ريمة مطهر
01-30-2011, 02:44 PM
عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق
عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي ، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة ، واسم أبي قحافة : عثمان ، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهي ابنة عم أبي قحافة ، وقيل : اسمها : ليلى بنت صخر بن عامر . قاله محمد بن سعد ، وقال غيره : اسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم . وهذا ليس بشيء ، فإنها تكون ابنة أخيه ، ولم تكن العرب تنكح بنات الإخوة . والأول أصح .
وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وفي الهجرة ، والخليفة بعده .
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروى عنه : عمر ، وعثمان ، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وحذيفة ، وزيد بن ثابت ، وغيرهم .
وقد اختلف في اسمه ، فقيل : كان عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله . وقيل : إن أهله سموه عبد الله . ويقال له : عتيق أيضاً . واختلفوا في السبب الذي قيل له لأجله عتيق ، فقال بعضهم : قيل له : " عتيق " لحسن وجهه وجماله ، قاله الليث بن سعد وجماعة معه . وقال الزبير بن بكار وجماعة معه : إنما قيل له : " عتيق " لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به . وقيل : إنما سمي " عتيقاً " لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " أنت عتيق " الله " من النار " .
أخبرنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقيه وغيره ، قالوا : بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي ، قال : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ، حدثنا معن ، حدثنا أسحاق بن يحيى بن طلحة ، عن عمه إسحاق بن طلحة ، عن عائشة : أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : " أنت عتيق من النار " . فيومئذ سمي عتيقاً وقد روي هذا الحديث عن معن وقال : موسى بن طلحة ، عن عائشة .
وقيل له : " الصديق " أيضاً ، لما أخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إذناً ، أنبأنا أبي قال : أنبأنا أبي قال : أنبأنا أبو سعد المطرز وأبو علي الحداد قالا : أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا أبو محمد بن حيان ، حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا المفضل بن غسان ، حدثنا محمد بن كثير ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : " لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى ، أصبح يحدث بذلك الناس ، فارتد ناس ممن كان آمن وصدق به وفتنوا ، فقال أبو بكر : إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء غدوة أو روحة " ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق .
وقال أبو محجن الثقفي : " الطويل "
وسميت صديقاً وكل مـهـاجـر ** سواك يسمى باسمه غير منكـر
سبقت إلى الإسلام والله شـاهـد ** وكنت جليساً في العريش المشهر
إسلامه
كان أبو بكر رضي الله عنه من رؤساء قريش في الجاهلية ، محبباً فيهم ، مألفاً لهم ، وكان إليه الأشناق في الجاهلية ، والأشناق : الديات . كان إذا حمل شيئاً صدقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه ، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه .
فلما جاء الإسلام سبق إليه ، وأسلم على يده جماعة لمحبتهم له ، وميلهم عليه ، حتى إنه أسلم على يده خمسة من العشرة ، وقد ذكرناه عند أسمائهم . وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه أول من أسلم ، منهم ابن عباس ، من رواية الشعبي ، عنه . وقاله حسان بن ثابت في شعره ، وعمرو بن عبسة ، وإبراهيم النخعي ، وغيرهم .
أخبرنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وترددٌ ونظر ، إلا أبا بكر ما عتم حين ذكرته له ما تردد فيه " .
أخبرنا الحافظ القاسم بن علي بن الحسن كتابة قال : حدثنا أبي ، قال : أبنأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان - قال علي : ثم أخبرنا أبو البركات الأنماطي قال : أخبرنا أبو الفضل بن خيرون - قالا أخبرنا أبو القسام بن بشران ، أخبرنا أبو علي الصواف ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا المنجاب بن الحارث ، أخبرنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا خلف العرفطي أبو أمية ، من ولد خالد بن عرفطة ، عن ابن داب يعني عيسى بن يزيد قال قال أبو بكر الصديق : " كنت جالساً بفناء الكعبة ، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعداً ، فمر به أمية بن أبي الصلت فقال : كيف أصبحت يا باغي الخير ؟ قال : بخير . قال: هل وجدت ؟ قال : لا ، ولم آل من طلب . فقال : " الخفيف "
كل دين يوم الـقــيامة إلا ** ما قضى الله والحنيفة ، بور
أما إن هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم ، أو من أهل فلسطين .
قال : ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي ينتظر أو يبعث . قال : فخرجت أريد ورقة بن نوفل وكان كثير النظر في السماء ، كثير همهمة الصدر قال : فاستوقفته ثم اقتصصت عليه الحديث ، فقال : نعم يا ابن أخي ، أبى أهل الكتاب والعلماء إلا أن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسباً ، ولي علم بالنسب ، وقومك أوسط العرب نسباً . قال : قلت : يا عم ، وما يقول النبي ؟ قال : يقول . ما قيل له إلا أنه لا ظلم ولا تظالم . فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم آمنت وصدقت " .
وأخبرنا أبو القاسم ، عن أبيه ، قال : أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد حدثنا ، نصر بن إبراهيم ، أخبرنا علي بن الحسن بن عمر القرشي ، حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن عمر الغازي النيسابوري ، حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسن الرازي بمكة ، حدثنا أبو محمد إسماعيل بن محمد ، حدثنا أبو يعقوب القزويني الصوفي ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إدريس الراسبي ، حدثنا أبو القاسم يحيى بن حميد التككي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن الجراح ، حدثنا أبو خالد ، عن عبد العزيز بن معاوية - من ولد عتاب بن أسيد - حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن منصور ، عن زيد ، عن خالد الجهني ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال أبو بكر الصديق : إنه خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت على شيخ من الأزد عالم قد قرأ الكتب ، وعلم من علم الناس كثيراً ، فلما رآني قال : أحسبك حرمياً ؟ قال أبو بكر قلت : نعم ، أنا من أهل الحرم . قال : وأحسبك قرشياً ؟ قال قلت : نعم ، أنا من قريش . قال : وأحسبك تيمياً ؟ قال قلت : نعم ، أنا من تيم بن مرة ، أنا عبد الله بن عثمان ، من ولد كعب بن سعد بن تيم بن مرة . قال : بقيت لي فيك واحد . قلت : ما هي ؟ قال : تكشف عن بطنك . قلت : لا أفعل أو تخبرني لم ذاك ؟ قال : أجد في العلم الصحيح الصادق أن نبياً يبعث في الحرم ، يعاون على أمره فتى وكهل ، فأما الفتى لخواض غمرات ودفاع معضلات ، وأما الكهل فأبيض نحيف ، على بطنه شامة ، وعلى فخذه اليسرى علامة ، وما عليك أن تريني ما سألتك ، فقد تكاملت لي فيك الصفة إلا ما خفي عليّ . قال أبو بكر : فكشفت له عن بطني ، فرأى شامة سوداء فوق سرتي . فقال : أنت هو ورب الكعبة ، وإني متقدم إليك في أمر فاحذره . قال أبو بكر قلت : وما هو ؟ قال : إياك والميل عن الهدى ، وتمسك بالطريقة المثلى الوسطى ، وخف الله فيما خولك وأعطاك . قال أبو بكر : فقضيت باليمن أربي ، ثم أتيت الشيخ لأودعه ، فقال : أحامل عني أبياتاً من الشعر قلتها في ذلك النبي ؟ قلت : نعم ، فذكر أبياتاً .
قال أبو بكر : " فقدمت مكة ، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءني عقبة بن أبي معيط ، وشيبة ، وربيعة ، وأبو جهل ، وأبو البختري ، وصناديد قريش ، فقلت لهم : هل نابتكم نائبة ، أو ظهر فيكم أمرٌ ؟ قالوا : يا أبا بكر ، أعظم الخطب : يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي ، ولولا أنت ما انتظرنا به ، فإذا قد جئت فأنت الغاية والكفاية . قال أبو بكر : فصرفتهم على أحسن مسّ وسألت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل : في منزل خديجة . فقرعت عليه الباب ، فخرج إليّ ، فقلت : يا محمد ، فقدت من منازل أهلك ، وتركت دين آبائك وأجدادك ؟ . قال : يا أبا بكر ، إني رسول الله إليك وإلى الناس كلهم ، فآمن بالله . فقلت : ما دليلك على ذلك ؟ قال : الشيخ الذي لقيت باليمن . قلت : وكم من شيخ لقيت باليمن ؟ قال : الشيخ الذي أفادك الأبيات . قلت : ومن خبرك بهذا يا حبيبي ؟ قال : الملك المعظم الذي يأتي الأنبياء قبلي . قلت : مد يد : ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . قال أبو بكر : فانصرفت وما بين لابتيها أشد سروراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي .
أخبرنا غير واحد إجازة قالوا : أخبرنا أبو غالب بن البناء : أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد ، حدثنا محمد بن هارون بن حميد بن المجدر ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : سألت ابن عباس من أول من أسلم ؟ قال : أبو بكر ، أما سمعت قول حسان : " البسيط "
إذا تذكرت شجواً من أخي ثـقة ** فاذكر أخاك أبا بكر بما فعـلا
خير البرية أتقاها وأعـدلـهـا ** بعد النبي وأوفاها بما حـمـلا
الثاني التالي المحمود مشـهـده ** وأول الناس منهم صدق الرسلا
أخبرنا يحيى بن محمود بن سعد إجازة بإسناده إلى أبي بكر بن الضحاك بن مخلد ، قال : حدثني محمد بن مصفى ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عبد الله بن العلاء ، حدثني أبو سلام الحبشي : أنه سمع عمرو بن عبسة السلمي يقول : ألقي في روعي أن عبادة الأوثان باطل ، فسمعني رجل وأنا أتكلم بذلك ، فقال : يا عمرو ، بمكة رجل يقول كما تقول . قال : فأقبلت إلى مكة أسأل عنه ، فأخبرت أنه مختف لا أقدر عليه إلا بالليل يطوف بالبيت ، فقمت بين الكعبة وأستارها ، فما علمت إلا بصوته يهلل الله ، فخرجت إليه فقلت : ما أنت ؟ قال : رسول الله ، فقلت : وبم أرسلك ؟ قال : أن يعبد الله ولا يشرك به شيءٌ وتحقن الدماء ، وتوصل الأرحام . قال قلت : ومن معك على هذا ؟ قال : حر وعبد . فقلت : أبسط يدك أبايعك . فبسط يده فبايعته ، فلقد رأيتني وإني لرابع الإسلام .
وأخبرنا إسماعيل بن علي وغير واحد بإسنادهم إلى محمد بن عيسى السلمي . حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عقبة بن خالد ، حدثنا شعبة عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد " قال " : قال ، أبو بكر : ألست أحق الناس بها ؟ يعني الخلافة - ألست أول من أسلم ؟ ألست صاحب كذا ؟ ألست صاحب كذا ؟ وقال إبراهيم النخعي : أول من أسلم أبو بكر رضي الله عنه .
هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
هاجر أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصحبه في الغار لما سارا مهاجرين ، وآنسه فيه ، ووقاه بنفسه . قال بعض العلماء : لو قال قائل : إن جميع الصحابة ما عدا أبا بكر ليست لهم صحبة لم يكفر ، ولو قال : إن أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر ، فإن القرين العزيز قد نطق أنه صاحبه .
أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناد إلى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أمر الله ، عز وجل ، فجاء جبريل عليه السلام وأمره أن يخرج من مكة بإذن الله عز وجل له في الهجرة إلى المدينة ، فاجتمعت قريش فمكرت بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه جبريل وأمره أن لا يبيت مكانه ، ففعل ، وخرج على القوم وهم على بابه ، ومعه حفنة من تراب ، فجعل ينثرها على رؤوسهم ، وأخذ الله أبصارهم .
وكان مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العقبة بشهرين ، وأيام بويع أوسط أيام التشريق ، وخرج لهلال ربيع الأول . قاله ابن إسحاق .
وقد كان أبو بكر يستأذنه في الخروج فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تعجل ، لعل الله يجعل لك صاحباً " . فلما كانت الهجرة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أذن لي في الخروج " . قالت عائشة : فلقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح ، ثم خرجا حتى دخلا الغار ، فأقاما فيه ثلاثاً .
أخبرنا أبو ياسر بإسناده إلى عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبي ، حدثنا عفان ، حدثنا همام ، أخبرنا ثابت ، عن أنس : أن أبا بكر حدثه قال ، قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغار - وقال مرة : ونحن في الغار - : لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا ! قال فقال : " يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما " .
أخبرنا أبو القاسم الحسين به هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي الدمشقي ، أخبرنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا : أخبرنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سلمان بن حيدرة ، حدثنا عبد الله بن أحمد الدورقي ، حدثنا عبيد الله بن محمد القرشي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج مهاجراً إلى المدينة ، كان أبو بكر معه ، وكان أبو بكر أعرف بذلك الطريق ، وكان الرجل لا يزال قد عرف أبا بكر ، فيقول : يا أبا بكر ، من هذا معك ؟ فيقول : هذا يهديني السبيل .
أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني ، أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الفارسي ، أخبرنا أبو بكر القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : اشترى أبو بكر من عازب سرجاً بثلاثة عشر درهماً . قال : فقال أبو بكر لعازب : مُر البراء فليحمه إلى منزلي . فقال : لا ، حتى تحدّثنا كيف صنعت حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت معه . قال : فقال أبو بكر : خرجنا فأدلجنا فأحيينا يومنا وليلتنا ، حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة ، فضربت ببصري : هل أرى ظلاً نأوي إليه ؟ فإذا أنا بصخرة ، فأهويت إليها فإذا بقية ظلها ، فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة ، " و " قلت : اضطجع يا رسول الله " فاضطجع " ، ثم خرجت " أنظر ؟ هل أرى أحداً من الطلب ؟ فإذا " أنا براعي غنم ، فقلت : لمن أنت ؟ فقال : لرجل من قريش . فسماه فعرفته ، فقلت : هل في غنمك من لبن ؟ قال : نعم . قلت : هل أنت حالبٌ لي ؟ قال : نعم . فأمرته فاعتقل شاة منها ، ثم أمرته فنفض ضرعها ، ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار ، ومعي إداوة على فمها خرقة ، فحلب لي كثبة من اللبن ، فصببت على القدح ، حتى برد أسفله ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته وقد استيقظ ، فقلت : " اشرب يا رسول الله . فشرب حتى رضيت ، ثم قلت : هل آن الرحيل ؟ قال : فارتحلنا ، والقوم يطلبوننا ، فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له ، فقلت : يا رسول الله ، هذا الطلب قد لحقنا ؟ قال : " لا تحزن إن الله معنا " حتى إذ دنا منا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين - أو قال : رمحين أو ثلاثة - قال قلت : يا رسول الله ، هذا الطلب قد لحقنا وبكيت . قال : لم تبكي ؟ قال قلت : والله ، ما على نفسي أبكي ، ولكني أبكي عليك . قال : فدعى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم اكفناه بما شئت " . فساخت فرسه على بطنها في أرض صلد ، ووثب عنها وقال : يا محمد ، قد علمت أن هذا عملك ، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه ، فو الله لأعمين على من ورائي من الطلب ، وهذه كنانتي فخذ منها سهماً ، فإنك ستمر على إبلي وغنمي في موضع كذا وكذا ، فخذ منها حاجتك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حاجة لي فيها " . قال : ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأطلق ورجع إلى أصحابه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه ، حتى قدمنا المدينة ، فتلقاه الناس في الطريق " يقولون " : الله أكبر ، جاء رسول الله ، جاء محمد ، قال : وتنازع القوم أيهم ينزل عليه ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنزل الليلة على بني النجار ، أخوال عبد المطلب ، أكرمهم بذلك " . قال : وقال البراء : أول من قدم علينا من المهاجرين ثم مصعب بن عمير ، أخو بني عبد الدار ، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى ، أخو بني فهر ، ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ، فقلنا : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو على أثري . ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه . قال البراء : ولم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سوراً من المفصل - قال إسرائيل : وكان البراء من الأنصار من بني حارثة .
أخبرنا إبراهيم بن محمد الفقيه بإسناده إلى أبي عيسى الترمذي قال : حدثنا يوسف بن أبي موسى القطان البغدادي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن منصور بن أبي الأسود قال : حدثني كثير أبو إسماعيل ، عن جميع بن عمير ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : " أنت أخي ، وصاحبي في الغار " .
شهوده بدراً وغيرها
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي ، أخبرنا الشريف أبو الب علي بن حيدرة بن جعفر الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا : أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدر ، حدثنا أحمد بن محمد الأبلي العطار بالبصرة ، أخبرنا المقدمي ، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، أخبرنا مسعر بن كدام ، عن أبي عون ، عن أبي صالح الحنفي ، عن علي بن أبي طالب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر الصديق يوم بدر : " مع أحدكما جبريل ، ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ، ملك عظيم ، يشهد القتال ويكون في الصف " .
أخبرنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم : أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم - لما التقى الناس يوم بدر - : يا رسول الله ، ألا نبني لك عريشاً ، فتكون في وننيخ إليك ركائبك ، ونلقى عدونا ، فإن أظفرنا الله وأعزنا فذاك أحب إلينا ، وإن تكن الأخرى تجلس على ركائبك ، فتلحق بمن وراءنا ؟ فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ، ودعا له . فبُني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش ، فكان فيه أبو بكر ، ما معهما غيرهما .
قال ابن إسحاق : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه وعده ونصره ، ويقول : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد " . وأبو بكر يقول : بعض مناشدتك ربك ، فإن الله موفيك ما وعدك من نصره .
وقال محمد بن سعد : " قالوا : وشهد أبو بكر بدراً ، وأحداً ، والخندق ، والحديبية والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر ، وكانت سوداء ، وأطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر مائة وسق ، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم حنين حين ولى الناس " .
ولم يختلف أهل السير في أن أبا بكر الصديق ، رضي الله عنه ، لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد من مشاهده كلها .
فضائله رضي الله عنه
أخبرنا عبد الله بن أحمد الخطيب ، أخبرنا جعفر بن أحمد السراج ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاهين ، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا حامد بن سهل ، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث قال : حدثنا جندب - هو ابن عبد الله - : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يتوفى بيوم : " قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء ، وإني أبرأ إلى الله أن أكون اتخذت منكم خليلاً ، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، وإن ربي اتخذني خليلاً ، كما اتخذ إبراهيم خليلاً " .
قال وأخبرنا جعفر ، أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، حدثنا أبو سعيد الحسن بن جعفر بن محمد بن الوضاح الحرفي السمسار ، حدثنا أبو شعيب الحراني ، حدثنا يحيى بن عبد الله البابللتي ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عروة بن الزبير قال : سألت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت : أخبرني بأشد شيء رأيته صنعه المشركون برسول اله صلى الله عليه وسلم . قال : أقبل عقبة بن أبي معيط ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة ، فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً . فأقبل أبو بكر ، فأخذ منكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال أبو بكر : يا قوم ، أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم .
الحُرْفي : بضم الحاء المهملة وسكون الراء وبالفاء .
أخبرنا أبو منصور مسلم بن علي بن محمد السيحي العدل ، أخبرنا أبو البركات محمد بن محمد بن خميس الجهني ، أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن طوق ، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن الخليل المرجي ، أخبرنا أبو يعلى " أحمد بن علي " ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عبد الرحمن بن حميد ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة ابن الجراح في الجنة " .
أخبرنا عمر بن محمد بن المعمر بن طبرزد وغيره قالوا : أخبرنا أبو القاسم الحريري ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن بخيث الدقاق ، حدثنا أبو هاشم محمد بن إبراهيم الملطي ، حدثنا أحمد بن موسى بن معدان الكرابيسي ، حدثنا زكريا بن رويد الكندي ، عن حميد بن انس قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من عند الله عز وجل ، فقال : يا محمد ، إن الله يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : قل لعتيق بن أبي قحافة : إنه غير راض .
قال : وأخبرنا ابن بخيت ، حدثنا سليمان بن داود بن كثير بن وقدان ، حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال : قال ابن عيينة : عاتب الله سبحانه المسلمين كلهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر ، فإنه خرج من المعاتبة : { إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار } " التوبة : 40 ".
أخبرنا أبو القاسم يعيش بن صدقة بن علي الفقيه ، أخبرنا أبو محمد بن الطراح ، أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي ، حدثنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي ، حدثنا سوار بن مصعب ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض ، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل ، صلى الله عليهما وسلم وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر " . ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء فقال : " إن أهل عليين ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون النجم - أو الكواكب - في السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما " - قلت لأبي سعيد - : وما " أنعما " ؟ قال : أهل ذاك هما .
وأسلم على يد أبي بكر الزبير ، وعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة . وأعتق سبعة كانوا يعذبون في الله تعالى ، منهم : بلال ، وعامر بن فهيرة ، وغيرهما يذكرون في مواضعهم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الثقة إليه وبما عنده من الإيمان واليقين ، ولهذا لما قيل له : " إن البقرة تكلمت " قال : " آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر " . وما هما في القوم .
أخبرنا إبراهيم بن محمد وغيره بإسنادهم إلى أبي عيسى محمد بن عيسى قال : حدثنا محمد بن غيلان ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما رجلٌ يركب بقرة إذ قالت : لم أخلق لهذا ، إنما خلفت للحرث " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر " قال أبو سلمة : وما هما في القوم .
أخبرنا أبو منصور بن مكارم بن أحمد بن سعد المؤدب ، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن صفوان ، أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم السراج ، أخبرنا أبو طاهر هبة الله بن إبراهيم بن أنس ، أخبرنا علي بن عبيد الله بن طوق ، حدثنا أبو جابر زيد بن عبد العزيز بن حيثان حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار ، حدثنا المعافى بن عمران ، حدثنا هشام بن سعد ، عن عمر بن أسيد ، عن ابن عمر قال : كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة ، ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ولقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن أكون أعطيتهن أحب إليّ من حمر النعم : زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته ، وأعطاه الراية يوم خيبر ، وسد الأبواب من المسجد إلا باب علي .
أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء الثقفي ، أخبرنا أبو علي قراءة عليه وأنا حاضر أسمع ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا أبو بكر بن خلاد ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة "ح" قال : أبو نعيم : وحدثنا عبد الله بن الحسن بن بندار ، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قالا : حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم الجبل ، فقال : " اثبت فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان " .
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي ، أخبرنا أبو العشائر محمد بن الخليل بن فارس القيسي ، أخبرنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت ، حدثنا علي بن داود القنطري ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر الشعبي ، عن الحارث ، عن علي بن أبي طالب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر فقال : " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين ، لا تخبرهما يا علي " .
قال : وأخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان ، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } " التوبة : 119 " مع أبي بكر وعمر .
قال : وأخبرنا خيثمة بن سليمان ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر الشعبي ، عن أبي جحيفة السوائي قال : قال علي : يا وهب ، ألا أخبرك بخير هذه الأمة بعد نبيها ؟ أبو بكر، وعمر ، ورجل آخر .
وقد روى نحو هذا محمد بن الحنفية ، عن أبيه .
قال : وأخبرنا خيثمة ، حدثنا أحمد بن سليمان الصوري ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا يوسف بن الصباح ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، حدثنا سعيد الفافلاني ، عن الحسن ، عن أنس قال : تناول النبي صلى الله عليه وسلم من الأرض سبع حصيات فسبحن في يده ، ثم ناولهن أبا بكر فسبحن في يده ، كما سبحن في يد النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ناولهن النبي صلى الله عليه وسلم عمر فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر ، ثم ناولهن عثمان فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر وعمر .
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي ، أخبرنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة العلوي ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي قالا : أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن القاسم ، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان ، أخبرنا جعفر بن محمد القلانسي بالرملة ، أخبرنا داود بن الربيع بن مصحح ، أخبرنا حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم صائماً " ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : " من تصدق بصدقة " ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : " من شهد جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : " من أطعم اليوم مسكيناً " ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : " من جمعهن في يوم واحد وجبت له - أو غفر له - " .
قال : وحدثنا خيثمة ، حدثنا محمد بن الحسين الحنيني ، أخبرنا عارم أبو النعمان ، حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : وفد ناس من أهل الكوفة وناس من أهل البصرة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : فلما نزلوا المدينة تحدث القوم بينهم إلى أن ذكروا أبا بكر وعمر ، ففضل بعض القوم أبا بكر على عمر ، وفضل بعض القوم عمر على أبي بكر ، وكان الجارود بن المعلى ممن فضل أبا بكر على عمر . فجاء عمر ومعه درته فأقبل على الذين فضلوه على أبي بكر ، فجعل يضربهم بالدّرّة ، حتى ما يتقي أحدهم إلا برجله ، فقال له الجارود : أفق أفق يا أمير المؤمنين ، فإن الله عز وجل لم يكن يرانا نفضلك على أبي بكر ، وأبو بكر أفضل منك في كذا ، وأفضل منك في كذا . فسري عن عمر ثم انصرف . فلما كان من العشي صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ألا أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفترٍ ، عليه ما على المفتري .
قال : وحدثنا خيثمة ، حدثنا هلال بن العلاء ، حدثنا أبي ، حدثنا إسحاق الأزرق ، حدثنا أبو سنان ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن النزال بن سبرة الهلالي قال : وافقنا من علي طيب نفس ومزاح ، فقلنا : يا أمير المؤمنين ، حدثنا عن أصحابك . قال : كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي . قلنا : حدثنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : سلوني . قلنا : حدثنا عن أبي بكر . قال ذاك امرؤٌ سماه الله عز وجل صديقاً على لسان جبريل ولسان محمد صلى الله عليه وسلم ، كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة ، رضيه لديننا ، فرضيناه لدنيانا .
علمه رضي الله عنه
أخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم ، أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو بكر الحاسب ، أخبرنا أبو محمد ، أخبرنا أبو عمر بن حيوية ، أخبرنا أحمد بن معروف ، أخبرنا الحسين بن القهم ، حدثنا محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، عن يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر أنه سئل : من كان يفتي الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أبو بكر وعمر ، ما أعلم غيرهما .
أخبرنا أحمد بن عثمان بن أبي علي المقري ، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو بكر بن مردويه الحافظ ، حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا فليح بن سليمان ، ثم سام أبو النضر ، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فقال : " عن رجلاً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عند " . فبكى أبو بكر ، فتعجبنا لبكائه أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل قد خيّر - وكان من المخير صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو بكر أعلمنا به – فقال : " لا تبك يا أبا بكر ، إن أمن الناس في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذته خليلاً ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سد ، إلا باب أبي بكر " .
زهده وتواضعه وإنفاقه رضي الله عنه
أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن قال : أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الحسن بن إبراهيم ، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد الهمداني ، أخبرنا أبو بكر خليل بن هبة الله بن الخليل ، أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن بن القاسم بن درستويه ، حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل ، أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجورجاني ، حدثني الحسين بن عيسى ، حدثنا عبد المد بن عبد الوارث ، حدثنا عبد الواحد بن زيد ، حدثني أسلم الكوفي ، عن مرة ، عن زيد بن أرقم قال : دعا أبو بكر بشراب ، فأتي بماء وعسل ، فلما أدناه من فيه نحاه ، ثم بكى حتى بكى أصحابه ، فسكتوا وما سكت . ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا يقوون على مسألته ، ثم أفاق فقالوا : يا خليفة رسول الله ، ما أبكاك ؟ قال : " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ، يدفع عن نفسه شيئاً ، ولم أر أحداً معه ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذا الذي تدفع ، ولا أرى أحداً معك ؟ قال : " هذه الدنيا تمثلت فقلت لها : إليك عني " . فتنحت ثم رجعت ، فقالت : أما إنك إن أفلت فلن يفلت من بعدك " . فذكرت ذلك فمقت أن تلحقني .
قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو السعود أحمد بن علي بن محمد بن المجلي ، حدثنا محمد بن محمد بن أحمد العكبري ، حدثنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن خلف بن خاقان ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد ، أخبرنا أبو حاتم ، عن الأصمعي قال : كان أبو بكر إذا مدح قال : اللهم أنت أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون " .
قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أخبرنا أبو بكر بن الطبري ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا الحسين بن صفوان ، أخبرنا أبو بكر القرشي ، حدثنا الوليد بن شجاع السكوني وغيره ، حدثنا " أبو " أسامة ، عن مالك بن مغول سمع أبا السفر قال : دخلوا على أبي بكر في مرضه فقالوا : يا خليفة رسول الله ، ألا ندعوا لك طبيباً ينظر إليك ؟ قال : قد نظر إليّ . قالوا : ما قال لك ؟ قال : إني فعال لما أريد .
أخبرنا أبو العباس أحمد بن عثمان ، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ ، حدثنا ميمون بن إسحاق بن الحسن الحنفي ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار هو العطاردي ، حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما نفعني مال قط ، ما نفعني مال أبي بكر " . فبكى أبو بكر وقال : وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله ؟ .
قال : وأخبرنا أبو بكر بن مردويه ، حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم ، حدثنا عمر بن عبد الرحيم ، حدثنا محمد بن الصباح ، حدثنا موسى بن عمير القرشي ، عن الشعبي قال : لما نزلت : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } . . . " البقرة : 271 " إلى آخر الآية قال : جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوس الناس ، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد يخفيه من نفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت لأهلك ؟ قال : عدة الله وعدة رسوله ". قال : يقول عمر لأبي بكر : بنفسي أنت وبأهلي أنت ، ما استبقنا باب خير قط إلا سبقتنا إليه .
وقد رواه أبو عيسى الترمذي ، هارون بن عبد الله البزاز ، عن الفضل بن دكين ، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ، ووافق ذلك مالاً عندي ، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته . قال : فجئت بنصف مالي ، فقال : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله . وجاء أبو بكر بكل ما عنده ، فقال : يا أبا بكر ، ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله . قلت : لا أسبقه إلى شيء أبداً .
أخبرنا القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي إجازة ، أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أخبرنا أبو بكر بن الطبري ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب ، حدثنا أبو بكر الحميدي ، حدثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : أسلم أبو بكر وله أربعون ألفاً ، فأنفقها في الله ، وأعتق سبعة كلهم يعذب في الله : أعتق بلالاً ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية ، وابنتها ، وجارية بني مؤمل ، وأم عبيس .
زنِّيرة : بكسر الزاي ، والنون المشددة ، وبعدها ياء تحتها نقطتان ، ثم راء وهاء .
وعُبيْس : بضم العين المهملة ، وفتح الباب الموحدة ، والياء الساكنة تحتها نقطتان ، وآخره سين مهملة .
قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو القاسم الواسطي ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، حدثني الحسن بن علي ببن محمد الواعظ ، حدثنا أبو نصر إسحاق بن أحمد بن شبيب البخاري ، حدثنا أبو الحسن نصر بن أحمد بن إسماعيل بن سايح بن قوامة ببخارى ، أخبرنا جبريل بن منجاع الكشاني بها ، حدثنا قتيبة ، حدثنا رشدين ، عن الحجاج ، بن شداد المرادي ، عن أبي صالح الغفاري : أن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء ، في بعض حواشي المدينة من الليل ، فيستقي لها ويقوم بأمرها ، فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها ، فأصلح ما أرادت . فجاءها غير مرة كلا يسبق إليها ، فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الصديق الذي يأتيها ، وهو يومئذ خليفة . فقال عمر : أنت هو لعمري !! قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو محمد الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا الفضيل بن يحيى ، أخبرنا أبو محمد بن أبي شريح ، أخبرنا محمد بن عقيل بن الأزهر ، حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن حبيب بن عبد الرحمن ، سمع عمته أنيسة قالت : نزل فينا أبو بكر ثلاث سنين : سنتين قبل أن يستخلف ، وسنة بعدما استخلف فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن ، فيحلبهن لهن .
قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو بكر الأنصاري ، حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا محمد بن العباس ، أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحسن بن القهم ، حدثنا محمد بن سعد ، أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن مورق عن أبي سعيد بن المعلى قال : سمعت ابن المسيب قال : - وأخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن صبيحة ، عن أبيه (ح) قال : وأخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا عبد الرحمن بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ، سنة إحدى عشرة وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير ، من بني الحارث بن الخزرج ، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى المدينة ، وأقام هناك بالسنح بعد ما بويع له سبعة أشهر ، يغدو على رجليه وربما ركب على فرس له ، فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس فإذا صلى العشاء الآخرة رجع إلى أهله . وكان يحلب للحي أغنامهم ، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي : الآن لا يحلب لنا منائحنا . فسمعها أبو بكر فقال : بلى ، لعمري لأحلبنها لكم ، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه . فكان يحلب لهم ، فربما قال للجارية : أتحبين أن أرغي لك أو أن أصرح ؟ " فربما قالت : أرغ . وربما قالت صرح " فأي ذلك قالت فعل .
وله في تواضعه أخبار كثيرة ، نقتصر منها على هذا القدر .
خلافته
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي ، أخبرنا أبو العشائر محمد بن الخليل بن فارس القيسي ، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف بن أبي حبيب ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت ، حدثنا أحمد بن بكرويه البالسي ، حدثنا داود بن الحسن المدني ، حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رأيتني على حوض ، فوردت عليّ غنم سود وبيض ، فأولت السود : العجم ، والعفر : العرب ، فجاء أبو بكر فأخذ الدلو مني ، فنزع ذنوباً أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعفٌ ، والله يغفر له ، فجاء عمر فملأ الحوض وأروى الوارد " .
قال : وأخبرنا عبد الرحمن بن عثمان ، حدثنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة حدثنا الحسن بن حميد بن الربيع الخراز ، حدثنا إبراهيم عن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن جده سلمة ، عن أبي الزعراء ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر " .
قال : وحدثنا خيثمة ، حدثنا أحمد بن ملاعب البغدادي ، أخبرنا خلف بن الوليد ، أخبرنا المبارك بن فضالة ، حدثني محمد بن الزبير قال : أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء ، فصعدت إليه فإذا هو متكئ على وسادة من أدم ، فقلت : أرسلني إليك عمر أسألك عن أشياء ، فأجابني فيما سألته عنه ، وقلت : اشفني فيما اختلف الناس فيه : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ؟ فاستوى الحسن قاعداً فقال : أو في شك هو لا أبا لك ؟ إي والله الذي لا إله إلا هو ، لقد استخلفه ، ولهو كان أعلم بالله ، وأتقى له ، وأشد مخافة من أن يموت عليها لو لم يأمره .
أخبرنا منصور بن أبي الحسن الطبري بإسناده إلى أبي يعلى ، " حدثنا زكريا بن يحيى " ، حدثنا يوسف بن خالد ، حدثنا موسى بن دينار المكي ، حدثنا موسى بن طلحة ، عن عائشة بنت سعد ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليصل أبو بكر بالناس . قالوا : لو أمرت غيره ؟ قال : لا ينبغي لأمتي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر " .
أخبرنا إسماعيل بن علي ، وإبراهيم بن محمد وغيرهما ، بإسنادهم إلى أبي عيسى السلمي : حدثنا النصر بن عبد الرحمن الكوفي ، حدثنا أحمد بن بشير ، عن عيسى بن ميمون الأنصاري ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره " .
قال : وحدثنا أبو عيسى حدثنا عبد بن حميد ، أخبرني يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم أن أباه جبير بن مطعم أخبره : أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم في شيءٍ فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال : " إن لم تجديني فأتي أبا بكر " .
أخبرنا أحمد بن عثمان بن أبي علي المقري ، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد ، حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا محمد بن سليمان المالكي ، حدثنا يوسف بن محمد بن يوسف الواسطي ، حدثنا محمد بن أبان الواسطي ، حدثنا شريك بن عبد الله النخعي ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن البصري ، عن علي بن أبي طالب قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فصلى بالناس ، وإني لشاهد غير غائب ، وإني لصحيح غير مريض ، ولو شاء أن يقدمني لقدمني ، فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا " .
أخبرنا أبو القاسم يعيش بن صقة بن علي الفقيه الشافعي ، أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد البزاز ، أخبرنا عيسى بن علي بن عيسى الوزير ، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا وهب بن بقية ، أخبرنا إسحاق الأزرق ، عن سلمة بن نبيط ، عن نعيم بن أبي هند ، عن نبيط - يعني ابن شريط - عن سالم بن عبيد - وكان من أصحاب الصفة - : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد مرضه أغمي عليه ، فلما أفاق قال : " مروا بلالاً فليؤذن ، ومروا أبا بكر فليصل بالناس " - قال : ثم أغمي عليه ، فقالت عائشة : إن أبي رجل أسيف ، فلو أمرت غيره ؟ فقال : " أقيمت الصلاة " ؟ فقالت عائشة : يا رسول الله ، إن أبي رجل أسيف ، فلو أمرت غيره ؟ قال : " إنكن صواحبات يوسف ، مروا بلالاً فليؤذن ، ومروا أبا بكر فليصل بالناس " . ثم أفاق فقال : " أقيمت الصلاة " ؟ قالوا : نعم . قال : " ادعو إليّ إنساناً أعتمد عليه ". فجاءت بريرة وإنسان آخر ، فانطلقوا يمشون به ، وإن رجليه تخطان في الأرض قال : فأجلسوه إلى جنب أبي بكر ، فذهب أبو بكر يتأخر ، فحبسه حتى فرغ الناس ، فلما توفي قال - وكانوا قوماً أميين لم يكن فيهم نبي قبله - قال عمر : " لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا " ؟! قال فقالوا له : اذهب إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه ، يعني أبا بكر . قال : فذهبت فوجدته في المسجد ، قال : فأجهشت أبكي ، قال : لعل نبي الله توفي ؟ قلت : إن عمر قال : " لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا " ! قال : فأخذ بساعدي ثم أقبل يمشي ، حتى دخل ، فأوسعوا له . فأكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد وجهه يمس وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر نفسه حتى استبان أنه توفي . فقال : { إنك ميتٌ وإنهم ميتون } " الزمر : 30 " قالوا : يا صاحب رسول الله ، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . فعلموا أنه كما قال . قالوا : يا صاحب رسول الله ، هل يصلى على النبي ؟ قال : نعم ، قال : يجيء نفرٌ منكم فيكبرون فيدعون ويذهبون حتى يفرغ الناس . فعلموا أنه كما قال : قالوا : يا صاحب رسول الله ، هل يدفن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قالوا : أين يدفن ؟ قال : حيث قبض الله روحه ، فإنه لم يقبضه إلا في موضع طيب . قال : فعرفوا أنه كما قال . ثم قال : عندكم صاحبكم .
ثم خرج ، فاجتمع إليه المهاجرون - أو من اجتمع إليه منهم – فقال : انطلقوا إلى إخواننا من الأنصار ، فإن لهم في هذا الحق نصيباً . قال : فذهبوا حتى أتوا الأنصار ، قال : فإنهم ليتآمرون إذ قال رجل من الأنصار : " منا أميرٌ ومنكم أمير " فقام عمر وأخذ بيد أبي بكر ، فقال : " سيفان في غمد إذن لا يصطحبان ، ثم قال : من له هذه الثلاثة : { إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } " التوبة : 40 " مع من ؟ فبسط يد أبي بكر فضرب عليها ، ثم قال للناس : بايعوا . فبايع الناس أحسن بيعة " .
أخبرنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده عن عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار : " منا أمير ومنكم أمير " فأتاهم عمر فقال : " يا معشر الأنصار ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم الناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ فقالوا : " نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر " .
أخبرنا القاسم بن علي الدمشقي ، عن أبيه ، أخبرنا أبو طالب علي بن عبد الرحمن ، حدثنا أبو الحسن الخلعي ، أخبرنا أبو محمد بن النحاس ، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدثنا مشرف بن سعيد الواسطي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله قال : كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر ، قال : " أنشدكم بالله ، أمر أبو بكر أن يصلي بالناس ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : فأيكم تطيب نفسه أن يزيل عن مقامه الذي أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : كلنا لا تطيب أنفسنا ، نستغفر الله ! .
وقد ورد في الصحيح حديث عمر في بيعة أبي بكر ، وهو حديث طويل ، تركناه لطوله وشهرته .
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجت مكة ، فسمع بذلك أبو قحافة فقال : ما هذا ؟ قالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أمر جليل ، فمن ولي بعده ؟ قالوا : ابنك . قال : فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة ؟ قالوا : نعم . قال : لا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما منع .
وكان عمر بن الخطاب أول من بايعه ، وكانت بيعته في السقيفة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كانت بيعة العامة من الغد . وتخلف عن بيعته : علي ، وبنو هاشم ، والزبير بن العوام ، وخالد بن سعيد بن الوقاص ، وسعد بن عبادة الأنصاري ، ثم إن الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سعد بن عبادة ، فإنه لم يبايع أحداً إلى أن مات . وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر على القول الصحيح ، وقيل غير ذلك .
وقام في قتال أهل الردة مقاماً عظيماً ذكرناه في الكامل في التاريخ .
أخبرنا عبد الوهاب بن هبة الله بإسناده إلى عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا مسعر وسفيان ، عن عثمان بن المغيرة ، عن علي بن ربيعة ، عن أسماء بن الحكم الفزاري قال : سمعت علياً يقول : كنت إذا سمعت عن رسول صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني ، فإذا حدثني عنه غيره أستحلفه ، فإذا حلف لي صدقته ، وإنه حدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يذنب فيتوضأ فيحسن الوضوء - قال مسعر : ويصلي ، وقال سفيان : ثم يصلي - ركعتين فيستغفر الله إلا غفر له " .
وفاته
قال ابن إسحاق ، " توفي أبو بكر " رضي الله عنه ، يوم الجمعة ، لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة ، سنة ثلاث عشرة ، وصلى عليه عمر بن الخطاب .
وقال غيره : توفي عشي يوم الاثنين . وقيل : ليلة الثلاثاء . وقيل : عشي يوم الثلاثاء ، لثمان بقين من جمادى الآخرة .
وأخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم إجازة ، أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد ، حدثنا شجاع بن علي ، أخبرنا أبو عبد الله بن منده قال : ولد - يعني أبو بكر- بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياماً ، ومات بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأشهر بالمدينة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة . وكان رجلاً أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه غائر العينين ، ناتئ الجبهة ، يخضب بالحناء والكتم . وكان أول من أسلم من الرجال ، وأسلم أبواه له ، ولوالديه ولولده وولد ولده صحبة ، رضي الله عنهم .
قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو بكر الفرضين أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا أبو عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف ، أخبرنا الحسين بن القهم حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، حدثني ليث بن سعد ، عن عقيل ، عن ابن شهاب أن أبا بكر ، والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر ، فقال الحارث : ارفع يدك يا خليفة رسول الله ، والله إن فيها لسم سنة ، وأنا وأنت نموت في يوم واحد . قال : فرفع يده ، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد ، عند انقضاء السنة .
قال : وأخبرنا أبي بإسناده عن محمد بن سعد ، حدثنا محمد بن عمر ، حدثنا محمد بن عبد الله ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان أول " ما بدئ " مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين ، لسبع خلون من جمادى الآخرة - وكان يوماً بارداً - فحم خمسة عشر يوماً ، لا يخرج إلى صلاة ، وكان يأمر عمر يصلي بالناس ، ويدخل الناس عليه يعودونه وهو يثقل كل يوم " وهو نازل يومئذ في داره التي قطع له النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاه دار عثمان بن عفان اليوم " ، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه ، وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادة الآخرة سنة ثلاث عشرة ، فكانت خلافته سنتين ، وثلاثة أشهر وعشر ليال وكان أبو معشر يقول : سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ، مجمع على ذلك في الروايات كلها ، استوفى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " وكان أبو بكر ولد بعد الفيل بثلاث سنين " .
وهو أول خليفة كان في الإسلام ، وأول من حج أميراً في الإسلام ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة سنة ثمان ، وسيّر أبو بكر يحج بالناس أميراً سنة تسع ، وهو أول من جمع القرآن ، وقيل : علي بن أبي طالب أول من جمعه ، وكان سبب جمع أبي بكر للقرآن ما ذكرناه في ترجمة عثمان بن عفان ، وهو أول خليفة ورثة أبوه .
وقال زياد بن حنظلة : كان سبب موت أبي بكر الكمد على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومثله قال : عبد الله بن عمر .
ولما حضره الموت استخلف عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما ، وقد ذكرنا ذلك في ترجمة عمر ، رضي الله عنه .
المرجع
أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير
عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي ، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة ، واسم أبي قحافة : عثمان ، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهي ابنة عم أبي قحافة ، وقيل : اسمها : ليلى بنت صخر بن عامر . قاله محمد بن سعد ، وقال غيره : اسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم . وهذا ليس بشيء ، فإنها تكون ابنة أخيه ، ولم تكن العرب تنكح بنات الإخوة . والأول أصح .
وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وفي الهجرة ، والخليفة بعده .
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروى عنه : عمر ، وعثمان ، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وحذيفة ، وزيد بن ثابت ، وغيرهم .
وقد اختلف في اسمه ، فقيل : كان عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله . وقيل : إن أهله سموه عبد الله . ويقال له : عتيق أيضاً . واختلفوا في السبب الذي قيل له لأجله عتيق ، فقال بعضهم : قيل له : " عتيق " لحسن وجهه وجماله ، قاله الليث بن سعد وجماعة معه . وقال الزبير بن بكار وجماعة معه : إنما قيل له : " عتيق " لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به . وقيل : إنما سمي " عتيقاً " لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " أنت عتيق " الله " من النار " .
أخبرنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقيه وغيره ، قالوا : بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي ، قال : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ، حدثنا معن ، حدثنا أسحاق بن يحيى بن طلحة ، عن عمه إسحاق بن طلحة ، عن عائشة : أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : " أنت عتيق من النار " . فيومئذ سمي عتيقاً وقد روي هذا الحديث عن معن وقال : موسى بن طلحة ، عن عائشة .
وقيل له : " الصديق " أيضاً ، لما أخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إذناً ، أنبأنا أبي قال : أنبأنا أبي قال : أنبأنا أبو سعد المطرز وأبو علي الحداد قالا : أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا أبو محمد بن حيان ، حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا المفضل بن غسان ، حدثنا محمد بن كثير ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : " لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى ، أصبح يحدث بذلك الناس ، فارتد ناس ممن كان آمن وصدق به وفتنوا ، فقال أبو بكر : إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء غدوة أو روحة " ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق .
وقال أبو محجن الثقفي : " الطويل "
وسميت صديقاً وكل مـهـاجـر ** سواك يسمى باسمه غير منكـر
سبقت إلى الإسلام والله شـاهـد ** وكنت جليساً في العريش المشهر
إسلامه
كان أبو بكر رضي الله عنه من رؤساء قريش في الجاهلية ، محبباً فيهم ، مألفاً لهم ، وكان إليه الأشناق في الجاهلية ، والأشناق : الديات . كان إذا حمل شيئاً صدقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه ، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه .
فلما جاء الإسلام سبق إليه ، وأسلم على يده جماعة لمحبتهم له ، وميلهم عليه ، حتى إنه أسلم على يده خمسة من العشرة ، وقد ذكرناه عند أسمائهم . وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه أول من أسلم ، منهم ابن عباس ، من رواية الشعبي ، عنه . وقاله حسان بن ثابت في شعره ، وعمرو بن عبسة ، وإبراهيم النخعي ، وغيرهم .
أخبرنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وترددٌ ونظر ، إلا أبا بكر ما عتم حين ذكرته له ما تردد فيه " .
أخبرنا الحافظ القاسم بن علي بن الحسن كتابة قال : حدثنا أبي ، قال : أبنأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان - قال علي : ثم أخبرنا أبو البركات الأنماطي قال : أخبرنا أبو الفضل بن خيرون - قالا أخبرنا أبو القسام بن بشران ، أخبرنا أبو علي الصواف ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا المنجاب بن الحارث ، أخبرنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا خلف العرفطي أبو أمية ، من ولد خالد بن عرفطة ، عن ابن داب يعني عيسى بن يزيد قال قال أبو بكر الصديق : " كنت جالساً بفناء الكعبة ، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعداً ، فمر به أمية بن أبي الصلت فقال : كيف أصبحت يا باغي الخير ؟ قال : بخير . قال: هل وجدت ؟ قال : لا ، ولم آل من طلب . فقال : " الخفيف "
كل دين يوم الـقــيامة إلا ** ما قضى الله والحنيفة ، بور
أما إن هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم ، أو من أهل فلسطين .
قال : ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي ينتظر أو يبعث . قال : فخرجت أريد ورقة بن نوفل وكان كثير النظر في السماء ، كثير همهمة الصدر قال : فاستوقفته ثم اقتصصت عليه الحديث ، فقال : نعم يا ابن أخي ، أبى أهل الكتاب والعلماء إلا أن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسباً ، ولي علم بالنسب ، وقومك أوسط العرب نسباً . قال : قلت : يا عم ، وما يقول النبي ؟ قال : يقول . ما قيل له إلا أنه لا ظلم ولا تظالم . فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم آمنت وصدقت " .
وأخبرنا أبو القاسم ، عن أبيه ، قال : أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد حدثنا ، نصر بن إبراهيم ، أخبرنا علي بن الحسن بن عمر القرشي ، حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن عمر الغازي النيسابوري ، حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسن الرازي بمكة ، حدثنا أبو محمد إسماعيل بن محمد ، حدثنا أبو يعقوب القزويني الصوفي ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إدريس الراسبي ، حدثنا أبو القاسم يحيى بن حميد التككي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن الجراح ، حدثنا أبو خالد ، عن عبد العزيز بن معاوية - من ولد عتاب بن أسيد - حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن منصور ، عن زيد ، عن خالد الجهني ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال أبو بكر الصديق : إنه خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت على شيخ من الأزد عالم قد قرأ الكتب ، وعلم من علم الناس كثيراً ، فلما رآني قال : أحسبك حرمياً ؟ قال أبو بكر قلت : نعم ، أنا من أهل الحرم . قال : وأحسبك قرشياً ؟ قال قلت : نعم ، أنا من قريش . قال : وأحسبك تيمياً ؟ قال قلت : نعم ، أنا من تيم بن مرة ، أنا عبد الله بن عثمان ، من ولد كعب بن سعد بن تيم بن مرة . قال : بقيت لي فيك واحد . قلت : ما هي ؟ قال : تكشف عن بطنك . قلت : لا أفعل أو تخبرني لم ذاك ؟ قال : أجد في العلم الصحيح الصادق أن نبياً يبعث في الحرم ، يعاون على أمره فتى وكهل ، فأما الفتى لخواض غمرات ودفاع معضلات ، وأما الكهل فأبيض نحيف ، على بطنه شامة ، وعلى فخذه اليسرى علامة ، وما عليك أن تريني ما سألتك ، فقد تكاملت لي فيك الصفة إلا ما خفي عليّ . قال أبو بكر : فكشفت له عن بطني ، فرأى شامة سوداء فوق سرتي . فقال : أنت هو ورب الكعبة ، وإني متقدم إليك في أمر فاحذره . قال أبو بكر قلت : وما هو ؟ قال : إياك والميل عن الهدى ، وتمسك بالطريقة المثلى الوسطى ، وخف الله فيما خولك وأعطاك . قال أبو بكر : فقضيت باليمن أربي ، ثم أتيت الشيخ لأودعه ، فقال : أحامل عني أبياتاً من الشعر قلتها في ذلك النبي ؟ قلت : نعم ، فذكر أبياتاً .
قال أبو بكر : " فقدمت مكة ، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءني عقبة بن أبي معيط ، وشيبة ، وربيعة ، وأبو جهل ، وأبو البختري ، وصناديد قريش ، فقلت لهم : هل نابتكم نائبة ، أو ظهر فيكم أمرٌ ؟ قالوا : يا أبا بكر ، أعظم الخطب : يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي ، ولولا أنت ما انتظرنا به ، فإذا قد جئت فأنت الغاية والكفاية . قال أبو بكر : فصرفتهم على أحسن مسّ وسألت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل : في منزل خديجة . فقرعت عليه الباب ، فخرج إليّ ، فقلت : يا محمد ، فقدت من منازل أهلك ، وتركت دين آبائك وأجدادك ؟ . قال : يا أبا بكر ، إني رسول الله إليك وإلى الناس كلهم ، فآمن بالله . فقلت : ما دليلك على ذلك ؟ قال : الشيخ الذي لقيت باليمن . قلت : وكم من شيخ لقيت باليمن ؟ قال : الشيخ الذي أفادك الأبيات . قلت : ومن خبرك بهذا يا حبيبي ؟ قال : الملك المعظم الذي يأتي الأنبياء قبلي . قلت : مد يد : ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . قال أبو بكر : فانصرفت وما بين لابتيها أشد سروراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي .
أخبرنا غير واحد إجازة قالوا : أخبرنا أبو غالب بن البناء : أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد ، حدثنا محمد بن هارون بن حميد بن المجدر ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : سألت ابن عباس من أول من أسلم ؟ قال : أبو بكر ، أما سمعت قول حسان : " البسيط "
إذا تذكرت شجواً من أخي ثـقة ** فاذكر أخاك أبا بكر بما فعـلا
خير البرية أتقاها وأعـدلـهـا ** بعد النبي وأوفاها بما حـمـلا
الثاني التالي المحمود مشـهـده ** وأول الناس منهم صدق الرسلا
أخبرنا يحيى بن محمود بن سعد إجازة بإسناده إلى أبي بكر بن الضحاك بن مخلد ، قال : حدثني محمد بن مصفى ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عبد الله بن العلاء ، حدثني أبو سلام الحبشي : أنه سمع عمرو بن عبسة السلمي يقول : ألقي في روعي أن عبادة الأوثان باطل ، فسمعني رجل وأنا أتكلم بذلك ، فقال : يا عمرو ، بمكة رجل يقول كما تقول . قال : فأقبلت إلى مكة أسأل عنه ، فأخبرت أنه مختف لا أقدر عليه إلا بالليل يطوف بالبيت ، فقمت بين الكعبة وأستارها ، فما علمت إلا بصوته يهلل الله ، فخرجت إليه فقلت : ما أنت ؟ قال : رسول الله ، فقلت : وبم أرسلك ؟ قال : أن يعبد الله ولا يشرك به شيءٌ وتحقن الدماء ، وتوصل الأرحام . قال قلت : ومن معك على هذا ؟ قال : حر وعبد . فقلت : أبسط يدك أبايعك . فبسط يده فبايعته ، فلقد رأيتني وإني لرابع الإسلام .
وأخبرنا إسماعيل بن علي وغير واحد بإسنادهم إلى محمد بن عيسى السلمي . حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عقبة بن خالد ، حدثنا شعبة عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد " قال " : قال ، أبو بكر : ألست أحق الناس بها ؟ يعني الخلافة - ألست أول من أسلم ؟ ألست صاحب كذا ؟ ألست صاحب كذا ؟ وقال إبراهيم النخعي : أول من أسلم أبو بكر رضي الله عنه .
هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
هاجر أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصحبه في الغار لما سارا مهاجرين ، وآنسه فيه ، ووقاه بنفسه . قال بعض العلماء : لو قال قائل : إن جميع الصحابة ما عدا أبا بكر ليست لهم صحبة لم يكفر ، ولو قال : إن أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر ، فإن القرين العزيز قد نطق أنه صاحبه .
أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناد إلى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أمر الله ، عز وجل ، فجاء جبريل عليه السلام وأمره أن يخرج من مكة بإذن الله عز وجل له في الهجرة إلى المدينة ، فاجتمعت قريش فمكرت بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه جبريل وأمره أن لا يبيت مكانه ، ففعل ، وخرج على القوم وهم على بابه ، ومعه حفنة من تراب ، فجعل ينثرها على رؤوسهم ، وأخذ الله أبصارهم .
وكان مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العقبة بشهرين ، وأيام بويع أوسط أيام التشريق ، وخرج لهلال ربيع الأول . قاله ابن إسحاق .
وقد كان أبو بكر يستأذنه في الخروج فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تعجل ، لعل الله يجعل لك صاحباً " . فلما كانت الهجرة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أذن لي في الخروج " . قالت عائشة : فلقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح ، ثم خرجا حتى دخلا الغار ، فأقاما فيه ثلاثاً .
أخبرنا أبو ياسر بإسناده إلى عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبي ، حدثنا عفان ، حدثنا همام ، أخبرنا ثابت ، عن أنس : أن أبا بكر حدثه قال ، قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغار - وقال مرة : ونحن في الغار - : لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا ! قال فقال : " يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما " .
أخبرنا أبو القاسم الحسين به هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي الدمشقي ، أخبرنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا : أخبرنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سلمان بن حيدرة ، حدثنا عبد الله بن أحمد الدورقي ، حدثنا عبيد الله بن محمد القرشي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج مهاجراً إلى المدينة ، كان أبو بكر معه ، وكان أبو بكر أعرف بذلك الطريق ، وكان الرجل لا يزال قد عرف أبا بكر ، فيقول : يا أبا بكر ، من هذا معك ؟ فيقول : هذا يهديني السبيل .
أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني ، أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الفارسي ، أخبرنا أبو بكر القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : اشترى أبو بكر من عازب سرجاً بثلاثة عشر درهماً . قال : فقال أبو بكر لعازب : مُر البراء فليحمه إلى منزلي . فقال : لا ، حتى تحدّثنا كيف صنعت حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت معه . قال : فقال أبو بكر : خرجنا فأدلجنا فأحيينا يومنا وليلتنا ، حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة ، فضربت ببصري : هل أرى ظلاً نأوي إليه ؟ فإذا أنا بصخرة ، فأهويت إليها فإذا بقية ظلها ، فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة ، " و " قلت : اضطجع يا رسول الله " فاضطجع " ، ثم خرجت " أنظر ؟ هل أرى أحداً من الطلب ؟ فإذا " أنا براعي غنم ، فقلت : لمن أنت ؟ فقال : لرجل من قريش . فسماه فعرفته ، فقلت : هل في غنمك من لبن ؟ قال : نعم . قلت : هل أنت حالبٌ لي ؟ قال : نعم . فأمرته فاعتقل شاة منها ، ثم أمرته فنفض ضرعها ، ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار ، ومعي إداوة على فمها خرقة ، فحلب لي كثبة من اللبن ، فصببت على القدح ، حتى برد أسفله ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته وقد استيقظ ، فقلت : " اشرب يا رسول الله . فشرب حتى رضيت ، ثم قلت : هل آن الرحيل ؟ قال : فارتحلنا ، والقوم يطلبوننا ، فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له ، فقلت : يا رسول الله ، هذا الطلب قد لحقنا ؟ قال : " لا تحزن إن الله معنا " حتى إذ دنا منا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين - أو قال : رمحين أو ثلاثة - قال قلت : يا رسول الله ، هذا الطلب قد لحقنا وبكيت . قال : لم تبكي ؟ قال قلت : والله ، ما على نفسي أبكي ، ولكني أبكي عليك . قال : فدعى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم اكفناه بما شئت " . فساخت فرسه على بطنها في أرض صلد ، ووثب عنها وقال : يا محمد ، قد علمت أن هذا عملك ، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه ، فو الله لأعمين على من ورائي من الطلب ، وهذه كنانتي فخذ منها سهماً ، فإنك ستمر على إبلي وغنمي في موضع كذا وكذا ، فخذ منها حاجتك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حاجة لي فيها " . قال : ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأطلق ورجع إلى أصحابه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه ، حتى قدمنا المدينة ، فتلقاه الناس في الطريق " يقولون " : الله أكبر ، جاء رسول الله ، جاء محمد ، قال : وتنازع القوم أيهم ينزل عليه ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنزل الليلة على بني النجار ، أخوال عبد المطلب ، أكرمهم بذلك " . قال : وقال البراء : أول من قدم علينا من المهاجرين ثم مصعب بن عمير ، أخو بني عبد الدار ، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى ، أخو بني فهر ، ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ، فقلنا : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو على أثري . ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه . قال البراء : ولم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سوراً من المفصل - قال إسرائيل : وكان البراء من الأنصار من بني حارثة .
أخبرنا إبراهيم بن محمد الفقيه بإسناده إلى أبي عيسى الترمذي قال : حدثنا يوسف بن أبي موسى القطان البغدادي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن منصور بن أبي الأسود قال : حدثني كثير أبو إسماعيل ، عن جميع بن عمير ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : " أنت أخي ، وصاحبي في الغار " .
شهوده بدراً وغيرها
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي ، أخبرنا الشريف أبو الب علي بن حيدرة بن جعفر الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا : أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدر ، حدثنا أحمد بن محمد الأبلي العطار بالبصرة ، أخبرنا المقدمي ، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، أخبرنا مسعر بن كدام ، عن أبي عون ، عن أبي صالح الحنفي ، عن علي بن أبي طالب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر الصديق يوم بدر : " مع أحدكما جبريل ، ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ، ملك عظيم ، يشهد القتال ويكون في الصف " .
أخبرنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم : أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم - لما التقى الناس يوم بدر - : يا رسول الله ، ألا نبني لك عريشاً ، فتكون في وننيخ إليك ركائبك ، ونلقى عدونا ، فإن أظفرنا الله وأعزنا فذاك أحب إلينا ، وإن تكن الأخرى تجلس على ركائبك ، فتلحق بمن وراءنا ؟ فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ، ودعا له . فبُني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش ، فكان فيه أبو بكر ، ما معهما غيرهما .
قال ابن إسحاق : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه وعده ونصره ، ويقول : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد " . وأبو بكر يقول : بعض مناشدتك ربك ، فإن الله موفيك ما وعدك من نصره .
وقال محمد بن سعد : " قالوا : وشهد أبو بكر بدراً ، وأحداً ، والخندق ، والحديبية والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر ، وكانت سوداء ، وأطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر مائة وسق ، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم حنين حين ولى الناس " .
ولم يختلف أهل السير في أن أبا بكر الصديق ، رضي الله عنه ، لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد من مشاهده كلها .
فضائله رضي الله عنه
أخبرنا عبد الله بن أحمد الخطيب ، أخبرنا جعفر بن أحمد السراج ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاهين ، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا حامد بن سهل ، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث قال : حدثنا جندب - هو ابن عبد الله - : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يتوفى بيوم : " قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء ، وإني أبرأ إلى الله أن أكون اتخذت منكم خليلاً ، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، وإن ربي اتخذني خليلاً ، كما اتخذ إبراهيم خليلاً " .
قال وأخبرنا جعفر ، أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، حدثنا أبو سعيد الحسن بن جعفر بن محمد بن الوضاح الحرفي السمسار ، حدثنا أبو شعيب الحراني ، حدثنا يحيى بن عبد الله البابللتي ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عروة بن الزبير قال : سألت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت : أخبرني بأشد شيء رأيته صنعه المشركون برسول اله صلى الله عليه وسلم . قال : أقبل عقبة بن أبي معيط ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة ، فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً . فأقبل أبو بكر ، فأخذ منكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال أبو بكر : يا قوم ، أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم .
الحُرْفي : بضم الحاء المهملة وسكون الراء وبالفاء .
أخبرنا أبو منصور مسلم بن علي بن محمد السيحي العدل ، أخبرنا أبو البركات محمد بن محمد بن خميس الجهني ، أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن طوق ، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن الخليل المرجي ، أخبرنا أبو يعلى " أحمد بن علي " ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عبد الرحمن بن حميد ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة ابن الجراح في الجنة " .
أخبرنا عمر بن محمد بن المعمر بن طبرزد وغيره قالوا : أخبرنا أبو القاسم الحريري ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن بخيث الدقاق ، حدثنا أبو هاشم محمد بن إبراهيم الملطي ، حدثنا أحمد بن موسى بن معدان الكرابيسي ، حدثنا زكريا بن رويد الكندي ، عن حميد بن انس قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من عند الله عز وجل ، فقال : يا محمد ، إن الله يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : قل لعتيق بن أبي قحافة : إنه غير راض .
قال : وأخبرنا ابن بخيت ، حدثنا سليمان بن داود بن كثير بن وقدان ، حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال : قال ابن عيينة : عاتب الله سبحانه المسلمين كلهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر ، فإنه خرج من المعاتبة : { إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار } " التوبة : 40 ".
أخبرنا أبو القاسم يعيش بن صدقة بن علي الفقيه ، أخبرنا أبو محمد بن الطراح ، أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي ، حدثنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي ، حدثنا سوار بن مصعب ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض ، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل ، صلى الله عليهما وسلم وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر " . ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء فقال : " إن أهل عليين ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون النجم - أو الكواكب - في السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما " - قلت لأبي سعيد - : وما " أنعما " ؟ قال : أهل ذاك هما .
وأسلم على يد أبي بكر الزبير ، وعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة . وأعتق سبعة كانوا يعذبون في الله تعالى ، منهم : بلال ، وعامر بن فهيرة ، وغيرهما يذكرون في مواضعهم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الثقة إليه وبما عنده من الإيمان واليقين ، ولهذا لما قيل له : " إن البقرة تكلمت " قال : " آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر " . وما هما في القوم .
أخبرنا إبراهيم بن محمد وغيره بإسنادهم إلى أبي عيسى محمد بن عيسى قال : حدثنا محمد بن غيلان ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما رجلٌ يركب بقرة إذ قالت : لم أخلق لهذا ، إنما خلفت للحرث " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر " قال أبو سلمة : وما هما في القوم .
أخبرنا أبو منصور بن مكارم بن أحمد بن سعد المؤدب ، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن صفوان ، أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم السراج ، أخبرنا أبو طاهر هبة الله بن إبراهيم بن أنس ، أخبرنا علي بن عبيد الله بن طوق ، حدثنا أبو جابر زيد بن عبد العزيز بن حيثان حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار ، حدثنا المعافى بن عمران ، حدثنا هشام بن سعد ، عن عمر بن أسيد ، عن ابن عمر قال : كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة ، ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ولقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن أكون أعطيتهن أحب إليّ من حمر النعم : زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته ، وأعطاه الراية يوم خيبر ، وسد الأبواب من المسجد إلا باب علي .
أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء الثقفي ، أخبرنا أبو علي قراءة عليه وأنا حاضر أسمع ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا أبو بكر بن خلاد ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة "ح" قال : أبو نعيم : وحدثنا عبد الله بن الحسن بن بندار ، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قالا : حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم الجبل ، فقال : " اثبت فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان " .
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي ، أخبرنا أبو العشائر محمد بن الخليل بن فارس القيسي ، أخبرنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت ، حدثنا علي بن داود القنطري ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر الشعبي ، عن الحارث ، عن علي بن أبي طالب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر فقال : " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين ، لا تخبرهما يا علي " .
قال : وأخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان ، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } " التوبة : 119 " مع أبي بكر وعمر .
قال : وأخبرنا خيثمة بن سليمان ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر الشعبي ، عن أبي جحيفة السوائي قال : قال علي : يا وهب ، ألا أخبرك بخير هذه الأمة بعد نبيها ؟ أبو بكر، وعمر ، ورجل آخر .
وقد روى نحو هذا محمد بن الحنفية ، عن أبيه .
قال : وأخبرنا خيثمة ، حدثنا أحمد بن سليمان الصوري ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا يوسف بن الصباح ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، حدثنا سعيد الفافلاني ، عن الحسن ، عن أنس قال : تناول النبي صلى الله عليه وسلم من الأرض سبع حصيات فسبحن في يده ، ثم ناولهن أبا بكر فسبحن في يده ، كما سبحن في يد النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ناولهن النبي صلى الله عليه وسلم عمر فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر ، ثم ناولهن عثمان فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر وعمر .
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي ، أخبرنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة العلوي ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي قالا : أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن القاسم ، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان ، أخبرنا جعفر بن محمد القلانسي بالرملة ، أخبرنا داود بن الربيع بن مصحح ، أخبرنا حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم صائماً " ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : " من تصدق بصدقة " ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : " من شهد جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : " من أطعم اليوم مسكيناً " ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : " من جمعهن في يوم واحد وجبت له - أو غفر له - " .
قال : وحدثنا خيثمة ، حدثنا محمد بن الحسين الحنيني ، أخبرنا عارم أبو النعمان ، حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : وفد ناس من أهل الكوفة وناس من أهل البصرة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : فلما نزلوا المدينة تحدث القوم بينهم إلى أن ذكروا أبا بكر وعمر ، ففضل بعض القوم أبا بكر على عمر ، وفضل بعض القوم عمر على أبي بكر ، وكان الجارود بن المعلى ممن فضل أبا بكر على عمر . فجاء عمر ومعه درته فأقبل على الذين فضلوه على أبي بكر ، فجعل يضربهم بالدّرّة ، حتى ما يتقي أحدهم إلا برجله ، فقال له الجارود : أفق أفق يا أمير المؤمنين ، فإن الله عز وجل لم يكن يرانا نفضلك على أبي بكر ، وأبو بكر أفضل منك في كذا ، وأفضل منك في كذا . فسري عن عمر ثم انصرف . فلما كان من العشي صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ألا أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفترٍ ، عليه ما على المفتري .
قال : وحدثنا خيثمة ، حدثنا هلال بن العلاء ، حدثنا أبي ، حدثنا إسحاق الأزرق ، حدثنا أبو سنان ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن النزال بن سبرة الهلالي قال : وافقنا من علي طيب نفس ومزاح ، فقلنا : يا أمير المؤمنين ، حدثنا عن أصحابك . قال : كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي . قلنا : حدثنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : سلوني . قلنا : حدثنا عن أبي بكر . قال ذاك امرؤٌ سماه الله عز وجل صديقاً على لسان جبريل ولسان محمد صلى الله عليه وسلم ، كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة ، رضيه لديننا ، فرضيناه لدنيانا .
علمه رضي الله عنه
أخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم ، أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو بكر الحاسب ، أخبرنا أبو محمد ، أخبرنا أبو عمر بن حيوية ، أخبرنا أحمد بن معروف ، أخبرنا الحسين بن القهم ، حدثنا محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، عن يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر أنه سئل : من كان يفتي الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أبو بكر وعمر ، ما أعلم غيرهما .
أخبرنا أحمد بن عثمان بن أبي علي المقري ، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو بكر بن مردويه الحافظ ، حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا فليح بن سليمان ، ثم سام أبو النضر ، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فقال : " عن رجلاً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عند " . فبكى أبو بكر ، فتعجبنا لبكائه أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل قد خيّر - وكان من المخير صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو بكر أعلمنا به – فقال : " لا تبك يا أبا بكر ، إن أمن الناس في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذته خليلاً ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سد ، إلا باب أبي بكر " .
زهده وتواضعه وإنفاقه رضي الله عنه
أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن قال : أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الحسن بن إبراهيم ، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد الهمداني ، أخبرنا أبو بكر خليل بن هبة الله بن الخليل ، أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن بن القاسم بن درستويه ، حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل ، أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجورجاني ، حدثني الحسين بن عيسى ، حدثنا عبد المد بن عبد الوارث ، حدثنا عبد الواحد بن زيد ، حدثني أسلم الكوفي ، عن مرة ، عن زيد بن أرقم قال : دعا أبو بكر بشراب ، فأتي بماء وعسل ، فلما أدناه من فيه نحاه ، ثم بكى حتى بكى أصحابه ، فسكتوا وما سكت . ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا يقوون على مسألته ، ثم أفاق فقالوا : يا خليفة رسول الله ، ما أبكاك ؟ قال : " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ، يدفع عن نفسه شيئاً ، ولم أر أحداً معه ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذا الذي تدفع ، ولا أرى أحداً معك ؟ قال : " هذه الدنيا تمثلت فقلت لها : إليك عني " . فتنحت ثم رجعت ، فقالت : أما إنك إن أفلت فلن يفلت من بعدك " . فذكرت ذلك فمقت أن تلحقني .
قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو السعود أحمد بن علي بن محمد بن المجلي ، حدثنا محمد بن محمد بن أحمد العكبري ، حدثنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن خلف بن خاقان ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد ، أخبرنا أبو حاتم ، عن الأصمعي قال : كان أبو بكر إذا مدح قال : اللهم أنت أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون " .
قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أخبرنا أبو بكر بن الطبري ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا الحسين بن صفوان ، أخبرنا أبو بكر القرشي ، حدثنا الوليد بن شجاع السكوني وغيره ، حدثنا " أبو " أسامة ، عن مالك بن مغول سمع أبا السفر قال : دخلوا على أبي بكر في مرضه فقالوا : يا خليفة رسول الله ، ألا ندعوا لك طبيباً ينظر إليك ؟ قال : قد نظر إليّ . قالوا : ما قال لك ؟ قال : إني فعال لما أريد .
أخبرنا أبو العباس أحمد بن عثمان ، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ ، حدثنا ميمون بن إسحاق بن الحسن الحنفي ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار هو العطاردي ، حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما نفعني مال قط ، ما نفعني مال أبي بكر " . فبكى أبو بكر وقال : وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله ؟ .
قال : وأخبرنا أبو بكر بن مردويه ، حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم ، حدثنا عمر بن عبد الرحيم ، حدثنا محمد بن الصباح ، حدثنا موسى بن عمير القرشي ، عن الشعبي قال : لما نزلت : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } . . . " البقرة : 271 " إلى آخر الآية قال : جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوس الناس ، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد يخفيه من نفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت لأهلك ؟ قال : عدة الله وعدة رسوله ". قال : يقول عمر لأبي بكر : بنفسي أنت وبأهلي أنت ، ما استبقنا باب خير قط إلا سبقتنا إليه .
وقد رواه أبو عيسى الترمذي ، هارون بن عبد الله البزاز ، عن الفضل بن دكين ، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ، ووافق ذلك مالاً عندي ، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته . قال : فجئت بنصف مالي ، فقال : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله . وجاء أبو بكر بكل ما عنده ، فقال : يا أبا بكر ، ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله . قلت : لا أسبقه إلى شيء أبداً .
أخبرنا القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي إجازة ، أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أخبرنا أبو بكر بن الطبري ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب ، حدثنا أبو بكر الحميدي ، حدثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : أسلم أبو بكر وله أربعون ألفاً ، فأنفقها في الله ، وأعتق سبعة كلهم يعذب في الله : أعتق بلالاً ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية ، وابنتها ، وجارية بني مؤمل ، وأم عبيس .
زنِّيرة : بكسر الزاي ، والنون المشددة ، وبعدها ياء تحتها نقطتان ، ثم راء وهاء .
وعُبيْس : بضم العين المهملة ، وفتح الباب الموحدة ، والياء الساكنة تحتها نقطتان ، وآخره سين مهملة .
قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو القاسم الواسطي ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، حدثني الحسن بن علي ببن محمد الواعظ ، حدثنا أبو نصر إسحاق بن أحمد بن شبيب البخاري ، حدثنا أبو الحسن نصر بن أحمد بن إسماعيل بن سايح بن قوامة ببخارى ، أخبرنا جبريل بن منجاع الكشاني بها ، حدثنا قتيبة ، حدثنا رشدين ، عن الحجاج ، بن شداد المرادي ، عن أبي صالح الغفاري : أن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء ، في بعض حواشي المدينة من الليل ، فيستقي لها ويقوم بأمرها ، فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها ، فأصلح ما أرادت . فجاءها غير مرة كلا يسبق إليها ، فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الصديق الذي يأتيها ، وهو يومئذ خليفة . فقال عمر : أنت هو لعمري !! قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو محمد الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا الفضيل بن يحيى ، أخبرنا أبو محمد بن أبي شريح ، أخبرنا محمد بن عقيل بن الأزهر ، حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن حبيب بن عبد الرحمن ، سمع عمته أنيسة قالت : نزل فينا أبو بكر ثلاث سنين : سنتين قبل أن يستخلف ، وسنة بعدما استخلف فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن ، فيحلبهن لهن .
قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو بكر الأنصاري ، حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا محمد بن العباس ، أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحسن بن القهم ، حدثنا محمد بن سعد ، أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن مورق عن أبي سعيد بن المعلى قال : سمعت ابن المسيب قال : - وأخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن صبيحة ، عن أبيه (ح) قال : وأخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا عبد الرحمن بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ، سنة إحدى عشرة وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير ، من بني الحارث بن الخزرج ، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى المدينة ، وأقام هناك بالسنح بعد ما بويع له سبعة أشهر ، يغدو على رجليه وربما ركب على فرس له ، فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس فإذا صلى العشاء الآخرة رجع إلى أهله . وكان يحلب للحي أغنامهم ، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي : الآن لا يحلب لنا منائحنا . فسمعها أبو بكر فقال : بلى ، لعمري لأحلبنها لكم ، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه . فكان يحلب لهم ، فربما قال للجارية : أتحبين أن أرغي لك أو أن أصرح ؟ " فربما قالت : أرغ . وربما قالت صرح " فأي ذلك قالت فعل .
وله في تواضعه أخبار كثيرة ، نقتصر منها على هذا القدر .
خلافته
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي ، أخبرنا أبو العشائر محمد بن الخليل بن فارس القيسي ، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف بن أبي حبيب ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت ، حدثنا أحمد بن بكرويه البالسي ، حدثنا داود بن الحسن المدني ، حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رأيتني على حوض ، فوردت عليّ غنم سود وبيض ، فأولت السود : العجم ، والعفر : العرب ، فجاء أبو بكر فأخذ الدلو مني ، فنزع ذنوباً أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعفٌ ، والله يغفر له ، فجاء عمر فملأ الحوض وأروى الوارد " .
قال : وأخبرنا عبد الرحمن بن عثمان ، حدثنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة حدثنا الحسن بن حميد بن الربيع الخراز ، حدثنا إبراهيم عن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن جده سلمة ، عن أبي الزعراء ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر " .
قال : وحدثنا خيثمة ، حدثنا أحمد بن ملاعب البغدادي ، أخبرنا خلف بن الوليد ، أخبرنا المبارك بن فضالة ، حدثني محمد بن الزبير قال : أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء ، فصعدت إليه فإذا هو متكئ على وسادة من أدم ، فقلت : أرسلني إليك عمر أسألك عن أشياء ، فأجابني فيما سألته عنه ، وقلت : اشفني فيما اختلف الناس فيه : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ؟ فاستوى الحسن قاعداً فقال : أو في شك هو لا أبا لك ؟ إي والله الذي لا إله إلا هو ، لقد استخلفه ، ولهو كان أعلم بالله ، وأتقى له ، وأشد مخافة من أن يموت عليها لو لم يأمره .
أخبرنا منصور بن أبي الحسن الطبري بإسناده إلى أبي يعلى ، " حدثنا زكريا بن يحيى " ، حدثنا يوسف بن خالد ، حدثنا موسى بن دينار المكي ، حدثنا موسى بن طلحة ، عن عائشة بنت سعد ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليصل أبو بكر بالناس . قالوا : لو أمرت غيره ؟ قال : لا ينبغي لأمتي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر " .
أخبرنا إسماعيل بن علي ، وإبراهيم بن محمد وغيرهما ، بإسنادهم إلى أبي عيسى السلمي : حدثنا النصر بن عبد الرحمن الكوفي ، حدثنا أحمد بن بشير ، عن عيسى بن ميمون الأنصاري ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره " .
قال : وحدثنا أبو عيسى حدثنا عبد بن حميد ، أخبرني يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم أن أباه جبير بن مطعم أخبره : أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم في شيءٍ فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال : " إن لم تجديني فأتي أبا بكر " .
أخبرنا أحمد بن عثمان بن أبي علي المقري ، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد ، أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد ، حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا محمد بن سليمان المالكي ، حدثنا يوسف بن محمد بن يوسف الواسطي ، حدثنا محمد بن أبان الواسطي ، حدثنا شريك بن عبد الله النخعي ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن البصري ، عن علي بن أبي طالب قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فصلى بالناس ، وإني لشاهد غير غائب ، وإني لصحيح غير مريض ، ولو شاء أن يقدمني لقدمني ، فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا " .
أخبرنا أبو القاسم يعيش بن صقة بن علي الفقيه الشافعي ، أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد البزاز ، أخبرنا عيسى بن علي بن عيسى الوزير ، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي ، حدثنا وهب بن بقية ، أخبرنا إسحاق الأزرق ، عن سلمة بن نبيط ، عن نعيم بن أبي هند ، عن نبيط - يعني ابن شريط - عن سالم بن عبيد - وكان من أصحاب الصفة - : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد مرضه أغمي عليه ، فلما أفاق قال : " مروا بلالاً فليؤذن ، ومروا أبا بكر فليصل بالناس " - قال : ثم أغمي عليه ، فقالت عائشة : إن أبي رجل أسيف ، فلو أمرت غيره ؟ فقال : " أقيمت الصلاة " ؟ فقالت عائشة : يا رسول الله ، إن أبي رجل أسيف ، فلو أمرت غيره ؟ قال : " إنكن صواحبات يوسف ، مروا بلالاً فليؤذن ، ومروا أبا بكر فليصل بالناس " . ثم أفاق فقال : " أقيمت الصلاة " ؟ قالوا : نعم . قال : " ادعو إليّ إنساناً أعتمد عليه ". فجاءت بريرة وإنسان آخر ، فانطلقوا يمشون به ، وإن رجليه تخطان في الأرض قال : فأجلسوه إلى جنب أبي بكر ، فذهب أبو بكر يتأخر ، فحبسه حتى فرغ الناس ، فلما توفي قال - وكانوا قوماً أميين لم يكن فيهم نبي قبله - قال عمر : " لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا " ؟! قال فقالوا له : اذهب إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه ، يعني أبا بكر . قال : فذهبت فوجدته في المسجد ، قال : فأجهشت أبكي ، قال : لعل نبي الله توفي ؟ قلت : إن عمر قال : " لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا " ! قال : فأخذ بساعدي ثم أقبل يمشي ، حتى دخل ، فأوسعوا له . فأكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد وجهه يمس وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر نفسه حتى استبان أنه توفي . فقال : { إنك ميتٌ وإنهم ميتون } " الزمر : 30 " قالوا : يا صاحب رسول الله ، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . فعلموا أنه كما قال . قالوا : يا صاحب رسول الله ، هل يصلى على النبي ؟ قال : نعم ، قال : يجيء نفرٌ منكم فيكبرون فيدعون ويذهبون حتى يفرغ الناس . فعلموا أنه كما قال : قالوا : يا صاحب رسول الله ، هل يدفن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قالوا : أين يدفن ؟ قال : حيث قبض الله روحه ، فإنه لم يقبضه إلا في موضع طيب . قال : فعرفوا أنه كما قال . ثم قال : عندكم صاحبكم .
ثم خرج ، فاجتمع إليه المهاجرون - أو من اجتمع إليه منهم – فقال : انطلقوا إلى إخواننا من الأنصار ، فإن لهم في هذا الحق نصيباً . قال : فذهبوا حتى أتوا الأنصار ، قال : فإنهم ليتآمرون إذ قال رجل من الأنصار : " منا أميرٌ ومنكم أمير " فقام عمر وأخذ بيد أبي بكر ، فقال : " سيفان في غمد إذن لا يصطحبان ، ثم قال : من له هذه الثلاثة : { إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } " التوبة : 40 " مع من ؟ فبسط يد أبي بكر فضرب عليها ، ثم قال للناس : بايعوا . فبايع الناس أحسن بيعة " .
أخبرنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده عن عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار : " منا أمير ومنكم أمير " فأتاهم عمر فقال : " يا معشر الأنصار ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم الناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ فقالوا : " نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر " .
أخبرنا القاسم بن علي الدمشقي ، عن أبيه ، أخبرنا أبو طالب علي بن عبد الرحمن ، حدثنا أبو الحسن الخلعي ، أخبرنا أبو محمد بن النحاس ، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدثنا مشرف بن سعيد الواسطي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله قال : كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر ، قال : " أنشدكم بالله ، أمر أبو بكر أن يصلي بالناس ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : فأيكم تطيب نفسه أن يزيل عن مقامه الذي أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : كلنا لا تطيب أنفسنا ، نستغفر الله ! .
وقد ورد في الصحيح حديث عمر في بيعة أبي بكر ، وهو حديث طويل ، تركناه لطوله وشهرته .
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجت مكة ، فسمع بذلك أبو قحافة فقال : ما هذا ؟ قالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أمر جليل ، فمن ولي بعده ؟ قالوا : ابنك . قال : فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة ؟ قالوا : نعم . قال : لا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما منع .
وكان عمر بن الخطاب أول من بايعه ، وكانت بيعته في السقيفة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كانت بيعة العامة من الغد . وتخلف عن بيعته : علي ، وبنو هاشم ، والزبير بن العوام ، وخالد بن سعيد بن الوقاص ، وسعد بن عبادة الأنصاري ، ثم إن الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سعد بن عبادة ، فإنه لم يبايع أحداً إلى أن مات . وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر على القول الصحيح ، وقيل غير ذلك .
وقام في قتال أهل الردة مقاماً عظيماً ذكرناه في الكامل في التاريخ .
أخبرنا عبد الوهاب بن هبة الله بإسناده إلى عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا مسعر وسفيان ، عن عثمان بن المغيرة ، عن علي بن ربيعة ، عن أسماء بن الحكم الفزاري قال : سمعت علياً يقول : كنت إذا سمعت عن رسول صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني ، فإذا حدثني عنه غيره أستحلفه ، فإذا حلف لي صدقته ، وإنه حدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يذنب فيتوضأ فيحسن الوضوء - قال مسعر : ويصلي ، وقال سفيان : ثم يصلي - ركعتين فيستغفر الله إلا غفر له " .
وفاته
قال ابن إسحاق ، " توفي أبو بكر " رضي الله عنه ، يوم الجمعة ، لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة ، سنة ثلاث عشرة ، وصلى عليه عمر بن الخطاب .
وقال غيره : توفي عشي يوم الاثنين . وقيل : ليلة الثلاثاء . وقيل : عشي يوم الثلاثاء ، لثمان بقين من جمادى الآخرة .
وأخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم إجازة ، أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد ، حدثنا شجاع بن علي ، أخبرنا أبو عبد الله بن منده قال : ولد - يعني أبو بكر- بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياماً ، ومات بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأشهر بالمدينة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة . وكان رجلاً أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه غائر العينين ، ناتئ الجبهة ، يخضب بالحناء والكتم . وكان أول من أسلم من الرجال ، وأسلم أبواه له ، ولوالديه ولولده وولد ولده صحبة ، رضي الله عنهم .
قال : وأخبرنا أبي ، أخبرنا أبو بكر الفرضين أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا أبو عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف ، أخبرنا الحسين بن القهم حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، حدثني ليث بن سعد ، عن عقيل ، عن ابن شهاب أن أبا بكر ، والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر ، فقال الحارث : ارفع يدك يا خليفة رسول الله ، والله إن فيها لسم سنة ، وأنا وأنت نموت في يوم واحد . قال : فرفع يده ، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد ، عند انقضاء السنة .
قال : وأخبرنا أبي بإسناده عن محمد بن سعد ، حدثنا محمد بن عمر ، حدثنا محمد بن عبد الله ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان أول " ما بدئ " مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين ، لسبع خلون من جمادى الآخرة - وكان يوماً بارداً - فحم خمسة عشر يوماً ، لا يخرج إلى صلاة ، وكان يأمر عمر يصلي بالناس ، ويدخل الناس عليه يعودونه وهو يثقل كل يوم " وهو نازل يومئذ في داره التي قطع له النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاه دار عثمان بن عفان اليوم " ، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه ، وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادة الآخرة سنة ثلاث عشرة ، فكانت خلافته سنتين ، وثلاثة أشهر وعشر ليال وكان أبو معشر يقول : سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ، مجمع على ذلك في الروايات كلها ، استوفى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " وكان أبو بكر ولد بعد الفيل بثلاث سنين " .
وهو أول خليفة كان في الإسلام ، وأول من حج أميراً في الإسلام ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة سنة ثمان ، وسيّر أبو بكر يحج بالناس أميراً سنة تسع ، وهو أول من جمع القرآن ، وقيل : علي بن أبي طالب أول من جمعه ، وكان سبب جمع أبي بكر للقرآن ما ذكرناه في ترجمة عثمان بن عفان ، وهو أول خليفة ورثة أبوه .
وقال زياد بن حنظلة : كان سبب موت أبي بكر الكمد على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومثله قال : عبد الله بن عمر .
ولما حضره الموت استخلف عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما ، وقد ذكرنا ذلك في ترجمة عمر ، رضي الله عنه .
المرجع
أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير