ريمة مطهر
02-03-2011, 10:45 PM
بلقيس
( الملكة )
تستمد قصة الملكة بلقيس أهميتها من ذكر قصتها في الكتاب الحكيم مع النبي سليمان عليه السلام في سورة النمل ، مما أكسبها شهرة لم تكن للكثير من الملوك من قبلها أو من بعدها ، وضمنت بأن يبقى ذكرها خالداً عبر العصور، وعلى مر الدهور؛ وذلك لأن القرآن باقٍ وخالدٌ إلى آخر الزمان كما قال الحق جل وعلا : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " .
نسبهـا
تنسب الملكة بلقيس إلى الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر ، وهناك اختلاف كبير بين المراجع التاريخية في تحديد اسم ونسب هذه الملكة الحِمْيَرية اليمانية ، كما أنه لا يوجد تاريخ لسنة ولادتها ووفاتها .
أهم ملامح شخصيتها
1- رجاحة عقلها ، وبليغ حكمتها ، وحسن مشاورتها
إن الملكة بلقيس ما كان لها هذا الشأن العظيم لولا اتصافها برجاحة العقل وسعة الحكمة وغزارة الفهم . فحسن التفكير وحزم التدبير أسعفاها في كثيرٍ من المواقف الصعيبة والمحن الشديدة التي تعرضت لها هي ومملكتها .
2- ذكاءها وفطنتها
كانت بلقيس فطينة رزينة ، وكانت فطنتها نابعة من أساس كونها امرأة ، فالمرأة خلقها الله عز وجل وجعلها تتمتع بحاسة تمكنها من التبصر في نتائج الأمور وعواقبها . كما أنها عُرفت بحسن المشاورة إلى جانب البراعة في المناورة ، فهي لم تكن كبقية الملوك مُتسلطة في أحكامها ، مُتزمتة لآرائها ، لا تقبل النقاش أو المجادلة فهي ببصيرتها النيّرة كانت ترى أبعد من مصلحة الفرد ، فهّمها كان فيما يحقق مصلحة الجماعة .
ذكر بلقيس في القرآن الكريم
إن بلقيس لم تكن امرأة عادية ، أو ملكة حكمت في زمن من الأزمان ومر ذكرها مرور الكرام شأن كثير من الملوك والأمراء . ودليل ذلك ورود ذكرها في القرآن . فقد خلد القرآن الكريم بلقيس ، وتعرض لها دون أن يمسّها بسوء ، ويكفيها شرفاً أن ورد ذكرها في كتابٍ مُنزلٍ من لدن حكيم عليم ، وهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولم ولن يعتريه أي تحريف أو تبديل على مر الزمان ، لأن رب العزة - جل وعلا - تكفل بحفظه وصونه قال تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون " . فذِكر بلقيس في آخر الكتب السماوية وأعظمها وأخلدها هو تقدير للمرأة في كل زمان ومكان ، هذه المرأة التي استضعفتها الشعوب والأجناس البشرية وحرمتها من حقوقها ، وأنصفها الإسلام وكرمها أعظم تكريم . وهذا في مجمله وتفصيله يصب في منبع واحد ، ألا وهو أن الملكة بلقيس كان لها شأنٌ عظيم جعل قصتها مع النبي سليمان عليه السلام تذكر في القرآن الكريم .
إسلام الملكة بلقيس مع سليمان عليه السلام
كثيرةٌ هي القصص المذكورة في القرآن عن أقوامٍ لم يؤمنوا برسل الله وظلوا على كفرهم على الرغم مما جاءهم من العلم . إلا أن بلقيس وقومها آمنوا برسول الله سليمان عليه السلام ولم يتمادوا في الكفر بعدما علموا أن رسالته هي الحق وأن ما كانوا يعبدون من دون الله كان باطلاً . واعترفت بلقيس بأنها كانت ظالمة لنفسها بعبادتها لغير الله " قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين . [ سورة النمل :44]
توليها الحكم
كانت بلقيس سليلة حسبٍ ونسب ، فأبوها كان ملكاً ، وقد ورثت الملك بولاية منه ؛ لأنه على ما يبدو لم يُرزق بأبناء بنين . لكن أشراف وعلية قومها استنكروا توليها العرش وقابلوا هذا الأمر بالازدراء و الاستياء ، فكيف تتولى زمام الأمور في مملكة مترامية الأطراف مثل مملكتهم امرأة ، أليس منهم رجلٌ رشيد؟ وكان لهذا التشتت بين قوم بلقيس أصداء خارج حدود مملكتها ، فقد أثار الطمع في قلوب الطامحين الاستيلاء على مملكة سبأ ، ومنهم الملك " عمرو بن أبرهة " الملقب بذي الأذعار . فحشر ذو الأذعار جنده وتوجه ناحية مملكة سبأ للاستيلاء عليها وعلى ملكتها بلقيس ، إلا أن بلقيس علمت بما في نفس ذي الأذعار فخشيت على نفسها ، واستخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار . وعادت بلقيس بعد أن عم الفساد أرجاء مملكتها فقررت التخلص من ذي الأذعار ، فدخلت عليه ذات يوم في قصره وظلت تسقيه الخمر وهو ظانٌ أنها تسامره وعندما بلغ الخمر منه مبلغه ، استلت سكيناً وذبحته بها . إلا أن رواياتٍ أخرى تشير إلى أن بلقيس أرسلت إلى ذي الأذعار وطلبت منه أن يتزوجها بغية الانتقام منه ، وعندما دخلت عليه فعلت فعلتها التي في الرواية الأولى . وهذه الحادثة هي دليلٌ جليّ وواضح على رباطة جأشها وقوة نفسها ، وفطنة عقلها وحسن تدبيرها للأمور ، وخلصت بذلك أهل سبأ من شر ذي الأذعار وفساده .
وازدهر زمن حكم بلقيس مملكة سبأ أيمّا ازدهار، واستقرت البلاد أيمّا استقرار، وتمتع أهل اليمن بالرخاء والحضارة والعمران والمدنية . كما حاربت بلقيس الأعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة . ومما أذاع صيتها وحببها إلى الناس قيامها بترميم سد مأرب الذي كان قد نال منه الزمن وأهرم بنيانه وأضعف أوصاله ، وبلقيس هي أول ملكة اتخذت من سبأ مقراً لحكمها .
قصة بلقيس مع سليمان عليه السلام
ورد ذكر الملكة بلقيس في القرآن الكريم ، فهي صاحبة الصرح المُمَرد من قوارير وذات القصة المشهورة مع النبي سليمان بن داود عليهما السلام في سورة النمل .
عبادة بلقيس وقومها للشمس
قد كان قوم بلقيس يعبدون الأجرام السماوية والشمس على وجه الخصوص ، وكانوا يتقربون إليها بالقرابين ، ويسجدون لها من دون الله ، وهذا ما لفت انتباه الهدهد الذي كان قد بعثه سليمان عليه السلام ليبحث عن موردٍ للماء . وبعد الوعيد الذي كان قد توعده سليمان عليه السلام إياه لتأخره عليه بأن يُعذبه إن لم يأت بعذرٍ مقبول ، عاد الهدهد وعذره معه " أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين " [ سورة النمل : 6 ] ، فقد وجد الهدهد أن أهل سبأ على الرغم مما آتاهم الله من النعم إلا أنهم " يسجدون للشمس من دون الله " [ سورة النمل :24]
فما كان من سليمان عليه السلام المعروف بكمال عقله وسعة حكمته إلا أن يتحرّى صدق كلام الهدهد ، فقال : " سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " [ سورة النمل :27 ] ، وأرسل إلى بلقيس ملكة سبأ بكتابٍ يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله ورسوله والإنابة والإذعان ، وأن يأتوه مسلمين خاضعين لحكمه وسلطانه ، ونصه " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين " . [ سورة النمل :30 - 31]
صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة
كانت بلقيس حينها جالسة على سرير مملكتها المزخرف بأنواع من الجواهر واللآلئ والذهب مما يسلب الألباب ويذهب بالمنطق والأسباب . ولما عُرف عن بلقيس من رجاحة وركازة العقل فإنها جمعت وزراءها وعلية قومها ، وشاورتهم في أمر هذا الكتاب . في ذلك الوقت كانت مملكة سبأ تشهد من القوة ما يجعل الممالك الأخرى تخشاها ، وتحسب لها ألف حساب . فكان رأي وزرائها " نحن أولوا قوةٍ و أولوا بأس شديدٍ " [ سورة النمل : 33 ] في إشارةٍ منهم إلى اللجوء للحرب والقوة . إلا أن بلقيس صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة ارتأت رأياً مُخالفاً لرأيهم ، فهي تعلم بخبرتها وتجاربها في الحياة أن " الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون " [ سورة النمل : 34 ] . وبصرت بما لم يبصروا ورأت أن ترسل إلى سليمان عليه السلام بهديةٍ مع علية قومها وقلائهم ، علّه يلين أو يُغير رأيه ، منتظرةٌ بما يرجع المرسلون . ولكن سليمان عليه السلام رد عليهم برد قوي مُنكر صنيعهم ومتوعد إياهم بالوعيد الشديد قائلاً : " أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتكم بل أنتم بهديتكم تفرحون" . [ سوة النمل : 35 ]
رؤية بلقيس لمُلك سليمان عليه السلام
عندها أيقنت بلقيس بقوة سليمان عليه السلام وعظمة سلطانه ، وأنه لا ريب نبي من عند الله عز وجل ، فجمعت حرسها وجنودها واتجهت إلى الشام حيث سليمان عليه السلام . وكان عرش بلقيس وهي في طريقها إلى سليمان عليه السلام مستقراً عنده ، فقد أمر جنوده بأن يجلبوا له عرشها ، فأتاه به رجلٌ عنده علم الكتاب قبل أن يرتد إليه طرفه . ومن ثم غّير لها معالم عرشها ، ليعلم أهي بالذكاء والفطنة بما يليق بمقامها وملكها . ومشت بلقيس على الصرح الممرد من قوارير والذي كان ممتداً على عرشها ، إلا أنها حسبته لجةً فكشفت عن ساقيها وكانت مخطئة بذلك عندها عرفت أنها وقومها كانوا ظالمين لأنفسهم بعبادتهم لغير الله تعالى وأسلمت مع سليمان عليه السلام لله رب العالمين .
زواج بلقيس من سليمان عليه السلام
يسكت السياق القرآني عن قصة بلقيس بعد إسلامها .. ويقول المفسرون أنها تزوجت سليمان عليه السلام بعد ذلك .. ويُقال أنها تزوجت أحد رجاله .. أحبته وتزوجته ، وتقول المراجع التاريخية أن سليمان عليه السلام تزوج من بلقيس ، وأنه كان يزورها في سبأ بين الحين والآخر . وأقامت معه سبع سنين وأشهراً ، وتوفيت فدفنها في تدمر .
وقد ذكر الثعلبي وغيره أن سيلمان عليه السلام تزوجها أقرّها على مملكة اليمن وردها إليه ، وكان يزورها في كل شهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام ثم يعود على البساط ، وأمر الجانّ فبنوا له ثلاثة قصور باليمن . غُمدان وسالحين وبيتون فالله أعلم .
وقد روى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه أن سليمان عليه السلام لم يتزوجها بل زوجها بملك هَمدان وأقرّها على ملك اليمن وسخر زوبعة ملك اليمن فبنى لها القصور الثلاثة التي ذكرناها باليمن ، والأول أشهر وأظهر . والله أعلم .
المراجع
كتاب الأعلام
أعلام النساء في عالمي الغرب والإسلام
قصص الأنبياء
( الملكة )
تستمد قصة الملكة بلقيس أهميتها من ذكر قصتها في الكتاب الحكيم مع النبي سليمان عليه السلام في سورة النمل ، مما أكسبها شهرة لم تكن للكثير من الملوك من قبلها أو من بعدها ، وضمنت بأن يبقى ذكرها خالداً عبر العصور، وعلى مر الدهور؛ وذلك لأن القرآن باقٍ وخالدٌ إلى آخر الزمان كما قال الحق جل وعلا : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " .
نسبهـا
تنسب الملكة بلقيس إلى الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر ، وهناك اختلاف كبير بين المراجع التاريخية في تحديد اسم ونسب هذه الملكة الحِمْيَرية اليمانية ، كما أنه لا يوجد تاريخ لسنة ولادتها ووفاتها .
أهم ملامح شخصيتها
1- رجاحة عقلها ، وبليغ حكمتها ، وحسن مشاورتها
إن الملكة بلقيس ما كان لها هذا الشأن العظيم لولا اتصافها برجاحة العقل وسعة الحكمة وغزارة الفهم . فحسن التفكير وحزم التدبير أسعفاها في كثيرٍ من المواقف الصعيبة والمحن الشديدة التي تعرضت لها هي ومملكتها .
2- ذكاءها وفطنتها
كانت بلقيس فطينة رزينة ، وكانت فطنتها نابعة من أساس كونها امرأة ، فالمرأة خلقها الله عز وجل وجعلها تتمتع بحاسة تمكنها من التبصر في نتائج الأمور وعواقبها . كما أنها عُرفت بحسن المشاورة إلى جانب البراعة في المناورة ، فهي لم تكن كبقية الملوك مُتسلطة في أحكامها ، مُتزمتة لآرائها ، لا تقبل النقاش أو المجادلة فهي ببصيرتها النيّرة كانت ترى أبعد من مصلحة الفرد ، فهّمها كان فيما يحقق مصلحة الجماعة .
ذكر بلقيس في القرآن الكريم
إن بلقيس لم تكن امرأة عادية ، أو ملكة حكمت في زمن من الأزمان ومر ذكرها مرور الكرام شأن كثير من الملوك والأمراء . ودليل ذلك ورود ذكرها في القرآن . فقد خلد القرآن الكريم بلقيس ، وتعرض لها دون أن يمسّها بسوء ، ويكفيها شرفاً أن ورد ذكرها في كتابٍ مُنزلٍ من لدن حكيم عليم ، وهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولم ولن يعتريه أي تحريف أو تبديل على مر الزمان ، لأن رب العزة - جل وعلا - تكفل بحفظه وصونه قال تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون " . فذِكر بلقيس في آخر الكتب السماوية وأعظمها وأخلدها هو تقدير للمرأة في كل زمان ومكان ، هذه المرأة التي استضعفتها الشعوب والأجناس البشرية وحرمتها من حقوقها ، وأنصفها الإسلام وكرمها أعظم تكريم . وهذا في مجمله وتفصيله يصب في منبع واحد ، ألا وهو أن الملكة بلقيس كان لها شأنٌ عظيم جعل قصتها مع النبي سليمان عليه السلام تذكر في القرآن الكريم .
إسلام الملكة بلقيس مع سليمان عليه السلام
كثيرةٌ هي القصص المذكورة في القرآن عن أقوامٍ لم يؤمنوا برسل الله وظلوا على كفرهم على الرغم مما جاءهم من العلم . إلا أن بلقيس وقومها آمنوا برسول الله سليمان عليه السلام ولم يتمادوا في الكفر بعدما علموا أن رسالته هي الحق وأن ما كانوا يعبدون من دون الله كان باطلاً . واعترفت بلقيس بأنها كانت ظالمة لنفسها بعبادتها لغير الله " قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين . [ سورة النمل :44]
توليها الحكم
كانت بلقيس سليلة حسبٍ ونسب ، فأبوها كان ملكاً ، وقد ورثت الملك بولاية منه ؛ لأنه على ما يبدو لم يُرزق بأبناء بنين . لكن أشراف وعلية قومها استنكروا توليها العرش وقابلوا هذا الأمر بالازدراء و الاستياء ، فكيف تتولى زمام الأمور في مملكة مترامية الأطراف مثل مملكتهم امرأة ، أليس منهم رجلٌ رشيد؟ وكان لهذا التشتت بين قوم بلقيس أصداء خارج حدود مملكتها ، فقد أثار الطمع في قلوب الطامحين الاستيلاء على مملكة سبأ ، ومنهم الملك " عمرو بن أبرهة " الملقب بذي الأذعار . فحشر ذو الأذعار جنده وتوجه ناحية مملكة سبأ للاستيلاء عليها وعلى ملكتها بلقيس ، إلا أن بلقيس علمت بما في نفس ذي الأذعار فخشيت على نفسها ، واستخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار . وعادت بلقيس بعد أن عم الفساد أرجاء مملكتها فقررت التخلص من ذي الأذعار ، فدخلت عليه ذات يوم في قصره وظلت تسقيه الخمر وهو ظانٌ أنها تسامره وعندما بلغ الخمر منه مبلغه ، استلت سكيناً وذبحته بها . إلا أن رواياتٍ أخرى تشير إلى أن بلقيس أرسلت إلى ذي الأذعار وطلبت منه أن يتزوجها بغية الانتقام منه ، وعندما دخلت عليه فعلت فعلتها التي في الرواية الأولى . وهذه الحادثة هي دليلٌ جليّ وواضح على رباطة جأشها وقوة نفسها ، وفطنة عقلها وحسن تدبيرها للأمور ، وخلصت بذلك أهل سبأ من شر ذي الأذعار وفساده .
وازدهر زمن حكم بلقيس مملكة سبأ أيمّا ازدهار، واستقرت البلاد أيمّا استقرار، وتمتع أهل اليمن بالرخاء والحضارة والعمران والمدنية . كما حاربت بلقيس الأعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة . ومما أذاع صيتها وحببها إلى الناس قيامها بترميم سد مأرب الذي كان قد نال منه الزمن وأهرم بنيانه وأضعف أوصاله ، وبلقيس هي أول ملكة اتخذت من سبأ مقراً لحكمها .
قصة بلقيس مع سليمان عليه السلام
ورد ذكر الملكة بلقيس في القرآن الكريم ، فهي صاحبة الصرح المُمَرد من قوارير وذات القصة المشهورة مع النبي سليمان بن داود عليهما السلام في سورة النمل .
عبادة بلقيس وقومها للشمس
قد كان قوم بلقيس يعبدون الأجرام السماوية والشمس على وجه الخصوص ، وكانوا يتقربون إليها بالقرابين ، ويسجدون لها من دون الله ، وهذا ما لفت انتباه الهدهد الذي كان قد بعثه سليمان عليه السلام ليبحث عن موردٍ للماء . وبعد الوعيد الذي كان قد توعده سليمان عليه السلام إياه لتأخره عليه بأن يُعذبه إن لم يأت بعذرٍ مقبول ، عاد الهدهد وعذره معه " أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين " [ سورة النمل : 6 ] ، فقد وجد الهدهد أن أهل سبأ على الرغم مما آتاهم الله من النعم إلا أنهم " يسجدون للشمس من دون الله " [ سورة النمل :24]
فما كان من سليمان عليه السلام المعروف بكمال عقله وسعة حكمته إلا أن يتحرّى صدق كلام الهدهد ، فقال : " سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " [ سورة النمل :27 ] ، وأرسل إلى بلقيس ملكة سبأ بكتابٍ يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله ورسوله والإنابة والإذعان ، وأن يأتوه مسلمين خاضعين لحكمه وسلطانه ، ونصه " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين " . [ سورة النمل :30 - 31]
صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة
كانت بلقيس حينها جالسة على سرير مملكتها المزخرف بأنواع من الجواهر واللآلئ والذهب مما يسلب الألباب ويذهب بالمنطق والأسباب . ولما عُرف عن بلقيس من رجاحة وركازة العقل فإنها جمعت وزراءها وعلية قومها ، وشاورتهم في أمر هذا الكتاب . في ذلك الوقت كانت مملكة سبأ تشهد من القوة ما يجعل الممالك الأخرى تخشاها ، وتحسب لها ألف حساب . فكان رأي وزرائها " نحن أولوا قوةٍ و أولوا بأس شديدٍ " [ سورة النمل : 33 ] في إشارةٍ منهم إلى اللجوء للحرب والقوة . إلا أن بلقيس صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة ارتأت رأياً مُخالفاً لرأيهم ، فهي تعلم بخبرتها وتجاربها في الحياة أن " الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون " [ سورة النمل : 34 ] . وبصرت بما لم يبصروا ورأت أن ترسل إلى سليمان عليه السلام بهديةٍ مع علية قومها وقلائهم ، علّه يلين أو يُغير رأيه ، منتظرةٌ بما يرجع المرسلون . ولكن سليمان عليه السلام رد عليهم برد قوي مُنكر صنيعهم ومتوعد إياهم بالوعيد الشديد قائلاً : " أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتكم بل أنتم بهديتكم تفرحون" . [ سوة النمل : 35 ]
رؤية بلقيس لمُلك سليمان عليه السلام
عندها أيقنت بلقيس بقوة سليمان عليه السلام وعظمة سلطانه ، وأنه لا ريب نبي من عند الله عز وجل ، فجمعت حرسها وجنودها واتجهت إلى الشام حيث سليمان عليه السلام . وكان عرش بلقيس وهي في طريقها إلى سليمان عليه السلام مستقراً عنده ، فقد أمر جنوده بأن يجلبوا له عرشها ، فأتاه به رجلٌ عنده علم الكتاب قبل أن يرتد إليه طرفه . ومن ثم غّير لها معالم عرشها ، ليعلم أهي بالذكاء والفطنة بما يليق بمقامها وملكها . ومشت بلقيس على الصرح الممرد من قوارير والذي كان ممتداً على عرشها ، إلا أنها حسبته لجةً فكشفت عن ساقيها وكانت مخطئة بذلك عندها عرفت أنها وقومها كانوا ظالمين لأنفسهم بعبادتهم لغير الله تعالى وأسلمت مع سليمان عليه السلام لله رب العالمين .
زواج بلقيس من سليمان عليه السلام
يسكت السياق القرآني عن قصة بلقيس بعد إسلامها .. ويقول المفسرون أنها تزوجت سليمان عليه السلام بعد ذلك .. ويُقال أنها تزوجت أحد رجاله .. أحبته وتزوجته ، وتقول المراجع التاريخية أن سليمان عليه السلام تزوج من بلقيس ، وأنه كان يزورها في سبأ بين الحين والآخر . وأقامت معه سبع سنين وأشهراً ، وتوفيت فدفنها في تدمر .
وقد ذكر الثعلبي وغيره أن سيلمان عليه السلام تزوجها أقرّها على مملكة اليمن وردها إليه ، وكان يزورها في كل شهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام ثم يعود على البساط ، وأمر الجانّ فبنوا له ثلاثة قصور باليمن . غُمدان وسالحين وبيتون فالله أعلم .
وقد روى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه أن سليمان عليه السلام لم يتزوجها بل زوجها بملك هَمدان وأقرّها على ملك اليمن وسخر زوبعة ملك اليمن فبنى لها القصور الثلاثة التي ذكرناها باليمن ، والأول أشهر وأظهر . والله أعلم .
المراجع
كتاب الأعلام
أعلام النساء في عالمي الغرب والإسلام
قصص الأنبياء