شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : خباب بن الأرت


ريمة مطهر
02-12-2011, 09:15 PM
خباب بن الأرتّ
رضي الله عنه

نسبه
هو خباب بن الأرتّ بن جندلة التميمي ، ويقال : خزاعي ، أبو عبد الله . سُبِي في الجاهلية فبيع في مكة فكان مولى أم أثمار الخزاعية ، وقيل : غير ذلك ، ثم حالف بني زهرة وكان من السابقين الأولين ، قال ابن سعد : بيع بمكة ، ثم حالف بني زهرة وأسلم قديماً ، وكان من المستضعفين .

حاله في الجاهلية
دفعت أم أنمار غلامها إلى أحد الحدادين في مكة ليعلمه صناعة السيوف فما أسرع أن أتقن الغلام الصنعة وتمكن منها أحسن تمكن . ولما اشتد ساعد خباب رضي الله عنه وصلب عوده استأجرت أم أنمار دكاناً واشترت له عدة ، وجعلت تستثمر مهارته في صنع السيوف .لم يمض غير قليل على خباب رضي الله عنه حتى شهر في مكة وجعل الناس يقبلون على شراء سيوفه ، لما كان يتحلى به من الأمانة والصدق وإتقان الصنعة . فقد كان خباب رضي الله عنه على الرغم من حداثة سنه يتحلى بعقل الكلمة وحكمة الشيوخ. وكان إذا ما فرغ من عمله دخلاً إلى نفسه كثيراً ما يفكر في هذا المجتمع الجاهلي الذي غرق في الفساد من أخمص قدميه إلى قمة رأسه ، ويقول : ما ران على حياة العرب من جهالة وضلالة عمياء ، كان هو نفسه أحد ضحاياها. وكان يقول : لابد لهذا الليل من أخر . وكان يتمنى أن تمتد به الحياة ليرى بعينه مصرع الظلام ومولد النور .

إسلامه
لم يطل انتظار خباب رضي الله عنه كثيراً فقد ترامى إليه أن خيطاً من نور قد تألق من فم فتى من خيرة بني هاشم يدعى ( محمد بن عبد الله ) ، فمضى إليه وسمع منه فغمره سناه ، فبسط يده إليه وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فكان سادس ستة أسلموا على ظهر الأرض ، حتى قيل : امضي على خباب وقت وهو سدس الإسلام. وقد أسلم خباب رضي الله عنه قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم .

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته
- روى البخاري بسنده عن خباب قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة ، فقلت : يا رسول الله ألا تدعو الله ، فقعد وهو محمر وجهه فقال : " لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم قومٌ تستعجلون " .

- وفي البخاري أيضاً عن قيس قال : أتينا خباب بن الأرت نعوده وقد اكتوى سبعاً ، فقال : لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به .

أهم ملامح شخصيته
1- جرأته
لم يكتم خباب رضي الله عنه إسلامه عن أحد ، فما لبث أن بلغ خبره أم أنمار فاستشاطت غضباً وتميزت غيظاً وصحبت أخاها سباع بن عبد العزي ولحق بهما جماعة من فتيان خزاعة ومضراً جميعاً إلى خباب ، فوجدوه منهمكاً في عمله ، فأقبل عليه سباع وقال : لقد بلغنا عنك نبأ لم نصدقه . فقال خباب : وما هو ؟ فقال سباع : يشاع إنك صبأت وتبعت غلام بن هاشم . فقال خباب في هدوء : ما صبأت وإنما آمنت بالله وحده لا شريك له ونبذت أصنامكم وشهدت أن محمداً رسول عبد الله ورسوله . فما إن لامست كلمات خباب رضي الله عنه مسامع سباع ومن معه حتى انهالوا عليه وجعلوا يضربونه بأيديهم ويركلونه بأقدامهم ويقذفونه بما يصلون إليه من المطارق وقطع الحديد . حتى هوى على الأرض فاقد الوعي والدماء تنزف منه . سرى في مكة خبر ما جرى بين خباب رضي الله عنه وسيدته سريان النار في الهشيم . وذهل الناس من جرأة خباب رضي الله عنه إذ لم يكونوا قد سمعوا من قبل أن أحداً اتبع محمداً ووقف بين الناس يُعلن إسلامه بمثل هذه الصراحة والتحدي . واهتز شيوخ قريش لأمر خباب ، فما كان يخطر على بالهم أن قيناً كقين أم أنمار لا عشيرة له تحميه ولا عصبية عنده تمنعه وتؤويه ، تصل به الجرأة إلى أن يخرج على سلطانها ، ويجهر بسب آلهتها ويسفه دين أبائها وأجدادها أيقنت قريش أن هذا اليوم له ما بعده. ولم تكن قريش على خطأ فيما توقعته ، فلقد أغرت جرأة خباب رضي الله عنه كثيراً من أصحابه بأن يعلنوا إسلامهم ، فطفقوا يصدعون بكلمة الحق واحداً بعد الآخر .

2- ثباته على الإسلام وصبره
رغم كل ما تعرض له من التعذيب الشديد على يد مشركي مكة إلا أنه رضي الله عنه ثبت على الحق ولم يغيّر ولم يبدّل ، وقد يستعملون معه رضي الله عنه كل أنواع الإغراءات ، ليرتد عن دينه ، يروى البخاري بسنده عن خباب قال : كنت قيناً بمكة فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفاً فجئت أتقاضاه ، فقال : لا أعطيك حتى تكفر بمحمد ! قلت : لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يميتك الله ثم يحييك ! قال : إذا أماتني الله ثم بعثني ولي مال وولد فسوف أقضيك فأنزل الله " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً . أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً " .

3- خوفه
- روى أحمد عن خباب قال : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله تبارك وتعالى فوجب أجرنا على الله عز وجل ، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد شيئاً نكفنه فيه إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي بها رأسه ونجعل على رجليه إذخراً ، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها ( يعني : يجتنيها ) .

- وقد اغتني خباب رضي الله عنه في الشطر الأخير من حياته بعد فقر، وملك ما لم يكن يحلم به من الذهب والفضة ، غير أنه تصرف في ماله على وجه لا يخطر ببال أحد. فقد وضع دراهمه ودنانيره في موضع بيته يعرفه ذوو الحاجات من الفقراء والمساكين. ولم يشدد عليه رباطاً ولم يحكم عليه قفلاً فكانوا يأتون داراه ويأخذوه منه ما يشاءون دون سؤال أو استئذان . ومع ذلك فقد كان يخشى أن يُحاسب على ذلك المال وأن يُعذب بسببه .

بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
- عن عبد الله بن خباب بن الأرت عن أبيه وكان قد شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه راقب رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة كلها حتى كان مع الفجر ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته جاءه خباب فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أجل إنها صلاة رغب ورهب ، سألت ربي عز وجل فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ، سألت ربي عز وجل أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها ، وسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدواً من غيرنا فأعطانيها ، وسألت ربي أن لا يلبسنا شيعاً فمنعنيها " .

- قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان وابن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب قال : شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شدة الرمضاء فما أشكانا ( يعني : في الصلاة ) . وقال ابن جعفر : فلم يشكنا .
بعض المواقف من حياته مع الصحابة

مع عمر رضي الله عنه
دخل خباب بن الأرت رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجلسه على متكئه وقال : ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا إلا رجل واحد ، قال له خباب : من هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : بلال . فقال خباب : ما هو بأحق مني ، إن بلالاً كان له في المشركين من يمنعه الله به ، ولم يكن لي أحد يمنعني ، فلقد رأيتني يوماً أخذوني فأوقدوا لي ناراً ثم سلقوني فيها ، ثم وضع رجل رجله على صدري ، فما اتّقيت الأرض إلا بظهري ، قال : ثم كشف عن ظهره فإذا هو قد برص ، رضي الله عنه .

بعض المواقف من حياته مع التابعين
مع قيس بن أبي حازم
عن قيس بن أبي حازم قال : أتينا خباب بن الأرت نعوده وقد اكتوى في بطنه سبعاً ، فقال : لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعوا بالموت لدعوت به فقد طال مرضي ، ثم قال : أن أصحابنا الذين مضوا لم تنقصهم الدنيا شيئاً وإنا أعطينا بعدهم ما لا نجد له موضعاً إلا التراب ، وشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برداءه له في ظل الكعبة فقلنا : يا رسول الله ألا تستنصر الله لنا ؟ فجلس محمراً وجهه فقال : " والله لقد كان من قبلكم يؤخذ فتجعل المناشير على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر الموت لا يخاف إلا الله تبارك وتعالى والذئب على غنمه " .

أثره في الآخرين
أثر خباب في إسلام عمر رضي الله عنهما
كان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب – رضي الله عنهما - يقرئها القرآن ، فخرج عمر يوماً متوشحاً سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه ، فذكروا له أنهم اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين من بيت رجال ونساء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة فلقيه نعيم عبد الله ، فقال : أين تريد يا عمر ؟ قال : أريد محمداً ، هذا الصابئ الذي فرّق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله . فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك يا عمر ، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمد ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ! قال : وأي أهل بيتي ؟ قال : ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة ، فقد والله أسلما وتابعا محمداً صلى الله عليه وسلم فعليك بهما . فرجع عمر عائداً إلى أخته فاطمة وعندها خباب بن الأرت معه صحيفة فيها " طه " يقرئها إياها ، فلما سمعوا صوت عمر تغيب خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا من الباب قراءة خباب عليهما : فلما دخل ، قال : ما هذه الهيمنة التي سمعت ؟ قالا له: ما سمعت شيئاً ، قال : بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه ، وبطش بختنه سعيد بن زيد . فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها ، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه : نعم لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك . فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع وأرعوي - ارتد وكف - وقال لأخته : أعطيني الصحيفة التي كنتم تقرءون آنفاً ، أنظر ما هذا الذي جاء به محمداً . وكان عمر كاتباً فلما قال ذلك قالت له أخته : إنا نخشاك عليها ، قال : لا تخافي ، وحلف لها بألهته ليردنّها إذا قرأها إليها ، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه ، فقالت : يا أخي ، إنك نجس على شركك ، وإنه لا يمسه إلا المطهرون . فقام عمر : فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها " طه " فقرأها ، فلما قرأ منها صدراً ، قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ، فلما سمع ذلك خباب بن الأرت خرج إليه فقال له : والله يا عمر إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فإني سمعته أمس وهو يقول : " اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب " ، فالله الله يا عمر . فقال عند ذلك : فدلني يا خباب على محمد حتى أتيه فأسلم . فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا معه نفر من أصحابه ، وذهب عمر رضي الله عنه وأسلم .

الوفاة
- حدث جماعة من أصحابه فقالوا : دخلنا على خباب في مرض موته ، فقال : إن في هذا المكان ثمانين ألف درهم ، والله ما شردت عليها رباطاً قط ولا منعت منها سائلاً قط ، ثم بكى . فقالوا له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي لأن أصحابي مضوا ولم ينالوا منه أجورهم في هذه الدنيا شيئاً وأنني بقيت فنلتُ من هذا المال ما أخاف أن يكون ثواباً لتلك الأعمال .

- توفي خباب رضي الله عنه بالكوفة سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة ، وصلى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين منصرفه من صفين وهو أول من قبر يظهر في الكوفة .

- ولما لحق خباب رضي الله عنه بجوار ربه وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قبره وقال : رحم الله خباباً ، فلقد أسلم راغباً وهاجر طائعاً وعاش مجاهداً .

المراجع
الإصابة في تمييز الصحابة
البداية والنهاية
صفة الصفوة
صور من حياة الصحابة

ريمة مطهر
09-07-2011, 10:33 AM
خباب بن الأرت

خباب بن الأرت ‏.‏ اختلف في نسبه ، فقيل ‏:‏ خزاعي ، وقيل‏ :‏ تميمي ، وهو الأكثر ، وهو خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، يكنى أبا عبد الله ، وقيل ‏:‏ أبو محمد ، وقيل‏ :‏ أبو يحيى‏ .‏

وهو عربي ، لحقه سباء في الجاهلية فبيع بمكة ، وقيل ‏:‏ هو حليف بني زهرة ، وقال ابن منده وأبو نعيم ‏:‏ قيل ‏:‏ هو مولى عتبة بن غزوان ، وقيل‏ :‏ مولى أم أنمار بنت سباع الخزاعية ، وهي من حلفاء بني زهرة فهو تميم النسب ، خزاعي الولاء ، زهري الحلف ، لأن مولاته أم أنمار كانت من حلفاء عوف بن عبد الحارث بن زهرة ، والد عبد الرحمن بن عوف ‏.‏

وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام ، وممن يعذب في الله تعالى ، كان سادس ستة في الإسلام ، قال مجاهد ‏:‏ أول من أظهر إسلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وخباب ، وصهيب‏ ،‏ وبلال ، وعمار ، وسمية أم عمار ، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب ، وأما أبو بكر فمنعه قومه ، وأما الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ، ثم صهروهم في الشمس فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس ‏.‏

قال الشعبي‏ :‏ إن خباباً صبر ولم يعط الكفار ما سألوا ، فجعلوا يلزقون ظهره بالرضف ، حتى ذهب لحم متنه ‏.‏

أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن بن أبي عبد الله الفقيه بإسناده إلى أحمد بن علي الموصلي قال ‏:‏ حدثنا زهير بن حرب ، أخبرنا جرير ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن خباب قال‏ :‏ شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرد له في ظل الكعبة ، فقلنا‏ :‏ ألا تستنصر لنا‏ ؟‏ فجلس محمراً وجهه ، فقال‏ :‏ ‏"‏ قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، ثم يجاء بالميشار فيجعل فوق رأسه ، ما يصرفه عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ، ما يصرفه عن دينه ، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخشى إلا الله عز وجل والذئب على غنمه ، ولكنكم تعجلون ‏" ‏‏.‏

وقال أبو صالح‏ :‏ كان خباب قيناً يطبع السيوف ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يألفه ويأتيه ، فأخبرت مولاته بذلك ، فكانت تأخذ الحديدة المحماة فتضعها على رأسه ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏ :‏ ‏" ‏اللهم انصر خباباً ‏"‏ ، فاشتكت مولاته أم أنمار رأسها ، فكانت تعوي مثل الكلاب ، فقيل لها ‏:‏ اكتوى ، فكان خباب يأخذ الحديدة المحماة فيكوي بها رأسها ‏.‏

وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ .‏

قال الشعبي ‏:‏ سأل عمر بن الخطاب خباباً رضي الله عنهما عما لقي من المشركين فقال‏ :‏ يا أمير المؤمنين ، انظر إلى ظهري ، فنظر ، فقال‏ :‏ ما رأيت كاليوم ظهر رجل ، قال خباب ‏:‏ لقد أوقدت نار وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري ‏.‏

ولما هاجر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين تميم مولى خراش بن الصمة وقيل ‏:‏ آخى بينه وبين جبر بن عتيك ‏.‏

روى عنه ابنه عبد الله ، ومسروق ، وقيس بن أبي حازم ، وشقيق ، وعبد الله بن سخبرة ، وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل ، والشعبي ، وحارثة بن مضرب ، وغيرهم‏ .‏

أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه وغير واحد ، قالوا بإسنادهم إلى محمد بن عيسى السلمي‏ :‏ حدثنا محمد بن بشار ، أخبرنا وهب بن جرير ، أخبرنا أبي ، قال ‏:‏ سمعت النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن خباب بن الأرت ، عن أبيه ، قال ‏:‏ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فأطالها ، فقالوا‏ :‏ يا رسول الله ، صليت صلاة لم تكن تصليها‏ ؟‏‏ .‏ قال‏ :‏ ‏"‏ أجل ، إنها صلاة رغبة ورهبة ، إني سألت الله عز وجل فيها ثلاثاً ، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدةً ، سألته أن لا يهلك أمتي بسنة ، فأعطانيها ، وسألته أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم ، فأعطانيها ، وسألته أن لا يدق بعضهم بأس بعض ، فمنعنيها‏ " ‏‏.‏

أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء ، أخبرنا أبو الفتح إسماعيل بن الفضل بن أحمد بن الإخشيد ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحيم ، أخبرنا أبو حفص عمر بن إبراهيم الكناني ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، أخبرنا أبو خثيمة زهير بن حرب ، أخبرنا جرير، عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن أبي خالد ، شيخ من أصحاب عبد الله ، قال ‏:‏ بينما نحن في المسجد إذ جاء خباب ابن الأرت ، فجلس فسكت فقال له القوم ‏:‏ إن أصحابك قد اجتمعت إليك لتحدثهم أو لتأمرهم ، قال ‏:‏ بم آمرهم‏ ؟‏ ولعلي آمرهم بما لست فاعلاً‏ .‏

وروى قيس بن مسلم ، عن طارق ، قال‏ :‏ عاد خباباً نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا‏ :‏ أبشر أبا عبد الله ترد على إخوانك الحوض ، فقال ‏:‏ إنكم ذكرتم لي إخواناً مضوا ، ولم ينالوا من أجورهم شيئاً ، وإنا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما نخاف أن يكون ثواباً لتلك الأعمال ، ومرض خباب مرضاً شديداً طويلاً‏ .‏

أخبرنا يحيى بن محمود بن سعد بإسناده إلى مسلم بن الحجاج ، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا عبد الله بن إدريس ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال ‏:‏ دخلنا على خباب وقد اكتوى سبع كيات ، فقال‏ :‏ لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن دعوا بالموت لدعوت به ‏.‏

ونزل الكوفة ومات بها ، وهو أول من دفن بظهر الكوفة من الصحابة ، وكان موته سنة سبع وثلاثين‏ .‏

قال زيد بن وهب ‏:‏ سرنا مع علي حين رجع من صفين ، جتى إذا عند باب الكوفة إذا نحن بقبور سبعة عن أيماننا ، فقال ‏:‏ ما هذه القبور ‏؟‏ فقالوا‏ :‏ يا أمير المؤمنين ، إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك إلى صفين ، فاوصى أن يدفن في ظاهر الكوفة ، وكان الناس إنما يدفنون موتاهم في أفنيتهم ، وعلى أبواب دورهم ، فلما رأوا خباباً أوصى أن يدفن بالظهر دفن الناس ، فقال علي رضي الله عنه ‏:‏ رحم الله خباباً ، أسلم راغباً ، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً ، وابتلي في جسمه ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً ، ثم دنا من قبورهم ، فقال ‏:‏ السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، أنت لنا سلف فارط ونحن لكم تبع عما قليل لاحقاً اللهم اغفر لنا ولهم ، وتجاوز بعفوك عنا وعنهم ، طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل للحساب ، وقنع بالكفاف ، وأرضى الله عز وجل ‏.‏

قال أبو عمر‏ :‏ مات خباب سنة سبع وثلاثين بعد ما شهد صفين مع علي رضي الله عنه والنهروان ، وصلى عليه علي ، وكان عمره إذ مات ثلاثين وسبعين سنة ، قال ‏:‏ وقيل‏ :‏ مات سنة تسع عشرة ، وصلى عليه عمر رضي الله عنه ‏.‏

أخرجه الثلاثة‏ .‏

قلت‏ :‏ الصحيح أنه مات سنة سبع وثلاثين ، وأنه لم يشهد صفين ، فإنه كان مرضه قد طال به ، فمنعه من شهودها ، وأما الخباب الذي مات سنة تسع عشرة فهو مولى عتبة بن غزوان ، ذكره أبو عمر أيضاً ، وقد ذكر ابن منده وأبو نعيم أن خباب بن الأرت مولى عتبة بن غزوان ، وليس كذلك .‏ إنما خباب مولى عتبة بن غزوان آخر يرد ذكره‏ .‏ وهما قد ذكرا في تسمية من شهد بدراً ، خباب بن الأرت من حلفاء بني زهرة ، ثم ذكروا في ترجمة خباب مولى عتبة من شهد بدراً ، من بني نوفل لن عبد مناف من حلفائهم‏ :‏ عتبة بن غزوان ، وخباب مولى عتبة ‏.‏ ثم قال أبو نعيم عن مولى عتبة‏ :‏ إنه لم يعقب ولا تعرف له رواية ، فكفى بهذا دليلاً على أنهما اثنان ، لأن ابن الأرت قد أعقب عدة أولاده ، منهم‏ :‏ عبد الله ، وقتله الخوارج أيام علي رضي الله عنه ، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إن بني زهرة غير بني نوفل‏ .‏ وقد ذكر ابن إسحاق وغيره من أصحاب السير من شهد بدراً ، من بني زهرة ، من حلفائهم‏ :‏ خباب بن الأرت ، وذكروا أيضاً من حلفاء بني نوفل خباباً مولى عتبة بن غزوان، فظهر أن مولى عتبة غير خباب بن الأرت ، وقال بعض العلماء ‏:‏ إن خباب بن الأرت لم يكن قيناً ، وإنما القين خباب مولى عتبة بن غزوان ، والله أعلم‏ .‏

المرجع
أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير