايو 1979م).
المدينة الإسلامية المبكرة
د. سعد عبدالعزيز الراشد
نص المحاضرة التي ألقاها الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد في الأمسية الثقافية التي نظمتها مؤسسة بركات ومركز المهارات في جدة في الثالث من شهر ربيع الأول 1429هـ الموافق للحادي عشر من شهر مارس 2008م
يمكن القول إن الربذة تستحق أن يكتب عنها قصصاً عديدة، لا قصة واحدة، وقد يكون لدينا المبرر الكافي للتدليل على ذلك، فالربذة ارتبطت تاريخياً بعصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعصر الخلفاء الراشدين وامتداداً بالفترة الأموية وحتى منتصف الخلافة العباسية، ولم تكن الربذة مجهولة الاسم والموقع في العصر الجاهلي، فقد قال عنها بعض الجغرافيين الأوائل إنها من القرى القديمة في الجاهلية، وفي العصر الإسلامي اعتبرت الربذة واحدة من أهم المحطات الرئيسية على طريق التجارة والحج الذي ربط مكة المكرمة والمدينة المنورة بالعراق والمشرق الإسلامي، والربذة أيضا اشتهرت بأنها من أحسن الأماكن الصالحة لرعي الإبل والخيل فكانت بذلك منطقة محمية (حمى) لدولة الإسلام بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرضها تنبت أنواعا من الشجيرات والنباتات وتبقى معشبة طوال العام، وأوضحت الدراسات أن الغطاء النباتي من الأشجار والنباتات يصل إلى أكثر من خمسين نوعا ومن ذلك الرمث والحمض والسمر والسلم والسيال والطلح، وهذه الأنواع من النباتات تمد الإبل والخيول بطاقة غذائية عالية ومن أهمها نبات الحمض الذي يغطي سهل الحمى، فقد قيل إنه (إذا عقد البعير شحماً بالربذة سوفر عليه سفرتان لا تنقصان شحمه). وكان لحمى الربذة ولاة يعينون من قبل الخلفاء أنفسهم لرعايته وحمايته والمحافظة عليه، والإشراف على دواب الدولة الإسلامية من جمال وخيول وملاحظة تكاثرها حتى تصبح جاهزة للجهاد. ونظراً لأهمية موقع الربذة وفضائها الواسع ونقطة تلاقي الأودية والشعاب وملتقى الطرق، ولذلك شهدت المنطقة تحركات مكثفة بعد مقتل عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، فعسكر بها الخليفة علي بن أبي طالب فترة من الوقت في سنة 36هـ (656م) يجمع عدته تمهيدا للسير نحو البصرة، ونهج نفس الشيء الحسن بن علي حينما خرج من مكة المكرمة في طريقه نحو الكوفة سنة 60 هـ (679م)، وقد نزلها المرقع بن ثمامة الأسدي، أحد أعوان الحسين بعد حادثة كربلاء، وبقي فيها حتى توفي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة 64هـ (683م) حيث غادرها بعد ذلك إلى الكوفة.
ولا يذكر اسم الربذة إلا ويذكر معها الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري الذي اختارها للسكنى في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 30هـ (651-652م) وعندما قدم إليها أبو ذر، بني فيها سكنه ومسجده، وخلال إقامته بالربذة كان يتردد على المدينة حسب ما أوصاه به الخليفة عثمان، وقد توفي أبو ذر في الربذة سنة 32 هـ (653م) وتولى أمر غسله والصلاة عليه ودفنه الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ومعه جماعة وصل عددهم زهاء ستة عشر رجلاً، كانوا قادمين في قافلة من العراق إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.
ويبدو أن وجود أبي ذر الغفاري بالربذة وغيره من الصحابة استهوى الكثير من الناس رجالاً ونساء للسكن فيها أو للمرور بها، إما طلباً لرواية حديث أو التأكد من صحته.
فيذكر أن جسرة بنت دجاجة العامرية روت عن أبي ذر سماعا عن عائشة.. وقد اعتمرت نحوا من أربعين عمرة ورأت أبا ذر بالربذة. ولعلنا نؤكد على نقطة مهمة وهو أن نزوح أبي ذر الغفاري إلى الربذة واختيارها سكنا له لم يكن صدفة، ولم يكن بسبب نفيه من المدينة في عهد عثمان حسب روايات بعض المصادر، فقصة إسلامه المبكرة تدل على أنه وقومه من بني غفار، وكانوا يسيطرون على ملتقى طرق التجارة إلى الشام، وتدل الروايات التاريخية أن أبا ذر بعد إسلامه وخروجه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى إلى المسجد الحرام وصرخ بأعلى صوته أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقام إليه القوم فضربوه فأكب عليه العباس وقال لهم (ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأنه طريق تجاركم إلى الشام) أو أنه قال: ويلكم تقتلون رجلاً من غفار ومتجركم وممركم على غفار) ومن الروايات التي تؤكد صلة أبي ذر الغفاري بالربذة أنه كان يحدث بالمسجد النبوي ووقف مرة بباب المسجد ويقول: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الرَّبذي..) وفي ضوء هذه الروايات وسياق إسلام أبي ذر، نستنتج أن الربذة كانت الموطن الأصلي لهذا الصحابي الجليل وقومه من بني غفار، قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (غفار غفر الله لها! وأسلم سالمها الله) وأبو ذكر الغفاري أول من حيا النبي بتحية الإسلام، وهو صاحب القصة المشهورة في غزوة تبوك، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فيه (يرحم الله أبا ذر! يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده) وورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر) وقد نكتفي بهذه الإلماحات عن أبي ذر الغفاري ومكانته بين الصحابة وصلته بالربذة.
ولعلنا أيضا نشير إلى أن الربذة سكنها عدد من الشخصيات التاريخية وبعضهم مات فيها، ومنهم عتبة بن غزوان الذي اختط البصرة زمن عمر بن الخطاب، فقد مات بالربذة سنة 17هـ والصحابي محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة أحد من شهد معركة بدر وباقي المواقع الحربية، فقد اعتزل الفتنة زمن عثمان بن عفان وسكن الربذة بضع سنين ومات بالمدينة سنة 43هـ وسكن الربذة ومات فيها ودفن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عمرو المدني، فقد توفي سنة 70هـ، وعاش في الربذة الصحابي سلمة بن الأكوع الذي تزوج فيها وأنجب أولاداً وتوفي بالمدينة سنة 74هـ. وينسب إلى الربذة عدد من رواة الحديث ومنهم من استهوى السكنى فيها ومن هؤلاء على سبيل المثال موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي وأخواه محمد وعبدالله، وقد توفي موسى ودفن بالربذة سنة 153هـ وكان إبراهيم بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام يأتي الربذة كثيرا ويقيم فيها ويتجر بها وقد توفي إبراهيم بالمدينة المنورة سنة 230هـ، أما يحيى بن أكثم، قاضي القضاة زمن الخليفة المتوكل، فقد توفي بالربذة سنة 242هـ (856هـ)، وقد أشارت المصادر إلى أن عالم النحو الشهير يحيى بن زياد المعروف بالفراء، مات في طريق مكة (أو في طريق الحج) سنة 207هـ، وقد أكدت مجموعة من النقوش المنحوتة على واجهة صخرية في جبل سنام يتكرر فيها اسم يحيى بن زياد. والفراء هو صاحب المقولة الشهيرة (أموت وفي نفسي شيء من حتى).
وكانتالربذة من الأماكن المحببة لنفوس الأمراء والخلفاء من بني العباس للاستراحة والاقامة فيها، ومن هؤلاء أبو جعفر المنصور والمهدي وهارون الرشيد الذين أجروا الكثير من الإصلاحات والمشاريع الخيرية على طرق الحج بين العراق والحرمين الشريفين، وحذا حذوهم في تقديم الأعمال الخيرية، الأمراء والوزراء والقادة والتجار، وكان لسيدات البلاط العباسي أعمال مماثلة وفي مقدمتهن السيدة زبيدة بنت جعفر، زوجة الخليفة هارون الرشيد، التي بذلت العطاء وأنفقت الأموال في سبيل بناء المنازل والدور، وحفر الآبار وتشييد البرك على امتداد طريق الحج الذي عرف باسم (درب زبيدة)، وختمت السيدة زبيدة أعمالها الجليلة بعمارة (عين زبيدة) خدمة لحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين والسكان على حد سواء ولا تزال آثار عيون زبيدة، بخرزاتها وقنواتها المحفورة في باطن الأرض أو المبنية على حواف الجبال، باقية حتى اليوم.
وفي ضوء المعلومات المتناثرة عند الجغرافيين والرحالة المسلمين عن الربذة، أنها كانت من أحسن المنازل على طريق الحج، وقد بلغت الربذة مجدها العصر العباسي المبكر، عندما حج الخليفة هارون الرشيد تسع مرات خلال فترة خلافته، (170-193هـ-786- 809م)، كان يصل إليها عبر طريق مباشر يربط الربذة بالمدينة المنورة مباشرة، في ذلك الوقت كانت القافلة الواحدة للحجاج القادمين من العراق، والمشرق الإسلامي تصل إلى أكثر من عشرين ألفاً من الجمال وكان الحجاج يقصدون مكة أفراداً أو جماعات، وكان هارون الرشيد عندما يحج يشايعه في طريقه الوزراء والقواد وأمراء الأجناد والعلماء والفقهاء والجنود والعساكر، كانت أخبار الأمصار والبلدان تأتيه، في كل منزل ينزله، على النجائب من مسيرة ثمانية أيام ويأتيه الجواب من يومه من مسيرة شهر ونحوه على أجنحة الحمام. وفي تلك الحقبة الزمنية من تاريخنا الإسلامي كان طريق الحج (درب زبيدة) ومحطاته ومنازله واستراحاته يشهد حركة بشرية نشطة لا تنقطع، وتزداد في مواسم الحج، وكان الطريق يشكل شريانا حيوياً وموردا اقتصاديا للبادية والحاضرة والمستقرين في البلدات والقرى البعيدة والقريبة، فيجلبون مصنوعاتهم اليدوية ومنتجاتهم الزراعية والأعلاف والخيول والدواب لمقايضتها وبيعها على الحجاج والتجار على حد سواء. وكانت الربذة واحدة من أهم البلدات على طريق الحج خاصة وأن حمى الربذة بعد عهد الخليفة المهدي العباسي (158-169هـ-775- 785م) لم يعد مقتصرا على إبل وخيل الدولة الإسلامية بل مشاعا بين الناس لرعي دوابهم. ولعل أهم ما كان يحتاجه آلاف الحجاج والمسافرين والمقيمين هو الماء، عصب الحياة للإنسان والحيوان والنبات، فكانت الربذة تشكل مستودعا لحفظ المياه، بسبب المرافق المائية المتوفرة فيها من آبار وبرك، وخزانات المياه التي أسست داخل منازل الربذة والتي بينتها أعمال الحفائر الأثرية.
إن الأحوال المعيشية في وسط الجزيرة العربية والحجاز، بدأت تتغير للأسوأ بسبب الفتن التي تسارعت على الدولة العباسية من خروج على سلطة الدولة من الفرق والطوائف وتمرد بعض القبائل. فقد ثار عدد من القبائل في وسط الجزيرة، بسبب عوامل اقتصادية ومطامع للسلطة، فأدت تلك الفتن إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وإلحاق الأذى والقتل للحجاج من نساء ورجال وأطفال وشيوخ وقتل للدواب، وتخريب المنشآت المائية، وإرباك قوافل الحجيج من الوصول إلى الحرمين الشريفين بل وتعطيل فريضة الحج.
وبالرغم من جهود خلفاء بني العباس في بسط سلطة الدولة وإعادة الطمأنينة والاستقرار للحرمين الشريفين، إلا أن فتن القبائل ظلت مستمرة في فترات متقطعة على مدى قرون. وفي هذا الخضم من الإرباك الذي كانت تحدثه القبائل برزت فتنة كبري كادت أن تقوض أركان الخلافة العباسية، وهي فتنة القرامطة التي ظهرت مع نهاية القرن الثالث الهجري (بداية العاشر الميلادي) فقد سيطر القرامطة على مناطق شاسعة في شرق وشمال الجزيرة العربية، وكانت هجماتهم على محطات ومنازل طريق الحج تتسم بالشراسة وعدم الرحمة بالإنسان والحيوان، فقد كانوا ينفذون حملات خاطفة على قوافل الحجيج، فيأخذون أحمال البضائع الثمينة وأمتعة الحجاج والارزاق وخزائن الخلافة، وفي كل حادثة يقدمون عليها يقومون بقتل الحجاج دون رحمة أو شفقة ويتتبعون الناجين منهم فيجهزون عليهم وفي أحيان الكثيرة يتركون الحجاج على أوضاعهم ليلقوا مصيرهم جوعا وعطشا من حر الشمس وتتصيدهم الوحوش الكاسرة وكانوا يلجؤون إلى ردم الآبار والبرك بالجيف والتراب والحجارة.
وبلغ القرامطة ذروة سطوتهم في 8 ذي الحجة 317هـ (12 يناير 930م) عندما اجتاحوا مكة المكرمة واستباحوها قتلا وتشريدا ونهبا واقتلاعهم للحجر الأسود وتعرية الكعبة الشريفة من كسوتها وقلع بابها. وبعد عامين (319هـ- 932م) كانت نهاية الربذة على أيدي القرامطة بعد أن تعرضت للخراب والدمار من القبائل العربية، فأجبروا أهلها على الرحيل وخربت البلدة وبهذا يسدل الستار على مدينة إسلامية كانت من أحسن المدن على طريق الحج، وقد أصابت الدهشة الجغرافي محمد بن أحمد المقدسي حينما وقف على أطلال الربذة بعد سنوات من تخريبها فوصفها بقوله: (ماء زعاق وموقع خراب).
وهكذا انتهت قصة مدينة بقيت عامرة زهاء ثلاثة قرون وزيادة، وربما استمرت موردا للمياه وموطنا للرعي، لكن مسار طريق الحج تحول عنها ولم يقدم لنا المؤرخون والجغرافيون وأصحاب الطبقات وصفا لهذه البلدة قبل خرابها وكأنهم تركوا هذه المهمة للآثاريين ليكتشفوا أسرار هذه المدينة ومعالمها المعمارية ومرافقها والشواهد الحضارية فيها.
وظلت الربذة على مدى قرون وحتى عهد قريب، معروفة (اسما) ومجهولة موضعا. وكان الرحالة والجغرافي محمد بن عبدالله بن بليهد (ت: 1377هـ - 1957م) أول من حاول التعريف بحمى الربذة وتحقيق موقعها الذي لم يحالفه الحظ فقد قال: (والربذة لم تعرف في هذا العهد إلا أن تكون (الحناكية) أو قريبة منها، وهذا الاستنتاج سبب مزيدا من الحيرة أمام الباحثين. كان موقع الربذة موضع اهتمامي إلى عام (1389هـ - 1390هـ) (1971م- 1972م) عندما عزمت على إعداد دراسة شاملة للتحضير للدكتوراه عن آثار ومعالم طريق الحج من العراق إلى مكة المكرمة (درب زبيدة) فعكفت على دراسة المصادر التاريخية والجغرافية والأدبية لطريق الحج، واستخلصت منها معلومات مهمة، ساعدتني في تنفيذ أول رحلة ميدانية تتبعت فيها معظم مساراته وفروعه على امتداد مسافة تزيد على 1400 كيلو، استمرت رحلة البحث بشكل متواصل خلال الفترة من (ا ربيع الثاني - 10 جمادى الأولى 1393هـ الموافق 14 مايو إلى 11 يونيو عام 1973م).
وجاءت نتائج ما توصلنا إليه من استنتاجات عن الربذة متقاربة مع استنتاجات الشيخ حمد الجاسر، الذي نشر بحثا في مجلة العرب بعنوان (الربذة: تحديد موقعها)، كما دون عدد من أصحاب المعاجم السعوديين معلومات مفيدة عن الربذة على نفس النهج الذي سار عليه الشيخ حمد الجاسر ومنهم: محمد بن ناصر العبودي وسعد بن جنيدل وعاتق البلادي.
وجاءت استنتاجات الجاسر بقوله: أرى أن موقع الربذة (يقصد المدينة لا الحمى) فيما بين بركة أبي سليم وبين بئر النفازي، بل لا أستبعد أن هذه البئر كانت من آبار الربذة، وقد تكون البئر التي كانت تعرف قديما باسم بئر ابي ذر الغفاري فحرف الاسم).
ولمزيد من البحث الميداني وجمع المعلومات عن موقع الربذة والمنطقة المحيطة بها، وارتباطها بطريق الحج (درب زبيدة)، تم تنظيم رحلة علمية، استطلاعية مركزة على جزء من طريق درب زبيدة شمل مواقع أثرية ومعالم عديدة للطريق ومنها المكان الذي تقع فيه (بركة أبو سليم) والموسومة بهذا الاسم على خرائط المملكة الطبيعية والجغرافية، كما تم حصر المعالم الطبيعية وامتداد الغطاء النباتي للمنطقة وبالتالي توصلنا إلى قناعة بأن موقع البركة المشار إليها والمواقع الأثرية الأخرى الباقية حول المكان أو على امتداد درب زبيدة وكذلك المعالم الطبيعية، جعلتنا مطمئنين أننا في الموضع الحقيقي الذي نشأت فيه مدينة الربذة، وقد نشرنا في أعقاب تلك الرحلة ما توصلنا إليه من نتائج. فالربذة تقع إلى الشرق من المدينة المنورة بميل نحو الجنوب بمسافة تقدر بحوالي 200 كيل، على حافة جبال الحجاز الغربية على خط عرض 24 40 وخط الطول 41 -18، ويبعد عنها خط القصيم - مدينة المنورة شمالا بحوالي 70 كيلا، وإلى الجنوب منها بمسافة 150 كيلا مهد الذهب (معدن بني سليم قديماً).
لقد مهدت الدراسات الأولية عن موقع الربذة للبدء في أعمال البحث والتنقيب والكشف عن حضارة هذه المدينة من جهة، ومن جهة أخرى تدريب طلاب قسم الآثار والمتاحف، على أعمال التنقيب تحت إشراف أساتذة مختصين، وقد بدأ الموسم الأول للحفريات الأثرية خلال الفترة من (7 جمادى الثانية إلى 6 رجب 1399هـ الموافق 3-3-مايو 1979م).