ريمة مطهر
02-10-2011, 08:55 PM
عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما
( حمامة المسجد )
نسبه
هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي .
وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، وهو أحد العبادلة وأحد الشجعان من الصحابة وأحد من ولي الخلافة منهم يكنى أبا بكر .
مولده
ولد عام الهجرة وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير وحدّث عنه بجملة من الحديث ، وهو يعد أول مولود للمسلمين في المدينة بعد الهجرة ، وكان فرح المسلمين بولادته كبيراً ، وسعادتهم به طاغية ، لأن اليهود كانوا يقولون : سحرناهم فلا يولد لهم ولد .
ونشأ عبد الله بن الزبير نشأة طيبة ، وتنسم منذ صغره عبق النبوة ، وكانت خالته السيدة عائشة رضي الله عنها تعنى به وتتعهده ، حتى كنيت باسمه ، فكان يُقال لها ( أم عبد الله ) ، لأنها لم تنجب ولداً .
قصة بيعته للرسول صلى الله عليه وسلم
فعن هشام بن عروة ، عن أبيه وزوجته فاطمة قال : خرجت أسماء حين هاجرت حبلى ، فنفست بعبد الله بقباء . قالت أسماء فجاء عبد الله بعد سبع سنين ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم ، أمره بذلك أبوه الزبير فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه مُقبلاً ، ثم بايعه .
أهم ملامح شخصيته
كثرة حبه للعبادة بجميع أنواعها
يروي عبد الملك بن عبد العزيز عن خاله يوسف بن الماجشون عن الثقة بسنده قال : قسّم عبد الله بن الزبير الدهر على ثلاث ليال : فليلة هو قائم حتى الصباح ، وليلة هو راكع حتى الصباح ، وليلة هو ساجد حتى الصباح .
قال : وحدثنا الزبير قال : وحدثني سليمان بن حرب عن يزيد بن إبراهيم التستري عن عبد الله بن سعيد عن مسلم بن يناق المكي قال : ركع ابن الزبير يوماً ركعة فقرأت البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه .
وروى هشيم عن مغيرة عن قطن بن عبد الله قال : رأيت ابن الزبير يُواصل من الجمعة إلى الجمعة ، فإذا كان عند إفطاره من الليلة المقبلة يدعو بقدح ثم يدعو بقعب من سمن ، ثم يأمر فيُحلب عليه ثم يدعو بشيء من صبر فيذره عليه ثم يشربه: فأما اللبن فيعصمه ، وأما السمن فيقطع عنه العطش ، وأما الصبر فيفتح أمعاءه .
ـ وأخرج أبو نعيم بسند صحيح ، عن مجاهد : كان ابن الزبير إذا قام للصلاة ، كأنه عمود .
وقال ابن سعد : حدثنا روح حدثنا حسين الشهيد ، عن ابن أبي مليكة : كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام ، ثم يصبح اليوم الثامن ، وهو ألينا . وأخرج البغوي من طريق ميمون بن مهران : رأيت ابن الزبير واصل من الجمعة إلى الجمعة . وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق ليث ، عن مجاهد ما كان باب من العبادة إلا تكلفه ابن الزبير ، ولقد جاء سيل بالبيت ، فرأيت ابن الزبير ، يطوف سباحة .
حبه الشديد للجهاد
كان عبد الله بن الزبير وهو لم يجاوز السابعة والعشرين بطلاً من أبطال الفتوح الإسلامية ، وشارك في فتح إفريقية والأندلس والقسطنطينية . وفي فتح إفريقية وقف المسلمون في عشرين ألف جندي أمام عدو قوام جيشه مائة وعشرون ألف ، وألقى عبد الله نظرة على قوات العدو فعرف مصدر قوته التي تكمن في ملك البربر وقائـد الجيش ، الذي يصيح بجنده ويحرضـهم على الموت بطريقة عجيبـة ، فأدرك عبـد الله أنه لابد من سقوط هذا القائد العنيـد ، ولكن كيف؟ ... نادى عبد الله بعض إخوانه وقال لهم : احموا ظهري واهجموا معي .
وشق الصفوف المتلاحمة كالسهم نحو القائد حتى إذا بلغه هوى عليه في كرَّة واحـدة فهوى ، ثم استدار بمن معه إلى الجنود الذين كانوا يُحيطـون بملكهم فصرعوهـم ثم صاحوا : ( اللـه أكبـر ) ... وعندما رأى المسلمون رايتهم ترتفع حيث كان قائد البربر يقف ، أدركوا أنه النصر فشدّوا شدَّة رجل واحد وانتهى الأمر بنصر المسلمين . وكانت مكافأة الزبير من قائد جيش المسلمين ( عبد الله بن أبي سَرح ) بأن جعله يحمل بشرى النصر إلى خليفة المسلمين ( عثمان بن عفان ) رضي الله عنه في المدينة بنفسه .
لم يكن غريباً على من نشأ هذه النشأة الصالحة أن يشب محباً للجهاد ، فشهد وهو في الرابعة عشرة من عمره معركة اليرموك الشهيرة سنة ( 15هـ = 636 م ) واشترك مع أبيه في فتح مصر ، وأبلى بلاءاً حسناً وخاض عمليات فتح شمال إفريقيا تحت قيادة عبد الله بن سعد في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وأبدى من المهارة والقدرة العسكرية ما كفل للجيش النصر ، كما اشترك في الجيوش الإسلامية التي فتحت إصطخر .
ولما حوصر الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في بيته سنة ( 35 هـ = 655 م ) كان عبد الله بن الزبير في مقدمة المدافعين عنه ، وشهد موقعة الجمل مع أبيه الزبير وطلحة بن عبيد الله والسيدة عائشة رضي الله عنها ، ولما بويع معاوية بن أبي سفيان بالخلافة سنة (41هـ = 661م ) أحسن إلى عبد الله بن الزبير ، واستماله إليه ، وأكرمه ، وكان هذا صنيعه مع كبار الصحابة وأبنائهم ، وترتب على ذلك أن هدأت الأحوال واستقرت الأوضاع بعد الفتنة العارمة والرياح الهوجاء التي كادت تعصف بالدولة وتهدد أمنها ووحدتها ، وقابل ابن الزبير هذا الإحسان والإكرام من معاوية بحسن الطاعة والثناء عليه ، واشترك في الغزوات والفتوحات التي قامت في عهده ، فغزا إفريقية تحت قيادة معاوية بن حديج سنة ( 45هـ = 665م ) ، وشارك في فتح القسطنطينية سنة ( 49هـ = 669م ) مع الجيش الذي قاده يزيد بن معاوية .
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد روى من غير وجه أن عبد الله بن الزبير شرب من دم النبي صلى الله عليه وسلم ، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد احتجم في طست فأعطاه عبد الله بن الزبير ليريقه فشربه ، فقال له : " لا تمسك النار إلا تحلة القسم ، وويل لك من الناس ، وويل للناس منك " ، وفي رواية أنه قال له : " يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهريقه حيث لا يراك أحد ، فلما بعد عمد إلى ذلك الدم فشربه ، فلما رجع قال : ما صنعت بالدم ؟ قال : إني شربته لأزداد به علماً وإيماناً وليكون شيء من جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم في جسدي وجسدي أولى به من الأرض ، فقال : ابشر لا تمسك النار أبداً ، وويل لك من الناس ، وويل للناس منك " .
وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة للمهاجرين ، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة لاكها في فيه ، ثم حنكه بها ، فكان ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أول شيء دخل جوفه ، وسماه عبد الله ، وكناه أبا بكر بجده أبي بكر الصديق " وسماه باسمه " قاله أبو عمر .
مواقف من حياته مع الصحابة
موقفه مع الزبير رضي الله عنه
حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : قلت لأبي أسامة أحدثكم هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال : لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال : يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم ، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوماً ، وإن من أكبر همي لديني أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئاً . فقال : يا بني بع مالنا فاقض ديني وأوصى بالثلث ، وثلثه لبنيه ( يعني بني عبد الله بن الزبير ) يقول : ثلث الثلث ، فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين شيء فثلثه لولدك قال هشام ، وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير ( خبيب وعباد ) وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات ، قال عبد الله : فجعل يوصيني بدينه ويقول : يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه مولاي ؟ قال : فو الله ما دريت ما أراد حتى قلت : يا أبت من مولاك ؟ قال : الله . قال : فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه . فقتل الزبير رضي الله عنه ولم يدع ديناراً ولا درهماً إلا أرضين منها الغابة ، وإحدى عشرة داراً بالمدينة ودارين بالبصرة وداراً بالكوفة وداراً بمصر . قال : وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير : لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة ، وما ولي إمارة قط ولا جباية خراج ولا شيئاً إلا أن يكون في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، قال عبد الله بن الزبير : فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف . قال : فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال : يا ابن أخي كم على أخي من الدين فكتمه ؟ فقال : مائة ألف . فقال حكيم : والله ما أرى أموالكم تسع لهذه ؟ فقال له عبد الله : أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف . قال : ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي . قال : وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بألف ألف وست مائة ألف ثم قام فقال : من كان له على الزبير حق فليوافنا بالغابة ، فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربع مائة ألف ، فقال لعبد الله : إن شئتم تركتها لكم . قال عبد الله : لا . قال : فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم . فقال عبد الله : لا . قال : فاقطعوا لي قطعة . فقال عبد الله : لك من هاهنا إلى هاهنا . قال : فباع منها . فقضى دينه فأوفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف ، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة فقال له معاوية : كم قومت الغابة ؟ قال : كل سهم مائة ألف . قال : كم بقي ؟ قال : أربعة أسهم ونصف . قال المنذر بن الزبير : قد أخذت سهماً بمائة ألف . قال عمرو بن عثمان : قد أخذت سهماً بمائة ألف . وقال ابن زمعة : قد أخذت سهماً بمائة ألف . فقال معاوية : كم بقي ؟ فقال : سهم ونصف . قال : قد أخذته بخمسين ومائة ألف . قال : وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بست مائة ألف ، فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير : اقسم بيننا ميراثنا . قال : لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ، ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه . قال : فجعل كل سنة يُنادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ، قال : فكان للزبير أربع نسوة ورفع الثلث ، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف .
موقفه مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وتنبأ له عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمستقبل باهر لما رأى من رباطة جأشه وثبات قلبه ، واعتداده بنفسه ، فقد مرّ عمر بعبد الله رضي الله عنهما وهو يلعب مع رفاقه من الصبيان ، فأسرعوا يلوذون بالفرار هيبة لعمر وإجلالاً له ، في حين ثبت عبد الله بن الزبير ، ولزم مكانه ، فقال له عمر : مالك لم تفر معهم ؟ فقال عبد الله : لم أجرم فأخافك ، ولم يكن الطريق ضيقاً فأوسع لك .
موقفه مع أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها
وفي الساعات الأخيرة من حياة عبد الله رضي الله عنه جرى هذا الحوار بينه وبين أمه العظيمة ( أسماء بنت أبي بكر ) فقد ذهب إليها ووضع أمامها الصورة الدقيقة لموقفه ومصيره الذي ينتظره فقال لها : يا أمّه ، خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ، فلم يبقَ معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة ، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا ، فما رأيك ؟ فقالت له أمه : يا بني أنت أعلم بنفسك ، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق ، فاصبر عليه حتى تموت في سبيله ، ولا تمكّن من رقبتك غِلمَان بني أمية ، وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلبِئس العبد أنت ، أهلكت نفسك وأهلكت من قُتِلَ معك . قال عبد الله : هذا والله رأيي ، والذي قمتُ به داعياً يومي هذا ، ما ركنتُ إلى الدنيا ، ولا أحببت الحياة فيه ، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله ، ولكنّي أحببتُ أن أعلمُ رأيك ، فتزيد ينني قوّة وبصيرة مع بصيرتي ، فانظري يا أمّه فإنّي مقتول من يومي هذا ، لا يشتدّ جزعُكِ عليّ سلّمي لأمر الله ، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ، ولا عمل بفاحشة ، ولم يَجُرْ في حكم ، ولم يغدر في أمان ، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد ، ولم يبلغني عن عمالي فريضته بل أنكرته ، ولم يكن شيء آثر عندي من رضى ربّي اللهم ! إني لا أقول هذا تزكية منّي لنفسي ، أنت أعلم بي ، ولكنّي أقوله تعزية لأمّي لتسلو به عني . قالت أمه أسماء : إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسناً إن سبَقْتَني إلى الله أو سَبقْتُك ، اللهم ارحم طول قيامه في الليل ، وظمأه في الهواجر ، وبِرّه بأبيه وبي ، اللهم إني أسلمته لأمرك فيه ، ورضيت بما قضيت ، فأثِبْني في عبد الله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين . وتبادلا معاً عناق الوداع تحيته .
لقد كان عبد الله بن الزبير يرى أن ( يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ) آخر رجل يصلح لخلافة المسلمين إن كان يصلح على الإطلاق ، لقد كان ( يزيد (فاسداً في كل شيء ولم تكن له فضيلة واحدة تشفع له ، فكيف يُبايعه الزبير ، لقد قال كلمة الرفض قوية صادعة لمعاوية وهو حيّ ، وها هو يقولها ليزيد بعد أن أصبح خليفة ، وأرسل إلى ابن الزبير يتوعّده بشر مصير ، هنالك قال ابن الزبير : لا أبايع السَّكير أبداً . ثم أنشد :
ولا ألين لغير الحق أسأله ... حتى يلين لِضِرْس الماضِغ الحَجر
موقفه مع السيدة عائشة رضي الله عنها
يخبر الزهري من رواية معمر والأوزاعي عنه وهذا لفظ الأوزاعي عنه قال : أخبرني عوف بن الطفيل بن الحارث الأزدي وهو ابن أخي عائشة لأمها : أن عائشة بلغها أن عبد الله بن الزبير كان في دار لها باعتها فتسخط عبد الله بيع تلك الدار فقال : أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها أو لأحجرنّ عليها . قالت عائشة : أو قال ذلك . قالوا : قد كان ذلك . قالت : لله عليّ ألا أكلمه حتى يفرق بيني وبينه الموت .
فطالت هجرتها إياه فنقصه الله بذلك في أمره كله ، فاستشفع بكل أحد يرى أنه يثقل عليها فأبت أن تكلمه . فلما طال ذلك كلم المسور بن مخرمة عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أن يشملاه بأرديتهما ثم يستأذنا فإذا أذنت لهما قالا : كلنا حتى يدخلاه على عائشة ففعلا ذلك . فقالت : نعم كلكم فليدخل . ولا تشعر . فدخل معهما ابن الزبير فكشف الستر فاعتنقها وبكى وبكت عائشة بكاء كثيراً ، وناشدها ابن الزبير ( الله والرحم ) ونشدها مسور وعبد الرحمن ( بالله والرحم ) ، وذكرا لها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث " . فلما أكثروا عليها كلمته بعدما خشي ألا تكلمه . ثم بعثت إلى اليمن بمال فابتيع لها أربعون رقبة فأعتقتها . قال عوف : ثم سمعتها بعد تذكر نذرها ذلك فتبكي حتى تبل خمارها .
موقفه مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
عن عبد الله بن الزبير مع معاوية بن أبي سفيان في الحلم وحُسن العِشرة وطيب الأُخوة . إنه كان لعبد الله بن الزبير مزرعة بمكة بجوار مزرعة معاوية ، وكان عمال معاوية يدخلونها فكتب ابن الزبير لمعاوية خطاباً كتب فيه : ( من عبد الله بن الزبير ابن ذات النطاقين وابن حواري الرسول صلى الله عليه وسلم إلى معاوية بن هند بنت أكلة الأكباد : أن عمالك يدخلون مزرعتي فإن لم تنههم ليكونن بيني وبينك شأن والسلام ) .
فلما وصل الخطاب لمعاوية كتب له خطاباً ذكر فيه : ( من معاوية بن هند بنت أكلة الأكباد إلى ابن الزبير ابن ذات النطاقين وابن حواري الرسول صلى الله عليه وسلم : لو كانت الدنيا لي فسألتها لاعطيتكها ولكن إذا وصلك خطابي هذا فضُم مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك فهي لك والسلام ) ، فلما قرأها بلها بالدموع وركب من مكة إلى معاوية في الشام وقبّل رأسه وقال له : لا أعدمك الله عقلاً أنزلك هذه المنزلة .
مواقف من حياته مع التابعين
ولما تولى يزيد بن معاوية الخلافة سنة (60هـ = 679م ) حرص على أخذ البيعة من الأمصار الإسلامية ، فلبت نداءه وبايعته دون تردد ، في حين استعصت عليه بلاد الحجاز حيث يعيش أبناء الصحابة الذين امتنعوا عن مبايعة يزيد ، وكان في مقدمة الممتنعين الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير ، غير أن يزيد بن معاوية ألح في ضرورة أخذ البيعة منهما ، ولو جاء الأمر قسراً وقهراً لا اختياراً وطواعية ، ولم يجد ابن الزبير مفراً من مغادرة المدينة والتوجه إلى مكة ، والاحتماء ببيتها العتيق ، وسمى نفسه ( العائذ بالبيت ) وفشلت محاولات يزيد في إجباره على البيعة .
وبعد استشهاد الحسين بن علي في معركة كربلاء في العاشر من المحرم سنة (61هـ = 10من أكتوبر 680م ) التف الناس حول ابن الزبير وزاد أنصاره سخطاً على يزيد بن معاوية ، وحاول يزيد أن يضع حداً لامتناع ابن الزبير عن مبايعته ، فأرسل إليه جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة ، غير أنه توفي وهو في الطريق إلى مكة ، فتولى قيادة الجيش الحصين بن نمير ، وبلغ مكة في (26 من المحرم 64هـ ) ، وحاصر ابن الزبير أربعة وستين يوماً ، دارت خلالها مناوشات لم تحسم الأمر ، وفي أثناء هذا الصراع جاءت الأنباء بوفاة يزيد بن معاوية في (14من ربيع الأول سنة 64هـ = 13إبريل 685م ) ، فسادت الفوضى والاضطراب في صفوف جيش يزيد .
موقف ابن الزبير مع الحصين بن نمير
توقف القتال بين الفريقين ، وعرض الحصين بن نمير على ابن الزبير أن يُبايعه قائلاً له : إن يك هذا الرجل قد هلك - يزيد - ، فأنت أحق الناس بهذا الأمر ، هلم فلنبايعك ، ثم اخرج معي إلى الشام ، فإن الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم ، فو الله لا يختلف عليك اثنان . لكن ابن الزبير رفض هذا العرض ، الذي لو قبله لربما تم له الأمر دون معارضة ، لأن بني أمية اضطرب أمرهم بعد موت يزيد من معاوية ورفض ابنه معاوية بن يزيد تولي الأمر ، ثم لم يلبث أن توفي هو الآخر بعد أبيه مباشرة .
أعلن ابن الزبير نفسه خليفة للمسلمين عقب وفاة يزيد بن معاوية ، وبويع بالخلافة في ( 7من رجب 64هـ = 1 من مارس 648م ) ، ودخلت في طاعته ومبايعته الكوفة والبصرة ومصر ، وخراسان ، والشام معقل الأمويين ، ولم يبق سوى الأردن على ولائه لبني أمية بزعامة حسان بن بحدل الكلبي ، ولم يلق ابن الزبير تحدياً في بادئ الأمر ، فهو صحابي جليل ، تربى في بيت النبوة ، واشتهر بالتقوى والصلاح والزهد والورع ، والفصاحة والبيان والعلم والفضل ، وحين تلفت المسلمون حولهم لم يجدوا خيراً منه لتولي هذا المنصب الجليل .
موقف ابن الزبير مع مروان بن الحكم
بدأ ابن الزبير خلافته في مكة وهي على قداستها وعظمتها لم تكن تصلح عاصمة لدولة مترامية الأطراف ، وترك دمشق التي كانت تتوسط العالم الإسلامي وتمتلئ بالرجال والمال ، ثم أقدم على خطوة كان فيها حتفه ، حين أخرج معظم رجال بني أمية من المدينة ، وكان فيهم : مروان بن الحكم وابنه عبد الملك ، وهو ما أعطاهم الفرصة من التوجه إلى الشام ، وجمع شمل الأنصار والأعوان الذين حضروا من كل مكان ، وعقدوا مؤتمراً في الجابية ، وبايعوا مروان بن الحكم بالخلافة ، ولو أن ابن الزبير أبقى بني أمية في المدينة تحت نظره ومراقبته ، وكان في مقدوره أن يفعل ذلك ، لما تحققت هذه الخطوة الأولى التي كان لها شأن في انطلاق بني أمية لإعادة الخلافة لهم والقضاء على ابن الزبير .
استهل مروان بن الحكم أمره باستعادة الشام التي كان معظم أقاليمها قد بايع ابن الزبير بعد أن نجح في هزيمة أنصار ابن الزبير ، وقتل قائدهم الضحاك بن قيس في معركة مرج راهط في نهاية سنة (64هـ = 683م ) ، ثم أعقب ذلك بالاستيلاء على مصر سنة ( 65هـ = 684م ) وولى عليها ابنه عبد العزيز ، وزوده بالنصائح الهامة ، وقفل راجعاً إلى الشام ، ليواصل جهوده في الزحف نحو العراق .
وقبل أن نستطرد في تفاصيل الصراع بين ابن الزبير وخصومه يجدر بنا أن نذهب إلى ما ذهب إليه كبار الفقهاء من أن بيعة ابن الزبير كانت عن رضا وإجماع من المسلمين ، وترتب على ذلك أن أرسل ابن الزبير ولاته على الأمصار الإسلامية ، وأبدى المسلمون رضاهم عن هؤلاء الولاة ، في حين لم يبايع مروان سوى نفر قليل من أهل الشام ، فضلاً عن أن بيعة ابن الزبير كانت أسبق زمناً من بيعة مروان التي جاءت متأخرة عنها ، غير أن الرجلين تمسكا بالخلافة ، وإن كانت الشرعية في جانب ابن الزبير ، لكنها لم تكن لتحسم الأمر وحدها ، بل كان للسياسية والدهاء واصطناع الرجال دور لا ينكر في حسم الصراع وهذا ما كان .
موقف ابن الزبير مع عبد الملك بن مروان
توفي مروان بن الحكم وخلفه ابنه عبد الملك بن مروان سنة ( 65هـ = 684م ) ، وكانت الشام ومصر تحت سلطانه ، على حين بقيت الحجاز والعراق تحت سيطرة ابن الزبير، وفي أثناء ذلك ظهرت دعوة المختار ابن أبي عبيد الثقفي ، التي اجتذبت الشيعة ، وانضموا تحت لوائه ، وازداد نفوذه بالعراق بعد أن هزم جيشاً أرسله عبد الملك بن مروان بقيادة عبيد الله بن زياد في معركة الخازر سنة ( 67هـ = 686م ) وبعد تلك الهزيمة توقف عبد الملك بن مروان مؤقتاً عن فكرة استعادة العراق ، لعلمه أن عبد الله بن الزبير لن يترك المختار الثقفي يستبد بالعراق ، وأن الصدام بينهما آتٍ لا مفر منه ، فآثر الانتظار حتى يفرغ أحد الطرفين من الآخر ، فيقابله وهو منهوك القوى فيضمن لنفسه الظفر والفوز ، وهذا ما كان ، فاصطدم مصعب بن الزبير بالمختار الثقفي وقضى على حركته سنة ( 67هـ = 686م ) ، واستعاد نفوذ أخيه في العراق .
عزم عبد الملك بن مروان على استعادة العراق التابعة لدولة ابن الزبير ، فخرج إليها بنفسه سنة (71هـ =690م ) بعد أن اطمأن إلى تثبيت أركان دولته وتوطيد حكمه ، وأعد جيشاً عظيماً لهذا اللقاء الفاصل ، وحين علم مصعب بن الزبير والي العراق بهذه التحركات استعد لمواجهة عبد الملك بن مروان ، وقبل اللقاء الفاصل أخذ عبد الملك يكاتب زعماء أهل العراق ويعدهم ويمنيهم بالمال ، فاستجابوا له وانضموا إليه وتخلوا عن مصعب في أدق المواقف وأصعبها ، فانهزم في المعركة التي دارت بين الفريقين عند دير الجاثليق في ( جمادى الآخرة 72هـ = نوفمبر 691م ) ، وقتل في هذا اللقاء بعد أن بذل ما يمكنه من الشجاعة والبسالة ، وبعد انتهاء المعركة دخل عبد الملك الكوفة وبايعه أهلها ، ودخلت العراق تحت سيطرته وعين أخاه بشراً والياً عليها .
كان ضياع العراق من يد عبد الله بن الزبير أكبر كارثة حلت به ، في الوقت الذي قوي فيه خصمه بانضمام العراق تحت ملكه وسلطانه الذي أصبح يضم معظم أقطار العالم الإسلامي ، وانحصرت دولة ابن الزبير في الحجاز . لم يضيع عبد الملك بن مروان الوقت في الانتظار بعد انتصاره على مصعب بن الزبير ، فأعدّ حملة عسكرية في عشرين ألف جندي ، بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي ، ووجهها إلى الحجاز للقضاء على ابن الزبير المعتصم بمكة الذي لم يكن بمقدوره الصمود بعد أن فقد معظم دولته ، ولم يبق له سوى الحجاز ، ولم تكن بطبيعة الحال غنية بالمال والرجال ، لكنه لم يسلم الراية ، ولم يستسلم مهما كلفه الأمر ، فطبيعته وخلقه يأبيان ذلك .
توجه الحجاج إلى الحجاز ، ونزل الطائف ، وأخذ يرسل بعض جنوده لقتال ابن الزبير ، فدارت بينهما عدة اشتباكات كانت نتيجتها في صالح الحجاج ، ثم تقدم إلى محاصرة عبد الله بن الزبير ونصب المنجنيق على جبل أبي قيس ، فلما أهلّ ذو الحجة لم يستطع ابن الزبير أن يحج ، وحج بالناس عبد الله بن عمر ، وطلب من الحجاج أن يكف عن ضرب الكعبة بالمنجنيق ؛ لأن الناس قد امتنعوا عن الطواف فامتثل الحجاج ، وبعد الفراغ من طواف الفريضة عاود الحجاج الضرب ، وتشدد في حصار ابن الزبير حتى تحرج موقفه ، وانصرف عنه رجاله ومنهم ابناه ( حمزة وخبيب ) اللذان ذهبا إلى الحجاج وأخذا منه الأمان لنفسيهما .
فلما رأى عبد الله بن الزبير ذلك دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر حزيناً يشكو إليها ما هو فيه من هم وحزن ، فشدت من أزره ، وأوصته بالصبر والثبات وعدم التراجع ما دام على الحق ، فخرج من عندها وذهب إلى القتال ، فاستشهد في المعركة في ( 17 من جمادى الأولى 73هـ = 4 من أكتوبر 692م ) ، وبوفاته انتهت دولته التي استمرت نحو تسع سنين .
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم
يروي عروة عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه حدثه أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل ، فقال الأنصاري : سرح الماء يمر فأبى عليه ، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير : أسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك . فغضب الأنصاري فقال : أن كان ابن عمتك . فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر . فقال الزبير : والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم " .
ـ وعن سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت قال سمعت ابن الزبير يخطب يقول : قال محمد صلى الله عليه وسلم : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة .
ـ عن أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عباس بن سهل بن سعد قال : سمعت ابن الزبير على المنبر بمكة في خطبته يقول : يا أيها الناس إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : لو أن ابن آدم أعطي وادياً ملئا من ذهب أحب إليه ثانياً ، ولو أعطي ثانياً أحب إليه ثالثاً ، ولا يسد جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب .
ما قيل عنه
ـ قال عمر بن عبد العزيز يوماً لابن أبي مُلَيْكة : صِفْ لنا عبد الله بن الزبير . قال : والله ، ما رأيت نفساً رُكّبت بين جَنْبين مثل نفسه ، ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليه ، وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله ، لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جداراً أو ثوباً مطروح ، ولقد مرَّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يُصلي ، فو الله ما أحسَّ بها ولا اهتزّ له ، ولا قطع من أجلها قراءته ولا تعجل ركوعه .
ـ وسئل عنه ابن عباس فقال على الرغم ما بينهم من خلاف : كان قارئاً لكتاب الله ، مُتَّبِعاً سنة رسوله ، قانتاً لله ، صائماً في الهواجر من مخافة الله ، ابن حواريّ رسول الله ، وأمه أسماء بنت الصديق ، وخالته عائشة زوجة رسول الله ، فلا يجهل حقه إلا من أعماه الله .
ـ كان عبد الله بن الزبير من العلماء المجتهدين ، وما كان أحد أعلم بالمناسك منه ، وقال عنه عثمان بن طلحة : كان عبد الله بن الزبير لا يُنازَعُ في ثلاثة : شجاعة ، ولا عبادة ، ولا بلاغة . وقد تكلّم عبد الله بن الزبير يوماً والزبير يسمع فقال له : أي بُنيّ ! ما زلتُ تكلّم بكلام أبي بكر رضي الله عنه حتى ظننتُ أنّ أبا بكر قائمٌ ، فانظُر إلى منْ تزوّج فإنّ المرأة من أخيها من أبيها . وأول من كسا الكعبة بالديباج هو :عبد الله بن الزبير ، وإن كان ليُطيِّبُها حتى يجد ريحها مَنْ دخل الحرم .
ـ قال عمر بن قيس : كان لابن الزبير مئة غلام ، يتكلّم كلّ غلام منهم بلغة أخرى ، وكان الزبير يكلّم كلَّ واحد منهم بلغته ، وكنت إذا نظرتُ إليه في أمر دنياه قلت : هذا رجلٌ لم يُرِد الله طرفةَ عين ، وإذا نظرتُ إليه في أمر آخرته قلت : هذا رجلٌ لم يُرِد الدنيا طرفة عين .
ـ وفي البخاري ، عن ابن عباس أنه وصف ابن الزبير ، فقال : عفيف الإسلام ، قارئ القرآن ، أبوه حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمه بنت الصديق ، وجدته صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعمة أبيه خديجة بنت خويلد . وقال ابن أبي خيثمة : حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا الزنجي بن خالد ، عن عمرو بن دينار قال : ما رأيت مصلياً أحسن صلاة من ابن الزبير .
ـ أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : ما رأيت أحداً أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير .
ـ قال مصعب بن عبد الله وغيره : كان يُقال لابن الزبير : عائذ بيت الله .
وفاته
توجّه الحجاج بعد مقتل مصعب على رأس جيش كبير من عشرين ألف من جند الشام إلى الحجاز وضرب حصاراً على مكة . فأصاب أهل مكة مجاعة كبيرة .
وراح عبد الله بن الزبير يسأل أمه أسماء بنت أبي بكر ماذا يفعل وقد تخلّى عنه الناس ؟ فقالت له : إن كنت على حق فامضِ لشأنك لا تمكّن غلمان بني أميّة . وإن كنتَ إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك ومن معك .. القتل أحسن . فقال : يا أمتِ .. إني أخاف إن قتلوني أن يمثلوا بي . قالت : إنّ الشاة لا يضرُّها سلخها بعد ذبحها .
أمضى عبد الله بن الزبير ليلته الأخيرة يصلّي ، وقال لمن حوله : صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم . ثم قال : احملوا على بركة الله . فحملوا وحمل معهم حتى بلغ معهم الحجون فرمى بآجرّة في وجهه فأرعش ودَمِيَ ، فلما وجد سخونة الدم ، قال :
لسنا على الأعقاب تدمي كُلومُنا ... ولكن على أقدامنا نقطرُ الدما
فحملوا عليه حتى هوى ميتاً . ووصل الخبر إلى الحجاج فسجد شكر !!! وأمر باجتزاز رأسه ، وأرسله إلى عبد الملك .
وكان عمر بن الزبير يوم استشهاده72 سنة ، وقد دامت خلافته نحو تسع سنين .
وقيل : إن الجثة ظلّت مصلوبة حتى مرّ بها عبد الله بن عمر ، فقال : رحمة الله عليك يا أبا خبيب . أما والله لقد كنت صوّاماً قوّاماً . ثم قال : أما آن لهذا الراكب أن ينزل ؟ فبعث الحجاج ، فأنزلت الجثة ودفن .
ـ قال جويرية بن أسماء : عن جدته : أن أسماء بنت أبي بكر غسلت ابن الزبير بعدما تقطعت أوصاله ، وجاء الإذن من عبد الملك بن مروان عندما أبى الحجاج أن يأذن لها ، فحنطته ، وكفنته ، وصلت عليه ، وجعلت فيه شيئا حين رأته يتفسخ إذا مسته .
وقال مصعب بن عبد الله : حملته أمه فدفنته بالمدينة في دار صفية أم المؤمنين ، ثم زيدت دار صفية في المسجد ، فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم - يعني بقربه - .
المراجع
الإصابة في تمييز الصحابة - أسد الغابة - البداية والنهاية - موقع الصحابة - سير أعلام النبلاء - صحيح مسلم بشرح النووي - سنن النسائي
( حمامة المسجد )
نسبه
هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي .
وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، وهو أحد العبادلة وأحد الشجعان من الصحابة وأحد من ولي الخلافة منهم يكنى أبا بكر .
مولده
ولد عام الهجرة وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير وحدّث عنه بجملة من الحديث ، وهو يعد أول مولود للمسلمين في المدينة بعد الهجرة ، وكان فرح المسلمين بولادته كبيراً ، وسعادتهم به طاغية ، لأن اليهود كانوا يقولون : سحرناهم فلا يولد لهم ولد .
ونشأ عبد الله بن الزبير نشأة طيبة ، وتنسم منذ صغره عبق النبوة ، وكانت خالته السيدة عائشة رضي الله عنها تعنى به وتتعهده ، حتى كنيت باسمه ، فكان يُقال لها ( أم عبد الله ) ، لأنها لم تنجب ولداً .
قصة بيعته للرسول صلى الله عليه وسلم
فعن هشام بن عروة ، عن أبيه وزوجته فاطمة قال : خرجت أسماء حين هاجرت حبلى ، فنفست بعبد الله بقباء . قالت أسماء فجاء عبد الله بعد سبع سنين ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم ، أمره بذلك أبوه الزبير فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه مُقبلاً ، ثم بايعه .
أهم ملامح شخصيته
كثرة حبه للعبادة بجميع أنواعها
يروي عبد الملك بن عبد العزيز عن خاله يوسف بن الماجشون عن الثقة بسنده قال : قسّم عبد الله بن الزبير الدهر على ثلاث ليال : فليلة هو قائم حتى الصباح ، وليلة هو راكع حتى الصباح ، وليلة هو ساجد حتى الصباح .
قال : وحدثنا الزبير قال : وحدثني سليمان بن حرب عن يزيد بن إبراهيم التستري عن عبد الله بن سعيد عن مسلم بن يناق المكي قال : ركع ابن الزبير يوماً ركعة فقرأت البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه .
وروى هشيم عن مغيرة عن قطن بن عبد الله قال : رأيت ابن الزبير يُواصل من الجمعة إلى الجمعة ، فإذا كان عند إفطاره من الليلة المقبلة يدعو بقدح ثم يدعو بقعب من سمن ، ثم يأمر فيُحلب عليه ثم يدعو بشيء من صبر فيذره عليه ثم يشربه: فأما اللبن فيعصمه ، وأما السمن فيقطع عنه العطش ، وأما الصبر فيفتح أمعاءه .
ـ وأخرج أبو نعيم بسند صحيح ، عن مجاهد : كان ابن الزبير إذا قام للصلاة ، كأنه عمود .
وقال ابن سعد : حدثنا روح حدثنا حسين الشهيد ، عن ابن أبي مليكة : كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام ، ثم يصبح اليوم الثامن ، وهو ألينا . وأخرج البغوي من طريق ميمون بن مهران : رأيت ابن الزبير واصل من الجمعة إلى الجمعة . وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق ليث ، عن مجاهد ما كان باب من العبادة إلا تكلفه ابن الزبير ، ولقد جاء سيل بالبيت ، فرأيت ابن الزبير ، يطوف سباحة .
حبه الشديد للجهاد
كان عبد الله بن الزبير وهو لم يجاوز السابعة والعشرين بطلاً من أبطال الفتوح الإسلامية ، وشارك في فتح إفريقية والأندلس والقسطنطينية . وفي فتح إفريقية وقف المسلمون في عشرين ألف جندي أمام عدو قوام جيشه مائة وعشرون ألف ، وألقى عبد الله نظرة على قوات العدو فعرف مصدر قوته التي تكمن في ملك البربر وقائـد الجيش ، الذي يصيح بجنده ويحرضـهم على الموت بطريقة عجيبـة ، فأدرك عبـد الله أنه لابد من سقوط هذا القائد العنيـد ، ولكن كيف؟ ... نادى عبد الله بعض إخوانه وقال لهم : احموا ظهري واهجموا معي .
وشق الصفوف المتلاحمة كالسهم نحو القائد حتى إذا بلغه هوى عليه في كرَّة واحـدة فهوى ، ثم استدار بمن معه إلى الجنود الذين كانوا يُحيطـون بملكهم فصرعوهـم ثم صاحوا : ( اللـه أكبـر ) ... وعندما رأى المسلمون رايتهم ترتفع حيث كان قائد البربر يقف ، أدركوا أنه النصر فشدّوا شدَّة رجل واحد وانتهى الأمر بنصر المسلمين . وكانت مكافأة الزبير من قائد جيش المسلمين ( عبد الله بن أبي سَرح ) بأن جعله يحمل بشرى النصر إلى خليفة المسلمين ( عثمان بن عفان ) رضي الله عنه في المدينة بنفسه .
لم يكن غريباً على من نشأ هذه النشأة الصالحة أن يشب محباً للجهاد ، فشهد وهو في الرابعة عشرة من عمره معركة اليرموك الشهيرة سنة ( 15هـ = 636 م ) واشترك مع أبيه في فتح مصر ، وأبلى بلاءاً حسناً وخاض عمليات فتح شمال إفريقيا تحت قيادة عبد الله بن سعد في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وأبدى من المهارة والقدرة العسكرية ما كفل للجيش النصر ، كما اشترك في الجيوش الإسلامية التي فتحت إصطخر .
ولما حوصر الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في بيته سنة ( 35 هـ = 655 م ) كان عبد الله بن الزبير في مقدمة المدافعين عنه ، وشهد موقعة الجمل مع أبيه الزبير وطلحة بن عبيد الله والسيدة عائشة رضي الله عنها ، ولما بويع معاوية بن أبي سفيان بالخلافة سنة (41هـ = 661م ) أحسن إلى عبد الله بن الزبير ، واستماله إليه ، وأكرمه ، وكان هذا صنيعه مع كبار الصحابة وأبنائهم ، وترتب على ذلك أن هدأت الأحوال واستقرت الأوضاع بعد الفتنة العارمة والرياح الهوجاء التي كادت تعصف بالدولة وتهدد أمنها ووحدتها ، وقابل ابن الزبير هذا الإحسان والإكرام من معاوية بحسن الطاعة والثناء عليه ، واشترك في الغزوات والفتوحات التي قامت في عهده ، فغزا إفريقية تحت قيادة معاوية بن حديج سنة ( 45هـ = 665م ) ، وشارك في فتح القسطنطينية سنة ( 49هـ = 669م ) مع الجيش الذي قاده يزيد بن معاوية .
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد روى من غير وجه أن عبد الله بن الزبير شرب من دم النبي صلى الله عليه وسلم ، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد احتجم في طست فأعطاه عبد الله بن الزبير ليريقه فشربه ، فقال له : " لا تمسك النار إلا تحلة القسم ، وويل لك من الناس ، وويل للناس منك " ، وفي رواية أنه قال له : " يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهريقه حيث لا يراك أحد ، فلما بعد عمد إلى ذلك الدم فشربه ، فلما رجع قال : ما صنعت بالدم ؟ قال : إني شربته لأزداد به علماً وإيماناً وليكون شيء من جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم في جسدي وجسدي أولى به من الأرض ، فقال : ابشر لا تمسك النار أبداً ، وويل لك من الناس ، وويل للناس منك " .
وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة للمهاجرين ، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة لاكها في فيه ، ثم حنكه بها ، فكان ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أول شيء دخل جوفه ، وسماه عبد الله ، وكناه أبا بكر بجده أبي بكر الصديق " وسماه باسمه " قاله أبو عمر .
مواقف من حياته مع الصحابة
موقفه مع الزبير رضي الله عنه
حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : قلت لأبي أسامة أحدثكم هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال : لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال : يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم ، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوماً ، وإن من أكبر همي لديني أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئاً . فقال : يا بني بع مالنا فاقض ديني وأوصى بالثلث ، وثلثه لبنيه ( يعني بني عبد الله بن الزبير ) يقول : ثلث الثلث ، فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين شيء فثلثه لولدك قال هشام ، وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير ( خبيب وعباد ) وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات ، قال عبد الله : فجعل يوصيني بدينه ويقول : يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه مولاي ؟ قال : فو الله ما دريت ما أراد حتى قلت : يا أبت من مولاك ؟ قال : الله . قال : فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه . فقتل الزبير رضي الله عنه ولم يدع ديناراً ولا درهماً إلا أرضين منها الغابة ، وإحدى عشرة داراً بالمدينة ودارين بالبصرة وداراً بالكوفة وداراً بمصر . قال : وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير : لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة ، وما ولي إمارة قط ولا جباية خراج ولا شيئاً إلا أن يكون في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، قال عبد الله بن الزبير : فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف . قال : فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال : يا ابن أخي كم على أخي من الدين فكتمه ؟ فقال : مائة ألف . فقال حكيم : والله ما أرى أموالكم تسع لهذه ؟ فقال له عبد الله : أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف . قال : ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي . قال : وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بألف ألف وست مائة ألف ثم قام فقال : من كان له على الزبير حق فليوافنا بالغابة ، فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربع مائة ألف ، فقال لعبد الله : إن شئتم تركتها لكم . قال عبد الله : لا . قال : فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم . فقال عبد الله : لا . قال : فاقطعوا لي قطعة . فقال عبد الله : لك من هاهنا إلى هاهنا . قال : فباع منها . فقضى دينه فأوفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف ، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة فقال له معاوية : كم قومت الغابة ؟ قال : كل سهم مائة ألف . قال : كم بقي ؟ قال : أربعة أسهم ونصف . قال المنذر بن الزبير : قد أخذت سهماً بمائة ألف . قال عمرو بن عثمان : قد أخذت سهماً بمائة ألف . وقال ابن زمعة : قد أخذت سهماً بمائة ألف . فقال معاوية : كم بقي ؟ فقال : سهم ونصف . قال : قد أخذته بخمسين ومائة ألف . قال : وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بست مائة ألف ، فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير : اقسم بيننا ميراثنا . قال : لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ، ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه . قال : فجعل كل سنة يُنادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ، قال : فكان للزبير أربع نسوة ورفع الثلث ، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف .
موقفه مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وتنبأ له عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمستقبل باهر لما رأى من رباطة جأشه وثبات قلبه ، واعتداده بنفسه ، فقد مرّ عمر بعبد الله رضي الله عنهما وهو يلعب مع رفاقه من الصبيان ، فأسرعوا يلوذون بالفرار هيبة لعمر وإجلالاً له ، في حين ثبت عبد الله بن الزبير ، ولزم مكانه ، فقال له عمر : مالك لم تفر معهم ؟ فقال عبد الله : لم أجرم فأخافك ، ولم يكن الطريق ضيقاً فأوسع لك .
موقفه مع أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها
وفي الساعات الأخيرة من حياة عبد الله رضي الله عنه جرى هذا الحوار بينه وبين أمه العظيمة ( أسماء بنت أبي بكر ) فقد ذهب إليها ووضع أمامها الصورة الدقيقة لموقفه ومصيره الذي ينتظره فقال لها : يا أمّه ، خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ، فلم يبقَ معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة ، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا ، فما رأيك ؟ فقالت له أمه : يا بني أنت أعلم بنفسك ، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق ، فاصبر عليه حتى تموت في سبيله ، ولا تمكّن من رقبتك غِلمَان بني أمية ، وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلبِئس العبد أنت ، أهلكت نفسك وأهلكت من قُتِلَ معك . قال عبد الله : هذا والله رأيي ، والذي قمتُ به داعياً يومي هذا ، ما ركنتُ إلى الدنيا ، ولا أحببت الحياة فيه ، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله ، ولكنّي أحببتُ أن أعلمُ رأيك ، فتزيد ينني قوّة وبصيرة مع بصيرتي ، فانظري يا أمّه فإنّي مقتول من يومي هذا ، لا يشتدّ جزعُكِ عليّ سلّمي لأمر الله ، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ، ولا عمل بفاحشة ، ولم يَجُرْ في حكم ، ولم يغدر في أمان ، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد ، ولم يبلغني عن عمالي فريضته بل أنكرته ، ولم يكن شيء آثر عندي من رضى ربّي اللهم ! إني لا أقول هذا تزكية منّي لنفسي ، أنت أعلم بي ، ولكنّي أقوله تعزية لأمّي لتسلو به عني . قالت أمه أسماء : إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسناً إن سبَقْتَني إلى الله أو سَبقْتُك ، اللهم ارحم طول قيامه في الليل ، وظمأه في الهواجر ، وبِرّه بأبيه وبي ، اللهم إني أسلمته لأمرك فيه ، ورضيت بما قضيت ، فأثِبْني في عبد الله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين . وتبادلا معاً عناق الوداع تحيته .
لقد كان عبد الله بن الزبير يرى أن ( يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ) آخر رجل يصلح لخلافة المسلمين إن كان يصلح على الإطلاق ، لقد كان ( يزيد (فاسداً في كل شيء ولم تكن له فضيلة واحدة تشفع له ، فكيف يُبايعه الزبير ، لقد قال كلمة الرفض قوية صادعة لمعاوية وهو حيّ ، وها هو يقولها ليزيد بعد أن أصبح خليفة ، وأرسل إلى ابن الزبير يتوعّده بشر مصير ، هنالك قال ابن الزبير : لا أبايع السَّكير أبداً . ثم أنشد :
ولا ألين لغير الحق أسأله ... حتى يلين لِضِرْس الماضِغ الحَجر
موقفه مع السيدة عائشة رضي الله عنها
يخبر الزهري من رواية معمر والأوزاعي عنه وهذا لفظ الأوزاعي عنه قال : أخبرني عوف بن الطفيل بن الحارث الأزدي وهو ابن أخي عائشة لأمها : أن عائشة بلغها أن عبد الله بن الزبير كان في دار لها باعتها فتسخط عبد الله بيع تلك الدار فقال : أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها أو لأحجرنّ عليها . قالت عائشة : أو قال ذلك . قالوا : قد كان ذلك . قالت : لله عليّ ألا أكلمه حتى يفرق بيني وبينه الموت .
فطالت هجرتها إياه فنقصه الله بذلك في أمره كله ، فاستشفع بكل أحد يرى أنه يثقل عليها فأبت أن تكلمه . فلما طال ذلك كلم المسور بن مخرمة عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أن يشملاه بأرديتهما ثم يستأذنا فإذا أذنت لهما قالا : كلنا حتى يدخلاه على عائشة ففعلا ذلك . فقالت : نعم كلكم فليدخل . ولا تشعر . فدخل معهما ابن الزبير فكشف الستر فاعتنقها وبكى وبكت عائشة بكاء كثيراً ، وناشدها ابن الزبير ( الله والرحم ) ونشدها مسور وعبد الرحمن ( بالله والرحم ) ، وذكرا لها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث " . فلما أكثروا عليها كلمته بعدما خشي ألا تكلمه . ثم بعثت إلى اليمن بمال فابتيع لها أربعون رقبة فأعتقتها . قال عوف : ثم سمعتها بعد تذكر نذرها ذلك فتبكي حتى تبل خمارها .
موقفه مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
عن عبد الله بن الزبير مع معاوية بن أبي سفيان في الحلم وحُسن العِشرة وطيب الأُخوة . إنه كان لعبد الله بن الزبير مزرعة بمكة بجوار مزرعة معاوية ، وكان عمال معاوية يدخلونها فكتب ابن الزبير لمعاوية خطاباً كتب فيه : ( من عبد الله بن الزبير ابن ذات النطاقين وابن حواري الرسول صلى الله عليه وسلم إلى معاوية بن هند بنت أكلة الأكباد : أن عمالك يدخلون مزرعتي فإن لم تنههم ليكونن بيني وبينك شأن والسلام ) .
فلما وصل الخطاب لمعاوية كتب له خطاباً ذكر فيه : ( من معاوية بن هند بنت أكلة الأكباد إلى ابن الزبير ابن ذات النطاقين وابن حواري الرسول صلى الله عليه وسلم : لو كانت الدنيا لي فسألتها لاعطيتكها ولكن إذا وصلك خطابي هذا فضُم مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك فهي لك والسلام ) ، فلما قرأها بلها بالدموع وركب من مكة إلى معاوية في الشام وقبّل رأسه وقال له : لا أعدمك الله عقلاً أنزلك هذه المنزلة .
مواقف من حياته مع التابعين
ولما تولى يزيد بن معاوية الخلافة سنة (60هـ = 679م ) حرص على أخذ البيعة من الأمصار الإسلامية ، فلبت نداءه وبايعته دون تردد ، في حين استعصت عليه بلاد الحجاز حيث يعيش أبناء الصحابة الذين امتنعوا عن مبايعة يزيد ، وكان في مقدمة الممتنعين الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير ، غير أن يزيد بن معاوية ألح في ضرورة أخذ البيعة منهما ، ولو جاء الأمر قسراً وقهراً لا اختياراً وطواعية ، ولم يجد ابن الزبير مفراً من مغادرة المدينة والتوجه إلى مكة ، والاحتماء ببيتها العتيق ، وسمى نفسه ( العائذ بالبيت ) وفشلت محاولات يزيد في إجباره على البيعة .
وبعد استشهاد الحسين بن علي في معركة كربلاء في العاشر من المحرم سنة (61هـ = 10من أكتوبر 680م ) التف الناس حول ابن الزبير وزاد أنصاره سخطاً على يزيد بن معاوية ، وحاول يزيد أن يضع حداً لامتناع ابن الزبير عن مبايعته ، فأرسل إليه جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة ، غير أنه توفي وهو في الطريق إلى مكة ، فتولى قيادة الجيش الحصين بن نمير ، وبلغ مكة في (26 من المحرم 64هـ ) ، وحاصر ابن الزبير أربعة وستين يوماً ، دارت خلالها مناوشات لم تحسم الأمر ، وفي أثناء هذا الصراع جاءت الأنباء بوفاة يزيد بن معاوية في (14من ربيع الأول سنة 64هـ = 13إبريل 685م ) ، فسادت الفوضى والاضطراب في صفوف جيش يزيد .
موقف ابن الزبير مع الحصين بن نمير
توقف القتال بين الفريقين ، وعرض الحصين بن نمير على ابن الزبير أن يُبايعه قائلاً له : إن يك هذا الرجل قد هلك - يزيد - ، فأنت أحق الناس بهذا الأمر ، هلم فلنبايعك ، ثم اخرج معي إلى الشام ، فإن الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم ، فو الله لا يختلف عليك اثنان . لكن ابن الزبير رفض هذا العرض ، الذي لو قبله لربما تم له الأمر دون معارضة ، لأن بني أمية اضطرب أمرهم بعد موت يزيد من معاوية ورفض ابنه معاوية بن يزيد تولي الأمر ، ثم لم يلبث أن توفي هو الآخر بعد أبيه مباشرة .
أعلن ابن الزبير نفسه خليفة للمسلمين عقب وفاة يزيد بن معاوية ، وبويع بالخلافة في ( 7من رجب 64هـ = 1 من مارس 648م ) ، ودخلت في طاعته ومبايعته الكوفة والبصرة ومصر ، وخراسان ، والشام معقل الأمويين ، ولم يبق سوى الأردن على ولائه لبني أمية بزعامة حسان بن بحدل الكلبي ، ولم يلق ابن الزبير تحدياً في بادئ الأمر ، فهو صحابي جليل ، تربى في بيت النبوة ، واشتهر بالتقوى والصلاح والزهد والورع ، والفصاحة والبيان والعلم والفضل ، وحين تلفت المسلمون حولهم لم يجدوا خيراً منه لتولي هذا المنصب الجليل .
موقف ابن الزبير مع مروان بن الحكم
بدأ ابن الزبير خلافته في مكة وهي على قداستها وعظمتها لم تكن تصلح عاصمة لدولة مترامية الأطراف ، وترك دمشق التي كانت تتوسط العالم الإسلامي وتمتلئ بالرجال والمال ، ثم أقدم على خطوة كان فيها حتفه ، حين أخرج معظم رجال بني أمية من المدينة ، وكان فيهم : مروان بن الحكم وابنه عبد الملك ، وهو ما أعطاهم الفرصة من التوجه إلى الشام ، وجمع شمل الأنصار والأعوان الذين حضروا من كل مكان ، وعقدوا مؤتمراً في الجابية ، وبايعوا مروان بن الحكم بالخلافة ، ولو أن ابن الزبير أبقى بني أمية في المدينة تحت نظره ومراقبته ، وكان في مقدوره أن يفعل ذلك ، لما تحققت هذه الخطوة الأولى التي كان لها شأن في انطلاق بني أمية لإعادة الخلافة لهم والقضاء على ابن الزبير .
استهل مروان بن الحكم أمره باستعادة الشام التي كان معظم أقاليمها قد بايع ابن الزبير بعد أن نجح في هزيمة أنصار ابن الزبير ، وقتل قائدهم الضحاك بن قيس في معركة مرج راهط في نهاية سنة (64هـ = 683م ) ، ثم أعقب ذلك بالاستيلاء على مصر سنة ( 65هـ = 684م ) وولى عليها ابنه عبد العزيز ، وزوده بالنصائح الهامة ، وقفل راجعاً إلى الشام ، ليواصل جهوده في الزحف نحو العراق .
وقبل أن نستطرد في تفاصيل الصراع بين ابن الزبير وخصومه يجدر بنا أن نذهب إلى ما ذهب إليه كبار الفقهاء من أن بيعة ابن الزبير كانت عن رضا وإجماع من المسلمين ، وترتب على ذلك أن أرسل ابن الزبير ولاته على الأمصار الإسلامية ، وأبدى المسلمون رضاهم عن هؤلاء الولاة ، في حين لم يبايع مروان سوى نفر قليل من أهل الشام ، فضلاً عن أن بيعة ابن الزبير كانت أسبق زمناً من بيعة مروان التي جاءت متأخرة عنها ، غير أن الرجلين تمسكا بالخلافة ، وإن كانت الشرعية في جانب ابن الزبير ، لكنها لم تكن لتحسم الأمر وحدها ، بل كان للسياسية والدهاء واصطناع الرجال دور لا ينكر في حسم الصراع وهذا ما كان .
موقف ابن الزبير مع عبد الملك بن مروان
توفي مروان بن الحكم وخلفه ابنه عبد الملك بن مروان سنة ( 65هـ = 684م ) ، وكانت الشام ومصر تحت سلطانه ، على حين بقيت الحجاز والعراق تحت سيطرة ابن الزبير، وفي أثناء ذلك ظهرت دعوة المختار ابن أبي عبيد الثقفي ، التي اجتذبت الشيعة ، وانضموا تحت لوائه ، وازداد نفوذه بالعراق بعد أن هزم جيشاً أرسله عبد الملك بن مروان بقيادة عبيد الله بن زياد في معركة الخازر سنة ( 67هـ = 686م ) وبعد تلك الهزيمة توقف عبد الملك بن مروان مؤقتاً عن فكرة استعادة العراق ، لعلمه أن عبد الله بن الزبير لن يترك المختار الثقفي يستبد بالعراق ، وأن الصدام بينهما آتٍ لا مفر منه ، فآثر الانتظار حتى يفرغ أحد الطرفين من الآخر ، فيقابله وهو منهوك القوى فيضمن لنفسه الظفر والفوز ، وهذا ما كان ، فاصطدم مصعب بن الزبير بالمختار الثقفي وقضى على حركته سنة ( 67هـ = 686م ) ، واستعاد نفوذ أخيه في العراق .
عزم عبد الملك بن مروان على استعادة العراق التابعة لدولة ابن الزبير ، فخرج إليها بنفسه سنة (71هـ =690م ) بعد أن اطمأن إلى تثبيت أركان دولته وتوطيد حكمه ، وأعد جيشاً عظيماً لهذا اللقاء الفاصل ، وحين علم مصعب بن الزبير والي العراق بهذه التحركات استعد لمواجهة عبد الملك بن مروان ، وقبل اللقاء الفاصل أخذ عبد الملك يكاتب زعماء أهل العراق ويعدهم ويمنيهم بالمال ، فاستجابوا له وانضموا إليه وتخلوا عن مصعب في أدق المواقف وأصعبها ، فانهزم في المعركة التي دارت بين الفريقين عند دير الجاثليق في ( جمادى الآخرة 72هـ = نوفمبر 691م ) ، وقتل في هذا اللقاء بعد أن بذل ما يمكنه من الشجاعة والبسالة ، وبعد انتهاء المعركة دخل عبد الملك الكوفة وبايعه أهلها ، ودخلت العراق تحت سيطرته وعين أخاه بشراً والياً عليها .
كان ضياع العراق من يد عبد الله بن الزبير أكبر كارثة حلت به ، في الوقت الذي قوي فيه خصمه بانضمام العراق تحت ملكه وسلطانه الذي أصبح يضم معظم أقطار العالم الإسلامي ، وانحصرت دولة ابن الزبير في الحجاز . لم يضيع عبد الملك بن مروان الوقت في الانتظار بعد انتصاره على مصعب بن الزبير ، فأعدّ حملة عسكرية في عشرين ألف جندي ، بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي ، ووجهها إلى الحجاز للقضاء على ابن الزبير المعتصم بمكة الذي لم يكن بمقدوره الصمود بعد أن فقد معظم دولته ، ولم يبق له سوى الحجاز ، ولم تكن بطبيعة الحال غنية بالمال والرجال ، لكنه لم يسلم الراية ، ولم يستسلم مهما كلفه الأمر ، فطبيعته وخلقه يأبيان ذلك .
توجه الحجاج إلى الحجاز ، ونزل الطائف ، وأخذ يرسل بعض جنوده لقتال ابن الزبير ، فدارت بينهما عدة اشتباكات كانت نتيجتها في صالح الحجاج ، ثم تقدم إلى محاصرة عبد الله بن الزبير ونصب المنجنيق على جبل أبي قيس ، فلما أهلّ ذو الحجة لم يستطع ابن الزبير أن يحج ، وحج بالناس عبد الله بن عمر ، وطلب من الحجاج أن يكف عن ضرب الكعبة بالمنجنيق ؛ لأن الناس قد امتنعوا عن الطواف فامتثل الحجاج ، وبعد الفراغ من طواف الفريضة عاود الحجاج الضرب ، وتشدد في حصار ابن الزبير حتى تحرج موقفه ، وانصرف عنه رجاله ومنهم ابناه ( حمزة وخبيب ) اللذان ذهبا إلى الحجاج وأخذا منه الأمان لنفسيهما .
فلما رأى عبد الله بن الزبير ذلك دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر حزيناً يشكو إليها ما هو فيه من هم وحزن ، فشدت من أزره ، وأوصته بالصبر والثبات وعدم التراجع ما دام على الحق ، فخرج من عندها وذهب إلى القتال ، فاستشهد في المعركة في ( 17 من جمادى الأولى 73هـ = 4 من أكتوبر 692م ) ، وبوفاته انتهت دولته التي استمرت نحو تسع سنين .
بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم
يروي عروة عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه حدثه أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل ، فقال الأنصاري : سرح الماء يمر فأبى عليه ، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير : أسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك . فغضب الأنصاري فقال : أن كان ابن عمتك . فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر . فقال الزبير : والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم " .
ـ وعن سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت قال سمعت ابن الزبير يخطب يقول : قال محمد صلى الله عليه وسلم : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة .
ـ عن أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عباس بن سهل بن سعد قال : سمعت ابن الزبير على المنبر بمكة في خطبته يقول : يا أيها الناس إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : لو أن ابن آدم أعطي وادياً ملئا من ذهب أحب إليه ثانياً ، ولو أعطي ثانياً أحب إليه ثالثاً ، ولا يسد جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب .
ما قيل عنه
ـ قال عمر بن عبد العزيز يوماً لابن أبي مُلَيْكة : صِفْ لنا عبد الله بن الزبير . قال : والله ، ما رأيت نفساً رُكّبت بين جَنْبين مثل نفسه ، ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليه ، وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله ، لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جداراً أو ثوباً مطروح ، ولقد مرَّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يُصلي ، فو الله ما أحسَّ بها ولا اهتزّ له ، ولا قطع من أجلها قراءته ولا تعجل ركوعه .
ـ وسئل عنه ابن عباس فقال على الرغم ما بينهم من خلاف : كان قارئاً لكتاب الله ، مُتَّبِعاً سنة رسوله ، قانتاً لله ، صائماً في الهواجر من مخافة الله ، ابن حواريّ رسول الله ، وأمه أسماء بنت الصديق ، وخالته عائشة زوجة رسول الله ، فلا يجهل حقه إلا من أعماه الله .
ـ كان عبد الله بن الزبير من العلماء المجتهدين ، وما كان أحد أعلم بالمناسك منه ، وقال عنه عثمان بن طلحة : كان عبد الله بن الزبير لا يُنازَعُ في ثلاثة : شجاعة ، ولا عبادة ، ولا بلاغة . وقد تكلّم عبد الله بن الزبير يوماً والزبير يسمع فقال له : أي بُنيّ ! ما زلتُ تكلّم بكلام أبي بكر رضي الله عنه حتى ظننتُ أنّ أبا بكر قائمٌ ، فانظُر إلى منْ تزوّج فإنّ المرأة من أخيها من أبيها . وأول من كسا الكعبة بالديباج هو :عبد الله بن الزبير ، وإن كان ليُطيِّبُها حتى يجد ريحها مَنْ دخل الحرم .
ـ قال عمر بن قيس : كان لابن الزبير مئة غلام ، يتكلّم كلّ غلام منهم بلغة أخرى ، وكان الزبير يكلّم كلَّ واحد منهم بلغته ، وكنت إذا نظرتُ إليه في أمر دنياه قلت : هذا رجلٌ لم يُرِد الله طرفةَ عين ، وإذا نظرتُ إليه في أمر آخرته قلت : هذا رجلٌ لم يُرِد الدنيا طرفة عين .
ـ وفي البخاري ، عن ابن عباس أنه وصف ابن الزبير ، فقال : عفيف الإسلام ، قارئ القرآن ، أبوه حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمه بنت الصديق ، وجدته صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعمة أبيه خديجة بنت خويلد . وقال ابن أبي خيثمة : حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا الزنجي بن خالد ، عن عمرو بن دينار قال : ما رأيت مصلياً أحسن صلاة من ابن الزبير .
ـ أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : ما رأيت أحداً أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير .
ـ قال مصعب بن عبد الله وغيره : كان يُقال لابن الزبير : عائذ بيت الله .
وفاته
توجّه الحجاج بعد مقتل مصعب على رأس جيش كبير من عشرين ألف من جند الشام إلى الحجاز وضرب حصاراً على مكة . فأصاب أهل مكة مجاعة كبيرة .
وراح عبد الله بن الزبير يسأل أمه أسماء بنت أبي بكر ماذا يفعل وقد تخلّى عنه الناس ؟ فقالت له : إن كنت على حق فامضِ لشأنك لا تمكّن غلمان بني أميّة . وإن كنتَ إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك ومن معك .. القتل أحسن . فقال : يا أمتِ .. إني أخاف إن قتلوني أن يمثلوا بي . قالت : إنّ الشاة لا يضرُّها سلخها بعد ذبحها .
أمضى عبد الله بن الزبير ليلته الأخيرة يصلّي ، وقال لمن حوله : صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم . ثم قال : احملوا على بركة الله . فحملوا وحمل معهم حتى بلغ معهم الحجون فرمى بآجرّة في وجهه فأرعش ودَمِيَ ، فلما وجد سخونة الدم ، قال :
لسنا على الأعقاب تدمي كُلومُنا ... ولكن على أقدامنا نقطرُ الدما
فحملوا عليه حتى هوى ميتاً . ووصل الخبر إلى الحجاج فسجد شكر !!! وأمر باجتزاز رأسه ، وأرسله إلى عبد الملك .
وكان عمر بن الزبير يوم استشهاده72 سنة ، وقد دامت خلافته نحو تسع سنين .
وقيل : إن الجثة ظلّت مصلوبة حتى مرّ بها عبد الله بن عمر ، فقال : رحمة الله عليك يا أبا خبيب . أما والله لقد كنت صوّاماً قوّاماً . ثم قال : أما آن لهذا الراكب أن ينزل ؟ فبعث الحجاج ، فأنزلت الجثة ودفن .
ـ قال جويرية بن أسماء : عن جدته : أن أسماء بنت أبي بكر غسلت ابن الزبير بعدما تقطعت أوصاله ، وجاء الإذن من عبد الملك بن مروان عندما أبى الحجاج أن يأذن لها ، فحنطته ، وكفنته ، وصلت عليه ، وجعلت فيه شيئا حين رأته يتفسخ إذا مسته .
وقال مصعب بن عبد الله : حملته أمه فدفنته بالمدينة في دار صفية أم المؤمنين ، ثم زيدت دار صفية في المسجد ، فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم - يعني بقربه - .
المراجع
الإصابة في تمييز الصحابة - أسد الغابة - البداية والنهاية - موقع الصحابة - سير أعلام النبلاء - صحيح مسلم بشرح النووي - سنن النسائي