شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : المدافن الركامية


ثروت كتبي
01-30-2011, 02:43 PM
المدافن الركامية



تنتشر منشآت المدافن الركامية في شبه الجزيرة العربية انتشاراً واسعاً يبدأ من أطرافها الشمالية وحتى أطرافها الجنوبية ومن سواحلها الغربية حتى سواحلها الشرقية. وهذه الظاهرة توجد خارج شبه الجزيرة العربية في أغلب بلدان العالم القديم ولكن وجودها في الجزيرة العربية كافة وبتنوعها شكلاً وحجماً ومكان وجودها يجعلها مهداً. وأماً لتلك الظاهرة المعمارية الجنائزية التي ربما أنها تحكي قصة إنسان تناسل عبر آلاف السنين وارتبط بمعتقدات دينية تؤمن بالحياة بعد الموت أو بمعنى آخر البقاء بعد الموت، بقاء الروح دون الجسد الذي يعرف أن ماله رميم. وعليه فإن ظاهرة المنشآت الركامية حجرية أو ترابية في الجزيرة العربية ظاهرة تستدعي الاهتمام لسببين: أولها: كونها تخفي أسراراً موغلة في القدم، إنسان اليوم في شوق لمعرفتها بل يقتله الهيام ليكتشف تلك الأسرار أو جزءاً منها. وثانيها: لأنها ظاهرة حضارية تستحق أن تبقى ليشاهدها من يريد أن يتعظ ويعتبر بنهاية الإنسان، هذا إلى جانب أنها من المقومات الأولى للسياحة الأثرية نظراً إلى وجودها بكميات مكوناتها آلاف الوحدات وتنوع الطرز والأشكال بالمكان الواحد علاوة على أنها توجد في أماكن قريبة من المراكز الحضارية إن لم تكن بين مزارعها وبيوتها.

والبين أن ما يبقى من الحضارات القديمة هي: إما الظواهر التي تزحف عليها الرمال وتخفيها، أو الظواهر القوية التي تستطيع أن تقاوم العوامل الطبيعية الهادمة وجور الإنسان الذي لا يوقفه إلا جبروت خصمه، وعليه فجبروت هذه الظواهر أوقفت التدمير الإنساني وهزمته ردحاً من الزمن إلا أنها بدأت تهرب من أمامه بفعل جبروت آلاته الحديثة وليس لها في الهروب نجاة إلا أن جاء من يساندها لتبقى.
وخلال مائة عام وأكثر تراكمت معلومات كثيرة عن تلك المنشآت المعمارية ساهم في تقديمها رجال يحدوهم الولع وحب المعرفة ومنهم الرحالة الغربيون وموظفو الشركات البترولية والجيولوجية الميدانيين وباحثو وكالة الآثار والمتاحف السعودية والباحثون السعوديون على اختلاف مستوياتهم واهتماماتهم.
وتدل الدراسات الميدانية أن مواطن تلك المنشآت هي مواطن الحضارات القديمة فإما أن تكون أماكن غنية بالمياه زراعية ورعوية أو أن تكون مراكز تجارية تربط بين مراكز حضارية رئيسة. ومن بين مواطن ظاهرة المدافن الركامية جزيرة البحرين التي تشتمل على أعداد ضخمة منها، وتنتشر بشكل ملحوظ في الجمهورية العربية اليمنية، وفي السلطنة العمانية، وفي الإمارات العربية المتحدة، وفي أغلب مناطق المملكة العربية السعودية.


ويتوافر عدد كبير من الدراسات الميدانية التي اهتمت بهذه الظاهرة إلا أن حجم الظاهرة يتطلب أضعاف ما تم القيام به حتى الآن. وقمت بالعديد من القراءات للاستفادة منها في كتابة العمل الذي أشرف على تنفيذه لصالح دارة الملك عبدالعزيز تحت مسمى «توثيق المنشآت الحجرية في محيط عين فرزان» فوجدت أن هناك أعمالاً ميدانية جيدة تدل على سعة انتشار هذه الظاهرة وأهميتها، وتدل على أننا أمام مجال واسع يتطلب منا تنفيذ الكثير من الأعمال الميدانية. ولعل من أهم الأعمال التي أطلعت عليها بهذا الخصوص عمل قامت به بعثة ألمانية في مواقع المنشآت الحجرية في اليمن دلني عليه زميلي الأستاذ الدكتور سعيد بن فايز السعيد، والعمل المذكور يتكون من مجلدين نشر لهما الدكتور السعيد قراءة باللغة العربية ظهرت في مجلة أدوماتو الصادرة عن مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية. وعملت بعثة أثرية أمريكية ميدانية دراسة لواحد من المواقع الضخمة في اليمن نشرت عليه تقارير في حولية ندوة دراسات الجزيرة العربية التي تقام سنوياً في بريطانيا. يضاف إلى الذي مرّ الرسائل العلمية المنجزة على وحدات معمارية من المنشآت الركامية مثل رسائل بشير السباعي ومحمد النجم وعبدالعزيز صويلح، والتقارير الأثرية العديدة التي نشرت في الحوليات الصادرة عن الجهات المسؤولة عن الآثار في دول الخليج العربي مثل تقارير وكالة الآثار والمتاحف السعودية المنشورة في حولية أطلال، والتقارير التي تنشر في مجلة «الدراسات العمانية» في عمان، ومجلة «الآثار في الإمارات العربية المتحدة»، ومجلة «دلمون» في البحرين، ومجلة «ريدان، والاكليل، ودراسات يمنية» في الجمهورية العربية اليمنية. ولقد اهتمت دارة الملك عبدالعزيز بهذه الظاهرة فتبنت مشروعين من المشاريع العلمية التي تسعى إلى تقديم دراسات ميدانية توثيقية عن بعض مواقع المنشآت الركامية، وذلك مثل مشروع تتبع مسارات الطرق القديمة وتوثيق المنشآت التي تقوم عليها، ومشروع توثيق المنشآت الحجرية في محيط عين فرزان محافظة الخرج في منطقة الرياض. الحديث في ظاهرة المنشآت الركامية يُطرب ولا يُمل لما يجره من تساؤلات عن قوم خلفوا لنا ما نقف أمامه مندهشين من متانته وقدرته على البقاء لآلاف السنين. ولنا أمل كبير في الهيئة العليا للسياحة بعد إتمام دمج وكالة الآثار والمتاحف بأن تقوم بالشروع بمشروع عملاق تعمل فيه عدة فرق ميدانية كل فرقة تعمل في منطقة من مناطق المملكة العربية السعودية التي تحتوي على هذه الظاهرة لتقديم دراسة مفصلة عنها.





المصدر
جريدة الرياض