مشاهدة النسخة كاملة : غزوة بدر الكبرى .. السيرة النبوية الشريفة
ريمة مطهر
08-16-2011, 11:54 PM
الباب الحادي عشر : غزوة بدر الكبرى
سبب المعركة والاستعداد
كانت عير لقريش تحمل طائلة لكبار أهل مكة عائدة من الشام وعددها ألف بعير وكانت فرصة ذهبية للمسلمين .. فطلب منهم الرسول r الخروج لها ، واستعد الرسول r للخروج ومعه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً منهم نحو اثنين وثمانين من المهاجرين ونحو واحد وستين من الأوس وسبعين من الخزرج واستعمل رسول الله r ابن أم مكتوم على المدينة .
ثم لمّا كان بالروحاء رد أبا لبابة بن عبد المنذر واستعمله على المدينة ورفع لواء القيادة العامة لمصعب بن عمير ، وكان اللواء أبيض ، وقسم جيشه إلى كتيبتين .. كتيبة المهاجرين وأعطى رايتها لعلي بن أبي طالب ويقال لها العقاب ، وكتيبة الأنصار وأعطى رايتها لسعد بن معاذ وظلت القيادة العليا للرسول r ، وأما خبر عير قريش فإن أبا سفيان وهو المسئول عنها علم أن محمداً r استنفز أصحابه فبعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستصرخهم فتجهزت قريش فلم يكن يتخلف أحد إلا خارج أو باعث عنه ، وكان قوام الجيش المكي ألفاً وثلاث مائة مقاتل في بداية سيره ومائة فرس وقائده أبو جهل بن هاشم ، وكانوا ينحرون يومياً 9 – 10 من الإبل ، وتذكرت قريش ما بينها وبين قبيلة بني بكر من العداوة وخافت أن تباغتها من الخلف فتكون بين نارين وحينها تبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك سيد بني كنانة فقال لهم : أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم ، وأما أبو سفيان فقد حوّل طريقه من بدر إلى الساحل فنجت العير وأرسل لقريش بذلك فهمّ الجيش بالرجوع ولكن أبا جهل رفض وعاد بعض الجيش بينما واصل نحو ألف منهم نحو بدر .
ريمة مطهر
08-17-2011, 12:00 AM
الرسول r يعقد مجلساً استشارياً
أما ما كان من حال جيش المسلمين فقد علم الرسول r بجيش المشركين وعتاده فعقد مجلساً استشارياً تحدث فيه أبو بكر وعمر والمقداد وقالوا : أذهب يا رسول الله إلى ما أراك الله فلن نقول لك كما قالت بنو إسرائيل : ]فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[ ولكن أذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون ثم اجتمع بقادة الأمصار وقال : " أشيروا عليّ أيها الناس " وإنما يريد الأنصار لأنه بايعهم على القتال في المدينة وليس بخارجها ، فقال حامل اللواء سعد بن معاذ : كأنك تعنينا يا رسول الله .. قال r : " أجل " ، قال سعد : قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك العهود فأمض يا رسول الله فو الله لو استعرضت بناء هذا البحر فخضته لخضناه معك ، فسرّ رسول الله r ثم قال : " سيروا وأبشروا فإن الله تعالى وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم " ، وهناك قام r وصاحبه أبو بكر بعملية استكشافية حول معسكر مكة وحيث قابلا شيخاً من العرب فسأله الرسول r عن قريش وعن محمد وأصحابه - سأل عن الجيشين زيادة في التكتم - فقال الشيخ : لا أخبركم حتى تخبراني ممن أنتما ، فقال r : " إذا أخبرتنا أخبرناك ، فقال الشيخ : بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، فهم اليوم في مكان كذا فلما فرغ ، قال : ممن أنتم ؟ فقال r : " نحن من ماء " وبقي الشيخ يقول : ماء .. ماء العراق ؟؟ .
ثم ذهب علي والزبير بن العوام وسعد بن وقاص يستكشفون جيش المشركين فقبضوا على غلامين يستسقيان للجيش وسألهم الرسول r عن عدد الجيش ، فقال : هم كثير ، قال r : " كم ينحرون كل يوم ؟ " قال : يوماً تسعاً ويوماً عشراً ، فقال r : " القوم فيما بين التسع مئة إلى الألف " .
وفي تلك الليلة نزل مطر فكان وبالاً على المشركين وتطهير للمسلمين ويثبت به الأقدام وتحرك الجيش الإسلامي يسبق المشركين إلى ماء بدر فنزل أدنى الماء ، وهنا قال الحباب بن المنذر كخبير عسكري : يا رسول الله .. أرأيت هذا المنزل ، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ ، قال r : " بل هو الرأي والحرب والكيدة " ، فأقترح الاقتراب من الماء وأن يغوروه " يخربونه " ويبقوا لهم ماء حتى يشرب جيش المسلمين ولا يشرب جيش المشركين .. فوافق الرسول r وتم بناء عريش للرسول r وهنا عبأ الرسول r جيشه وكان يقول : " هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله ، وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله " ، ثم بات يصلي وكانت هذه الليلة ليلة الجمعة في السابع عشر من رمضان ، وأما قريش فكانت بالعدوة القصوى .. وأما حال المشركين فقد بعثوا بالاستخبارات عرفوا أن جيش المسلمين لا يتجاوز ثلاث مائة رجل ، وقد حصلت معارضة للحرب ولكن أبا جهل رفض وعندها طلع الجيشان وقام الرسول r بتعديل جيشه وتعديل الصفوف وحدث أن طعن سواد بن غزيه في بطنه بالقدح وقال r : " استويا سواد " ، فقال سواد : أوجعتني يا رسول الله فأقدني ، فكشف الرسول r بطنه وقال : " استقد " فاعتنق سواد بطنه r .
وبدأت المبارزة بين الأسود المخزومي وحمزة بن عبد المطلب فقتله حمزة واستمرت المبارزة ثم بدأ الهجوم العام وكان الرسول r يناشد ربه ويقول : " اللهم أنجز لي ما وعدتني .. اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك " ... حتى إذا حمى الوطيس قام r يدعو ربه ويقول : " اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد ، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً " وبالغ في الابتهال ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه فرد عليه أبو بكر الصديق وقال : حسبك يا رسول الله ألححت على ربك .. وأوحى الله إلى الملائكة " إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب " وأوحى إلى رسوله r أنني ممددكم بألف من الملائكة مردفين أي أنهم ردف لكم .
وأغفى الرسول r إغفاءة .. ثم قال : " أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثنايا النقع " ، ثم خرج الرسول r من باب العريش وهو يقول : " سيهزم الجمع ويولون الدبر " وأخذ حفنة من الحصى وقال : " شاهت الوجوه " وقد حدثت قصص في هذه المعركة ومواقف إيمانية كبيرة ، وقد أصدر رسول الله r أمر الهجوم المضاد ويقول أبو داود المازني : إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذا وقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه وسمع أحد المسلمين من المقاتلين صوت فارس يقول : " أقدم خيزوم " ثم نظر للمشرك وقد خرّ رأسه ، فقال r : " صدقت ذلك من مدد من السماء الثالثة " .
وهنا جاء إبليس في صورة سراقة بن مالك فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فرّ ونكص على عقبيه وقال له المشركون : ألم تكن عاهدت أنك جار لنا ، فقال : إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ، ثم فرّ وألقى بنفسه في البحر ، وهنا بدأت إمارات الفشل والاضطراب في جيش المشركين .
واشتدت المعركة .. وهنا قام غلامان من الأنصار يسألان عن أبي جهل لأنهما سمعا أنه يسب رسول الله r فعندما شاهداه ضرباه بسيفهما حتى قتلاه ، وقد شاهده عبد الله بن مسعود في الرمق الأخير فأجتز رأسه ، وذهب به للرسول r فقال : " هذا فرعون هذه الأمة " ، ثم حمد الله وأثنى عليه ، وقتل بلال أمية بن خلف الذي كان يضربه وقتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام ، وقد انقطع سيف عكاشة بن محصن الأسدي فأعطاه رسول الله r جذلاً من حطب فقال : " قاتل بهذا يا عكاشة " فلما هزه عاد سيفاً ، وكان هذا السيف يسمى العون ، وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة للمشركين وبفتح للمسلمين وقذف رسول الله r أربعة وعشرين من صناديد قريش في طوى من أطواء بدر " بئر " وهرب وتفرق بقية المشركين في الشعاب .
وأما في المدينة فقد أشاع اليهود وأرجفوا في المدينة أن رسول الله r قد مات وبعد أن رأوا زيد بن حاثة راكباً ناقة الرسول r " القصواء " .
وأما ما كان من حال النبي r فقد أقام ببدر بعد انتهاء المعركة ثلاثة أيام وقد حدث خلاف في الغنائم فأنزل الله U : ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ[ فقسمها الرسول r بين المسلمين .. ثم عاد r للمدينة وقد استقبل من المهنئين بالروحاء ، وهنا قدم الأسارى من المشركين لأصحابه وأوصى بهم خيراً ، واستشار أبا بكر في أمرهم فأشار بأخذ الفداء وأما عمر فقال القتل .. فأخذ منهم الرسول r الفداء من أربعة آلاف إلى ثلاثة ألاف درهم .
ومن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من المدينة ليعلمهم ، ومنّ الرسول r على بعض الأسرى فأطلقهم .
المرجع
السيرة النبوية الشريفة مختصر لكتاب : " الرحيق المختوم " لمؤلفه الشيخ / صفي الرحمن المباركفوري
إعداد : عبد الله بن سعيد الزهراني ، الطبعة الأولى ، 1427 هـ – 2006 م