شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : البناء في جدة القديمة


م.أديب الحبشي
01-24-2011, 09:56 AM
البناء في جدة القديمة

‏تعتبر قصة العمارة في مدينة "جدة القديمة" ملحمة جمالية خالدة ذات عناصر متميزة ودلالات حاضرة عن مدى عراقة هذا المجتمع وما يتمتع به أبناؤه من براعة الصنعة وحس ذوقي رفيع . . كما مثلت جاه موطناً من مواطن الثراء الفني لأعمال الزخرفة والأساليب الفنية للخشب بالحجاز. ويمثل الشكل المعماري لمدينة جدة القديمة محصلة لتراث معماري عريق . .

‏ولئن روى بعض المؤرخين قديماً أن بدايات جدة كانت مجرد قرية لصيادين تضم أكواخاً مبنية من جذوع الأشجار وأسقفها من سعف النخيل - وهكذا تكون بدايات المدن على السواحل عموما - غير أن جدة التي عشناها في طفولتنا ومطلع شبابنا ما بين حواريها الأربع قد تكون ملامح لوحتها عبر مات السنين بريشة أبناؤها الخلص . . فارتبطت عمارتها ببيتها وحركة الواقع والإمكانات والتقاليد المحلية . .

‏وفى وصفه لها في رحلته الحجازية عام 1327هـ ذكر محمد لبيب البتنوني . . أن جدة تبدوا للقادم من البحر على مسافة ساعتين بيضاء ناصعة . وفى جنوبها قرية صغيره تسمى النزلة كلها أكواخ ويسكنها البداة الأعراب . كما تقع قرب المدينة جزيرتان : جزيرة "سعد" وجزيرة "سعيد" ويقع فيهما الحجر الصحي لثغر الحجاز . . كما وصف مساكن جدة بأنها أشبه بمساكن مصر في عهد المماليك تحتوى على غرف كبيرة واسعة ذات سقوف عالية ولها شبابيك طويلة وعريضة على شكل المشربيات تسمى "الرواشين".

‏أما الرحالة اللبناني الأمير/ شكيب ارسلان ، فقد زار جدة عام 1348هـ وجاء في كتابه ( الإرتسامات اللطاف في خاطر الحج إلى أقدس المطاف ) وصف دقيق للشكل الهندسي العمراني لمباني جدة ومساكنها وما مر بها عبر العصور. .

‏فذكر المهندس محمد سعيد فارسي " أمين مدينة جدة السابق" بأن التراث المعماري لمدينة جدة قد تأثر من قبل حضارتين مجاورتين هما : إمبراطورية الفرس الساسانيين التي تعود إليها الفضل في تكون المخطط المنسق للمنطقة التاريخية ، ونظم تخزين المياه والآبار. . والحضارة الثانية إمبراطورية العثمانيين الأتراك . .

فبيوت جدة داخل السور وحتى السبعينات من القرن الرابع عشر الهجري نجدها متراصة في أغلبها بحيث يركز بعضها بعضاً ويظلل بعضها بعضاً للتخفيف من حرارة الشمس ، فتخطيط المدينة القديم يتمشى مع حاجة السكان والظروف الجغرافية والمناخية من حرارة أو برودة أو أشعة الشمس الحارقة . .

الأمر الذي تتقارب معه المساكن وتضيق الطرقات لتوفير مناطق مظللة ، وتجديد حركة الهواء ، وهي متعددة الطوابق وأعلاها لا يتجاوز خمس طوابق كما سجلت ذلك أيضا كافة كتب المؤرخين والزوار . . وتختلف واجهاتها التي يغلب عليها واجهة واحدة أو واجهتين والقليل منها أكثر من واجهتين ، وتحدد الواجهات حجم وعدد الرواشين بكل بيت . . والمعروف أن الشبابيك تعتبر منفذاً للهواء والتنفس والفرجة والمراقبة . وكان السكان يضعون فيها شراب الماء ( قلل ) على قاعدة خشبية مخصصة تسمى "المرفع" والبعض يضع فيها مراكن "أصص" من الفخار أو التوتوه وبها شيء من الزرع والورد البلدي لينعش المجلس .

وكلما كانت الرواشين أكبر بورزا كلما تخللها أكبر قدر من الهواء . . وأذكر أنني حينا كنت طفلاً كنت أقضي أجمل الأوقات مستمتعاً بالنظر من الشيش لمشاهدة ما يدور في الشارع كما أتذكر أننا كنا حينما تشتد حرارة الجو نقوم بتبليل الشراشف بالماء وننشرها في الشبابيك لتلطيف الهواء من خلالها .


ويحدد المهندس / محمد سعيد فارسي ، أمين بلدية جدة السابق في رسالة الدكتوراه التي قدمها عن جدة عناصر البناء المستخدمة في بيوت جدة القديمة ‏ومصادرها . فيذكر : أن أحجار البناء كانت عادة من حجر الكاشور، وهو الحجر المنقبي "الحجر الجيري المرجاني" الذي كان يستخرج من الرصيف الصخري المرجاني الضحل لساحل البحر الأحمر في موقعين هما : شمال بحر الأربعين "النقبة" وعند شاطئ الرويس "حي الرويس حالياً" حيث كانت الملاحات لاستخراج ملح الطعام .

‏كما يذكر المهندس الفارسي أن بديل الأسمنت كان الطين الأسود اللزج المستخرج من قاع بحر الأربعين "بحر الطين" كما كان يستخرج أيضا نوع قوي من الحجر الرفادي يعرف بالحجر البحري وكان يستخدم في بناء البديل . .

‏أما الأخشاب فكانت من أخشاب شجر "الدوم" التي كانت تود من الطائف و "العرعر" من عسير و "أخشاب النخيل والزان والجاوى وغيرها التي استخدمت في أعمال الشبابيك والأبواب واللوحات الزخرفية والتأسيسية والمناور" أو من شجر "القندل" أو خشب "التيل" وهي من الأخشاب التي ترد مع سفن الحجاج والبضائع القادمة من جنوب شرق آسيا وتستخدم هذه الأخشاب عادة وخاصة الأخير منها في التسقيف سواءً كألواح أو عوارض ، كذلك في صناعة الرواشين والنوافذ وبعض الأثاث الداخلي مثل صناديق "السيسم" أو "السحارات" أو "الركالة".

‏وعن مبادئ العمارة لبيوت جدة القديمة يؤكد المهندس الفارسي بأنها كانت تماثل المبادئ العصرية وأسسها النظرية رغم فارق الإمكانات.

‏فالبيت كان يقوم على أساس إنشائي سليم حيث كان يقوم في أوله من المركز ببناء حائطين متقابلين يترك بينهما فراغ يملأ بالأحجار والطين أسلوب بناء سور جدة وكان هذان الحائطان يعرفان بـ ( فحل الدرج ) وعلى الفحل بقية ‏حوائط البيت التي تبنى من الحجر المنقبي والطين وكسر الحجر الصغير ( الحشو) .

‏وكانت الحوائط تبنى على مراحل . أو بتر بارتفاع حوالي متر واحد يفصلها أو يدعمها ويقويها هيكل متصل من الخشب يتم به ضبط المناسيب الأفقية والرأسية للحوائط والواجهات حتى لا تميل مع الارتفاع وهو أسلوب يتفق مع الأساس النظري للمباني العصرية التي تبنى فيها أولاً نواة من الخرسانة المسلحة تستخدم كبئر للمصعد ويرتبط به هيكل مترابط من الكرات الصلب بهيئة العمود الفقري والضلوع إذ يمثل بئر السلم العمود الفقري للإنسان فيما يمثل الحوائط والكرات التي تشكل وتربط باقي البيت ضلوع القفص الصدري . .

‏وحتى تخف الأحمال على هذا العمود الفقري كانت واجهات المباني في معظمها تترك مفتوحة دون بناء فيها ثم تغطى بنوافذ خشبية عريضة وكبيرة أو رواشين .

‏على أن الإبداع الفني في جدة لم يقتصر على جانب هندسة البناء والتخطيط المدني وإنما ارتفع إلى جانب الحس الفني المتمثل في التصاميم الفنية البديعة لواجهات البيوت والنقوش المستوحاة من فنون الخط العربي وفروع النباتات والتشكيلات المثلثية والمربعات المتداخلة المعروفة في المساجد والقصور والدور الكبيرة في أنحاء العالم العربي والإسلامي القدم في الشام ومصر وتونس والمغرب وتركيا وبخارى والهند وسمرقند وتركستان وغيرها من الولايات الإسلامية في جنوب ووسيا .


وكانت هذه النقوش تظهر أكثر في واجهات الدور وفوق أبوابها ومداخلها بالجبس والجير وفي أبوابها وفتحات "ملاقف الهواء" وفي رواشينها من الخشب ‏المشغول والمنحوت وفي صوالين الضيوف في الديوان والمجلس في الحوائط والأسقف وفي النوافذ الخشبية العريضة والعالية حفراً على الخشب وتنسيقا فنياً بديعاً لأطره . . كما تجد هذه اللمسات في حوائط الأسطح من الخارج سواءً الخشبي منها أو الجبسي .

‏وقد قال زائر إنجليزي لجدة قبل قرابة قرن من الزمان في وصفه لمباني جده : لقد كان الفن ليس مجرد زينة يتفاخر بها الأغنياء ، ولكنه عصب حياة ، وعنصر هام لا غنى عنه في نسيجها الإنساني وبائها الحضاري .

‏ولا شك أن ظواهر هذا الفن الباقية في بيوتها والمتصلة في حاضرها ، الممتدة إلى مظلات مستقبلها لدليل عميق الجذور على حقيقة هذه الملاحظة.

‏وحول مراحل تشييد المباني بجده فان العمل يبدأ أولاً بمد الخيوط وحفر الأساسات ودكها بالحجر ثم يبدأ البناء حتى يبلغ السقف فيضع العيدان . . ثم يسلم السقف للنجارين فيسقفونه بالجريد وسعف الخيل المشغول ثم بالتراب المبلل ، ثم التراب الجاف ، ثم النوره بدل البلاط ، ويكتفي غير المقتدرين بفرش التراب ويوضع فوقه "الخسف" . . أما السلالم فتبدأ بـ "فحل السلم" وهو جدار قوي وسميك يبدأ من أساس البيت حتى آخر دور وتربط به بشكل دائري عيدان السلم فيكون هو الذي يحمل الدرج ، وكلما ارتفع البيت كلما قلت سماكة الجدار .

‏وتوجد بعض البيوت المبنية على نظام أكثر حداثة وأخذت من نظام البناء التركي- فالسلالم مثلاً "نظام السلامليك" أي ما يعرف ( قلبة الدرج ) مثل بيت "جوخدار" وبيت "نصيف" . . بينما النظام الشائع يسمى ( المنائرى ) اى ما يشبه ‏طريقة بناء منائر المساجد الدرج الدائري حول عود ثابت من الحجر.

‏والطريف أنهم كانوا يبنون البيت بدون درج حتى يكتمل البناء ثم يشرعون في بناء السلام إثباتاً لمقدرتهم الفائقة . وكانت البيوت القديمة تعمر مئات السنين . .

‏وفى سلم الدرج وعند كل طابق توجد ‏( البسطه ) وهى مساحة عريضة ولها باب كبير ‏يفصل بين الطابقين . . وعادة يوجد بها شباك صغير لتسريب الضوء والهواء . وقد جرت العادة أن توضع في الشباك مساءاً ( اللمبه التنك ) ، أي الصفيح التي تعبأ بالغاز وتركب بها فتيلة بحيث يصبح الجزء الرئيسي منها مسقى بالغاز وتوصل بعجله من الصفيح لخفض الضوء أو زيادته . ويعبأ الغاز بـ "المحقن" وهو أداة القياس لضبط وبيع السوائل – آنذاك – .

‏ولعلي أذكر واحداً من أجمل بيوت جدة القديمة والذي كنت أتمنى لو تمت المحافظة عليه وكان يسمى بيت "فرنسا" قرب مسجد الباشا بحارة الشام ، وكان مقراً للسفارة الفرنسية - ولم أشاهد بيتا آخر سواه مبني ( بالحجر الكحلي ) في جدة القديمة كما كانت له أروقه وبلكونات بديعة . .
‏وكان المعلم ويطلقون عليه "اليابا" - وهي كلمة تطلق عادة على معلمي بعض الحرف كان لا يعمل بموجب خريطة بل عادة ما يخطط على الأرض كما كانت المقاييس تتم بالذراع وهو يعادل حوالى ( 73سم ) . .

‏وكان من أشهر معلمي البناء بجده المشايخ . . خليل عليمي ،عبد الوهاب نعمة الله ، حسن دخنه ، سالم بقسماطى ، جميل عبده ، جميل شعراوي ،عبد الوهاب شعراوي ، أحمد تكروني ، وأخيراً عيسى عبد العاطي . . علماً بان الشيخ / محمد سعيد نعمة الله كان كبير معلمي البناء في منتصف القرن الرابع عثر . .


كذلك برز في مجال البناء القديم واكتسب شهرة واسعة المعلم الشيخ / صدقه محمد كركشان الذي ورث الهنة عن والده . . ومن أواخر أعماله ترميم بيت نصيف والعديد من البيوت الكبيرة ، وكانت أمانة بلدية جدة قد ‏استعانت به في عهد المهندس / محمد سعيد فارسي لتحديد مواقع أبواب جدة وحدود سورها وبعض المعالم القديمة .

‏هذا وكان والده المعلم محمد عبد القادر من قبله من الشهود لهم في مجال الصنعة ، كما كان من أصحاب المناقب الحجرية . . وقد عمل أيضاً من هذه العائلة في أعمال البناء وما يتصل بها المعلمين أحمد و محضار كركشان .

‏وبيت الكركشان من بيوت جدة التي أنجبت العديد من الدكاترة والمهندسين والأساتذة ذوي السمعة الحسنة . . ويقال بأن هذه العائلة يعود إلى بيت " عبد الفتاح " المعروفين بالعلم والتجارة ، وأن لقب كركشان دلالة تركية تشير إلى روعة النقش وحفر الحجر المنقبي وقد أطلق على المعلم الشيخ / محمد عبد القادر عبد الفتاح . . وقد كان سائدا أن تطلق بعض الألقاب على أشخاص في الحارة أو بحكم الصنعة فتلازمهم وتخرج فرعاً من أصل تحت اسم مختلف .

‏أما الآلات التي كانت مستخدمه فهي ( المسحه والعتلة ) لقص الحجارة وتكسيرها بـ ( القدوم والكريك ) و ( الشاحوطه ) وهي قطعة حديدية تزن حوالي أربعة كيلوغرام مسنونة من الجانبين ويعمل بها "القراري" ( القدة ) أيضاً في القياس وهي فرع من الذراع مقدارها (18) قيراط . .

‏وتستخدم في الترميم الخارجي والطلاء ( الرحمانية ) أو ( السقالة ) وهي قاعدة خشبية تدلى من السطح بحبال متينة مثبتة في السطح أيضاً ينزل عليها البناء أو الدهان الذي يدهن الواجهات . أما مادة الدهان فكانت ( النورة ) وكانت تستخدم مكانس الخسف كبديل للفرشاه . .

‏هذا وكان التكافل الإجتماعي سمه من سمات المجمع الجداوي . فمن اراد بناء بيت وليست لديه أرض يسمح له أحد أقاربه أو مقربيه بالبناء على أرضه . ومن ثم تحكر الأرض مقابل أجر رمزي سنوي - وكان البعض يسمح لقريبه أو صديقه بالبناء فوق داره التي يسكنها - وبالتالي يدخل البناء في قسمة القراريط .

م.أديب الحبشي
01-24-2011, 11:07 AM
الحجر المنقبي

هو حجر بحري يقاوم التآكل ويتسم بشدة صلابته . . كما أنه حجر يتنفس ‏به أخرام ( فتحات ) داخلية تبرد الهواء وتسمح به للتسلسل إلى داخل البيت . . وكان الحجر يستخرج من "مناقب" خاصة في جهة الرويس والبغدادية أي خارج السور- ومن أشهر أصحاب المناقب الذي كان الموقع يسمى بأسمائهم : صدقه و محضار كركشان ، وبادكوك . . غير أن موقع المنقبة في الأساس "مشاع" لا تعود ملكيته لأحد فإذا ما انتهى الحجر من منقبة في موقع محدد يتم انتقال المنقبون إلى موقع آخر .
‏وكانت الحجارة تقص في المنقبة ‏كقطع كبيرة نسبياً وتحمل كل اثنين أو ثلاث منها على حمار ينقلها إلى موقع البناء فيتسلمها "القراري" - الذين يعملون على قصها تحت إشراف المعلم الذي يحدد لهم مقاسات القطعة المطلوبة.



يتبع

م.أديب الحبشي
01-24-2011, 11:10 AM
‏التكليلة

وهى عبارة عن خشب يجري رصه فوق كل بضع وصات من الحجر . وهكذا إلى آخر البيت . . بحيث يتكئ عليها البيت فيستريح عليها عد ميلانه . . ويقول أهل الصنعة عن هذه الحالة بأن "البيت ريح" .

‏وللتكليلة ميزتها بإعتبارها من أسوار تعمير جده القديمة لمات السنين ‏فعندما يحتاج جدار البيت إلى الصيانة يتم تعليق باقي الجدار على الخشب من التكليلة ، ويقتلع البناء الخرب ويستبدل ببناء أحدث. وأيضا إذا كان الخراب بالسقف يتم سحب عيدانه وتبديلها. .

والتكليله تربط البيت ببعضه فهي عادة تدور متصلة بالبيت كله . وبافتراض أن الخراب في الدور الأرضي فإن باقي البيت يرفع على أخشاب صلبة "قدد" توضع تحت التكليلة التي تعلو هذا الجزء ويثبت على الأرض بوضع مائل على قاعدة حجرية ويستبدل ببناء أحدث تماماً.



يتبع

م.أديب الحبشي
01-24-2011, 11:45 AM
تقسيمات البيوت القديمة

أما التقسيمات الداخلية حسب استخداماتها وبصرف النظر عن اختلاف ‏مساحاتها فهي في الغالب الأعم كالتالي :

الباب الرئيسي ويسمى " باب الزقاق" ويدلف منه إلى ( الدهليز) الذي يعتبر ‏الباحة الأولية للبيت . . وتضم بعضها ( خزانه ) لحفظ بعض الخصوصيات كما تضم بعض الدهاليز (صهريج) لحفظ الماء ، وبعضها به ديوان أو مقعد أو مقعدين بأبواب مستقلة من داخل الدهليز ، وهي تطل برواشينها أو الشبابيك على الشارع أو الزقاق ، ولها دكاك للجلوس عليها ورؤية الشارع- ولكل مقعد بداخله بيت الماء ( حمام).

ويستخدم الدور الأرضي عادة لاستقبال الزوار والرجال وهو يتكون عادة من "المجلس" و ( الصفه ) وكذا تفصيل الأدوار العلوية ويضم كل طابق "بيت الماء"0- ¬أي الحمام - وكثيراً ما تسكن أكثر من عائلة في البيت الواحد كما يضم كل طابق خزانة تحفظ بها بعض الاحتياجات مثل السجاجيد وفرش النوم وخلافها وتوجد "حنية" عادة في السلم لحفظ الأغراض القديمة الكراكب" ويوجد "باب ‏الدرج بين الطابقين وفي الطابق العلوي "الدغيسي" ويستخدم لخزن الفحم . .

أما غرف الجلوس والمعيشة فعادة ما تكون في الجهة الشمالية أو البحرية لأن الهواء في جدة يبدأ صباحاً من الجهة البحرية ثم يتحول بعد الظهر إلى الشمال عبر "الطيق" و "الرواشين" وعادة ما يكون بجانب الروشان "الخورنق" الذي توضع به المراوح اليدوية .

و "المؤخر" عبارة عن غرفة أصغر من المجلس "وتفرش بها الجرارات ( المراتب ) وتوضع بها أدوات الشاي "الجزة" وهي عبارة عن "تخت" مزين له أدراج لحفظ ملاعق الشاي ومستلزماته وهى تصنع محلياً . وكذا "السماور" الذي يوضع بداخله الماء وتوجد في وسطه مدخنه يوضع بها الجمر حتى يغلي الماء وله صنبور لسحب الماء . .

‏أما "الصُفَّة" فهي عبارة عن غرفة صغيرة بين "المجلس" و "المؤخر" وهي أقل أثاثاً وتوضع بها بعض الاحتياجات الخاصة مثل صناديق "السيسم" ويقابلها "بيت الماء" وفي أعلى البيت يوجد السطح وبعضها مقسم لعدة أسطح ، وعادة ما تنشر به الملابس بعد غسلها . . ويعرف عن أهالي جدة أن العائلة بأكملها تنام بأسطح المنازل . . كما توجد الطيرمه وهي موقع أعلى من السطح . وبطبيعة الحال فقد كان ملحقاً بكل طابق "مركب" أي مطبخ لطهوا الطعام الذي عادة ما يجهز بالفحم و "كوانين النار" أي الأقداح متفاوتة الحجم التي يشعل بها الفحم أو شيء من الحطب وكذا القوارير لزوم الغاز السائل . . كما كانت توجد أرفف خشبية توضع عليها "القدور" أي الحلل النحاس و "الصحون" أي الأطباق وهي من "التوتوه" كما توضع عليها الصاجات لزوم القلي . .

‏وفي مرحلة لاحقة تطور الأمر بدخول "دافور الغاز" أي وابور الغاز ، كما ‏بدأت تدخل النملية وهي عبارة عن دولاب من الخشب بداخله أرفف وواجهته من الشبك الرقيق الدقيق لحفظ الأواني .

هذا وقبل دخول الموبيليا إلى جدة كانت المجالس تفرش بـ "الكرويت" الخشب الذي يتم خرطه بأشكال جمالية ويرص في المجلس بجانب الرواشين وتفرش عليه الجرارات أي الليانات والمساند "الوسادات" ذات الرؤوس المفصلة المزينة من قماش رقيق يسمى "التنتن" وهذه الرؤوس يتم غسلها عد الحاجة ، وعلى حافة الليانة توضع قطعة قماش بنفس اللون ولها في أسفلها "دندش" للزينة . . أما حشو مقاعد "الكرويت" و "المساند" فعادة ما يكون من "الطرف" أو "القطن" وكلاهما من المزروعات . . والجدير بالذكر أن بعض البيوت الكبيرة بها "حمامات بخارية تركية" وهي نوع من الترف لشحة الماء آنذاك ومن هذه البيوت : بيت نصيف الذي بني عام 1295هـ، وبيت باناجه ، وبيت الجوخدار ، وغيرها من البيوت المحدودة العدد .

‏والواقع أن المجلس في كل بيت كان يصهر كافة أفراد الأسرة في بوتقة واحده حيث تتجمع الأسرة في براءة وعفوية تتجاذب أطراف الحديث العائلي . . وفى ركن آمن من المجلس تنصب "شيشة" الوالد يرحمه الله . فأين نحن من هذه الصورة الجميلة بينما نجد اليوم غالبية أفراد الأسرة الواحدة يقبع كل منهم في غرفته الخاصة ، أو مسمراً نطره ومركزاً فكره أمام شاشة التلفاز .

‏هذا وأذكر أن هطول الأمطار على مدينة جدة القديمة كان يعني استنفاراً في شوارعها وأزقتها التي تتجمع فيها المياه والأوحال . . أما في البيوت فيتم سد الفتحات بقطع من القماش لمنع تسرب المياه ووضع الأوعية النحاسية والتوتوه أسفل الفتحات التي تتسرب منها المياه ويشارك في هذه المهمة كافة أفراد العائلة ‏. . وقد اشتهرت أكلة "الرز والعدس" و "الحوت الناشف" مع سلطة الحمر" في بيوت جدة بمناسبة هطول الإمطار . .
‏أما الانتقال من بيت لآخر فكان حدثاً سرعان ما يعرف وينتشر خبره . كما أن إقامة أي أجنبي في حارة من الحواري محط نطر كل ساكنيها .



يتبع

م.أديب الحبشي
01-24-2011, 11:59 AM
شارع الذهب

‏ويسمى أيضا "الشارع الجديد" كونه أول شارع أخترق المدينة القديمة من جنوبها إلى شمالها حيث تم إزالة الكثير من المعالم من بينها من أجمل الدور والمساجد والمرافق والقصبات والأسواق القديمة التي مثلت إزالتها خسارة لا تقدر بثمن . . وكان يقع في أوله ( قصر المشاط ) في نفس موقع عمارة الحفني حالياً في أول الشارع جنوباً . .

‏ورغم حسن النوايا والرغبة في التحديث وحل مشكلة الاختناقات المرورية . إلا أن قلة الخبرة في السبعينات من القرن الماضي الرابع عشر الهجري لم تسعف القائمين على مشروع الشارع من التفكير في الجانب التراثي كقيمة تاريخية وحضارية لا تعوض . وبالتالي فان دراسة المشروع لم تكن في تقديري متكاملة بما يكفي .

‏وسمي بشارع الذهب وقد عايشنا ذلك نتيجة ظهور كميات كبيرة من الجنيهات الذهبية أثناء عملية الهدم حتى أنها كانت تتساقط ضمن حمولة "الشيول" . . غير أنه حدث بعض اللغط حول حقيقة البيت الذي انهمر منه ‏الذهب . . نظراً لأن "التراكتور" كان يجرف الردم ويحملها "الشيول" لردم البحر القريب من منطقة وزارة الخارجية . . ولعل أرجح الروايات التي يرويها ‏بعض معلمي البناء المعاصرين للموضوع بأن بيتاً صغيراً مهجوراً ذو باب خشبي كبير كان ينزل به شخص أجنبي بجوار بيت الشبكشي وقد غادر البلاد على أمل العودة لكنه لم يعد ويبدو أنه ترك بعض تلك الأموال التي ظهرت في عملية الهدم حيث كانت عادة الأهالي أنهم يخبئون ويدفنون ثرواتهم في غرف سرية يتم بنائها في بيوتهم ودكاكينهم حفاظاً عليها نتيجة عدم توفر البنوك قديماً . . هذا وكان الكثير من الأهالي خلال تلك الحادثة يخرجون إلى موقع الردم على البحر للبحث على الجنيهات ، وكنا نشاها البعض مساءاً يحملون الفوانيس و الأتاريك بحثا عن الجنيهات التي تحصل عليها الكثير من الباحثين .



يتبع

م.أديب الحبشي
01-24-2011, 01:48 PM
عدد منازل جدة القديمة

قُدر عدد منازل جدة عام 1206هـ - 1888م بـ ( 2300‏) منزل . .غير أن الرحالة المصري "محمد صادق باشا" حينما زار جدة عام 1031هـ قد ضمن كتابه ( دليل الحج للوارد إلى مكة والمدينة من كل فج ) إحصاءاً لنمازل جدة ووصف أشكالها الهندسية المعمارية ، وذكر المواد التي بنيت منها والسور الذي يحيط بها . . كما حدد المسافة بينها وبين السويس بنحو (646 ميلاً) .فذكر :

( يبلغ عدد المناز ل المتخذة للسكن نحو(3000‏) ثلاثة ألاف منزل مبنية بالدبش المستخرج من الأرض ومن البحر خارج سور المدينة ، وتتكون من دورين أو ثلاثة أدوار ، وأحياناً أربعة أو خمسة . وسمك جدار الدور الأرضي ثمانون سنتيمتراً وارتفاعها أربعة أمتار .والبيوت في جدة مركبة من الشبابيك والرواشين والمشربيات وهى ليس لها أحواش ) .

وروى "إبراهيم رفعت باشا" في كتابة ( مرآة الحرمين ) طبعة 1344هـ. أن بجدة (3300‏) منزل من الحجر الأبيض ( المنقبي ) ويورد أيضاً أن من المنازل ما ‏هو من طبقتين إلى خمس طوابق . . وأسهب في وصف النقوش بأسقف بعض المنازل وزخرفتها البديعة .

‏وتشير بعض الإحصائيات الأخيرة أن ما تبقى من بيوت جدة القديمة نحو (530‏) بيت حظر هدمها أو إحداث تغييرات بها . . غير أن غالبيتها مسكونة ببعض العمالة الأجنبية الرخيصة وهى عرضة للحريق والتخريب خاصة وأن هذه العمالة لا تمثل لها تلك البيوت أي تراث وطني يستوجب المحافظة عليه ، والبعض الآخر من تلك البيوت أصبح خرباً ومهدماً بحيث تشعر انك أمام مجرد حجارة باهته . ولعل في هذا ما تصدق عليهم مقولة الشاعر :

.................................. لخراب الدهر تبنى المنازل

‏سلام على تلك الأنامل التي بنت فأبدعت . . سلام على تلك العقول الخصبة التي أثرت محيطها جمالاً . . فكيف بنا نترك كل ذلك التراث النادر والكنوز التاريخية نهباً للإهمال والعبث حتى يكاد ينزوي في سرعة مذهلة . . وفي الوقت الذي أسجل فيه إشادتي بالجهود والأعمال العظيمة التي تبذلها أمانة مدينة جدة في تشييد المجسمات الجمالية والعناية بما هو قائم منها مع إبراز الجوانب الجمالية للمدينة ، إلا أني أرى بأن المحافظة على التراث القدم كان أولى أن يعطي أولوية ، وأعقد أن ( إدارة حماية المنطقة التاريخية) المسئولة مباشرة دون المستوى المأمول من حيث العناصر المتخصصة والإمكانات . بل أن هذه الإدارة قد إبعدت عن رسالتها على أرض الواقع وأصبح اهتمامها منصب فقط على المساهمة في الاحتفالات والأعياد بصورة متواضعة . . وللدلالة على ذلك ‏عمل جردة بسيطة لعدد البيوت التي كانت موجودة قبل إنشاء هذه الإدارة وعددها في الوقت الراهن سنجد أن الفارق كبير بعد زوال عشرات البيوت القديمة فى ظروف وبكيفية متكررة .




يتبع

م.أديب الحبشي
01-24-2011, 01:50 PM
النورة

‏تتميز بيوت جدة بلونها الأبيض لطلائها بـ "النورة" وفي الغالب يتم ترك العروق الخشبية على لونها الطبيعي ، ومعظم البيوت محلاة بعقود مدببة وبعضها بعقود مستديرة . .

‏وتصنع النورة محلياً من بقايا الحجر المنقبي الذي يفيض من نحته ‏كحجارة بناء ومن زوائد الحطب ، وكانت جدة تضم عدداً كبيراً من مصانع النورة وهي تشبه أفران الخبز غير أن فتحتها تحتية حيث يرص الحجر طبقة فوقها طبقة الحطب . . وهكذا لعدة طوابق ثم تشعل فيه النار حتى يتحول إلى رماد يتم نخلة في "غرابيل" وما تبقى في "المنخل" أو الغربال من قطع الحجر الصغيرة يستفاد مها كبديل لخرسانة وترص بها قواعد وأساسات البيوت والأسطح ، وبالتالي فإن الناتج من هذه العملية وهو الرماد الأبيض يسمى مادة "النورة" . .

‏وتوجد طريقتان لاستخدام النورة:
ا - النورة البيضاء . . وهي نورة مخلوطة بالماء تلبس بها الحوائط ثم يتم دعكها بما يشبه الصنفرة لتمليسها وتنعيمها ، وتمسى الطريحة التي تترك حتى تنشف.
2- ‏النورة السوداء . . وهي تخلط بالبطحاء "التراب الناعم" وتخمر بالماء وهي تستخدم في سد التشققات والترقيع والطرشه الأولية . .

‏وتستخدم النورة أيضاً في تلبيس القصبات التي تعتبر بمثابة أنابيب المجارى وتبنى من الحجر على شكل مربع أو مستطيل ناقص ضلع واحد من السطح والحمامات نزولاً إلى "الدبل" أي البيارة . بعد ذلك يتم تلييسها بالنورة وتدعك ‏حتى تصبح صلبة كالاسمنت ولا تترك مجالا لتسرب المياه . . ثم تسد بالضلع الرابع لقفلها مع تلييسه والارتفاع به من الأرض إلى السطح . . ويسمى الضلع الأخير "البرقع" .

‏ومن استعمالات النورة . . استخدامها في الحمامات كبديل للبلاط والقيشاني على الجدران . وفى بناء الحنفيات أي الصنابير داخل الحمامات . وكذا تلييس أرضية وجدار الصهاريج . .

‏وأخيراً فإن النورة تستخدم كرخام . وهى عبارة عن مادة حاره كانت تجلب من مكة المكرمة يتم نقعها في الماء في براميل حتى تبرد بعد ليلة واحده . ثم تحل بالماء صباحاً وتدهن الواجهات والجدران الداخلية والدرج والأسطح ولونها أبيض غير أنه يمكن خلطها بمادة "النيلة" التي تستخدم في غسيل الملابس فتعطيها اللون الازرق .

‏هذا وتقول الدراسات بأن النورة تتنفس بما يسمح للرطوبة بالدخول والخروج عبرها بعكس الأسمنت الذى يحجز الهواء فتكون النتيجة تآكل البناء . . ويذكر أن أشهر مصانع النورة بجدة خلال القرن الماضي كانت : مصنع محمد نوار، مصنع عبد الرزاق سقا ، مصنع على شحات ، مصنع حامد أبو زناده ، مصنع المز يبلى ، ومصنع عبد الرزاق يوسف ، ومصنع محمد على جدع ، ومصنع محمد غراب . . أما أشهر مشائخ طائفة النوارين فهو "مبارك متموم" . ومن المعلمين الذين كانوا مشاهير في الصنعة ،بلال سرتي ، عبد الرحمن شعبين ، حسن طائفي ، عمر مياج ، عبد الرزاق برعي مغربل . . كما يطلق على " الَمِنِّوْر" اسم " المِنَقِّلْ".

‏وكغيرها من الحرف القديمة تراجع استخدام ‏النورة حتى لا تكاد تذكر إلا في بعض القرى في أضيق الحدود . . ذلك أنه منذ الستينات الهجرية في القرن الماضي بدأ الأهالي في الخروج للسكنى بالضواحي . ومن ثم بدأوا استخدام الأسمنت غير المسلح حتى تنوعت الأشكال المعمارية وبدأ استخدام الأسمنت المسلح . .

‏وفى بداية وصول الاسمنت إلى المملكة بعد الحرب العالمية الثانية كان يجلب ‏في براميل ثم يباع في أكياس ورقية . . وكان يسمى "الأشمونطي".

‏كذلك بدأ يصل البلاط والقيشاني من لبنان . . ثم كانت أول مصانع وطنية ‏للبلاط في جدة . ولعل أولها : مصنع البتوجي ، مصنع عبد السلام رضوان .



يتبع

م.أديب الحبشي
01-25-2011, 09:41 AM
النجارة

‏جسد أبناء جدة من النجارين مستوى رفيع من الفن والذوق الرفيع بما يتسق والذرق العام للمجتمع الجداوي . ففي كل بيت من بيوت جدة القديمة لابد وأن أحد النجارين قد ترك بصماته فيه . . فلا بيت مثلاً من دون باب . . وباب البيت ‏الرئيسي عادة هو أكبر الأبواب في أي بيت . وكثير من هذه الأبواب تمثل قطعة فنية ذات نقوش وحفريات بالغة الدقة والإحكام . . وكانت "المقارع"الحديدية المشغولة على مداخل الأبواب تقوم مقام جرس البيت الحديث . وكان الشغل كله يدوي لعدم وجود مكائن - آنذاك وهو مما يعطي العمل مزيداً من ‏التفرد .

‏كذلك فإن الرواشين كانت تصنع في أشكال جمالية مبهرة وكلمة ‏( روشان ) فارسية الأصل وتعنى (الضوء الساطع ) . . وعادة ما يتم الاتفاق على نوعية الشبابيك والطيق والرواشين . . فهناك النقش العربي والنقش البغدادي والقلاب ومشير وغيرها ، ويلاحظ في البيوت القديمة أن النقش في الأدوار السفلية يكون أكثر دقة باعتباره أقرب للمشاهد .

‏وللرواشين علاوة على وضيفتها المرتبطة بمحيطها البيئي مع جملة من العناصر الأساسية لتلك الوظائف . . فعادة ما تكون للروشان دكه ملاصقة من داخل المجلس للجلوس عليها والاستمتاع بمشاهدة الشارع ومراقبة الأطفال والألعاب الشعبية وملاحظة الباعة الجوالين والتعرف على من يطرق باب البيت . . كل ذلك في ستر للعائلة مع متطلبات مرور الهواء لإنعاش الداخل . .

‏هذا وتعتبر الرواشين من أغلا العناصر تكلفة في البيوت القديمة غير أن الشيش والطاقة تلائم العوائل البسيطة ولها نفس وظيفة الروشان الإ أنها أبسط تصميماً وأقل كلفة . .

‏وكان الحجاز عموما ملتقى هام للفنانين المسلمين مثل "أبو العبد النجار" الذي عاش في القرن العاشر الهجري بمدينة جدة ومن أعماله منبر المسجد الشافعي عام 940هـ. وقد وثق د. ناصر بن على الحارثي في كتابه ( أعمال الخشب المعمارية في الحجاز في العصر العثماني ) لأبرز اللوحات الفنية المزخرفة لبوابات مشهورة وسقوف بعض المباني والأبيات الشعرية في منازل جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة . .

‏وقد اشتهرت في جدة الكثير من البيوت الكبيرة التي خُصت بأعمال خشبية داخلية وخارجية متميزة تدل على مدى ما وصل إليه الذوق العام من رقي وما بلغت الصنعة من إتقان . . ومن أشهر تلك البيوت : بيت نصيف الذي تم بناؤه عام 1295هـ ، والذي ظل يقيم فيه الملك عبد العزيز يرحمه الله حتى تم بناء قصر العماري وكان يسمى أيضاً ( القصر الأخضر ) وقد بناه الشيخ على العماري شرق القشلة في عام 1347هـ واستمر الملك عبد العزيز فى الإقامة به حين تواجده بجدة قبل إنشاء قصر خزام بالنزلة اليمانية . كذلك بيت الجوخدار الذي بناه محمد نور جوخدار رئيس وكلاء مشايخ الجاوا بحارة اليمن وربما يكون أكبر من بيت نصيف الذي يتميز عن بيت الجوخدار بأنه يطل على برحة واسعة "ساحة" . أيضاً بيت "نور ولي" والذي بني أواخر القرن الثالث عشر الهجري والذي توري بعض المصادر أنه كان في الأصل ملكاً "لآل التلمساني" ثم آلت ملكيته إلى "آل الصبان" ثم "آل عاشور" وانتهى إلى ملكية نور ولي وهم من أقدم تجار الأرزاق الهنود . . وتوجد الكثير من البيوت والمباني ‏بحارة الشام على وجه الخصوص ذات الأنماط الجمالية الرفيعة . مثل مسجد الحنفي عام 1240هـ ومنزل محمد أحمد باعشن في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري . .

‏هذا وقد برز الكثير من النجارين الذين برعوا في الصنعة . .وكان الشيخ / محمد هاشم أشهر معلم نجار بجدة خلال القرن الرابع عشر الهجري وهو أفضل من يجمع الخشب . . وجمع الخشب في لغة النجارة أنواع : مسدسات ومربعات ومخمسات ومثمن ومكعبات ومستطيل ، كما كان يشتهر في حشو الرواشين والطيق وفى عمل "القلاب" وهو : قلاب أعمى ، قلاب مفتح . . وكان للنجارة مصطلحاتها الواسعة سعة المهنة التي يقال عنها بأنها "بحر واسع" . لذا فإن أصحاب المهنة يرددون مقولتهم الشهيرة : "يموت المعلم ، والمعلم ما إتعلم"

وكان أهل الحرفة يبدؤون تعلمها صغاراً في السن ويقال لهم "صبيان" وعادة ما يتوارثون المهنة . وحينما يتقن الصبي مختلف صنوف المهنة فإنه يصبح مؤهلا "كمعلم" ويمنح هذه الصفة بحضور شيخ النجارين وعدد من الشهود الذين يشهدوا له بالصنعة تفصيلاً وتنفيذاً ثم يتم تقديم القهوة للحضور احتفاءً بالمناسبة وتسمى "صب القهوة" ، وتصبح كلمة "معلم" سابقة لاسمه ومقترنة به - ¬ومن أشهر النجارين في القرن الرابع عشر الهجري "علي أشرم" الذي تولى المشيخة كما عمل بالصنعة أبناؤه : حسن وصديق وطاهر أشرم باستثناء ابنه "محمد علي أشرم" - الذي اشتهر في مهنة المحاماة . .

‏كذلك يعتبر الشيخ / سالم شمس من أشهر مشايخ النجارين بجدة . وكان قبل ذلك عمدة لحارة الشام قبل أن يتنازل عن العمودية إلى مرشحه الشيخ / محمد باخريبه للتفرغ لمشيخة النجارين . . وقد انتظمت المهنة في عهده ونظمت بشكل منضبط . . وكانت من مهامه القيام بالكشف ومتابعة أعمال النجارين والبنائين للبيوت قيد الإنشاء وفض النزاعات والصلح بين النجارين والبنائين في داره بحارة الشام . .

‏كما كان أخوه محمد سعيد شمس ساعده ‏الأيمن وهو بدوره من النجارين المتميزين في زمانه . . كما كانت للشيخ سالم وأخاه محمد ‏سعيد ورشة كبيرة في ( سوق الندى) أمام بيت باناجه. . ومن أهم منجزاته بمدينة جدة تسقيف شارع فيصل ( تظليله ) الذي اعتبر في وقته عملاً فنياً يشار إليه بالبنان .كذلك بيت جيلاتلى هنكي ، وقصر فيلبى ، وبيوت البترجى .حتى أن الحكومة الانجليزية كانت تكلفه ببعض الأعمال المهنية في السودان . .كما ابتعث ابن أخيه أحمد محمد سعيد شمس إلى مصر لتعلم فن الدهان ‏( الأستر) وعمل الموبيليا فكان أول حجازي يدرس ذلك الفن . .



يتبع

م.أديب الحبشي
01-25-2011, 09:43 AM
أما أشهر من عملوا لديه وتدربوا على يديه فمنهم :محمد فوالة – عبد الله حسنين حسن مغربل - صالح شحبر- عبد الكريم جدع . .هذا وقد تنازل عن المشيخة لابن أخته محمد نبوي الذي تمرس على يده حتى تنازل عنها بدورة للشيخ / احمد على عطية . .

‏أيضأ اشتهر في المهنة كل من حسن حسب الله ، حسن الطائفي ،حامد عطية وأحمد عطية ، وعبد الله عطية ، وأحمد قنديل كما اشتهر في النصف الأول من القرن الرابع عشر "محمد زغابة" و"على حسن بحري" وفى ‏النصف الثاني ابنه "محمد على حسن بحري" ثم ابنيه "حسن وإبراهيم بحري". كذلك كان من ‏كبار المعلمين في النجارة الشيخ / احمد عبد الله ‏مغربي الذي عرفت له بعض الأعمال المميزة و تعلم على يديه الكير من النجارين ، و لابد من الإشارة إلى الشيخ / توفيق حسن جاد الله الذي كان من أبرز معلمي النجارة في جيله وهو والده الشاعر المبدع يحيى توفيق . . كذلك الشيخ / عبد القادر محمود عبد الباري ، والشيخ / ياسين أحمد طربيه ، والشيخ / عبد الرحمن محمود راخجان.

أما الأدوات اليدوية التي كانت مستخدمة في الحرفة فهي :المطرقة ، القدوم ، الفارة ، المنشار العادي ، المشار الحبل ، منشار صراف ، منشار دوران ( رفعه 3 ‏أو 4‏ملم ) ، الرابون ، الفريز ، فارة عادي < فارة الجنب، المنقار ، القلاب ، الدقماق ، الدربكين "اليدوي" .وكان يتم العمل في الغالب فوق طاولة خشبية كبيره "بنك النجارة" ولعلي في هذا المجال أسمح لنفسي بسرد قصت كفاح وعصامية فذة لأحد شباب جدة الذين يفخر بهم المجتمع الجداوي لما حققة من مكانه شرفت كل من عرفه : ذاك هو الدكتور/ يوسف عبد الوهاب نعمة الله . .

‏كان والده يرحمه الله الشيخ / عبد الوهاب نعمة الله من بين البنائين المشهود لهم في زمانه ، وكان إبنه يوسف يعمل في النجارة الخفيفة مثل صناعة "المرافع" وهي الكراسي التي توضع عليها شراب الماء والأزيار. . .الخ . . لم يستلم يوسف نعمة الله لظروفه المعيشية وبدأ يدرس في المدرسة الليلية بالعيدروس خلف بيت مسعود ومن نجاح إلى نجاح تحصل على شهادة الثانوية ثم الجامعية حتى نال قبل أكثر من أربعين عاما درجة الدكتوراة في "النقود والبنوك" ولنا أن نعرف بأن عدد السعوديين الذين كانوا يحملون هذه الدرجة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة آنذاك- . .

‏عاد الدكتور/ يوسف نعمة الله إلى الوطن واشغل بالتدريس بكلية التجارة بجامعة الملك سعود بالرياض . . كما تقلد عدة مناصب دولية رفيعة في "صندوق النقد الدولي" ثم مستشارا اقتصاديا لسلطان عمان . كذلك تقلد منصب الأمين العام المساعد للشئون الاقتصادية بالجامعة العربية . . ويعمل حاليا رجل أعمال . .

‏وأمام هذا المثل الرائع الذي لا يملك المرء إلا أن يقف له إجلالاً وإكباراً فإنه يعطي النموذج والقدوة على ما يمكن أن تحققه الإرادة والتصميم من طموحات.

‏ومن الطريف فيما يتعلق بوصف بيوت جدة القديمة ما ذكره "لورانس" في كتابه "الثورة العربية" بأنها : مدينة غريبة حقاً . شوارعها أزقة ضيقة . وسوقها مسقوف بالخشب . وبيوتها مبنية من أربع طبقات أو خمس من الصخور المرجانية . . وقال : أنه لم ير ( زجاجاً ) ولم يصادف عجلة في طريقه نظرا لضيق الشوارع . .

‏ويعلق على ذلك الأديب الشيخ / محمد علي مغربي يرحمه الله بأنه : إذا علما أن لورنس زار جدة خلال الحرب العالمية الأولى 1916 ‏م أدركنا أنه له بعض الحق فيما رواه من الصمت السائد في جدة . . أما قوله أنه لم ير ( زجاجا ) ولا عجلات فيرد عليه الشيخ / عبد القدوس الأنصاري يرحمه الله بأن ذلك كان موجودا في عهده ومن قبله أيضاً.

‏هذا وكان أول من اشتغل في نجارة الموبيليا بجدة الشيخ / صالح قمصاني يرحمه الله . . أما أول منجرة تخصصت في صناعة الموبيليا بجدة فهي "منجرة أبو زنادة" بباب شريف خلف المحكمة الشرعية وقد جلبت مكائنها من إيطاليا وكان يديرها شخص إيطالي يدعى "يوسف" كان يسكن بحارة البحر . . كذلك من أوائل المناجر "منجرة دخيل" وتم أيضاً استيراد مكائنها من إيطاليا في الستينات من القرن الرابع عشر الهجري وكان يشرف عليها أيضاً شخص إيطالي يدعى "جكامينو" مع بعض المصريين وكانت تقع خلف فندق النهضة أول شارع الميناء . . وقد عمل في نجارة الموبيليا العديد من النجارين المتخصصين من بينهم محمد على مقلد ، وصالح عبد الجواد.

‏أما بيع العقار فكان يتم في الكثير من الأحيان عن طريق التفاهم المباشر غير أنه في أغلب الصفقات العقارية كانت تتم عن طرق "دلالين" أي وسطاء ومن أشهر دلالي العقار في متصف القرن الرابع عشر الهجري الشيخ / حسين دنقله ، والشيخ / محمد نوار ، والشيخ / حمزة سقطي .




المرجع
( كتاب جدة .. حكاية مدينة– لمحمد يوسف محمد حسن طرابلسي–الطبعة الأولى 1427هـ ، 2006م)