شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : توبة آدم عليه السلام


جمانة كتبي
01-20-2012, 09:11 PM
توبة آدم عليه السلام


أخبرنا أبو الفضل مسعود بن عبيدالله بن النادر، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين، أنا أبو بكر محمد بن علي الخياط، أنا أبو عبد الله بن دوست، ثنا الحسين بن صفوان، ثنا ابن أبي الدنيا، ثنا يعقوب بن إسحاق بن دينار، ثنا محمد بن معاذ العنبري، عن ابن السماك قال: حدثني عمر بن ذر عن مجاهد:

أن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة، تساقط عنه جميع زينة الجنة، ولم يبقَ عليه من زينتها إلا التاج والإكليل. وجعل لا يستتر بشئ من ورق الجنة إلا سقط عنه، فالتفت إلى حواء باكيا، وقال: استعدي للخروج من جوار الله، هذا أول شؤم المعصية. قالت: يا آدم! ما ظننت أن أحدا يحلف بالله كاذبا، - وذلك أن إبليس قاسمهما على الشجرة -، وآدم في الجنة هاربا استحياء من رب العالمين، فتعلقت به شجرة ببعض أغصانها، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه يقول: العفو! العفو. فقال الله عز وجل: يا آدم! أفرارا مني؟

قال: بل حياء منك سيدي.

فأوحى الله إلى المَلَكين: أن أخرجا آدم وحواء من جواري فإنهما قد عصياني.

فنزع جبريل عليه السلام التاج عن رأسه، وحل ميكائيل عليه السلام الإكليل عن جبينه.

فلما هبط من ملكوت القدس إلى دار الجوع والمسغبة – المجاعة -، بكى على خطيئته مائة سنة، قد رمى برأسه على ركبتيه حتى نبتت الأرض عشبا وأشجارا من دموعه، حتى نقع الدمع في نقر الجلاميد – جمع جلمود وهو الصخر - وأقعيتها.

أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، أنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون، أنا أبو علي بن شاذان، أنا أبو علي بن عيسى بن محمد الطوماري، أنبأ محمد بن أحمد بن البراء، أنبأ عبد المنعم بن إدريس، أنبأ أبي، عن وهب بن منبه:

أن آدم عليه السلام لبث في السخطة سبعة أيام: ثم إن الله تعالى أطلعه في اليوم السابع، وهو منكس محزون كظيم. فأوحى الله إليه: يا آدم! ما هذا الجهد الذي أراك فيه اليوم، وما هذه البلية التي قد أجحف بك بلاؤها وشقاؤها!

قال آدم: عظمت مصيبتي يا إلهي، وأحاطت بي خطيئتي، وخرجت من ملكوت ربي، فأصبحت في دار الهَوان بعد الكرامة، وفي دار الشقاوة بعد السعادة وفي دار العناء والنصب بعد الخفض والدعة، وفي دار البلاء بعد العافية، وفي دار الظعن والزوال بعد القرار والطمأنينة، وفي دار الفناء بعد الخلد والبقاء، وفي دار الغرور بعد الأمن. إلهي! فكيف لا أبكي على خطيئتي، أم كيف لا تحزنني نفسي، أم كيف لي أن أجتبر هذه البلية والمصيبة يا إلهي؟

قال الله تعالى له: ألم أصطفك يا لنفسي، وأحللتك داري، واصطفيتك على خلقي، وخصصتك بكرامتي، وألقيت عليك محبتي، وحذرتك سخطي؟ ألم أباشِرك بيدي، وأنفخ يكون فيك من روحي، وأسجد لك ملائكتي؟ ألم تك جاري في بحبوحة جنتي، تتبوأ حيث تشاء من كرامتي؛ فعصيت أمري، ونسيت عهدي، وضيعت وصيتي؟ فكيف تستنكر نقمتي، فوعزتي وجلالي لو ملأت الأرض رجالا كلهم مثلك: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء: 20 ] ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين، وإني قد رحمت ضعفك، وأقلتُك عثرتك، وقبلت توبتك، وسمعت تضرعك، وغفرت ذنبك. فقُل: لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، ظلمتُ نفسي، وعملت السوء، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. فقالها آدم.

ثم قال له ربه: قل: لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، ظلمتُ نفسي، وعملت السوء، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم. فقالها آدم.

ثم قال له ربه، قل: لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، ظلمتُ نفسي، وعملت السوء، فارحمني إنك أرحم الراحمين.

قال: وكان آدم قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم المصيبة، حتى إن كانت الملائكة لتحزن لحزنه، وتبكي لبكائه. فبكى على الجنة مائتي سنة، فبعث الله إليه بخيمة من خيام الجنة، فوضعها له في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة.



المصدر : كتاب [ التوابين | لموفق الدين عبد الله ابن قدامة ] .