ريمة مطهر
02-03-2011, 10:36 PM
السيدة مريم
( الأم العذراء )
نسبها
مريم بنت عمران بن باشم بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحريق بن موثم بن عزازيا بن أمصيا بن ياوش بن أحريهو بن يازم بن يهفا شاط بن إيشا بن إيان بن رحبعام بن داود . قال محمد بن إسحاق وقال أبو قاسم بن عسار : مريم بنت عمران بن ماثان بن العازر بن اليود بن أخنز بن صادوق بن عيازوز بن الياقيم بن أيبود بن زريابيل بن شالتال بن يوحينا بن برشا بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحاز بن موثام بن عزريا بن يورام بن يوشافاط بن إيشا بن إيبا بن رحبعام بن سليمان بن داود عليه السلام . وفيه مخالفة لما ذكره محمد بن إسحاق . ولا خلاف أنها من سلالة دواد عليه السلام وكان أبوها عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه ، وكانت أمها وهي حنة بنت فاقود بن قبيل من العابدات ، وكان زكريا عليه السلام نبي ذلك الزمان زوج أخت مريم أشياع في قول المهجور ، وقيل : زوج خالتها أشياع ، فالله أعلم .
أهم ملامح شخصيتها
قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَمَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىَ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ * يَمَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) . هذا إخبار من الله تعالى بما خاطبت به الملائكة السيدة مريم عن أمرالله لهم بذلك , أن الله قد اصطفاها أي اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها وشرفها وطهارتها من الأكدار والوساوس , واصطفاها ثانياً مرة بعد مرة لتفضيلها على نساء العالمين .
فضلها
أنزل الله ملائكة يقولون لها : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) [آل عمران : 42]
ويقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير نساء العالمين : مريم ، وآسية ، وخديجة ، وفاطمة ." [ ابن حبان ]
يقول صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه : " كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها ." [ مسلم ]
عن ابن عباس قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض خطوطا أربعة قال : " أتدرون ما هذا ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " .
عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام " .
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير نساء العالمين : مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، وآسية امرأة فرعون " .
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون " .
كفالة زكريا عليه السلام لها
لقد كان القدر يُخفي لمريم اليتم ، فقد توفي أبوها وهي طفلة صغيرة ، وأخذتها أمها إلى الهيكل ؛ استجابة لنذرها ، ودعت الله أن يتقبلها قال تعالى : ( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا ) . [ آل عمران : 37 ]
لمّا رآها الأحبار قذف الله في قلوبهم حبها ، فتنازعوا على من يكفلها . قال نبي الله زكريا عليه السلام وكان أكبرهم سناً : أنا آخذها ، وأنا أحق بها ؛ لأن خالتها زوجتي ( يقصد زوجة أم يحيى ) ، لكن الأحبار أَبَوْا ذلك ، فقال لهم زكريا عليه السلام : نقترع عليها ، بأن نلقي أقلامنا التي نكتب بها التوراة في نهر الأردن ، ومن يستقر قلمه ؛ يكفلها ، ففعلوا، فأخذ النهر أقلامهم ، وظهر قلم زكريا عليه السلام فكفلها . قال تعالى : ( وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون ) [ آل عمران : 44 ] ، وقال عز وجل : ( وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ) [آل عمران : 37 ] وكان عُمْرُ السيدة مريم حينئذ لا يتجاوز عاماً ، فجعل لها زكريا عليه السلام خادمة في محرابها ظلت معها حتى كبرت ، وكان لا يدخل عليها حتى يستأذنها ويُسلم عليها ، وكان يأتي إليها بالطعام والشراب .
غير أنه كلما دخل عليها قدمت له طبقًاً ممتلئاً بالفاكهة ، فيتعجب زكريا عليه السلام من الفاكهة التي يراها ، حيث يرى فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف ، فيقول لها في دهشة : يا مريم من أين يأتي لك هذا ؟ فتقول : رزقني به اللّه . قال تعالى : ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [ آل عمران : 37 ] ، فلمّا رأى زكريا عليه السلام ما رأى من قدرة ربه وعظمته ، دعا اللّه أن يُعطيه ولداً يساعده ويكفيه مؤنة الحياة قال تعالى : ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء . فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ) . [ آل عمران : 38 – 39 ]
مرت السنون وأصبح زكريا عليه السلام شيخاً كبيراً ، ولم يعد قادراً على خدمة السيدة مريم كما كان يخدمها ، فخرج على بنى إسرائيل ، يطلب منهم كفالة السيدة مريم ، فتقارعوا بينهم حتى كانت السيدة مريم من نصيب ابن خالها يوسف النجار، وكان رجلاً تقياً شريفاً خاشعاً للّه . وظل يوسف يخدمها حتى بلغت سن الشباب ، فضربت السيدة مريم عندئذ على نفسها الحجاب ، فكان يأتيها بحاجتها من الطعام والماء من خلف الستار . وبعد ذلك ابتعدت السيدة مريم عن الناس ، وأصبح لا يراها أحد ولا ترى أحداً قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا . فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً ) . [ مريم : 16- 17 ]
المحنة الكبرى للسيدة مريم
بينما السيدة مريم منشغلة في أمر صلاتها وعبادتها ، جاءها جبريل عليه السلام بإذن ربها على هيئة رجل ليُبشرها بالمسيح ولداً لها قال تعالى : ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) [ مريم : 17 ] ، ففزعت منه ، وقالت : ( قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا . قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا . قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا . قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَى هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ) . [ مريم : 18- 21 ]
السيدة مريم تفر خوفاّ من الفضيحة والعار
يقول المفسرون : إنها خرجت وعليها جلبابها ، فأخذ جبريل عليه السلام بكمها ، ونفخ في جيب درعها ، فحملت حتى إذا ظهر حملها ، استحيت ، وهربت حياءً من قومها نحو المشرق عند وادٍ هجره الرعاة . فخرج قومها وراءها يبحثون عنها ، ولا يُخبرهم عنها أحد . فلمّا أتاها المخاض تساندت إلى جذع نخلة تبكي وتقول : ( قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِّاً )[ مريم : 23 ] ، حينئذ أراد الله أن يُسكّن خوفها فبعث إليها جبريل عليه السلام : ( فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّى عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) . [ مريم : 24 – 26 ]
إن مع العسر يسر
اطمأنت نفس السيدة مريم إلى كلام الله لها على لسان جبريل عليه السلام ، وانطلقت إلى قومها . ( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) [ مريم : 27 ] ، أي جئت بشيء منكرٍ وأمرٍ عظيم ( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا . فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) [ مريم : 28- 29 ] ، لكن الله لا ينسى عباده المخلصين ، فأنطق بقدرته المسيح وهو وليد لم يتعدّ عمره أياماً معدودة قال تعالى : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلَامُ عَلَى يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) [ مريم :30 – 33 ] ، فَعَلَتِ الدهشةُ وجوهَ القوم ، وظهرت علامات براءة السيدة مريم ، فانشرح صدرها ، وحمدت الله على نعمته .
خروج السيدة مريم من فلسطين
لكن أعداء الله - اليهود - خافوا على عرشهم وثرواتهم ، فبعث ملكهم جنوده ليقتلوا هذا الوليد المبارك ، فهاجرت به السيدة مريم ، ومعها يوسف النجار إلى مصر، حيث مكثوا بها اثنتي عشرة سنة ، تَرَّبى فيها المسيح عليه السلام ، ثم عادت إلى فلسطين بعد موت هذا الملك الطاغية ، واستقرت ببلدة الناصرة ، وظلت فيها حتى بلغ المسيح عليه السلام ثلاثين عاماً فبعثه اللّه برسالته ، فشاركته أمه أعباءها ، وأعباء اضطهاد اليهود له وكيدهم به ، حتى إذا أرادوا قتله ، أنقذه الله من بين أيديهم ، وألقى شَبَهَهُ على أحد تلاميذه الخائنين وهو يهوذا ، فأخذه اليهود فصلبوه حياً . بينما رفع اللَّه عيسى عليه السلام إليه مصداقًاً لقوله تعالى : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم ) [ النساء : 157 ] ، وقوله تعالى : ( بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) . [ النساء : 158 ]
وفاتها
توفيت السيدة مريم بعد رفع عيسى عليه السلام بخمس سنوات ، وكان عمرها حينئذ ثلاثاً وخمسين سنة ، ويقال : إن قبرها في أرض دمشق .
هذه هي قصة السيدة المؤمنة مريم كما حكاها لنا القرآن الكريم ، وهو كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... وقد بين لنا القرآن الكريم كفرَ اليهود وإلحادهم وإشراك النصارى وادّعاءاتهم . حيث يقول الله تعالى : ( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً ) . [ النساء : 65 ]
وقولهم : المسيح هو ابن الله ، وعبادتهم له ولأمه السيدة مريم ولروح القدس ( جبريل ) عليه السلام إنما هو قول باطل ، يخرج صاحبه من نور التوحيد إلى ظلام الكفر والشرك .
ولقد نعى الله عليهم ما هم فيه من الشرك والضلال والكفر، وأوْضَحَ لهم فساد عقيدتهم ؛ حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم ، عسى أن يتوبوا إليه ؛ فقال تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ) . [ النساء : 117 ]
ويوضح الله كُفر مَنْ يزعم أن المسيح ابن الله ؛ فالمسيح عليه السلام لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً. يقول تعالى : ( لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) . [ المائدة : 17 ] ويقول تعالى : ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) . [ المائدة : 75 ]
ويُبين الله تعالى براءة المسيح مما ادعوه عليه من الألوهية والعبادة . يقول سبحانه : ( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ . مَا قُلتُ لَهُم إِلاَّ مَا أمَرتَنِي بَه أَن اَعبُدُوا اللّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) . [ المائدة : 116 – 117 ]
المرجع
قصص الأنبياء
( الأم العذراء )
نسبها
مريم بنت عمران بن باشم بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحريق بن موثم بن عزازيا بن أمصيا بن ياوش بن أحريهو بن يازم بن يهفا شاط بن إيشا بن إيان بن رحبعام بن داود . قال محمد بن إسحاق وقال أبو قاسم بن عسار : مريم بنت عمران بن ماثان بن العازر بن اليود بن أخنز بن صادوق بن عيازوز بن الياقيم بن أيبود بن زريابيل بن شالتال بن يوحينا بن برشا بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحاز بن موثام بن عزريا بن يورام بن يوشافاط بن إيشا بن إيبا بن رحبعام بن سليمان بن داود عليه السلام . وفيه مخالفة لما ذكره محمد بن إسحاق . ولا خلاف أنها من سلالة دواد عليه السلام وكان أبوها عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه ، وكانت أمها وهي حنة بنت فاقود بن قبيل من العابدات ، وكان زكريا عليه السلام نبي ذلك الزمان زوج أخت مريم أشياع في قول المهجور ، وقيل : زوج خالتها أشياع ، فالله أعلم .
أهم ملامح شخصيتها
قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَمَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىَ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ * يَمَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) . هذا إخبار من الله تعالى بما خاطبت به الملائكة السيدة مريم عن أمرالله لهم بذلك , أن الله قد اصطفاها أي اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها وشرفها وطهارتها من الأكدار والوساوس , واصطفاها ثانياً مرة بعد مرة لتفضيلها على نساء العالمين .
فضلها
أنزل الله ملائكة يقولون لها : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) [آل عمران : 42]
ويقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير نساء العالمين : مريم ، وآسية ، وخديجة ، وفاطمة ." [ ابن حبان ]
يقول صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه : " كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها ." [ مسلم ]
عن ابن عباس قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض خطوطا أربعة قال : " أتدرون ما هذا ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " .
عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام " .
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير نساء العالمين : مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، وآسية امرأة فرعون " .
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون " .
كفالة زكريا عليه السلام لها
لقد كان القدر يُخفي لمريم اليتم ، فقد توفي أبوها وهي طفلة صغيرة ، وأخذتها أمها إلى الهيكل ؛ استجابة لنذرها ، ودعت الله أن يتقبلها قال تعالى : ( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا ) . [ آل عمران : 37 ]
لمّا رآها الأحبار قذف الله في قلوبهم حبها ، فتنازعوا على من يكفلها . قال نبي الله زكريا عليه السلام وكان أكبرهم سناً : أنا آخذها ، وأنا أحق بها ؛ لأن خالتها زوجتي ( يقصد زوجة أم يحيى ) ، لكن الأحبار أَبَوْا ذلك ، فقال لهم زكريا عليه السلام : نقترع عليها ، بأن نلقي أقلامنا التي نكتب بها التوراة في نهر الأردن ، ومن يستقر قلمه ؛ يكفلها ، ففعلوا، فأخذ النهر أقلامهم ، وظهر قلم زكريا عليه السلام فكفلها . قال تعالى : ( وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون ) [ آل عمران : 44 ] ، وقال عز وجل : ( وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ) [آل عمران : 37 ] وكان عُمْرُ السيدة مريم حينئذ لا يتجاوز عاماً ، فجعل لها زكريا عليه السلام خادمة في محرابها ظلت معها حتى كبرت ، وكان لا يدخل عليها حتى يستأذنها ويُسلم عليها ، وكان يأتي إليها بالطعام والشراب .
غير أنه كلما دخل عليها قدمت له طبقًاً ممتلئاً بالفاكهة ، فيتعجب زكريا عليه السلام من الفاكهة التي يراها ، حيث يرى فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف ، فيقول لها في دهشة : يا مريم من أين يأتي لك هذا ؟ فتقول : رزقني به اللّه . قال تعالى : ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [ آل عمران : 37 ] ، فلمّا رأى زكريا عليه السلام ما رأى من قدرة ربه وعظمته ، دعا اللّه أن يُعطيه ولداً يساعده ويكفيه مؤنة الحياة قال تعالى : ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء . فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ) . [ آل عمران : 38 – 39 ]
مرت السنون وأصبح زكريا عليه السلام شيخاً كبيراً ، ولم يعد قادراً على خدمة السيدة مريم كما كان يخدمها ، فخرج على بنى إسرائيل ، يطلب منهم كفالة السيدة مريم ، فتقارعوا بينهم حتى كانت السيدة مريم من نصيب ابن خالها يوسف النجار، وكان رجلاً تقياً شريفاً خاشعاً للّه . وظل يوسف يخدمها حتى بلغت سن الشباب ، فضربت السيدة مريم عندئذ على نفسها الحجاب ، فكان يأتيها بحاجتها من الطعام والماء من خلف الستار . وبعد ذلك ابتعدت السيدة مريم عن الناس ، وأصبح لا يراها أحد ولا ترى أحداً قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا . فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً ) . [ مريم : 16- 17 ]
المحنة الكبرى للسيدة مريم
بينما السيدة مريم منشغلة في أمر صلاتها وعبادتها ، جاءها جبريل عليه السلام بإذن ربها على هيئة رجل ليُبشرها بالمسيح ولداً لها قال تعالى : ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) [ مريم : 17 ] ، ففزعت منه ، وقالت : ( قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا . قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا . قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا . قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَى هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ) . [ مريم : 18- 21 ]
السيدة مريم تفر خوفاّ من الفضيحة والعار
يقول المفسرون : إنها خرجت وعليها جلبابها ، فأخذ جبريل عليه السلام بكمها ، ونفخ في جيب درعها ، فحملت حتى إذا ظهر حملها ، استحيت ، وهربت حياءً من قومها نحو المشرق عند وادٍ هجره الرعاة . فخرج قومها وراءها يبحثون عنها ، ولا يُخبرهم عنها أحد . فلمّا أتاها المخاض تساندت إلى جذع نخلة تبكي وتقول : ( قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِّاً )[ مريم : 23 ] ، حينئذ أراد الله أن يُسكّن خوفها فبعث إليها جبريل عليه السلام : ( فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّى عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) . [ مريم : 24 – 26 ]
إن مع العسر يسر
اطمأنت نفس السيدة مريم إلى كلام الله لها على لسان جبريل عليه السلام ، وانطلقت إلى قومها . ( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) [ مريم : 27 ] ، أي جئت بشيء منكرٍ وأمرٍ عظيم ( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا . فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) [ مريم : 28- 29 ] ، لكن الله لا ينسى عباده المخلصين ، فأنطق بقدرته المسيح وهو وليد لم يتعدّ عمره أياماً معدودة قال تعالى : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلَامُ عَلَى يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) [ مريم :30 – 33 ] ، فَعَلَتِ الدهشةُ وجوهَ القوم ، وظهرت علامات براءة السيدة مريم ، فانشرح صدرها ، وحمدت الله على نعمته .
خروج السيدة مريم من فلسطين
لكن أعداء الله - اليهود - خافوا على عرشهم وثرواتهم ، فبعث ملكهم جنوده ليقتلوا هذا الوليد المبارك ، فهاجرت به السيدة مريم ، ومعها يوسف النجار إلى مصر، حيث مكثوا بها اثنتي عشرة سنة ، تَرَّبى فيها المسيح عليه السلام ، ثم عادت إلى فلسطين بعد موت هذا الملك الطاغية ، واستقرت ببلدة الناصرة ، وظلت فيها حتى بلغ المسيح عليه السلام ثلاثين عاماً فبعثه اللّه برسالته ، فشاركته أمه أعباءها ، وأعباء اضطهاد اليهود له وكيدهم به ، حتى إذا أرادوا قتله ، أنقذه الله من بين أيديهم ، وألقى شَبَهَهُ على أحد تلاميذه الخائنين وهو يهوذا ، فأخذه اليهود فصلبوه حياً . بينما رفع اللَّه عيسى عليه السلام إليه مصداقًاً لقوله تعالى : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم ) [ النساء : 157 ] ، وقوله تعالى : ( بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) . [ النساء : 158 ]
وفاتها
توفيت السيدة مريم بعد رفع عيسى عليه السلام بخمس سنوات ، وكان عمرها حينئذ ثلاثاً وخمسين سنة ، ويقال : إن قبرها في أرض دمشق .
هذه هي قصة السيدة المؤمنة مريم كما حكاها لنا القرآن الكريم ، وهو كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... وقد بين لنا القرآن الكريم كفرَ اليهود وإلحادهم وإشراك النصارى وادّعاءاتهم . حيث يقول الله تعالى : ( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً ) . [ النساء : 65 ]
وقولهم : المسيح هو ابن الله ، وعبادتهم له ولأمه السيدة مريم ولروح القدس ( جبريل ) عليه السلام إنما هو قول باطل ، يخرج صاحبه من نور التوحيد إلى ظلام الكفر والشرك .
ولقد نعى الله عليهم ما هم فيه من الشرك والضلال والكفر، وأوْضَحَ لهم فساد عقيدتهم ؛ حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم ، عسى أن يتوبوا إليه ؛ فقال تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ) . [ النساء : 117 ]
ويوضح الله كُفر مَنْ يزعم أن المسيح ابن الله ؛ فالمسيح عليه السلام لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً. يقول تعالى : ( لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) . [ المائدة : 17 ] ويقول تعالى : ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) . [ المائدة : 75 ]
ويُبين الله تعالى براءة المسيح مما ادعوه عليه من الألوهية والعبادة . يقول سبحانه : ( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ . مَا قُلتُ لَهُم إِلاَّ مَا أمَرتَنِي بَه أَن اَعبُدُوا اللّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) . [ المائدة : 116 – 117 ]
المرجع
قصص الأنبياء