ريمة مطهر
02-13-2011, 03:28 PM
عدي بن حاتم الطائي
رضي الله عنه
نسبه
هو عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي ، أبو وهب وأبو طريف . أمير صحابي من الأجواد العقلاء . كان خطيباً حاضر البديهة وكان رئيس طي في الجاهلية والإسلام . قام في حروب الردة بأعمال كبيرة ، وكان سرياً شريفاً تفي قومه خطيباً حاضر الجواب فاضلاً كريماً .
حاله في الجاهلية
قال ابن إسحاق : وأما عدي بن حاتم فكان يقول ، فيما بلغني : ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني أما أنا فكنت امرأ شريفاً وكنت نصرانياً ، وكنت أسير في قومي بالمرباع وكنت في نفسي على دين وكنت ملكاً في قومي لما كان يصنع بي ، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعياً لإبلي : لا أباً لك ، أعدد لي من إبلي أجمالاً ذللاً سماناً فاحتبسها قريباً مني ، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ، ففعل ثم أنه أتاني ذات غداة فقال : يا عدي ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن ، فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا : هذه جيوش محمد . قال : قلت : فقرب إليّ أجمالي ، فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام . فسلكت الجوشية وخلفت بنتاً لحاتم في الحاضر ، فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيء وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام . قال: فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس بها ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه ، وكانت امرأة جزلة فقالت : يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ منّ الله عليك . قال : " ومن وافدك ؟ " قالت : عدي بن حاتم . قال : " الفار من الله ورسوله ؟ " قالت : ثم مضى وتركني حتى إذا كان الغد مر بي فقلت له مثل ذلك ، وقال لي مثل ما قال بالأمس . قالت : حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست فأشار إليّ رجل خلفه أن قومي فكلميه . قالت : فقمت إليه فقلت : يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ منّ الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم : " قد فعلت ، فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني " . فسألت عن الرجل الذي أشار إليّ أن كلميه فقيل لي : علي بن أبي طالب ، قالت : فأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة . قالت : وإنما أريد أن آتي أخي بالشام فجئت فقلت : يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ . قالت : فكساني وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام . قال عدي : فو الله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلى قومنا . قال : فقلت : ابنة حاتم ؟ قال : فإذا هي هي ، فلما وقفت عليّ انسحلت تقول : القاطع الظالم ، احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك عورتك ؟ قال : قلت : أي أخية لا تقولي إلا خيراً ، فوالله مالي من عذر لقد صنعت ما ذكرت . قال : ثم نزلت فأقامت عندي ، فقلت لها وكانت امرأة حازمة : ماذا ترين في أمر هذا الرجل ؟ قالت : أرى والله أن تلحق به سريعاً فإن يكن الرجل نبياً فللسابق إليه فضله ، وإن يكن ملكاً فلن تزل في عز اليمن وأنت أنت . قال : قلت : والله إن هذا الرأي . قال : فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال : " من الرجل ؟ " فقلت : عدي بن حاتم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها ، قال : قلت في نفسي : والله ما هذا بملك . قال : ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفاً فقذفها إليّ فقال: " اجلس على هذه " . قال : قلت : بل أنت ، فاجلس عليها . قال : " بل أنت " . فجلست وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض . قال : قلت في نفسي : والله ما هذا بأمر ملك . ثم قال : " إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسياً ؟ " قال : قلت : بلى . قال : " أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟ " قال : قلت : بلى . قال : " فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك " . قال : قلت : أجل والله . قال : وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل . ثم قال : " لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ، فو الله ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم ، فوالله ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف ، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، وأيم الله ليوشكنّ أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم " . قال فأسلمت . قال : فكان عدي يقول : مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن ؛ وقد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت ، وأيم الله لتكونن الثالثة ؛ ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه . هكذا أورد رحمه الله هذا السياق بلا إسناد وله شواهد من وجوه أخر .
إسلامه
لما وقعت أخت عُدي في الأسر ، فمنّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتت أخاها في بلاد الشام فكلمته في المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء وأسلم . قال عُدي : بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بُعث فكرهته أشدّ ما كرهت شيئاً قط ، فانطلقتُ حتى إذا كنت في أقصى الأرض ممّا يلي الروم ، فكرهتُ مكاني ذلك مثلما كرهته أو أشدّ ، فقلتُ : لو أتيتُ هذا الرجل ، فإن كان كاذباً لم يخفَ عليّ ، وإن كان صادقاً اتبعته . فأقبلتُ فلمّا قدمتُ المدينة استشرفني الناس وقالوا : عُدي بن حاتم ! عُدي بن حاتم . فأتيته فقال لي : " يا عديّ بن حاتم أسلمْ تسلمْ " . فقلتُ : إنّ لي دين ! قال : " أنا أعلم بدينك منك ". قلتُ : أنت أعلم بديني مني؟! قال : " نعم " . مرّتين أو ثلاثاً . قال : " ألست ترأس قومك ؟ " قلتُ : بلى . قال : " ألستَ رُكوسيّاً - فرقة مترددة بين النصارى والصابئين - ألستَ تأكل المرباع ؟ " قلتُ : بلى . قال : " فإن ذلك لا يحلّ في دينَك! " فنضنضتُ لذلك . ثم قال : " يا عديّ أسلمْ تسلمْ ". قلتُ : قد أرى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّه ما يمنعك أن تسلم إلا غضاضةً تراها ممّن حولي ، وأنت ترى الناس علينا إلْباً واحد ؟ " قال : " هل أتيتَ الحيرة ؟ " فقلتُ : لم آتِها وقد علمتُ مكانها . قال : " يُوشك الظعينة أن ترحل من الحيرة بغير جوار ، أو حتى تطوف بالبيت ، ولتفتحنّ علينا كنوز كسرى بن هرمز " . قلتُ : قلتَ كسرى بن هرمز!! قال : " كسرى بن هرمز" مرتين أو ثلاثة . " وليفيضنّ المالُ حتى يهمَّ الرجل مِنْ يقبلُ صدقتَهُ " . قال عدي : فرأيتُ اثنتين : الظعينة - المرأة - في الهودج تأتي حاجةً لا تحتاج إلى جوار ، وقد كنتُ في أول خيل أغارت على كنوز كسرى بن هرمز ، وأحلف بالله لتجيئنّ الثالثة ، إنّه قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أهم ملامح شخصيته
جوده وكرمه
- أخرج أحمد ، عن تميم بن طرفة ، قال : سأل رجلٌ عديَّ بن أبي حاتم مائة درهم ، فقال : تسألني مائة درهم ، وأنا ابن حاتم ، والله لا أعطيك . وسنده صحيح .
- وقال الشعبي : أرسل الأشعث بن قيس إلى عدي بن حاتم يستعير منه قدور حاتم فملأها وحملها الرجال إليه ، فأرسل إليه الأشعث : إنما أردناها فارغة ! فأرسل إليه عدي : إنا لا نعيرها فارغة !
- قال ابن عيينة : حدثت عن الشعبي ، عن عدي ، قال : ما دخل وقت الصلاة حتى أشتاق إليه .
بعض المواقف من حياته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
- لما أسلم عدي بن حاتم سنة سبع أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم وألقى له وسادة وقال : " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " .
- وعن عدي بن حاتم قال : ما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قط إلا وسع لي أو تحرك لي ، وقد دخلت عليه يوماً في بيته وقد امتلأ من أصحابه فوسع لي حتى جلست إلى جنبه .
بعض المواقف من حياته مع الصحابة
- روى قيس بن أبي حازم ، أن عدي بن حاتم جاء إلى عمر ، فقال : أما تعرفني ؟ قال : أعرفك ، أقمت إذ كفروا ، ووفيت إذ غدروا ، وأقبلت إذ أدبروا .
- أرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم الأنصاري طليعةً وكان ذلك في حروب الردة ، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه ، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخو سلمة ، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتاً ورجعا . وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتاً قتيلين ، فجزع لذلك المسلمون ، وانصرف بهم خالد نحو طيء ، فقالت له طيء : نحن نكفيك قيساً ، فإن بني أسد حلفاؤنا . فقال : قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم : لو نزل هذا على الذين هم أسرتي فالأدنى لجاهدتهم عليه ، والله لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم . فقال له خالد : إن جهاد الفريقين جهادٌ ، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط .
بعض الأحاديث التي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـ روى الشعبي عن عدي بن حاتم قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل ، وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسكه على نفسه " . قلت : أرسل كلبي فأجد معه كلباً آخر . قال : " فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر " .
ـ وعن محل بن خليفة الطائي قال : سمعت عدي بن حاتم رضي الله عنه يقول : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة والآخر يشكو قطع السبيل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما قطع السبيل فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير ، وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه ، ثم ليقفنّ أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولنّ له : ألم أوتك مالاّ ؟ فليقولنّ : بلى . ثم ليقولنّ : ألم أرسل إليك رسولاً ؟ فليقولنّ : بلى ، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار ، فليتقينّ أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة " .
ـ وأخبر حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : لما نزلت " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود " عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال : " إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار " .
الوفاة
ـ قال ابن الكلبي : مات عدي رضي الله عنه سنة سبع وستين ، وله مائة وعشرون سنة .
المصدر
موقع نصرة سيدنا محمد رسول الله
رضي الله عنه
نسبه
هو عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي ، أبو وهب وأبو طريف . أمير صحابي من الأجواد العقلاء . كان خطيباً حاضر البديهة وكان رئيس طي في الجاهلية والإسلام . قام في حروب الردة بأعمال كبيرة ، وكان سرياً شريفاً تفي قومه خطيباً حاضر الجواب فاضلاً كريماً .
حاله في الجاهلية
قال ابن إسحاق : وأما عدي بن حاتم فكان يقول ، فيما بلغني : ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني أما أنا فكنت امرأ شريفاً وكنت نصرانياً ، وكنت أسير في قومي بالمرباع وكنت في نفسي على دين وكنت ملكاً في قومي لما كان يصنع بي ، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعياً لإبلي : لا أباً لك ، أعدد لي من إبلي أجمالاً ذللاً سماناً فاحتبسها قريباً مني ، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ، ففعل ثم أنه أتاني ذات غداة فقال : يا عدي ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن ، فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا : هذه جيوش محمد . قال : قلت : فقرب إليّ أجمالي ، فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام . فسلكت الجوشية وخلفت بنتاً لحاتم في الحاضر ، فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيء وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام . قال: فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس بها ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه ، وكانت امرأة جزلة فقالت : يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ منّ الله عليك . قال : " ومن وافدك ؟ " قالت : عدي بن حاتم . قال : " الفار من الله ورسوله ؟ " قالت : ثم مضى وتركني حتى إذا كان الغد مر بي فقلت له مثل ذلك ، وقال لي مثل ما قال بالأمس . قالت : حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست فأشار إليّ رجل خلفه أن قومي فكلميه . قالت : فقمت إليه فقلت : يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ منّ الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم : " قد فعلت ، فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني " . فسألت عن الرجل الذي أشار إليّ أن كلميه فقيل لي : علي بن أبي طالب ، قالت : فأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة . قالت : وإنما أريد أن آتي أخي بالشام فجئت فقلت : يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ . قالت : فكساني وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام . قال عدي : فو الله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلى قومنا . قال : فقلت : ابنة حاتم ؟ قال : فإذا هي هي ، فلما وقفت عليّ انسحلت تقول : القاطع الظالم ، احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك عورتك ؟ قال : قلت : أي أخية لا تقولي إلا خيراً ، فوالله مالي من عذر لقد صنعت ما ذكرت . قال : ثم نزلت فأقامت عندي ، فقلت لها وكانت امرأة حازمة : ماذا ترين في أمر هذا الرجل ؟ قالت : أرى والله أن تلحق به سريعاً فإن يكن الرجل نبياً فللسابق إليه فضله ، وإن يكن ملكاً فلن تزل في عز اليمن وأنت أنت . قال : قلت : والله إن هذا الرأي . قال : فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال : " من الرجل ؟ " فقلت : عدي بن حاتم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها ، قال : قلت في نفسي : والله ما هذا بملك . قال : ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفاً فقذفها إليّ فقال: " اجلس على هذه " . قال : قلت : بل أنت ، فاجلس عليها . قال : " بل أنت " . فجلست وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض . قال : قلت في نفسي : والله ما هذا بأمر ملك . ثم قال : " إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسياً ؟ " قال : قلت : بلى . قال : " أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟ " قال : قلت : بلى . قال : " فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك " . قال : قلت : أجل والله . قال : وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل . ثم قال : " لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ، فو الله ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم ، فوالله ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف ، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، وأيم الله ليوشكنّ أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم " . قال فأسلمت . قال : فكان عدي يقول : مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن ؛ وقد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت ، وأيم الله لتكونن الثالثة ؛ ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه . هكذا أورد رحمه الله هذا السياق بلا إسناد وله شواهد من وجوه أخر .
إسلامه
لما وقعت أخت عُدي في الأسر ، فمنّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتت أخاها في بلاد الشام فكلمته في المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء وأسلم . قال عُدي : بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بُعث فكرهته أشدّ ما كرهت شيئاً قط ، فانطلقتُ حتى إذا كنت في أقصى الأرض ممّا يلي الروم ، فكرهتُ مكاني ذلك مثلما كرهته أو أشدّ ، فقلتُ : لو أتيتُ هذا الرجل ، فإن كان كاذباً لم يخفَ عليّ ، وإن كان صادقاً اتبعته . فأقبلتُ فلمّا قدمتُ المدينة استشرفني الناس وقالوا : عُدي بن حاتم ! عُدي بن حاتم . فأتيته فقال لي : " يا عديّ بن حاتم أسلمْ تسلمْ " . فقلتُ : إنّ لي دين ! قال : " أنا أعلم بدينك منك ". قلتُ : أنت أعلم بديني مني؟! قال : " نعم " . مرّتين أو ثلاثاً . قال : " ألست ترأس قومك ؟ " قلتُ : بلى . قال : " ألستَ رُكوسيّاً - فرقة مترددة بين النصارى والصابئين - ألستَ تأكل المرباع ؟ " قلتُ : بلى . قال : " فإن ذلك لا يحلّ في دينَك! " فنضنضتُ لذلك . ثم قال : " يا عديّ أسلمْ تسلمْ ". قلتُ : قد أرى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّه ما يمنعك أن تسلم إلا غضاضةً تراها ممّن حولي ، وأنت ترى الناس علينا إلْباً واحد ؟ " قال : " هل أتيتَ الحيرة ؟ " فقلتُ : لم آتِها وقد علمتُ مكانها . قال : " يُوشك الظعينة أن ترحل من الحيرة بغير جوار ، أو حتى تطوف بالبيت ، ولتفتحنّ علينا كنوز كسرى بن هرمز " . قلتُ : قلتَ كسرى بن هرمز!! قال : " كسرى بن هرمز" مرتين أو ثلاثة . " وليفيضنّ المالُ حتى يهمَّ الرجل مِنْ يقبلُ صدقتَهُ " . قال عدي : فرأيتُ اثنتين : الظعينة - المرأة - في الهودج تأتي حاجةً لا تحتاج إلى جوار ، وقد كنتُ في أول خيل أغارت على كنوز كسرى بن هرمز ، وأحلف بالله لتجيئنّ الثالثة ، إنّه قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أهم ملامح شخصيته
جوده وكرمه
- أخرج أحمد ، عن تميم بن طرفة ، قال : سأل رجلٌ عديَّ بن أبي حاتم مائة درهم ، فقال : تسألني مائة درهم ، وأنا ابن حاتم ، والله لا أعطيك . وسنده صحيح .
- وقال الشعبي : أرسل الأشعث بن قيس إلى عدي بن حاتم يستعير منه قدور حاتم فملأها وحملها الرجال إليه ، فأرسل إليه الأشعث : إنما أردناها فارغة ! فأرسل إليه عدي : إنا لا نعيرها فارغة !
- قال ابن عيينة : حدثت عن الشعبي ، عن عدي ، قال : ما دخل وقت الصلاة حتى أشتاق إليه .
بعض المواقف من حياته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
- لما أسلم عدي بن حاتم سنة سبع أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم وألقى له وسادة وقال : " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " .
- وعن عدي بن حاتم قال : ما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قط إلا وسع لي أو تحرك لي ، وقد دخلت عليه يوماً في بيته وقد امتلأ من أصحابه فوسع لي حتى جلست إلى جنبه .
بعض المواقف من حياته مع الصحابة
- روى قيس بن أبي حازم ، أن عدي بن حاتم جاء إلى عمر ، فقال : أما تعرفني ؟ قال : أعرفك ، أقمت إذ كفروا ، ووفيت إذ غدروا ، وأقبلت إذ أدبروا .
- أرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم الأنصاري طليعةً وكان ذلك في حروب الردة ، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه ، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخو سلمة ، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتاً ورجعا . وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتاً قتيلين ، فجزع لذلك المسلمون ، وانصرف بهم خالد نحو طيء ، فقالت له طيء : نحن نكفيك قيساً ، فإن بني أسد حلفاؤنا . فقال : قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم : لو نزل هذا على الذين هم أسرتي فالأدنى لجاهدتهم عليه ، والله لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم . فقال له خالد : إن جهاد الفريقين جهادٌ ، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط .
بعض الأحاديث التي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـ روى الشعبي عن عدي بن حاتم قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل ، وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسكه على نفسه " . قلت : أرسل كلبي فأجد معه كلباً آخر . قال : " فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر " .
ـ وعن محل بن خليفة الطائي قال : سمعت عدي بن حاتم رضي الله عنه يقول : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة والآخر يشكو قطع السبيل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما قطع السبيل فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير ، وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه ، ثم ليقفنّ أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولنّ له : ألم أوتك مالاّ ؟ فليقولنّ : بلى . ثم ليقولنّ : ألم أرسل إليك رسولاً ؟ فليقولنّ : بلى ، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار ، فليتقينّ أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة " .
ـ وأخبر حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : لما نزلت " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود " عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال : " إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار " .
الوفاة
ـ قال ابن الكلبي : مات عدي رضي الله عنه سنة سبع وستين ، وله مائة وعشرون سنة .
المصدر
موقع نصرة سيدنا محمد رسول الله