شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : متحف دابير في باريس يحتفي بأدوار المرأة في القارة السمراء


فراس كتبي
02-11-2011, 12:58 AM
متحف دابير في باريس يحتفي بأدوار المرأة في القارة السمراء



من الميلاد إلى سن الشيخوخة ، مرورا بمراحل الزواج والانجاب ، ما فتئت النساء في إفريقيا يحتلن - وما زلن إلى اليوم - ، مكانة جد خاصة ، لا سيما في المجتمعات الريفية. فهن متواجدات بكثافة في الدائرة الخاصة ، وفي العائلة ، حيث تتنوّع أنشطتهن وأدوارهن. فكيف ظهرت النساء في الفنون الإفريقية؟

عبر نحو 150 عملا فنيا ، ومعظمها عبارة عن تماثيل وأقنعة ، ورموز متعددة ، يقوم متحف "دابير" في باريس ، باستعراض تنوع التصورات الأنثوية في إفريقيا. تصورات نلمسها من خلال طقوسية ضرورية وحتمية ، كانت تمارس أثناء احتفالات التلقين الدينية ، لتسجل الأوقات الحاسمة في دورات الحياة. وهذا هو ما يكشف عنه عدد من الأجسام الأنثوية المعروضة التي تجسد بزينتها ، وإيماءاتها ، ورموزها واقع المرأة الإفريقية.

تمثل الأمومة الموضوع الرئيسي في التصورات الأنثوية في الفنون الإفريقية. فالمرأة (مع طفلها) ، بصفتها مخصبة ومرضعة ، هي الصورة المثالية للمرأة الإفريقية ، حيث يمثل إنجابها وإخصابها ثروة حقيقية في المجموعة. ولذلك فالأمومة تحظى بالتبجيل الكامل عند شعوب الكونغو ، لأن المرأة تعتبر حارس الذاكرة الجمعية وقيم الجماعة. وتتميز أدوار المربية والأم بقيمة عالية جدا في المجتمعات الإفريقية تجسدها الصبايا بلُعبهن التي تهيّئهن لتلك الأدوار الحيوية. فهؤلاء الصبايا يملكن دمى يستبدلنها في مرحلة المراهقة بدمى أخرى يحتفظن بها لسنوات عديدة.

وإذا كان تنظيم شؤون المملكة وتسييرها ، منوطين بالرجال أساسا ، إلى جانب المسائل الدينية ، ومجالات الصيد والحرب ، فقد مارست النساء أيضا السلطة السياسية والوظيفة الروحية. وهو ما يشهد عليه التاريخ ، وكذلك الرسوم. ففي مملكة بنين(نيجيريا) القديمة كان الفنانون يصبون رؤوسا تذكارية من البرونز لنساء كن في أعلى مراتب البلاط الملكي ، كان يطلق عليهن اسم:الملكات الأمهات. لقد أسس هذا اللقب في القرن السادس عشر من قبل الملك "إيزيجي" تحية وإجلالا لأمه التي كانت تتمتع بالقوة والبأس. كما كانت توجد في القرن السابع عشر ، في قلب مملكات أكان (كوت ديفوار وغانا) رؤوس من الطين تصنعها نساء تخصصن في صناعة الفخار. وتجسد هذه الرؤوس وجوه نساء من السلف أعطين أسماءهن لخلفهن.

هذا ما يكشف عنه متحف "دابير" في باريس الذي اجتمعت فيه نحو مئة وخمسين تمثالا قادمة من أماكن متنوعة في إفريقيا القارة السمراء. وكل هذه التماثيل أنجزها رجال يتقنون فن الحدادة. نساء ، بمفردهن ، واقفات ، أو جاثمات ، أو جالسات. أو في حالة إرضاع طفل وضعنه على ركبهن ، إن لم يكن محمولا على الخصر أو على الظهر. هناك المرأة دوغون ، وهي واحدة من اعضاء الأسر البدائية التي كانت منبعا للأساطير الأولى التي تروي أصل العالم والانسان. وهناك أيضا تماثيل من خشب بكافة الألوان ، ومن الطين ، ومن كافة أشكال أكسيد البرونز. وخطوط متناغمة لعصا "التسونجا" في إفريقيا الجنوبية ، وبطون مدوّرة في "قناع البطن" الذي يحمله الراقصون الذكور في قبيلة "ماكوندي" في تنزانيا.

قوة المرضعة العظيمة يجسدها وجه أو حجرة في شكل ثمرة الدباء "الكرنيب ثمرة تصلح في التزيين ، وتستعمل كالقناني والأواني" ،

هذه القطع تتناوب فيها غزارة التفاصيل مثل نقوشات "ياكا" في الكونغو ، والبساطة المطلقة في نقوش الفنانين "داوايو" و"نامجي" من الكاميرون. أما أجساد النساء التي تعلوهن علامات النبل فقد ألهمن شكل التماثيل وتفاصيلها ، وقد ألهمت ملامحهن أيضا نحّاتي الأقتعة وغيرها من تلك الأدوات الكثيرة التي أنجزها واستعملها الرجال للعبادة أو للحفاظ على النظام.

في قاعتي المتحف ، عرضت معظم الكنوز في واجهات زجاجية ، وهو ما يؤكد على أصالتها الرسمية. وقد بهر هذا التنوع التشكيلي المذهل في قارة إفريقيا ، وهذا الخيال المبدع ، وهذه الحدة السحرية ، وهذا التواجد الكلي للمقدس ، العديد من الفنانين والمهتمين بالفنون الإفريقية في الغرب خلال القرن العشرين ، وعلى رأسهم أندريه بروتون. وتجدر الاشارة إلى أن خرائط كثيرة ترافق هذه المعروضات ، في شرح الطقوس المعقدة التي سبقت إبداع هذه الأعمال الفنية الرائعة. طقوس ومراسيم تصف لعبة المقدس والمدنس ، وديمومة الأجيال ، ومشروعية التحالفات ، وقوة المجموعة وتناغمها.


المصدر : مجلة الآثار
الكاتب : الدستور