شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : السمانة بمكة المكرمة


ريمة مطهر
04-12-2011, 07:33 PM
السمانة بمكة المكرمة


إعداد السمن من المهن التي مارسها أهل مكة حينما كان السمن الطبيعي كثير الورود إليها ، وهو نوعان : نوع يقولون عنه ( سمن بقري ) أي : مستخرج من لبن البقر ، ويأتيها من جهة الجنوب ، ونوع يقولون عنه ( سمن غنمي ) أي : مستخرج من ألبان الأغنام ويأتيها من الجهات الشرقية ، من مواشي القبائل الضاربة هناك على حدود نجد ، وكانت تشاهد عند ورودهم قربة فاتحة صفين ، عن يمين الصاعد من المسعى إلى سوق المعلاة في أواسط شارع المدعى ، ولأن جمهرة الوزانة - بميزان القباني وهي موازين معروفة - كانت هناك ، وقد كثر توارد السمن البحري في فترة من الزمن من الصومال والسودان وتخصص أشخاص في بيع السمن في سوق الصغير وفي شارع المسعى في حلل من النحاس .

ثم أصبحوا يشترون السمن ويخزنونه في التنكات الكبيرة ، ويلحمون هذه التنكات بحيث يبقى السمن محفوظاً في داخلها ، ثم يبيعونه في الوقت الذي يحتاج إليه الناس .

وكانوا يضعون السمن في قدور خزفية كبيرة ، فإذا حضر المشترون تخيروا الأنواع التي يريدونها ، فهناك السمن البري وهو أفضل أنواع السمن وأغلاها ، ثم السمن البقري الذي يغلب على لونه الاصفرار ، بينما يكون السمن البري أبيض ناصعاً ، وهذا السمن البري كان يستعمل مع الفول المدمس ، ولقلي البيض وعمل بعض الأطعمة التي تعتمد على السمن في معالجة طبخها ، أما السمن البقري فيدخل في الأطعمة الأخرى كالخضار واللحوم وغيرها . قلت : ولاستعمالات أخرى كثيرة ومختلفة .

ويقول الشيخ الكردي : ( وفي المدّعى كان قبل خمسين سنة أي 1335 هـ يباع فيه السمن بالجملة وكان السمن يوضع في القرب وتطرح في الشارع فمن أراد شراء شيء منه أخذ قربة من القرب ووزنها واشتراها بما فيها .

وبالمدّعى بجهة الحرم توجد دار أبي سفيان التي تسمى مستشفى القبان - بتشديد الباء وفتح القاف - وبالفعل كان فيها مرضى وأطباء ، واليوم هي مخزن أدوية وزارة الصحة ؛ أي : في ذلك الوقت .

ونسبة المستشفى للقبان إلى ميزان القبان ، وهو ميزان خاص يوضع بوسط خشبة قوية ويثبت طرفه المتدلي بكيس الدقيق أو الأرز ، أو الحب أو صفيحة السمن أو القربة ونحو ذلك .

ومن أشهر السمانة أيضاً : أحمد كوير والريس وأحمد الفتة ، باجرفان ، محمد باسخي ، بالخضر ، على باهبري .

ومنهم : الشيخ عبد القادر فقيه هو ومعاونه الشيخ حمزة بوقري ، وأبناء فقيه من بعده محمد وعبد الرحمن فقيه ، وقد بدأ الشيخ عبد القادر فقيه العمل في المجال التجاري منذ فترة طويلة تعود إلى 1340 هـ حيث بدأ بتجارة التجزئة حتى تحولت إلى تجارة الجملة ، ثم ازدهرت تجارته وأصبح يتصل ببعض المصدرين في أوروبا ، وعقد معهم اتفاقيات لتوريد بعض البضائع منها الحرير والأصباغ والخيوط القطنية ، ثم توسعت تجارة الشيخ عبد القادر فقيه وأضاف فرعاً جديداً ومستقلاً لتجارة السمن النباتي وذلك في عام 1369 هـ وكانت أول كمية للسمن النباتي لا تزيد على طنين قيمته 180 جنية إسترليني ، حتى أصبح يستورد آلاف الأطنان حتى إنه كان يستورد 80 % من حاجة البلاد ، إلى أن صار يصدر السمن النباتي إلى الدول العربية المجاورة .

وقد تم تأسيس أول مصنع للسمن بمساهمة من الشيخ عبد القادر فقيه والشيخ حمزة بوقري ، وذلك في المنطقة الصناعية .
هكذا مارسوا تجارة السمن النباتي باستيراده من الخارج وتطوير مصادره إضافة إلى زيت الزيتون المعروف ، إلى أن صار السمن البلدي منتشراً في مكة بجودة عالية ورائحة مثالية ، بعد أن لحق بالسمن البلدي ما لحق من الغش التجاري بخلطه من الزيت العادي .

وقد طور الشيخ عبد الرحمن فقيه بعد وفاة والده وبمعاونة أخيه محمد طرق استيراد وإنتاج السمن النباتي بالمملكة بعد قصة طويلة فيها أنواع من الجهد والكفاح ، وقد استقر لهما ما أرادا من إنشاء مصانع السمن بمكة ، إلى أن نمت التجارة وتوسعت لتشمل عدة أنشطة عملاقة أشهرها مزارع فقيه للدواجن التي انتشرت بكثرة وافرة في البلاد ، فقد كان يوجد بمكة كما يقول الشيخ الكردي ثلاث مزارع للدواجن ، الأولى مزرعة فقيه للدواجن وهذه المزرعة أقدم المزارع والثانية مزرعة الشيخ عبد الله كعكي ، والثالثة مزرعة الشيخ عبد الله كوير ) .

ويقول محمد عمر رفيع : ( قد كان الدجاج قليل الوجود بمكة ، فهو إما مما يربيه أهل الوديان القريبة أو المحلات التي بطرق البلدة ، أو من يتيسر له أن يربيه في بيته ، بحيث لو أردت شراء خمسين دجاجة دفعة واحدة لتعسر ذلك ، وكان الحصول عليها بشيء من البحث والتعب ، إلا في زمن الحج ، فإن كثيراً من المتسببين في بيعه يجلبونه من الجهة الجنوبية لمكة ، - الليط والقنفذة - وقد يهلك بعضه أثناء الطريق لأن نقله يكون على الجمال ، ومع ذلك فلا يذكر بالنسبة لليوم ، فقد أنشئت مزارع على الطرق الحديثة ) .

وهنا يحكي لنا الشيخ عبد الرحمن فقيه قصة السمن والدواجن بقوله : كنت أفكر في عدة موارد وكانت تجارة السمن البري ( البلدي ) مشوبة بالغش التجاري عبر إضافة الزيوت ، وقد لعبت الصدفة دوراً كبيراً في اختيار هذا النوع من المواد التموينية للتجارة فيه ، فقد وجد أخي الأكبر محمد فقيه في نفايات ومخلفات مقر بعثة الجيش علب سمن فارغة مكتوباً عليها ( سمن نباتي ) وحملني حب الاستطلاع أن أسأل عنها وطلبنا من البعثة علباً منها ، وبعد التأمل والتفكير تكونت لدينا قناعة أن لا تبقى هذه السلعة مقتصرة على البعثات أو الجاليات الأجنبية بل لا بد من طرحها بين الناس لتكون بديلاً عن السمن البلدي أو البري ، ومن هنا بدأنا رحلة البحث عن مصادر السمن النباتي في بلاد المنشأ في أوروبا ، وتمكنا من استيراد كميات كبيرة منه وصارت تجارتنا من هذا السمن النباتي بما يعرف بـ ( سمن فقيه ) وأقبل الناس على شرائه . وفي تلك الفترة أيضاً كانت نذر الحرب العالمية الثانية قد بدأت ، ثم نشبت بالفعل ، فترتب عليها حدوث أزمة في تدفق وانسياب المواد الغذائية للأسواق . وكان أول من استورد السمن النباتي هو الأستاذ فؤاد حمدي وبالتحديد ( سمن أبو بنت ) واسمه بالانجليزية ( clara ) ثم ورد سمن ( أبو بقرة ، وأبو عنز التاجر عبد القادر محمد فقيه ، ثم استورد باسم فقيه وبالتحديد العلبة كانت باللون الأزرق . وفؤاد هذا هو أول من استورد عصير البرتقال والليمون بالقوارير مثل ( سن كويك ) .

لكنه لم يلاحظ أبداً أن أزمة الحرب قد انعكست بشكل خطير على تدفق المواد التموينية حيث كانت السفن تصل محملة بالمواد التموينية ، وتحت حراسة سفن الحماية البحرية من قبل دول الحلفاء ، بينما كانت أوروبا حينها في ضنك من العيش حيث توزع المواد الغذائية ببطاقات مقننة ، ولكن نجاة السعودية عامة ومكة المكرمة خاصة من تلك الأزمة كانت بفضل السياسة الحكيمة التي انتهجها الملك عبد العزيز رحمه الله ، فقد أمر بتوزيع الخبز مجاناً بما يكفي كل عائلة ، كما كان هناك مطعم في الرياض يوزع الوجبات الغذائية من خضروات وشوربه ، كما هو الحال في ( التكية المصرية ) بمكة المكرمة .

أما عن تجارة الدواجن السعودية فيعد الشيخ عبد الرحمن فقيه صانع ثورة الدجاج الحقيقة في بلاده ، مع أنه يؤكد لنا أنه ليس صاحب المشروع الأول لإنتاج الدواجن في بلاده ، فيما يروي لنا أن صدفة قادته إلى تربية الدواجن وبدأت تفاصيلها الأولى من مدينة الخرج بقوله : ( كنت بصحبة أخي وصديقي بسام البسام لزيارة صديقنا المشترك محمد علي مكي مدير مزارع الخرج ، ولم تكن تلك الزيارة بهدف التعرف على مزرعة الدواجن التي أنشأها المرحوم عبد الله السليمان وزير المالية السابق في عهد الملك عبد العزيز ، لكن كان لتلك الزيارة دور كبير في تغيير مجرى حياتي التجارية فقد أعجبت بمزرعة الدواجن ، وسألت عن تفاصيل التربية والتفقيس وحصلت على معلومات بدائية لا ترقى إلى ما وصلت إليه هذه الصناعة في أوروبا في تلك الفترة .

وبعد محاولات متكررة حصلت على تصميم فقاسة وفق الإمكانات المتاحة ، ولكن المحاولة لم تنجح . ثم استوردت فقاسة من هولندا ولكي أخطوا خطوات جادة اتصلت بالمؤسسة اللبنانية التي سبقتنا في ذلك منهم الصوص لنربيه ونسوقه ، وكانت هذه أولى مراحل تربية الدواجن ، ثم تلا تلك المرحلة أن حصلت على دعم حكومي تمثل في قرض قيمته مائة مليون ريال .

وكان دعماً كبيراً يثبت بعد نظر صانع القرار في البلاد إلى هذه الصناعة باعتبارها سلعة عملاقة في جدول الأمن الغذائي ، ومن هنا كانت فكرة إنشاء مطاعم ( فروج الطازج ) .


المرجع
صور من تراث مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري ، الجزء الأول ، عبد الله محمد أبكر .