ريمة مطهر
02-13-2011, 12:43 AM
جابر بن عبد الله
رضي الله عنه
نسبه
هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي من بني سلمة ، وقد اختلف في كنيته رضي الله عنه فقيل : ( أبو عبد الرحمن ) ، وأصح ما قيل فيه : ( أبو عبد الله ) ، وأمه نسيبة بنت عقبة بن عدي وهي من بني سلمة أيضاً . وأبوه هو عبد الله بن عمرو بن حرام الصحابي الجليل الذي استشهد في غزوة أحد .
إسلامه
كان رضي الله عنه ممن أسلم مبكراً ، وهو أحد الستة الذين شهدوا العقبة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لقي عند العقبة في الموسم نفراً من الأنصار كلهم من الخزرج وهم : أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس ، وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء ، ورافع بن مالك بن العجلان ، وقطبة بن عامر بن حديدة ، وعقبة بن عامر بن نابي ، وجابر بن عبد الله ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فأسلموا مبادرة إلى الخير ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا إلى الإسلام ، ففشا الإسلام فيها حتى لم تبق دار إلا وقد دخلها الإسلام. وكان جابر رضي الله عنه من المكثرين الحفاظ للسنن وكُفّ بصره في آخر عمره .
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته
- أسلم جابر وأبوه عبد الله رضي الله عنهما مبكرين ، ونال جابر من عطف النبي صلى الله عليه وسلم وحنانه الكثير ، ولقد أهتم به النبي صلى الله عليه وسلم إهتماماً كبيراً ، وكان صلى الله عليه وسلم يسأله عن حياته ومعاشه وأحواله كلها ، ويوجهه دائماً نحو الخير .
- عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " . قال : فخطبت جارية من بني سلمة ، فكنت أختبئ لها تحت الكرب ، حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها .
- وعاد رضي الله عنه المقنعَ فقال : لا أبرح حتى تحتجم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن فيه الشفاء " .
- وفي البخاري : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : " اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري " أو قال : " عاجل أمري وآجله ، فاقدره لي ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري " أو قال : " في عاجل أمري وآجله ، فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني " ، قال : " ويسمي حاجته " .
أهم ملامح شخصيته
حرصه على الجهاد
لقد أقبل جابر رضي الله عنه على الجهاد من أول فرصة واتته للجهاد ، لقد منعه أبوه عبد الله رضي الله عنه من الخروج إلى بدر وأحد ، لقد استأثر بذلك الخروج لنفسه ، وترك جابراً الشاب لأخواته السبع ، ولما استشهد أبوه في غزوة أحد بادر إلى الخروج إلى الجهاد لا تفوته غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرة لدين الله وإعلاء لكلمته ، قال جابر رضي الله عنه : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين غزوة ، غزوت معه تسع عشرة غزوة ، ولم أشهد بدراً ولا أحداً ، منعني أبي ، حتى إذا قتل أبي يوم أحد لم أتخلف عن غزوة غزاها .
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي وينهوني عنه والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني ، فجعلت عمتي فاطمة تبكي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه " .
- وروى البخاري بسنده عن جابر قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ وصب عليّ من وضوئه فعقلت ، فقلت : يا رسول الله ، لمن الميراث ؟ إنما يرثني كلالة ، فنزلت آية الفرائض .
- وروى البخاري بسنده عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا ، فَلَمَّا حَضَرَ جِدَادُ النَّخْلِ - أي : الحصاد وقطع ثمارها - أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ . قَالَ : " اذْهَبْ فَبَيْدِرْ- " أي : كوّم - كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَتِهِ ، فَفَعَلْتُ ، ثُمَّ دَعَوْتُهُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ ، أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : " ادْعُ أَصْحَابَكَ " ، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَأَنَا وَاللَّهِ رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلَا أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ ، فَسَلِمَ وَاللَّهِ الْبَيَادِرُ - الأكوام - كُلُّهَا حَتَّى أَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّه لَمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً .
- وفي البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له ، فانطلقت ثم رجعت وقد قضيتها ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد عليّ ، فوقع في قلبي ما الله أعلم به ، فقلت في نفسي : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد عليّ أني أبطأت عليه ، ثم سلمت عليه فلم يرد عليّ ، فوقع في قلبي أشد من المرة الأولى ، ثم سلمت عليه فرد عليّ ، فقال : " إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي " ، وكان على راحلته متوجهاً إلى غير القبلة .
- روي عن جابر بن عبد الله رضي لله عنهما في الخندق حيث يقول جابر : لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خمصاً ( الخمص : خلاء البطن من الطعام ) فانكفأت ( أي : انقلبت ورجعت ) إلى امرأتي فقلت لها : هل عندك شيء ؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خمصاً شديداً فأخرجت لي جراباً ( أي : وعاء من جلد ) فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن . قال : فذبحتها وطحنت ، ففرغت إليّ فراغي فقطعتها في برمتها ، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه . قال : فجئته فساررته فقلت : يا رسول الله ! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعاً من شعير كان عندنا ، فتعال أنت في نفر معك . فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " يا أهل الخندق ! إن جابراً قد صنع لكم سوراً " ( وهو الطعام الذي يدعى إليه ، وقيل : الطعام مطلقًاً ) " فحيهلا بكم " ( ومعناه : أعجل به ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم ، حتى أجي " فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت : بك ، وبك ( أي : ذمته ودعت عليه ) فقلت : قد فعلت الذي قلت لي ( معناه : أني أخبرت النبي بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة ) . فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها صلى الله عليه وسلم وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال : " ادعى خابزة فلتخبز معك ، واقدحي من برمتكم " ( أي : اغرفي والمقدح المغرفة ) ولا تنزلوها ، وهم ألف . فأقسم بالله ! لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا ( أي : شبعوا وانصرفوا ) وإن برمتنا لتغظ ( أي : تغلي ويسمع غليانها ) كما هي وإن عجينتنا - أو كما قال الضحاك - لتخبز كما هو ( أي : يعود إلي العجين ) . رواه البخاري ومسلم
- وفي البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأبطأ بي جملي وأعيا ، فأتى عليّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " جابر " فقلت : نعم . قال : " ما شأنك ؟ " قلت : أبطأ عليّ جملي وأعيا فتخلفتُ . فنزل يحجنه بمحجنه ثم قال : " اركب " ، فركبت فلقد رأيته أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : " تزوجت ؟ " قلت : نعم . قال : " بكراً أم ثيباً ؟ " قلت : بل ثيباً . قال : " أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك " . قلت : إن لي أخوات ، فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهنّ وتمشطهنّ وتقوم عليهنّ . قال : " أما إنك قادم ، فإذا قدمت فالكيس الكيس " ، ثم قال : " أتبيع جملك ؟ " قلت : نعم ، فاشتراه مني بأوقية ، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي وقدمت بالغداة فجئنا إلى المسجد ، فوجدته على باب المسجد قال : " آلآن قدمت " . قلت : نعم . قال : " فدع جملك ، فادخل فصل ركعتين " ، فدخلت فصليت فأمر بلالاً أن يزن له أوقية ، فوزن لي بلال فأرجح لي في الميزان فانطلقت حتى وليت ، فقال : " ادع لي جابراً ؟ " قلت : الآن يرد عليّ الجمل ، ولم يكن شيء أبغض إليّ منه . قال : " خذ جملك ولك ثمنه " .
بعض المواقف من حياته مع الصحابة
مع أبيه
في البخاري بسنده عن جابر رضي الله عنه قال : لما حضر أحد دعاني أبي من الليل فقال : ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وإني لا أترك بعدي أعز عليّ منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن عليّ ديناً فاقض واستوص بأخواتك خيراً . فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في قبر ، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر ، فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه .
مع أبي بكر الصديق
عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : " يا جابر ، لو قد جاءنا مال لحثيتُ لك ثم حثيتُ لك " . قال : فقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينجز لي تلك العدة ، فأتيت أبا بكر رضي الله عنه فحدثته فقال أبو بكر : ونحن لو قد جاءنا شيء لحثيتُ لك ثم حثيتُ لك ثم حثيتُ لك . قال : فأتاه مال ، فحثي لي حثية ، ثم حثية ، ثم قال : ليس عليك فيها صدقة حتى يحول الحول . قال : فوزنتها فكانت ألفاً وخمسمائة .
مع عبد الله بن أنيس
عن جابر بن عبد الله قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه ، فسرت شهراً إليه حتى قدمت الشام فإذا هو عبد الله بن أنيس ، فأرسلت إليه أن جابراً على الباب فرجع إليّ الرسول ، فقال : أجابر بن عبد الله ؟ قلت : نعم . فخرج إليّ فاعتنقني واعتنقته . قال : قلت : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه في المظالم فخشيت أن أموت أو تموت . قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يُحشر الناس - أو العباد - عراة غرلاً بهماً فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب " أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى يقتصه منه حتى اللطمة " . قال : وكيف ، وإنما نأتي عراة غرلاً ؟ قال : بالحسنات والسيئات .
مع جابر بن عمير
عن عطاء أنه رأى جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين يرتميان ، فمل أحدهما فجلس ، فقال له صاحبه : كسلت . قال : نعم . قال أحدهما للآخر : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لعب ؛ إلا أن يكون أربعة : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشي الرجل بين الغرضين ، وتعلم الرجل السباحة " .
مع أبي سعيد الخدري
قال ابن سعد في الطبقات : حدثنا جارية بن أبي عمران قال : سمعت أبا سلمة الحضرمي يقول : جلست مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وهما يتحدثان وقد ذهب بصر جابر ، فجاء رجل فسلم ثم جلس ، فقال : يا أبا عبد الله ، أرسلني إليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ؟ فقال جابر : تركنا رسول الله يوماً وليلة لم يخرج إلى الصلاة ، فأخذنا ما تقدم وما تأخر فاجتمعنا ببابه نتكلم ليسمع كلامنا ويعلم مكاننا فأطلنا الوقوف ، فلم يأذن لنا ولم يخرج إلينا ، قال : فقلنا : قد علم رسول الله مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه ، فتفرق الناس غير عمر بن الخطاب يتنحنح ويتكلم ويستأذن حتى أذن له رسول الله ، قال عمر : فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة ، فقلت : أي نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، ما الذي رابك ؟ وما لقي الناس بعدك من فقدهم لرؤيتك ؟ فقال : " يا عمر ، يسألنني أولاء ما ليس عندي ( يعني : نساءه ) فذاك الذي بلغ مني ما ترى " . فقلت : يا نبي الله ، قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض لأنها سألتني ما لا أقدر عليه ، وأنت يا رسول الله على موعد من ربك وهو جاعل بعد العسر يسراً . قال : فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله قد تحلل عنه بعض ذلك ، قال :فخرجت فلقيت أبا بكر الصديق فحدثته الحديث ، فدخل أبو بكر على عائشة فقال : قد علمت أن رسول الله لا يدخر عنكنّ شيئاً ، فلا تسألنه ما لا يجد ، انظري حاجتك فاطلبيها إليّ . وانطلق عمر إلى حفصة فذكر لها مثل ذلك ، ثم اتبعا أمهات المؤمنين فجعلا يذكران لهنّ مثل ذلك حتى دخلا على أم سلمة فذكرا مثل ذلك ، فقالت لهما أم سلمة : ما لكما ولما ها هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى بأمرنا ولو أراد أن ينهانا لنهانا ، فمن نسأل إذا لم نسأل رسول الله ؟ هل يدخل بينكما وبين أهليكما أحد ؟ فما نكلفكما هذا . فخرجا من عندها ، فقال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة : جزاك الله خيراً حين فعلت ما فعلت ، ما قدرنا أن نرد عليهما شيئاً . ثم قال جابر لأبي سعيد : ألم يكن الحديث هكذا ؟ قال : بلى ، و قد بقيت منه بقية . قال جابر : فأنا آتي على ذلك إن شاء الله ، ثم قال : فأنزل الله في ذلك : " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتنّ تردنّ الحياة الدنيا وزينتها فتعالينّ أمتعكنّ وأسرحكنّ سراحاً جميلاً " يعني : متعة الطلاق ، ويعني بتسريحهنّ : تطليقهنّ طلاقاً جميلاً ، " وإن كنتنّ تردنّ الله ورسوله والدار الآخرة " تخترن الله ورسوله فلا تنكحن بعده أحداً . فانطلق رسول الله فبدأ بعائشة فقال : " إن الله قد أمرني أن أخيركنّ بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة وبين أن تخترن الدنيا وزينتها ، وقد بدأت بك ، فأنا أخيرك ؟ " قالت : أي نبي الله ، وهل بدأت بأحد منهنّ قبلي ؟ قال : " لا " . قالت : فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، فاكتم عليّ ولا تخبر بذاك نساءك . قال رسول الله : " بل أخبرهنّ " ، فأخبرهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، وكان خياره بين الدنيا والآخرة أن يخترن الآخرة أو الدنيا ، قال : " وإن كنتنّ تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكنّ أجراً عظيماً " فاخترن أن لا يتزوجن بعده ، ثم قال : " يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبينة " يعني : الزنا ، " يضاعف لها العذاب ضعفين " - يعني : في الآخرة - ، " وكان ذلك على الله يسيراً . ومن يقنت منكنّ لله ورسوله " - يعني : تطع الله ورسوله - ، " وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين " مضاعفاً لها في الآخرة وكذلك العذاب ، " واعتدنا لها رزقاً كريماً . يا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء إن اتقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض " يقول فجور . " وقلن قولاً معروفاً . وقرن في بيوتكنّ ولا تبرجنّ تبرج الجاهلية الأولى " يقول : لا تخرجن من بيوتكنّ ولا تبرجن يعني : إلقاء القناع فعل أهل الجاهلية الأولى . فقال أبو سعيد هذا الحديث على وجهه .
بعض المواقف من حياته مع التابعين
مع سعيد بن الحارث
قال سعيد بن الحارث : دخلنا على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب واحد ملتحفاً به ورداؤه قريب لو تناوله بلغه ، فلما سلم سألناه عن ذلك ، فقال : إنما أفعل هذا ليراني الحمقى أمثالكم فيفشوا على جابر رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال جابر : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فجئته ليلة وهو يصلي في ثوب واحد وعلى ثوب واحد ، فاشتملت به ثم قمت إلى جنبه ، قال : يا جابر ، ما هذا الاشتمال إذا صليت وعليك ثوب واحد ، فإن كان واسعاً فالتحف به ، وإن كان ضيقاً فأتزر به .
بعض الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم
- عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم ، فقالت الأنصار : لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عيناً . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ولد لي غلام فسميته القاسم ، فقالت الأنصار : لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عيناً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أحسنت الأنصار ، سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ، فإنما أنا قاسم " .
- وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه : " فبينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالساً على كرسي بين السماء والأرض " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فجئثت منه فرقاً فرجعت ، فقلت : " زملوني زملوني ، فدثروني " ، فأنزل الله تبارك وتعالى : " يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر . والرجز فاهجر" ، وهي الأوثان ، قال : " ثم تتابع الوحي " .
- وعنه رضي الله عنه قال : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي ، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثتُ إلى كل أحمر وأسود ، وأُحلت لي الغنائم ولم تُحل لأحد قبلي ، وجُعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ، ونُصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر ، وأُعطيتُ الشفاعة " .
- وعن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " .
- وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذاً يصلي ، فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء ، فانطلق الرجل وبلغه أن معاذاً نال منه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ ، أفتان أنت أو فاتن ثلاث مرار فلولا صليت بسبح اسم ربك ، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة " .
أثره في الآخرين
- روى عنه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة وعشرين من الصحابة والتابعين ، فممن روى عنه من الصحابة : أنس بن مالك ، وعبد الله بن ثعلبة ، ومحمود بن لبيد ، وماعز التميمي ، ومحمود بن عبد الرحمن التميمي وغيرهم ، وممن روى عنه من التابعين : واسع بن حبان بن قرمز ، ومعاذ بن رفاعة بن رافع ، ويزيد بن صهيب ، والحارث بن رافع ... وغيرهم الكثير .
- كان رضي الله عنه يُعلّم غيره وينشر ما تعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى البخاري بسنده عن أبي جعفر أنه كان عند جابر بن عبد الله هو وأبوه وعنده قوم فسألوه عن الغسل ، فقال : يكفيك صاع . فقال رجل : ما يكفيني ؟ فقال جابر : كان يكفي من هو أوفى منك شعراً وخير منك ، ثم أمنا في ثوب .
- كان رضي الله عنه أحد المفتين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت له حلقة في المسجد النبوي ، يُعلم فيها الناس ويُفقههم .
بعض كلماته
- عن أبي الزبير عن جابر قال : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى ، يقول : " من يؤويني ، من ينصرني ، حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة " ، حتى أن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر كذا ، قال : فيأتيه قومه فيقولون : أحذر غلام قريش لا يفتنك ! ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب ، فآويناه وصدقناه ، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن ، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه ، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ، ثم ائتمروا جميعاً ، فقلنا : حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم ، فواعدناه شعب العقبة ، فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا ، فقلنا : يا رسول الله نبايعك . قال : " تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، والنفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم ، وعلى أن تنصروني ، فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة " . قال : فقمنا إليه فبايعناه ، وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم فقال : رويداً يا أهل يثرب ، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف ، فأما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله ، وأما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك ، فهو عذر لكم عند الله . قالوا : أمط عنا يا أسعد ، فو الله لا ندع هذه البيعة أبداً ولا نسلبها أبداً . قال : فقمنا إليه فبايعناه ، فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة .
- وعن جابر قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب فجئت فقمت إلى جنبه عن يساره فنهاني فجعلني عن يمينه ، فجاء صاحب لي فصففنا خلفه ، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد مخالفاً بين طرفيه .
- وعن جابر بن عبد الله قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة . قال جابر : لم أشهد بدراً ولا أحداً منعني أبي . قال : فلما قتل عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط .
من كلماته
- قال رضي الله عنه : ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها ما خلا عمر وابنه عبد الله .
- وقال رضي الله عنه : شهد بي خالي بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أصغر القوم .
- وقال رضي الله عنه عندما سمع بموت ابن عباس رضي الله عنه وصفق بإحدى يديه على الأخرى : مات أعلم الناس وأحلم الناس ، ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق .
الوفاة
توفي جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه سنة أربع وسبعين ، وقيل : سنة سبع وسبعين ، وقيل : سنة ثمان وسبعين بالمدينة ، وصلى عليه أبان بن عثمان وهو أميرها ، وتوفي وهو ابن أربع وتسعين سنة .
المراجع
الإصابة
الاستيعاب
أسد الغابة
جابر بن عبد الله
رضي الله عنه
نسبه
هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي من بني سلمة ، وقد اختلف في كنيته رضي الله عنه فقيل : ( أبو عبد الرحمن ) ، وأصح ما قيل فيه : ( أبو عبد الله ) ، وأمه نسيبة بنت عقبة بن عدي وهي من بني سلمة أيضاً . وأبوه هو عبد الله بن عمرو بن حرام الصحابي الجليل الذي استشهد في غزوة أحد .
إسلامه
كان رضي الله عنه ممن أسلم مبكراً ، وهو أحد الستة الذين شهدوا العقبة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لقي عند العقبة في الموسم نفراً من الأنصار كلهم من الخزرج وهم : أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس ، وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء ، ورافع بن مالك بن العجلان ، وقطبة بن عامر بن حديدة ، وعقبة بن عامر بن نابي ، وجابر بن عبد الله ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فأسلموا مبادرة إلى الخير ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا إلى الإسلام ، ففشا الإسلام فيها حتى لم تبق دار إلا وقد دخلها الإسلام. وكان جابر رضي الله عنه من المكثرين الحفاظ للسنن وكُفّ بصره في آخر عمره .
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته
- أسلم جابر وأبوه عبد الله رضي الله عنهما مبكرين ، ونال جابر من عطف النبي صلى الله عليه وسلم وحنانه الكثير ، ولقد أهتم به النبي صلى الله عليه وسلم إهتماماً كبيراً ، وكان صلى الله عليه وسلم يسأله عن حياته ومعاشه وأحواله كلها ، ويوجهه دائماً نحو الخير .
- عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " . قال : فخطبت جارية من بني سلمة ، فكنت أختبئ لها تحت الكرب ، حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها .
- وعاد رضي الله عنه المقنعَ فقال : لا أبرح حتى تحتجم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن فيه الشفاء " .
- وفي البخاري : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : " اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري " أو قال : " عاجل أمري وآجله ، فاقدره لي ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري " أو قال : " في عاجل أمري وآجله ، فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني " ، قال : " ويسمي حاجته " .
أهم ملامح شخصيته
حرصه على الجهاد
لقد أقبل جابر رضي الله عنه على الجهاد من أول فرصة واتته للجهاد ، لقد منعه أبوه عبد الله رضي الله عنه من الخروج إلى بدر وأحد ، لقد استأثر بذلك الخروج لنفسه ، وترك جابراً الشاب لأخواته السبع ، ولما استشهد أبوه في غزوة أحد بادر إلى الخروج إلى الجهاد لا تفوته غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرة لدين الله وإعلاء لكلمته ، قال جابر رضي الله عنه : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين غزوة ، غزوت معه تسع عشرة غزوة ، ولم أشهد بدراً ولا أحداً ، منعني أبي ، حتى إذا قتل أبي يوم أحد لم أتخلف عن غزوة غزاها .
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي وينهوني عنه والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني ، فجعلت عمتي فاطمة تبكي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه " .
- وروى البخاري بسنده عن جابر قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ وصب عليّ من وضوئه فعقلت ، فقلت : يا رسول الله ، لمن الميراث ؟ إنما يرثني كلالة ، فنزلت آية الفرائض .
- وروى البخاري بسنده عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا ، فَلَمَّا حَضَرَ جِدَادُ النَّخْلِ - أي : الحصاد وقطع ثمارها - أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ . قَالَ : " اذْهَبْ فَبَيْدِرْ- " أي : كوّم - كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَتِهِ ، فَفَعَلْتُ ، ثُمَّ دَعَوْتُهُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ ، أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : " ادْعُ أَصْحَابَكَ " ، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَأَنَا وَاللَّهِ رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلَا أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ ، فَسَلِمَ وَاللَّهِ الْبَيَادِرُ - الأكوام - كُلُّهَا حَتَّى أَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّه لَمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً .
- وفي البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له ، فانطلقت ثم رجعت وقد قضيتها ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد عليّ ، فوقع في قلبي ما الله أعلم به ، فقلت في نفسي : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد عليّ أني أبطأت عليه ، ثم سلمت عليه فلم يرد عليّ ، فوقع في قلبي أشد من المرة الأولى ، ثم سلمت عليه فرد عليّ ، فقال : " إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي " ، وكان على راحلته متوجهاً إلى غير القبلة .
- روي عن جابر بن عبد الله رضي لله عنهما في الخندق حيث يقول جابر : لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خمصاً ( الخمص : خلاء البطن من الطعام ) فانكفأت ( أي : انقلبت ورجعت ) إلى امرأتي فقلت لها : هل عندك شيء ؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خمصاً شديداً فأخرجت لي جراباً ( أي : وعاء من جلد ) فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن . قال : فذبحتها وطحنت ، ففرغت إليّ فراغي فقطعتها في برمتها ، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه . قال : فجئته فساررته فقلت : يا رسول الله ! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعاً من شعير كان عندنا ، فتعال أنت في نفر معك . فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " يا أهل الخندق ! إن جابراً قد صنع لكم سوراً " ( وهو الطعام الذي يدعى إليه ، وقيل : الطعام مطلقًاً ) " فحيهلا بكم " ( ومعناه : أعجل به ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم ، حتى أجي " فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت : بك ، وبك ( أي : ذمته ودعت عليه ) فقلت : قد فعلت الذي قلت لي ( معناه : أني أخبرت النبي بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة ) . فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها صلى الله عليه وسلم وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال : " ادعى خابزة فلتخبز معك ، واقدحي من برمتكم " ( أي : اغرفي والمقدح المغرفة ) ولا تنزلوها ، وهم ألف . فأقسم بالله ! لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا ( أي : شبعوا وانصرفوا ) وإن برمتنا لتغظ ( أي : تغلي ويسمع غليانها ) كما هي وإن عجينتنا - أو كما قال الضحاك - لتخبز كما هو ( أي : يعود إلي العجين ) . رواه البخاري ومسلم
- وفي البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأبطأ بي جملي وأعيا ، فأتى عليّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " جابر " فقلت : نعم . قال : " ما شأنك ؟ " قلت : أبطأ عليّ جملي وأعيا فتخلفتُ . فنزل يحجنه بمحجنه ثم قال : " اركب " ، فركبت فلقد رأيته أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : " تزوجت ؟ " قلت : نعم . قال : " بكراً أم ثيباً ؟ " قلت : بل ثيباً . قال : " أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك " . قلت : إن لي أخوات ، فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهنّ وتمشطهنّ وتقوم عليهنّ . قال : " أما إنك قادم ، فإذا قدمت فالكيس الكيس " ، ثم قال : " أتبيع جملك ؟ " قلت : نعم ، فاشتراه مني بأوقية ، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي وقدمت بالغداة فجئنا إلى المسجد ، فوجدته على باب المسجد قال : " آلآن قدمت " . قلت : نعم . قال : " فدع جملك ، فادخل فصل ركعتين " ، فدخلت فصليت فأمر بلالاً أن يزن له أوقية ، فوزن لي بلال فأرجح لي في الميزان فانطلقت حتى وليت ، فقال : " ادع لي جابراً ؟ " قلت : الآن يرد عليّ الجمل ، ولم يكن شيء أبغض إليّ منه . قال : " خذ جملك ولك ثمنه " .
بعض المواقف من حياته مع الصحابة
مع أبيه
في البخاري بسنده عن جابر رضي الله عنه قال : لما حضر أحد دعاني أبي من الليل فقال : ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وإني لا أترك بعدي أعز عليّ منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن عليّ ديناً فاقض واستوص بأخواتك خيراً . فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في قبر ، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر ، فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه .
مع أبي بكر الصديق
عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : " يا جابر ، لو قد جاءنا مال لحثيتُ لك ثم حثيتُ لك " . قال : فقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينجز لي تلك العدة ، فأتيت أبا بكر رضي الله عنه فحدثته فقال أبو بكر : ونحن لو قد جاءنا شيء لحثيتُ لك ثم حثيتُ لك ثم حثيتُ لك . قال : فأتاه مال ، فحثي لي حثية ، ثم حثية ، ثم قال : ليس عليك فيها صدقة حتى يحول الحول . قال : فوزنتها فكانت ألفاً وخمسمائة .
مع عبد الله بن أنيس
عن جابر بن عبد الله قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه ، فسرت شهراً إليه حتى قدمت الشام فإذا هو عبد الله بن أنيس ، فأرسلت إليه أن جابراً على الباب فرجع إليّ الرسول ، فقال : أجابر بن عبد الله ؟ قلت : نعم . فخرج إليّ فاعتنقني واعتنقته . قال : قلت : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه في المظالم فخشيت أن أموت أو تموت . قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يُحشر الناس - أو العباد - عراة غرلاً بهماً فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب " أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى يقتصه منه حتى اللطمة " . قال : وكيف ، وإنما نأتي عراة غرلاً ؟ قال : بالحسنات والسيئات .
مع جابر بن عمير
عن عطاء أنه رأى جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين يرتميان ، فمل أحدهما فجلس ، فقال له صاحبه : كسلت . قال : نعم . قال أحدهما للآخر : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لعب ؛ إلا أن يكون أربعة : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشي الرجل بين الغرضين ، وتعلم الرجل السباحة " .
مع أبي سعيد الخدري
قال ابن سعد في الطبقات : حدثنا جارية بن أبي عمران قال : سمعت أبا سلمة الحضرمي يقول : جلست مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وهما يتحدثان وقد ذهب بصر جابر ، فجاء رجل فسلم ثم جلس ، فقال : يا أبا عبد الله ، أرسلني إليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ؟ فقال جابر : تركنا رسول الله يوماً وليلة لم يخرج إلى الصلاة ، فأخذنا ما تقدم وما تأخر فاجتمعنا ببابه نتكلم ليسمع كلامنا ويعلم مكاننا فأطلنا الوقوف ، فلم يأذن لنا ولم يخرج إلينا ، قال : فقلنا : قد علم رسول الله مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه ، فتفرق الناس غير عمر بن الخطاب يتنحنح ويتكلم ويستأذن حتى أذن له رسول الله ، قال عمر : فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة ، فقلت : أي نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، ما الذي رابك ؟ وما لقي الناس بعدك من فقدهم لرؤيتك ؟ فقال : " يا عمر ، يسألنني أولاء ما ليس عندي ( يعني : نساءه ) فذاك الذي بلغ مني ما ترى " . فقلت : يا نبي الله ، قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض لأنها سألتني ما لا أقدر عليه ، وأنت يا رسول الله على موعد من ربك وهو جاعل بعد العسر يسراً . قال : فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله قد تحلل عنه بعض ذلك ، قال :فخرجت فلقيت أبا بكر الصديق فحدثته الحديث ، فدخل أبو بكر على عائشة فقال : قد علمت أن رسول الله لا يدخر عنكنّ شيئاً ، فلا تسألنه ما لا يجد ، انظري حاجتك فاطلبيها إليّ . وانطلق عمر إلى حفصة فذكر لها مثل ذلك ، ثم اتبعا أمهات المؤمنين فجعلا يذكران لهنّ مثل ذلك حتى دخلا على أم سلمة فذكرا مثل ذلك ، فقالت لهما أم سلمة : ما لكما ولما ها هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى بأمرنا ولو أراد أن ينهانا لنهانا ، فمن نسأل إذا لم نسأل رسول الله ؟ هل يدخل بينكما وبين أهليكما أحد ؟ فما نكلفكما هذا . فخرجا من عندها ، فقال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة : جزاك الله خيراً حين فعلت ما فعلت ، ما قدرنا أن نرد عليهما شيئاً . ثم قال جابر لأبي سعيد : ألم يكن الحديث هكذا ؟ قال : بلى ، و قد بقيت منه بقية . قال جابر : فأنا آتي على ذلك إن شاء الله ، ثم قال : فأنزل الله في ذلك : " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتنّ تردنّ الحياة الدنيا وزينتها فتعالينّ أمتعكنّ وأسرحكنّ سراحاً جميلاً " يعني : متعة الطلاق ، ويعني بتسريحهنّ : تطليقهنّ طلاقاً جميلاً ، " وإن كنتنّ تردنّ الله ورسوله والدار الآخرة " تخترن الله ورسوله فلا تنكحن بعده أحداً . فانطلق رسول الله فبدأ بعائشة فقال : " إن الله قد أمرني أن أخيركنّ بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة وبين أن تخترن الدنيا وزينتها ، وقد بدأت بك ، فأنا أخيرك ؟ " قالت : أي نبي الله ، وهل بدأت بأحد منهنّ قبلي ؟ قال : " لا " . قالت : فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، فاكتم عليّ ولا تخبر بذاك نساءك . قال رسول الله : " بل أخبرهنّ " ، فأخبرهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، وكان خياره بين الدنيا والآخرة أن يخترن الآخرة أو الدنيا ، قال : " وإن كنتنّ تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكنّ أجراً عظيماً " فاخترن أن لا يتزوجن بعده ، ثم قال : " يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبينة " يعني : الزنا ، " يضاعف لها العذاب ضعفين " - يعني : في الآخرة - ، " وكان ذلك على الله يسيراً . ومن يقنت منكنّ لله ورسوله " - يعني : تطع الله ورسوله - ، " وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين " مضاعفاً لها في الآخرة وكذلك العذاب ، " واعتدنا لها رزقاً كريماً . يا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء إن اتقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض " يقول فجور . " وقلن قولاً معروفاً . وقرن في بيوتكنّ ولا تبرجنّ تبرج الجاهلية الأولى " يقول : لا تخرجن من بيوتكنّ ولا تبرجن يعني : إلقاء القناع فعل أهل الجاهلية الأولى . فقال أبو سعيد هذا الحديث على وجهه .
بعض المواقف من حياته مع التابعين
مع سعيد بن الحارث
قال سعيد بن الحارث : دخلنا على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب واحد ملتحفاً به ورداؤه قريب لو تناوله بلغه ، فلما سلم سألناه عن ذلك ، فقال : إنما أفعل هذا ليراني الحمقى أمثالكم فيفشوا على جابر رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال جابر : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فجئته ليلة وهو يصلي في ثوب واحد وعلى ثوب واحد ، فاشتملت به ثم قمت إلى جنبه ، قال : يا جابر ، ما هذا الاشتمال إذا صليت وعليك ثوب واحد ، فإن كان واسعاً فالتحف به ، وإن كان ضيقاً فأتزر به .
بعض الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم
- عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم ، فقالت الأنصار : لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عيناً . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ولد لي غلام فسميته القاسم ، فقالت الأنصار : لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عيناً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أحسنت الأنصار ، سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ، فإنما أنا قاسم " .
- وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه : " فبينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالساً على كرسي بين السماء والأرض " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فجئثت منه فرقاً فرجعت ، فقلت : " زملوني زملوني ، فدثروني " ، فأنزل الله تبارك وتعالى : " يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر . والرجز فاهجر" ، وهي الأوثان ، قال : " ثم تتابع الوحي " .
- وعنه رضي الله عنه قال : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي ، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثتُ إلى كل أحمر وأسود ، وأُحلت لي الغنائم ولم تُحل لأحد قبلي ، وجُعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ، ونُصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر ، وأُعطيتُ الشفاعة " .
- وعن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " .
- وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذاً يصلي ، فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء ، فانطلق الرجل وبلغه أن معاذاً نال منه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ ، أفتان أنت أو فاتن ثلاث مرار فلولا صليت بسبح اسم ربك ، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة " .
أثره في الآخرين
- روى عنه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة وعشرين من الصحابة والتابعين ، فممن روى عنه من الصحابة : أنس بن مالك ، وعبد الله بن ثعلبة ، ومحمود بن لبيد ، وماعز التميمي ، ومحمود بن عبد الرحمن التميمي وغيرهم ، وممن روى عنه من التابعين : واسع بن حبان بن قرمز ، ومعاذ بن رفاعة بن رافع ، ويزيد بن صهيب ، والحارث بن رافع ... وغيرهم الكثير .
- كان رضي الله عنه يُعلّم غيره وينشر ما تعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى البخاري بسنده عن أبي جعفر أنه كان عند جابر بن عبد الله هو وأبوه وعنده قوم فسألوه عن الغسل ، فقال : يكفيك صاع . فقال رجل : ما يكفيني ؟ فقال جابر : كان يكفي من هو أوفى منك شعراً وخير منك ، ثم أمنا في ثوب .
- كان رضي الله عنه أحد المفتين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت له حلقة في المسجد النبوي ، يُعلم فيها الناس ويُفقههم .
بعض كلماته
- عن أبي الزبير عن جابر قال : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى ، يقول : " من يؤويني ، من ينصرني ، حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة " ، حتى أن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر كذا ، قال : فيأتيه قومه فيقولون : أحذر غلام قريش لا يفتنك ! ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب ، فآويناه وصدقناه ، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن ، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه ، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ، ثم ائتمروا جميعاً ، فقلنا : حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم ، فواعدناه شعب العقبة ، فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا ، فقلنا : يا رسول الله نبايعك . قال : " تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، والنفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم ، وعلى أن تنصروني ، فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة " . قال : فقمنا إليه فبايعناه ، وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم فقال : رويداً يا أهل يثرب ، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف ، فأما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله ، وأما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك ، فهو عذر لكم عند الله . قالوا : أمط عنا يا أسعد ، فو الله لا ندع هذه البيعة أبداً ولا نسلبها أبداً . قال : فقمنا إليه فبايعناه ، فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة .
- وعن جابر قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب فجئت فقمت إلى جنبه عن يساره فنهاني فجعلني عن يمينه ، فجاء صاحب لي فصففنا خلفه ، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد مخالفاً بين طرفيه .
- وعن جابر بن عبد الله قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة . قال جابر : لم أشهد بدراً ولا أحداً منعني أبي . قال : فلما قتل عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط .
من كلماته
- قال رضي الله عنه : ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها ما خلا عمر وابنه عبد الله .
- وقال رضي الله عنه : شهد بي خالي بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أصغر القوم .
- وقال رضي الله عنه عندما سمع بموت ابن عباس رضي الله عنه وصفق بإحدى يديه على الأخرى : مات أعلم الناس وأحلم الناس ، ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق .
الوفاة
توفي جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه سنة أربع وسبعين ، وقيل : سنة سبع وسبعين ، وقيل : سنة ثمان وسبعين بالمدينة ، وصلى عليه أبان بن عثمان وهو أميرها ، وتوفي وهو ابن أربع وتسعين سنة .
المراجع
الإصابة
الاستيعاب
أسد الغابة
جابر بن عبد الله