ريمة مطهر
04-03-2011, 07:48 PM
الفرانة في مكة المكرمة
من المهن والحرف في مكة المكرمة مهنة الفرانة المتوارثة عن الآباء والأجداد وهي لا تزال مهنة شريفة ، إذ يعول عليها المجتمع في العيش والغذاء ، ولا يمكن للإنسان أن يعيش بلا غذاء ، ويكفي الفرانة أنهم يعملون من أجل الإطعام وضمن الأشياء الضرورية للإنسان التي بها قوام بدنه وحياته ، وأنهم يقومون بإطعام الفقراء والمحتاجين ، إذ لا أظنهم يمنعون جائعاً رغيف خبز يطلبه منهم ، وأنهم يكسبون الأجرين ، المال والثواب من الله تعالى وأنهم من أهل الصدقات , والصدقة من الخير ، وأنها تطفئ غضب الرحمن ، فالعيش أو الخبر لمن يشتري ، ولمن يأكل ، ولمن أراد الثواب ، وكل ذلك من فضل الله تعالى على الجميع .
ومن أشهر أنواع العيش التي كانت موجودة وقتئذ التميس والذي كان لا يُباع إلى في الصباح وليس كالآن حيث يُباع طوال النهار وأكثر الليل كما أن صانعي التميس لا يبيعون أشياء أخرى ، كما يحدث الآن حيث يجمع بائع التميس رأسية أما الآن فهي أفقية وهي أرحم للتميساني - خبار التميس - حيث لا يواجه النار مباشرة ، ولا أدري أتميس ذلك الزمان أحسن ؛ لأن الفرن يوقد بالحطب والفحم ، أما الآن فيوقد بالغاز المضغوط والتميس يصنع من الدقيق الأبيض ( الفينو ) ويوضع على الدقيق قليل من الملح مما يجعل أكله حافاً ممكناً وخاصة إذا كان حاراً .
وأشهر أنواع التميس العادي وأبو السمن والبسكوت ، وكانوا أيام زمان يعملون نوعاً من التميس اسمه كلجة وهو صغير سميك وفي وسطه تجويف وكانوا يعملونه ضحى فقط ليأكله الناس كتلبيبة ، وكان يوضع على وجهه قبل خبزه ماء البصل ليفتح شهية الآكل ولم أر هذا النوع من التميس منذ أكثر من أربعين عاماً .
وهناك نوع أخر إلا وهو الشريك - بضم الشين وكسر الراء - وهو نوع تمن الخبز المستطيل يصنع أيضاً من الدقيق الأبيض ( الفينو ) ولا يدخله شيء من الملح ويؤكل غالباً في المساء مع الحلاوة الطحينية البلدي ومع المفروكة والهريسة ، وهو يخبز في الأفران العادية بعد وضعه في صوان حديدية ويعمل منه نوع كبير الحجم يؤكل في ليالي الأفراح .
أما النوع الثالث من الخبز فهو المسمى بالكعك - بفتح الكاف وسكون العين - وهو مصنوع من الدقيق الفينو وهو مستدير وفي وسطه ثقب كبير ويرش على وجهه قبل الخبز بالسمسم ويدخل في خميرته الحمص ويؤكل غالباً في الصباح بغمسه في الحليب ويخبر أيضاً كالشريك في صوان حديدية .
أما النوع الرابع من أنواع العيش فهو الصامولي ، ويصنع أيضاً من الدقيق ( الفينو ) وهو مستطيل مع رأسين ويؤكل غالباً مع الغداء ولا يوجد الآن .
وأما النوع الخامس وهو أكثر الأنواع شيوعاً فهو العيش المفرود وهو القرص العادي والمستدير ويصنع غالباً من الحب - القمح - وهو نوعان : سوقي يوضع عليه الحبة السوداء ، وربما الشمر والبيتي والسوقي منه نوع يسمى التنوري ، ولا يختلف عن العادي إلا بأن يقوم الفران - الخباز - قبل إدخاله إلى الطابونة بتغريز أصابعه على سطحه وبذلك ينتفخ ولا يتجوف عندما يدخل الفرن .
أما النوع البيتي فهو الذي يتم تجهيزه في البيوت وأغلب البيوت تفضل هذا النوع رغم أن إعداده متعب للغاية بدأ بشراء القمح ، ومن أشهر من كان يبيعه في مكة المكرمة الشيخ طه خياط ، وفي الطائف عائلة عبد الغني ، والذين منهم الدكتور خالد عبد الغني أمين مدينة جدة - سابقاً .
ومن أفضل الحبوب في تلك الأيام نوع وطني اسمه هميس يزرع فيما حول مدينة الطائف وحتى الظفير ، وكذا نوع آخر اسمه الحب الكندي أظنه كان يأتي من أمريكا .
أما النوع الرابع فكان يسمى الجيبوتي ، وما كان الناس يحبون هذا الصنف من الحبوب لكثرة الشوائب فيه حيث كان يوجد به حبيبات صغيرة اسمها ( الدنجا ) ولصغرها كان الناس يتعبون في أبعادها وتنقية القمح منها ، وكان الشائع وقتها أن هذا الدنجا مخدر وأنها تسبب مرضاً يصيب الرُكب اسمه ( أبو الركب ) وبعد أن تتم تنقية القمح من جميع الشوائب تذهب به إلى بابور الطحين وهي المكنات التي حلت محل الرحى ولأني من حارة أجياد فقد كان بابور القرملي الواقع في معظم البيوت هو أقرب مكان لنا لنطحن فيه قمحاً ، ثم يأتي دور العجن والذي يتم في معظم البيوت يوماً بعد يوم ، وذلك بأن نقوم بنخل الدقيق لنخلصه من النخالة - مع أنها مفيدة جداً - ونضع عليه الخميرة وهي قطع من العجين تحفظ لهذا الغرض ، وإذا لم نصنع هذه الخميرة فإن العيش لا يتخمر وبذا يسمى فطيراً يسود وجهه عند خبزه .
بعد عجن الدقيق يقسم إلى أقراص يبقى جزء من العجين أقل من قرص فيعمل منه قرصاً يسمى الحنانة - بكسر الحاء مع فتح الأولى مع تشديد وفتح النون الثانية - ويوضع العيش على لوح خشبي نسميه لوح العيش على طبقات بين كل طبقة وأخرى قطعة من القماش وربما قليل من الدقيق منها للالتصاق ، ثم يأتي دور إيصال لوح العيش إلى الفرن محمولاً على الرأس بعد وضع واقي للرأس اسمه حواية - بفتح الحاء - وفي الفرن يوضع الألواح في خط مستقيم يتحرك نحو الطابونة - الفرن - وعندما يبدأ الخباز في نقل أقراص العيش إلى الخشبة التي سيدخل الأقراص بها إلى الفرن يقوم بمسح تلك الخشبة بالماء منعاً للالتصاق أيضاً .
وكان بعضهم يضع العيش في نصف المدة في الزاوية ونصفه في بيت النار - ( أجارنا الله منها ) ، ثم يدفع للفران أجرة ما قام به إما عند كل خبزة أو كل شهر وذلك حسب الاتفاق المسبق ، وعند الوصول إلى البيت تنب معركة بين الأطفال كل يريد أن يقسموها بينهم فيرضون بذلك مع أنها من نفس العيش ، ولكن لله في خلقه شئون ، ويؤكل هذا الخبز طازجاً في اليوم الأول ويحفظ الباقي لليوم الثاني الذي ترتاح فيه السيدات من عملية اللت - العجن - استعداداً ليوم جديد والله المعين على هذه العملية الشاقة ، وكان في مكة المكرمة عيش يسمى التكية والآخر عيش الصدقة وهما بالمجان وأخيراً أقول : اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة .
المرجع
صور من تراث مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري ، الجزء الأول ، عبد الله محمد أبكر . بتصرف .
من المهن والحرف في مكة المكرمة مهنة الفرانة المتوارثة عن الآباء والأجداد وهي لا تزال مهنة شريفة ، إذ يعول عليها المجتمع في العيش والغذاء ، ولا يمكن للإنسان أن يعيش بلا غذاء ، ويكفي الفرانة أنهم يعملون من أجل الإطعام وضمن الأشياء الضرورية للإنسان التي بها قوام بدنه وحياته ، وأنهم يقومون بإطعام الفقراء والمحتاجين ، إذ لا أظنهم يمنعون جائعاً رغيف خبز يطلبه منهم ، وأنهم يكسبون الأجرين ، المال والثواب من الله تعالى وأنهم من أهل الصدقات , والصدقة من الخير ، وأنها تطفئ غضب الرحمن ، فالعيش أو الخبر لمن يشتري ، ولمن يأكل ، ولمن أراد الثواب ، وكل ذلك من فضل الله تعالى على الجميع .
ومن أشهر أنواع العيش التي كانت موجودة وقتئذ التميس والذي كان لا يُباع إلى في الصباح وليس كالآن حيث يُباع طوال النهار وأكثر الليل كما أن صانعي التميس لا يبيعون أشياء أخرى ، كما يحدث الآن حيث يجمع بائع التميس رأسية أما الآن فهي أفقية وهي أرحم للتميساني - خبار التميس - حيث لا يواجه النار مباشرة ، ولا أدري أتميس ذلك الزمان أحسن ؛ لأن الفرن يوقد بالحطب والفحم ، أما الآن فيوقد بالغاز المضغوط والتميس يصنع من الدقيق الأبيض ( الفينو ) ويوضع على الدقيق قليل من الملح مما يجعل أكله حافاً ممكناً وخاصة إذا كان حاراً .
وأشهر أنواع التميس العادي وأبو السمن والبسكوت ، وكانوا أيام زمان يعملون نوعاً من التميس اسمه كلجة وهو صغير سميك وفي وسطه تجويف وكانوا يعملونه ضحى فقط ليأكله الناس كتلبيبة ، وكان يوضع على وجهه قبل خبزه ماء البصل ليفتح شهية الآكل ولم أر هذا النوع من التميس منذ أكثر من أربعين عاماً .
وهناك نوع أخر إلا وهو الشريك - بضم الشين وكسر الراء - وهو نوع تمن الخبز المستطيل يصنع أيضاً من الدقيق الأبيض ( الفينو ) ولا يدخله شيء من الملح ويؤكل غالباً في المساء مع الحلاوة الطحينية البلدي ومع المفروكة والهريسة ، وهو يخبز في الأفران العادية بعد وضعه في صوان حديدية ويعمل منه نوع كبير الحجم يؤكل في ليالي الأفراح .
أما النوع الثالث من الخبز فهو المسمى بالكعك - بفتح الكاف وسكون العين - وهو مصنوع من الدقيق الفينو وهو مستدير وفي وسطه ثقب كبير ويرش على وجهه قبل الخبز بالسمسم ويدخل في خميرته الحمص ويؤكل غالباً في الصباح بغمسه في الحليب ويخبر أيضاً كالشريك في صوان حديدية .
أما النوع الرابع من أنواع العيش فهو الصامولي ، ويصنع أيضاً من الدقيق ( الفينو ) وهو مستطيل مع رأسين ويؤكل غالباً مع الغداء ولا يوجد الآن .
وأما النوع الخامس وهو أكثر الأنواع شيوعاً فهو العيش المفرود وهو القرص العادي والمستدير ويصنع غالباً من الحب - القمح - وهو نوعان : سوقي يوضع عليه الحبة السوداء ، وربما الشمر والبيتي والسوقي منه نوع يسمى التنوري ، ولا يختلف عن العادي إلا بأن يقوم الفران - الخباز - قبل إدخاله إلى الطابونة بتغريز أصابعه على سطحه وبذلك ينتفخ ولا يتجوف عندما يدخل الفرن .
أما النوع البيتي فهو الذي يتم تجهيزه في البيوت وأغلب البيوت تفضل هذا النوع رغم أن إعداده متعب للغاية بدأ بشراء القمح ، ومن أشهر من كان يبيعه في مكة المكرمة الشيخ طه خياط ، وفي الطائف عائلة عبد الغني ، والذين منهم الدكتور خالد عبد الغني أمين مدينة جدة - سابقاً .
ومن أفضل الحبوب في تلك الأيام نوع وطني اسمه هميس يزرع فيما حول مدينة الطائف وحتى الظفير ، وكذا نوع آخر اسمه الحب الكندي أظنه كان يأتي من أمريكا .
أما النوع الرابع فكان يسمى الجيبوتي ، وما كان الناس يحبون هذا الصنف من الحبوب لكثرة الشوائب فيه حيث كان يوجد به حبيبات صغيرة اسمها ( الدنجا ) ولصغرها كان الناس يتعبون في أبعادها وتنقية القمح منها ، وكان الشائع وقتها أن هذا الدنجا مخدر وأنها تسبب مرضاً يصيب الرُكب اسمه ( أبو الركب ) وبعد أن تتم تنقية القمح من جميع الشوائب تذهب به إلى بابور الطحين وهي المكنات التي حلت محل الرحى ولأني من حارة أجياد فقد كان بابور القرملي الواقع في معظم البيوت هو أقرب مكان لنا لنطحن فيه قمحاً ، ثم يأتي دور العجن والذي يتم في معظم البيوت يوماً بعد يوم ، وذلك بأن نقوم بنخل الدقيق لنخلصه من النخالة - مع أنها مفيدة جداً - ونضع عليه الخميرة وهي قطع من العجين تحفظ لهذا الغرض ، وإذا لم نصنع هذه الخميرة فإن العيش لا يتخمر وبذا يسمى فطيراً يسود وجهه عند خبزه .
بعد عجن الدقيق يقسم إلى أقراص يبقى جزء من العجين أقل من قرص فيعمل منه قرصاً يسمى الحنانة - بكسر الحاء مع فتح الأولى مع تشديد وفتح النون الثانية - ويوضع العيش على لوح خشبي نسميه لوح العيش على طبقات بين كل طبقة وأخرى قطعة من القماش وربما قليل من الدقيق منها للالتصاق ، ثم يأتي دور إيصال لوح العيش إلى الفرن محمولاً على الرأس بعد وضع واقي للرأس اسمه حواية - بفتح الحاء - وفي الفرن يوضع الألواح في خط مستقيم يتحرك نحو الطابونة - الفرن - وعندما يبدأ الخباز في نقل أقراص العيش إلى الخشبة التي سيدخل الأقراص بها إلى الفرن يقوم بمسح تلك الخشبة بالماء منعاً للالتصاق أيضاً .
وكان بعضهم يضع العيش في نصف المدة في الزاوية ونصفه في بيت النار - ( أجارنا الله منها ) ، ثم يدفع للفران أجرة ما قام به إما عند كل خبزة أو كل شهر وذلك حسب الاتفاق المسبق ، وعند الوصول إلى البيت تنب معركة بين الأطفال كل يريد أن يقسموها بينهم فيرضون بذلك مع أنها من نفس العيش ، ولكن لله في خلقه شئون ، ويؤكل هذا الخبز طازجاً في اليوم الأول ويحفظ الباقي لليوم الثاني الذي ترتاح فيه السيدات من عملية اللت - العجن - استعداداً ليوم جديد والله المعين على هذه العملية الشاقة ، وكان في مكة المكرمة عيش يسمى التكية والآخر عيش الصدقة وهما بالمجان وأخيراً أقول : اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة .
المرجع
صور من تراث مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري ، الجزء الأول ، عبد الله محمد أبكر . بتصرف .