شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : حكاية المتكلمة بالقرآن


ريمة مطهر
08-27-2011, 05:15 PM
حكاية المتكلمة بالقرآن


قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى : خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام ، وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام فبينما أنا في بعض الطريق ، إذا أنا بسواد على الطريق فتميزت ذاك فإذا هي عجوز عليها درع من صوف ، وخمار من صوف ، فقلت : السلام عليك ورحمة الله وبركاته .
فقالت : ( سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=1563&idto=1563&bk_no=49&ID=1601#docu)) .
قال : فقلت لها : يرحمك الله ما تصنعين في هذا المكان ؟ .
قالت : ( مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ) .
فعلمت أنها ضالة عن الطريق ، فقلت لها : أين تريدين ؟ .
قالت : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) .
فعلمت أنها قد قضتْ حجَّتها وهي تريد بيت المقدس ، فقلت لها : أنت منذ كم في هذا الموضع ؟ .
قالت : ( ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) .
فقلت : ما أرى معك طعاماً تأكلين ؟ .
قالت : ( هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ) .
فقلت : فبأي شيء تتوضئين ؟ .
قالت : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) .
فقلت لها : إن معي طعاماً فهل لك في الأكل ؟ .
قالت : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .
فقلت : ليس هذا شهر رمضان .
فقالت : ( وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) .
فقلت : قد أبيح لنا الإفطار في السفر .
قالت : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) .
فقلت : لِمَ لا تكلمينني مثل ما أكلمك ؟ .
قالت : ( ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) .
فقلت : فمن أي الناس أنت ؟ .
قالت : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ً) .
فقلت : قد أخطأت فاجعليني في حِلِّ .
قالت : ( لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ ) .
فقلت : فهل لك أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة ؟ .
قالت : ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ) .
قال : فأنخت ناقتي .
قالت : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) .
فغضضت بصري عنها وقلت لها : اِركبي ، فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها فقالت : ( وَمَا أصباكم مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) .
فقلت لها : اصبري حتى أعقلها .
قالت : ( فَفَهَّمنها سُليمان ) .
فعقلت الناقة وقلت لها : اركبي .
فلما ركبت فقالت : ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) .
قلت : فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسعى وأصيح . فقالت : ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ) .
فجعلت أمشي رويداً رويداً وأترنم بالشعر ، فقالت : ( فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .
فقلت لها : لقد ( أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) ( وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) ، فلما مشيت بها قليلاً ، قلت : ألك زوج ؟ .
قالت : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) .
فسكَتُّ ولم أكلمها حتى أدركت بها القافلة فقلت لها : هذه القافلة ، فمن لك فيها ؟ .
فقالت : ( المالُ والبنونَ زينةُ الحياةِ الدُّنيا ) .
فعلمت أن لها أولاداً ، فقلت : وما شأنهم في الحج ؟ .
فقالت : ( وَعَلَمَتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) .
فعلمت أنهم أدلاء الركب فقصدت بها القِباب ، والعمارات فقلت : هذه القباب .. فمن لك فيها ؟ .
قالت : ( واتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً ، وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ، يا يَحْيَى خُذ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) .
فناديتُ : يا إبراهيم .. يا موسى .. يا يحيى ..
فإذا بشبان كأنهم الأقمار قد أقبلوا ، فلما استقر بهم الجلوس قالت : ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ ) فمضي أحدهم فاشترى طعاماً فقدموه بين يدي ، فقالت : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) .
فقلت : الآن طعامكم عليّ حرام حتى تخبروني بأمرها .
فقالوا : هذه أمنا ، لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تَزِلَّ فيسخط عليها الرحمن . فسبحان القادر على ما يشاء .
فقلت : ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيـمِ ) .
والله أعلم بالصواب ، وصلى الله على سيدنا محمد على آله وصحبة وسلم .

المرجع
المستطرف في كل فنٍّ مستظرف ، شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي ، ص 103 - 104
تحقيق د . درويش الجويدي