أخلاق التابعيات
التربية النفسية لأولاد التابعيات

لقد حرصت التابعيات على إصلاح نفوس أولادهن بترغيبهم في الآخرة وما فيها من ثواب وترهيبهم من الدار الآخرة وما فيها من عقاب وتزهيدهم في الدنيا وما فيها من فتن والحق الذي لا باطل فيه أن هذا أسلوب فريد في تربية الأولاد لا يتركه مُربٍ أو مُصلح إلا ضاع جهده وضعفت ثمرته .
يقول نوح الأسود : " رأيت امرأة تأتي أبا عبد الله البراثي فتجلس تسمع كلامه . ولا تكاد تتكلم ولا تسأل عن شيء . فقلت لها ذات يوم : لا أراك يرحمك الله تتكلمين ولا تسألين عن شيء ؟ فقالت : قليل خيره من كثيره إلا ما كان من ذكر الله ، والمُنصت أفهم للموعظة ، ولن ينصحك امرؤ لا ينصح نفسه .
وجملة الأمر يا أخي : إن أردت الله بطاعة أرادك الله برحمة ، وإن سلكت سبيل المعرضين فلا تَلُم إلا نفسك ، إذا صرت غداً في زمرة الخاسرين . قال : ثم استبكت .
قال : وسمعتها تعظ ابنها يوما ًوتقول : ويحك يا بُني ، احذر بطالات الليل والنهار (1) ، فتنقضي مهلات الأعمار وأنت غير ناظر لنفسك ولا مُستعد لسفرك ، ويحك يا بُني ما من الجنة عِوض ، ولا في ركوب المعاصي ثمن من حلول النار .
ويحك يا بُني مهِّد لنفسك قبل أن يُحال بينك وبين ذلك ، وجُدَّ قبل أن يَجِدَّ الأمر بك ، واحذر سطوات الدهر وكيد الملعون (2) عند هجوم الدنيا بالفتن وتقلُّبها بالعِبر ، فعند ذلك يهتم التقي كيف ينجو من مصائبها ثم قالت : بُؤسا ًلك يا بُني إن عصيت الله وقد عرفته وعرفت إحسانه وأطعت إبليس وقد عرفته وعرفت طغيانه " .
غربية هذه النصيحة على مسلمات العصور الحديثة ، فإننا نرى المسلمة تعظ ولدها في التمسك بالدنيا والحرص عليها والانكباب عليها ، والتعلق بها ، وتنسى أن تُذكر ولدها بالجنة .
بينما نجد التابعية تخوِّف ولدها من نار جهنم ، ولا تضنُّ (3) عليه بموعظة بليغة تخرج من قلب محترق بالخوف من الله .
والتابعية في ذلك مقتدية بالنبي r الذي كان يُحذر ابنته فاطمة رضي الله عنها من النار فيقول : " يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أُغني عنك من الله شيئاً " .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أي الأمور التي تشغل العبد ليلاً ونهارا ًعن طاعة ربه .
(2) الملعون : الشيطان .
(2) تضن : تبخل .
المرجع
د / مصطفى مراد – قصص التابعيات – الطبعة الأولى 1423 هـ - 2003 م - بتصرف