شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : بلقيس


ريمة مطهر
02-03-2011, 10:45 PM
بلقيس
( الملكة )


تستمد قصة الملكة بلقيس أهميتها من ذكر قصتها في الكتاب الحكيم مع النبي سليمان عليه السلام في سورة النمل ، مما أكسبها شهرة لم تكن للكثير من الملوك من قبلها أو من بعدها ، وضمنت بأن يبقى ذكرها خالداً عبر العصور، وعلى مر الدهور؛ وذلك لأن القرآن باقٍ وخالدٌ إلى آخر الزمان كما قال الحق جل وعلا : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " .

نسبهـا
تنسب الملكة بلقيس إلى الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر ، وهناك اختلاف كبير بين المراجع التاريخية في تحديد اسم ونسب هذه الملكة الحِمْيَرية اليمانية ، كما أنه لا يوجد تاريخ لسنة ولادتها ووفاتها .

أهم ملامح شخصيتها
1- رجاحة عقلها ، وبليغ حكمتها ، وحسن مشاورتها
إن الملكة بلقيس ما كان لها هذا الشأن العظيم لولا اتصافها برجاحة العقل وسعة الحكمة وغزارة الفهم . فحسن التفكير وحزم التدبير أسعفاها في كثيرٍ من المواقف الصعيبة والمحن الشديدة التي تعرضت لها هي ومملكتها .

2- ذكاءها وفطنتها
كانت بلقيس فطينة رزينة ، وكانت فطنتها نابعة من أساس كونها امرأة ، فالمرأة خلقها الله عز وجل وجعلها تتمتع بحاسة تمكنها من التبصر في نتائج الأمور وعواقبها . كما أنها عُرفت بحسن المشاورة إلى جانب البراعة في المناورة ، فهي لم تكن كبقية الملوك مُتسلطة في أحكامها ، مُتزمتة لآرائها ، لا تقبل النقاش أو المجادلة فهي ببصيرتها النيّرة كانت ترى أبعد من مصلحة الفرد ، فهّمها كان فيما يحقق مصلحة الجماعة .

ذكر بلقيس في القرآن الكريم
إن بلقيس لم تكن امرأة عادية ، أو ملكة حكمت في زمن من الأزمان ومر ذكرها مرور الكرام شأن كثير من الملوك والأمراء . ودليل ذلك ورود ذكرها في القرآن . فقد خلد القرآن الكريم بلقيس ، وتعرض لها دون أن يمسّها بسوء ، ويكفيها شرفاً أن ورد ذكرها في كتابٍ مُنزلٍ من لدن حكيم عليم ، وهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولم ولن يعتريه أي تحريف أو تبديل على مر الزمان ، لأن رب العزة - جل وعلا - تكفل بحفظه وصونه قال تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون " . فذِكر بلقيس في آخر الكتب السماوية وأعظمها وأخلدها هو تقدير للمرأة في كل زمان ومكان ، هذه المرأة التي استضعفتها الشعوب والأجناس البشرية وحرمتها من حقوقها ، وأنصفها الإسلام وكرمها أعظم تكريم . وهذا في مجمله وتفصيله يصب في منبع واحد ، ألا وهو أن الملكة بلقيس كان لها شأنٌ عظيم جعل قصتها مع النبي سليمان عليه السلام تذكر في القرآن الكريم .

إسلام الملكة بلقيس مع سليمان عليه السلام
كثيرةٌ هي القصص المذكورة في القرآن عن أقوامٍ لم يؤمنوا برسل الله وظلوا على كفرهم على الرغم مما جاءهم من العلم . إلا أن بلقيس وقومها آمنوا برسول الله سليمان عليه السلام ولم يتمادوا في الكفر بعدما علموا أن رسالته هي الحق وأن ما كانوا يعبدون من دون الله كان باطلاً . واعترفت بلقيس بأنها كانت ظالمة لنفسها بعبادتها لغير الله " قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين . [ سورة النمل :44]

توليها الحكم
كانت بلقيس سليلة حسبٍ ونسب ، فأبوها كان ملكاً ، وقد ورثت الملك بولاية منه ؛ لأنه على ما يبدو لم يُرزق بأبناء بنين . لكن أشراف وعلية قومها استنكروا توليها العرش وقابلوا هذا الأمر بالازدراء و الاستياء ، فكيف تتولى زمام الأمور في مملكة مترامية الأطراف مثل مملكتهم امرأة ، أليس منهم رجلٌ رشيد؟ وكان لهذا التشتت بين قوم بلقيس أصداء خارج حدود مملكتها ، فقد أثار الطمع في قلوب الطامحين الاستيلاء على مملكة سبأ ، ومنهم الملك " عمرو بن أبرهة " الملقب بذي الأذعار . فحشر ذو الأذعار جنده وتوجه ناحية مملكة سبأ للاستيلاء عليها وعلى ملكتها بلقيس ، إلا أن بلقيس علمت بما في نفس ذي الأذعار فخشيت على نفسها ، واستخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار . وعادت بلقيس بعد أن عم الفساد أرجاء مملكتها فقررت التخلص من ذي الأذعار ، فدخلت عليه ذات يوم في قصره وظلت تسقيه الخمر وهو ظانٌ أنها تسامره وعندما بلغ الخمر منه مبلغه ، استلت سكيناً وذبحته بها . إلا أن رواياتٍ أخرى تشير إلى أن بلقيس أرسلت إلى ذي الأذعار وطلبت منه أن يتزوجها بغية الانتقام منه ، وعندما دخلت عليه فعلت فعلتها التي في الرواية الأولى . وهذه الحادثة هي دليلٌ جليّ وواضح على رباطة جأشها وقوة نفسها ، وفطنة عقلها وحسن تدبيرها للأمور ، وخلصت بذلك أهل سبأ من شر ذي الأذعار وفساده .

وازدهر زمن حكم بلقيس مملكة سبأ أيمّا ازدهار، واستقرت البلاد أيمّا استقرار، وتمتع أهل اليمن بالرخاء والحضارة والعمران والمدنية . كما حاربت بلقيس الأعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة . ومما أذاع صيتها وحببها إلى الناس قيامها بترميم سد مأرب الذي كان قد نال منه الزمن وأهرم بنيانه وأضعف أوصاله ، وبلقيس هي أول ملكة اتخذت من سبأ مقراً لحكمها .

قصة بلقيس مع سليمان عليه السلام
ورد ذكر الملكة بلقيس في القرآن الكريم ، فهي صاحبة الصرح المُمَرد من قوارير وذات القصة المشهورة مع النبي سليمان بن داود عليهما السلام في سورة النمل .

عبادة بلقيس وقومها للشمس
قد كان قوم بلقيس يعبدون الأجرام السماوية والشمس على وجه الخصوص ، وكانوا يتقربون إليها بالقرابين ، ويسجدون لها من دون الله ، وهذا ما لفت انتباه الهدهد الذي كان قد بعثه سليمان عليه السلام ليبحث عن موردٍ للماء . وبعد الوعيد الذي كان قد توعده سليمان عليه السلام إياه لتأخره عليه بأن يُعذبه إن لم يأت بعذرٍ مقبول ، عاد الهدهد وعذره معه " أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين " [ سورة النمل : 6 ] ، فقد وجد الهدهد أن أهل سبأ على الرغم مما آتاهم الله من النعم إلا أنهم " يسجدون للشمس من دون الله " [ سورة النمل :24]

فما كان من سليمان عليه السلام المعروف بكمال عقله وسعة حكمته إلا أن يتحرّى صدق كلام الهدهد ، فقال : " سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " [ سورة النمل :27 ] ، وأرسل إلى بلقيس ملكة سبأ بكتابٍ يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله ورسوله والإنابة والإذعان ، وأن يأتوه مسلمين خاضعين لحكمه وسلطانه ، ونصه " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين " . [ سورة النمل :30 - 31]

صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة
كانت بلقيس حينها جالسة على سرير مملكتها المزخرف بأنواع من الجواهر واللآلئ والذهب مما يسلب الألباب ويذهب بالمنطق والأسباب . ولما عُرف عن بلقيس من رجاحة وركازة العقل فإنها جمعت وزراءها وعلية قومها ، وشاورتهم في أمر هذا الكتاب . في ذلك الوقت كانت مملكة سبأ تشهد من القوة ما يجعل الممالك الأخرى تخشاها ، وتحسب لها ألف حساب . فكان رأي وزرائها " نحن أولوا قوةٍ و أولوا بأس شديدٍ " [ سورة النمل : 33 ] في إشارةٍ منهم إلى اللجوء للحرب والقوة . إلا أن بلقيس صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة ارتأت رأياً مُخالفاً لرأيهم ، فهي تعلم بخبرتها وتجاربها في الحياة أن " الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون " [ سورة النمل : 34 ] . وبصرت بما لم يبصروا ورأت أن ترسل إلى سليمان عليه السلام بهديةٍ مع علية قومها وقلائهم ، علّه يلين أو يُغير رأيه ، منتظرةٌ بما يرجع المرسلون . ولكن سليمان عليه السلام رد عليهم برد قوي مُنكر صنيعهم ومتوعد إياهم بالوعيد الشديد قائلاً : " أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتكم بل أنتم بهديتكم تفرحون" . [ سوة النمل : 35 ]

رؤية بلقيس لمُلك سليمان عليه السلام
عندها أيقنت بلقيس بقوة سليمان عليه السلام وعظمة سلطانه ، وأنه لا ريب نبي من عند الله عز وجل ، فجمعت حرسها وجنودها واتجهت إلى الشام حيث سليمان عليه السلام . وكان عرش بلقيس وهي في طريقها إلى سليمان عليه السلام مستقراً عنده ، فقد أمر جنوده بأن يجلبوا له عرشها ، فأتاه به رجلٌ عنده علم الكتاب قبل أن يرتد إليه طرفه . ومن ثم غّير لها معالم عرشها ، ليعلم أهي بالذكاء والفطنة بما يليق بمقامها وملكها . ومشت بلقيس على الصرح الممرد من قوارير والذي كان ممتداً على عرشها ، إلا أنها حسبته لجةً فكشفت عن ساقيها وكانت مخطئة بذلك عندها عرفت أنها وقومها كانوا ظالمين لأنفسهم بعبادتهم لغير الله تعالى وأسلمت مع سليمان عليه السلام لله رب العالمين .

زواج بلقيس من سليمان عليه السلام
يسكت السياق القرآني عن قصة بلقيس بعد إسلامها .. ويقول المفسرون أنها تزوجت سليمان عليه السلام بعد ذلك .. ويُقال أنها تزوجت أحد رجاله .. أحبته وتزوجته ، وتقول المراجع التاريخية أن سليمان عليه السلام تزوج من بلقيس ، وأنه كان يزورها في سبأ بين الحين والآخر . وأقامت معه سبع سنين وأشهراً ، وتوفيت فدفنها في تدمر .

وقد ذكر الثعلبي وغيره أن سيلمان عليه السلام تزوجها أقرّها على مملكة اليمن وردها إليه ، وكان يزورها في كل شهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام ثم يعود على البساط ، وأمر الجانّ فبنوا له ثلاثة قصور باليمن . غُمدان وسالحين وبيتون فالله أعلم .

وقد روى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه أن سليمان عليه السلام لم يتزوجها بل زوجها بملك هَمدان وأقرّها على ملك اليمن وسخر زوبعة ملك اليمن فبنى لها القصور الثلاثة التي ذكرناها باليمن ، والأول أشهر وأظهر . والله أعلم .

المراجع
كتاب الأعلام
أعلام النساء في عالمي الغرب والإسلام
قصص الأنبياء

ريمة مطهر
09-04-2011, 07:47 PM
في ذكر النساء الصالحات
بلقيس
بنت الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن غالب بن المنتاب بن زيد بن يعفر بن السكسك بن وائل بن حمير بن عبد شمي بن تشخب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح علايه السلام وهي زوجة سليمان عليه السلام ملكت اليمن بعد أبيها سنة أربعة آلاف وأربعمائة وثماني عشرة سنة من هبوط آدم عليه السلام وذكر في " المعالم " أن بلقيس كانت أمها من الجن ، [ و ] كان أبوها ملكاً في اليمن ، وقد ملك قبله أربعون ملكاً ، وهو آخرهم ، وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفواً لي أن أتزوج منكم . فزوجوه امرأة من الجن يقال لها : ريحانة بنت السكن فولدت له بلقيس ولم يكن له ولد غيرها .

قال العلماء : ما ثبت إنجاب أولاد من جني أو جنية وقيل : أن أحد أبوي بلقيس كان جنياً ، فلما مات أبوها طمعت بلقيس في الملك فأطاعها قوم ، وعصاها آخرون وملكوا عليهم رجلاً ، وافترقت مملكة اليمن فرقتين ، ثم إن الرجل أساء السيرة في مملكته وجعل يمد يده إلى حرم رعيته ، ويفجر بهن ، فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه ، فلما بلغ ذلك بلقيس أدركتها الغيرة فأرسلت إليه تعرض نفسها عليه فأجابها الملك ، فأرسلت إليه أن اجمع رجال قومي واخطبني ، فجمعهم وخطبها ، فجاءوا إليها وأخبروها فرضيت وقالت : أجبت الولد فزوجوها منه ، فلما زفت إليه خرجت في أناس كثيرين فلما جاءته سقته الخمر حتى سكر ، ثم جزت رأسه ، وانصرفت من الليل إلى منزلها ، فلما أصبح الناس رأوا الملك قتيلاً ، ورأسه منصوب على باب دارها ، فاجتمعوا إليها ، وقالوا : أنت بهذا الملك أحق من غيرك ، فملكوها عليهم ، فملكت اليمن بأسره .

قال ابن عباس رضي الله عنه : كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعاً في ثلاثين ذراع ، وطوله في السماء ثلاثون ذراعاً . وقال مقاتل : طوله ثمانون ذراعاً في ثمانين ، وطوله في السماء ثمانون ، وقيل : طوله ثمانون ذراعاً وعرضه أربعون ذراعاً وارتفاعه ثلاثون . وقيل : كان سريراً ضخماً مضرباً من الذهب ، مكللاً بالدر والياقوت والزمرد ، وعليه سبعة أبيات ، على كل بيت باب مغلق وكان في ملكها في أيام سليمان عليه السلام فاتفق أن سليمان عليه السلام سار في الجهاد ، وكانت الطيور تظله من الشمس ، والهدهد دليله إلى الماء ، يعرف الماء تحت الأرض ، ويراه كما يرى في الزجاج ، ويعرف قريبه وبعيده ، فينقر الأرض ثم تجيء الشياطين فيخرجون الماء . فنزل سليمان منزلاً فاحتاج إلى الماء فتفقد الهدهد فلم يجده ، فقال : ما لي لا أرى الهدهد ? وكان سليمان قد وافى نحو صنعاء ورأى أرضاً حسنة تزهر خضرتها ، فنزل هناك ، وقال الهدهد في نفسه : إن سليمان قد اشتغل بالنزل ، فأرتفع نحو السماء وأنظر إلى طول الدنيا وعرضها ، ففعل ، ورأى بستان بلقيس فنزل إليه فوجد هناك أيضاً هدهداً مثله واسمه عنفير ، واسم هدهد سليمان يعفور ، فقال عنفير ليعفور : من أين أقبلت ، وإلى أين تريد ? قال : من الشام مع سليمان بن داود ، فقال عنفير : من سليمان ? قال يعفور : ملك الجن والشياطين والإنس والطير والوحش والهوام والرياح ، فمن أنت ? قال عنفير : أنا من هذه البلاد . فقال له : ومن يملكها ? قال : بلقيس ، وتحت يدها اثنا عشر ألف قائد ، تحت يد كل قائد مائة ألف مقاتل ، فهل لك أنت تنطلق معي حتى تنظر إلى ملكها ? فانطلق معه ، ونظر إلى بلقيس وملكها ، ورجع إلى عند سليمان وقت العصر ، وكان سليمان قد سأل النسر عن الهدهد ، فقال : ما أدري أين هو ? فغضب سليمان وقال : لأعذبنه أو لأذبحنه ، ثم دعا بالعقاب سيد الطيور فقال : عليّ بالهدهد . فرفع العقاب نفسه بالهواء فإذا هو بالهدهد مقبلاً من نحو اليمن فانقض عليه ، فناشده الله وقال له : ارحمني فولى عنه العقاب فقال له : إن نبي الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ، ثم توجها فلما وصلا العسكر لقبه النسر والطير فقالوا له : أين كنت فلقد توعدك سليمان . وأخبروه . فقال الهدهد : وما استثنى . قالوا : بلى ، قال : أو ليأتيني بسلطان مبين . قال : نجوت إذاً ، ثم أتيا سليمان ، فقال العقاب : أتيتك به ، فلما قرب الهدهد رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض . فلما دنا منه أخذ برأسه ، وقال له : أين كنت ? لأعذبنك عذاباً شديداً ، فقال الهدهد : جئتك بسلطان مبين ، فعفا عنه ، وسأله : ما الذي أبطأك عني ? فقال قوله تعالى : ( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين ، إني وجدت امرأة تملكهم ) الآية . قال سليمان للهدهد قوله تعالى : ( سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) فدلهم الهدهد على الماء فشربوا ورووا الدواب ، ثم كتب كتاباً : من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ ، بسم الله الرحمن الرحيم ، السلام على من اتبع الهدى . أما بعد ، ألا تعلوا عليّ ، وأتوني مسلمين ، ولما تم الكتاب طبعه بالمسك . وختمه بخاتمه ، قال للهدهد : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ، ثم تول عنهم وتنح وكن قريباً منهم فانظر ، ماذا يرجعون ? فأخذ الهدهد الكتاب وسار به إلى اليمن ، وأتى بلقيس فكانت بأرض يقال لها مأرب تبعد عن صنعاء ثلاثة أيام ، فوافها في قصرها وقد غلقت الأبواب ، لأنها كانت إذا رقدت غلقت الأبواب ، ووضعت المفاتيح تحت رأسها فأتاها الهدهد وهي نائمة على قفاها ، فألقى الكتاب على نحرها ، هكذا رواه قتادة ، وقال مقاتل : حمل الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس بلقيس ، وحولها القادة والجنود فرفرف ، ورفعت رأسها بلقيس تنظر إليه ، فألقى الكتاب في حجرها ، وقال ابن منبه : كان لها كوة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين تطلع فإذا رأتها سجدت لها : فجاء الهدهد وسد الكوة بجناحيه ، فارتفعت الشمس ولم تعلم بلقيس فقامت تنظر إليها ، فرمى الهدهد الكتاب إليها ، فأخذته بلقيس وقرأته ، فلما رأت الخاتم ارتعدت وعلمت أن الذي أرسله أعظم ملكاً منها فخرجت وجلست على سريرها وجمعت قومها وهم اثنا عشر قائداً مع كل قائد مائة ألف مقاتل . وعن ابن عباس : كان مع بلقيس مائة ألف قيل مع كل قيل مائة ألف ، والقيل ملك دون الملك الأعظم . وقال مقاتل : أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، كل واحد منهم على عشرة آلاف ، فقالت لهم بلقيس : ( إني ألقي إلي كتاب كريم ، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ، ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ، قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون ، قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ) قوله تعالى : ( فانظري ماذا تأمرين ) ( قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ) الآية . وأرسلت له هدية . قال ابن عباس : وصفاء ووصائف وألبستهم لباساً واحداً كي لا يعرف الذكر من الأنثى . وقال مجاهد : ألبست الغلمان لباس الجواري ، وألبست الجواري لباس الغلمان . قيل : مائة وصيف ومائة وصيفة ، وقيل : مائتي غلام ومائتي جارية ، وأرسلت له لبنة من ذهب في حرير . وقال ثابت : صفائح من ذهب في أوعية ديباج ، وقيل أربع لبنات من ذهب ، وقال وهب : خمسمائة غلام وخمسمائة جارية ، وألبست الجواري لباس الغلمان ، وألبست الغلمان لباس الجواري بالأساور والأطواق والأقراط ، وخمسمائة لبنة من ذهب ، وخمسمائة لبنة من فضة ، وتاجاً مكللاً بالدر والياقوت ، ومسكاً وعنبراً وعوداً ، وحقة فيها درة ثمينة غير مثقوبة ، وجزعة معوجة الثقب ودعت رجلاً من أشراف قومها اسمه المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالاً ، وكتبت معه كتاباً بنسخة الهدية وفيه : إن كنت نبياً فميز بين الوصفاء والوصائف ، وأخبرني بما في الحقة ، وأثقب الدرة ثقباً مستوياً ، وأدخل خيطاً بالخرزة المثقوبة . وأمرت الغلمان أن يكلموا سليمان بكلام تأنيث وتخنيث مثل كلام النساء ، وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام غليظ فيه حدة يشبه كلام الرجال ، ثم قالت بلقيس للمنذر : إذا دخلت عليه فانظر إن نظر إليك نظر الغضب فاعلم أنه ملك ولا يهولنك فإني أعز منه ، وإن رأيته هشاً بشاً لطيفاً فاعلم أنه نبي ، فافهم ورد الجواب . فانطلق المنذر بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعاً إلى سليمان عليه السلام وأخبره بالخبر كله ، فأمر سليمان الإنس والجن أن يضربوا لبنات الذهب والفضة ، وأمرهم أن يبسطوا من مكانه إلى تسع فراسخ ميداناً واحداً بلبنات الذهب والفضة ، وأن يجعلوا على طول الميدان حائطاً شرفه من الذهب والفضة ففعلوا . وأمرهم فأتوه بدواب البحر وشدوها على يمين الميدان ويساره ولهم أجنحة ، وألقوا لهم علفهم ، وأحضر أولاد الجن وأقامهم على يمين الميدان ويساره ، وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفاً فراسخ ، وكذا الإنس فراسخ ، وكذا الوحوش والسباع والهوام والطير عن يمينه ويساره . فلما دنا القوم من الميدان ورأوا دواب البحر تروث على لبن الذهب والفضة رموا ما معهم من الهدايا من اللبن ، وقيل : إن سليمان ترك مكاناً خالياً من اللبن على عدد ما معهم ، فلما دخلوا وضعوا ذلك اللبن في ذلك المكان خوف أن يتهموا بذلك ، ولما رأوا الشياطين فزعوا فنادوهم : جوزوا ، لا بأس عليكم فمروا على كردوس من الجن والإنس والطير والسباع والوحوش حتى وقفوا بين يدي سليمان عليه السلام ، فنظر إليهم ، بوجه طلق ، وسألهم فأخبره رئيس القوم بما أتى معه ، وأعطاه كتاب بلقيس فقرأه . فقال : أين الحقة ? فأتى بها ، فجاء جبرائيل وأخبره بما فيها : درة ثمينة غير مثقوبة ، وجزعة مثقوبة معوجة الثقب . فقال الرسول : صدقت ، فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الجزعة ، فجاءت الأرضة وثقبت الدرة ، فجعل سليمان رزقها في الشجر . ثم جاءت دودة بيضاء ودخلت ثقب الجزعة المعوجة ، وفي فمها خيط وخرجت من الجانب الآخر ، فجعل رزقها في الفواكه ، ثم ميز سليمان بين الجواري والغلمان ، ثم رد سليمان الهدية كما قال تعالى : ( أتمدونن بمال ) الآية . قال وهب : لما رجع رسل بلقيس أخبروها ، قالت : عرفت والله أنه ليس بملك . فبعثت إلى سليمان أني قادمة إليك بقومي ، وجعلت عرشها في بيت ، وأغلقت عليه سبعة أبواب ، ووكلت به حراساً يحفظونه وسارت في إثنا عشر ألف قيل من ملوك اليمن ، تحت يد كل قيل ألوف . فلما دنت فرسخا من سليمان ، رآها سليمان : فقال : ما هذه العساكر ? قالوا : بلقيس . فقال سليمان للجن قوله تعالى : ( أيكم يأتيني بعرشها ) الآية . ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) فقال سليمان : أريد أسرع من هذا . ( قال الذي عنده علم من الكتاب ) قيل : جبرائيل ، وقيل : آصف بن برخيا ، وكان يعرف الاسم الأعظم ، قيل : خر آصف بن برخيا ساجداً ، ودعا باسم الله الأعظم ، فغار عرشها تحت الأرض ، ونبع عند كرسي سليمان ، فقال سليمان قوله تعالى ( نكروا لها عرشها ) أي غيروا لها سريرها فجعلوا مكان الجوهر الأحمر أخضر وبالعكس ، وقال المحققون من العلماء لما جاءت بلقيس ودخلت الصرح حسبته لجة من الماء فكشفت عن ساقيها لتخوضه إلى سليمان فناداها كما أخبر الله تعالى عنه بقوله : ( إنه صرح ممرد من قوارير ) فتقدمت إليه فدعاها إلى الإسلام فأجابت وآمنت وأسلمت مع سليمان وأما ما ادعاه متبعو الإسرائيليات من المفسرين بأن سليمان عليه السلام قال له الشياطين إن رجليها كحافر حمار وأنها شعراء الساقين فاتخذ هذه الحيلة حتى تكشف عن ساقيها فينظر إليها فهذا ما لا يليق بنبي كريم على الله ولا يصح القول بمثله ثم لما تزوجها سليمان أحبها وأقرها على ملكها ، فكان يزورها سليمان في كل شهر مرة ، بعد أن ردها إلى ملكها ، ويقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له ولداً ذكراً .

وعن وهب قال : زعموا أنها لما أسلمت قال لها سليمان : اختاري رجلاً من قومك أزوجك . فقالت : إن كان ولابد فزوجني من تبع ملك همدان فزوجه إياها ثم ردها إلى اليمن .

وذكر في " المدارك " في تفسير قوله تعالى : ( وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ) أي بقبولها أم بردها ، ولأنها عرفت عادة الملوك فإن كان ملكاً قبلها وانصرف ، وإن كان نبياً ردها ولم يرض منا إلا أن نتبعه على دينه ، فبعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن ، وأركبتهن خيلاً مغشاة بالديباج ، محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر ، وخمسمائة جارية عل رماك في زي الغلمان وألف لبنة من ذهب وفضة . وتاجاً مكللاً بالدر والياقوت ، وحقة فيها درة عذراء ، وجزعة معوجة الثقب ، وبعثت رسلاً وأمرت عليهم المنذر بن عمرو ، وكتبت كتاباً فيه نسخة الهدايا ، وقالت : إن كنت نبياً فميز بين الوصفاء والوصائف ، وأخبرنا بما في الحقة ، وأثقب الدرة ، واسلك في الخرزة خيطاً ، ثم قالت للمنذر : إن نظر إليك نظرة غضب فهو ملك ، وإن رأيته بشاً لطيفاً فهو نبي . فعاد الهدهد وأخبر سليمان ، فأمر الجن فضربوا لبنات الذهب والفضة وفرشوها في ميدان طوله سبعة فراسخ ، وجعلوا حول الميدان حائطاً شرفه من الذهب والفضة ، وأمر بأحسن دواب البحر والبر أن تربط على يمين الميدان ويساره على اللبنات ، وأمر أولاد الجن أن يقوموا على اليمين واليسار ثم جلس على سريره ، والكراسي من جانبيه ، ثم اصطفت الشياطين صفوفاً فراسخ ، والإنس صفوفاً فراسخ ، والوحش والسباع والهوام والطيور كذلك . فلما دنا القوم ورأوا الدواب تروث على اللبن رموا بما معهم من الهدايا ، ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم سليمان بوجه طلق ، فأعطوه كتاب بلقيس ، فنظر فيه وقال : أين الحقة ? فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت بالدرة ، وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها بثقب الخرزة المعوجة ، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيده فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها ، والغلام يأخذه بيده ويضرب به وجهه فميز بينهم . ثم رد الهدية ، وقال للمنذر ( ارجع إليهم ) الآية . فقدمت إلى عند سليمان وأسلمت وتزوجها .

وفيه أيضاً ، في تفسير قوله تعالى : ( قال الذي عنده علم من الكتاب ) أي ملك ، أرسله الله عند قول العفريت ( أنا أتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) الآية . أو جبرائيل أو الخضر ، أو آصف بن برخيا كاتب سليمان . وهو الأصح وعليه الجمهور ، وكان عنده الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وهو : يا حي يا قيوم ، يا ذا الجلال والإكرام ، وقيل: يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت . وذكر في كتاب " الأزهية في أحكام الأدعية " إنه : يا ذا الجلال والإكرام . وقيل : هو في سورة الإخلاص ، وقيل : آية الكرسي . وذكر في " المصابيح " : عن بريدة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول : اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، فقال صلى الله عليه وسلم : " دعا باسمه الأعظم ، الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب " .

وعن أسماء بنت يزيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) وفاتحة آل عمران ( آلم ، الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) .

وعن أنس رضي الله عنه قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجل يصلي فقال : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت الحنان المنان ، بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم أسألك ... فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : " دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى " .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال صلى الله تعالى عليه وسلم : " يا عائشة قد علمت أن الله قد دلني على الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ? فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي فعلمنيه ! قال : إنه لا ينبغي لك يا عائشة ، فتنحيت وجلست ساعة ثم قمت فقبلت رأسه ، ثم قلت : يا رسول الله علمنيه ، قال : إنه لا ينبغي أن تسألي به شيئاً للدنيا . قالت : فقمت وتوضأت وصليت ركعتين وقلت : اللهم إني أدعوك الله ، وأدعوك الرحمن ، وأدعوك البر الرحيم ، وأدعوك بأسمائك الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم أن تغفر لي وترحمني . فاستضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : إنه لفي الأسماء التي دعوت إليها " رواه ابن ماجة .

وذكر في كتاب " حصن الحصين " : أن الاسم الأعظم ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) . وفي " تحفة البركات " قال اليافعي : قال لي بعض العارفين : ألا أعلمك الإسم الأعظم ? قلت : بلى . قال : اقرأ الفاتحة والإخلاص وآية الكرسي وسورة القدر . ثم استقبل القبلة وادع بما أحببت فإنه يجيبك . وذكر في " كتاب الأزهية " أن المعتمد هو الله .

وذكر الشيخ علي القارئ في " العقائد " أنه ملك شرقاً وغرباً مؤمنان ، سليمان عليه السلام وذو القرنين عليه السلام وكافران : بخت نصر والنمرود بن كنعان ، وقال جماعة : اختلف في نبوة ذي القرنين اسكندر فقيل ليس بنبي بل ملك مؤمن عادل وهو الحق .

وقال مقاتل : هو نبي ويؤيده ما في سورة الكهف بحسب الظاهر ووافقه الضحاك ، وأما سليمان عليه السلام فنبي مرسل وملك ، وقال أهل التاريخ : ملك سليمان وهو ابن ثلاثة عشرة سنة ، وابتدأ الملك ببناء المقدس بعد ملكه بأربع سنين ، ومات وله من العمر ثلاث وخمسون سنة .

وذكر في كتاب " كشف الأسرار " : لم وضع ملكه في فص خاتم ? قيل : أراه ملك الجنة ، فقال : حجر من الجنة له هذه الهيئة ، وأيضاً أراه أنه تعالى يعز من يشاء كما أعز الحجر الأسود والذهب والفضة ، فإن قيل : لم جعل رسوله طيراً ? قيل : أراد أن يبين لهم أحوال الجنة وطاعة الطيور له .

وذكر في " المدارك " في تفسير قوله تعالى : ( قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ) الآية . قيل : إنها نملة عرجاء تسمى طاخية أو منذرة . وعن قتادة : أنه دخل الكوفة فقال : سلوا عما شئتم ، فسأله أبو حنيفة رضي الله عنه وهو شاب عن نملة سليمان ، أكانت ذكراً أم أنثى ? فأفحم . فقال أبو حنيفة رضي الله عنه : كانت أنثى ، فقيل له : بم عرفت ? لقوله تعالى : ( قالت نملة ) ولو كانت ذكراً لقال : قال نملة ، وذلك أن النملة مثل الحمامة في وقوعها على الذكر والأنثى ، فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم : حمامة ذكر ، حمامة أنثى ، وهو [ و ] هي .

وذكر في " كشف الأسرار " : قوله : سؤال : لم لم يأت بعرشها بدعائه ? قيل : أراه الله عجزه في ملكه ، وأراه أنه لا يعطي الكل إلى أحد ، فإنه لو أعطى الكل إلى أحد ، لكان ذلك الواحد كاملاً ، وليس الكمال إلا لله تعالى . وقيل : إن رجلاً وامرأته اختلفا في ولد لهما أسود ، فقالت المرأة : هو ابنك ، وأنكر الرجل ، فقال سليمان عليه السلام للرجل : هل جامعتها في الحيض ، قال : نعم . قال : هو ولدك إنما سود الله وجهه عقوبة لكما . وهو المراد بقوله تعالى ( ففهمناها سليمان ) وذكر في " المدارك " في تفسير قوله تعالى : ( ففهمناها سليمان ) قيل : إن الغنم رعت الحرث وأفسدته بلا راع ليلاً ، فتحاكما إلى داود عليه السلام فحكم بالغنم لأهل الحرث وقد استوت قيمتاهما ، فقال سليمان : وهو ابن إحدى عشرة سنة ارفق بالفريقين ، فعزم عليه ليحكمن ، فقال : أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وصوفها ، والحرث إلى رب الغنم حتى يصلح الحرث ، ويعود إلى هيئته يوم أفسد ثم يترادان . فقال داود عليه السلام : القضاء ما قضيت . وقال مجاهد : كان هذا صلحاً ، وما فعله داود عليه السلام حكماً ، والصلح خير ، وأما في شريعتنا فلا ضمان عند أبي حنيفة وأصحابه ليلاً كان أم نهاراً ، إلا أن يكون مع البهيمة سائق أو قائد ، وعند الشافعي يجب الضمان بالليل .

وفيه أيضاً في تفسير قوله تعالى ( وحشر سليمان جنوده ) الآية . روي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة فرسخ ، خمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للإنس ، وخمسة وعشرون للطير ، وخمسة وعشرون للوحش ، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة ، وسبعمائة سرية وقد نسجت له الجن بساطاً من ذهب وإبريسم فرسخاً في فرسخ . فيوضع منبره في وسطه ، وهو من ذهب وفضة ، فيقعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة ، فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة ، وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين ، وتظلله الطيور بأجنحتها حتى لا يقع عليه حر الشمس ، وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر . فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض : إني قد زدت في ملكك ، أن لا يتكلم أحد بشيء إلا ألقته الريح في سمعك ، فيحكى : أنه قد مر بحراث فقال : لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً ، فألقته الريح في أذن سليمان ، فنزل ومشى إلى الحراث وقال : إنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ، ثم قال له : لتسبيحة واحدة يقبلها الله خير مما أوتي آل داود .

وذكر في " تاريخ ابن الوردي " أن سليمان عليه السلام لما ملك كان عمره اثنتي عشرة سنة ، وفي السنة الرابعة من ملكه في أيار سنة تسع وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى عليه السلام ابتدأ بعمارة بيت المقدس ، وأقام في عمارته سبع سنين وفرغ منه في الحادي عشر من ملكه ، أواخر سنة ست وأربعين وخمسمائة لوفاة موسى عليه السلام وارتفاعه ثلاثون ذراعاً ، وطوله ستون في عرض عشرين ذراعاً . و خارج البيت سور محيط به امتداده خمسمائة في خمسمائة ثم شرع في بناء دار ملكه بالقدس ، وتمم عمارته في ثلاث عشرة سنة ، وانتهت في الرابعة والعشرين من ملكه ، وفي الخامسة والعشرين من ملكه جاءته بلقيس ملكة اليمن ، وأطاعه ملوك الأرض ، وتوفي وعمره اثنتان وخمسون سنة ، ومدة ملكه أربعون سنة ، فتكون وفاته في أواخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة لوفاة موسى عليه السلام وماتت بلقيس قبل وفاة سليمان عليه السلام وقيل : بعد وفاته ، وهو الأصح ، وملك اليمن بعدها عمها ناشر النعم ، واسمه مالك ، والله سبحانه وتعالى بذلك أعلم .

المرجع
الروضة الفيحاء في أعلام النساء – ابن الخطيب العمري

ريمة مطهر
09-19-2011, 07:35 PM
بِلْقِيس
(000-000 هـ = 000-000م)

بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل ، من بني يعفر بن سكسك ، من حِمْير : ملكة سبأ . يمانية من أهل مأرب . أشير إليها في القرآن الكريم . وليت بعهد من أبيها ( في مأرب ) وطمع بها ذو الأذعار ( عمرو بن أبرهة ) صاحب غمدان ، فزحف عليها ، فانهزمت ، ورحلت مستخفية بزي أعرابي إلى الأحقاف ، فأدركها رجال ( ذي الأذعار ) فاستسلمت . وأصابت منه غرة في سُكْر ، فقتلته ، ووليت أمر اليمن كله ، وانقادت لها أقيال حِمْير ، فزحفت بالجيوش إلى بابل وفارس ، فخضع لها الناس ، وعادت إلى اليمن فاتخذت مدينة ( سبأ ) قاعدة لها . وظهر سليمان بن داوود ، النبي الملك الحكيم ، بتدمر ، وركب الرياح إلى الحجاز واليمن ، وآمن اليمانيون بدعوته إلى الله ، وكانوا يعبدون الشمس . ودخل مدينة ( سبأ ) فاستقبلته بلقيس بحاشية كبيرة ، وتزوجها ، وأقامت معه سبع سنين وأشهراً ، وتوفيت فدفنها بتدمر . وانكشف تابوتها في عصر الوليد بن عبد الملك ، وعليه كتابة تدل على أنها ماتت لإحدى وعشرين سنة خلت من مُلك سليمان ، ورُفع غطاء التابوت فإذا هي غضة ، لم يتغير جسمها ، فرُفع ذلك إلى الوليد ، فأمر بترك التابوت في مكانه وأن يُبنى عليه بالصخر .

المرجع
خير الدين الزركلي ، الأعلام ، الجزء الثاني .