شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : عبدالرحمن بهلوان وحوش البهلوان


صالح المسند
02-17-2011, 10:51 AM
قبل الشروع في تناول سيرة عبدالرحمن بهلوان سوف أتكلم بإيجاز عن حوش البهلوان حيث كلاهما أصبحا علماً من أعلام حارة الهنداوية بجدة .

حوش البهلوان هكذا عرفناه من مطلع الثمانينات هجرية الستينات ميلادية بهذا الإسم ، والحوش طوله بحدود 25 متر على الشارع الرئيس وبعرض 20 مترا تقريباً ، وكان الحوش عبارة عن محل صيانة لتوضيب السيارات ويقع الحوش بمدينة جدة في حارة الهنداوية وعلى شارع البخارية الرئيس والذي كان مسمى آنذاك رسمياً بشارع : الإمام محمد عبدالرحمن الفيصل ، ولكن التسمية الأخيرة لم يكن أحد يعرفها بل كنا نطلق عليه بشارع البخارية ، وهو يمتد شمالا من شارع الهدد والمسمى حالياً بشارع الستين أو الملك فهد ويتجه نحو الجنوب حتى ينتهي بشارع الميناء أو بشارع الملك خالد مع تقاطع شارع مبنى وزارة الإعلام.

ولم يكن حوش البهلوان بعيد عن منزلنا سوى خمسة عشرة متراً وفي مطلع الثمانيات هجرية الستينات ميلادية كنا نرتاد هذا الحوش لمشاهدة السينما والتي كانت تبدأ من بعد صلاة المغرب حتى منتصف الليل وكانت تذكرة الدخول بريال واحد ولكن أولاد الحي كانوا يدخلون بالمجان ( مراعاة الجيرة ) وكان رجال الهيئة كثيراً ما يقومون بعملية المداهمة لهذه السينما وأخذ جهاز مكينة البث وكنا نخرج بعدها متألمين وحزنا لحرماننا من مشاهدة أفلام تلك الليلة .

أما عبدالرحمن بهلوان فكان يستعمل هذا الحوش لأداء عروضه البهلوانية منذ عام 1380هـ حتى عام 1384هـ وأكتسب الحوش التسمية تلك نسبة لعبد الرحمن بهلوان ولعروضه البهلوانية التي يقيمها شبه شهرياً في ذلك الحوش .
ولقب البهلوان أطلق على عبدالرحمن كما تطلق أسماء الحرف آنذاك على أصحابها ، أما عبدالرحمن بهلوان فكانت شخصيته غريبة جداً فقد كان الرجل يختفي بالشهور ولا يظهر إلا في أوقات العروض لنراه في ذلك الحوش لأداء عروضه البهلوانية من سحب السيارة بواسطة حبل مربوط أحد طرفيه بالسيارة والطرف الآخر مربوط بشعره فيقوم بجر وسحب السيارة لمسافة عدة أمتار ، وأحيان يقوم بسحب السيارة وذلك بشد الحبل بواسطه فكه .

أما العروض التي كانت تثير استغرابنا فهي مشي السيارة فوق بطنه فكان ينام مستلقياً على ظهره ويضع لوح من الخشب فوق بطنه ويقوم أحد معاونيه بقيادة السيارة إلى أن تطأ كفرات السيارة بطن عبدالرحمن بهلوان وتمشي من فوقه ثم ينهض ولم يصب بأي أذى فتعلوا أصوات الصفيق والصفير تشجيعاً له ويهز رأسه مبتهجاً ومحيئاً للجمهور وكنا وقتها لا نتعدى العشرين صبياً وبرفقتنا الآباء، وأحياناً نذهب مع رفقة أصدقاء الحارة لمشاهدة تلك العروض لوحدنا .

أما القصص والعجائب التي كنا نسمعها من أبائنا عن عبدالرحمن بهلوان فهي لا تكاد تحصى ولا تعد .
منها على سبيل المثال لا الحصر : أنه وأثناء أحد عروضه البهلوانية جاءه مبعوث من الملك سعود يطلب منه آداء تلك العروض بلباس عادي ونزع اللباس الذي كان يعتاد لبسه عبدالرحمن بهلوان وهو القميص الأحمر والبنطال الأسود . فرفض عبدالرحمن بهلوان هذا الطلب مدعياً أن لبسه هذا شرط توفره لسلامته من أن يصاب بأي أذى وقت العروض الخارقة ، حينها ذهب المرسول للملك سعود وأخبره بالقصة فعرض الملك سعود الأمر على القضاة فأمرو بسجنه لثبوت كونه ساحر وأن السحر يكمن في ملابسه . هذه أحد القصص التي كانت مشاعة ونتذكرها جيداً في وقت عهد الملك سعود .

ومن تلك القصص أيضاً : جاءه رجل من أهل البادية ممن يقطنون بحي النزلة اليمانية والتي لا تبعد عن حوش البهلوان بكيلو متر جاء إلى الحوش ورأى عبدالرحمن بهلوان وعنده بالحوش قطيع من الأغنام ، فأراد هذا البدوي شراء أحد تلك الأغنام من عبدالرحمن بهلوان فباعه واحدة وكانت حمل رضيع فحملها البدوي فوق ظهره متوجهاً بها إلى داره وما إن وصل إلى حوش الثروة المعدنية والذي يقع في الجزء الجنوبي من مبنى وزارة الإعلام القديم إلا وتحول ذلك الحمل الوديع إلى خنفساء صغيرة فوق ظهر البدوي فعاد على الفور البدوي لعبدالرحمن بهلوان وأخبره بالأمر فضحك منه وأعطاه المبلغ . هذه أحدى القصص التي كنا نسمعها عن عبدالرحمن بهلوان في عهد الملك سعود .

وجاء عهد الملك فيصل وأختفى بعدها عبدالرحمن بهلوان ولعل أهم الأسباب وراء إختفائه هو ظهور التلفزيون السعودي والذي بدأ بثه عام 1385هـ 1965م حيث أصبحنا نشاهد تلك العروض التي كان يقوم بأدائها عبدالرحمن بهلوان عبر التلفزيون فكانت هناك برامج أسبوعية يقدمها منير شما عن بعض أعمال السيرك فكانت سبباً رئيساً لعزوف الناس عن البحث وراء عبدالرحمن بهلوان لوجود ما هو أفضل وأكثر إثارة .

رغم أن التلفزيون وقتها كان يبدأ بثه من بعد المغرب وينتهي قبل منتصف الليل . وكانت البيوت التي تمتلك التلفاز في الحارة تعد على الأصابع فاذكر ان الوالد رحمه الله أشترى جهاز التلفزيون من أحد معارض محلات بقشان بشارع الملك عبدالعزيز وكان حمله وإدخاله للمنزل بواسطة ثلاثة رجال وذلك لكبر حجمه .

فكنا نحن وبيت الملازم : أسعد كتبي رحمه الله وعمر العقاد نعاني من الحرج الشديد وقت بداية البث فكان أبناء الحي يصطفون عند منازلنا كلهم يود الدخول لمشاهدة التلفزيون ولم يتوقف الأمر عند ابناء الحارة بل توسع حتى أصبح نسوة الحارة كلهم يتوزعون على المنازل التي بها التلفاز لمشاهدته ، ولا ريب أن ذلك يعود لإرتفاع ثمن الجهاز وقت ظهوره ولعدم قبوله وجواز إقتنائه لدى بعض الفئة المقتدرة .

رغم أنه لم يلبث أن دخل التلفزيون منازلهم من أوسع الأبواب .

مضت الأيام وأختفت سيرة عبدالرحمن بهلوان عن الألسن وأنتشر التلفزيون في عام 1387هـ لدى أكثر البيوت بعد أن كان محصوراً عند قلة من الناس .
ولم يبقى من سيرة وذكرى عبدالرحمن بهلوان إلا الحوش فقط . وفي عام 1400 هـ 1980م كنت في رحلة عمل أثناء ما كنت أعمل لدى وزارة البرق والبريد والهاتف وكنت في طريق الرياض – شقراء ، وأثناء ما كنا متوقفين بالسيارة عند أحد محطات الوقود إذا بي أشاهد وانيت داتسون له صندوق على هيئة غرفة مركب بحوض الوانيت والصندوق ملئي بالكتابات والدعاية والصور ولمحت عنوان مكتوب من ضمنها : لا تفوّت أجمل العروض البهلوانية مع : عبدالرحمن بهلوان .

فأستغربت وقلت هل لا زال الرجل عائش للآن !! فأقتربت من السيارة وإذا أنا بي أجد قائد السيارة هو : عبدالرحمن بهلوان بشعره الطويل وقمت بالسلام عليه وتكلمت معه عن الماضي وبداياته وعن حوش البهلوان ولم يستطع وقتها عبدالرحمن بهلوان أن يستمع للكثير من كلامي فقد وجدت أثر اليأس والحزن عليه ويبدوا أن حالته المادية سئية جدا وإلا لما أستمر في عمله هذا والتنقل بين المدن البعيدة الصغيرة التي قد تكون عروضه البهلوانية جديدة بالنسبة لهم ويستطيع أن يجد لقمة عيشه في التنقل بينها بعد أن نسوه أهل جدة ونساه كذلك حوش البهلوان الذي أشتراه أحد جيراننا وهو : سعيد باصبيح وحوله لمركز تجاري منذ ثلاثين سنة .


------
كتبه : صالح المسند
جدة : 25/ محرم / 1429هـ