أحمد كتبي
03-20-2011, 09:51 PM
أبو ذؤيب الهذلي
أبو ذؤيب الهذلي الشاعر .
كان مسلماً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يره . ولا خلاف أنه جاهلي إِسلامي . قيل : اسمه خويلد بن خالد بن المحَرث بن زبَيد بن مخزوم بن صَاهِلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل .
وقال ابن إِسحاق : قال أَبو ذؤيب الشاع : بلغنا أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم مريض ، فاستشعرت حزناً ، وبت بأطول ليلة لا ينجاب دَيجورها ، ولا يطلع نورها ، فَظَللت أقاسي طولها ، حتى إِذا كان قريب السحر أغفيت ، فهتف بي هاتف يقول : الكامل
خطب أجل أناخ بالإسـلام ** بين النخيل ومعقد الآطـام
قبض النبي محمد فعيوننـا ** تذري الدموع عليه بالتسجام
قال أَبو ذؤيُب : فوثبت من نومي فزعاً ، فنظرت إِلى السماءِ فلم أرإلا سعد الذابح ، فتفاءلت ذبحاً يقع في العرب . فعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض ، أَو هو ميت من علته ، فركبت ناقتي وسرت ، فلما أَصبحت طلبت شيئاً أَزجر به ، فَعَن لي شَيهم - يعني القنفذ - وقد قبض على صل - وهي الحية - فهي تلتوي عليه ، والشيهَم يَعَضها حتى أَكلها ، فزجرت ذلك فقلت : الشيهم شيء مهم ، والتواء الصل التواء الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أَولت أكل الشيهم إِياها غلبة القائم بعده على الأَمر . فحثثت ناقتي حتى إِذا كنت بالغابة زَجزت الطائر ، فأَخبرني بوفاته . ونَعَب غراب سانح فنطق بمثل ذلك ، فتعوذت بالله من شرما عن لي في طريقي . وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاءِ كضجيج الحاج إِذا أهلوا بالإِحرام ، فقلت : مه ؟ فقالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجئت المسجد فوجدته خالياً ، وأَتيت بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبت بابه مرتجاً ، وقيل : هو مسَجى ، وقد خلا به أَهله . فقلت : أَين الناس ؟ فقالوا : في سقيفة بني ساعدة ، صاروا إِلى الأَنصار . فجئت إِلى السقيفة فوجدت أَبا بكر ، وعمر ، وأَبا عبيدة بن الجراح ، وسالماً ، وجماعة من قريش . ورأَيت الأَنصار فيهم : سعد بن عباسة ، وفيهم شعراؤهم : كعب بن مالك ، وحسان بن ثابت ، وملأ منهمِ . فآويت إِلى قريش وتكلمت الأَنصار فأطالوا الخِطاب ، وأَكثروا الصواب . وتكلم أبو بكر فلله دره من رجل لا يطيل الكلام ، يعلم مواضع فصل الخصام ! والله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع إِلا انقاد له ، ومال إِليه . ثم تكلم عمر بعده بدون كلامه ، ثم مد يده فبايعه وبايعوه . ورجِع أَبو بكر فرجعت معه . قال أَبو ذؤيب : فشهدت الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وشهدت دفنه . ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي النبي صلى الله عليه وسلم : الكامل
لما رأيت الناس في عسـلانـهـم ** ما بين ملحـود لـه ومـضـرح
متبادرين لشـرجـع بـأكـفـهـم ** نص الرقاب لفقـد أبـيض أروح
فهناك صرت إلى الهموم، ومن يبت ** جار الهموم يبـيت غـير مـروح
كسفت لمصرعه النجوم وبـدرهـا ** وتضعضعت آطام بطن الأبـطـح
وترعرعت أجبال يثرب كـلـهـا ** وتخيلها لحلول خطـب مـفـدح
ولقد زجرت الطير قبـل وفـاتـه ** بمصابه وزجرت سـعـد الأذبـح
وزجرت أن نعب المشحج سانحـاً ** متـفـائلاً فـيه بـفـأل أقـبـح
ورجع أَبو ذؤيب إِلى باديته فأقام بها ، وتوفي في خلافة عثمان ، رضي الله عنه ، بطريق مكة ، فدفنه ابن الزبير . وقيل : إِنه مات بمصر منصرفاً من غزوة إِفريقية ، وكان غزاها مع عبد الله بن الزبير ومدحه ، فلما عاد ابن الزبير من إِفريقيٍة عاد معه ، فمات ، فدفنه ابن الزبير . وقيل : إِنه مات غازياً بأرض الروم ، ودفِن هناك . وكان عمر بن الخاطب نَدَبَه إِلى الجهاد ، فلم يزل مجاهداً حتى مات بأرض الروم ، فدفنه ابنه أَبو عبيد ، فقال له عند موته : الرجز
أبا عبيد ، رفع الكـتـاب ** واقترب الموعد والحساب
في أبيات ، قال محمد بن سلام : قال أَبو عمر : سئِل حسان بن ثابت : من أشعر الناس ؟ فقال حياً أَم رجلاً ؟ قالوا : حياً . قال : هذيل أَشعر الناس حَيا . قال ابن سلام : وأقول : إِن أَشعر هذيل : أبو ذؤيب . قال عمر بن شَبة : تقدم أَبو ذؤيب على سائر شعراء هذيل بقصيدته العينية التي يقول فيها بَنِيه .
وقال الأصَمعي : أَبرع بيت قالته العرب بيت أَبي ذؤيب : الكامل
والنفس راغبة إذا رغبتها ** وإذا ترد إلى قليل تقنع
وهذا البيت من شعره المفضل ، الذي يرثي فيه بنيه ، وكانوا خمسة أَصيبوا في عام واحد ، وفيه حكم وشواهد ، وأولها : الكامل
أمن المنون وريبها تـتـوجـع ** والدهر ليس بمعتب من يجزع
قالت أمامة : ما لجسمك شاحبـاً ** منذ ابتذلت ومثل مالك ينفـع ؟
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعـاً ** إلا أقض عليك ذاك المضجع ؟
فأجيتها : أم ما لجسـنـي أنـه ** أودى بني من البلاد فودعـوا
أودى بني فأعقبوني حـسـرة ** بعد الرقاد وعبرة لا تـقـلـع
فالعين بعدهم كأن حـداقـهـا ** كحلت بشوك فهي عور تدمع
سبقوا هوي وأعنقوا لهـواهـم ** فتخرموا ولكل جنب مصـرع
فغبرت بعدهم بعيش نـاصـب ** وإخال أني لاحق مستـتـبـع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهـم ** فإذا المنية أقبلـت لا تـدفـع
وإذا المنيت أنشبت أظفـارهـا ** ألفيت كل تميمة لا تـنـفـع
وتجلدي للشـامـتـين أريهـم ** أني لريب الدهر لا أتضعضع
حتى كأني للـحـوادث مـروة ** بصفا المشقر كل يوم تقـرع
والدهر لا يبقى على حدثـانـه ** جون السحاب له جدائد أربـع
أخرجه أبو عمر مطولاً ، ولحسن هذه الأبيات أوردناها جميعها ، والله أعلم .
المرجع
أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير
أبو ذؤيب الهذلي الشاعر .
كان مسلماً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يره . ولا خلاف أنه جاهلي إِسلامي . قيل : اسمه خويلد بن خالد بن المحَرث بن زبَيد بن مخزوم بن صَاهِلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل .
وقال ابن إِسحاق : قال أَبو ذؤيب الشاع : بلغنا أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم مريض ، فاستشعرت حزناً ، وبت بأطول ليلة لا ينجاب دَيجورها ، ولا يطلع نورها ، فَظَللت أقاسي طولها ، حتى إِذا كان قريب السحر أغفيت ، فهتف بي هاتف يقول : الكامل
خطب أجل أناخ بالإسـلام ** بين النخيل ومعقد الآطـام
قبض النبي محمد فعيوننـا ** تذري الدموع عليه بالتسجام
قال أَبو ذؤيُب : فوثبت من نومي فزعاً ، فنظرت إِلى السماءِ فلم أرإلا سعد الذابح ، فتفاءلت ذبحاً يقع في العرب . فعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض ، أَو هو ميت من علته ، فركبت ناقتي وسرت ، فلما أَصبحت طلبت شيئاً أَزجر به ، فَعَن لي شَيهم - يعني القنفذ - وقد قبض على صل - وهي الحية - فهي تلتوي عليه ، والشيهَم يَعَضها حتى أَكلها ، فزجرت ذلك فقلت : الشيهم شيء مهم ، والتواء الصل التواء الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أَولت أكل الشيهم إِياها غلبة القائم بعده على الأَمر . فحثثت ناقتي حتى إِذا كنت بالغابة زَجزت الطائر ، فأَخبرني بوفاته . ونَعَب غراب سانح فنطق بمثل ذلك ، فتعوذت بالله من شرما عن لي في طريقي . وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاءِ كضجيج الحاج إِذا أهلوا بالإِحرام ، فقلت : مه ؟ فقالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجئت المسجد فوجدته خالياً ، وأَتيت بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبت بابه مرتجاً ، وقيل : هو مسَجى ، وقد خلا به أَهله . فقلت : أَين الناس ؟ فقالوا : في سقيفة بني ساعدة ، صاروا إِلى الأَنصار . فجئت إِلى السقيفة فوجدت أَبا بكر ، وعمر ، وأَبا عبيدة بن الجراح ، وسالماً ، وجماعة من قريش . ورأَيت الأَنصار فيهم : سعد بن عباسة ، وفيهم شعراؤهم : كعب بن مالك ، وحسان بن ثابت ، وملأ منهمِ . فآويت إِلى قريش وتكلمت الأَنصار فأطالوا الخِطاب ، وأَكثروا الصواب . وتكلم أبو بكر فلله دره من رجل لا يطيل الكلام ، يعلم مواضع فصل الخصام ! والله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع إِلا انقاد له ، ومال إِليه . ثم تكلم عمر بعده بدون كلامه ، ثم مد يده فبايعه وبايعوه . ورجِع أَبو بكر فرجعت معه . قال أَبو ذؤيب : فشهدت الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وشهدت دفنه . ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي النبي صلى الله عليه وسلم : الكامل
لما رأيت الناس في عسـلانـهـم ** ما بين ملحـود لـه ومـضـرح
متبادرين لشـرجـع بـأكـفـهـم ** نص الرقاب لفقـد أبـيض أروح
فهناك صرت إلى الهموم، ومن يبت ** جار الهموم يبـيت غـير مـروح
كسفت لمصرعه النجوم وبـدرهـا ** وتضعضعت آطام بطن الأبـطـح
وترعرعت أجبال يثرب كـلـهـا ** وتخيلها لحلول خطـب مـفـدح
ولقد زجرت الطير قبـل وفـاتـه ** بمصابه وزجرت سـعـد الأذبـح
وزجرت أن نعب المشحج سانحـاً ** متـفـائلاً فـيه بـفـأل أقـبـح
ورجع أَبو ذؤيب إِلى باديته فأقام بها ، وتوفي في خلافة عثمان ، رضي الله عنه ، بطريق مكة ، فدفنه ابن الزبير . وقيل : إِنه مات بمصر منصرفاً من غزوة إِفريقية ، وكان غزاها مع عبد الله بن الزبير ومدحه ، فلما عاد ابن الزبير من إِفريقيٍة عاد معه ، فمات ، فدفنه ابن الزبير . وقيل : إِنه مات غازياً بأرض الروم ، ودفِن هناك . وكان عمر بن الخاطب نَدَبَه إِلى الجهاد ، فلم يزل مجاهداً حتى مات بأرض الروم ، فدفنه ابنه أَبو عبيد ، فقال له عند موته : الرجز
أبا عبيد ، رفع الكـتـاب ** واقترب الموعد والحساب
في أبيات ، قال محمد بن سلام : قال أَبو عمر : سئِل حسان بن ثابت : من أشعر الناس ؟ فقال حياً أَم رجلاً ؟ قالوا : حياً . قال : هذيل أَشعر الناس حَيا . قال ابن سلام : وأقول : إِن أَشعر هذيل : أبو ذؤيب . قال عمر بن شَبة : تقدم أَبو ذؤيب على سائر شعراء هذيل بقصيدته العينية التي يقول فيها بَنِيه .
وقال الأصَمعي : أَبرع بيت قالته العرب بيت أَبي ذؤيب : الكامل
والنفس راغبة إذا رغبتها ** وإذا ترد إلى قليل تقنع
وهذا البيت من شعره المفضل ، الذي يرثي فيه بنيه ، وكانوا خمسة أَصيبوا في عام واحد ، وفيه حكم وشواهد ، وأولها : الكامل
أمن المنون وريبها تـتـوجـع ** والدهر ليس بمعتب من يجزع
قالت أمامة : ما لجسمك شاحبـاً ** منذ ابتذلت ومثل مالك ينفـع ؟
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعـاً ** إلا أقض عليك ذاك المضجع ؟
فأجيتها : أم ما لجسـنـي أنـه ** أودى بني من البلاد فودعـوا
أودى بني فأعقبوني حـسـرة ** بعد الرقاد وعبرة لا تـقـلـع
فالعين بعدهم كأن حـداقـهـا ** كحلت بشوك فهي عور تدمع
سبقوا هوي وأعنقوا لهـواهـم ** فتخرموا ولكل جنب مصـرع
فغبرت بعدهم بعيش نـاصـب ** وإخال أني لاحق مستـتـبـع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهـم ** فإذا المنية أقبلـت لا تـدفـع
وإذا المنيت أنشبت أظفـارهـا ** ألفيت كل تميمة لا تـنـفـع
وتجلدي للشـامـتـين أريهـم ** أني لريب الدهر لا أتضعضع
حتى كأني للـحـوادث مـروة ** بصفا المشقر كل يوم تقـرع
والدهر لا يبقى على حدثـانـه ** جون السحاب له جدائد أربـع
أخرجه أبو عمر مطولاً ، ولحسن هذه الأبيات أوردناها جميعها ، والله أعلم .
المرجع
أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير