شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : بيوت العرب ومساكنهم عند ظهور الإسلام


جمانة كتبي
04-13-2011, 09:03 PM
بيوتُ العرب ومساكنُهم عندَ ظهور الإسلام

وُصِفت بيوتُ العربِ القديمةُ ومساكنُ أهلِ باديتِهم عندَ أهلِ الأخبَارِ وَوَصَّافي البُلدَانِ بأنها كانتْ تُقَامُ مِمَّاكَانَ يَتَوفَّرُ لدَيْهِمْ منْ موادَّ أوليّةٍ مَحَلّيّةٍ كعِيدَانِ الأشْجارِوشَذَبَها(1) ، وجُلودِ الحيوانِ وأصْوافِها، وأتْرِبَةِ الأوْدِيةِ وأحْجارِها، وغيرِ ذلكَ من الموادّ الأخرى المتوفرةِ في الباديةِ التي يسهلُ العثورُ عليها،ويتَيَسّرُ تَثْقِيفُها واسْتِعمَالُها.
وقديماً ذَكَر ابنُ رشيقٍ أنّ الأعرابَ "كانُوا يحْمِلون خيامَهم من نباتِ الأرض التي يَنْزِلون بها، فإذا رَحَلُوا تَرَكوهُ، واسْتَأنَفُوا غيْرَهُ منْ شجَرِ البَلَدِ الذي يَنْزِلونَ به"(2). وَعَقَدَ الآلوسِيُّ في كتابِه بلوغ الأرَبِ(3) فصلاً أفْرَدَهُ للحديث عن بيوتِ أهلِ البادية فَوَصفَ مَساكنَهم على لسانِ حُكمائِهم الأقْدَمينَ قَائِلاً: "وكانَتْ بيوتُ العربِ علَى عَشرَةِ أنْحَاء: خِبَاءٌ منْ صُوفٍ، وَبِجَادٌ منْ وَبَرٍ، وَفُسْطَاطٌ منْ شَعَرٍ، وَسُرادِقٌ منْ قُطْنٍ، وَقَشْعٌ مِن جِلْدٍ، وَطِرَافٌ منْ أدِيمٍ، وَحَظِيرَةٌ منْ شَذَبٍ، وَخْيَمَةٌ منْ عِيدَانٍ،وَأقِنَّةٌ منْ حَجَرٍ، وَكُبَّةٌ منْ لَبِنٍ".
فأمّا الخباءُ فيكونُ من الصُّوفِ أو الشّعَر، وقد يكونُ كبيراً أو صغيراً فيحمِلهُ عمُودَانِ أوْ ثلاثةٌ أوْ أكْثر، وقد يكونُ مِنْ أَدَمٍ كَما جاءَ في قولِ مُهَلْهِل:

أنكَحَها فَقْدُها الأرَاقِمَ في *** جَنْبٍ، وكان الخِبَاءُ مِن أَدَمِ(4)

وقد نَوَّه القرآنُ الكريمُ ببيوتِ العرب التي كانوا يتخذونها من جلود الأنعام، فَبَيَّنَ أنها كانتْ بسيطةَ الصُّنع، خفيفةَ الوَزْن بحيث يسهلُ نصبُها للإقامة، كما يسهلُ تفكيكُها وحَمْلها يومَ الظّعْنِ، قالَ تعَالى: {والله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيوتِكمْ سَكَناً وَجَعَلَ لكُمْ مِنْ جُلودِ الأنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظعْنِكُمْ وَيَوْمَ إٍقامَتِكُمْ، وَمِنْ أصْوَافِهَا وَأوْبَارِهَا وَأشْعَارِهَا أثاثاً وَمَتَاعاً إلى حِينٍ}(5).
أما البِجَادُ فيكون من الوَبَر ، ويكونُ الفُسطاط من الشَّعَر ، وقد عُرف الكبير منهابـ (المضرب) وبـ (الفُسطاط العظيم ) ، وكان ـ على ما يبدو ـ خاصّاً بالملوك وبأصحاب الجاهِ والعِزِّ والمكانةِ(6).
أما السُّرادق فكان من القُطْن، وهو عند أهل اللغة ما يُمَدّ فوق صَحن الدار، أو كلُّ ما يحيط بِشيْءٍ من حائطٍ أو مضرِبٍ أوخِباءٍ(7)؛ أما القَشْعُ فكانت العربُ تتّخذه من الجلد اليابسِ، على ما يفهم منقول الشاعر:

ولاَ بَرَماً تُهْدِي النساءُ لِعِرْسِه *** إذا القَشْعُ منْبَرْدِ الشتاء تَقَعْقَعا(8)

أما الطِّراف فهي بيوت الأغنياء خاصة، وكانوا يتخذونها من الأديم(9) . أما الحَظِيرةُ أو العَرِيشُ فهو بيتٌ كانوا يتّخذونه من جريدِ النخل أو من شَذَبِ الأشجار ، وكان يعمل للإبل وغيرها من المواشي لتقيها من البرد والريح (10) ، مثل عَريش الآراك "الذي أقامَهُ نبيُّ اللهِ إبراهيمُ عليه السلامُ بإٍزاء الكعبةِ كيْ تقْتحمَه العنزُ ويكونَ زَرْباً لغنَمِ إسماعيلَ(11).

ومن بيوت العرب كذلك، الخيْمَةُ. وهي ـ كما نفهم من وصف اللّغويِّين لها ـ تكونُ كالبيت من الثياب، ترفعها أعمدةٌ من خشبٍ، ولها أسماء مختلفة حسب موقعها(12) . وقد لاحظ أحدُ الرحالة المعاصرين أن سكان البادية بشمال شبه الجزيرة العربية قد حافظوا بشكل يدعو إٍلى الإعجاب على عوائد أجدادهم في اتخاذ الخيام للسكنى، وفي طُرُقِ ضَرْبِها وبِنائها(13) ، ولاحظ هذا الرحالة كذلك ، أنَّ الخيمة قد تُقَسَّم قِسميْن أو أكثرَ على قدْرِ كِبَرها، فيخصّص جزءٌ منها للضيوفِ وآخرٌ للنساءِ فَـيُدْعى الفاصلُ بينهُما (ساحةً)، وهو قطعة من منسوجِ الشَّعَر كالخيمةِ يُسدل عادة من الشرق إلى الغرْب، ويُدْعى قسمُ النساء أو الأسرة ( مَحْرَماً ) وقسمُ الضيوفِ (شُقَّةً)( 14).
ومنْ جهةٍ أخرى، يعتقد المؤرخون أنَّ في سعة الخيمة دلالةً على منزلةِ صاحبِها ومكانته وثرائه، فالساداتُ والأشرافُ والأغنياءُ تُضْرَب لهم قِبَبٌ خاصّة تكون من الأَدَم (15)، وهو الجِلد الأحمر المدبوغ ، وقد تكون هذه القبابُ عظيمة بحيث تحتاج القبَّةُ الواحدة إلى مِئاتِ الجلود، ففي روايةٍ لابن الكَلبي " أنَّ كعبة نجرانَ كان بها أساقفة مقيمونَ ، وكانت قبَّةً من أَدَمٍ من ثلاثمائة جِلْدٍ" (16) ، ولهذا لم تكنِ القِبابُ معروفة في الجاهلية إلاَّ للملوكِ ، وقد وصف امرؤُ القيسِ آباءَه - الذين كانوا ملوكاً - بأصحابِ القِباب، وقال في قصيدةٍ من ديوانِه:

أبَعْدَ الحارِثِ المَلِكِ ابْنِ عَمْروٍ *** وَبَعْد الخيْرِ حُجْرٍ ذِي القِبَابِ(17)

وقد استنتج أحدُ الباحثين المعاصرين أن القُبّة التي كانت في شكل بيت صغير مستدير له سقف مُدبَّبٌ هيَ التي أوْحَتْ للبنائين العرب بِإقامَةِ القِباب التي أصحبتْ عنصراً مميزاً من عناصرِ العمارةِ الإسلامية وخاصة في المساجد(18). أما المِظلَّة فكانتْ ضرْباً من الخِباء الكبير، ولمْ تكنْ إلاّ من الثيابِ، وهي كبيرةٌ ذاتُ رِواقٍ(19) ، وربما كانت شُقَّةً وشُقّتين وثلاثاً(20)، ومن بيوتِ العرب كذلك الأُقْنَةُ، هو بيت يُبْني من حَجَرٍ(21) ، أما الكُبّة فهو بيتٌ من لَبِن(22).



الهوامش:
(1) الشذب هيَ العيدانُ التي تكون في الفنون، لسان العرب لابن منظور، مادة (فنن). والشذب أيضاً: جمع شذبة بالتحريك ، وهو ما يقطع مما تفرق من أغصان الشجر و لم يكن في لبه (محمود شكري الآلوسي، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، تحقيق محمد بهجت الأثري، بيروت، 1924،ج3 ، ص 394.
(2) محمد الأمين، القيم الفنية في شعر ذي الرمة، بحث لنيل دبلوم الدراسات الجامعية العليا في الآداب، نسخة مرقونة بكلية الآداب بفاس، ص 49.
(3) بلوغ الأرب ، ج 3 ، ص ص 393 - 394 .
(4) لسان العرب، مادة ( أبن).
(5) النحل ، الآية 80.
(6)جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دارالعلم للملايين، بيروت، 1976، ج 5 ، ص ص: 7 - 8.
(7) اللسان ، مادة ( سردق )؛ بلوغ الأرب، ج 3 ، ص 393 .
(8) اللسان ، مادة (برم ). و انظر شرح هذا البيت فيبلوغ الأرب، ج 1 ، هامش ص 71.
(9) بلوغ الارب، ج3 ، ص 394.
(10) اللسان ، مادة (عرش )؛ بلوغ الارب ، ج 3 ، ص 394.
(11) الديار بكري ، تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس ، مؤسسة شعبان، بيروت، بدون تاريخ، ج 1 ، ص 100 .
(12) الخوري بولس سيور البولسي ، عوائد العرب، دار الرائد العربي، بيروت ، 1983 ، ص 27.
(13) المرجع نفسه ، ص 5 ، و انظر أيضا ص 27 فما بعدها.
(14) المرجع نفسه ، ص 28.
(15) المفصل ، ج 5 ، ص 6.
(16) القزويني ،آثار البلاد و أخبار العباد، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ، ص 126.
(17) ديوان امرئ القيس ، تصحيح مصطفى عبد الشافي ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1983 ، ص 44 .
(18) سعد زغلول عبد الحميد ، في تاريخ العرب قبل الإسلام، بيروت، 1976، ص 397.
(19) الرِّواقُ سِترٌ يُمَدُّ دون السّقفِ. اللسان، مادة (روق).
(20) اللسان ، مادة (ظلل ) ، ج 11 ، ص 418 ، طبعة دارصادر.
(21) المصدر نفسه ، مادة (أقن).
(22) بلوغ الارب ، ج3 ، ص394.





الشبكة العنكبوتية