شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : إدارة مكتبة بغداد


جمانة كتبي
07-21-2011, 12:11 AM
إدارة مكتبة بغداد

http://www.islamstory.com/images/stories/articles/133/15160_image002.jpg" alt=""/>

د. راغب السرجاني




تَعَاقَبَ على إدارة بيت الحكمة في بغداد عدد من المديرين العلماء، وكان يُطْلَقُ على المدير لقب (صاحب)، فكان مدير بيت الحكمة يُسَمَّى (صاحب بيت الحكمة)، وأوَّل مدير لبيت الحكمة هو سهل بن هارون الفارسي (ت 215هـ/ 830م)، وقد ولاَّه هارون الرشيد القيام بخزانة كتب الحكمة، وكان ينقل من الفارسي إلى العربي ما يجده من الحكمة الفارسية، وحين تولَّى المأمون الخلافة عَيَّنَهُ مديرًا لبيت الحكمة[1]، وكان يُعاونه في هذا المنصب شخص آخر، هو سعيد بن هارون الملقب بابن هريم[2]، وكان ممَّن تولَّى إدارة بيت الحكمة أيضًا الحسن بن مرار الضبي[3].

هذا، وقد قال القلقشندي في وصف مكتبة بغداد: "إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن: إحداها: خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد؛ فكان فيها من الكتب ما لا يُحْصَى كثرة، ولا يقوم عليه نفاسة..."[4]. وكانت الخزانة الثانية هي التي بالقاهرة، والثالثة هي التي بقرطبة.

على أنه كان ثمة الكثير من المكتبات التي لم تَقِلَّ شأنًا عن مكتبة بغداد في العالم الإسلامي؛ وذلك لأن الخلفاء والأمراء المسلمين كانوا يتنافسون في جمع الكتاب, حتى إن الحكم بن عبد الرحمن الناصر خليفة الأندلس كان يبعث رجالاً إلى جميع بلاد المشرق؛ ليشتروا له الكتب عند أوَّل ظهورها[5].

وقد أدَّت مكتبة بغدَاد -مع كثير من المكتبات الإسلامية الأخرى- دورًا كبيرًا في حدوث نهضة علمية في سائر المجالات عند المسلمين الأوائل, ومَنْ تتلمذ على أيديهم من أبناء الأمم الأخرى, نهضة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً قبل العصر الحديث, مما كان له بالغ الأثر على الحضارة الإنسانية، في الوقت الذي كانت أوربا في حال مزرية من البداوة والتخلُّف[6].

ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن تلك المكتبة هي التي عَمِلَتْ على نبوغ كثير من العلماء الذين صاروا أصحاب الريادة في علوم شتى، نذكر منهم: الخوارزمي مُبْتَكِر علم الجبر، وقد حكى ابن النديم عن ذلك وعن دوره الواسع في علم الفلك فقال: "وكان منقَطِعًا إلى خزانة الحكمة للمأمون، وهو من أصحاب علوم الهيئة، وكان الناس قبل الرصد وبعده يُعَوِّلُونَ على زِيجَيْهِ الأول والثاني، ويُعْرَفَان بالسند هند"[7].

وكذلك كان الرازي، وابن سينا، والبيروني, والبتَّاني[8]، وابن النفيس، والإدريسي[9]، ومئات غيرهم ممن أنتجهم الفكر الإسلامي, الذي أرست قواعده مكتبة بغداد وغيرها من المكتبات الإسلامية.

وممَّا يَحْزَنُ له القلب، ويندى له الجبين أن هذا المَعْلَمَ الحضاري وتلك المنارة، قد أُبِيدَتْ تحت وقع هجمات التتار الذين عَلَتْهُم الهمجية، لقد حمل التتار الكتب الثمينة، ملايين الكتب الثمينة، وفي بساطة شديدة -لا تخلو من حماقة وغباء- ألقوا بها جميعًا في نهر دجلة!

لقد كان الظن أن يحمل التتار هذه الكتب القيمة إلى "قراقورم" عاصمة المغول ليستفيدوا -وهم لا يزالون في مرحلة الطفولة الحضارية- من هذا العلم النفيس، لكن التتار أمة همجية، لا تقرأ ولا تريد أن تتعلم.. يعيشون للشهوات والملذات فقط، ألقى التتار بمجهود القرون الماضية في نهر دجلة، حتى تحوَّل لون مياه نهر دجلة إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب، وحتى قيل إن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى! وكان هذا جريمة في حق الإنسانية كلها[10].

ومن العجب أن القليل من المؤلَّفَات العلمية - التي نَجَتْ من الدمار على أيدي هؤلاء الغزاة وغيرهم كانت من أهمِّ أسباب النهضة العلمية الحديثة في أوربا, وقد شهد بذلك كثير من العلماء المنصفين في الغرب.

وعلى هذا، فقد أَدَّت مكتبة بيت الحكمة ببغداد عَظِيمَ الفضل للحضارة الإنسانية، وكانت حلقة وصل مهمَّة من حلقاتها.




هوامش :

[1] انظر: الزركلي: الأعلام 3/144.

[2] الصفدي: الوافي بالوفيات 5/86.

[3] انظر: الكتبي: فوات الوفيات 1/ 122.

[4] القلقشندي: صبح الأعشى 1/ 537.

[5] ابن الأبار: التكملة لكتاب الصلة 1/226.

[6] انظر: قدري طوقان: تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك ص250.

[7] ابن النديم: الفهرست ص333.

[8] البَتَّاني: هو أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان الحراني (ت 317هـ/ 929م) ، فلكي مهندس، وتوفي بسامراء. انظر: القفطي: إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص184، 185، والصفدي: الوافي بالوفيات 2/209.

[9] الإدريسي: هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس (493- 560هـ/ 1100- 1165م) من علماء الجغرافية، رحل إلى صقلية، فنزل على روجار الثاني، ووضع له كتابًا سمّاه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق". انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات 1/138.

[10] راغب السرجاني: قصة التتار من البداية إلى عين جالوت ص161، 162.




المصدر : موقع قصة الإسلام .