شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : عمرة الحديبية وما قبلها .. السيرة النبوية الشريفة


ريمة مطهر
08-17-2011, 11:22 PM
الباب السابع عشر : عمرة الحديبية وما قبلها

رؤيا دخول الحرم

أراد المسلمون بعد تطور الأحداث وقوة شوكتهم أن يمهدوا لإقرار الحق وأداء عباداتهم في المسجد الحرام الذي صدوا عنه منذ سنوات فرأى الرسول r في المنام أنه دخل وأصحابه المسجد الحرام وأخذ مفتاح الكعبة وطاف واعتمر وحلق بعضهم وقصر فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا فتجهز للسفر فخرج r في العام السادس للهجرة ومعه زوجته أم سلمة رضي الله عنها في ألف وأربعمائة . ولم يخرجوا بسلاح سوى سلاح المسافر .. وعندما وصل ميقات ذي الحليفة قلد الهدي وأحرم وبعث ينظر خبر قريش فعاد رسول الله r فأخبره أن قريشاً جمعت الأحابيش لصد المسلمين عن الحرم وفي ذلك الوقت نزل حكم صلاة الخوف ، وواصل المسلمون طريقهم لمكة وفي الطريق توقفت ناقة رسول الله r" القصواء " فقال الناس : خلأت القصواء .. فقال r : " ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل " ، ثم قال : " والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها " ثم زجرها فوثبت به ونزلوا بالحديبية ، وأخبر رسول الله r أحد حلفائهم أنه لم يقدم للحرب وإنما للعمرة .
ثم بعثت قريش عروة بن مسعود الثقفي ليفاوض النبي r فشاهد مدى تعظيم أصحاب النبي r له وقال : والله لقد وفدت على الملوك وعلى كسرى وقيصر وما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ، فكان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وما تَنَخَّمَ نخامة إلا وقعت في كف أحدهم فدلك بها جلده ووجهه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له .
وعرض عليهم الصلح .. وقد حاول سيد من شباب قريش التسلل لمعسكر المسلمين ولكن محمد بن سلمة قائد الحرس إعتقلهم جميعاً ثم أفرج عنهم النبي r رغبة في الصلح وقد أنزل تعالى قوله : ]‏وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ[ ثم بعث الرسول r عثمان بن عفان رضي الله عنه ليفاوض المشركين وقد ظهرت إشاعة أنه قُتل ، فلما بلغت النبي r قال : " لا نبرح حتى نناجز القوم " ثم دعا أصحابه للبيعة فبايعوه .. وهذه هي بيعة الرضوان وقد قال تعالى : ]‏لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ‏[ وبعثت قريش بسهل بن عمر لعقد الصلح ، فلما رآه الرسول r قال : " قد سهل لكم أمركم " وتم الاتفاق على :
1- يرجع الرسول r والمسلمون فلا يدخلون مكة هذا العام ويدخلونها العام القادم .
2- وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين .
3- من أحب أن يدخل في عهد محمد دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل .
4- من آتى محمد من قريش من غير إذنهم رد عليهم ومن جاء ممن مع محمد لقريش لم يرد .
وتم الاتفاق ودعا ليكتب " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهل : أما الرحمن لا ندري ما هو ؟ ولكن اكتب : باسمك اللهم ، فوافق رسول الله r ثم أملى رسول الله r وقال : " هذا ما صالح عليه رسول الله " ، فقال سهل : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ، فمحا لفظة رسول الله .. وقال : " إني رسول الله وإن كذبوني " ، وبعد الاتفاق تم رد أبي جندل بعد أن أسلم وهو يصيح ويبكي ويقول : كيف تردوني وقد أسلمت ، فقال له عمر : اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب .
وبعد أن فرغ الرسول r من الاتفاق قال : " قوموا فانحروا " فو الله ما قام أحد حتى قالها ثلاثاً فلم يقم أحد .. فدخل رسول الله r على أم سلمة وذكر لها ما لقي من الناس فقالت : يا رسول الله أتحب ذلك ؟ أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلق لك .. ففعل ولما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وتدافعوا للحلاقة ونحر رسول الله r جملاً كان لأبي جهل ليغيض المشركين ودعا r ثلاثاً بقوله تعالى : ]‏إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ[ .
فمن أقرت بالشروط لم يردها وطلّق المسلمون زوجاتهم الكافرات وقد كان صلح الحديبية في حقيقته فتح المسلمين لأن خضوع المشركين للصلح يعد نصر للمسلمين .
بينما كانت مشاعر بعض المسلمين حزينة لاعتقادهم أن مظاهر الصلح لصالح المشركين وكان على رأسهم عمر بن الخطاب t وقد نزلت آية : ]إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا‏ ­[ ( الفتح : 1 ) كما حدثت بعض قضايا هروب من أسلم من المشركين مثل أبو بصير وقد فرّ حتى أتى سيف البحر وتتابع خروج من أسلم ولحقوا بأبي بصير حتى اجتمعت عصابة فكانوا لا يسمعون بعير لقريش إلا اعترضوا لها .. وفي هذه الأثناء وبعد الصلح أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة ولما حضروا للنبي r قال : " إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ أكبادها " .

المرجع
السيرة النبوية الشريفة مختصر لكتاب : " الرحيق المختوم " لمؤلفه الشيخ / صفي الرحمن المباركفوري
إعداد : عبد الله بن سعيد الزهراني ، الطبعة الأولى ، 1427 هـ – 2006 م