شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : معجزة عيسى عليه السلام


ريمة مطهر
06-25-2011, 08:19 PM
عيسى
الطفل ينطق مرّتين

قال تعالى : { فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريّاً } مريم : 24.

قال تعالى : { فأشارت إليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبياً } مريم : 29.

1. معجزة الحمل والميلاد
تأخرت مريم ابنة عمران عن صاحباتها يوماً , فلما ذهبت تملأ جرّتها من الينبوع وجدت نفسها وحيدة , وأحست وحشة ورهبة , واضطرب جسمها فجأة , فشعرت بالخوف , وأقبلت على الماء مسرعة تردد أدعية الصلاة , وإذا شاب قوي , وسيم الطلعة , جميل الهيئة , ينظر إليها كأنما خرج من الأرض .

خافت مريم , وأصابها الذعر , وتوقعت شراً ينزل بها فقالت : { إني أعود بالرحمن منك إن كنت تقيّاً } . مريم : 18.

ذلك الشاب الجميل كان جبريل عليه السلام , فلما رأى جبريل عليه السلام انزعاجها قال لها : { إنما أنا رسول ربك إليك لأهب لك غلاماً زكياً } . مريم : 19.

احتارت مريم في أمره , وخافت أن يكون بشراً أراد بها سوءاً , وأرادت الهرب , فهبط عليها إلهام من الله عز وجل , وإذا هي واقفة بثبات واطمئنان , ثم رأت صفاً من الملائكة عن يمينها , وصفاً عن شمالها , فهدأت نفسها , وذهب خوفها .

قالت الملائكة : { يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين } آل عمران : 45.

قالت مريم متوجهة إلى الله عز وجل : { رب أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر } آل عمران : 47.

قال جبريل عليه السلام : { كذلك الله يخلق ما يشاء , إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } .

تلقت مريم هذا النبأ العظيم بخوف وفرح , إن الملائكة تبشرها بولد يكون نوراً وهدى للناس , ورسولاً إلى بني اسرائيل , يا له من شرف عظيم .

رفعت مريم رضوان الله عليها رأسها أمام جبريل عليه السلام وقالت : هأنذا أمة الله . ليكن ما يريد الله .

تقدّم جبريل عليه السلام , ونفخ في جيبها , ثم اختفى عنها مع الملائكة بعد أن وهبها وديعة القدّوس الأعلى .

أحيطت مريم العذراء بسر هائل , لم تعهده امرأة سواها من قبل فالجنين يتحرّك في بطنها , وأمرها صائر إلى الفضيحة , وهي العذراء الصالحة التي عاشت عمرها طاهرة نقيّة .

لم تطق مريم البقاء بحالتها هذه في الناصرة , فأسرعت بالعودة الى جبال حبرون , لتكشف سرّها إلى مثلها , تثق فيها , وتطمئن إليها , وتلاقت مريم مع خالتها " أليصابات " فألقت إليها بسرّها الرهيب و " أليصابات " خالة مريم وامرأة زكريا عليه السلام .

كانت أليصابات زوجة زكريا قد حملت هي أيضاً , بعد أن استجاب الله لدعاء زوجها , فروت كل منهما قصتها وتحدّثتا بغرابة حملهما , وكانت " أليصابات " العجوز قد حملت بيحيى عليه السلام , ومكثت مريم وخالتها أليصابات معاً ثلاثة أشهر في هذا البيت الهادئ على سفح الجبل وقد سمعت مريم وأليصابات وهما نائمتان على سرير واحد نداء سماوياً ألهمهما أن الطفل عيسى ويحيى سيشتركان معاً في إتمام القصد الإلهي , ونزل هذا الخبر على قلبيهما برداً وسلاماً .

وعادت العذراء المباركة إلى الناصرة , وهي الفتاة الباسمة المشرقة , فقد أصبحت تعيش في عالم جديد أكثر اتصالاً بالله , تفكر طويلاً بفرح ممزوج بالخوف .

انتفخ بطنها , وبدأت تفطن إلى الريبة التي تخامر قلوب المحيطين بها , فكانت تفكر في ذلك طويلاً , وأخيراً استقرّ عزمها على أن تكشف سرّها إلى ابن عمّها يوسف النجار , وكان أشد الناس برّاً بها وحرصاً عليها , فأرسلت له وألقت إليه بسرها الذي كان حملاً ثقيلاً عليها .

وقع هذا الخبر على يوسف , وقوع الصاعقة , فشك في أمرها , وهو أعلم الناس بعفتها وطهارتها , وعاد إلى منزله , وأوى إلى فراشه شارد الفكر مضطرب الفؤاد , فطار النوم من عينيه , وعصر الحزن قلبه .

وفي هدوء الليل هبط الوحي الإلهي على ذلك الرجل المعذب والقلب الجريح , وأنبأه الحقيقة العظمى , فقام من نومه , وقد آمن بحقيقة مريم العذراء , وأسرع إليها في منزل عمتها ليعتذر لها عن ريبته وشكه فيها , ثم عرض عليها أن يضمها في بيته ليستر أمرها , ويحظى بشرف رعايتها كما يرعى الزوج زوجته .

أذعنت مريم لإلحاح عمتها فقبلت هذا العرض وذهبت إلى بيت يوسف , فأتمّت فيه مدّة الحمل .

لما صارت في الشهر التاسع , ورأى يوسف سوء حالتها , أشفق عليها , وبذل المستحيل ليخفي أمرها , ويمنع سوء القالة عنها , فقرّر السفر بها لتضع مولودها , بعيدة عن الناصرة وأهلها .

ريمة مطهر
06-25-2011, 08:21 PM
2. الطريق إلى بيت لحم

أمر القيصر , وهو ملك بلاد الشام في ذلك الوقت , أمر بحصر عدد السكان , وكتابة أسمائهم في سجلات , وهدّد كل من يتخلف عن تدوين اسمه , وأسماء عائلته بالعقاب الشديد .

فسافر الناس من الشمال والجنوب إلى القدس , لتدوين أسمائهم , فكنت ترى الطريق مزدحمة بالمسافرين .

مالت الشمس إلى الغرب , واذا وقعت العين على ركب المسافرين , الذين جاؤوا من بلاد الجليل في الشمال وقد بدا عليهم أثر التعب , وأضناهم السفر الطويل تجد من بين هؤلاء المسافرين فتاة قروية هي مريم العذراء على دابة وقد أمسك بمقودها رجل هو يوسف النجار الذي كان يبدي اهتماماً عظيماً بها .

جاءا معاً إلى القدس , ليقيّدا اسميهما في سجلات المحاكم , ولعلهما أرادا الاختفاء عن قومها خشية الفضيحة , وقت الولادة .

اقترب الركب المبارك من " بيت لحم " وهي مدينة فلسطينية , وشعرت مريم بمقدمات الوضع , فمال يوسف النجار بها إلى بيت لحم , وأنزلها بالقرب من كهف كبير , وقد استعمله الرعاة من قديم الزمان مربطاً للماشية والأغنام , فجلست مريم بجوار جذع نخلة , وذهب ابن عمها إلى القدس , ليستأجر لها مكاناً خالياً , وما كان هناك مكان يصلح لراحة حبلى في شهرها الأخير , لكثرة الوافدين على المدينة في هذا الوقت .

فما كان منه إلا أن أخذها إلى مكان خال بجوار نخلة يمر من تحتها جدول صغير من الماء .

ريمة مطهر
06-25-2011, 08:24 PM
3. الميلاد والمعجزة

كانت مريم العذراء وحيدة هناك بجوار النخلة , إنها نخلة معمّرة , وأمامها جدول صغير من الماء العذب يسري ماؤه , فقاست مريم حرارة الوحدة وقت الولادة , وأجاءها المخاض إلى جذع النخلة , فوضعت ابنها البكر , وقامت إلى الجدول وغسلته وقمّطته , ثم اتجهت به إلى الكهف , وفي هذا المكان الهادئ نام المسيح نومته الأولى , ودخل إلى العالم بهذه الصورة المتواضعة كما يدخل أي مولود عادي من عامة الناس , وقد استقبلته السماء بمظاهر الترحيب والبشر , فشع نور على مهد هذا الوليد المبارك , وكانت أمه بعد هذا المجهود الشاق قد استسلمت لضعف ألمّ بها , فرأت مظاهر الحفاوة والتكريم لهذا المولود , وسمعت ترتيل الملائكة الذين جاؤوا يحفون بالمولود الجديد , يسبّحون ويهللون ويهتفون بالتحية لمولده , وشاهدت هذا النور الذي انبثق من السماء إلى الأرض , يعلن لملايين البشر فجر الخلاص من الظلم والاستبداد , وظلام الجهل والضلال .

أفاقت مريم من ضعفها , وعاد إليها نشاطها , فإذا طفلها ينظر إليها نظرة العطف والتساؤل , وإذا قلبها مفعم بالذكريات الأليمة , والصور البشعة , وإذا هي نهب للتفكير في ساعة لقاء أهلها وذويها .

كيف ترد على التهم التي ستنهال عليها ؟! ظلت تفكّر في ذلك كثيراً , فانتابها موجة من الضيق , ونكست رأسها تحاول إبعاد هذه الوساوس عنها . قالت : { يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيّاً } يا إلهي ؛ أنت عليم بحالي فألهمني الرشاد , وخلصني مما أقاسيه .

كانت مريم حقاً في حيرة شديدة , لا تستطيع البقاء بمولودها في هذا المكان بدون طعام , ولا تستطيع أن تعود به إلى ذويها في الناصرة , ولا إلى أقربائها في بيت لحم , فيرموها بالسوء , ويقذفوها بالتهم أشكالاً وألواناً .

أظلمت الدنيا في عينها , وساءت الحياة أمامهما , وبينما هي في غمرة من ذلك سمعت صوتا يناديها : يا مريم , لا تحزني!! قد جعل ربك تحتك ماء سريّاً وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً فكلي من الرطب , واشربي من الماء , وتوكلي بعد ذلك على الله فهو نعم المولى , ونعم النصير .

سمعت مريم هذا النداء السماوي يتردد على أذنها , فكان برداً وسلاماً على قلبها , أعاد إليها الأمن والثقة , وأذهب عنها الخوف والاضطراب فقامت مريم إلى الجدول وشربت , وهزت بجذع النخلة وجمعت ما وقع منها من رطب , ثم أقبلت على الطفل وأشرق وجهها بمحياه , فانزاح عنها الكابوس الثقيل , وكانت قد سمعت حديث الناس حول ظهور النجم الأكبر , وتساؤلهم عن آيات ظهور المسيح المنتظر الذي بشرت به التوراة .

وبينما هي كذلك جاء يوسف النجار إليها في لهفة وحسرة , فوجدها في أتم صحة , تغسل الخرق , وتنشرها على أشعة الشمس , وقد حماها الله من كل سوء , فلما نظر إليها يستفسر عن حالها أشارت إلى المولود , فأسرع يوسف إليه , ووقف برهة يتأمل ذلك الوجه المشرق الجميل , ونحن نتصور ما يجول في رأس هذا الرجل المؤمن من الأفكار , بعدما رأى من آيات الله , وما سمع من حديث القوم , فنعرف السر فيما فعله بعد ذلك , حينما وهب كل وقته , وبذل كل جهده لرعاية هذا الوليد الخارق لناموس الحياة وأمه السيّدة العذراء .

ونتصوره أيضاً يعود إلى مريم , وقد نكّس رأسه هيبة وإجلالاً ليسألها عملاً يؤديه , أو خدمة يقدمها .

حقاً !؟ إن يوسف النجار كان رجلاً صالحاً تقياً نبيلاً , كشف الله عن بصيرته , وألهمه الحقيقة والصواب .

ونحن نتصور مريم تقضي مدة النفاس في هذا المكان الخلائي الهادئ , فنجدها هانئة به , وقد راضت نفسها على الإقامة فيه , وكان يوسف النجار يذرع الأرض كل يوم ويقطع طريقها بين الكهف الذي وُلد فيه المسيح وبين القدس , حيث يقضي حوائجها , ويشتري لها الخبز والطعام , فإذا عاد من المدينة وجد تمراً كثيراً , جاءت به هذه النخلة التي شبّ عمرها , واخضرّت أوراقها , بعد أن أصابها الكبر ونخرها السوس .

انتهت مدة نفاس مريم العذراء , وحان موعد الرحيل إلى المدينة , فعاود مريم القلق , وانتابها الوسواس من جديد .

كان يوسف يحزم الأمتعة استعداداً للرحيل , ومريم غارقة في همومها ودعائها تطلب العون من الله , فسمعت هاتفاً يهتف بها : يا مريم ؛ صومي اليوم عن الكلام , فلا تكلمي أحد من الناس , والله يتولاك برعايته .

كان الهاتف بهذا الأمر هو جبريل عليه السلام , فصدعت للأمر , ونذرت الصوم قالت : { إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيّاً } مريم : 26.

ولما فرغ يوسف النجار من حزم الأمتعة , حملها على دابته ثم نظر إلى مريم , ودعاها للركوب , فركبت دون أن تحرك شفتيها بكلمة واحدة .

اتجهت مريم بالطفل إلى جبال حبرون , وجاءت به إلى قومها تحمله , قالوا : يا مريم ؛ لقد جئت شيئاً فريّاً , وأمراً منكراً !؟

سكتت مريم ولم تقل شيئاً للدفاع عن نفسها , فأيقنوا أنها ارتكبت خطيئة , وقالوا : { يا أخت هارون ما كان أبوك إمرأ سوء وما كانت أمك بغيّاً } مريم : 28.

تكلمي يا مريم ودافعي عن نفسك . كيف جئت بهذا الغلام ؟!

كانت مريم صائمة لا تستطيع الكلام , فلما ألحوا عليها وكثر كلامهم وسؤالهم لها , اتخذت قراراً صامتاً أصابهم الدهشة الشديدة !!

كانت مريم صائمة عن الكلام , لا تستطيع الكلام , فلما ألحوا عليها وكثر سؤالهم لها : أشارت إلى الطفل ليكلموه , إنه أمر عجيب , كيف تطلب مريم شيئاً خارقاً لم نعتد عليه , إنها تطلب معجزة , تريد أن يتكلم هذا الطفل الملفوف في قطعة من القماش .

قالوا في دهشة واستغراب : { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } .

كيف نكلم هذا الطفل الذي يكفينا سماع صوت بكائه بصعوبة شديدة من ضعفه وطفولته المبكرة .

لقد ولد منذ أيام قليلة , فهل يعقل إنسان هذا الذي تريده مريم , إنها تريد المستحيل .

ولكن مريم كانت بحاجة إلى معجزة كي يصدقها الناس , إذ كيف يصدق الناس أن طفلاً أنجب بغير أب , وفي هذا الأمر اتهام للعرض والشرف , حتى أنهم قالوا إن أمها كانت طاهرة شريفة وأبوها لم يكن يوماً من الأيام سيء الخلق حتى تأتي هي بهذا الفعل المشين .

انصرفت مشيئة الله أن يكون الرد معجزة , لأن الاقناع في مثل هذه المواقف يحتاج إلى معجزات ومعجزات , والمعجزة والشيء الخارق هنا أن يعتدل الطفل في فراشه ويعرف الناس بنفسه ويدافع عن أمه وما أثير حولها من عبارات الشك والطعن في شرفها وعرضها .

تكلم عيسى المسيح عليه السلام , بعد أن قالوا : { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } .

قال عيسى وهو ملفوف في رباط الأطفال وملفوف بخرق الفراش .. قال : { إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً* وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً* وبرّا بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيّاً* والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً* ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون } مريم 30-34.

وكان حديثه في المهد معجزة عظيمة .

المرجع
معجزات الأنبياء - عبد المنعم الهاشمي