أم شمس
04-01-2011, 06:14 PM
السيد أحمد عبد اللطيف التونسي
السيد أحمد ابن عبد اللطيف التونسي نزيل دمشق المغربي بن العالم المحقق المتفوق الماهر البارع ألفاضل ترجمه الشيخ سعيد ابن السمان في كتابه وقال في وصفه هذا الأديب وان كانت تونس مسته القوابل فيها الا ان الشام حبته بملء فيها فربض بها ربضة الليث وقال لوطنه منادياً إلى حيث ولاذ ببعض الصدور وجعل لندبه الورود والصدور فانزله منه منزلة ابن اللبانة من المعتمد وأصبح في لجه المستقبض هو المغترف المستمد فأقبل عليه الدهر بوجه أغر وما أقدمه على هجر ولا به غر وأقطعه من الحظوة نصيباً وأورثه الرعاية فرضاً وتعصيباً فاستكان وتقرب وبعد في مرامه ومارب فتهدلت عليه أغصان الحنو وعطفت عليه الافئدة بالدنو وتابط سفراً وكراسه وأكب على قراءة ودراسه فارتشف من ذلك دون الوشل ولم بالعنا منه حد ألفشل وادعى ألفضل التام وخاض في ذلك القتام وسولت له نفسه الاماره ما خفرت به الآمال ذمته وذماره وشمخ بعرنين الانفه واستنكف عمن احله كنفه فلم تقبل له خوكه وقال في القفول البركه فند ندو البعير ولم يدرا هو من العيرام من النفير فحل القدس والديار المصرية ورصد من الدهر العطفة الحرية فرق له وحن وسقاه من الأوبة الغمام مرجحن فعاد لما سلف وعانق ذلك العلف فعافته الطباع وقذفته في مهاوي التعريض باليد والباع ومكر به حاله واستدرجه ووضعه من الأعين درجة فدرجه ولم يزل أطواره تتقلب وطويته عليه تتغلب حتى عصفت به مهاب هواء وأكبه على مخطمه عقبى دعواه وقام به الغرام واستأثر ورشقته بما أودى بفواده وأثر وسلم قلبه لمن عذبه واستلذ تهتكه فيه واستعذبه حتى بعدت عليه من التنصل الشقه واستقلت به المضرة والمشقه وانقلب وهو مليم عرضة للتقريع الاليم وما انفك يريه من التجني ما يريه ويطرق سمعه بكل كريه حتى تخطفته أيدي الشتات بعد ان طلق الشام تطليق البتات فما استقر حتى نودي إلى ابن المفر وطواه رمسه كما طوي أمسه وبالجملة فقد كان يستانس بمذاكرته ويستروح بمحاضرته وله شعر زهري الارج ما عليه في سبكه حرج قد انبت منه طرفاً وتركت ما يعد سرفاً انتهى ومن شعره قوله وأرسله إلى الأديب سعيد السمان ملغزاً
أيا بابلي السحر في النثر والنظم = وجامع أشتات الدقائق عن علم
ويا من سما فوق السماكين هامة = ففاق اياساً بالذكاء وبألفهم
ويا من غدا في الشام مذهل بدره = سعيداً فنير الكون مذ لاح في التم
نجمت ففقت الناس علماً وحكمةً = ومن ذا يسأوي انجم الارض بالنجم
ابن لي ما اسم رباعي أحرف = له نشأة أحلى من الضم واللثم
فأوله في الذكر أول سورة = وأمر بلا شك لدى الكسر في الحكم
وربعه ان اخرت يأتيك قلبه = سريعاً كما قد كان في أول الرقم
وأوله أيضاً كذلك مثله = وباقيه يقري الطرد كالعكس في الرسم
توان حذفوا اخراه لاح لناظر = مصحفه فهو الضمير بلا وهم
وان حذفوا ربعيه صدراً وآخراً = هو الحق لا يخفي بعيد عن الوصم
ونصفه ان صحفت فه بجماله = معانيه قد لاحت تروق لذي فهم
على ان هذا الاسم قد شاع ذكره = شبيه سحيق المسك يجلو صدا الغم
عزيز فمن قسم المباح فعده = وصرح بمن تهواه رغماً على الخصم
وجد بجواب يا فريد زمانه = ويا بابلي السحر في النثر والنظم
فأجابه بقوله
يمد له العافي بنان صبابة = فيرشفه ثفراً حماء من اللثم
رأينا به قبض النفوس وبسطها = فهذا على الاداء يشكل في الحكم
تلظى حشاياه من الحقد للورى = فيظهر فوه ما أكن من الظلم
على انه لا يرتضى قط منزلاً = سوى القلب لا يخشى بذلك من جرم
ويغدو على الراحات بالرغم قائماً = وناهيك ممن يرتقي العز بالرغم
عجبت وقد أمسى إلى الحق محرماً = اناثاً وذكراناً لدى اللثم والشم
حلال يطوف البيت وهو محرم = فلم يخل من مدح وذم بلا اثم
من النار أمست روحه وحياته = ولم تدر معنى صوته العرب كالعجم
فخذ ما يروق السمع من بنت ليلة = جواباً معانيه توقد كالنجم
ودم سالماً موموق عيش نضيره = براعيك طرف الامن واليمن والسلم
وله من قصيدة أرسلها للشيخ أحمد بن علي المنيني ملغزاً بقوله
لعمرك ما ريح الصبا اذ تنسما = ولا الزهر في الروض الا ريض تبسما
ولا طيب انفاس الربيع وحسنه = ولا ريق محبوب به يذهب الظما
ولا ضم خود كالاراكة قدها = اجادت لمشغوف بها قد تيتما
ولا شرب كاس الراح من كف أغيد = بديع السنا عذب المراشف واللما
بأطيب من عرف زكي شممته = صبيحة وافيت الامام المكرما
له الله من مولى أحاديث مجده = معنعنة تروى وتعدادها نما
سليل التقى شمس المعارف أحمد ال = مزايا وفي أوج السيادة قد سما
غدا شافعي في الحب لي وهو مالكي = وفي مذهب النعمان بحر لقد طما
وأحسن ما قيل في هذا المعنى
ألا ليت شعري من إلى الوصل شافعي = لدى أشعري حرت في وصفه الجلي
فنعمان خديه لقلبي مالك = ولا تعجبوا من ردفه فهو حنبلي
ولبعضهم في المعنى
يا مالكي شافعي ذلي فصل كرما = ولا تكن رافضي وأقصر عن الملل
فجملة الامراني مغرم دنف = شوقي أمامي وصبري عنك معتزلي
وقال الآخر
قلت وقد لج في معاتبتي = وظن ان الملال من قبلي
خدك الاشعري حنفني = وكان من أحمد المذاهب لي
حسنك ما زال شافعي أبداً = يا مالكي كيف صرت معتزلي
عودا إلى قصيدة المترجم فمنها
أتى بحلال السحر هاروت نطقه = وأدهش أرباب العقول وأفحما
وغاص بحور العلم غواص فكره = فأبدى نفيس الدر دراً متيما
ومنها
فيا أحمد الأوصاف يا عالم الورى = وعلامة الدنيا ويا فاضلاً سما
بك اسم خماسي كروض مدبج = يا فنانه ظبي الاراك ترنما
حوى كل لطف واحتوى كل رقة = جرى في كتاب الله لا شك مبهما
وقد حله قدما كثير أعزة = وهام أبو نواس فيه وهيما
وتصحيفه معنى هو الموت للعدا = يلوح لذي فهم إذا ما تفهما
وان زال من أولاه خمساه فاعتبر = مصحف باقي الاسم بخلاقه انتمى
لنا في نبي جاء بالحق مرسلاً = لقوم هم أهل الجهالة والعمى
وان قلبوا باقيه ماس بعطفه = كغصن النقا اذ مال في روضة الحمى
وان حذفوا اخراه من بعد قلبه = غدا اس بنيان كودك محكما
ونبتا بديع الحسن كالغصن قد زكت = روائحه كالمسك اذ ما تنسما
امط عنه ستر اللبس لا زلت محسناً = ودمت لطلاب الافادة منعما
وله من قصيدة امتدح بها والدي لكونه كان نزيلاً عنده في مدة اقامته بدمشق
هي الأدب النفسي وهي النفائس = بها غصن عمري بالتأدب مانس
ولي غزل فيها الغزالة في الضحى = إلى لطفه يصبو الغزال الموانس
هي البكر بنت الكرم هيفاء ناهد = كعوب لعوب لا ذلول وعانس
من الغرس بيت المجد عنقود كرمها = فيا حبذا ذا الكرم ربا فارس
أدرها لنا قبل الصباح فانني = رأيت شراب الليل للنفس انس
ودعني صريعاً بين ندمان حانها = اهيم بها وجداً وجسمي رامس
أدرها بلا مزج ولا تقتلنها = فما بسبطها الا البسيط المجانس
وان شئت فامزجها ولكن بريق من = له من ظبا البيدا عيون نواعس
مليح صبيح الوجه ظبي خباؤه = له من ظبا الغارات حام وحارس
يصيد قلوب الناظرين بلفتة = بها الأسد في الغيل المنيع فرائس
أخالسه في موكب الحسن بغتة = فيرنو بطرف فاتر ويخالس
له غرة كالصبح لا ليل قبلها = ولكن له شعر هو الليل دامس
إذا قيس بالغصن الرطيب يقول من = يقس بقوامي النبث ما ذاك قايس
وان قيس بالبدر المنير يقول لا = فبدر الدجى من نور وجهي قابس
يدير علينا الراح في عسجدية = تطيب بها بين الندامى المجالس
إذا جليت في كأسها عند ذائق = ترى يا نديمي كيف تجلى العرائس
على تاجها اكليل در تناسقت = فرائده منها تضئ ألفوانس
وما هي راح الحسن دع عنك ذكرها = فتلك لمن تسطو عليه الوسأوس
مرادى بها خمر المعاني فشربها = ينافس في احرازه من ينافس
مدام غذاء الروح والجسد الذي = ترنحه الآداب وهي النفائس
فقد تسكر الارواح من غير خمرة = فغيبتها ذاك الحضور المماسس
لراح المعاني نشوة أي نشوة = إلى شربها تنحو الكرام الاكايس
فتفعل بالالباب ما تفعل الطلا = إذا كان ساقيها الهمام المجالس
على على القذر من بحر فضله = مديد طويل وافر لا يقايس
وله من قصيدة ممتدحاً بها والدي أيضاً مطلعها
على مقام دونه الانجم الزهر = هو الراح والريحان والورد والزهر
تجلت له الأسرار من ملكوتها = فحفت به الانوار ما الشمس ما البدر
إلى ان سرى في سائر الكون سره = فنور أسرار الورى ذلك السر
وحل حلول القطر في القطر كم فتى = رآه أتى كالعبد وهو ألفتى الحر
إذا افتخرت بين المدائن جلق = وأبدت به تيهاً وحق لها ألفخر
وقد لبست منها غلائل زينة = كما زين الغلمان ما زانه النحر
زان فخرت مصر وقالت لجلق = بي النيل نهر هل يقاس به نهر
تقول نعم بالشام سبعة انهر = كذا بر بر ليس يعد له بر
واني انا ألفردوس في الأرض جنة = ولي بحر فضل بين أقرانه حبر
نعم ان في كفيه عشر انامل = مقدسة في كل انملة بحر
مرادي وروحي بل ملاذي ومنيتي = على على القدر دام له العمر
فتى في الورى تروى أحاديث فضله = معنعنة قد طابق الخبر الخبر
ورتبته فوق المراتب كلها = وما ثم في اثنا طريقته وعر
فما عزه عز وما قاده هوى = ولا عابه تيه ولا شانه كبر
ولا هو مثل الغيران زاد رتبة = يميله من فرط اعجابه السكر
وما دابه الا اجتلاب خواطر = بكل طريق في ميامنه الشكر
فقوله مسموع وأمره نافذ = يقل ما يشا يسمع لقولته الدهر
تراه كمثل الغيث والليث في الوفا = وفي الدفع عمن في حماه له خدر
فلا نقص الغيث الهتون بقطره = ولا مس ليث الغاب في دفعه ضر
وله غير ذلك من النظم وكانت وفاته في حدود السبعين ومائة وألف باللاذقية رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
أحمد بن عبد الله بن بهاء الدين بن محفوظ بن رجب العطار المعروف بابن جدي الدمشقي الشيخ ألفاضل الأديب الماهر الناظم كان رقيق الحاشية لطيف المذاكرة حسن الخط وله مشاركة جيدة في كل فن وقد ترجمه المين المحبي في نفحته فقال في وصفه سمح سهل لكل ثناء أهل كانما بينه وبين القلوب نسب أو بينه وبين الحياة سبب بمحاضرة أشهى من ريق المحبوب ومحأولة أصفى من ريق الشؤبوب وعلى الجملة فما هو الا تحفة فادم واطروفة منادم ودعوة صحة لمريض واصطباح عيش في روض أريض وبيني وبينه اخوة أو أخيها مشدودة وأبواب التمويهات عنها مسدودة مازلنا في خلسة للود ونهزه وأريحية للحظ وهزه من حين رضعنا للتألف ذلك الدر وجرينا فيه على حكم عالم الذر والله يصوننا في بقية العمر عن الغير كما صاننا عن الشوائب فيما مضى وغبر فمن أريج عاطره الذي نفح به روض خاطره
وبليلتي ساجي اللحاظ قوامه = غصين على دعص تثنيه الصبا
يهتز لينا حين يخطر مائساً = جذلان من مرح الشبيبة والصبا
بدر تقمص بالملاحة والبها = فغدا إلى كل القلوب محببا
سلت لواحظه علينا مرهفاً = ما كان الا في القلوب مجربا
يخشى على ورد الخدود للافح = فغدا بريحان العذار منقبا
سأومته وصلاً فحدق لحظه = متبرماً نحوي والوى مغضبا
فكان صفحة خده وعذاره = تفاحة رميت لتقتل عقربا
وقوله من قصيدة طويلة مطلعها
عتبي على الدهر عتب ليس يسمعه = اذ بالهوى والنوى قلبي يروعه
بانوافاً صبحت أشكو بعدما رحلوا = للبين ما بي يد التفريق تجمعه
شكوى يكاد لها صم الصفا جزعا = كما تصدع قلبي منه يصدعه
منها
ومن رسيس الهوى داء يصانعني = طول الزمان إلى ما الحب يصنعه
وانثنى من لظى الأشواق في حرق = إذا وميض الدجى يبدو تلعلعه
لم ألق يوم النوى الأحشا قلقاً = ومدمعاً بأبي الدمع يشفعه
يا صاح أين ليالينا التي سلفت = مرت سراعاً وطيب العيش أسرعه
فاعجب لنار ضلوعي كلما حمدت = أشبها من غروب الجفن أدمعه
وبات يذكي ضرامي صادع غرد = في النير بين بترتام يرجعه
يا ورق مهلاً إذا الترجاع من فرح = بالروض ام فقد ألف عن مرجعه
وله من قصيدة
أفي كل يوم بالنوى نتروع = ومن حادثات الدهر يشجيك موقع
وتشقي برسم قد ترسمه البلى = وتسقى ثراه كل نكباء زعزع
وتندب اطلالاً تعفت رسومها = وتشكو لربع أعجم ليس يسمع
وتصبح هيماً بين قفر تجوسه = وتمسي ولهاناً وانت مروع
وترمي بطرفيك الهضاب عشية = وفي كل هضب للأحبة مطلع
وقائلة فيما الوقوف وقد خلا = من القوم مصطاف يروق ومربع
فقلت لها أذرى الدموع وهكذا = أخو الشوق من فرط الصبابة يصنع
وما كنت أدري قبل وشك رحيلهم = باني إذا بانوا عن الجزع أجزع
ولا ان انفاسي يصدعها الجوى = إذا لاح برق في الدجنة يلمع
فرحت ودمع العين تجري غروبه = على الخد مني والحمائم تسجع
تنوح بشط الواديين ولي حشا = إذا ما انبرى ترنامها تنصدع
فلا كبدي تهدى ولا الشوق مقصر = ولا لوعني تخبو ولا العين تهجع
وقد رحلوا عن أيمن الجزع غدوة = فلم يبق في قرب التزاور مطمع
وقوله
ومطعف الأصداغ تختلس النهى = أبدى التشاغل عن محب واله
يبدي تلفت شادن ويدير لح = ظي جؤذ روا البدر جزء كما له
تمثال شكل الحسن لا بل انما = ذا الحسن مطبوع على تمثاله
وقد كان انشده الأمين المحبي قوله
ولما أدار الشمس بدر لا نجم = يا فوق الهنا بين الهلالين في الغسق
عجبت له يبدي لنا البدر طالعاً = وما غاب عنا بعد في جيده الشفق
فنظم المترجم هذا المعنى وانشده اياه بقوله
وساق ميود القد أحور أوطف = إذا لم يمت بالصد يقتل بالحدق
يرينا بافق الكاس شمساً توسطت = هلالين يمحو نورها آية الغسق
ومذ هم يحسوها ترفع جيده = فبان لنا صبح وما غرب الشفق
ومن ذلك قول العالم الشيخ عبد القادر العمري بن عبد الهادي وقد أجاب بهما الأمين
وساق أراثاً من بدائع حسنه = هلالين والشمس المنيرة في الغسق
فهم بها رشفا فقبل مذاقها = أتى الصبح من أطواقه ورأى الشفق
وقوله كذلك
حث شمس الجام بدر ليلة = بهلالين أطلا في نسق
فبدا من طوقه الصبح وما = غاب عنا بعد في فيه الشفق
وكتب له الأمين المحبي يستدعيه إلى روض طلع علينا هذا اليوم في نضارته يكاد صحوه يمطر من عضارته فلقينا زهره ونظمنا نثره في يوم وشي بخسرواني الديباج وغشى بما يربو على أصناف الجواهر في الابتهاج فمن نور مدرهمه بهج وزهر مدثره رهج يضاحك دره مرجانه وتعبق بصائك المسك أردائه وللنسيم فيه اعتلال اشفاق إذا ما رقد المخمور فيه أفاق والروض رطب الثرى رطب المقيل وليس فيه غير ردف الساقي ثقيل ولم نعدم ندامى بألفاظ عذاب كائنها قند مذاب معرفتهم بأغصان القدود وتفاح الخدود لا بالنصول الحداد والقسي الشداد ولديهم من ألفكاهة ولطف البداهة ما إذا جلى فما الراح والتفاح وما ريحان الأصداغ إذا فاح وان شاؤا ألحقوها بحكم متلوه وأخبار في صحف الاحسان مجلوه وعندنا لحن يثير الشجن ويبعث من الشوق ما أجن وحبيب قرب من عهد الصقال خده فلم يجف ريحانه ولم يذبل ورده يزل عن خده الدر فلا يعلق ويمش عليه انمل فيزلق وقد تمنينا فلم نجد غيرك امنيه ولا مثل ادابك غضة جنيه وعلمنا انه ما للانس مع غيبتك بهجه ولا للعيش دون لقائك مهجه فبالله الا ما انحجت الأوطار وفتحت بمذاكرتك عن جونة العطار ولك الثناء الذي يتجمل به الدهر ويتفتق رياه عن الروض فاح فيه أرج الزهر وكانت وفاة المترجم في يوم الأحد ثاني عشر شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى مع اشهاده على نفسه لولده الأديب المجيد الشيخ محمد وللشيخ عبد اللطيف العمري ابن عبد الهادي انه تارك الدنيا مقبل على الاخرى يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله وان ما جاء به رسول الله حق وان الجنة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور هكذا أشهد المذكورين على نفسه حين موته ثم انه ابتدأ في قراءة شهد الله انه لا اله الا هو إلى آخر الآية وسلم وولده المذكور ترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وكان هو ينسخه قرأ عليه كثيراً من مؤلفاته وكتبها وانا لم أظفر بكيفية أحواله حتى اترجمه ولكن من أراد الاطلاع على شيء من شعره فعليه بالذيل المذكور رحمهم الله تعالى.
المرجع
الكتاب : سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر
المؤلف : المرادي
السيد أحمد ابن عبد اللطيف التونسي نزيل دمشق المغربي بن العالم المحقق المتفوق الماهر البارع ألفاضل ترجمه الشيخ سعيد ابن السمان في كتابه وقال في وصفه هذا الأديب وان كانت تونس مسته القوابل فيها الا ان الشام حبته بملء فيها فربض بها ربضة الليث وقال لوطنه منادياً إلى حيث ولاذ ببعض الصدور وجعل لندبه الورود والصدور فانزله منه منزلة ابن اللبانة من المعتمد وأصبح في لجه المستقبض هو المغترف المستمد فأقبل عليه الدهر بوجه أغر وما أقدمه على هجر ولا به غر وأقطعه من الحظوة نصيباً وأورثه الرعاية فرضاً وتعصيباً فاستكان وتقرب وبعد في مرامه ومارب فتهدلت عليه أغصان الحنو وعطفت عليه الافئدة بالدنو وتابط سفراً وكراسه وأكب على قراءة ودراسه فارتشف من ذلك دون الوشل ولم بالعنا منه حد ألفشل وادعى ألفضل التام وخاض في ذلك القتام وسولت له نفسه الاماره ما خفرت به الآمال ذمته وذماره وشمخ بعرنين الانفه واستنكف عمن احله كنفه فلم تقبل له خوكه وقال في القفول البركه فند ندو البعير ولم يدرا هو من العيرام من النفير فحل القدس والديار المصرية ورصد من الدهر العطفة الحرية فرق له وحن وسقاه من الأوبة الغمام مرجحن فعاد لما سلف وعانق ذلك العلف فعافته الطباع وقذفته في مهاوي التعريض باليد والباع ومكر به حاله واستدرجه ووضعه من الأعين درجة فدرجه ولم يزل أطواره تتقلب وطويته عليه تتغلب حتى عصفت به مهاب هواء وأكبه على مخطمه عقبى دعواه وقام به الغرام واستأثر ورشقته بما أودى بفواده وأثر وسلم قلبه لمن عذبه واستلذ تهتكه فيه واستعذبه حتى بعدت عليه من التنصل الشقه واستقلت به المضرة والمشقه وانقلب وهو مليم عرضة للتقريع الاليم وما انفك يريه من التجني ما يريه ويطرق سمعه بكل كريه حتى تخطفته أيدي الشتات بعد ان طلق الشام تطليق البتات فما استقر حتى نودي إلى ابن المفر وطواه رمسه كما طوي أمسه وبالجملة فقد كان يستانس بمذاكرته ويستروح بمحاضرته وله شعر زهري الارج ما عليه في سبكه حرج قد انبت منه طرفاً وتركت ما يعد سرفاً انتهى ومن شعره قوله وأرسله إلى الأديب سعيد السمان ملغزاً
أيا بابلي السحر في النثر والنظم = وجامع أشتات الدقائق عن علم
ويا من سما فوق السماكين هامة = ففاق اياساً بالذكاء وبألفهم
ويا من غدا في الشام مذهل بدره = سعيداً فنير الكون مذ لاح في التم
نجمت ففقت الناس علماً وحكمةً = ومن ذا يسأوي انجم الارض بالنجم
ابن لي ما اسم رباعي أحرف = له نشأة أحلى من الضم واللثم
فأوله في الذكر أول سورة = وأمر بلا شك لدى الكسر في الحكم
وربعه ان اخرت يأتيك قلبه = سريعاً كما قد كان في أول الرقم
وأوله أيضاً كذلك مثله = وباقيه يقري الطرد كالعكس في الرسم
توان حذفوا اخراه لاح لناظر = مصحفه فهو الضمير بلا وهم
وان حذفوا ربعيه صدراً وآخراً = هو الحق لا يخفي بعيد عن الوصم
ونصفه ان صحفت فه بجماله = معانيه قد لاحت تروق لذي فهم
على ان هذا الاسم قد شاع ذكره = شبيه سحيق المسك يجلو صدا الغم
عزيز فمن قسم المباح فعده = وصرح بمن تهواه رغماً على الخصم
وجد بجواب يا فريد زمانه = ويا بابلي السحر في النثر والنظم
فأجابه بقوله
يمد له العافي بنان صبابة = فيرشفه ثفراً حماء من اللثم
رأينا به قبض النفوس وبسطها = فهذا على الاداء يشكل في الحكم
تلظى حشاياه من الحقد للورى = فيظهر فوه ما أكن من الظلم
على انه لا يرتضى قط منزلاً = سوى القلب لا يخشى بذلك من جرم
ويغدو على الراحات بالرغم قائماً = وناهيك ممن يرتقي العز بالرغم
عجبت وقد أمسى إلى الحق محرماً = اناثاً وذكراناً لدى اللثم والشم
حلال يطوف البيت وهو محرم = فلم يخل من مدح وذم بلا اثم
من النار أمست روحه وحياته = ولم تدر معنى صوته العرب كالعجم
فخذ ما يروق السمع من بنت ليلة = جواباً معانيه توقد كالنجم
ودم سالماً موموق عيش نضيره = براعيك طرف الامن واليمن والسلم
وله من قصيدة أرسلها للشيخ أحمد بن علي المنيني ملغزاً بقوله
لعمرك ما ريح الصبا اذ تنسما = ولا الزهر في الروض الا ريض تبسما
ولا طيب انفاس الربيع وحسنه = ولا ريق محبوب به يذهب الظما
ولا ضم خود كالاراكة قدها = اجادت لمشغوف بها قد تيتما
ولا شرب كاس الراح من كف أغيد = بديع السنا عذب المراشف واللما
بأطيب من عرف زكي شممته = صبيحة وافيت الامام المكرما
له الله من مولى أحاديث مجده = معنعنة تروى وتعدادها نما
سليل التقى شمس المعارف أحمد ال = مزايا وفي أوج السيادة قد سما
غدا شافعي في الحب لي وهو مالكي = وفي مذهب النعمان بحر لقد طما
وأحسن ما قيل في هذا المعنى
ألا ليت شعري من إلى الوصل شافعي = لدى أشعري حرت في وصفه الجلي
فنعمان خديه لقلبي مالك = ولا تعجبوا من ردفه فهو حنبلي
ولبعضهم في المعنى
يا مالكي شافعي ذلي فصل كرما = ولا تكن رافضي وأقصر عن الملل
فجملة الامراني مغرم دنف = شوقي أمامي وصبري عنك معتزلي
وقال الآخر
قلت وقد لج في معاتبتي = وظن ان الملال من قبلي
خدك الاشعري حنفني = وكان من أحمد المذاهب لي
حسنك ما زال شافعي أبداً = يا مالكي كيف صرت معتزلي
عودا إلى قصيدة المترجم فمنها
أتى بحلال السحر هاروت نطقه = وأدهش أرباب العقول وأفحما
وغاص بحور العلم غواص فكره = فأبدى نفيس الدر دراً متيما
ومنها
فيا أحمد الأوصاف يا عالم الورى = وعلامة الدنيا ويا فاضلاً سما
بك اسم خماسي كروض مدبج = يا فنانه ظبي الاراك ترنما
حوى كل لطف واحتوى كل رقة = جرى في كتاب الله لا شك مبهما
وقد حله قدما كثير أعزة = وهام أبو نواس فيه وهيما
وتصحيفه معنى هو الموت للعدا = يلوح لذي فهم إذا ما تفهما
وان زال من أولاه خمساه فاعتبر = مصحف باقي الاسم بخلاقه انتمى
لنا في نبي جاء بالحق مرسلاً = لقوم هم أهل الجهالة والعمى
وان قلبوا باقيه ماس بعطفه = كغصن النقا اذ مال في روضة الحمى
وان حذفوا اخراه من بعد قلبه = غدا اس بنيان كودك محكما
ونبتا بديع الحسن كالغصن قد زكت = روائحه كالمسك اذ ما تنسما
امط عنه ستر اللبس لا زلت محسناً = ودمت لطلاب الافادة منعما
وله من قصيدة امتدح بها والدي لكونه كان نزيلاً عنده في مدة اقامته بدمشق
هي الأدب النفسي وهي النفائس = بها غصن عمري بالتأدب مانس
ولي غزل فيها الغزالة في الضحى = إلى لطفه يصبو الغزال الموانس
هي البكر بنت الكرم هيفاء ناهد = كعوب لعوب لا ذلول وعانس
من الغرس بيت المجد عنقود كرمها = فيا حبذا ذا الكرم ربا فارس
أدرها لنا قبل الصباح فانني = رأيت شراب الليل للنفس انس
ودعني صريعاً بين ندمان حانها = اهيم بها وجداً وجسمي رامس
أدرها بلا مزج ولا تقتلنها = فما بسبطها الا البسيط المجانس
وان شئت فامزجها ولكن بريق من = له من ظبا البيدا عيون نواعس
مليح صبيح الوجه ظبي خباؤه = له من ظبا الغارات حام وحارس
يصيد قلوب الناظرين بلفتة = بها الأسد في الغيل المنيع فرائس
أخالسه في موكب الحسن بغتة = فيرنو بطرف فاتر ويخالس
له غرة كالصبح لا ليل قبلها = ولكن له شعر هو الليل دامس
إذا قيس بالغصن الرطيب يقول من = يقس بقوامي النبث ما ذاك قايس
وان قيس بالبدر المنير يقول لا = فبدر الدجى من نور وجهي قابس
يدير علينا الراح في عسجدية = تطيب بها بين الندامى المجالس
إذا جليت في كأسها عند ذائق = ترى يا نديمي كيف تجلى العرائس
على تاجها اكليل در تناسقت = فرائده منها تضئ ألفوانس
وما هي راح الحسن دع عنك ذكرها = فتلك لمن تسطو عليه الوسأوس
مرادى بها خمر المعاني فشربها = ينافس في احرازه من ينافس
مدام غذاء الروح والجسد الذي = ترنحه الآداب وهي النفائس
فقد تسكر الارواح من غير خمرة = فغيبتها ذاك الحضور المماسس
لراح المعاني نشوة أي نشوة = إلى شربها تنحو الكرام الاكايس
فتفعل بالالباب ما تفعل الطلا = إذا كان ساقيها الهمام المجالس
على على القذر من بحر فضله = مديد طويل وافر لا يقايس
وله من قصيدة ممتدحاً بها والدي أيضاً مطلعها
على مقام دونه الانجم الزهر = هو الراح والريحان والورد والزهر
تجلت له الأسرار من ملكوتها = فحفت به الانوار ما الشمس ما البدر
إلى ان سرى في سائر الكون سره = فنور أسرار الورى ذلك السر
وحل حلول القطر في القطر كم فتى = رآه أتى كالعبد وهو ألفتى الحر
إذا افتخرت بين المدائن جلق = وأبدت به تيهاً وحق لها ألفخر
وقد لبست منها غلائل زينة = كما زين الغلمان ما زانه النحر
زان فخرت مصر وقالت لجلق = بي النيل نهر هل يقاس به نهر
تقول نعم بالشام سبعة انهر = كذا بر بر ليس يعد له بر
واني انا ألفردوس في الأرض جنة = ولي بحر فضل بين أقرانه حبر
نعم ان في كفيه عشر انامل = مقدسة في كل انملة بحر
مرادي وروحي بل ملاذي ومنيتي = على على القدر دام له العمر
فتى في الورى تروى أحاديث فضله = معنعنة قد طابق الخبر الخبر
ورتبته فوق المراتب كلها = وما ثم في اثنا طريقته وعر
فما عزه عز وما قاده هوى = ولا عابه تيه ولا شانه كبر
ولا هو مثل الغيران زاد رتبة = يميله من فرط اعجابه السكر
وما دابه الا اجتلاب خواطر = بكل طريق في ميامنه الشكر
فقوله مسموع وأمره نافذ = يقل ما يشا يسمع لقولته الدهر
تراه كمثل الغيث والليث في الوفا = وفي الدفع عمن في حماه له خدر
فلا نقص الغيث الهتون بقطره = ولا مس ليث الغاب في دفعه ضر
وله غير ذلك من النظم وكانت وفاته في حدود السبعين ومائة وألف باللاذقية رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
أحمد بن عبد الله بن بهاء الدين بن محفوظ بن رجب العطار المعروف بابن جدي الدمشقي الشيخ ألفاضل الأديب الماهر الناظم كان رقيق الحاشية لطيف المذاكرة حسن الخط وله مشاركة جيدة في كل فن وقد ترجمه المين المحبي في نفحته فقال في وصفه سمح سهل لكل ثناء أهل كانما بينه وبين القلوب نسب أو بينه وبين الحياة سبب بمحاضرة أشهى من ريق المحبوب ومحأولة أصفى من ريق الشؤبوب وعلى الجملة فما هو الا تحفة فادم واطروفة منادم ودعوة صحة لمريض واصطباح عيش في روض أريض وبيني وبينه اخوة أو أخيها مشدودة وأبواب التمويهات عنها مسدودة مازلنا في خلسة للود ونهزه وأريحية للحظ وهزه من حين رضعنا للتألف ذلك الدر وجرينا فيه على حكم عالم الذر والله يصوننا في بقية العمر عن الغير كما صاننا عن الشوائب فيما مضى وغبر فمن أريج عاطره الذي نفح به روض خاطره
وبليلتي ساجي اللحاظ قوامه = غصين على دعص تثنيه الصبا
يهتز لينا حين يخطر مائساً = جذلان من مرح الشبيبة والصبا
بدر تقمص بالملاحة والبها = فغدا إلى كل القلوب محببا
سلت لواحظه علينا مرهفاً = ما كان الا في القلوب مجربا
يخشى على ورد الخدود للافح = فغدا بريحان العذار منقبا
سأومته وصلاً فحدق لحظه = متبرماً نحوي والوى مغضبا
فكان صفحة خده وعذاره = تفاحة رميت لتقتل عقربا
وقوله من قصيدة طويلة مطلعها
عتبي على الدهر عتب ليس يسمعه = اذ بالهوى والنوى قلبي يروعه
بانوافاً صبحت أشكو بعدما رحلوا = للبين ما بي يد التفريق تجمعه
شكوى يكاد لها صم الصفا جزعا = كما تصدع قلبي منه يصدعه
منها
ومن رسيس الهوى داء يصانعني = طول الزمان إلى ما الحب يصنعه
وانثنى من لظى الأشواق في حرق = إذا وميض الدجى يبدو تلعلعه
لم ألق يوم النوى الأحشا قلقاً = ومدمعاً بأبي الدمع يشفعه
يا صاح أين ليالينا التي سلفت = مرت سراعاً وطيب العيش أسرعه
فاعجب لنار ضلوعي كلما حمدت = أشبها من غروب الجفن أدمعه
وبات يذكي ضرامي صادع غرد = في النير بين بترتام يرجعه
يا ورق مهلاً إذا الترجاع من فرح = بالروض ام فقد ألف عن مرجعه
وله من قصيدة
أفي كل يوم بالنوى نتروع = ومن حادثات الدهر يشجيك موقع
وتشقي برسم قد ترسمه البلى = وتسقى ثراه كل نكباء زعزع
وتندب اطلالاً تعفت رسومها = وتشكو لربع أعجم ليس يسمع
وتصبح هيماً بين قفر تجوسه = وتمسي ولهاناً وانت مروع
وترمي بطرفيك الهضاب عشية = وفي كل هضب للأحبة مطلع
وقائلة فيما الوقوف وقد خلا = من القوم مصطاف يروق ومربع
فقلت لها أذرى الدموع وهكذا = أخو الشوق من فرط الصبابة يصنع
وما كنت أدري قبل وشك رحيلهم = باني إذا بانوا عن الجزع أجزع
ولا ان انفاسي يصدعها الجوى = إذا لاح برق في الدجنة يلمع
فرحت ودمع العين تجري غروبه = على الخد مني والحمائم تسجع
تنوح بشط الواديين ولي حشا = إذا ما انبرى ترنامها تنصدع
فلا كبدي تهدى ولا الشوق مقصر = ولا لوعني تخبو ولا العين تهجع
وقد رحلوا عن أيمن الجزع غدوة = فلم يبق في قرب التزاور مطمع
وقوله
ومطعف الأصداغ تختلس النهى = أبدى التشاغل عن محب واله
يبدي تلفت شادن ويدير لح = ظي جؤذ روا البدر جزء كما له
تمثال شكل الحسن لا بل انما = ذا الحسن مطبوع على تمثاله
وقد كان انشده الأمين المحبي قوله
ولما أدار الشمس بدر لا نجم = يا فوق الهنا بين الهلالين في الغسق
عجبت له يبدي لنا البدر طالعاً = وما غاب عنا بعد في جيده الشفق
فنظم المترجم هذا المعنى وانشده اياه بقوله
وساق ميود القد أحور أوطف = إذا لم يمت بالصد يقتل بالحدق
يرينا بافق الكاس شمساً توسطت = هلالين يمحو نورها آية الغسق
ومذ هم يحسوها ترفع جيده = فبان لنا صبح وما غرب الشفق
ومن ذلك قول العالم الشيخ عبد القادر العمري بن عبد الهادي وقد أجاب بهما الأمين
وساق أراثاً من بدائع حسنه = هلالين والشمس المنيرة في الغسق
فهم بها رشفا فقبل مذاقها = أتى الصبح من أطواقه ورأى الشفق
وقوله كذلك
حث شمس الجام بدر ليلة = بهلالين أطلا في نسق
فبدا من طوقه الصبح وما = غاب عنا بعد في فيه الشفق
وكتب له الأمين المحبي يستدعيه إلى روض طلع علينا هذا اليوم في نضارته يكاد صحوه يمطر من عضارته فلقينا زهره ونظمنا نثره في يوم وشي بخسرواني الديباج وغشى بما يربو على أصناف الجواهر في الابتهاج فمن نور مدرهمه بهج وزهر مدثره رهج يضاحك دره مرجانه وتعبق بصائك المسك أردائه وللنسيم فيه اعتلال اشفاق إذا ما رقد المخمور فيه أفاق والروض رطب الثرى رطب المقيل وليس فيه غير ردف الساقي ثقيل ولم نعدم ندامى بألفاظ عذاب كائنها قند مذاب معرفتهم بأغصان القدود وتفاح الخدود لا بالنصول الحداد والقسي الشداد ولديهم من ألفكاهة ولطف البداهة ما إذا جلى فما الراح والتفاح وما ريحان الأصداغ إذا فاح وان شاؤا ألحقوها بحكم متلوه وأخبار في صحف الاحسان مجلوه وعندنا لحن يثير الشجن ويبعث من الشوق ما أجن وحبيب قرب من عهد الصقال خده فلم يجف ريحانه ولم يذبل ورده يزل عن خده الدر فلا يعلق ويمش عليه انمل فيزلق وقد تمنينا فلم نجد غيرك امنيه ولا مثل ادابك غضة جنيه وعلمنا انه ما للانس مع غيبتك بهجه ولا للعيش دون لقائك مهجه فبالله الا ما انحجت الأوطار وفتحت بمذاكرتك عن جونة العطار ولك الثناء الذي يتجمل به الدهر ويتفتق رياه عن الروض فاح فيه أرج الزهر وكانت وفاة المترجم في يوم الأحد ثاني عشر شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى مع اشهاده على نفسه لولده الأديب المجيد الشيخ محمد وللشيخ عبد اللطيف العمري ابن عبد الهادي انه تارك الدنيا مقبل على الاخرى يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله وان ما جاء به رسول الله حق وان الجنة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور هكذا أشهد المذكورين على نفسه حين موته ثم انه ابتدأ في قراءة شهد الله انه لا اله الا هو إلى آخر الآية وسلم وولده المذكور ترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وكان هو ينسخه قرأ عليه كثيراً من مؤلفاته وكتبها وانا لم أظفر بكيفية أحواله حتى اترجمه ولكن من أراد الاطلاع على شيء من شعره فعليه بالذيل المذكور رحمهم الله تعالى.
المرجع
الكتاب : سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر
المؤلف : المرادي