ريمة مطهر
02-01-2011, 11:48 PM
علي بن أبي طالب
علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الهاشمي . ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واسم أبي طالب عبد مناف . وقيل : اسمه كنيته ، واسم هاشم : عمرو . وأم علي فاطمة بنت أسد بن هاشم . وكنيته : أبو الحسن أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصهره على ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين ، وأبو السبطين ، وهو أول هاشمي ولد بين هاشميين ، وأول خليفة من بني هاشم ، وكان علي أصغر من جعفر وعقيل وطالب . وهو أول الناس إسلاماً في قول كثير من العلماء على ما نذكره .. وهاجر إلى المدينة ، وشهد بدراً ، وأحداً والخندق ، وبيعة الرضوان ، وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبوك ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه على أهله ، وله في الجميع بلاء عظيم وأثر حسن ، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة بيده ، منها يوم بدر - وفيه خلاف - ولما قتل مصعب بن عمير يوم أحد وكان اللواء بيده ، دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي . وآخاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين ، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة ، وقال لعلي في كل واحدة منهما : " أنت أخي في الدنيا والآخرة " .
إسلامه رضي الله عنه
أنبأنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : ثم إن علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك اليوم - يعني بعد إسلام خديجة وصلاتها معه – قال : فوجدهما يصليان ، فقال علي : يا محمد ، ما هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دين الله الذي أصطفى لنفسه ، وبعث به رسله ، فأدعوك إلى الله وعلى عبادته وكفر باللات والعزى " . فقال له علي : هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم ، فلست بقاض أمراً حتى أحدث أبا طالب . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره ، فقال له : يا عليّ ، إن لم تسلم فاكتم . فمكث عليّ تلك الليلة ، ثم إن الله أوقع في قلب عليّ الإسلام ، فأصبح غادياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فقال : ماذا عرضت عليّ يا محمد ؟ فقال له سول الله صلى الله عليه وسلم : " تشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وتكفر باللات والعزى ، وتبرأ من الأنداد " . ففعل عليّ وأسلم ، ومكث عليّ يأتيه سراً خوفاً من أبي طالب ، وكتم عليّ إسلامه . وكان مما أنعم الله به علي عليّ أنه ربي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام . قال يونس عن ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي نجيح قال : رواه عن مجاهد قال : أسلم علي وهو ابن عشر سنين . أنبأنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقيه وغير واحد بإسنادهم إلى أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي عن محمد بن حميد عن إبراهيم بن المختار ، عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس ، قال : " أول من أسلم علي " ومثله روى مقسم عن ابن عباس واسم أبي بلج : يحيى بن أبي سليم . قال : وحدثنا أبو عيسى ، حدثنا إسماعيل بن موسى ، حدثنا علي بن عابس ، عن سليم الملائي ، عن أنس بن مالك قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين . وأسلم عليّ يوم الثلاثاء . قال : وحدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا محمد بن بشار وابن مثنى قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي حمزة رجل من الأنصار ، عن زيد بن أرقم قال : أول من أسلم عليّ - قال عمرو بن مرة : فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي ، فأنكره وقال : أول من أسلم أبو بكر . وأبو حمزة اسمه طلحة بن يزيد . أنبأنا أبو الفضل بن أبي الحسن بن أبي عبد الله المخزومي بإسناده عن أحمد بن علي : حدثنا أبو هشام الرفاعي ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا الأجلح ، عن سلمة بن كهيل ، عن حبة بن جوين ، عن علي قال : لم أعلم أحداً من هذه الأمة عبد الله قبلي ، لقد عبدته قبل أن يعبده أحد منهم خمس سنين ، أو سبه سنين . رواه إسماعيل بن إبراهيم بن بسام ، عن شعيب بن صفوان ، عن الأجلح ، نحوه . أنبأنا عبد الله بن أحمد الطوسي الخطيب بإسناده عن أبي داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، حدثنا سلمة بن كهيل بن حبة العرني قال : سمعت علياً يقول : أنا أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم . وأنبأنا أبو الطيب محمد بن أبي بكر بن أحمد المعروف بكلي الأصبهاني كتابة ، وحدثني به عثمان بن أبي بكر بن جلدك الموصلي ، عنه ، أخبرنا أبو علي الحدلد ، أنبأنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق ، أنبأنا سليمان بن أحمد بن أيوب ، حدثنا ابن عبد الأعلى الصنعاني ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي صادق ، عن عليم الكندي ، عن سلمان الفارسي قال : أول هذه الأمة وروداً على نبيها أولها إسلاماً ، علي بن أبي طالب . رواه الدبري عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن قيس بن مسلم . أنبأنا ذاكر بن كامل الخفاف ، أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الباقرجي أنبأنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف المقري العلاف ، أنبأنا أبو علي مخلد بن جعفر بن مخلد الباقرجي ، حدثنا محمد بن جرير الطبري ، حدثنا عبد الأعلى بن واصل ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن مسلم ، عن أبيه ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد صلت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين ، وذاك أنه لم يصل معي رجل غيره " . أنبأنا يحيى بن محمود بن سعد ، حدثنا الحسن بن أحمد قراءة عليه وأنا حاضر أسمع أنبأنا أحمد بن عبد الله أبو نعيم أنبأنا أبو القاسم الطبراني ، حدثنا العباس بن الفضل الاسقاطي ، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب ، حدثنا علي بن غراب ، عن يوسف بن صهيب ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : خديجة أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم علي . وقال أبو ذر والمقداد ، وخباب ، وجابر ، وأبو سعيد الخدري ، وغيرهم : إن علياً أول من أسلم بعد خديجة ، وفضله هؤلاء على غيره . قاله أبو عمر . وروى معمر ، عن قتادة ، عن الحسن وغيره قال : أول من أسلم عليّ بعد خديجة ، وهو ابن خمس عشرة سنة . وسئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم : علي أو أبو بكر ؟ قال : سبحان الله ! عليّ أولهما إسلاماً ، وإنما اشتبه على الناس لأن علياً أخفى إسلامه عن أبي طالب وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه . وقد ذكرنا حديث عفيف الكندي في أن أول من أسلم : علي في ترجمته . وقال أبو الأسود تيم بن عروة : إن علياً والزبير أسلما وهما ابنا ثمان سنين . قال أبو عمر : ولا أعلم أحداً يقول بقوله هذا . وقد قال جماعة غير من ذكرنا : إن علياً أول من أسلم ، وقيل : أبو بكر، والله أعلم مع رسول الله عليه وسلم ، ثم علي . وقال أبو ذر والمقداد ، وخباب ، وجابر ، وأبو سعيد الخدري ، وغيرهم : إن علياً أول من أسلم بعد خديجة ، وفضله هؤلاء على غيره . قاله أبو عمر . وروى معمر ، عن قتادة ، عن الحسن وغيره قال : أول من أسلم عليّ بعد خديجة ، وهو ابن خمس عشرة سنة . وسئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم : علي أو أبو بكر ؟ قال : سبحان الله ! عليّ أولهما إسلاماً ، وإنما اشتبه على الناس لأن علياً أخفى إسلامه عن أبي طالب وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه . وقد ذكرنا حديث عفيف الكندي في أن أول من أسلم : علي في ترجمته . وقال أبو الأسود تيم بن عروة : إن علياً والزبير أسلما وهما ابنا ثمان سنين . قال أبو عمر : ولا أعلم أحداً يقول بقوله هذا . وقد قال جماعة غير من ذكرنا : إن علياً أول من أسلم ، وقيل : أبو بكر ، والله أعلم .
هجرته رضي الله عنه
أنبأنا عبيد الله بن أحمد بإسناده ، عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني بعد أن هاجر أصحابه إلى المدينة- ينتظر مجيء جبريل عليه السلام وأمره له أن يخرج من مكة بإذن الله له في الهجرة إلى المدينة ، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي ، وأرادوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرادوا ، أتاه جبريل عليه السلام وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ، ويتسجى ببرد له أخضر ، ففعل ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه . قال ابن إسحاق : وتتابع الناس في الهجرة ، وكان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يفتن في دينه علي بن أبي طالب وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخره بمكة ، وأمره أن ينام على فراشه وأجله ثلاثاً ، وأمره أن يؤدي إلى كل ذي حق حقه ففعل . ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم . أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي إجازة : أنبأنا أبي أنبأنا أبو الأغر قراتكين بن الأسعد ، حدثنا أبو محمد الجوهري ، حدثنا أبو حفص بن شاهين ، حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، حدثنا أحمد بن يوسف ، حدثنا أحمد بن يزيد النخعي ، حدثنا عبيد الله بن الحسن ، حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده عن أبي رافع (ح) قال عبيد الله بن الحسن : وحدثني محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي رافع في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال : وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم - يعني خلف علياً - يخرج إليه بأهله ، وأمره أن يؤدي عنه أمانته ووصايا من كان يوصي إليه ، وما كان يأتمن عليه من مال ، فأدى عليّ أمانته كلها ، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج ، وقال : إن قريشاً لم يفقدوني ما رأوك . فاضطجع على فراشه ، وكانت قريش تنظر إلى فراش النبي صلى الله عليه وسلم فيرون عليه علياً ، فيظنونه النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه علياً ، فقالوا : لو خرج محمد لخرج بعلي معه ، فحبسهم الله بذلك عن طلب النبي حين رأوا علياً ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً أن يلحقه بالمدينة ، فخرج علي في طلبه بعدما أخرج إليه أهله يمشي الليل ويكمل النهار ، حتى قدم المدينة . فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قدومه قال : ادعوا لي علياً . قيل : يا رسول الله ، لا يقدر أن يمشي . فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه اعتنقه وبكى ، رحمة لما بقدميه من الورم ، وكانتا تقطران دماً ، فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في يديه ، ومسح بهما رجليه ، ودعا له بالعافية فلم يشتكهما حتى استشهد رضي الله تعالى عنه .
شهوده رضي الله عنه بدراً
وغيرها : أنبأنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير عن أبي إسحاق ، في تسمية من شهد بدراً من قريش ، ثم من بني هاشم قال : وعلي بن أبي طالب ، وهو أول من آمن به . وأجمع أهل التاريخ والسند على أنه شهد بدراً وغيرها من المشاهد ، وأنه لم يشهد غزوة تبوك لا غير ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه على أهله . أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن سرايا الفقيه وغير واحد بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل : حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله حدثنا إسحاق بن منصور السلولي ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق قال : سأل رجل البراء وأنا أسمع : أشهد عليّ بدراً ؟ قال : بارز وظاهر . أخبرنا يحيى بن محمود ، أنبأنا عم جدي أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفي ، أنبأنا أبو طاهر عم والدي وأبو الفتح ، قالا : أنبأنا أبو بكر بن زادان ، حدثنا أبو عروبة ، حدثنا أبو رفاعة ، حدثنا محمد بن الحسن - يعرف بالهجيمي - حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد قال : لقد رأيته - يعني علياً - يخطر بالسيف هام المشركين يقول : ( سنحنح الليل كأنّي جنّي ) . أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي الأمين أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان ، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن صرون ، وأبو طاهر أنبأنا أحمد بن شاذان ، قال : قرئ على أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال جدي أبو الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر قال : كتب إليّ محمد بن علي ومحمد بن يحيى يخبراني ، عن محمد بن الجنيد ، حدثنا حصن بن جنادة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : لقد أصابت علياً يوم أحد ست عشرة ضربة كل ضربة تلزمه الأرض ، فما كان يرفعه إلا جبريل عليه السلام .
قال : وحدثنا جدي حدثنا بكر بن عبد الوهاب ، حدثنا محمد بن عمر ، حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي ، عن يحيى بن سعيد ، عن ثعلبة بن أبي مالك قال : كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواطن كلها فإذا كان وقت القتال أخذها علي بن أبي طالب .
أنبأنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ . أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو الحسين بن الفراء وأبو غالب وأبو عبد الله ، أنبأنا البناء قالوا : حدثنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا أحمد بن سليمان ، حدثنا الزبير بن بكار قال : وله يعني لعلي بن أبي طالب - يقول أسيد بن أبي أناس بن زنيم ، وهو يحرض مشركي قريش على قتله ويعيرهم :
في كل مجمـع غـاية أخـزاكـم ** جذع أبر على المذاكي الـقـرح
للـه دركـم ألـمـا تـنـكــروا ** قد ينكر الحي الكريم ويستـحـي
هذا ابن فاطمة الـذي أفـنـاكـم ** ذبحاً، وقتلة قعـصة لـم تـذبـح
أعطوه خرجاً واتقـوا بـضـريبة ** فعل الذليل وبـيعة لـم تـربـح
أين الكهـول ؟ وأين كـل دعـامة ** في المعضلات ؟ وأين زين الأبطح
أفناهم قعصـاً وضـربـاً يفـري ** بالسيف يعمل حده لـم يصـفـح
أنبأنا أبو الفضل المنصور بن أبي الحسن المديني بإسناده عن أحمد بن علي بن المثنى : حدثنا أبو موسى ، حدثنا محمد بن مروان العقيلي ، عن عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة قال : قال علي : لما تخلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يوم أحد نظرت في القتلى فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : والله ما كان ليفر وما أراه في القتلى ، ولكن الله غضب علينا بما صنعنا فرفع نبيه ، فما فيّ خير من أن أقاتل حتى أقتل ، فكسرت جفن سيفي ، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم .
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن الخليل القيسي ، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، أنبأنا زيد بن الحباب ، حدثنا الحسين بن وافد عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء ، فلما كان من الغد أخذه عمر – وقيل : محمد بن مسلمة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأدفعن لوائي إلى رجل لم يرجع حتى يفتح الله عليه " ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة ، ثم دعا باللواء ، فدعا علياً وهو يشتكي عينيه ، فمسحهما ثم دفع إليه اللواء ففتح – قال : فسمعت عبد الله بن بريدة يقول : حدثني أبي أنه كان صاحب مرحب - يعني علياً - .
وأخباره في حروبه كثيرة لا نطول بذكرها .
علمه رضي الله عنه
روى علي عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر ، وروى عنه بنوه الحسن والحسين ومحمد وعمر ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عمر ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو رافع ، وصهيب ، وزيد بن أرقم ، وجابر بن عبد الله ، وأبو أمامة ، وأبو سريحة حذيفة بن أسيد وأبو هريرة ، وسفينة ، وأبو جحيفة السوائي ، وجابر بن سمرة ، وعمرو بن حريث وأبو ليلى والبراء بن عازب ، وعمارة بن رويبة ، وبشر بن سحيم ، وأبو الطفيل ، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير ، وجرير بن عبد الله ، وعبد الرحمن بن أشيم ، وغيرهم من الصحابة .
وروى عنه من التابعين : سعيد بن المسيب ، ومسعود بن الحكم الزرقي ، وقيس بن أبي حازم ، وعبيدة السلماني ، وعلقمة بن قيس ، والأسود بن يزيد ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والأحنف بن قيس، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو الأسود الديلي ، وزر بن حبيش ، وشريح بن هانئ ، والشعبي وشقيق ، وخلق كثير غيرهم .
أنبأنا يحيى بن محمود ، أنبأنا زاهر بن طاهر ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو سعد محمد بن بشر بن العباس ، أنبأنا أبو الوليد محمد بن إدريس الشامي، حدثنا سويد بن سعيد ، أنبأنا علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن رسول الله ، تبعثني إلى اليمن ، ويسألوني عن القضاء ولا علم لي به ! قال : ادن . فدنوت ، فضرب بيده على صدري ، ثم قال : " اللهم ثبت لسانه ، واهد قلبه " . فلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين بعد .
أنبأنا زيد بن الحسن بن زيد وأبو اليمن الكندي وغيره كتابة قالوا : أنبأنا أبو منصور زريق ، أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت ، أنبأنا محمد بن أحمد بن زريق ، أنبأنا أبو بكر بن مكرم بن أحمد بن مكرم القاضي ، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنباري ، حدثنا أبو الصلت الهروي ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت بابه " .
رواه غير أبي معاوية عن الأعمش . كان أبو معاوية يحدث به قديماً ثم تركه .
وروى شعبة عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود قال : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب .
وقال سعيد بن المسيب : ما كان أحد من الناس يقول : " سلوني " ، غير علي بن أبي طالب .
وروى يحيى بن معين ، عن عبدة بن سليمان ، عن عبد الملك بن أبي سلمان قال : قلت لعطاء : أكان في أصحاب محمد أعلم من علي ؟ قال : لا ، والله لا أعلمه .
وقال ابن عباس : لقد أعطي عليّ تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد شاركهم في العشر العاشر .
وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة : يا عم ، لم كان ضغو الناس إلى علي ؟ قال : يا ابن أخي ، إن علياً كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم ، وكان له البسطة في العشيرة ، والقدم في الإسلام ، والصهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والفقه في السنة والنجدة في الحرب ، والجود بالماعون .
وروى ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن .
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال : إذا ثبت لنا الشيء عن علي ، لم نعدل عنه إلى غيره .
وروى يزيد بن هارون ، عن فطر ، عن أبي الطفيل قال : قال بعث أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لقد كان لعلي من السوابق ما لو أن سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيراً .
وله في هذا أخبار كثيرة نقتصر على هذا منها ، ولو ذكرنا ما سأله الصحابة - مثل عمر وغيره رضي الله عنهم – لأطلنا .
زهده وعدله رضي الله عنه
أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي الأمين ، أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الواحد ، أنبأنا أبو طالب بن غيلان ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي ، حدثنا محمد بن المسيب قال : سمعت عبد الله بن حنيف يقول : قال يوسف بن أسباط : الدنيا دار نعيم الظالمين - قال : وقال علي بن أبي طالب : الدنيا جيفة ، فمن أراد منها شيئاً ، فليصبر على مخالطة الكلاب .
أخبرنا أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون النرسي ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن العباس إملاء ، حدثنا أحمد بن علي الرقي ، أخبرنا القاسم بن علي بن أبان ، حدثنا سهل بن صقير ، حدثنا يحيى بن هاشم الغساني ، عن علي بن جزء قال : سمعت أبا مريم السلولي يقول : سمعت عمار بن ياسر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب : " يا علي ، إن الله عز وجل قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها : الزهد في الدنيا ، فجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً ، ولا تنال الدنيا منك شيئاً . ووهب لك حب المساكين ، ورضوا بك إماماً ، ورضيت بهم أتباعاً ، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب عليك ، فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك ، فهم جيرانك في دارك ، ورفقاؤك في قصرك ، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك ، فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة " .
أنبأنا عمر بن محمد بن المعمر بن طبرزد ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، حدثنا حمزة بن القاسم الإمام حدثنا الحسين بن عبيد الله ، حدثني إبراهيم - يعني الجوهري - حدثنا المأمون - هو أمير المؤمنين - حدثنا الرشيد ، حدثنا شريك بن عبد الله ، عن عاصم بن كليب ، عن محمد بن كعب القرظي قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : لقد رأيتني وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع ، وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار .
ورواه حجاج الأصبهاني وأسود عن شريك ، فقالا : أربعين ألف دينار .
ورواه حجاج ، عن شريك فقال : أربعين ألفاً .
لم يرد بقوله : " أربعين ألفاً " زكاة ماله ، وإنما أراد الوقوف التي جعلها صدقة كان الحاصل من دخلها صدقة هذا العدد ، فإن أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه لم يدخر مالاً ، ودليله ما نذكره من كلام ابنه الحسن رضي الله عنهما في مقتله أنه لم يترك إلا ستمائة درهم ، اشترى بها خادماً .
أخبرني أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو محمد هبة الله بن سهل الفقيه ، أنبأنا جدي أبو المعالي عمر بن محمد بن الحسين – قال : وأنبأنا أبي ، وأنبأنا زاهر ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين - قالا: حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو قتيبة سالم بن الفضل الآدمي بمكة ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبيه قال : سمعت أبا نعيم قال : سمعت سفيان يقول : ما بنى علي لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة ، وإن كان ليؤتي بجبوته من المدينة في جراب . أنبأنا السيد أبو الفتوح حيدر بن محمد بن زيد العلوي الحسيني ، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن جعفر الدورسي بالموصل ، أنبأنا النقيب الطاهر أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر الحسيني ، أنبأنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف أنبأنا أبو بكر بن مالك ، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا مسعر ، عن أبي بحر ، عن شيخ لهم قال : رأيت علي عليّ ، عليه السلام إزاراً غليظاً ، قال : اشتريته بخمسة دراهم ، فمن أربحني فيه درهماً بعته . قال : ورأيت معه دراهم مصرورة ، فقال : هذه بقية نفقتنا من ينبع .
قال ، وحدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا الوليد بن القاسم حدثنا مطير بن ثعلبة التميمي ، حدثنا أبو النوار بياع الكرابيس قال : أتاني علي بن أبي طالب ومعه غلام له ، فاشترى مني قميصي كرابيس ، فقال لغلامه : اختر أيهما شئت ، فأخذ أحدهما ، وأخذ عليّ الآخر ، فلبسه ، ثم مد يده فقال : اقطع الذي يفضل من قدر يدي . فقطعه وكفه ، ولبسه وذهب .
أنبأنا عبد الله بن أحمد الخطيب ، أنبأنا أبو الحسين بن طلحة النعال ، إجازة إن لم يكن سماعاً ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا جعفر بن زياد الأحمر ، عن عبد الملك بن عمير قال : حدثني رجل من ثقيف قال : استعملني علي بن أبي طالب على مدرج سابور ، فقال : لا تضربن رجلاً سوطاً في جباية درهم ، ولا تتبعن لهم رزقاً ولا كسوة شتاءً ولا صيفاً ، ولا دابة يعتملون عليها ، ولا تقيمن رجلاً قائماً في طلب درهم . قلت : يا أمير المؤمنين ، إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك . قال : وإن رجعت ويحك ! إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفر - يعني الفضل - .
وزهده وعدله رضي الله عنه لا يمكن استقصاء ذكرهما ، فلنقتصر على هذا .
فضائله رضي الله عنه
أنبأنا أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي علي الزرزاري إسناده إلى الأستاذ أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المفسر قال : رأيت في بعض الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة ، خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار ، أن ينام على فراشه ، وقال له : " أتشح ببردي الحضرمي الأخضر ، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه ، إن شاء الله تعالى " . ففعل ذلك ، فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام أني آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختارا كلاهما الحياة ، فأوحى الله عز وجل إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب ؟! آخيت بينه وبين نبيي محمد ، فبات على فراشه ، يفديه بنفسه ، ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه . فنزلا ، فكان جبريل عند رأس عليّ ، وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادي : بخ بخ ! من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله عز وجل به الملائكة !!؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله ، وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " .
أنبأنا أبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي ، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن أبي الخير الميهني قراءة عليه قال : أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن متويه- قال أبو محمد : وأنبأنا أبو القاسم بن أبي الخير الميهني والحسين بن الفرحان السمناني قالا : أنبأنا علي بن أحمد ، أنبأنا أبو بكر التميمي ، أنبأنا أبو محمد بن حبان ، حدثنا محمد بن يحيى بن مالك الضبي ، حدثنا محمد بن سهل الجرجاني ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله تعالى : " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية " قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، كان عنده أربعة دراهم ، فأنفق بالليل واحداً ، وبالنهار واحداً ، وفي السر واحداً وفي العلانية واحداً .
ورواه عفان بن مسلم ، عن وهيب ، عن أيوب ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، مثله .
أنبأنا إسماعيل بن علي وإبراهيم بن محمد وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن عيسى بن سورة قال : حدثنا قتيبة ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أمر معاوية سعداً فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب ؟ قال : أما ما ذكرت ، ثلاثاً قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي وخلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله ، تخلفني مع النساء والصبيان ؟! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ؟ " وسمعته يقول يوم خيبر : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " . قال : فتطاولنا لها ، فقال : " ادعوا لي علياً " . فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه . وأنزلت هذه الآية : { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم } . دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " .
قال : وحدثنا محمد بن عيسى حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا أبي، عن شريك ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش حدثنا علي بن أبي طالب بالرحبة ، قال : " لما كان يوم الحديبية خرج إليه ناس من المشركين ، فيهم : سهيل بن عمرو ، وأناس من رؤساء المشركين ، فقالوا : خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا ، وليس بهم فقيه في الدين ، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا ، فارددهم إلينا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش ، لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن قلبه على الإيمان " . قالوا : من هو يا رسول الله ؟ فقال أبو بكر : من هو يا رسول الله ؟ وقال عمر : من هو يا رسول الله ؟ قال : خاصف النعل ، وكان قد أعطى علياً نعلاً يخصفها – قال : ثم التفت إلينا علي فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " .
قال : وحدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا عيسى بن عثمان بن أخي يحيى بن عيسى الرملي أخبرنا يحيى بن عيسى الرملي حدثنا الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن علي قال : لقد عهد إليّ النبي صلى الله عليه وسلم - النبي الأمي - " أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " .
قال : وحدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا محمد بن بشار ويعقوب بن إبراهيم وغير واحد قالوا : حدثنا أبو عاصم ، عن أبي الجراح قال : حدثني جابر بن صبح قال : حدثتني أم شراحيل ، عن أم عطية قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم علي ، قالت : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم ، لا تمتني حتى تريني علياً " .
أنبأنا أبو منصور مسلم بن علي بن محمد بن السيحي ، أنبأنا أبو البركات بن خميس ، أنبأنا أبو نصر بن طوق أنبأنا أبو القاسم بن المرجي ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا سعيد بن مطرف الباهلي ، حدثنا يوسف بن يعقوب الماجشون ، عن أبي المنذر ، عن سعيد بن المسيب ، عن عامر بن سعد ، عن سعد أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ؛ إلا أنه لا نبي بعدي " . قال سعيد : فأحببت أن أشافه - بذلك سعداً ، فلقيته فذكرت له ما ذكر لي عامر ، فقلت : أنت سمعته ؟ فأدخل يده في أذنيه وقال : نعم وإلا فاستكتا .
أنبأنا أبو بكر مسمار بن عمر بن العويس البغدادي ، أنبأنا أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن الطلاية ، أنبأنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الحسين الأنماطي ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا محمد بن هارون الحضرمي أبو حامد ، حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد بن رفاعة ، حدثنا محمد بن فضل، حدثنا الأعمش ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما كان يوم الطائف دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فناجاه طويلاً ، فقال بعض أصحابه : لقد أطال نجوى ابن عمه قال - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " ما أنا انتجيته ، ولكن الله انتجاه " .
أنبأنا إبراهيم بن محمد وغير واحد بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن يزيد الرشك ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين قال : بعص رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً ، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فمضى في السرية ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه . فتعاقد أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي . وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول الله ، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا ؟ فأعرض عنه رسول الله . ثم قام الثاني فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه رسول الله . ثم قام الثالث فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه . ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا . فأقبل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال : " ما تريدون من عليّ ؟ ما تريدون من عليّ ؟ ما تريدون من عليّ ؟ إن علياً مني وأنا من عليّ ، وهو ولي كل مؤمن من بعدي " .
أنبأنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي عمرة ، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال : إنما وجد جيش عليّ الذين كانوا معه باليمن عليه ، لأنهم حين أقبلوا خلف عليهم رجلاً ، وتعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر . فعمد الرجل فكسا كل رجل منهم حلة ، فلما دنوا خرج عليّ يستقبلهم ، فإذا عليهم الحلل ، فقال علي : ما هذا ؟ قالوا : كسانا فلان . قال : فما دعاك إلى هذا قبل أن تقدم على رسول الله فيصنع ما شاء ؟ فنزع الحلل منهم . فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوه لذلك . وكان أهل اليمن قد صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما بعث علياً على جزية موضوعة .
أنبأنا أبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز الواسطي ، وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فنا خسرو الديلي التكريتي وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل : حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : " لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله " - قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم بعطاها ؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها . فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ قالوا : يا رسول الله ، يشتكي عينيه . قال : فأرسلوا إليه . فأتي فبصق في عينيه ، ودعا له ، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية . فقال عليّ : يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا . فقال : " لتغد على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله ، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً ، خير لك من حمر النعم " .
أنبأنا أبو الفضل بن أبي عبد الله الفقيه بإسناده إلى أبي يعلى أحمد بن علي : أنبأنا القواريري حدثنا يونس بن أرقم ، حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : شهدت علياً في الرحبة يناشد الناس : أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعليّ مولاه لما قام . قال عبد الرحمن : فقام اثنا عشر بدرياً كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل ، فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم ؟ " قلنا : بلى يا رسول الله . فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " .
وقد روي مثل هذا عن البراء بن عازب ، وزاد : فقال عمر بن الخطاب : يا ابن أبي طالب ، أصبحت اليوم ولي كل مؤمن .
أنبأنا الحسن بن محمد بن هبة الله ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن الخليل القيسي أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، حدثنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة أبو الحسن الأطرابلسي ، حدثنا محمد بن الحسين الحنيني ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن ابن ظالم قال : جاء رجل إلى سعيد بن زيد - يعني ابن عمرو بن نفيل – فقال : إني أحببت علياً حباً لم أحبه أبداً . قال : أحببت رجلاً من أهل الجنة .
ثم أنه حدثنا قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء ، فذكر عشرة في الجنة : " أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ، وعبد الله بن مسعود " .
قال : وحدثنا خيثمة ، حدثنا أبو عبيدة السري بن يحيى ، حدثنا قبيصة حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سور بالمدينة ، فقال : " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة " . فجاء أبو بكر فهنيناه ، ثم قال : يطلع عليكم رجل من أهل الجنة : فجاء عمر فهنيناه ، ثم قال : " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة " . قال : ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصغي رأسه من تحت السعف ويقول : " اللهم إن شئت جعلته علياً " . فجاء عليّ فهنيناه .
أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد وغيره قالوا بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي : حدثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي ، حدثنا علي بن قادم ، حدثنا علي بن صالح بن حي ، عن حكيم بن جبير عن جميع بن عمير التيمي ، عن ابن عمر قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، فجاء عليّ فقال : يا رسول الله ، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنت أخي في الدنيا والآخرة " .
أنبأنا أبو الفضل الفقيه المخزومي بإسناده إلى أحمد بن علي ، أنبأنا أبو خيثمة حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، حدثنا سفيان ، عن زبيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل علياً وفاطمة والحسن والحسين كساء ثم قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، اللهم ، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً " . قالت أم سلمة : قلت : يا رسول الله ، أنا منهم . قال : " إنك إلى خير " .
وأنبأنا غير واحد بإسنادهم إلى محمد بن عيسى حدثنا خلاد بن أسلم البغدادي ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا عوف ، عن عبد الله بن عمرو بن هند الجملي قال : قال علي : كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني ، وإذا سكت ابتدأني .
قال : وحدثنا محمد بن عيسى : حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا علي بن جعفر بن محمد ، أخبرني أخي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين وقال : " من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة " .
قال : وحدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا قتيبة ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعرف المنافقين - نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب .
أنبأنا المنصور بن أبي الحسن الفقيه بإسناده إلى أبي يعلى : حدثنا الحسن بن حماد ، حدثنا مسهر بن عبد الملك ، ثقة ، حدثنا عيسى بن عمر ، عن السدي ، عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر ، فقال : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر " . فجاء أبو بكر فرده ثم جاء عثمان فرده ، فجاء عليّ فأذن له . ذكر أبي بكر وعثمان في هذا الحديث غريب جداً . وقد روي من غير وجه عن أنس ، ورواه غير أنس من الصحابة .
أنبأنا أبو الفرج الثقفي حدثنا الحسن بن أحمد ، وأنا حاضر أسمع ، أنبأنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي ، حدثنا الحسن بن عيسى حدثنا الحسن بن السميدع ، حدثنا موسى بن أيوب ، عن شعيب بن إسحاق ، عن أبي حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن أنس قال : أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم طير ، فقال : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك " . فجاء علي ، فأكل معه .
تفرد به شعيب ، عن أبي حنيفة .
أنبأنا محمد بن أبي الفتح بن الحسن النقاش الواسطي ، حدثنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل البزاز الفضل محمد بن ، أنبأنا زاهر بن طاهر الشحامي ، أنبأنا أبو سعيد الكنجرودي ، أنبأنا الحاكم أبو أحمد ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عمرو بن الحسين الأشعري بحمص ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا حفص بن عمر العدني ، حدثنا موسى بن سعيد البصري قال : سمعت الحسن يقول : سمعت أنس بن مالك يقول : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير ، فقال : " اللهم ائتني برجل يحبه الله ويحبه رسوله " . قال أنس : فأتى علي فقرع الباب ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول ، وكنت أحب أن يكون رجلاً من الأنصار ، ثم إن علياً فعل مثل ذلك ، ثم أتى الثالثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أنس ، أدخله فقد عنيته ". فلما أقبل قال : " اللهم وال ، اللهم وال " .
وقد رواه عن أنس غير من ذكرنا حميد الطويل وأبو الهندي ، ويغنم بن سالم .
يغنم : بالياء تحتها نقطتان ، والغين المعجمة والنون ، وآخره ميم . وهو اسم مفرد .
خلافته رضي الله عنه
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله بإسناده إلى عبد الله بن أحمد : حدثني أبي ، حدثنا أسود بن عامر ، حدثني عبد الحميد بن أبي جعفر- يعني الفراء - عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن يثيع ، عن علي قال : قيل : يا رسول الله ، من يؤمر بعدك ؟ قال : " إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا ، راغباً في الآخرة ، وإن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً ، لا يخاف في الله لومة لائم . وإن تؤمروا علياً - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هادياً مهدياً ، يأخذ بكم الصراط المستقيم " .
أنبأنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر ، أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن الباقلاني ، إجازة أنبأنا أبو علي بن شاذان ، أنبأنا عبد الباقي بن قانع ، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي حدثنا العباس بن بكار ، عن شريك ، عن سلمة ، عن الصنابحي ، عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنت بمنزلة الكعبة ، تؤتى ولا تأتي ، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك - يعني الخلافة - فاقبل منهم ، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك " .
أنبأنا يحيى بن محمود ، أنبأنا الحسن بن أحمد قراءة عليه وأنا حاضر ، أنبأنا أبو نعيم ، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي عن يحيى بن عروة المرادي قال : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرى أني أحق بهذا الأمر ، فاجتمع المسلمون على أبي بكر ، فسمعت وأطعت ، ثم إن أبا بكر أصيب ، فظننت أنه لا يعدلها عني ، فجعلها في عمر ، فسمعت وأطعت ثم إن عمراً أصيب ، فظننت أنه لا يعدلها عني ، فجعلها في ستة أنا أحدهم ، فولوها عثمان ، فسمعت وأطعت . ثم إن عثمان قتل ، فجاءوا فبايعوني طائعين غير مكرهين ، ثم خلعوا بيعتي ، فو الله ما وجدت إلا السيف أو الكفر بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم .
أخبرنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف وغيره إجازة قالوا : أخبرنا أبو غالب بن البنا ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن الأبنوسي ، أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن عثمان بن يحيى بن حنيقاً ، أنبأنا أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي قال : استخلف أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه ، وبويع له بالمدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل عثمان ، في ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين .
قال : وحدثنا إسماعيل الخطبي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع القرشي ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن الزهري ، عن ابن المسيب قال : لما قتل عثمان جاء الناس كلهم إلى علي يهرعون ، أصحاب محمد وغيرهم ، كلهم يقول : " أمير المؤمنين علي " ، حتى دخلوا عليه داره ، فقالوا : نبايعك فمد يدك ، فأنت أحق بها . فقال علي : ليس ذاك إليكم ، وإنما ذاك إلى أهل بدر ، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة . فلم يبق أحد إلا أتى علياً ، فقالوا : ما نرى أحداً أحق بها منك ، فمد يدك نبايعك . فقال : أين طلحة والزبير؟ فكان أول من بايعه طلحة بلسانه ، وسعد بيده ، فلما رأى عليّ ذلك خرج إلى المسجد ، فصعد المنبر ، فكان أول من صعد إليه ، فبايعه طلحة ، وتابعه الزبير ، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين .
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، عن رشأ بن نظيف ، حدثنا الحسن بن إسماعيل ، حدثنا أحمد بن مروان ، حدثنا محمد بن موسى بن حماد ، حدثنا محمد بن الحارث ، عن المدائني قال : لما دخل علي بن أبي طالب الكوفة ، دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال : والله يا أمير المؤمنين لقد زنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ، وهي كانت أحوج إليك منك إليها .
أنبأنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده إلى عبد الله بن أحمد قال : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا قبيصة ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن أبي وائل قال قلت لعبد الرحمن بن عوف : كيف بايعتم عثمان وتركتم علياً ؟ فقال : ما ذنبي ؟ قد بدأت بعلي فقلت : أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر . قال فقال : فيما استطعت . قال : ثم عرضتها على عثمان فقبلها .
ولما بايعه الناس تخلف عن بيعته جماعة من الصحابة ، منهم : ابن عمر ، وسعد ، وأسامة ، وغيرهم . فلم يلزمهم بالبيعة ، وسئل علي عمن تخلف عن بيعته ، فقال : أولئك قعدوا عن الحق ، ولم ينصروا الباطل . وتخلف عنه أهل الشام مع معاوية فلم يبايعوه ، وقاتلوه .
أنبأنا أبو القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى بن بوش ، كتابة ، أنبأنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يوسف ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ ، أنبأنا محمد بن الحسن بن طازاد الموصلي ، حدثنا علي بن الحسين الخواص ، عن عفيف بن سالم عن فطر بن خليفة ، عن أبي الطفيل ، عن أبي سعيد قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطع شسعه ، فأخذها علي يصلحها ، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن منكم رجلاً يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله " . فاستشرف لها القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكنه خاصف النعل " . فجاء فبشرناه بذلك ، فلم يرفع به رأساً ، كأنه شيء قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم .
أنبأنا أرسلان بن بعان الصوفي ، حدثنا أبو الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد بن أبي سعيد الميهني ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن خلف الشيرازي ، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، حدثنا الحسين بن الحكم الحيري ، حدثنا إسماعيل بن أبان ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقلنا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرتنا بقتال هؤلاء ، فمع من ؟ فقال : مع علي بن أبي طالب ، معه يقتل عمار بن ياسر .
قال : وأخبر الحاكم ، أنبأنا أبو الحسن علي بن حمشاد العدل ، حدثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل حدثنا عبد العزيز بن الخطاب ، حدثنا محمد بن كثير ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن مخنف بن سليم قال : أتينا أبا أيوب الأنصاري ، فقلنا : قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جئت تقاتل المسلمين ؟ قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
وأنبأنا أبو الفضل بن أبي الحسن بإسناده عن أبي يعلى : حدثنا إسماعيل بن موسى ، حدثنا الربيع بن سهل ، عن سعيد بن عبيد ، عن علي بن ربيعة قال : سمعت علياً على منبركم هذا يقول : عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
أنبأنا أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة الحلبي . قال : حدثني عمي أبو المجد عبد الله بن محمد بن أبي جرادة . أنبأنا أبو الحسن علي بن أبي عبد الله بن محمد بن أبي جرادة ، حدثنا أبو الفتح عبد الله بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن سعيد بحلب ، حدثنا الأستاذ أبو النمر الحارث بن عبد السلام بن رغبان الحمصي ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن خالويه ، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي سعيد البزار ، حدثنا محمد بن الحسن بن موسى الكوفي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن حبيب ، أخبرني أبي قال : قال ابن عمر حين حضره الموت : ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية .
وقال أبو عمر : روى من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر أنه قال : ما آسي على شيء إلا أني لم أقاتل مع علي بن أبي طالب الفئة الباغية .
وقال الشعبي : ما مات مسروق حتى تاب إلى الله تعالى من تخلفه عن القتال مع علي .
ولعلي رضي الله عنه في قتال الخوارج وغيرها آيات مذكورة في التواريخ ، فقد أتينا على ذكرها في الكامل في التاريخ .
مقتله وإعلامه أنه مقتول رضي الله عنه
أنبأنا نصر الله بن سلامة بن سالم الهيتي ، أنبأنا القاضي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي ؛ أنبأنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي المأمون ، أنبأنا علي بن عمر الحافظ ، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن يحيى بن زاهر بن يحيى الرازي بالبصرة ، حدثني أحمد بن محمد بن زياد القطان الرازي ، حدثنا عبد الله بن زاهر بن يحيى ، حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي سنان الدؤلي ، عن علي قال : حدثني الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال : " لا تموت حتى تضرب ضربة على هذه فتخضب هذه - وأومأ إلى لحيته وهامته - ويقتلك أشقاها ، كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود - نسبه إلى جده الأدنى " .
قال علي بن عمر : هذا حديث غريب من حديث الأعمش ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي سنان ، عن علي تفرد به عبد الله بن زاهر عن أبيه .
قلت : قد رواه عبد الله بن جعفر ، عن زيد بن أسلم ، أنبأنا أبو الفضل الطبري بإسناده إلى أبي يعلى ، عن القواريري ، عن عبد الله بن جعفر ، عن زيد ، عن أبي سنان أتم من هذا .
أنبأنا أبو الفضل المخزومي بإسناده عن أحمد بن علي قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن سنان ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبي إسرائيل ، عن سنان ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، عن علي قال : أتاني عبد الله بن سلام - وقد وضعت رجلي في الغرز - فقال لي : لا تقدم العراق ، فإني أخشى أن يصيبك فيها ذباب السيف . قال علي : وأيم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الأسود : فما رأيت كاليوم قط محارب يخبر بذا عن نفسه .
قال : وأنبأنا أحمد بن علي ، أنبأنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن سبع قال : خطبنا علي بن أبي طالب فقال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه - يعني لحيته من دم رأسه - فقال رجل : والله لا يقول ذلك أحد إلا أبرنا عترته ! فقال : أذكر الله ، وأنشد أن يقتل مني إلا قاتلي .
أنبأنا أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب أنبأنا أبو الخير المبارك بن الحسين بن أحمد الغسال المقرئ الشافعي ، حدثنا أبو محمد الخلال، حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين النحاس بالكوفة ، حدثنا علي بن العباس البجلي ، حدثنا عبد العزيز بن منيب المروزي ، حدثنا إسحاق - يعني ابن عبد الملك بن كيسان - حدثني أبي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال علي - يعني للنبي صلى الله عليه وسلم - : إنك قلت لي يوم أحد ، حين أخرت عني الشهادة ، واستشهد من استشهد : " إن الشهادة من وراءك ، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذه بدم وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه ، فقال علي : يا رسول الله ، إما أن تثبت لي ما أثبت ، فليس ذلك من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البشرى والكرامة .
وأنبأنا أبو الفضل المنصور بن أبي الحسن بإسناده إلى أحمد بن علي بن المثنى : أنبأنا سويد بن سعيد ، حدثنا رشدين بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن عثمان بن صهيب ، عن أبيه قال : قال علي : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أشقى الأولين ؟ " قلت : عاقر الناقة . قال : صدقت . قال : " فمن أشقى الآخرين ؟ " قلت : لا علم لي يا رسول الله . قال : " الذي يضربك على هذا "- وأشار بيده إلى يافوخه - وكان يقول : " وددت أنه قد انبعث أشقاكم ، فخضب هذه من هذه - يعني لحيته من دم رأسه " .
أنبأنا أبو ياسر بن أبي حبة ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون ، أنبأنا أبو القاسم موسى بن عيسى بن عبد الله السراج ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن فطر بن خليفة ، عن أبي الطفيل : أن علياً جمع الناس للبيعة ، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، فرده مرتين ، ثم قال : علام يحبس أشقاها ؟ فو الله ليخضبن هذه من هذه ، ثم تمثل :
اشدد حيازيمك للموت ** فإن الموت لاقيكـا
ولا تجزع من القتـل ** إذا حـل بـواديكـا
وأنبأنا أبو ياسر إجازة ، أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، حدثنا الحسين بن قهم ، حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا خالد بن مخلد ومحمد بن الصلت ، حدثنا الربيع بن المنذر ، عن أبيه أن محمد بن الحنفية قال : دخل علينا ابن ملجم الحمام ، وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمام ، فلما دخل كأنهما اشتمأزا منه وقالا : ما جرأك تدخل علينا ؟ قال : فقلت لهما : دعاه عنكما : فلعمري ما يريد منكما أحشم من هذا ، فلما كان يوم أتي به أسيراً قال ابن الحنفية : ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام ! فقال علي : إنه أسير فأحسنوا نزله ، وأكرموا مثواه ، فإن بقيت قتلت أو عفوت ، وإن مت فاقتلوه ولا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين .
أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي الأمين وغير واحد ، إجازة قالوا : أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان ، أنبأنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني ، كلاهما إجازة قالا : أنبأنا أبو علي بن شاذان قال : قرئ على أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : حدثنا جدي أبو الحسين يحيى بن الحسن ، حدثنا سعيد بن نوح ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا عبد الجبار بن العباس ، عن عثمان بن المغيرة قال : لما دخل شهر رمضان جعل علي يتعشى ليلة عند الحسن ، وليلة عند الحسين ، وليلة عند عبد الله بن جعفر ، لا يزيد على ثلاث لقم ، ويقول : يأتي أمر الله وأنا خميص ، وإنما هي ليلة أو ليلتان .
قال : وأنبأنا جدي ، حدثنا زيد بن علي ، عن عبيد الله بن موسى ، حدثنا الحسن بن كثير ، عن أبيه قال : خرج علي لصلاة الفجر ، فاستقبله الأوز يصحن في وجهه ، قال : فجعلنا نطردهن عنه فقال : دعوهن فإنهن نوائح . وخرج فأصيب .
وهذا يدل على أنه علم السنة والشهر والليلة التي يقتل فيها ، والله أعلم .
أنبأنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد ، أنبأنا النقيب طراد بن محمد إجازة إن لم يكن سماعاً ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا الحسين بن صفوان ، أنبأنا عبد الله بن أبي الدنيا ، حدثني عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا عمرو بن هاشم الحسيني عن حكاب ، عن أبي عون الثقفي ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : قال لي الحسين بن علي : قال لي علي : سنح لي الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي ، فقلت : يا رسول الله ، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد ؟ قال : ادع عليهم . قلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم ، وأبدلهم بي من هو شر مني فخرج ، فضربه الرجل .
كذا في هذه الرواية الحسين بن علي ، وإنما هو الحسن .
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله بن عبد الوهاب إذناً ، أخبرنا أبو بكر الأنصاري ، أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن قهم ، أنبأنا محمد بن سعد قال : انتدب ثلاثة نفر من الخوارج : عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، وهو من حمير ، وعداده في بني مراد ، وهو حليف بني جبلة من كندة . والبرك بن عبد الله التميمي ، وعمرو بن بكر التميمي . فاجتمعوا بمكة . وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاث علي بن أبي طالب ومعاوية وعمرو بن العاص ويريحوا العباد منهم . فقال ابن ملجم : أنا لكم بعلي، وقال البرك : أنا لكم بمعاوية ، وقال عمرو بن بكر : أنا كافيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا عليه ، وتواثقوا أن لا ينكص منهم رجل عن صاحبه الذي سمي له ، ويتوجه له حتى يقتله أو يموت دونه . فاتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من رمضان ، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه ، فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة ، فلقي أصحابه من الخوارج ، فكاتمهم ما يريد . وكان يزورهم ويزورونه ، فزار يوماً نفراً من بني تيم الرباب ، فرأى امرأة منهم يقال لها : قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب ، وكان علي قتل أباها وأخاها بالنهروان ، فأعجبته فخطبها ، فقالت : لا أتزوجك حتى تشتفي لي . فقال : لا تسأليني شيئاً إلا أعطيتك . فقالت : ثلاثة آلاف ، وقتل علي بن أبي طالب . فقال : والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي ، وقد أعطيتك ما سألت . ولقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي . فأعلمه ما يريد ، ودعاه إلى أن يكون معه ، فأجابه إلى ذلك . وظل ابن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل علياً في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده حتى يطلع الفجر ، فقال له الأشعث : فضحك الصبح ، فقام ابن ملجم ، وشبيب بن بجرة، فأخذا أسيافهما ، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي - قال الحسن بن علي : فأتيته سحيراً ، فجلست إليه فقال: إني بت الليلة أوقظ أهلي ، فملكتني عيناي وأنا جالس ، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد ، فقال لي : " ادع الله عليهم " . فقلت : اللهم أبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شراً لهم مني . ودخل ابن التياح المؤذن على ذلك فقال : الصلاة ، فقام يمشي ابن التياح بين يديه وأنا خلفه ، فلما خرج من الباب نادى : " أيها الناس ، الصلاة الصلاة " ، كذلك كان يصنع كل يوم يخرج ومعه درته يوقظ الناس فاعترضه الرجلان . فقال بعض من حضر : ذلك بريق السيف ، وسمعت قائلاً : " يقول لله الحكم يا علي لا لك " ثم رأيت سيفاً ثانياً فضربا جميعاً ، فأما سيف ابن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه ، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق ، فسمع لي يقول : " لا يفوتنكم الرجل " .
وشد الناس عليهما من كل جانب ، فأما شبيب فأفلت ، وأخذ ابن ملجم فأدخل على علي ، فقال : أطيبوا طعامه ، وألينوا فراشه ، فإن أعش فأنا ولي دمي : عفو أو قصاص ، وإن مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين . فقالت أم كلثوم بنت علي : يا عدو الل ه، قتلت أمير المؤمنين ! قال : ما قتلت إلا أباك . قالت : والله إني لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس . قال: فلم تبكين إذاً ثم قال : والله لقد سممته شهراً- يعني سيفه - فإن أخلفني أبعده الله وأسحقه .
وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب علي ، فقال : أي بني ، انظر كيف أصبح أمير المؤمنين ؟ فذهب فنظر إليه ، ثم رجع فقال : رأيت عينيه داخلتين في رأسه . فقال الأشعث: عيني دميغ ورب الكعبة .
قال : ومكث علي يوم الجمعة ويوم السبت وبقي ليلة الأحد لإحدى عشرة بقيت من شهر رمضان من سنة أربعين ، وتوفي رضوان الله عليه ، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص .
قالوا : وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن ، فلما مات علي ودفن بعث الحسن بن علي إلى ابن ملجم ، فأخرجه من السجن ليقتله ، فاجتمع الناس وجاءوا بالنفط ، والبواري والنار ، وقالوا : نحرقه . فقال : عبد الله بن جعفر ، وحسين بن علي ، ومحمد بن الحنفية ، دعونا حتى نشفي أنفسنا منه فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه ، فلم يجزع ولم يتكلم ، فكحل عينيه بمسمار محمي ، فلم يجزع ، وجعل يقول : إنك لتكحل عيني عمك بمملول ممض، وجعل يقرأ { اقرأ باسم ربك الذي خلق } حتى أتى على آخر السورة ، وإن عينيه لتسيلان . ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه ، فجزع ، فقيل له : قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدو الله ، فلم تجزع ، فلما صرنا إلى لسانك جزعت . قال : ما ذاك من جزع إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقاً لا أذكر الله فقطعوا لسانه ، ثم جعلوه في قوصرة فأحرقوه بالنار ، والعباس بن علي يومئذ صغير ، فلم يستأن به بلوغه .
وكان ابن ملجم أسمر أبلج ، في جبهته أثر السجود .
أنبأنا عمر بن محمد بن طبرزد ، أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأنا أبو بكر بن الطبري ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو علي بن صفوان ، حدثنا ابن أبي الدنيا ، حدثني هارون ابن أبي يحيى ، عن شيخ من قريش أن علياً لما ضربه ابن ملجم قال : فزت ورب الكعبة .
أنبأنا عبد الوهاب بن أبي منصور بن سكينة ، أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان ، أنبأنا أحمد بن الحسين بن خيرون وأحمد بن الحسن الباقلاني ، كلاهما إجازة قالا : أنبأنا أبو علي بن شاذان قال : قرئ على أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، حدثني جدي ، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى ، حدثني إسماعيل بن أبان الأزدي ، حدثني فضيل بن الزبير ، عن عمر ذي مر قال : لما أصيب علي بالضربة ، دخلت عليه وقد عصب رأسه ، قال قلت: يا أمير المؤمنين ، أرني ضربتك . قال : فحلها ، فقلت : خدش وليس بشيء . قال : إني مفارقكم . فبكت أم كلثوم من وراء الحجاب ، فقال لها : اسكتي ، فلو ترين ما أرى لما بكيت . قال : فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما ذا ترى ؟ قال : هذه الملائكة وفود، والنبيون ، وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يقول : " يا علي ، أبشر ، فما تصير إليه خير مما أنت فيه " .
هذه أم كلثوم هي ابنة علي زوج عمر بن الخطاب .
البرك : بضم الباء الموحدة ، وفتح الراء . وبجرة : بفتح الباء والجيم قاله ابن ماكولا . والذي ضبطه أبو عمر بضم الباء وسكون الجيم .
أنبأنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر الخطيب ، أنبأنا أبو سعد المطرز وأبو علي الحداد إجازة قالا : أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد ، حدثنا محمد بن بشر - أخي خطاب - حدثنا عمر بن زرارة الحدثي ، حدثنا الفياض بن محمد الرقي ، حدثنا عمرو بن عبس الأنصاري ، عن أبي مخنف ، عن عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الله ، عن أبيه قال : لما فرغ علي من وصيته قال : اقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . ثم لم يتكلم إلا بـ " لا إله إلا الله " حتى قبضه الله ، رحمة الله ورضوانه عليه .
وغسله ابناه ، وعبد الله بن جعفر ، وصلى عليه الحسن ابنه ، وكبر عليه أربعاً . وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص . ودفن في السحر .
قيل : إن علياً كان عنده مسك فضل من حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أوصى أن يحنط به .
واختلفوا في عمره ، فقال محمد بن الحنفية سنة الحجاف . حين دخلت سنة إحدى وثمانين : هذه لي خمس وستون سنة ، وقد جاوزت سن أبي . قال : وكان سنه يوم قتل ثلاثاً وستين سنة . قال الواقدي : وهذا أثبت عندنا .
وقال أبو بكر البرقي : توفي علي وهو ابن سبع وخمسين سنة . وقيل : توفي ابن ثمان وخمسين سنة .
وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر . وقيل : أربع سنين ، وتسعة أشهر ، وستة أيام . وقيل : ثلاثة أيام .
قال محمد بن علي الباقر : كان علي آدم ، مقبل العينين عظيمهما ذا بطن ، أصلع ربعة ، لا يخضب .
وقال أبو إسحاق السبيعي : رأيته أبيض الرأس واللحية ، وكان ربما خضب لحيته .
وقال أبو رجاء العطاردي : رأيت علياً ربعة ، ضخم البطن ، كبير اللحية قد ملأت صدره ، أصلع شديد الصلع .
وقال محمد بن سعد ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن رزام بن سعيد الضبي قال : سمعت أبي ينعت علياً قال : كان رجلاً فوق الربعة ، ضخم المنكبين طويل اللحية - وإن شئت قلت : إذا نظرت إليه قلت : آدم ، وإن تبينته من قريب قلت : أن يكون أسمر أدنى من أن يكون آدم .
وقال محمد بن سعد : حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا أبو عوانة ، عن مغيرة ، عن قدامة بن عتاب قال : كان علي ضخم البطن ، ضخم مشاش المنكب ، ضخم عضلة الذراع ، دقيق مستدقها ، ضخم عضلة الساق ، دقيق مستدقها – قال : ورأيته يخطب في يوم من الشتاء ، عليه قميص وإزار قطريان معتم بشيء مما ينسج في سوادكم .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني أبو هريرة ، حدثنا عبد الله بن داود ، حدثنا مدرك أبو الحجاج قال : رأيت علياً يخطب ، وكان من أحسن الناس وجهاً .
وقيل : كان كأنما كسر ثم جبر ، لا يغير شيبه ، خفيف المشي ، ضحوك السن .
وبالجملة فمناقبه عظيمة كثيرة ، فلنقتصر على هذا القدر منها ، ومن يريد أكثر من هذا فقد جمعنا مناقبه في كتاب جامع لها ، والحمد لله رب العالمين .
ورثاه الناس فأكثروا ؛ فمن ذلك ما قاله أبو الأسود الدؤلي ، وبعضهم يرويها لأم الهيثم بنت العريان النخعية :
ألا يا عين ويحك أسعـدينـا ** ألا تبكي أمير المؤمـنـيا
تبكي أم كلـثـوم عـلـيه ** بعبرتها وقد رأت اليقـينـا
ألا قل للخوارج حيث كانوا ** فلا قرت عيون الشامتينـا
أفي الشهر الحرام فجعتمونا ** بخير الناس طرا أجمعينـا
قتلتم خير من ركب المطايا ** فذللها ومن ركب السفينـا
ومن لبس النعال ومن حذاها ** ومن قرأ المثاني والمبينـا
وكل مناقب الخيرات فـيه ** وحب رسول رب العالمينا
لقد علمت قريش حيث كانوا ** بأنك خيرها حسبـاً ودينـا
إذا استقبلت وجه أبي حسين ** رأيت البدر راق الناظرينا
وكنا قبل مقتـلـه بـخـير ** نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الحق لا يرتـاب فـيه ** ويعدل في العدا والأقربينا
وليس بكاتم علـمـاً لـديه ** ولم يخلق من المتجبرينـا
كأن الناس إذا فقدوا عـلـياً ** نعام حار في بلد سنـينـا
فلا تشمت معاوية بن حرب ** فإن بقية الخلفـاء فـينـا
وقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب فيه أيضاً :
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف ** عن هاشم ثم منها عن أبي حسـن
البر أول من صلى لـقـبـلـتـه ** وأعلم الناس بالقرآن والـسـنـن
وآخر الناس عهداً بالنبـي ومـن ** جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا تمتـرون بـه ** وليس في القوم ما فيه من الحسن
وقال إسماعيل بن محمد الحميري :
سائل قريشاً به إن كنت ذاعـمـه ** من كان أثبتها في الـدين أوتـادا
من كان أقدم إسلاماً وأكثـرهـا ** علماً وأظهرهـا أهـلاً وأولاداً
من وحد الله إذ كانـت مـكـذبة ** تدعو من اللـه أوثـانـاً وأنـدادا
فمن كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا ** عنها وإن يبخلوا في أزمة جـادا
من كان أعدلها حكماً، وابسطهـا ** كفا واصدقهـا وعـداً وإيعـادا
إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسـن ** إن، أنت لم تلق للأبرار حسـادا
إن أنت لم تلق أقواماً ذوي صلف ** وذا عناد لحق الـلـه جـحـادا
ومدائحه ومراثبه كثيرة ، رضي الله عنه . فلنقتصر على هذا ، ففيه كفاية، والحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى .
المرجع
أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير
علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الهاشمي . ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واسم أبي طالب عبد مناف . وقيل : اسمه كنيته ، واسم هاشم : عمرو . وأم علي فاطمة بنت أسد بن هاشم . وكنيته : أبو الحسن أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصهره على ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين ، وأبو السبطين ، وهو أول هاشمي ولد بين هاشميين ، وأول خليفة من بني هاشم ، وكان علي أصغر من جعفر وعقيل وطالب . وهو أول الناس إسلاماً في قول كثير من العلماء على ما نذكره .. وهاجر إلى المدينة ، وشهد بدراً ، وأحداً والخندق ، وبيعة الرضوان ، وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبوك ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه على أهله ، وله في الجميع بلاء عظيم وأثر حسن ، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة بيده ، منها يوم بدر - وفيه خلاف - ولما قتل مصعب بن عمير يوم أحد وكان اللواء بيده ، دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي . وآخاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين ، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة ، وقال لعلي في كل واحدة منهما : " أنت أخي في الدنيا والآخرة " .
إسلامه رضي الله عنه
أنبأنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : ثم إن علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك اليوم - يعني بعد إسلام خديجة وصلاتها معه – قال : فوجدهما يصليان ، فقال علي : يا محمد ، ما هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دين الله الذي أصطفى لنفسه ، وبعث به رسله ، فأدعوك إلى الله وعلى عبادته وكفر باللات والعزى " . فقال له علي : هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم ، فلست بقاض أمراً حتى أحدث أبا طالب . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره ، فقال له : يا عليّ ، إن لم تسلم فاكتم . فمكث عليّ تلك الليلة ، ثم إن الله أوقع في قلب عليّ الإسلام ، فأصبح غادياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فقال : ماذا عرضت عليّ يا محمد ؟ فقال له سول الله صلى الله عليه وسلم : " تشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وتكفر باللات والعزى ، وتبرأ من الأنداد " . ففعل عليّ وأسلم ، ومكث عليّ يأتيه سراً خوفاً من أبي طالب ، وكتم عليّ إسلامه . وكان مما أنعم الله به علي عليّ أنه ربي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام . قال يونس عن ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي نجيح قال : رواه عن مجاهد قال : أسلم علي وهو ابن عشر سنين . أنبأنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقيه وغير واحد بإسنادهم إلى أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي عن محمد بن حميد عن إبراهيم بن المختار ، عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس ، قال : " أول من أسلم علي " ومثله روى مقسم عن ابن عباس واسم أبي بلج : يحيى بن أبي سليم . قال : وحدثنا أبو عيسى ، حدثنا إسماعيل بن موسى ، حدثنا علي بن عابس ، عن سليم الملائي ، عن أنس بن مالك قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين . وأسلم عليّ يوم الثلاثاء . قال : وحدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا محمد بن بشار وابن مثنى قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي حمزة رجل من الأنصار ، عن زيد بن أرقم قال : أول من أسلم عليّ - قال عمرو بن مرة : فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي ، فأنكره وقال : أول من أسلم أبو بكر . وأبو حمزة اسمه طلحة بن يزيد . أنبأنا أبو الفضل بن أبي الحسن بن أبي عبد الله المخزومي بإسناده عن أحمد بن علي : حدثنا أبو هشام الرفاعي ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا الأجلح ، عن سلمة بن كهيل ، عن حبة بن جوين ، عن علي قال : لم أعلم أحداً من هذه الأمة عبد الله قبلي ، لقد عبدته قبل أن يعبده أحد منهم خمس سنين ، أو سبه سنين . رواه إسماعيل بن إبراهيم بن بسام ، عن شعيب بن صفوان ، عن الأجلح ، نحوه . أنبأنا عبد الله بن أحمد الطوسي الخطيب بإسناده عن أبي داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، حدثنا سلمة بن كهيل بن حبة العرني قال : سمعت علياً يقول : أنا أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم . وأنبأنا أبو الطيب محمد بن أبي بكر بن أحمد المعروف بكلي الأصبهاني كتابة ، وحدثني به عثمان بن أبي بكر بن جلدك الموصلي ، عنه ، أخبرنا أبو علي الحدلد ، أنبأنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق ، أنبأنا سليمان بن أحمد بن أيوب ، حدثنا ابن عبد الأعلى الصنعاني ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي صادق ، عن عليم الكندي ، عن سلمان الفارسي قال : أول هذه الأمة وروداً على نبيها أولها إسلاماً ، علي بن أبي طالب . رواه الدبري عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن قيس بن مسلم . أنبأنا ذاكر بن كامل الخفاف ، أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الباقرجي أنبأنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف المقري العلاف ، أنبأنا أبو علي مخلد بن جعفر بن مخلد الباقرجي ، حدثنا محمد بن جرير الطبري ، حدثنا عبد الأعلى بن واصل ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن مسلم ، عن أبيه ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد صلت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين ، وذاك أنه لم يصل معي رجل غيره " . أنبأنا يحيى بن محمود بن سعد ، حدثنا الحسن بن أحمد قراءة عليه وأنا حاضر أسمع أنبأنا أحمد بن عبد الله أبو نعيم أنبأنا أبو القاسم الطبراني ، حدثنا العباس بن الفضل الاسقاطي ، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب ، حدثنا علي بن غراب ، عن يوسف بن صهيب ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : خديجة أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم علي . وقال أبو ذر والمقداد ، وخباب ، وجابر ، وأبو سعيد الخدري ، وغيرهم : إن علياً أول من أسلم بعد خديجة ، وفضله هؤلاء على غيره . قاله أبو عمر . وروى معمر ، عن قتادة ، عن الحسن وغيره قال : أول من أسلم عليّ بعد خديجة ، وهو ابن خمس عشرة سنة . وسئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم : علي أو أبو بكر ؟ قال : سبحان الله ! عليّ أولهما إسلاماً ، وإنما اشتبه على الناس لأن علياً أخفى إسلامه عن أبي طالب وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه . وقد ذكرنا حديث عفيف الكندي في أن أول من أسلم : علي في ترجمته . وقال أبو الأسود تيم بن عروة : إن علياً والزبير أسلما وهما ابنا ثمان سنين . قال أبو عمر : ولا أعلم أحداً يقول بقوله هذا . وقد قال جماعة غير من ذكرنا : إن علياً أول من أسلم ، وقيل : أبو بكر، والله أعلم مع رسول الله عليه وسلم ، ثم علي . وقال أبو ذر والمقداد ، وخباب ، وجابر ، وأبو سعيد الخدري ، وغيرهم : إن علياً أول من أسلم بعد خديجة ، وفضله هؤلاء على غيره . قاله أبو عمر . وروى معمر ، عن قتادة ، عن الحسن وغيره قال : أول من أسلم عليّ بعد خديجة ، وهو ابن خمس عشرة سنة . وسئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم : علي أو أبو بكر ؟ قال : سبحان الله ! عليّ أولهما إسلاماً ، وإنما اشتبه على الناس لأن علياً أخفى إسلامه عن أبي طالب وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه . وقد ذكرنا حديث عفيف الكندي في أن أول من أسلم : علي في ترجمته . وقال أبو الأسود تيم بن عروة : إن علياً والزبير أسلما وهما ابنا ثمان سنين . قال أبو عمر : ولا أعلم أحداً يقول بقوله هذا . وقد قال جماعة غير من ذكرنا : إن علياً أول من أسلم ، وقيل : أبو بكر ، والله أعلم .
هجرته رضي الله عنه
أنبأنا عبيد الله بن أحمد بإسناده ، عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني بعد أن هاجر أصحابه إلى المدينة- ينتظر مجيء جبريل عليه السلام وأمره له أن يخرج من مكة بإذن الله له في الهجرة إلى المدينة ، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي ، وأرادوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرادوا ، أتاه جبريل عليه السلام وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ، ويتسجى ببرد له أخضر ، ففعل ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه . قال ابن إسحاق : وتتابع الناس في الهجرة ، وكان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يفتن في دينه علي بن أبي طالب وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخره بمكة ، وأمره أن ينام على فراشه وأجله ثلاثاً ، وأمره أن يؤدي إلى كل ذي حق حقه ففعل . ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم . أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي إجازة : أنبأنا أبي أنبأنا أبو الأغر قراتكين بن الأسعد ، حدثنا أبو محمد الجوهري ، حدثنا أبو حفص بن شاهين ، حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، حدثنا أحمد بن يوسف ، حدثنا أحمد بن يزيد النخعي ، حدثنا عبيد الله بن الحسن ، حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده عن أبي رافع (ح) قال عبيد الله بن الحسن : وحدثني محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي رافع في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال : وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم - يعني خلف علياً - يخرج إليه بأهله ، وأمره أن يؤدي عنه أمانته ووصايا من كان يوصي إليه ، وما كان يأتمن عليه من مال ، فأدى عليّ أمانته كلها ، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج ، وقال : إن قريشاً لم يفقدوني ما رأوك . فاضطجع على فراشه ، وكانت قريش تنظر إلى فراش النبي صلى الله عليه وسلم فيرون عليه علياً ، فيظنونه النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه علياً ، فقالوا : لو خرج محمد لخرج بعلي معه ، فحبسهم الله بذلك عن طلب النبي حين رأوا علياً ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً أن يلحقه بالمدينة ، فخرج علي في طلبه بعدما أخرج إليه أهله يمشي الليل ويكمل النهار ، حتى قدم المدينة . فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قدومه قال : ادعوا لي علياً . قيل : يا رسول الله ، لا يقدر أن يمشي . فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه اعتنقه وبكى ، رحمة لما بقدميه من الورم ، وكانتا تقطران دماً ، فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في يديه ، ومسح بهما رجليه ، ودعا له بالعافية فلم يشتكهما حتى استشهد رضي الله تعالى عنه .
شهوده رضي الله عنه بدراً
وغيرها : أنبأنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير عن أبي إسحاق ، في تسمية من شهد بدراً من قريش ، ثم من بني هاشم قال : وعلي بن أبي طالب ، وهو أول من آمن به . وأجمع أهل التاريخ والسند على أنه شهد بدراً وغيرها من المشاهد ، وأنه لم يشهد غزوة تبوك لا غير ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه على أهله . أنبأنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن سرايا الفقيه وغير واحد بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل : حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله حدثنا إسحاق بن منصور السلولي ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق قال : سأل رجل البراء وأنا أسمع : أشهد عليّ بدراً ؟ قال : بارز وظاهر . أخبرنا يحيى بن محمود ، أنبأنا عم جدي أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفي ، أنبأنا أبو طاهر عم والدي وأبو الفتح ، قالا : أنبأنا أبو بكر بن زادان ، حدثنا أبو عروبة ، حدثنا أبو رفاعة ، حدثنا محمد بن الحسن - يعرف بالهجيمي - حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد قال : لقد رأيته - يعني علياً - يخطر بالسيف هام المشركين يقول : ( سنحنح الليل كأنّي جنّي ) . أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي الأمين أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان ، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن صرون ، وأبو طاهر أنبأنا أحمد بن شاذان ، قال : قرئ على أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال جدي أبو الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر قال : كتب إليّ محمد بن علي ومحمد بن يحيى يخبراني ، عن محمد بن الجنيد ، حدثنا حصن بن جنادة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : لقد أصابت علياً يوم أحد ست عشرة ضربة كل ضربة تلزمه الأرض ، فما كان يرفعه إلا جبريل عليه السلام .
قال : وحدثنا جدي حدثنا بكر بن عبد الوهاب ، حدثنا محمد بن عمر ، حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي ، عن يحيى بن سعيد ، عن ثعلبة بن أبي مالك قال : كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواطن كلها فإذا كان وقت القتال أخذها علي بن أبي طالب .
أنبأنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ . أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو الحسين بن الفراء وأبو غالب وأبو عبد الله ، أنبأنا البناء قالوا : حدثنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا أحمد بن سليمان ، حدثنا الزبير بن بكار قال : وله يعني لعلي بن أبي طالب - يقول أسيد بن أبي أناس بن زنيم ، وهو يحرض مشركي قريش على قتله ويعيرهم :
في كل مجمـع غـاية أخـزاكـم ** جذع أبر على المذاكي الـقـرح
للـه دركـم ألـمـا تـنـكــروا ** قد ينكر الحي الكريم ويستـحـي
هذا ابن فاطمة الـذي أفـنـاكـم ** ذبحاً، وقتلة قعـصة لـم تـذبـح
أعطوه خرجاً واتقـوا بـضـريبة ** فعل الذليل وبـيعة لـم تـربـح
أين الكهـول ؟ وأين كـل دعـامة ** في المعضلات ؟ وأين زين الأبطح
أفناهم قعصـاً وضـربـاً يفـري ** بالسيف يعمل حده لـم يصـفـح
أنبأنا أبو الفضل المنصور بن أبي الحسن المديني بإسناده عن أحمد بن علي بن المثنى : حدثنا أبو موسى ، حدثنا محمد بن مروان العقيلي ، عن عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة قال : قال علي : لما تخلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يوم أحد نظرت في القتلى فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : والله ما كان ليفر وما أراه في القتلى ، ولكن الله غضب علينا بما صنعنا فرفع نبيه ، فما فيّ خير من أن أقاتل حتى أقتل ، فكسرت جفن سيفي ، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم .
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن الخليل القيسي ، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، أنبأنا زيد بن الحباب ، حدثنا الحسين بن وافد عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء ، فلما كان من الغد أخذه عمر – وقيل : محمد بن مسلمة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأدفعن لوائي إلى رجل لم يرجع حتى يفتح الله عليه " ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة ، ثم دعا باللواء ، فدعا علياً وهو يشتكي عينيه ، فمسحهما ثم دفع إليه اللواء ففتح – قال : فسمعت عبد الله بن بريدة يقول : حدثني أبي أنه كان صاحب مرحب - يعني علياً - .
وأخباره في حروبه كثيرة لا نطول بذكرها .
علمه رضي الله عنه
روى علي عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر ، وروى عنه بنوه الحسن والحسين ومحمد وعمر ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عمر ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو رافع ، وصهيب ، وزيد بن أرقم ، وجابر بن عبد الله ، وأبو أمامة ، وأبو سريحة حذيفة بن أسيد وأبو هريرة ، وسفينة ، وأبو جحيفة السوائي ، وجابر بن سمرة ، وعمرو بن حريث وأبو ليلى والبراء بن عازب ، وعمارة بن رويبة ، وبشر بن سحيم ، وأبو الطفيل ، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير ، وجرير بن عبد الله ، وعبد الرحمن بن أشيم ، وغيرهم من الصحابة .
وروى عنه من التابعين : سعيد بن المسيب ، ومسعود بن الحكم الزرقي ، وقيس بن أبي حازم ، وعبيدة السلماني ، وعلقمة بن قيس ، والأسود بن يزيد ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والأحنف بن قيس، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو الأسود الديلي ، وزر بن حبيش ، وشريح بن هانئ ، والشعبي وشقيق ، وخلق كثير غيرهم .
أنبأنا يحيى بن محمود ، أنبأنا زاهر بن طاهر ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو سعد محمد بن بشر بن العباس ، أنبأنا أبو الوليد محمد بن إدريس الشامي، حدثنا سويد بن سعيد ، أنبأنا علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن رسول الله ، تبعثني إلى اليمن ، ويسألوني عن القضاء ولا علم لي به ! قال : ادن . فدنوت ، فضرب بيده على صدري ، ثم قال : " اللهم ثبت لسانه ، واهد قلبه " . فلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين بعد .
أنبأنا زيد بن الحسن بن زيد وأبو اليمن الكندي وغيره كتابة قالوا : أنبأنا أبو منصور زريق ، أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت ، أنبأنا محمد بن أحمد بن زريق ، أنبأنا أبو بكر بن مكرم بن أحمد بن مكرم القاضي ، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنباري ، حدثنا أبو الصلت الهروي ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت بابه " .
رواه غير أبي معاوية عن الأعمش . كان أبو معاوية يحدث به قديماً ثم تركه .
وروى شعبة عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود قال : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب .
وقال سعيد بن المسيب : ما كان أحد من الناس يقول : " سلوني " ، غير علي بن أبي طالب .
وروى يحيى بن معين ، عن عبدة بن سليمان ، عن عبد الملك بن أبي سلمان قال : قلت لعطاء : أكان في أصحاب محمد أعلم من علي ؟ قال : لا ، والله لا أعلمه .
وقال ابن عباس : لقد أعطي عليّ تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد شاركهم في العشر العاشر .
وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة : يا عم ، لم كان ضغو الناس إلى علي ؟ قال : يا ابن أخي ، إن علياً كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم ، وكان له البسطة في العشيرة ، والقدم في الإسلام ، والصهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والفقه في السنة والنجدة في الحرب ، والجود بالماعون .
وروى ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن .
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال : إذا ثبت لنا الشيء عن علي ، لم نعدل عنه إلى غيره .
وروى يزيد بن هارون ، عن فطر ، عن أبي الطفيل قال : قال بعث أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لقد كان لعلي من السوابق ما لو أن سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيراً .
وله في هذا أخبار كثيرة نقتصر على هذا منها ، ولو ذكرنا ما سأله الصحابة - مثل عمر وغيره رضي الله عنهم – لأطلنا .
زهده وعدله رضي الله عنه
أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي الأمين ، أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الواحد ، أنبأنا أبو طالب بن غيلان ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي ، حدثنا محمد بن المسيب قال : سمعت عبد الله بن حنيف يقول : قال يوسف بن أسباط : الدنيا دار نعيم الظالمين - قال : وقال علي بن أبي طالب : الدنيا جيفة ، فمن أراد منها شيئاً ، فليصبر على مخالطة الكلاب .
أخبرنا أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون النرسي ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن العباس إملاء ، حدثنا أحمد بن علي الرقي ، أخبرنا القاسم بن علي بن أبان ، حدثنا سهل بن صقير ، حدثنا يحيى بن هاشم الغساني ، عن علي بن جزء قال : سمعت أبا مريم السلولي يقول : سمعت عمار بن ياسر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب : " يا علي ، إن الله عز وجل قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها : الزهد في الدنيا ، فجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً ، ولا تنال الدنيا منك شيئاً . ووهب لك حب المساكين ، ورضوا بك إماماً ، ورضيت بهم أتباعاً ، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب عليك ، فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك ، فهم جيرانك في دارك ، ورفقاؤك في قصرك ، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك ، فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة " .
أنبأنا عمر بن محمد بن المعمر بن طبرزد ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، حدثنا حمزة بن القاسم الإمام حدثنا الحسين بن عبيد الله ، حدثني إبراهيم - يعني الجوهري - حدثنا المأمون - هو أمير المؤمنين - حدثنا الرشيد ، حدثنا شريك بن عبد الله ، عن عاصم بن كليب ، عن محمد بن كعب القرظي قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : لقد رأيتني وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع ، وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار .
ورواه حجاج الأصبهاني وأسود عن شريك ، فقالا : أربعين ألف دينار .
ورواه حجاج ، عن شريك فقال : أربعين ألفاً .
لم يرد بقوله : " أربعين ألفاً " زكاة ماله ، وإنما أراد الوقوف التي جعلها صدقة كان الحاصل من دخلها صدقة هذا العدد ، فإن أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه لم يدخر مالاً ، ودليله ما نذكره من كلام ابنه الحسن رضي الله عنهما في مقتله أنه لم يترك إلا ستمائة درهم ، اشترى بها خادماً .
أخبرني أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو محمد هبة الله بن سهل الفقيه ، أنبأنا جدي أبو المعالي عمر بن محمد بن الحسين – قال : وأنبأنا أبي ، وأنبأنا زاهر ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين - قالا: حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو قتيبة سالم بن الفضل الآدمي بمكة ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبيه قال : سمعت أبا نعيم قال : سمعت سفيان يقول : ما بنى علي لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة ، وإن كان ليؤتي بجبوته من المدينة في جراب . أنبأنا السيد أبو الفتوح حيدر بن محمد بن زيد العلوي الحسيني ، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن جعفر الدورسي بالموصل ، أنبأنا النقيب الطاهر أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر الحسيني ، أنبأنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف أنبأنا أبو بكر بن مالك ، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا مسعر ، عن أبي بحر ، عن شيخ لهم قال : رأيت علي عليّ ، عليه السلام إزاراً غليظاً ، قال : اشتريته بخمسة دراهم ، فمن أربحني فيه درهماً بعته . قال : ورأيت معه دراهم مصرورة ، فقال : هذه بقية نفقتنا من ينبع .
قال ، وحدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا الوليد بن القاسم حدثنا مطير بن ثعلبة التميمي ، حدثنا أبو النوار بياع الكرابيس قال : أتاني علي بن أبي طالب ومعه غلام له ، فاشترى مني قميصي كرابيس ، فقال لغلامه : اختر أيهما شئت ، فأخذ أحدهما ، وأخذ عليّ الآخر ، فلبسه ، ثم مد يده فقال : اقطع الذي يفضل من قدر يدي . فقطعه وكفه ، ولبسه وذهب .
أنبأنا عبد الله بن أحمد الخطيب ، أنبأنا أبو الحسين بن طلحة النعال ، إجازة إن لم يكن سماعاً ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا جعفر بن زياد الأحمر ، عن عبد الملك بن عمير قال : حدثني رجل من ثقيف قال : استعملني علي بن أبي طالب على مدرج سابور ، فقال : لا تضربن رجلاً سوطاً في جباية درهم ، ولا تتبعن لهم رزقاً ولا كسوة شتاءً ولا صيفاً ، ولا دابة يعتملون عليها ، ولا تقيمن رجلاً قائماً في طلب درهم . قلت : يا أمير المؤمنين ، إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك . قال : وإن رجعت ويحك ! إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفر - يعني الفضل - .
وزهده وعدله رضي الله عنه لا يمكن استقصاء ذكرهما ، فلنقتصر على هذا .
فضائله رضي الله عنه
أنبأنا أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي علي الزرزاري إسناده إلى الأستاذ أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المفسر قال : رأيت في بعض الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة ، خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار ، أن ينام على فراشه ، وقال له : " أتشح ببردي الحضرمي الأخضر ، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه ، إن شاء الله تعالى " . ففعل ذلك ، فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام أني آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختارا كلاهما الحياة ، فأوحى الله عز وجل إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب ؟! آخيت بينه وبين نبيي محمد ، فبات على فراشه ، يفديه بنفسه ، ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه . فنزلا ، فكان جبريل عند رأس عليّ ، وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادي : بخ بخ ! من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله عز وجل به الملائكة !!؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله ، وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " .
أنبأنا أبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي ، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن أبي الخير الميهني قراءة عليه قال : أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن متويه- قال أبو محمد : وأنبأنا أبو القاسم بن أبي الخير الميهني والحسين بن الفرحان السمناني قالا : أنبأنا علي بن أحمد ، أنبأنا أبو بكر التميمي ، أنبأنا أبو محمد بن حبان ، حدثنا محمد بن يحيى بن مالك الضبي ، حدثنا محمد بن سهل الجرجاني ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله تعالى : " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية " قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، كان عنده أربعة دراهم ، فأنفق بالليل واحداً ، وبالنهار واحداً ، وفي السر واحداً وفي العلانية واحداً .
ورواه عفان بن مسلم ، عن وهيب ، عن أيوب ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، مثله .
أنبأنا إسماعيل بن علي وإبراهيم بن محمد وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن عيسى بن سورة قال : حدثنا قتيبة ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أمر معاوية سعداً فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب ؟ قال : أما ما ذكرت ، ثلاثاً قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي وخلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله ، تخلفني مع النساء والصبيان ؟! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ؟ " وسمعته يقول يوم خيبر : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " . قال : فتطاولنا لها ، فقال : " ادعوا لي علياً " . فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه . وأنزلت هذه الآية : { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم } . دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " .
قال : وحدثنا محمد بن عيسى حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا أبي، عن شريك ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش حدثنا علي بن أبي طالب بالرحبة ، قال : " لما كان يوم الحديبية خرج إليه ناس من المشركين ، فيهم : سهيل بن عمرو ، وأناس من رؤساء المشركين ، فقالوا : خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا ، وليس بهم فقيه في الدين ، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا ، فارددهم إلينا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش ، لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن قلبه على الإيمان " . قالوا : من هو يا رسول الله ؟ فقال أبو بكر : من هو يا رسول الله ؟ وقال عمر : من هو يا رسول الله ؟ قال : خاصف النعل ، وكان قد أعطى علياً نعلاً يخصفها – قال : ثم التفت إلينا علي فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " .
قال : وحدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا عيسى بن عثمان بن أخي يحيى بن عيسى الرملي أخبرنا يحيى بن عيسى الرملي حدثنا الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن علي قال : لقد عهد إليّ النبي صلى الله عليه وسلم - النبي الأمي - " أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " .
قال : وحدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا محمد بن بشار ويعقوب بن إبراهيم وغير واحد قالوا : حدثنا أبو عاصم ، عن أبي الجراح قال : حدثني جابر بن صبح قال : حدثتني أم شراحيل ، عن أم عطية قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم علي ، قالت : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم ، لا تمتني حتى تريني علياً " .
أنبأنا أبو منصور مسلم بن علي بن محمد بن السيحي ، أنبأنا أبو البركات بن خميس ، أنبأنا أبو نصر بن طوق أنبأنا أبو القاسم بن المرجي ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا سعيد بن مطرف الباهلي ، حدثنا يوسف بن يعقوب الماجشون ، عن أبي المنذر ، عن سعيد بن المسيب ، عن عامر بن سعد ، عن سعد أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ؛ إلا أنه لا نبي بعدي " . قال سعيد : فأحببت أن أشافه - بذلك سعداً ، فلقيته فذكرت له ما ذكر لي عامر ، فقلت : أنت سمعته ؟ فأدخل يده في أذنيه وقال : نعم وإلا فاستكتا .
أنبأنا أبو بكر مسمار بن عمر بن العويس البغدادي ، أنبأنا أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن الطلاية ، أنبأنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الحسين الأنماطي ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا محمد بن هارون الحضرمي أبو حامد ، حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد بن رفاعة ، حدثنا محمد بن فضل، حدثنا الأعمش ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما كان يوم الطائف دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فناجاه طويلاً ، فقال بعض أصحابه : لقد أطال نجوى ابن عمه قال - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " ما أنا انتجيته ، ولكن الله انتجاه " .
أنبأنا إبراهيم بن محمد وغير واحد بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن يزيد الرشك ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين قال : بعص رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً ، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فمضى في السرية ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه . فتعاقد أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي . وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول الله ، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا ؟ فأعرض عنه رسول الله . ثم قام الثاني فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه رسول الله . ثم قام الثالث فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه . ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا . فأقبل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال : " ما تريدون من عليّ ؟ ما تريدون من عليّ ؟ ما تريدون من عليّ ؟ إن علياً مني وأنا من عليّ ، وهو ولي كل مؤمن من بعدي " .
أنبأنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي عمرة ، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال : إنما وجد جيش عليّ الذين كانوا معه باليمن عليه ، لأنهم حين أقبلوا خلف عليهم رجلاً ، وتعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر . فعمد الرجل فكسا كل رجل منهم حلة ، فلما دنوا خرج عليّ يستقبلهم ، فإذا عليهم الحلل ، فقال علي : ما هذا ؟ قالوا : كسانا فلان . قال : فما دعاك إلى هذا قبل أن تقدم على رسول الله فيصنع ما شاء ؟ فنزع الحلل منهم . فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوه لذلك . وكان أهل اليمن قد صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما بعث علياً على جزية موضوعة .
أنبأنا أبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز الواسطي ، وأبو عبد الله الحسين بن أبي صالح بن فنا خسرو الديلي التكريتي وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل : حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : " لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله " - قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم بعطاها ؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها . فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ قالوا : يا رسول الله ، يشتكي عينيه . قال : فأرسلوا إليه . فأتي فبصق في عينيه ، ودعا له ، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية . فقال عليّ : يا رسول الله ، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا . فقال : " لتغد على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله ، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً ، خير لك من حمر النعم " .
أنبأنا أبو الفضل بن أبي عبد الله الفقيه بإسناده إلى أبي يعلى أحمد بن علي : أنبأنا القواريري حدثنا يونس بن أرقم ، حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : شهدت علياً في الرحبة يناشد الناس : أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعليّ مولاه لما قام . قال عبد الرحمن : فقام اثنا عشر بدرياً كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل ، فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم ؟ " قلنا : بلى يا رسول الله . فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " .
وقد روي مثل هذا عن البراء بن عازب ، وزاد : فقال عمر بن الخطاب : يا ابن أبي طالب ، أصبحت اليوم ولي كل مؤمن .
أنبأنا الحسن بن محمد بن هبة الله ، أنبأنا أبو العشائر محمد بن الخليل القيسي أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، حدثنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة أبو الحسن الأطرابلسي ، حدثنا محمد بن الحسين الحنيني ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن ابن ظالم قال : جاء رجل إلى سعيد بن زيد - يعني ابن عمرو بن نفيل – فقال : إني أحببت علياً حباً لم أحبه أبداً . قال : أحببت رجلاً من أهل الجنة .
ثم أنه حدثنا قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء ، فذكر عشرة في الجنة : " أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ، وعبد الله بن مسعود " .
قال : وحدثنا خيثمة ، حدثنا أبو عبيدة السري بن يحيى ، حدثنا قبيصة حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سور بالمدينة ، فقال : " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة " . فجاء أبو بكر فهنيناه ، ثم قال : يطلع عليكم رجل من أهل الجنة : فجاء عمر فهنيناه ، ثم قال : " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة " . قال : ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصغي رأسه من تحت السعف ويقول : " اللهم إن شئت جعلته علياً " . فجاء عليّ فهنيناه .
أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد وغيره قالوا بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي : حدثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي ، حدثنا علي بن قادم ، حدثنا علي بن صالح بن حي ، عن حكيم بن جبير عن جميع بن عمير التيمي ، عن ابن عمر قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، فجاء عليّ فقال : يا رسول الله ، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنت أخي في الدنيا والآخرة " .
أنبأنا أبو الفضل الفقيه المخزومي بإسناده إلى أحمد بن علي ، أنبأنا أبو خيثمة حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، حدثنا سفيان ، عن زبيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل علياً وفاطمة والحسن والحسين كساء ثم قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، اللهم ، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً " . قالت أم سلمة : قلت : يا رسول الله ، أنا منهم . قال : " إنك إلى خير " .
وأنبأنا غير واحد بإسنادهم إلى محمد بن عيسى حدثنا خلاد بن أسلم البغدادي ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا عوف ، عن عبد الله بن عمرو بن هند الجملي قال : قال علي : كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني ، وإذا سكت ابتدأني .
قال : وحدثنا محمد بن عيسى : حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا علي بن جعفر بن محمد ، أخبرني أخي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين وقال : " من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة " .
قال : وحدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا قتيبة ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعرف المنافقين - نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب .
أنبأنا المنصور بن أبي الحسن الفقيه بإسناده إلى أبي يعلى : حدثنا الحسن بن حماد ، حدثنا مسهر بن عبد الملك ، ثقة ، حدثنا عيسى بن عمر ، عن السدي ، عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر ، فقال : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر " . فجاء أبو بكر فرده ثم جاء عثمان فرده ، فجاء عليّ فأذن له . ذكر أبي بكر وعثمان في هذا الحديث غريب جداً . وقد روي من غير وجه عن أنس ، ورواه غير أنس من الصحابة .
أنبأنا أبو الفرج الثقفي حدثنا الحسن بن أحمد ، وأنا حاضر أسمع ، أنبأنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي ، حدثنا الحسن بن عيسى حدثنا الحسن بن السميدع ، حدثنا موسى بن أيوب ، عن شعيب بن إسحاق ، عن أبي حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن أنس قال : أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم طير ، فقال : " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك " . فجاء علي ، فأكل معه .
تفرد به شعيب ، عن أبي حنيفة .
أنبأنا محمد بن أبي الفتح بن الحسن النقاش الواسطي ، حدثنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل البزاز الفضل محمد بن ، أنبأنا زاهر بن طاهر الشحامي ، أنبأنا أبو سعيد الكنجرودي ، أنبأنا الحاكم أبو أحمد ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عمرو بن الحسين الأشعري بحمص ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا حفص بن عمر العدني ، حدثنا موسى بن سعيد البصري قال : سمعت الحسن يقول : سمعت أنس بن مالك يقول : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير ، فقال : " اللهم ائتني برجل يحبه الله ويحبه رسوله " . قال أنس : فأتى علي فقرع الباب ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول ، وكنت أحب أن يكون رجلاً من الأنصار ، ثم إن علياً فعل مثل ذلك ، ثم أتى الثالثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أنس ، أدخله فقد عنيته ". فلما أقبل قال : " اللهم وال ، اللهم وال " .
وقد رواه عن أنس غير من ذكرنا حميد الطويل وأبو الهندي ، ويغنم بن سالم .
يغنم : بالياء تحتها نقطتان ، والغين المعجمة والنون ، وآخره ميم . وهو اسم مفرد .
خلافته رضي الله عنه
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله بإسناده إلى عبد الله بن أحمد : حدثني أبي ، حدثنا أسود بن عامر ، حدثني عبد الحميد بن أبي جعفر- يعني الفراء - عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن يثيع ، عن علي قال : قيل : يا رسول الله ، من يؤمر بعدك ؟ قال : " إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا ، راغباً في الآخرة ، وإن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً ، لا يخاف في الله لومة لائم . وإن تؤمروا علياً - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هادياً مهدياً ، يأخذ بكم الصراط المستقيم " .
أنبأنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر ، أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن الباقلاني ، إجازة أنبأنا أبو علي بن شاذان ، أنبأنا عبد الباقي بن قانع ، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي حدثنا العباس بن بكار ، عن شريك ، عن سلمة ، عن الصنابحي ، عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنت بمنزلة الكعبة ، تؤتى ولا تأتي ، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك - يعني الخلافة - فاقبل منهم ، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك " .
أنبأنا يحيى بن محمود ، أنبأنا الحسن بن أحمد قراءة عليه وأنا حاضر ، أنبأنا أبو نعيم ، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي عن يحيى بن عروة المرادي قال : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرى أني أحق بهذا الأمر ، فاجتمع المسلمون على أبي بكر ، فسمعت وأطعت ، ثم إن أبا بكر أصيب ، فظننت أنه لا يعدلها عني ، فجعلها في عمر ، فسمعت وأطعت ثم إن عمراً أصيب ، فظننت أنه لا يعدلها عني ، فجعلها في ستة أنا أحدهم ، فولوها عثمان ، فسمعت وأطعت . ثم إن عثمان قتل ، فجاءوا فبايعوني طائعين غير مكرهين ، ثم خلعوا بيعتي ، فو الله ما وجدت إلا السيف أو الكفر بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم .
أخبرنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف وغيره إجازة قالوا : أخبرنا أبو غالب بن البنا ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن الأبنوسي ، أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن عثمان بن يحيى بن حنيقاً ، أنبأنا أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي قال : استخلف أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه ، وبويع له بالمدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل عثمان ، في ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين .
قال : وحدثنا إسماعيل الخطبي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع القرشي ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن الزهري ، عن ابن المسيب قال : لما قتل عثمان جاء الناس كلهم إلى علي يهرعون ، أصحاب محمد وغيرهم ، كلهم يقول : " أمير المؤمنين علي " ، حتى دخلوا عليه داره ، فقالوا : نبايعك فمد يدك ، فأنت أحق بها . فقال علي : ليس ذاك إليكم ، وإنما ذاك إلى أهل بدر ، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة . فلم يبق أحد إلا أتى علياً ، فقالوا : ما نرى أحداً أحق بها منك ، فمد يدك نبايعك . فقال : أين طلحة والزبير؟ فكان أول من بايعه طلحة بلسانه ، وسعد بيده ، فلما رأى عليّ ذلك خرج إلى المسجد ، فصعد المنبر ، فكان أول من صعد إليه ، فبايعه طلحة ، وتابعه الزبير ، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين .
أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، عن رشأ بن نظيف ، حدثنا الحسن بن إسماعيل ، حدثنا أحمد بن مروان ، حدثنا محمد بن موسى بن حماد ، حدثنا محمد بن الحارث ، عن المدائني قال : لما دخل علي بن أبي طالب الكوفة ، دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال : والله يا أمير المؤمنين لقد زنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ، وهي كانت أحوج إليك منك إليها .
أنبأنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده إلى عبد الله بن أحمد قال : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا قبيصة ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن أبي وائل قال قلت لعبد الرحمن بن عوف : كيف بايعتم عثمان وتركتم علياً ؟ فقال : ما ذنبي ؟ قد بدأت بعلي فقلت : أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر . قال فقال : فيما استطعت . قال : ثم عرضتها على عثمان فقبلها .
ولما بايعه الناس تخلف عن بيعته جماعة من الصحابة ، منهم : ابن عمر ، وسعد ، وأسامة ، وغيرهم . فلم يلزمهم بالبيعة ، وسئل علي عمن تخلف عن بيعته ، فقال : أولئك قعدوا عن الحق ، ولم ينصروا الباطل . وتخلف عنه أهل الشام مع معاوية فلم يبايعوه ، وقاتلوه .
أنبأنا أبو القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى بن بوش ، كتابة ، أنبأنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يوسف ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ ، أنبأنا محمد بن الحسن بن طازاد الموصلي ، حدثنا علي بن الحسين الخواص ، عن عفيف بن سالم عن فطر بن خليفة ، عن أبي الطفيل ، عن أبي سعيد قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطع شسعه ، فأخذها علي يصلحها ، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن منكم رجلاً يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله " . فاستشرف لها القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكنه خاصف النعل " . فجاء فبشرناه بذلك ، فلم يرفع به رأساً ، كأنه شيء قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم .
أنبأنا أرسلان بن بعان الصوفي ، حدثنا أبو الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد بن أبي سعيد الميهني ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن خلف الشيرازي ، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، حدثنا الحسين بن الحكم الحيري ، حدثنا إسماعيل بن أبان ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقلنا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرتنا بقتال هؤلاء ، فمع من ؟ فقال : مع علي بن أبي طالب ، معه يقتل عمار بن ياسر .
قال : وأخبر الحاكم ، أنبأنا أبو الحسن علي بن حمشاد العدل ، حدثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل حدثنا عبد العزيز بن الخطاب ، حدثنا محمد بن كثير ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن مخنف بن سليم قال : أتينا أبا أيوب الأنصاري ، فقلنا : قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جئت تقاتل المسلمين ؟ قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
وأنبأنا أبو الفضل بن أبي الحسن بإسناده عن أبي يعلى : حدثنا إسماعيل بن موسى ، حدثنا الربيع بن سهل ، عن سعيد بن عبيد ، عن علي بن ربيعة قال : سمعت علياً على منبركم هذا يقول : عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
أنبأنا أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة الحلبي . قال : حدثني عمي أبو المجد عبد الله بن محمد بن أبي جرادة . أنبأنا أبو الحسن علي بن أبي عبد الله بن محمد بن أبي جرادة ، حدثنا أبو الفتح عبد الله بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن سعيد بحلب ، حدثنا الأستاذ أبو النمر الحارث بن عبد السلام بن رغبان الحمصي ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن خالويه ، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي سعيد البزار ، حدثنا محمد بن الحسن بن موسى الكوفي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن حبيب ، أخبرني أبي قال : قال ابن عمر حين حضره الموت : ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية .
وقال أبو عمر : روى من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر أنه قال : ما آسي على شيء إلا أني لم أقاتل مع علي بن أبي طالب الفئة الباغية .
وقال الشعبي : ما مات مسروق حتى تاب إلى الله تعالى من تخلفه عن القتال مع علي .
ولعلي رضي الله عنه في قتال الخوارج وغيرها آيات مذكورة في التواريخ ، فقد أتينا على ذكرها في الكامل في التاريخ .
مقتله وإعلامه أنه مقتول رضي الله عنه
أنبأنا نصر الله بن سلامة بن سالم الهيتي ، أنبأنا القاضي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي ؛ أنبأنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي المأمون ، أنبأنا علي بن عمر الحافظ ، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن يحيى بن زاهر بن يحيى الرازي بالبصرة ، حدثني أحمد بن محمد بن زياد القطان الرازي ، حدثنا عبد الله بن زاهر بن يحيى ، حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي سنان الدؤلي ، عن علي قال : حدثني الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال : " لا تموت حتى تضرب ضربة على هذه فتخضب هذه - وأومأ إلى لحيته وهامته - ويقتلك أشقاها ، كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود - نسبه إلى جده الأدنى " .
قال علي بن عمر : هذا حديث غريب من حديث الأعمش ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي سنان ، عن علي تفرد به عبد الله بن زاهر عن أبيه .
قلت : قد رواه عبد الله بن جعفر ، عن زيد بن أسلم ، أنبأنا أبو الفضل الطبري بإسناده إلى أبي يعلى ، عن القواريري ، عن عبد الله بن جعفر ، عن زيد ، عن أبي سنان أتم من هذا .
أنبأنا أبو الفضل المخزومي بإسناده عن أحمد بن علي قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن سنان ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبي إسرائيل ، عن سنان ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، عن علي قال : أتاني عبد الله بن سلام - وقد وضعت رجلي في الغرز - فقال لي : لا تقدم العراق ، فإني أخشى أن يصيبك فيها ذباب السيف . قال علي : وأيم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الأسود : فما رأيت كاليوم قط محارب يخبر بذا عن نفسه .
قال : وأنبأنا أحمد بن علي ، أنبأنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن سبع قال : خطبنا علي بن أبي طالب فقال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه - يعني لحيته من دم رأسه - فقال رجل : والله لا يقول ذلك أحد إلا أبرنا عترته ! فقال : أذكر الله ، وأنشد أن يقتل مني إلا قاتلي .
أنبأنا أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب أنبأنا أبو الخير المبارك بن الحسين بن أحمد الغسال المقرئ الشافعي ، حدثنا أبو محمد الخلال، حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين النحاس بالكوفة ، حدثنا علي بن العباس البجلي ، حدثنا عبد العزيز بن منيب المروزي ، حدثنا إسحاق - يعني ابن عبد الملك بن كيسان - حدثني أبي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال علي - يعني للنبي صلى الله عليه وسلم - : إنك قلت لي يوم أحد ، حين أخرت عني الشهادة ، واستشهد من استشهد : " إن الشهادة من وراءك ، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذه بدم وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه ، فقال علي : يا رسول الله ، إما أن تثبت لي ما أثبت ، فليس ذلك من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البشرى والكرامة .
وأنبأنا أبو الفضل المنصور بن أبي الحسن بإسناده إلى أحمد بن علي بن المثنى : أنبأنا سويد بن سعيد ، حدثنا رشدين بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن عثمان بن صهيب ، عن أبيه قال : قال علي : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أشقى الأولين ؟ " قلت : عاقر الناقة . قال : صدقت . قال : " فمن أشقى الآخرين ؟ " قلت : لا علم لي يا رسول الله . قال : " الذي يضربك على هذا "- وأشار بيده إلى يافوخه - وكان يقول : " وددت أنه قد انبعث أشقاكم ، فخضب هذه من هذه - يعني لحيته من دم رأسه " .
أنبأنا أبو ياسر بن أبي حبة ، أنبأنا أبو غالب بن البناء ، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون ، أنبأنا أبو القاسم موسى بن عيسى بن عبد الله السراج ، حدثنا عبد الله بن أبي داود ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن فطر بن خليفة ، عن أبي الطفيل : أن علياً جمع الناس للبيعة ، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، فرده مرتين ، ثم قال : علام يحبس أشقاها ؟ فو الله ليخضبن هذه من هذه ، ثم تمثل :
اشدد حيازيمك للموت ** فإن الموت لاقيكـا
ولا تجزع من القتـل ** إذا حـل بـواديكـا
وأنبأنا أبو ياسر إجازة ، أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، حدثنا الحسين بن قهم ، حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا خالد بن مخلد ومحمد بن الصلت ، حدثنا الربيع بن المنذر ، عن أبيه أن محمد بن الحنفية قال : دخل علينا ابن ملجم الحمام ، وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمام ، فلما دخل كأنهما اشتمأزا منه وقالا : ما جرأك تدخل علينا ؟ قال : فقلت لهما : دعاه عنكما : فلعمري ما يريد منكما أحشم من هذا ، فلما كان يوم أتي به أسيراً قال ابن الحنفية : ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام ! فقال علي : إنه أسير فأحسنوا نزله ، وأكرموا مثواه ، فإن بقيت قتلت أو عفوت ، وإن مت فاقتلوه ولا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين .
أنبأنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي الأمين وغير واحد ، إجازة قالوا : أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان ، أنبأنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني ، كلاهما إجازة قالا : أنبأنا أبو علي بن شاذان قال : قرئ على أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : حدثنا جدي أبو الحسين يحيى بن الحسن ، حدثنا سعيد بن نوح ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا عبد الجبار بن العباس ، عن عثمان بن المغيرة قال : لما دخل شهر رمضان جعل علي يتعشى ليلة عند الحسن ، وليلة عند الحسين ، وليلة عند عبد الله بن جعفر ، لا يزيد على ثلاث لقم ، ويقول : يأتي أمر الله وأنا خميص ، وإنما هي ليلة أو ليلتان .
قال : وأنبأنا جدي ، حدثنا زيد بن علي ، عن عبيد الله بن موسى ، حدثنا الحسن بن كثير ، عن أبيه قال : خرج علي لصلاة الفجر ، فاستقبله الأوز يصحن في وجهه ، قال : فجعلنا نطردهن عنه فقال : دعوهن فإنهن نوائح . وخرج فأصيب .
وهذا يدل على أنه علم السنة والشهر والليلة التي يقتل فيها ، والله أعلم .
أنبأنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد ، أنبأنا النقيب طراد بن محمد إجازة إن لم يكن سماعاً ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا الحسين بن صفوان ، أنبأنا عبد الله بن أبي الدنيا ، حدثني عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا عمرو بن هاشم الحسيني عن حكاب ، عن أبي عون الثقفي ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : قال لي الحسين بن علي : قال لي علي : سنح لي الليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي ، فقلت : يا رسول الله ، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد ؟ قال : ادع عليهم . قلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم ، وأبدلهم بي من هو شر مني فخرج ، فضربه الرجل .
كذا في هذه الرواية الحسين بن علي ، وإنما هو الحسن .
أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله بن عبد الوهاب إذناً ، أخبرنا أبو بكر الأنصاري ، أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن قهم ، أنبأنا محمد بن سعد قال : انتدب ثلاثة نفر من الخوارج : عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، وهو من حمير ، وعداده في بني مراد ، وهو حليف بني جبلة من كندة . والبرك بن عبد الله التميمي ، وعمرو بن بكر التميمي . فاجتمعوا بمكة . وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاث علي بن أبي طالب ومعاوية وعمرو بن العاص ويريحوا العباد منهم . فقال ابن ملجم : أنا لكم بعلي، وقال البرك : أنا لكم بمعاوية ، وقال عمرو بن بكر : أنا كافيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا عليه ، وتواثقوا أن لا ينكص منهم رجل عن صاحبه الذي سمي له ، ويتوجه له حتى يقتله أو يموت دونه . فاتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من رمضان ، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه ، فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة ، فلقي أصحابه من الخوارج ، فكاتمهم ما يريد . وكان يزورهم ويزورونه ، فزار يوماً نفراً من بني تيم الرباب ، فرأى امرأة منهم يقال لها : قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب ، وكان علي قتل أباها وأخاها بالنهروان ، فأعجبته فخطبها ، فقالت : لا أتزوجك حتى تشتفي لي . فقال : لا تسأليني شيئاً إلا أعطيتك . فقالت : ثلاثة آلاف ، وقتل علي بن أبي طالب . فقال : والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي ، وقد أعطيتك ما سألت . ولقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي . فأعلمه ما يريد ، ودعاه إلى أن يكون معه ، فأجابه إلى ذلك . وظل ابن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل علياً في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده حتى يطلع الفجر ، فقال له الأشعث : فضحك الصبح ، فقام ابن ملجم ، وشبيب بن بجرة، فأخذا أسيافهما ، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي - قال الحسن بن علي : فأتيته سحيراً ، فجلست إليه فقال: إني بت الليلة أوقظ أهلي ، فملكتني عيناي وأنا جالس ، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد ، فقال لي : " ادع الله عليهم " . فقلت : اللهم أبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شراً لهم مني . ودخل ابن التياح المؤذن على ذلك فقال : الصلاة ، فقام يمشي ابن التياح بين يديه وأنا خلفه ، فلما خرج من الباب نادى : " أيها الناس ، الصلاة الصلاة " ، كذلك كان يصنع كل يوم يخرج ومعه درته يوقظ الناس فاعترضه الرجلان . فقال بعض من حضر : ذلك بريق السيف ، وسمعت قائلاً : " يقول لله الحكم يا علي لا لك " ثم رأيت سيفاً ثانياً فضربا جميعاً ، فأما سيف ابن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه ، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق ، فسمع لي يقول : " لا يفوتنكم الرجل " .
وشد الناس عليهما من كل جانب ، فأما شبيب فأفلت ، وأخذ ابن ملجم فأدخل على علي ، فقال : أطيبوا طعامه ، وألينوا فراشه ، فإن أعش فأنا ولي دمي : عفو أو قصاص ، وإن مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين . فقالت أم كلثوم بنت علي : يا عدو الل ه، قتلت أمير المؤمنين ! قال : ما قتلت إلا أباك . قالت : والله إني لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس . قال: فلم تبكين إذاً ثم قال : والله لقد سممته شهراً- يعني سيفه - فإن أخلفني أبعده الله وأسحقه .
وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب علي ، فقال : أي بني ، انظر كيف أصبح أمير المؤمنين ؟ فذهب فنظر إليه ، ثم رجع فقال : رأيت عينيه داخلتين في رأسه . فقال الأشعث: عيني دميغ ورب الكعبة .
قال : ومكث علي يوم الجمعة ويوم السبت وبقي ليلة الأحد لإحدى عشرة بقيت من شهر رمضان من سنة أربعين ، وتوفي رضوان الله عليه ، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص .
قالوا : وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن ، فلما مات علي ودفن بعث الحسن بن علي إلى ابن ملجم ، فأخرجه من السجن ليقتله ، فاجتمع الناس وجاءوا بالنفط ، والبواري والنار ، وقالوا : نحرقه . فقال : عبد الله بن جعفر ، وحسين بن علي ، ومحمد بن الحنفية ، دعونا حتى نشفي أنفسنا منه فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه ، فلم يجزع ولم يتكلم ، فكحل عينيه بمسمار محمي ، فلم يجزع ، وجعل يقول : إنك لتكحل عيني عمك بمملول ممض، وجعل يقرأ { اقرأ باسم ربك الذي خلق } حتى أتى على آخر السورة ، وإن عينيه لتسيلان . ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه ، فجزع ، فقيل له : قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدو الله ، فلم تجزع ، فلما صرنا إلى لسانك جزعت . قال : ما ذاك من جزع إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقاً لا أذكر الله فقطعوا لسانه ، ثم جعلوه في قوصرة فأحرقوه بالنار ، والعباس بن علي يومئذ صغير ، فلم يستأن به بلوغه .
وكان ابن ملجم أسمر أبلج ، في جبهته أثر السجود .
أنبأنا عمر بن محمد بن طبرزد ، أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأنا أبو بكر بن الطبري ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو علي بن صفوان ، حدثنا ابن أبي الدنيا ، حدثني هارون ابن أبي يحيى ، عن شيخ من قريش أن علياً لما ضربه ابن ملجم قال : فزت ورب الكعبة .
أنبأنا عبد الوهاب بن أبي منصور بن سكينة ، أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان ، أنبأنا أحمد بن الحسين بن خيرون وأحمد بن الحسن الباقلاني ، كلاهما إجازة قالا : أنبأنا أبو علي بن شاذان قال : قرئ على أبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، حدثني جدي ، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى ، حدثني إسماعيل بن أبان الأزدي ، حدثني فضيل بن الزبير ، عن عمر ذي مر قال : لما أصيب علي بالضربة ، دخلت عليه وقد عصب رأسه ، قال قلت: يا أمير المؤمنين ، أرني ضربتك . قال : فحلها ، فقلت : خدش وليس بشيء . قال : إني مفارقكم . فبكت أم كلثوم من وراء الحجاب ، فقال لها : اسكتي ، فلو ترين ما أرى لما بكيت . قال : فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما ذا ترى ؟ قال : هذه الملائكة وفود، والنبيون ، وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يقول : " يا علي ، أبشر ، فما تصير إليه خير مما أنت فيه " .
هذه أم كلثوم هي ابنة علي زوج عمر بن الخطاب .
البرك : بضم الباء الموحدة ، وفتح الراء . وبجرة : بفتح الباء والجيم قاله ابن ماكولا . والذي ضبطه أبو عمر بضم الباء وسكون الجيم .
أنبأنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر الخطيب ، أنبأنا أبو سعد المطرز وأبو علي الحداد إجازة قالا : أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد ، حدثنا محمد بن بشر - أخي خطاب - حدثنا عمر بن زرارة الحدثي ، حدثنا الفياض بن محمد الرقي ، حدثنا عمرو بن عبس الأنصاري ، عن أبي مخنف ، عن عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الله ، عن أبيه قال : لما فرغ علي من وصيته قال : اقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . ثم لم يتكلم إلا بـ " لا إله إلا الله " حتى قبضه الله ، رحمة الله ورضوانه عليه .
وغسله ابناه ، وعبد الله بن جعفر ، وصلى عليه الحسن ابنه ، وكبر عليه أربعاً . وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص . ودفن في السحر .
قيل : إن علياً كان عنده مسك فضل من حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أوصى أن يحنط به .
واختلفوا في عمره ، فقال محمد بن الحنفية سنة الحجاف . حين دخلت سنة إحدى وثمانين : هذه لي خمس وستون سنة ، وقد جاوزت سن أبي . قال : وكان سنه يوم قتل ثلاثاً وستين سنة . قال الواقدي : وهذا أثبت عندنا .
وقال أبو بكر البرقي : توفي علي وهو ابن سبع وخمسين سنة . وقيل : توفي ابن ثمان وخمسين سنة .
وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر . وقيل : أربع سنين ، وتسعة أشهر ، وستة أيام . وقيل : ثلاثة أيام .
قال محمد بن علي الباقر : كان علي آدم ، مقبل العينين عظيمهما ذا بطن ، أصلع ربعة ، لا يخضب .
وقال أبو إسحاق السبيعي : رأيته أبيض الرأس واللحية ، وكان ربما خضب لحيته .
وقال أبو رجاء العطاردي : رأيت علياً ربعة ، ضخم البطن ، كبير اللحية قد ملأت صدره ، أصلع شديد الصلع .
وقال محمد بن سعد ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن رزام بن سعيد الضبي قال : سمعت أبي ينعت علياً قال : كان رجلاً فوق الربعة ، ضخم المنكبين طويل اللحية - وإن شئت قلت : إذا نظرت إليه قلت : آدم ، وإن تبينته من قريب قلت : أن يكون أسمر أدنى من أن يكون آدم .
وقال محمد بن سعد : حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا أبو عوانة ، عن مغيرة ، عن قدامة بن عتاب قال : كان علي ضخم البطن ، ضخم مشاش المنكب ، ضخم عضلة الذراع ، دقيق مستدقها ، ضخم عضلة الساق ، دقيق مستدقها – قال : ورأيته يخطب في يوم من الشتاء ، عليه قميص وإزار قطريان معتم بشيء مما ينسج في سوادكم .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني أبو هريرة ، حدثنا عبد الله بن داود ، حدثنا مدرك أبو الحجاج قال : رأيت علياً يخطب ، وكان من أحسن الناس وجهاً .
وقيل : كان كأنما كسر ثم جبر ، لا يغير شيبه ، خفيف المشي ، ضحوك السن .
وبالجملة فمناقبه عظيمة كثيرة ، فلنقتصر على هذا القدر منها ، ومن يريد أكثر من هذا فقد جمعنا مناقبه في كتاب جامع لها ، والحمد لله رب العالمين .
ورثاه الناس فأكثروا ؛ فمن ذلك ما قاله أبو الأسود الدؤلي ، وبعضهم يرويها لأم الهيثم بنت العريان النخعية :
ألا يا عين ويحك أسعـدينـا ** ألا تبكي أمير المؤمـنـيا
تبكي أم كلـثـوم عـلـيه ** بعبرتها وقد رأت اليقـينـا
ألا قل للخوارج حيث كانوا ** فلا قرت عيون الشامتينـا
أفي الشهر الحرام فجعتمونا ** بخير الناس طرا أجمعينـا
قتلتم خير من ركب المطايا ** فذللها ومن ركب السفينـا
ومن لبس النعال ومن حذاها ** ومن قرأ المثاني والمبينـا
وكل مناقب الخيرات فـيه ** وحب رسول رب العالمينا
لقد علمت قريش حيث كانوا ** بأنك خيرها حسبـاً ودينـا
إذا استقبلت وجه أبي حسين ** رأيت البدر راق الناظرينا
وكنا قبل مقتـلـه بـخـير ** نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الحق لا يرتـاب فـيه ** ويعدل في العدا والأقربينا
وليس بكاتم علـمـاً لـديه ** ولم يخلق من المتجبرينـا
كأن الناس إذا فقدوا عـلـياً ** نعام حار في بلد سنـينـا
فلا تشمت معاوية بن حرب ** فإن بقية الخلفـاء فـينـا
وقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب فيه أيضاً :
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف ** عن هاشم ثم منها عن أبي حسـن
البر أول من صلى لـقـبـلـتـه ** وأعلم الناس بالقرآن والـسـنـن
وآخر الناس عهداً بالنبـي ومـن ** جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا تمتـرون بـه ** وليس في القوم ما فيه من الحسن
وقال إسماعيل بن محمد الحميري :
سائل قريشاً به إن كنت ذاعـمـه ** من كان أثبتها في الـدين أوتـادا
من كان أقدم إسلاماً وأكثـرهـا ** علماً وأظهرهـا أهـلاً وأولاداً
من وحد الله إذ كانـت مـكـذبة ** تدعو من اللـه أوثـانـاً وأنـدادا
فمن كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا ** عنها وإن يبخلوا في أزمة جـادا
من كان أعدلها حكماً، وابسطهـا ** كفا واصدقهـا وعـداً وإيعـادا
إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسـن ** إن، أنت لم تلق للأبرار حسـادا
إن أنت لم تلق أقواماً ذوي صلف ** وذا عناد لحق الـلـه جـحـادا
ومدائحه ومراثبه كثيرة ، رضي الله عنه . فلنقتصر على هذا ، ففيه كفاية، والحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى .
المرجع
أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير