ثروت كتبي
02-04-2011, 03:23 PM
منهج إدارة الكوارث بالمتاحف العربية
د. عصام الدين عثمان الهادي
جامعة فلوريدا .. الولايات المتحدة الامريكية
تبحث هذه الدراسة في أمر الكوارث التى يمكن أن تتعرض لها المتاحف العربية، وتنظر في السبيل الى طرح منهج يؤدي الى مواجهتها وتخفيف اثارها واحتواء الأزمات التى تعقبها. لم تعد النظرة الى المتاحف محصورة في كونها مجرد قاعات تضم مجموعات من القطع الفنية او الاثرية أو التاريخية أو الطبيعية وانما أصبحت المتاحف مؤسسات مناط بها امر العناية والمحافظة على تراث الامم والشعوب، وان تقوم بعرضه وتقديمه بصورة تعكس مضمونه التاريخي والثقافي والحضاري . وتتوازى مع هذه المهمة الادوار التربوية وواجب المتحف في خلق نسيج مترابط يساعد في عملية البناء الاجتماعي والثقافي والفكري و الإقتصادي للمجتمعات. ومؤسسات بهذا المستوى من الاهمية يقتضي الأمر توفير كل مايلزم لإدارتها وفق أسس علمية ومنهجية وطرق كافة السبل لتوفير أقصى ما يمكن من الحماية لها والمحافظة عليها. من هنا يجئ هدف هذه الدراسة وهو لفت الإنتباه إلى منهج إدارة الكوارث والدعوة الى تبنيه وتطبيقه في المتاحف العربية وذلك بإعتباره منهجاً متكاملاً تتم به مواجهة الكوارث التى قد تصيب هذه المؤسسات. وتجئ الدعوة الى النظر في هذا المنهج من واقع انه يساهم فعلاً في التعامل مع الازمات التى تسبق او تعقب الكوارث بخطوات محسوبة، يتم اعدادها مسبقا ولا مجال فيها للعشوائية والتخبط التى نلاحظها دائما عند وقوع كارثة طبيعية أو بشرية بصورة مفاجئة وغير محسوبة. كذلك فإن الدعوة إلى التعامل مع الكوارث التى يمكن ان تصيب المتاحف العربية وفق هذا المنهج تقوم في ذات الوقت على حقيقة معلومة للجميع وهى ان ما تذخر به المتاحف العربية من معروضات هى مواد لا يمكن تعويضها متى ما اصابتها كارثة ما. ولذا فان العمل بكافة السبل الممكنة لتوفير القدر اللازم من الحماية لها قبل ان نفقدها للابد لا يبقى واجباً مهنياً فحسب ولكنه أيضاً واجب نحو التاريخ والارث الحضاري البشري بوجه عام.
ماذا نعنى بمنهج إدارة الكوارث بالمتاحف؟
يتضح لنا من التقديم السابق ان منهج ادارة الكوارث يعنى الخطة المتكاملة بشقيها النظري والتطبيقي والتى تهدف في مجملها إلى وضع مراحل عملية متصلة تؤدى الى الحماية الكاملة لكل مقتنيات المتحف ومبانيه ووحداته ووثائقه والعاملين فيه وزواره في شتى مستويات الكوارث واختلاف انواعها. ويجرى تصميم خطة إدارة الكوارث بأشراك مختلف المختصين وبتوقع اسوأ الاحتمالات دائماً. والسبب في ذلك يعود الى انه وفي حال وقوع الكارثة ومهما صغر حجمها فان نتائجها -ان لم يتم التحسب لها- ستكون مدمرة وقد تكلف المتحف فقدان عدد قد يصغر او يكبر من مقتنياته دون ان يكون هنالك من سبيل في غالب الاحيان لاستعادتها او تعويضها مرة اخرى. ان منهج ادارة الكوارث في المتاحف هو عمل اداري تنفيذي وتقني في المقام الاول اضافة لما يشتمل عليه من كثير من جوانب العلاقات العامة و لذا يجب ان يتم باشتراك القيادات الادارية والفنية العليا بالمتحف. كما لايجب التعامل معه بالاسلوب الذى يجعل منه عملاً تقليدياً ينتهى في النهاية الى تطفيفه وتهميشه والتقليل من شأنه.
ولعل السبب في طرح هذه الدعوة هو أن تاريخ المتاحف القريب يؤكد انها عادة ما تصبح عرضة للكوارث بشقيها الطبيعي والبشري. وقد ورد سرد مفصل في إصدارة معهد جيتي الامريكي للترميم Dorge & Jones 1999: 10-14) ) لأبرز الحوادث خلال فترة العقدين الاخيرين من القرن الميلادي الماضي، حيث يتضح لنا ان عددا من المتاحف والمؤسسات الثقافية المماثلة كالمكتبات في مواقع مختلفة من العالم قد تعرضت لأحداث جسام من بينها علي سبيل المثال الحريق المدمر الذي تعرضت له المكتبة الروسية للعلوم بمدينة بيترسبيرج (لينينجراد سابقاً) في العام 1988م، والفيضان الذى غمر متحف كاريلو جل بمدينة مكسيكو سيتي المكسيكية في ذات العام. كذلك فقد عانت كثير من المؤسسات الثقافية من اثار الزلازل المدمرة كمتحف الفن الحديث بمدينة كوبي اليابانية في عام 1995م، والدمار الذى لحق بمتحف الفن الاسيوي بمدينة سان فرانسسكو الامريكية في العام 1989م. ايضا فإن متحف الفن الشعبي الامريكي بمدينة سانتياجو بشيلي قد عانى قدرا كبيرا من الدمار في اعقاب الزلزال الهائل الذى ضرب المدينة في عام 1985م. وبجانب الحرائق والزلازل والفيضانات فإن المتاحف تكون عرضة لشتى انواع الكوارث الطبيعية الاخرى التى قد لا يخطر بعض منها على البال. فعلى سبيل المثال، فقد تعرض متحف فورج هل بمدينة ردتش البريطانية للاغلاق في شهر اغسطس من العام 2004م وذلك بسبب انتشار كميات كبيرة من النحل في المتحف بعد ان اتخذت هذه الحشرات من ثلاث من مداخن المتحف خلايا لها ومنها انتشرت الى سائر ارجاء المتحف حيث هاجمت الزوار والعاملين وتعرض بعضهم للسعات النحل. وقدر المشرفون على المتحف الوقت المطلوب لاجلاء هذا النوع من الزوار غير المرغوبين بعدة اسابيع تم فيها اعادة تصميم المداخن بصورة لا تسمح بتكرار هذه الكارثة مرة اخرى.
وحتى لايظن احد ان هذه الاحداث جاءت نتيجة لكوارث طبيعية لا يملك معها احد من البشر شيئاً، فاننا نورد هنا نماذج بسيطة لكوارث تعرضت لها متاحف ومؤسسات ثقافية بفعل البشر كالحروب والتفجيرات. فقد تعرض احد متاحف مدينة ميامي بولاية فلوريدا الامريكية في العام 1988م للتفجير بسبب عرضه لبعض اعمال الفنانين الذين يعتقد في ارتباطهم بنظام الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو. وتكرر نفس الحادث في ذات المدينة بعد عامين من وقوع الحادث الاول. كذلك تعرض متحف و جاليري ديجلي اوفيزي بمدينة فلورنسا الايطالية للتفجير في السابع والعشرين من مايو من عام 1993م. وقد وقع الحادث باستخدام وسيلة السيارات المفخخة و نتج عنه تدمير اجزاء كبيرة من هذا القصر وبعض وحدات المتحفالذى اشتهر عالميا بمجموعة لوحاته والتى تعد اجمل واكمل مجموعة تترجم عن روح عصر النهضة من خلال اشهر الاسماء المعروفة كمايكل انجلو وليوناردو دافنشي وساندرو بوتسيلي. وقد تسبب الحادث في دمار الجناح الغربي وتأثرت تبعا لذلك عدد من اللوحات الفنية الهامة. و في العام1993م تعرض متحف افغانستان الوطني لتخريب واسع واعتداءات متكررة نتيجة لاعمال العنف التى اجتاحت المدينة. واستمرت هذه الاعتداءات طيلة فترة عدم الاستقرار السياسي في افغانستان خلال عقد التسعينات من القرن الماضي . وبلغت اعمال التخريب قمتها في فترة حكومة طالبان حيث تم تدمير معظم وحدات المتحف والذى فقد في تلك الفترة اكثر من سبعين بالمئة من محتوياته وانتهى به الامر كمنطقة عسكرية لقوات طالبان. كذلك وبسبب الحرب في البوسنة فقد تعرض متحف زمالجسكي وعدد كبير من المباني التاريخية للتخريب والاعتداءات. وتكرر شريط ذات الاحداث في كرواتيا. وقد سبق ذلك وفي اثناء الحرب العالمية الثانية ان اضحت المتاحف الاوربية واليابانية هدفا مباشرا للقصف والتخريب ولم ينج من ذلك الا القليل منها. فعلى سبيل المثال تعرض المتحف البريطاني للقصف في اثناء الهجوم على لندن في عام 1941م. وكذلك الحال بالنسبة لمتحف مدينة ميلانو الايطالية و متحف ليفربول البريطاني . وفي افريقيا فقد حدثت بعض الاحداث التى دفعت بمجموعة متاحف غرب افريقيا الى عقد ورشة عمل اقليمية لمناقشة سلامة المتاحف وبقية مواقع التراث الثقافي في حال نشوب الصراعات المسلحة. وبالاضافة الى خبراء المتاحف ، استعانت تلك الورشة ايضا بعدد من الافراد العسكريين وبالمختصين في فض النزاعات وبالعاملين في ادارة شئون التراث الثقافي وقادة المجتمع المحلي. ولا بد ان تلك الورشة كانت تعي تماما حالة الدمار والسرقات التى تعرض لها المتحف الجامعي بمدينة نسوكا بنيجيريا خلال فترة الحرب الاهلية )1967-1969م). فبعد هدوء الاحوال، عاد موظفو المتحف ليجدوه في حالة من الفوضى والخراب ، وقد تبعثرت معروضاته ومزقت وثائقه وسجلاته وصوره وفقدت العديد من محتوياته. وقد تكررت الاحداث بصورة مماثلة في عام 1993م، حينما سادت حالة من عدم الاستقرار دولة توجو مما حدا بالسلطات الى اغلاق المتحف الوطني. وفي اثناء فترة الاغلاق ولعدم وجود الامن والحماية فقد اصاب المتحف الاهمال التام فتم العبث بمحتوياته وسقطت جدرانه واسقفه.
هذه مجرد امثلة بسيطة من قائمة طويلة تثبت ان معاناة المتاحف على نطاق العالم بسبب الكوارث التى تنتج من اعمال بشرية لا تقل حالا في نتائجها عن ما يصيب تلك المتاحف بسبب الطبيعة.
اما على الصعيد العربي فان الكوارث التى تعرضت لها المؤسسات الثقافية عامة والمتاحف على وجه الخصوص فهي كثيرة ومختلفة. ولعله من الصدف المؤلمة ان العقد الذى قررته الامم المتحدة للتخفيف من اثار الكوارث على نطاق العالم قد بدأ عربيا بكارثة كبيرة تمثلت في غزو قوات النظام العراقي السابق للكويت في النصف الثاني من عام 1990م. ونتيجة لذلك الغزو، تعرض متحف الكويت الوطني للتخريب والدمار على نطاق واسع متمثلا في نقل حوالى ثلثي معروضات المتحف وكل المجموعة المحفوظة بدار الاثار الاسلامية الملحقة بالمتحف الى بغدادNorman 1997: 181)).
ولم تكن احداث متحف الكويت الوطني هى الاولى على النطاق العربي . فقد سبق ان اغلق المتحف الوطني ببيروت ابوابه في منتصف العقد السابع من القرن الماضي بسبب الحرب الاهلية في لبنان ولوقوع المتحف على الخط الفاصل بين شطري بيروت والذى عرف باسم الخط الاخضر. وبسبب ذلك الموقع فقد اتخذت بعض الفصائل من المتحف موقعا عسكريا لايواء المقاتلين وتحصين المعدات والاليات العسكرية داخل ساحة المتحف. وقد جرت اثناء تلك الاحداث محاولات عديدة لنقل محتويات المتحف بعيدا عن موقعها الاصî1ي او تخزينها في الطوابق السفلى او ببناء وحدات حماية بالاسمنت المسلح داخل قاعات العرض لحماية القطع ذات الحجم الكبير التى استعصى نقلها في مثل تلك الظروف(Skaf 1997: 174). وظل المتحف على هذه الحالة حتى نهاية الحرب في عام 1991، حيث بدأت الجهود مرة اخرى لاعادة مجموعة معروضات ومقتنيات المتحف الى موقعها الاصلي.
وقد تكررت الكارثة مرة اخرى وبحجم لم يتوقعه احد، وذلك حينما تعرض المتحف العراقي ببغداد الى اعمال سلب وتخريب على نطاق واسع في اعقاب دخول القوات الامريكية الى بغداد في ابريل من عام2003م. لم يسجل التاريخ الحديث تخريباً لمؤسسة ثقافية مثل ذلك الذى تعرض له المتحف العراقي ومجموعة اخرى من متاحف العراق ومكتباته ومواقعه التاريخية. ولم تنقضى شهور قليلة حتى اخذت الاخبار تنتشر عن ظهور مقتنيات المتحف العراقي في كثير من دول العالم بعد ان تم تهريبها بصورة غير قانونية.
ومن ضمن الكوارث التى لحقت بالمتاحف العربية بسبب افعال بشرية نشير في هذا الصدد الى الهجوم الذى وقع في الساحة الخارجية للمتحف المصري بالقاهرة في عام 1997م واستهدف حافلة على متنها عدد من الزوار الاجانب. وكنتيجة لهذا الهجوم فقد قتل عدد من ركاب الحافلة.
وتدخل في قائمة الكوارث البشرية التى تتعرض لها المتاحف السرقات وخاصة تلك التى تؤدى الى ان يفقد المتحف الكثير من محتوياته. ونورد نموذجا عربيا لهذا النوع من الكوارث ممثلا في تعرض متحف السودان القومي في ديسمبر من عام 2003م الى حادثة سطو كبيرة فقد على اثرها المتحف اكثر من خمسين قطعة من اندر معروضاته الاثرية في ليلة واحدة. ولا يعدو ان يكون من نافلة القول الاشارة الى ان توفير الحراسة البشرية وتدريبها والتأكد من فاعليتها هى من اساسيات حماية المتحف وبالتالى فهى المدخل الى الشق العملي من ادارة الكوارث. الا ان سرقة بهذا الحجم لهذا العدد من مقتنيات المتحف في ليلة واحدة تؤكد حقيقة واحدة وهى ان ذلك المتحف لم يسعى قبل تلك الحادثة ابدا الى تطبيق اي مستوى ذي فاعلية من منهج ادارة الكوارث ممثلا في ابسط اساسياته دع عنك الوسائل المتقدمة منها. ويحمد للمتحف انه قد انتبه بعد تلك الحادثة الى الاهتمام بالتأمين الالكتروني لمداخل المتحف، كما ونحمد للسلطات الامنية المختصة اهتمامها بأمر مسروقات المتحف حيث تمكنت بعد حوالى ثمانية اشهر من استعادة المسروقات و اعادتها الى المتحف. ولا يعد هذا الحادث منعزلا في المحيط العربي. فقد تعددت حوادث سرقات المتاحف في الدول العربية في الفترة الاخيرة. فقد اشارت، على سبيل المثال، صحيفة اليوم الالكترونية السعودية في عددها الصادر على شبكة المعلومات في الخامس من مارس 2004م[1] الى تواتر حوادث السرقات بالمتاحف السعودية كحادثة سرقة بعض قطع مجموعة متحفي جدة والجوف. وتكررت الاحداث في متحف دومة الجندل مما حدا بمدير متحف الدمام الاقليمي الى طلب تشديد وتوفير الحماية على ابواب متحفه وتركيب اجهزة انذار الكترونية متقدمة لحماية المقتنيات. ولا شك ان استيعاب الدرس من الكوارث التى تحل بالمتاحف الاخرى والعمل على تجنب تكرارها هو اتجاه اساسي في نظم ادارة الكوارث وتفادى ما ينتج عنها من ازمات.
ولأن احداث المتحف العراقي لا تزال حاضرة بكل ابعادها وصورها المؤلمة في الاذهان، فسيجرى الحديث عنها هنا باعتبارها تجسيدا ماثلاً وساطعاً لغياب المنهج العلمي المتكامل لادارة الكوارث والتعامل مع الازمات في المتاحف العربية. فمجريات الاحداث التى احاطت بالعراق منذ اندلاع الحرب العراقية الايرانية، ثم تطورات الوضع السياسي والامني عقب غزو العراق للكويت وماترتب عليه من تكوين تحالف دولي خاض حربا طاحنة ضد العراق، واستمرار الحصار وانتهاء بالحرب الاخيرة التى ادت الى ازالة النظام العراقى السابق، كل هذه الظروف كانت نذيرا كافيا لأن يتم الاحتياط باقصى ما يمكن اتخاذه من اجل توفير الحماية الكاملة لمقتنيات المتحف. ولعله من الطبيعي ان يبرز سؤال يصب في ذات الاتجاه وهو هل بادرت ادارة المتحف بوضع استراتيجية لحماية مقتنيات المتحف في ظل حدوث تطورات سالبة للامور والاوضاع في البلاد علما بأن المتحف قد اغلق لفترات متفاوتة في العقود الماضية مما اتاح فرصة وافية للنظر في اجراءات الحماية اللازمة. كذلك هل جرت محاولات للتأكد من وثائق المتحف وحفظها وتأمينها ونسخها على كافة الوسائط التكنولوجية المعروفة والمتاحة وقتها؟ ثم هل بادرت الادارة بحفظ نسخة كاملة من هذه الوثائق يجرى تحديثها اولا باول خارج مبنى المتحف بل وربما خارج العراق؟
ولعل اكبر ما أعترض عملية اعادة المواد التى تم نهبها من المتحف العراقي ببغداد وغيره من متاحف العراق في تلك المرحلة هو فقدان الوثائق الخاصة بالمعروضات. وهذا يقودنا للتأكيد مجددا على اهمية ان يحتفظ المتحف بنسخ مكتملة من وثائقه في مواقع اخرى. ونستعير هنا عبارة الدكتور جون كيرتس الخبير بالمتحف البريطاني والمختص في حضارة بلاد مابين النهرين حين علق على الوضع الذى آل اليه حال المتحف العراقي حين قال "ان متحفا بلا وثائق وسجلات كانسان فقد ذراعيه وساقيه". ولعدم وجود هذه الوثائق والسجلات اخذت الارقام عن القطع المفقودة تتضارب واصبح الامر وكأنه من باب التكهنات و التخمين. وقد عانى متحف عربي اخر من فقد وثائقه في ظرف كارثة بشرية سابقة وهو المتحف الوطني الكويتي اثناء الاجتياح العراقي للكويت ونقل نسبة كبيرة من محتوياته الى بغداد. فقد تسبب فقدان الوثائق وعدم وجود نسخة اخرى منها في موقع اخر في خلق كثير من العقبات في سبيل استعادة المتحف لما فقده من مواد (Norman 1997: 185).
ان عدم الاستقرار السياسي هو البيئة التى تخلق تهديدا حقيقيا للمتاحف وذلك لان تأمين المتاحف يبقى دائما الاضعف من بين سائر المؤسسات الاسترتيجية في كل الدول. ونجد في الصراع العربي الاسرائيلي نموذجا واضحا حيث ادى الى تعرض الكثير من المتاحف لصعوبات ومشاكل امنية فقدت على اثرها الكثير من محتوياتها. ونشطت في جمهورية مصر العربية مؤخرا حركة هدفها استعادة الاثار والمجموعات المتحفية من اسرائيل بعد ان كانت قد نقلت اليها اثناء سنوات الصراع والحروب بين الطرفين. ولا يزال هذا الصراع يلقى بظلاله على عمل المتاحف ويشكل مصدرا من مصادر الكوراث المستمرة التى تعانيها.
وبالعودة الى الكوارث الطبيعية نجد ان الزلازل عادة ما تكون هى اكثر الكوارث الحاقا للدمار بالمنشآت والبشر. والسبب ،بالطبع، ناتج من حدوثها دون سابق توقع كما انها قد تكون من القوة ما يفوق طاقة تحملها او امتصاصها. وتشهد ارجاء العالم المختلفة سنويا عددا هائلا من الزلازل يحدث العدد الاكبر منها دون ان يشعر بها احد وترصدها فقط المراصد العلمية المختصة. وهناك عدد من المناطق في مختلف ارجاء العالم تعرف بانها نشطة جيولوجيا وبالتالى فهى مناطق معروفة بتكرار حدوث الزلازل ومن بينها ارجاء واسعة من مناطق اواسط آسيا كايران وباكستان والهند وافغانستان وكذلك تركيا ومناطق واسعة من الجزر اليابانية والشمال الافريقي ومناطق الساحل الامريكي الغربي و المناطق الغربية والوسطى والشمالية من امريكا الجنوبية.
ووفقا لكتيب اصدره معهد ابحاث الزلازل باستانبول بالتعاون مع مرصد كانديلي ورد فيه ان عدد الزلازل التى تحدث سنويا يصل الى ثلاثة ملايين ونصف المليون زلزال. وان حوالى المليون زلزال هى التى يجرى رصدها وتسجيلهج7. ومن بين هذه فان 34000 زلزال تكون من القوة بدرجة يشعر بها سكان المناطق التى تحدث بها Petal 2002: 5)). ولا يلزمنا في هذا المقام ايراد مزيد من التفصيل عن كيفية حدوث الزلازل او النظريات العلمية حول هذه الظاهرة وتفسيراتها. الا انه لابد من الاشارة الى ان حجم الكوارث التى تحدثها الزلازل وانتشار مداها يD1تبط بعاملين اساسيين هما قوة الهزة التى يسببها الزلزال والمدى الزمني الذى تستغرقه.
ان ما يهمنا من هذا العرض الموجز للمعلومات والاحصائيات عن الزلازل هى الحقيقة التى تواجهنا دائما عند البحث عن كوارث المتاحف وهى انه لا يوجد بلد ما او منطقة ما بما في ذلك البلاد العربية في مأمن مطلق من امكانية تعرضها للزلازل والهزات الارضية بمستوى قد يعلو او ينخفض.
وحتى يقوم الحديث على وقائع فاننا نورد هنا نماذج موجزة وليست حصرية لبعض الزلازل التى ضربت بعض البلدان العربية في الفترات الاخيرة. فقد شهدت جمهورية الجزائر زلزالا قويا في اكتوبر من عام 1980م والذى اعتبر واحدا من اقوى الزلازل التى شهدها العالم في القرن العشرين و ادى الى دمار اكثر من 80 بالمئة من كامل مدينة الاصنام التى اعتبرت مركز الزلزال ومايقارب العشرة الاف قتيل. وفي عام1981م اصاب زلزال قوي جمهورية اليمن و خلف عددا من الاصابات وقدرا كبيرا من الدمار. وفي عام 1992م تعرضت مدينة القاهرة وما جاورها من مناطق لزلزال قوي خلف وراءه دمارا واسعا وبضع مئات من القتلى. وفي عام 1999م تكرر حدوث الزلزال بمصر وتركز هذه المرة الى الجنوب من القاهرة وتحديدا حول مدينة بني سويف. كما تجدد حدوث الزلزال في الجزائر في مايو من العام 2003م وأدى هذه المرة الى مقتل حوالى الفي شخص. وفي فبراير من عام 2004م ضرب زلزال قوي المناطق الشمالية من المملكة المغربية وادى الى دمار كبير ومقتل مئات من السكان. والمعروف تاريخيا وعلميا عن المنطقة الشمالية من المملكة المغربية انها من مناطق نشاط الزلازل وعدم الاستقرار الجيولوجي. كذلك ووفقا لدراسة اعدها د. سعيد الغامدي من جامعة الملك فهد بالظهران و د. عبدالله العمري من مركز الدراسات الزلزالية بجامعة الملك سعود بالرياض فقد تعرضت المملكة العربية السعودية خلال النصف الأول من العقد الأول من هذا القرن الى عدة هزات ارضية كان مركزها في منطقة تبوك. كما يعرف عن مناطق خليج العقبة ومنطقة جنوب غرب المملكة بأنها مراكز لانشطة الزلازل المتكررة[2].
ولأن خطر الزلازل يبقى ماثلا وحقيقيا وليس هناك من وسيلة تحول دون حدوثه، فان منهج ادارة الازمات يتطلب ان ننظر الى ما يمكن اتخاذه عمليا لتخفيف اثر الزلازل على مباني المتاحف ومجموعاتها المتحفية والعاملين بها. وغني عن القول ان هذه الاجراءات يتم اتخاذها قبل حدوث الزلازل بترتيب وتنسيق مستمرين. وسنستعرض هنا بعضا من تجارب قامت بها بعض المتاحف في انحاء مختلفة من العالم وهى جديرة بالدراسة والاستفادة منها.
فقد قام بعض العاملين المختصين بمتحف التاريخ الطبيعي بمدينة لوس انجلوس الامريكية مدفوعين بعلمهم ان هذه المدينة تشهد يوميا عددا من الهزات الارضية الخفيفة التى لا يشعر بها سكان المدينة، وان احتمال تعرض المدينة لهزة عنيفة هو امر في حكم المؤكد، قاموا بتصميم مشروع يهدف الى تثبيت معروضات المتحف و منعها من التأرجح والحركة حال حدوث الهزات الارضية. وتضم مجموعة المتحف حوالي الثî1اثة وثلاثين مليون قطعة مما يعني ان العمل على تنفيذ الخطوات اللازمة لتثبيت كل هذا العدد قد يستغرق سنوات عديدة. لذا، وكما هو متوقع فقد بدأ القائمون على المشروع بتحديد اولويات العمل وذلك باختيار المعروضات النادرة والاكثر اهمية لمشاريع البحث والاكثر جذبا للزوار. وتشتمل الخطة كذلك على تثبيت احزمة حول المعروضات وصناديق الحفظ بالمخازن وقاعات العرض والاهتمام بالقطع ذات الحجم الكبير التى تكون دائما من بين الضحايا الاولى للزلازل[3].
كذلك فقد قام بعض المختصين باعداد مشروع لحماية معروضات متاحف مدينة استانبول التركية والتى تقع بدورها في احد احزمة الزلازل النشطة. وقد تم تصميم مراحل هذا المشروع بناء على معرفة سابقة بأن اكثر ما تتعرض له المعروضات المتحفية اثناء حدوث الزلازل يتمثل في تعرض القطع الواقفة والمعلقة خارج خزائن العرض للتأرجح والسقوط . كذلك الحال بالنسبة للمعروضات داخل الخزانات الزجاجية والتى تتهشم بفعل ارتطامها بجدران الخزانات، بالاضافة الى ان تحطم الزجاج يضاعف من المخاطر التى تقع تلك المعروضات تحتها في مثل تلك الظروف.
ومن اجل توفير الحماية للمعروضات في مثل هذه الظروف فقد اقترح القائمون بالمشروع بعض الخطوات متمثلة في تثبيت المعروضات بأسلاك معدنية، وكذلك باستخدام نوع من الشمع اللاصق الذى يعرف استخدامه في اغراض مختلفة في المتاحف. كذلك اقترحوا تقليل عدد المعروضات في الخزانة الواحدة وفي القاعة الواحدة مع استخدام خيوط معدنية قوية للقطع المعلقة. كذلك اقترحت الدراسة ان تشمل وسائل الحماية كل القطع الموجودة في مخازن المتاحف، باختيار وسائل وطرق التخزين المناسبة ، وعدم تكديس القطع باعداد كبيرة ، ووضع مواد عازلة بينها، ووضع بعضها في شبكات يجرى تصميمها بشكل خاص مع استخدام اللفافات القماشية للقطع الكبيرة.
كذلك فان من وسائل حماية المتاحف من خطر الزلازل اتخاذ الاحتياطات المعمارية من حيث التصميم لجعل المبنى مقاوما لأثر الهزات الارضية بأي درجة كانت ( (seismic retrofitting. وتجب الاشارة هنا الى التجربة التى اصبح بموجبهاالمتحف القومي للفنون الغربية بالعاصمة اليابانية طوكيو اول مبنى في اليابان يشهد ادخال وحدات عازلة في قواعد المبنى واصبح بالتالى مقاوما للزلازل. وقد تم ذلك في مرحلة لاحقة بعد اكتمال بناء المتحف عام 1959م واشتراط وزارة الانشاءات اليابانية من المهندسين الذين كلفوا بهذا العمل ان يقوموا به دون المساس بالمظهر العام للمبنى وهو ماحدث فعلا. وتعتبر دراسة الباحثين الغامدي والعمري المشار اليها سابقا من بين النماذج العربية الحديثة التى تهدف الى تبنى تصميمات معمارية مقاومة لانشطة الزلازل. وقدمت الدراسة كذلك رؤية معمارية متكاملة ومقترحات عملية تدعو في مجملها الى "اعتماد مواصفات التصميم الانشائى المقاوم للزلازل". ولعله من المفيد حقا ان يصبح مثل هذا الاتجاه ملزما عند التفكير في تصميم مباني المتاحف بالدول العربية وان يتم توفير مايلزم من مصادر مالية وتقنية لمراجعة مباني المتاحف القائمة لتصبح مقاومة لانشطة الزلازل والهزات الارضية.
ان التركيز على ظاهرة الزلازل من بين سائر الكوارث الطبيعية الأخرى إنما يجىء بسبب انها تكون هى الاشد فتكا والاكثر ضررا. و كذلك تتسبب الزلازل في مجموعة كوارث اخرى مثل الحرائق التى تنجم عن تماس توصيلات الكهرباء او من تسرب الغازات والسوائل الكيميائية. وبسبب الزلازل ايضا يحدث انفجار تمديدات المياه مما يعرض الموقع لخطر الغمر بالمياه. وكما سبق القول فان حدوث الزلازل هو خارج عن حدود السيطرة البشرية ولا يملك الانسان من امرها شئ، ولكن يبقى واجبا الاستعداد الكامل لمواجهة نتائجها واثارها.
مراحل ادارة الكوارث بالمتاحف
يتفق معظم المهتمين بأنظمة ادارة الكوارث على تقسيم خطة مواجهة الكوارث الى اربع مراحل، وهى مرحلة توفير الحماية ثم مرحلة الاستعداد ثم مرحلة رد الفعل المباشر فور حدوث الكارثة واخيرا مرحلة اعادة الامور الى وضعها الطبيعي ( (Gigler 1988: 7-8. وتعتبر المرحلتان الاولى والثانية من مراحل ماقبل حدوث الكارثة، اما المرحلتان الثالثة والرابعة فهما من مراحل ما بعد حدوث الكارثة. ولا تخرج اى خطة لادارة الكوارث عن هذه المراحل الاربعة. الا ان التفاصيل الداخلية لها تخضع لطبيعة وعمل واختصاص المنظمات والهيئات والمؤسسات المعنية.
ولأن هذه الدراسة تختص بمناقشة فكرة ادارة الكوارث بالمتاحف العربية فسيكون مدار الحديث فيما يلى عن كيف يمكن ان يتم وضع هذه المراحل الاربعة ضمن خطة متكاملة تساعد المتاحف في مواجهة الكوارث التى يمكن ان تتعرض لها.
ففي مرحلة الحماية لابد ان تعمل المتاحف وبشكل موازِ على اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية مقتنياتها سواء المعروضة للزوار او المحفوظة بالمخازن. وقد سبقت الاشارة الى تجارب عملية اتخذتها بعض المتاحف لحماية مقتنياتها يمكن للمتاحف العربية الاستفادة منها. كذلك فان هذه المرحلة تشتمل على توفير تقنيات الحماية الحديثة كالابواب الالكترونية واستخدام اجهزة المراقبة المتطورة واجهزة الانذار واستخدام الزجاج المصفح لحماية القطع التى تمتاز بأهمية خاصة. كما يجرى تدريب العاملين للتعامل مع هذه المعدات وتحديثها واختبارها بشكل مستمر مع الاحتفاظ بسجلات صيانتها وتحديثها دائما. اما مرحلة الاستعداد فتشمل تدريب العاملين على استخدام وسائل الحماية وكذلك وضع الخطط المناسبة لاجلاء المقتنيات خارج المتحف في الوقت المناسب خاصة في اجواء الازمات السياسية والصراعات المسلحة. وتشتمل خطة الاخلاء على المعرفة المسبقة بالمواقع التى سيتم الاخلاء اليها واتخاذ الاحتياطات الكافية لتأمين المجموعات المتحفية في المواقع الجديدة. ومن اهم اعمال هذه المرحلة الاختبار المستمر لوثائق وسجلات المتحف وتحديثها بشكل دوري ودقيق. كذلك فلابد من التنسيق مع جهات اخرى لحفظ اكثر من نسخة من وثائق المتحف خارج مبنى المتحف بل ومن الممكن ان يتم حفظها خارج حدود الدولة المعنية. فقد كان -على سبيل المثال- لاحتفاظ دار الاثار الاسلامية الكويتية بنسخة من وثائقها بلندن الدور الكبير في التعرف على مفقودات الدار بعد الغزو العراقي للكويت. واعتماداً على تلك النسخة امكن وضع قائمة لمفقودات الدار مدعومة بالصور و الوثائق وتم تسليمها الى سلطات الانتربول والامم المتحدة ، وعلى اساسها تم التعرف على مفقودات الدار واستعادتها من بغداد(Norman 1997: 185 ).
اما اولى مراحل ما بعد الكارثة وهى مرحلة رد الفعل المباشر فتبدأ برفع الانقاض وتقييم درجة الدمار والتخريب الناجمين عن الحادثة. وفيما يتعلق بمحتويات المتحف فيجب التأكد من حالتها بالدقة اللازمة وعدم تحريكها الا بعد التأكد من قابليتها للحركة. كذلك يجب التأكد حين يتم رفع وازالة الانقاض من عدم احتوائها على شظايا واجزاء صغيرة تعود لقطع المجموعة المتحفية وذلك حتى يسهل ترميمها مرة اخرى.
اما اخر المراحل فهى مرحلة اعادة ترتيب الاوضاع الى اول عهدها. وفي المتاحف فان هذه المرحلة تعنى اولا تأمين المعروضات التى لم ينلها الدمار والتأكد من سلامة مواقعها الجديدة. وتجرى اعمال البناء بشقيها العاجل والآجل، وذلك لجعل المبنى ومرافقه صالحة في حدها الادنى لايواء المعروضات والعاملين بالمتحف. وتمثل هذه المرحلة في ذات الوقت بداية الاعداد من جديد لما قد يطرأ من كوارث في المستقبل.
من هنا يصبح حريا بكل متحف ان يسعى لوضع خطة واضحة المعالم لمواجهة كل انواع الكوارث المحتملة طبيعية كانت ام بشرية. وليس من الممكن نظريا وعمليا افتراض خطة واحدة لتطبيقها على كل المتاحف، كما وأنه من الخطأ الواضح ان تقوم ادارة متحف ما باستبعاد اي نوع من الكوارث اعتمادا على حقائق ماضية او انية وظروف لايملك احد وسيلة للتأكيد بانها ستستمر هكذا الى الابد. فعلى سبيل المثال لا يجوز ان نستثنى احتمال وقوع زلزال اذا لم تعرف المنطقة هذه الظاهرة في تاريخها القريب. كما يجب عدم التسليم لحقيقة ان هذه الدولة او تلك تشهد حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي بصورة تصرفنا حتى من التفكير في احتمال حدوث كارثة بشرية ما. فكما سبقت الاشارة فان الاثار التى ترتبت على حدوث الكوارث البشرية التى لحقت ببعض المتاحف العربية لم تبلغ ذلك المدى الذى رأيناه الا بسبب الاسترخاء والاطمئنان الى ان شيئا من ذلك لن يحدث. من هنا يتضح لنا اهمية ان تأخذ المتاحف العربية على اختلاف انواعها وتخصصاتها ومواقعها بمنهج ادارة الكوارث واعتماده ضمن الخطة الادارية العامة. ولوضع هذا المقترح موضع التنفيذ فلابد من وجود وحدة لادارة الكوارث بكل متحف يكون على رأسها احد الافراد من ذوي المواقع العليا بالمتحف. ويدخل من ضمن اعمال هذه اللجنة تحديد وتوضيح المخاطر التى يمكن ان تصيب المتحف وتحديد واجبات كل فرد لاحتواء الكارثة عند حدوثها. كما يقع ايضا من بين اعمال هذه اللجنة المراجعة والتحديث المستمر للواجبات والخطط اللازمة لمواجهة الكوارث. واذا علمنا ان مثل هذه اللجنة مناط بها عمل يتصل اساسا بوجود المتحف واستمراره في اداء رسالته، فيبقى لزاما ان يكون بوسع هذه اللجنة الوصول دائماً وفوراً الى المصادر المادية والبشرية بالمتحف. وكما سبق الحديث، فان الاستعداد لمواجهة الكوارث يتطلب وضع تصور لكل نوع من الكوارث المحتملة. فعلى سبيل المثال، ماذا سيحدث اذا وقع زلزال او نشب حريق او حدثت فيضانات جارفة او عواصف واعاصير، او اذا اندلعت اعمال شغب في المنطقة وتحولت الى حالة من عدم الاستقرار؟ وماذا سيجرى اذا حدث انفجار في او حول المتحف او حدث تسرب للغازات داخل المتحف؟ وعلى مستوى اقل من ذلك ماذا سيحدث اذا انقطع التيار الكهربائي لفترات طويلة وتعطلت تبعا لذلك خدمات الاتصال و اجهزة الانذار والمصاعد؟ فاذا ادركنا ان احتمال حدوث مثل هذه الاحداث هو امر وارد جدا وفي كل موقع وفي اي وقت، وان عدم حدوثها في الماضي لا يعنى بأى حال انها لن تحدث في المستقبل، وانها اذا حدثت دون ان يتوفراستعداد مناسب لها فستكون بثمن غال، فيبقى علينا التفكير في ماذا يمكن عمله لمنع حدوثها ان كان ذلك ممكنا او التخفيف من اثارها على اسوأ الفروض. وعند النظر في هذه الاحتمالات يصبح واجبا وضع اولويات وذلك في ضوء كل العوامل المتصلة بالمتحف من داخله ومن خارجه. وتأخذ هذه الاولويات في الاعتبار نوع المتحف وما يحتويه من مواد، ومواد البناء المستخدمة والمواد الكيميائية المحفوظة في المعمل وفي غيره من الوحدات. كذلك تؤخذ في الاعتبار اعمال الصيانة وتاريخها وتمديدات المياه والكهرباء والغاز ومراجعة سجلات صيانتها. اما في العوامل الخارجية فالمطلوب من المتحف الواقع في منطقة تنشط فيها الزلازل أن يولى هذا الجانب اهتماما خاصاً عند تصميم برامج ادارة الكوارث.
ان الهدف الاساسي من اقتراح منهج متحفي لادارة الكوارث هو ان يصبح الاستعداد والتخطيط والتقييم والمتابعة والمراجعة والتطوير سمات ملازمة للعمل الاداري المتحفي اليومي. ويلازم ذلك تحديد واجبات كل شخص ضمن خطة مواجهة الكوارث وبذل كل مايلزم ليؤدى كل فرد واجبه حين يكون ذلك واقعا مطلوبا. ومع تحديد الواجبات الفردية الا انه ينبغى ان يصبح واضحا ان العمل في مواجهة الطوارئ هو عمل جماعي لا يمكن ان يقوم به شخص بمفرده. وان تخلف اي فرد عن اداء دوره يمكن ان يصيب العمل كله بالشلل التام. لذا فيصبح مهما ان تتوفر لدى رئيس الفريق المختص الية تمكنه من الوصول والاتصال بكل افراد الفريق بلا تأخير. كذلك فان وضع وتنفيذ خطط مواجهة الكوارث يتطلب اتصالا وتنسيقا مستمرين مع الجهات الرسمية للاستعانة بهم في تصميم الخطة ومراجعتها والتأكد من فاعليتها. من بين هذه الجهات سلطات الدفاع المدني والارصاد الجوي والشرطة والهيئات الجيولوجية وادارة الخدمات الصحية.
___________________________________
للتعقيب والتعليق على هذه الدراسة أو إضافة أو تصحيح بعض المعلومات يرجى الإتصال بالكاتب على البريد الإلكتروني:
ealhadi@gmail.com
الهوامش
[1] (http://archaeologic.net/cp/admincmds.php?action=subnews_edit&sn_id=1603#_ednref1)http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=11221&I=155618 (http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=11221&I=155618)
[2]قدم الباحثان دراستهما بعنوان "اعتماد مواصفات التصميم الانشائى لمقاومة الزلازل في المملكة العربية السعودية- لماذا وكيف" ضمن اعمال ندوة الابداع والتمييز في النهضة العمرانية بالمملكة العربية السعودية خلال مائة عام والتى عقدت في العام 2002م.
[3] شكرا للانسة تانيا كولازالموظفة بقسم الابحاث والمحموعات بالمتحف القومى للتاريخ الطبيعى بلوس انجلوس والمشرفة على البحث الخاص بمواجهة اثار الزلازل بالمتحف على مدى بالمعلومات حول هذا المشروع. ستنشر الدراسة الكاملة ضمن اصدارات جمعية التاريخ الطبيعى الامريكية في مطلع عام 2005م.
المصادر
Dorge, Valerie & Jones, Sharon 1999 Building an Emergency Plan: A Guide for Museums and Other Cultural Institutions.
Los Angeles: The Getty Conservation Institute.
Gigler, Beverly 1988 Emergency Management and Public Administration. Crisis Management: a casebook. Ed. Michael Charles and John C Kim. PP. 5-19.
Sprongfield, Ill : Charles Tomas Publisher.
Norman, Kristy 1997 The Invasion of Kuwait, and the Subsequent Recovery of its National Museum: A conservator's View. Museum Management and Curatorship. Vol. 16/2 PP. 180-191.
الكاتب
عصام الدين عثمان الهادي
المصدر
مجلة الآثار
د. عصام الدين عثمان الهادي
جامعة فلوريدا .. الولايات المتحدة الامريكية
تبحث هذه الدراسة في أمر الكوارث التى يمكن أن تتعرض لها المتاحف العربية، وتنظر في السبيل الى طرح منهج يؤدي الى مواجهتها وتخفيف اثارها واحتواء الأزمات التى تعقبها. لم تعد النظرة الى المتاحف محصورة في كونها مجرد قاعات تضم مجموعات من القطع الفنية او الاثرية أو التاريخية أو الطبيعية وانما أصبحت المتاحف مؤسسات مناط بها امر العناية والمحافظة على تراث الامم والشعوب، وان تقوم بعرضه وتقديمه بصورة تعكس مضمونه التاريخي والثقافي والحضاري . وتتوازى مع هذه المهمة الادوار التربوية وواجب المتحف في خلق نسيج مترابط يساعد في عملية البناء الاجتماعي والثقافي والفكري و الإقتصادي للمجتمعات. ومؤسسات بهذا المستوى من الاهمية يقتضي الأمر توفير كل مايلزم لإدارتها وفق أسس علمية ومنهجية وطرق كافة السبل لتوفير أقصى ما يمكن من الحماية لها والمحافظة عليها. من هنا يجئ هدف هذه الدراسة وهو لفت الإنتباه إلى منهج إدارة الكوارث والدعوة الى تبنيه وتطبيقه في المتاحف العربية وذلك بإعتباره منهجاً متكاملاً تتم به مواجهة الكوارث التى قد تصيب هذه المؤسسات. وتجئ الدعوة الى النظر في هذا المنهج من واقع انه يساهم فعلاً في التعامل مع الازمات التى تسبق او تعقب الكوارث بخطوات محسوبة، يتم اعدادها مسبقا ولا مجال فيها للعشوائية والتخبط التى نلاحظها دائما عند وقوع كارثة طبيعية أو بشرية بصورة مفاجئة وغير محسوبة. كذلك فإن الدعوة إلى التعامل مع الكوارث التى يمكن ان تصيب المتاحف العربية وفق هذا المنهج تقوم في ذات الوقت على حقيقة معلومة للجميع وهى ان ما تذخر به المتاحف العربية من معروضات هى مواد لا يمكن تعويضها متى ما اصابتها كارثة ما. ولذا فان العمل بكافة السبل الممكنة لتوفير القدر اللازم من الحماية لها قبل ان نفقدها للابد لا يبقى واجباً مهنياً فحسب ولكنه أيضاً واجب نحو التاريخ والارث الحضاري البشري بوجه عام.
ماذا نعنى بمنهج إدارة الكوارث بالمتاحف؟
يتضح لنا من التقديم السابق ان منهج ادارة الكوارث يعنى الخطة المتكاملة بشقيها النظري والتطبيقي والتى تهدف في مجملها إلى وضع مراحل عملية متصلة تؤدى الى الحماية الكاملة لكل مقتنيات المتحف ومبانيه ووحداته ووثائقه والعاملين فيه وزواره في شتى مستويات الكوارث واختلاف انواعها. ويجرى تصميم خطة إدارة الكوارث بأشراك مختلف المختصين وبتوقع اسوأ الاحتمالات دائماً. والسبب في ذلك يعود الى انه وفي حال وقوع الكارثة ومهما صغر حجمها فان نتائجها -ان لم يتم التحسب لها- ستكون مدمرة وقد تكلف المتحف فقدان عدد قد يصغر او يكبر من مقتنياته دون ان يكون هنالك من سبيل في غالب الاحيان لاستعادتها او تعويضها مرة اخرى. ان منهج ادارة الكوارث في المتاحف هو عمل اداري تنفيذي وتقني في المقام الاول اضافة لما يشتمل عليه من كثير من جوانب العلاقات العامة و لذا يجب ان يتم باشتراك القيادات الادارية والفنية العليا بالمتحف. كما لايجب التعامل معه بالاسلوب الذى يجعل منه عملاً تقليدياً ينتهى في النهاية الى تطفيفه وتهميشه والتقليل من شأنه.
ولعل السبب في طرح هذه الدعوة هو أن تاريخ المتاحف القريب يؤكد انها عادة ما تصبح عرضة للكوارث بشقيها الطبيعي والبشري. وقد ورد سرد مفصل في إصدارة معهد جيتي الامريكي للترميم Dorge & Jones 1999: 10-14) ) لأبرز الحوادث خلال فترة العقدين الاخيرين من القرن الميلادي الماضي، حيث يتضح لنا ان عددا من المتاحف والمؤسسات الثقافية المماثلة كالمكتبات في مواقع مختلفة من العالم قد تعرضت لأحداث جسام من بينها علي سبيل المثال الحريق المدمر الذي تعرضت له المكتبة الروسية للعلوم بمدينة بيترسبيرج (لينينجراد سابقاً) في العام 1988م، والفيضان الذى غمر متحف كاريلو جل بمدينة مكسيكو سيتي المكسيكية في ذات العام. كذلك فقد عانت كثير من المؤسسات الثقافية من اثار الزلازل المدمرة كمتحف الفن الحديث بمدينة كوبي اليابانية في عام 1995م، والدمار الذى لحق بمتحف الفن الاسيوي بمدينة سان فرانسسكو الامريكية في العام 1989م. ايضا فإن متحف الفن الشعبي الامريكي بمدينة سانتياجو بشيلي قد عانى قدرا كبيرا من الدمار في اعقاب الزلزال الهائل الذى ضرب المدينة في عام 1985م. وبجانب الحرائق والزلازل والفيضانات فإن المتاحف تكون عرضة لشتى انواع الكوارث الطبيعية الاخرى التى قد لا يخطر بعض منها على البال. فعلى سبيل المثال، فقد تعرض متحف فورج هل بمدينة ردتش البريطانية للاغلاق في شهر اغسطس من العام 2004م وذلك بسبب انتشار كميات كبيرة من النحل في المتحف بعد ان اتخذت هذه الحشرات من ثلاث من مداخن المتحف خلايا لها ومنها انتشرت الى سائر ارجاء المتحف حيث هاجمت الزوار والعاملين وتعرض بعضهم للسعات النحل. وقدر المشرفون على المتحف الوقت المطلوب لاجلاء هذا النوع من الزوار غير المرغوبين بعدة اسابيع تم فيها اعادة تصميم المداخن بصورة لا تسمح بتكرار هذه الكارثة مرة اخرى.
وحتى لايظن احد ان هذه الاحداث جاءت نتيجة لكوارث طبيعية لا يملك معها احد من البشر شيئاً، فاننا نورد هنا نماذج بسيطة لكوارث تعرضت لها متاحف ومؤسسات ثقافية بفعل البشر كالحروب والتفجيرات. فقد تعرض احد متاحف مدينة ميامي بولاية فلوريدا الامريكية في العام 1988م للتفجير بسبب عرضه لبعض اعمال الفنانين الذين يعتقد في ارتباطهم بنظام الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو. وتكرر نفس الحادث في ذات المدينة بعد عامين من وقوع الحادث الاول. كذلك تعرض متحف و جاليري ديجلي اوفيزي بمدينة فلورنسا الايطالية للتفجير في السابع والعشرين من مايو من عام 1993م. وقد وقع الحادث باستخدام وسيلة السيارات المفخخة و نتج عنه تدمير اجزاء كبيرة من هذا القصر وبعض وحدات المتحفالذى اشتهر عالميا بمجموعة لوحاته والتى تعد اجمل واكمل مجموعة تترجم عن روح عصر النهضة من خلال اشهر الاسماء المعروفة كمايكل انجلو وليوناردو دافنشي وساندرو بوتسيلي. وقد تسبب الحادث في دمار الجناح الغربي وتأثرت تبعا لذلك عدد من اللوحات الفنية الهامة. و في العام1993م تعرض متحف افغانستان الوطني لتخريب واسع واعتداءات متكررة نتيجة لاعمال العنف التى اجتاحت المدينة. واستمرت هذه الاعتداءات طيلة فترة عدم الاستقرار السياسي في افغانستان خلال عقد التسعينات من القرن الماضي . وبلغت اعمال التخريب قمتها في فترة حكومة طالبان حيث تم تدمير معظم وحدات المتحف والذى فقد في تلك الفترة اكثر من سبعين بالمئة من محتوياته وانتهى به الامر كمنطقة عسكرية لقوات طالبان. كذلك وبسبب الحرب في البوسنة فقد تعرض متحف زمالجسكي وعدد كبير من المباني التاريخية للتخريب والاعتداءات. وتكرر شريط ذات الاحداث في كرواتيا. وقد سبق ذلك وفي اثناء الحرب العالمية الثانية ان اضحت المتاحف الاوربية واليابانية هدفا مباشرا للقصف والتخريب ولم ينج من ذلك الا القليل منها. فعلى سبيل المثال تعرض المتحف البريطاني للقصف في اثناء الهجوم على لندن في عام 1941م. وكذلك الحال بالنسبة لمتحف مدينة ميلانو الايطالية و متحف ليفربول البريطاني . وفي افريقيا فقد حدثت بعض الاحداث التى دفعت بمجموعة متاحف غرب افريقيا الى عقد ورشة عمل اقليمية لمناقشة سلامة المتاحف وبقية مواقع التراث الثقافي في حال نشوب الصراعات المسلحة. وبالاضافة الى خبراء المتاحف ، استعانت تلك الورشة ايضا بعدد من الافراد العسكريين وبالمختصين في فض النزاعات وبالعاملين في ادارة شئون التراث الثقافي وقادة المجتمع المحلي. ولا بد ان تلك الورشة كانت تعي تماما حالة الدمار والسرقات التى تعرض لها المتحف الجامعي بمدينة نسوكا بنيجيريا خلال فترة الحرب الاهلية )1967-1969م). فبعد هدوء الاحوال، عاد موظفو المتحف ليجدوه في حالة من الفوضى والخراب ، وقد تبعثرت معروضاته ومزقت وثائقه وسجلاته وصوره وفقدت العديد من محتوياته. وقد تكررت الاحداث بصورة مماثلة في عام 1993م، حينما سادت حالة من عدم الاستقرار دولة توجو مما حدا بالسلطات الى اغلاق المتحف الوطني. وفي اثناء فترة الاغلاق ولعدم وجود الامن والحماية فقد اصاب المتحف الاهمال التام فتم العبث بمحتوياته وسقطت جدرانه واسقفه.
هذه مجرد امثلة بسيطة من قائمة طويلة تثبت ان معاناة المتاحف على نطاق العالم بسبب الكوارث التى تنتج من اعمال بشرية لا تقل حالا في نتائجها عن ما يصيب تلك المتاحف بسبب الطبيعة.
اما على الصعيد العربي فان الكوارث التى تعرضت لها المؤسسات الثقافية عامة والمتاحف على وجه الخصوص فهي كثيرة ومختلفة. ولعله من الصدف المؤلمة ان العقد الذى قررته الامم المتحدة للتخفيف من اثار الكوارث على نطاق العالم قد بدأ عربيا بكارثة كبيرة تمثلت في غزو قوات النظام العراقي السابق للكويت في النصف الثاني من عام 1990م. ونتيجة لذلك الغزو، تعرض متحف الكويت الوطني للتخريب والدمار على نطاق واسع متمثلا في نقل حوالى ثلثي معروضات المتحف وكل المجموعة المحفوظة بدار الاثار الاسلامية الملحقة بالمتحف الى بغدادNorman 1997: 181)).
ولم تكن احداث متحف الكويت الوطني هى الاولى على النطاق العربي . فقد سبق ان اغلق المتحف الوطني ببيروت ابوابه في منتصف العقد السابع من القرن الماضي بسبب الحرب الاهلية في لبنان ولوقوع المتحف على الخط الفاصل بين شطري بيروت والذى عرف باسم الخط الاخضر. وبسبب ذلك الموقع فقد اتخذت بعض الفصائل من المتحف موقعا عسكريا لايواء المقاتلين وتحصين المعدات والاليات العسكرية داخل ساحة المتحف. وقد جرت اثناء تلك الاحداث محاولات عديدة لنقل محتويات المتحف بعيدا عن موقعها الاصî1ي او تخزينها في الطوابق السفلى او ببناء وحدات حماية بالاسمنت المسلح داخل قاعات العرض لحماية القطع ذات الحجم الكبير التى استعصى نقلها في مثل تلك الظروف(Skaf 1997: 174). وظل المتحف على هذه الحالة حتى نهاية الحرب في عام 1991، حيث بدأت الجهود مرة اخرى لاعادة مجموعة معروضات ومقتنيات المتحف الى موقعها الاصلي.
وقد تكررت الكارثة مرة اخرى وبحجم لم يتوقعه احد، وذلك حينما تعرض المتحف العراقي ببغداد الى اعمال سلب وتخريب على نطاق واسع في اعقاب دخول القوات الامريكية الى بغداد في ابريل من عام2003م. لم يسجل التاريخ الحديث تخريباً لمؤسسة ثقافية مثل ذلك الذى تعرض له المتحف العراقي ومجموعة اخرى من متاحف العراق ومكتباته ومواقعه التاريخية. ولم تنقضى شهور قليلة حتى اخذت الاخبار تنتشر عن ظهور مقتنيات المتحف العراقي في كثير من دول العالم بعد ان تم تهريبها بصورة غير قانونية.
ومن ضمن الكوارث التى لحقت بالمتاحف العربية بسبب افعال بشرية نشير في هذا الصدد الى الهجوم الذى وقع في الساحة الخارجية للمتحف المصري بالقاهرة في عام 1997م واستهدف حافلة على متنها عدد من الزوار الاجانب. وكنتيجة لهذا الهجوم فقد قتل عدد من ركاب الحافلة.
وتدخل في قائمة الكوارث البشرية التى تتعرض لها المتاحف السرقات وخاصة تلك التى تؤدى الى ان يفقد المتحف الكثير من محتوياته. ونورد نموذجا عربيا لهذا النوع من الكوارث ممثلا في تعرض متحف السودان القومي في ديسمبر من عام 2003م الى حادثة سطو كبيرة فقد على اثرها المتحف اكثر من خمسين قطعة من اندر معروضاته الاثرية في ليلة واحدة. ولا يعدو ان يكون من نافلة القول الاشارة الى ان توفير الحراسة البشرية وتدريبها والتأكد من فاعليتها هى من اساسيات حماية المتحف وبالتالى فهى المدخل الى الشق العملي من ادارة الكوارث. الا ان سرقة بهذا الحجم لهذا العدد من مقتنيات المتحف في ليلة واحدة تؤكد حقيقة واحدة وهى ان ذلك المتحف لم يسعى قبل تلك الحادثة ابدا الى تطبيق اي مستوى ذي فاعلية من منهج ادارة الكوارث ممثلا في ابسط اساسياته دع عنك الوسائل المتقدمة منها. ويحمد للمتحف انه قد انتبه بعد تلك الحادثة الى الاهتمام بالتأمين الالكتروني لمداخل المتحف، كما ونحمد للسلطات الامنية المختصة اهتمامها بأمر مسروقات المتحف حيث تمكنت بعد حوالى ثمانية اشهر من استعادة المسروقات و اعادتها الى المتحف. ولا يعد هذا الحادث منعزلا في المحيط العربي. فقد تعددت حوادث سرقات المتاحف في الدول العربية في الفترة الاخيرة. فقد اشارت، على سبيل المثال، صحيفة اليوم الالكترونية السعودية في عددها الصادر على شبكة المعلومات في الخامس من مارس 2004م[1] الى تواتر حوادث السرقات بالمتاحف السعودية كحادثة سرقة بعض قطع مجموعة متحفي جدة والجوف. وتكررت الاحداث في متحف دومة الجندل مما حدا بمدير متحف الدمام الاقليمي الى طلب تشديد وتوفير الحماية على ابواب متحفه وتركيب اجهزة انذار الكترونية متقدمة لحماية المقتنيات. ولا شك ان استيعاب الدرس من الكوارث التى تحل بالمتاحف الاخرى والعمل على تجنب تكرارها هو اتجاه اساسي في نظم ادارة الكوارث وتفادى ما ينتج عنها من ازمات.
ولأن احداث المتحف العراقي لا تزال حاضرة بكل ابعادها وصورها المؤلمة في الاذهان، فسيجرى الحديث عنها هنا باعتبارها تجسيدا ماثلاً وساطعاً لغياب المنهج العلمي المتكامل لادارة الكوارث والتعامل مع الازمات في المتاحف العربية. فمجريات الاحداث التى احاطت بالعراق منذ اندلاع الحرب العراقية الايرانية، ثم تطورات الوضع السياسي والامني عقب غزو العراق للكويت وماترتب عليه من تكوين تحالف دولي خاض حربا طاحنة ضد العراق، واستمرار الحصار وانتهاء بالحرب الاخيرة التى ادت الى ازالة النظام العراقى السابق، كل هذه الظروف كانت نذيرا كافيا لأن يتم الاحتياط باقصى ما يمكن اتخاذه من اجل توفير الحماية الكاملة لمقتنيات المتحف. ولعله من الطبيعي ان يبرز سؤال يصب في ذات الاتجاه وهو هل بادرت ادارة المتحف بوضع استراتيجية لحماية مقتنيات المتحف في ظل حدوث تطورات سالبة للامور والاوضاع في البلاد علما بأن المتحف قد اغلق لفترات متفاوتة في العقود الماضية مما اتاح فرصة وافية للنظر في اجراءات الحماية اللازمة. كذلك هل جرت محاولات للتأكد من وثائق المتحف وحفظها وتأمينها ونسخها على كافة الوسائط التكنولوجية المعروفة والمتاحة وقتها؟ ثم هل بادرت الادارة بحفظ نسخة كاملة من هذه الوثائق يجرى تحديثها اولا باول خارج مبنى المتحف بل وربما خارج العراق؟
ولعل اكبر ما أعترض عملية اعادة المواد التى تم نهبها من المتحف العراقي ببغداد وغيره من متاحف العراق في تلك المرحلة هو فقدان الوثائق الخاصة بالمعروضات. وهذا يقودنا للتأكيد مجددا على اهمية ان يحتفظ المتحف بنسخ مكتملة من وثائقه في مواقع اخرى. ونستعير هنا عبارة الدكتور جون كيرتس الخبير بالمتحف البريطاني والمختص في حضارة بلاد مابين النهرين حين علق على الوضع الذى آل اليه حال المتحف العراقي حين قال "ان متحفا بلا وثائق وسجلات كانسان فقد ذراعيه وساقيه". ولعدم وجود هذه الوثائق والسجلات اخذت الارقام عن القطع المفقودة تتضارب واصبح الامر وكأنه من باب التكهنات و التخمين. وقد عانى متحف عربي اخر من فقد وثائقه في ظرف كارثة بشرية سابقة وهو المتحف الوطني الكويتي اثناء الاجتياح العراقي للكويت ونقل نسبة كبيرة من محتوياته الى بغداد. فقد تسبب فقدان الوثائق وعدم وجود نسخة اخرى منها في موقع اخر في خلق كثير من العقبات في سبيل استعادة المتحف لما فقده من مواد (Norman 1997: 185).
ان عدم الاستقرار السياسي هو البيئة التى تخلق تهديدا حقيقيا للمتاحف وذلك لان تأمين المتاحف يبقى دائما الاضعف من بين سائر المؤسسات الاسترتيجية في كل الدول. ونجد في الصراع العربي الاسرائيلي نموذجا واضحا حيث ادى الى تعرض الكثير من المتاحف لصعوبات ومشاكل امنية فقدت على اثرها الكثير من محتوياتها. ونشطت في جمهورية مصر العربية مؤخرا حركة هدفها استعادة الاثار والمجموعات المتحفية من اسرائيل بعد ان كانت قد نقلت اليها اثناء سنوات الصراع والحروب بين الطرفين. ولا يزال هذا الصراع يلقى بظلاله على عمل المتاحف ويشكل مصدرا من مصادر الكوراث المستمرة التى تعانيها.
وبالعودة الى الكوارث الطبيعية نجد ان الزلازل عادة ما تكون هى اكثر الكوارث الحاقا للدمار بالمنشآت والبشر. والسبب ،بالطبع، ناتج من حدوثها دون سابق توقع كما انها قد تكون من القوة ما يفوق طاقة تحملها او امتصاصها. وتشهد ارجاء العالم المختلفة سنويا عددا هائلا من الزلازل يحدث العدد الاكبر منها دون ان يشعر بها احد وترصدها فقط المراصد العلمية المختصة. وهناك عدد من المناطق في مختلف ارجاء العالم تعرف بانها نشطة جيولوجيا وبالتالى فهى مناطق معروفة بتكرار حدوث الزلازل ومن بينها ارجاء واسعة من مناطق اواسط آسيا كايران وباكستان والهند وافغانستان وكذلك تركيا ومناطق واسعة من الجزر اليابانية والشمال الافريقي ومناطق الساحل الامريكي الغربي و المناطق الغربية والوسطى والشمالية من امريكا الجنوبية.
ووفقا لكتيب اصدره معهد ابحاث الزلازل باستانبول بالتعاون مع مرصد كانديلي ورد فيه ان عدد الزلازل التى تحدث سنويا يصل الى ثلاثة ملايين ونصف المليون زلزال. وان حوالى المليون زلزال هى التى يجرى رصدها وتسجيلهج7. ومن بين هذه فان 34000 زلزال تكون من القوة بدرجة يشعر بها سكان المناطق التى تحدث بها Petal 2002: 5)). ولا يلزمنا في هذا المقام ايراد مزيد من التفصيل عن كيفية حدوث الزلازل او النظريات العلمية حول هذه الظاهرة وتفسيراتها. الا انه لابد من الاشارة الى ان حجم الكوارث التى تحدثها الزلازل وانتشار مداها يD1تبط بعاملين اساسيين هما قوة الهزة التى يسببها الزلزال والمدى الزمني الذى تستغرقه.
ان ما يهمنا من هذا العرض الموجز للمعلومات والاحصائيات عن الزلازل هى الحقيقة التى تواجهنا دائما عند البحث عن كوارث المتاحف وهى انه لا يوجد بلد ما او منطقة ما بما في ذلك البلاد العربية في مأمن مطلق من امكانية تعرضها للزلازل والهزات الارضية بمستوى قد يعلو او ينخفض.
وحتى يقوم الحديث على وقائع فاننا نورد هنا نماذج موجزة وليست حصرية لبعض الزلازل التى ضربت بعض البلدان العربية في الفترات الاخيرة. فقد شهدت جمهورية الجزائر زلزالا قويا في اكتوبر من عام 1980م والذى اعتبر واحدا من اقوى الزلازل التى شهدها العالم في القرن العشرين و ادى الى دمار اكثر من 80 بالمئة من كامل مدينة الاصنام التى اعتبرت مركز الزلزال ومايقارب العشرة الاف قتيل. وفي عام1981م اصاب زلزال قوي جمهورية اليمن و خلف عددا من الاصابات وقدرا كبيرا من الدمار. وفي عام 1992م تعرضت مدينة القاهرة وما جاورها من مناطق لزلزال قوي خلف وراءه دمارا واسعا وبضع مئات من القتلى. وفي عام 1999م تكرر حدوث الزلزال بمصر وتركز هذه المرة الى الجنوب من القاهرة وتحديدا حول مدينة بني سويف. كما تجدد حدوث الزلزال في الجزائر في مايو من العام 2003م وأدى هذه المرة الى مقتل حوالى الفي شخص. وفي فبراير من عام 2004م ضرب زلزال قوي المناطق الشمالية من المملكة المغربية وادى الى دمار كبير ومقتل مئات من السكان. والمعروف تاريخيا وعلميا عن المنطقة الشمالية من المملكة المغربية انها من مناطق نشاط الزلازل وعدم الاستقرار الجيولوجي. كذلك ووفقا لدراسة اعدها د. سعيد الغامدي من جامعة الملك فهد بالظهران و د. عبدالله العمري من مركز الدراسات الزلزالية بجامعة الملك سعود بالرياض فقد تعرضت المملكة العربية السعودية خلال النصف الأول من العقد الأول من هذا القرن الى عدة هزات ارضية كان مركزها في منطقة تبوك. كما يعرف عن مناطق خليج العقبة ومنطقة جنوب غرب المملكة بأنها مراكز لانشطة الزلازل المتكررة[2].
ولأن خطر الزلازل يبقى ماثلا وحقيقيا وليس هناك من وسيلة تحول دون حدوثه، فان منهج ادارة الازمات يتطلب ان ننظر الى ما يمكن اتخاذه عمليا لتخفيف اثر الزلازل على مباني المتاحف ومجموعاتها المتحفية والعاملين بها. وغني عن القول ان هذه الاجراءات يتم اتخاذها قبل حدوث الزلازل بترتيب وتنسيق مستمرين. وسنستعرض هنا بعضا من تجارب قامت بها بعض المتاحف في انحاء مختلفة من العالم وهى جديرة بالدراسة والاستفادة منها.
فقد قام بعض العاملين المختصين بمتحف التاريخ الطبيعي بمدينة لوس انجلوس الامريكية مدفوعين بعلمهم ان هذه المدينة تشهد يوميا عددا من الهزات الارضية الخفيفة التى لا يشعر بها سكان المدينة، وان احتمال تعرض المدينة لهزة عنيفة هو امر في حكم المؤكد، قاموا بتصميم مشروع يهدف الى تثبيت معروضات المتحف و منعها من التأرجح والحركة حال حدوث الهزات الارضية. وتضم مجموعة المتحف حوالي الثî1اثة وثلاثين مليون قطعة مما يعني ان العمل على تنفيذ الخطوات اللازمة لتثبيت كل هذا العدد قد يستغرق سنوات عديدة. لذا، وكما هو متوقع فقد بدأ القائمون على المشروع بتحديد اولويات العمل وذلك باختيار المعروضات النادرة والاكثر اهمية لمشاريع البحث والاكثر جذبا للزوار. وتشتمل الخطة كذلك على تثبيت احزمة حول المعروضات وصناديق الحفظ بالمخازن وقاعات العرض والاهتمام بالقطع ذات الحجم الكبير التى تكون دائما من بين الضحايا الاولى للزلازل[3].
كذلك فقد قام بعض المختصين باعداد مشروع لحماية معروضات متاحف مدينة استانبول التركية والتى تقع بدورها في احد احزمة الزلازل النشطة. وقد تم تصميم مراحل هذا المشروع بناء على معرفة سابقة بأن اكثر ما تتعرض له المعروضات المتحفية اثناء حدوث الزلازل يتمثل في تعرض القطع الواقفة والمعلقة خارج خزائن العرض للتأرجح والسقوط . كذلك الحال بالنسبة للمعروضات داخل الخزانات الزجاجية والتى تتهشم بفعل ارتطامها بجدران الخزانات، بالاضافة الى ان تحطم الزجاج يضاعف من المخاطر التى تقع تلك المعروضات تحتها في مثل تلك الظروف.
ومن اجل توفير الحماية للمعروضات في مثل هذه الظروف فقد اقترح القائمون بالمشروع بعض الخطوات متمثلة في تثبيت المعروضات بأسلاك معدنية، وكذلك باستخدام نوع من الشمع اللاصق الذى يعرف استخدامه في اغراض مختلفة في المتاحف. كذلك اقترحوا تقليل عدد المعروضات في الخزانة الواحدة وفي القاعة الواحدة مع استخدام خيوط معدنية قوية للقطع المعلقة. كذلك اقترحت الدراسة ان تشمل وسائل الحماية كل القطع الموجودة في مخازن المتاحف، باختيار وسائل وطرق التخزين المناسبة ، وعدم تكديس القطع باعداد كبيرة ، ووضع مواد عازلة بينها، ووضع بعضها في شبكات يجرى تصميمها بشكل خاص مع استخدام اللفافات القماشية للقطع الكبيرة.
كذلك فان من وسائل حماية المتاحف من خطر الزلازل اتخاذ الاحتياطات المعمارية من حيث التصميم لجعل المبنى مقاوما لأثر الهزات الارضية بأي درجة كانت ( (seismic retrofitting. وتجب الاشارة هنا الى التجربة التى اصبح بموجبهاالمتحف القومي للفنون الغربية بالعاصمة اليابانية طوكيو اول مبنى في اليابان يشهد ادخال وحدات عازلة في قواعد المبنى واصبح بالتالى مقاوما للزلازل. وقد تم ذلك في مرحلة لاحقة بعد اكتمال بناء المتحف عام 1959م واشتراط وزارة الانشاءات اليابانية من المهندسين الذين كلفوا بهذا العمل ان يقوموا به دون المساس بالمظهر العام للمبنى وهو ماحدث فعلا. وتعتبر دراسة الباحثين الغامدي والعمري المشار اليها سابقا من بين النماذج العربية الحديثة التى تهدف الى تبنى تصميمات معمارية مقاومة لانشطة الزلازل. وقدمت الدراسة كذلك رؤية معمارية متكاملة ومقترحات عملية تدعو في مجملها الى "اعتماد مواصفات التصميم الانشائى المقاوم للزلازل". ولعله من المفيد حقا ان يصبح مثل هذا الاتجاه ملزما عند التفكير في تصميم مباني المتاحف بالدول العربية وان يتم توفير مايلزم من مصادر مالية وتقنية لمراجعة مباني المتاحف القائمة لتصبح مقاومة لانشطة الزلازل والهزات الارضية.
ان التركيز على ظاهرة الزلازل من بين سائر الكوارث الطبيعية الأخرى إنما يجىء بسبب انها تكون هى الاشد فتكا والاكثر ضررا. و كذلك تتسبب الزلازل في مجموعة كوارث اخرى مثل الحرائق التى تنجم عن تماس توصيلات الكهرباء او من تسرب الغازات والسوائل الكيميائية. وبسبب الزلازل ايضا يحدث انفجار تمديدات المياه مما يعرض الموقع لخطر الغمر بالمياه. وكما سبق القول فان حدوث الزلازل هو خارج عن حدود السيطرة البشرية ولا يملك الانسان من امرها شئ، ولكن يبقى واجبا الاستعداد الكامل لمواجهة نتائجها واثارها.
مراحل ادارة الكوارث بالمتاحف
يتفق معظم المهتمين بأنظمة ادارة الكوارث على تقسيم خطة مواجهة الكوارث الى اربع مراحل، وهى مرحلة توفير الحماية ثم مرحلة الاستعداد ثم مرحلة رد الفعل المباشر فور حدوث الكارثة واخيرا مرحلة اعادة الامور الى وضعها الطبيعي ( (Gigler 1988: 7-8. وتعتبر المرحلتان الاولى والثانية من مراحل ماقبل حدوث الكارثة، اما المرحلتان الثالثة والرابعة فهما من مراحل ما بعد حدوث الكارثة. ولا تخرج اى خطة لادارة الكوارث عن هذه المراحل الاربعة. الا ان التفاصيل الداخلية لها تخضع لطبيعة وعمل واختصاص المنظمات والهيئات والمؤسسات المعنية.
ولأن هذه الدراسة تختص بمناقشة فكرة ادارة الكوارث بالمتاحف العربية فسيكون مدار الحديث فيما يلى عن كيف يمكن ان يتم وضع هذه المراحل الاربعة ضمن خطة متكاملة تساعد المتاحف في مواجهة الكوارث التى يمكن ان تتعرض لها.
ففي مرحلة الحماية لابد ان تعمل المتاحف وبشكل موازِ على اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية مقتنياتها سواء المعروضة للزوار او المحفوظة بالمخازن. وقد سبقت الاشارة الى تجارب عملية اتخذتها بعض المتاحف لحماية مقتنياتها يمكن للمتاحف العربية الاستفادة منها. كذلك فان هذه المرحلة تشتمل على توفير تقنيات الحماية الحديثة كالابواب الالكترونية واستخدام اجهزة المراقبة المتطورة واجهزة الانذار واستخدام الزجاج المصفح لحماية القطع التى تمتاز بأهمية خاصة. كما يجرى تدريب العاملين للتعامل مع هذه المعدات وتحديثها واختبارها بشكل مستمر مع الاحتفاظ بسجلات صيانتها وتحديثها دائما. اما مرحلة الاستعداد فتشمل تدريب العاملين على استخدام وسائل الحماية وكذلك وضع الخطط المناسبة لاجلاء المقتنيات خارج المتحف في الوقت المناسب خاصة في اجواء الازمات السياسية والصراعات المسلحة. وتشتمل خطة الاخلاء على المعرفة المسبقة بالمواقع التى سيتم الاخلاء اليها واتخاذ الاحتياطات الكافية لتأمين المجموعات المتحفية في المواقع الجديدة. ومن اهم اعمال هذه المرحلة الاختبار المستمر لوثائق وسجلات المتحف وتحديثها بشكل دوري ودقيق. كذلك فلابد من التنسيق مع جهات اخرى لحفظ اكثر من نسخة من وثائق المتحف خارج مبنى المتحف بل ومن الممكن ان يتم حفظها خارج حدود الدولة المعنية. فقد كان -على سبيل المثال- لاحتفاظ دار الاثار الاسلامية الكويتية بنسخة من وثائقها بلندن الدور الكبير في التعرف على مفقودات الدار بعد الغزو العراقي للكويت. واعتماداً على تلك النسخة امكن وضع قائمة لمفقودات الدار مدعومة بالصور و الوثائق وتم تسليمها الى سلطات الانتربول والامم المتحدة ، وعلى اساسها تم التعرف على مفقودات الدار واستعادتها من بغداد(Norman 1997: 185 ).
اما اولى مراحل ما بعد الكارثة وهى مرحلة رد الفعل المباشر فتبدأ برفع الانقاض وتقييم درجة الدمار والتخريب الناجمين عن الحادثة. وفيما يتعلق بمحتويات المتحف فيجب التأكد من حالتها بالدقة اللازمة وعدم تحريكها الا بعد التأكد من قابليتها للحركة. كذلك يجب التأكد حين يتم رفع وازالة الانقاض من عدم احتوائها على شظايا واجزاء صغيرة تعود لقطع المجموعة المتحفية وذلك حتى يسهل ترميمها مرة اخرى.
اما اخر المراحل فهى مرحلة اعادة ترتيب الاوضاع الى اول عهدها. وفي المتاحف فان هذه المرحلة تعنى اولا تأمين المعروضات التى لم ينلها الدمار والتأكد من سلامة مواقعها الجديدة. وتجرى اعمال البناء بشقيها العاجل والآجل، وذلك لجعل المبنى ومرافقه صالحة في حدها الادنى لايواء المعروضات والعاملين بالمتحف. وتمثل هذه المرحلة في ذات الوقت بداية الاعداد من جديد لما قد يطرأ من كوارث في المستقبل.
من هنا يصبح حريا بكل متحف ان يسعى لوضع خطة واضحة المعالم لمواجهة كل انواع الكوارث المحتملة طبيعية كانت ام بشرية. وليس من الممكن نظريا وعمليا افتراض خطة واحدة لتطبيقها على كل المتاحف، كما وأنه من الخطأ الواضح ان تقوم ادارة متحف ما باستبعاد اي نوع من الكوارث اعتمادا على حقائق ماضية او انية وظروف لايملك احد وسيلة للتأكيد بانها ستستمر هكذا الى الابد. فعلى سبيل المثال لا يجوز ان نستثنى احتمال وقوع زلزال اذا لم تعرف المنطقة هذه الظاهرة في تاريخها القريب. كما يجب عدم التسليم لحقيقة ان هذه الدولة او تلك تشهد حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي بصورة تصرفنا حتى من التفكير في احتمال حدوث كارثة بشرية ما. فكما سبقت الاشارة فان الاثار التى ترتبت على حدوث الكوارث البشرية التى لحقت ببعض المتاحف العربية لم تبلغ ذلك المدى الذى رأيناه الا بسبب الاسترخاء والاطمئنان الى ان شيئا من ذلك لن يحدث. من هنا يتضح لنا اهمية ان تأخذ المتاحف العربية على اختلاف انواعها وتخصصاتها ومواقعها بمنهج ادارة الكوارث واعتماده ضمن الخطة الادارية العامة. ولوضع هذا المقترح موضع التنفيذ فلابد من وجود وحدة لادارة الكوارث بكل متحف يكون على رأسها احد الافراد من ذوي المواقع العليا بالمتحف. ويدخل من ضمن اعمال هذه اللجنة تحديد وتوضيح المخاطر التى يمكن ان تصيب المتحف وتحديد واجبات كل فرد لاحتواء الكارثة عند حدوثها. كما يقع ايضا من بين اعمال هذه اللجنة المراجعة والتحديث المستمر للواجبات والخطط اللازمة لمواجهة الكوارث. واذا علمنا ان مثل هذه اللجنة مناط بها عمل يتصل اساسا بوجود المتحف واستمراره في اداء رسالته، فيبقى لزاما ان يكون بوسع هذه اللجنة الوصول دائماً وفوراً الى المصادر المادية والبشرية بالمتحف. وكما سبق الحديث، فان الاستعداد لمواجهة الكوارث يتطلب وضع تصور لكل نوع من الكوارث المحتملة. فعلى سبيل المثال، ماذا سيحدث اذا وقع زلزال او نشب حريق او حدثت فيضانات جارفة او عواصف واعاصير، او اذا اندلعت اعمال شغب في المنطقة وتحولت الى حالة من عدم الاستقرار؟ وماذا سيجرى اذا حدث انفجار في او حول المتحف او حدث تسرب للغازات داخل المتحف؟ وعلى مستوى اقل من ذلك ماذا سيحدث اذا انقطع التيار الكهربائي لفترات طويلة وتعطلت تبعا لذلك خدمات الاتصال و اجهزة الانذار والمصاعد؟ فاذا ادركنا ان احتمال حدوث مثل هذه الاحداث هو امر وارد جدا وفي كل موقع وفي اي وقت، وان عدم حدوثها في الماضي لا يعنى بأى حال انها لن تحدث في المستقبل، وانها اذا حدثت دون ان يتوفراستعداد مناسب لها فستكون بثمن غال، فيبقى علينا التفكير في ماذا يمكن عمله لمنع حدوثها ان كان ذلك ممكنا او التخفيف من اثارها على اسوأ الفروض. وعند النظر في هذه الاحتمالات يصبح واجبا وضع اولويات وذلك في ضوء كل العوامل المتصلة بالمتحف من داخله ومن خارجه. وتأخذ هذه الاولويات في الاعتبار نوع المتحف وما يحتويه من مواد، ومواد البناء المستخدمة والمواد الكيميائية المحفوظة في المعمل وفي غيره من الوحدات. كذلك تؤخذ في الاعتبار اعمال الصيانة وتاريخها وتمديدات المياه والكهرباء والغاز ومراجعة سجلات صيانتها. اما في العوامل الخارجية فالمطلوب من المتحف الواقع في منطقة تنشط فيها الزلازل أن يولى هذا الجانب اهتماما خاصاً عند تصميم برامج ادارة الكوارث.
ان الهدف الاساسي من اقتراح منهج متحفي لادارة الكوارث هو ان يصبح الاستعداد والتخطيط والتقييم والمتابعة والمراجعة والتطوير سمات ملازمة للعمل الاداري المتحفي اليومي. ويلازم ذلك تحديد واجبات كل شخص ضمن خطة مواجهة الكوارث وبذل كل مايلزم ليؤدى كل فرد واجبه حين يكون ذلك واقعا مطلوبا. ومع تحديد الواجبات الفردية الا انه ينبغى ان يصبح واضحا ان العمل في مواجهة الطوارئ هو عمل جماعي لا يمكن ان يقوم به شخص بمفرده. وان تخلف اي فرد عن اداء دوره يمكن ان يصيب العمل كله بالشلل التام. لذا فيصبح مهما ان تتوفر لدى رئيس الفريق المختص الية تمكنه من الوصول والاتصال بكل افراد الفريق بلا تأخير. كذلك فان وضع وتنفيذ خطط مواجهة الكوارث يتطلب اتصالا وتنسيقا مستمرين مع الجهات الرسمية للاستعانة بهم في تصميم الخطة ومراجعتها والتأكد من فاعليتها. من بين هذه الجهات سلطات الدفاع المدني والارصاد الجوي والشرطة والهيئات الجيولوجية وادارة الخدمات الصحية.
___________________________________
للتعقيب والتعليق على هذه الدراسة أو إضافة أو تصحيح بعض المعلومات يرجى الإتصال بالكاتب على البريد الإلكتروني:
ealhadi@gmail.com
الهوامش
[1] (http://archaeologic.net/cp/admincmds.php?action=subnews_edit&sn_id=1603#_ednref1)http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=11221&I=155618 (http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=11221&I=155618)
[2]قدم الباحثان دراستهما بعنوان "اعتماد مواصفات التصميم الانشائى لمقاومة الزلازل في المملكة العربية السعودية- لماذا وكيف" ضمن اعمال ندوة الابداع والتمييز في النهضة العمرانية بالمملكة العربية السعودية خلال مائة عام والتى عقدت في العام 2002م.
[3] شكرا للانسة تانيا كولازالموظفة بقسم الابحاث والمحموعات بالمتحف القومى للتاريخ الطبيعى بلوس انجلوس والمشرفة على البحث الخاص بمواجهة اثار الزلازل بالمتحف على مدى بالمعلومات حول هذا المشروع. ستنشر الدراسة الكاملة ضمن اصدارات جمعية التاريخ الطبيعى الامريكية في مطلع عام 2005م.
المصادر
Dorge, Valerie & Jones, Sharon 1999 Building an Emergency Plan: A Guide for Museums and Other Cultural Institutions.
Los Angeles: The Getty Conservation Institute.
Gigler, Beverly 1988 Emergency Management and Public Administration. Crisis Management: a casebook. Ed. Michael Charles and John C Kim. PP. 5-19.
Sprongfield, Ill : Charles Tomas Publisher.
Norman, Kristy 1997 The Invasion of Kuwait, and the Subsequent Recovery of its National Museum: A conservator's View. Museum Management and Curatorship. Vol. 16/2 PP. 180-191.
الكاتب
عصام الدين عثمان الهادي
المصدر
مجلة الآثار