شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : علم الناسخ والمنسوخ من الحديث


جمانة كتبي
07-08-2011, 01:18 AM
علم الناسخ والمنسوخ من الحديث





إن موضوع النسخ موضوع أصولي فصلت القول فيه كتب الأصول ، وهو أسلوب رباني عظيم من أساليب تعهد الفرد والأمة بالعناية والتدرج بها في الالتزام حتى تستطيع القيام بأحكام الشريعة والتحلي بآدابها ، وهو وسيلة من وسائل رفع الحرج عن الأمة ، قال الآمدي :
" وإذا عف جواز اختلاف المصلحة باختلاف الأزمان ، فلا يمتنع أن يأمر الله تعالى المكلف بالفعل في زمان لعلمه بمصلحته فيه ، وينهاه عنه في زمن آخر لعلمه بمصلحته فيه ، كما يفعل الطبيب بالمريض حيث يأمره باستعمال دواء خاص في بعض الأزمنة ، وينهاه عنه في زمن آخر بسبب اختلاف مصلحته عند اختلاف مزاجه " (1) .
وفي القرآن الناسخ والمنسوخ حتى كان ذلك علماً من علوم القرآن (2) وكذلك الشأن في الحديث ففيه الناسخ والمنسوخ وكان من ذلك هذا العلم الذي نُعرف به بإيجاز .
علم الناسخ والمنسوخ من الحديث علم يبحث في الأحاديث المتعارضة في الأحكام التي تقرها ليعرف : أيها الناسخ وأيها المنسوخ ؟
ومن المستحسن أن نعرف النسخ أولاً ، فالنسخ – كما قال ابن حجر - : هو رفع تعلق حكم شرعي (3) بدليل شرعي متأخر عنه . والناسخ ما دل على الرفع المذكور ، وتسميته ناسخاً مجاز ؛ لأن الناسخ في الحقيقة هو الله تعالى (4) .
ومعرفة الناسخ والمنسوخ تكون بواحد مما يلي :
1/ فمنها ما يعرف بتصريح النبي صلى الله عليه وسلم ، كحديث بريدة الذي أخرجه مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " (5) .
2/ ومنها ما يعرف من جزم الصحابي بأنه متأخر كقول جابر رضي الله عنه : " كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار " (6) .
3/ ومنها ما عرف الناسخ والمنسوخ بالتاريخ ، فبمعرفة تاريخ كل من الحديثين يحكم على المتأخر بأنه ناسخ للمتقدم كحديث شداد بن أوس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أفطر الحاجم والمحجوم " (7) وروي في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم (8) فقد بين الشافعي أن الثاني ناسخ للأول من حيث إنه روي في حديث شداد أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم زمان الفتح فرأى رجلاً يحتجم في شهر رمضان فقال : " أفطر الحاجم والمحجوم " وروي في حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم فبان بذلك أن الأول كان في زمن الفتح في سنة ثمان والثاني في حجة الوداع في سنة عشر (9) .
4/ ومنها ما يعرف بالإجماع كحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة (10) فإنه منسوخ ؛ عُرف نسخه بانعقاد الإجماع على ترك العمل به ، والإجماع لا ينسخ ولكن يدل على وجود ناسخ غيره (11) .

ومن أول المشتغل بهذا العلم الإمام الشافعي ، قال الإمام أحمد : " وما علمنا المجمل من المفسل ولا ناسخ حديث رسول الله من منسوخه حتى جالسنا الشافعي " (12) .

وقد ألف في هذا العلم أحمد بن محمد الأثرم المتوفي سنة 261هـ وأحمد بن إسحاق الدينوي المتوفي سنة 318هـ ، ومحمد بن بحر الأصبهاني المتوفي سنة 322هـ ، وابن شاهين المتوفي سنة 385هـ ، ومحمد بن موسى بن عثمان الحازمي الهمذاني المتوفي سنة 584هـ وكتابه هو ( الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ) وهو كتاب نافع جامع وقد طبع أكثر من رمة في الهند وبلاد الشام (13) .



(1) الأحكام : 3/116 .
(2) انظر الإتقان للسيوطي : 2/20 .
(3) أي قطع تعلقه بالمكلفين . انظر ( شرح النخبة ) لملأ علي القاري ص 101 .
(4) شرح النخبة لابن حجر : ص 16 .
(5) صحيح مسلم 3/65 ، وسنن أبي داود 3/296 ، وأخرجه النسائي عن بريدة في كتاب الأضاحي 7/207 . والترمذي عن بريدة أيضاً 2/156 . ورواه ابن ماجه 1/501 عن ابن مسعود وسنده ضعيف .
(6) سنن أبي داود 1/88 ، وسنن النسائي 1/40 ، قال النووي في شرح مسلم 4/43 : [ وهو حديث صحيح رواه النسائي وأبو داود وغيرهما من أهل السنن بأسانيدهم الصحيحة ] .
(7) سنن أبي داود 2/414 ، وسنن ابن ماجه 1/537 ، والترمذي 2/64 ، وصحيح ابن خزيمة 3/226 ، والدارمي 2/14 ، ومصنف عبد الرزاق برقم 7520 ، والمستدرك 1/428 ، وسنن البيهقي 4/265 ، ومسند أحمد 2/364 و 3/465 و 5/210 و6/12 ، ومسند الشافعي 1/257 ، وفتح الباري 4/178 . وعزاه ابن حجر في ( تلخيص الحبير ) 2/193 إلى النسائي في السنن الكبرى . ولم أجده – محمد الصباغ – في الصغرى . وانظر ( الدرر المنتثرة ) بتحقيقنا رقم 90 ، ومختصر المقاصد رقم 125 . وانظر المجموع للنووي 6/318 – 320 .
(8) صحيح البخاري : 7/108 ، وسنن أبي داود 2/415 ، وابن ماجه 1/537 ، والترمذي 2/64 .
(9) علوم الحديث لابن الصلاح : ص 251 ، وانظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار : ص 10 ، ويرى ابن حزم أن الناسخ له هو حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في الحجامة للصائم ، لا حديث ابن عباس انظر ( المحلى ) 6/301 – 303 ، طبعة حسن زيدان طلبه 1388هـ ( 1968م ) .
(10) أبو داود 4/228 ، وابن ماجه 2/859 ، والترمذي 2/64 .
(11) نقل السيوطي عن عبد الرزاق أحاديث ووقائع تدل على النسخ مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، انظر ( الدر المنثور ) 2/325 .
(12) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ، ص 5 .
(13) طبعه في حلب الشيخ راغب الطباخ ، وطبع في حمص 1386 في مطبعة الأندلس وهذه الطبعة هي التي كانت بين يدي – محمد الصباغ – عند كتابة هذا الفصل – الرواية والدراية وأهم علوم الحديث – وإليها الإحالات .






المصدر كتاب : الحديث النبوي ، مصطلحه ، بلاغته ، كتبه / محمد بن لطفي الصَّباغ – بتصرف - .