ريمة مطهر
03-14-2011, 08:47 PM
المدرسة الطازية .. القدس
الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ، تظلّ بأجنحتها أهل العلم والإيمان وتدعو لهم في الطرقات ، وتبحث عن حلقاتهم لتزيدها بهجةً وسروراً ، وتصلّي على الحاضرين طالبةً لهم المغفرة والرضوان ، فهم القوم لا يشقى بهم جليسٌ ، ومن هذا الفهم ، ومن أجل ذلك انتشرت آلاف المدارس والحلقات وسميت بأسماء المؤسسين والأماكن ، وكان من أشهر هذه المدارس المدرسة الطازية التي ما زالت شاهدةً على عصرها حتى يومنا هذا .
الموقع
تقع المدرسة في الناحية الشمالية لطريق باب السلسلة شرقيّ الكيلانية مباشرة ، وقد قال مجير الدين في موقعها ( إنها تقع في شارع داود قرب باب السلسلة وسماه العمري بالشارع الأعظم وهو الشارع الذي ضمّ في حناياه عشرات المدارس ) .
تاريخ الإنشاء
أنشئت هذه المدرسة في سنة ثلاث وستين وسبعمائة في الفترة المملوكية في عهد الملك الناصر محمد .
المُنشئ
وهو الأمير المقرّ الأشرف السيفي طازمملوك السلطان الملك الناصر محمد ، وهو أحد الأمراء الستة الذين حكموا في فلسطين ، واستمرّ حكمه حتى زمن الملك الصالح ، وفي زمن السلطان حسن أُبعِدَ عن مركز القوة ليكون حاكماً في حلب ، وفي أوائل عام 795هـ اعتُقِل وسُجِن في الإسكندرية وأصبح أعمى ، وعندما أطيح بالسلطان حسن أُفرِج عن طاز وسُمِح له بالإقامة في القدس ، وكان طاز قد تزوّج من ابنتيْن للناصر محمد ، توفّيت الأولى في سنة 750هـ ثم تزوج الثانية في سنة 752هـ ، وتوفي في عام 763هـ بعدها ، ودفن في دمشق في مقبرة الصوفيين .
وصف المدرسة
المدرسة عبارة عن مبنى قديم جاء على شكل (ـا) وهذا يدلّل على أنّ المباني المجاورة قد حدّدت شكْل بناء هذه المدرسة ، وهي عبارة عن ثلاثة غرف ولها مدخلٌ رئيس ودرج يعرج إلى غرفتين في الطابق العلوي ، أما الدهليز في الطابق السفلي فيؤدّي إلى قاعتين معقودتين ، القاعة الغربية تمتدّ حتى تصل إلى الناحية الشمالية للكيلانية ، والقاعة الثانية تمتدّ إلى الغرب حتى تصل الشارع ، وقد هُدِم الجزء العلوي من المدرسة ومن الصعب التكهّن بطبيعة عقدها وشكْلها حالياً ، إلا أنّ مجير الدين أكّد أنّ عليها نقش على واجهة المبنى وقد أشارت الوقفيات وسجلات المحكمة الشرعية إلى تاريخ هذه المدرسة العريقة .
النقش
نشره " فان برشم " في كتابه " نقوش القدس " وقال إنّ هناك لوحة كتبت بالخط المملوكي موجودة فوق إحدى نوافذ المدرسة جاء فيها ( بسم الله الرحمن الرحيم هذه تربة العبد الفقير إلى الله تعالى المقرّ الأشرف السيفي طاز ، توفي رحمه الله سنة ثلاث وستين وسبعمائة ) .
وقفيات المدرسة
أشار دفتر سجلات المحكمة رقم 602هـ إلى أنّ كل قرية " منيا " في منطقة صفد موقوفة على المدرسة ، بما فيها دكان وفرن الخباز والطاحون في القرية المذكورة ، وأنّ متولي هذا الوقف هم أولاد طاز .
الحركة العلميّة في المدرسة
ذكر العسلي عن سجلات المحكمة الشرعية سجل رقم 57 صفحة 62 لسنة 984هـ أنّه كان في المدرسة في تلك السنة عشرة موظفين هم : الناظر ، المتولي ، شيخ المدرسة ، معيد في المدرسة ، إمام ، شاهد وفقيه ، كاتب ، بواب وفراش ، جابي ، وقيّم .
وكان فيها من القراء خمس وعشرون قارئاً ، وعدد الطلاب سبعة عشر ، وتشير الدلائل إلى أنّ المدرسة كانت شاملة لمدرسة للقرآن ومدرسة للفقه وكانت على المذهب الشافعي ، وقد أوردت السجلات العديد من الأرقام التي تدلِّل على الرواتب وما أُنفِق من أموالٍ لتعمير المدرسة ، وكذلك ما أنفق على الإضاءة لمسجد صفد ، وهناك شيوخ درّسوا بالطازية ، أشهرهم شمس الدين محمد بن حامد بن أحمد الأنصاري ، شرف الدين عبد الرحمن القلقشندي ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ زين الدين المقدسي/ قاضي القدس وخطيب المسجد الأقصى المبارك ، محمود بن أحمد الديري ، عيسى بن شمس الدين بن محمد النصري ، علاء الدين محمد بن أبي اللطف .
ختاماً
فإنّ هذه المدرسة التي ذكرنا من تاريخها ومكانتها تحوي اليوم عدة مقامات مغلقة ، والجزء الآخر منها استخدم سكناً ولا أدري ما السبيل إلى إعادة مثل هذه المدارس وإعادة الأوقاف التي أوقفت على مثل هذه المدارس إلى أهلها ، ولا أجِدُ جواباً إلا في قول الله تعالى " ولتكن منكم أمهٌ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " .
إن إرجاع مثل هذه المدارس لهو المعروف الجميل ، وإن السكوت عنها وتضييعها لهو المنكر المذموم ، وإني أسأل الله في الختام أن يوفقنا جميعاً للعمل على تحقيق أوامر الله ومنهاج الله والحفاظ على هذه المدارس لعلنا ننعم بمدرسة أخرى من مدارس العز في حلقة قادمة بإذن الله تعالى .
المصدر
ناجح بكيرات - نقلاً عن مؤسسة فلسطين للثقافة
الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ، تظلّ بأجنحتها أهل العلم والإيمان وتدعو لهم في الطرقات ، وتبحث عن حلقاتهم لتزيدها بهجةً وسروراً ، وتصلّي على الحاضرين طالبةً لهم المغفرة والرضوان ، فهم القوم لا يشقى بهم جليسٌ ، ومن هذا الفهم ، ومن أجل ذلك انتشرت آلاف المدارس والحلقات وسميت بأسماء المؤسسين والأماكن ، وكان من أشهر هذه المدارس المدرسة الطازية التي ما زالت شاهدةً على عصرها حتى يومنا هذا .
الموقع
تقع المدرسة في الناحية الشمالية لطريق باب السلسلة شرقيّ الكيلانية مباشرة ، وقد قال مجير الدين في موقعها ( إنها تقع في شارع داود قرب باب السلسلة وسماه العمري بالشارع الأعظم وهو الشارع الذي ضمّ في حناياه عشرات المدارس ) .
تاريخ الإنشاء
أنشئت هذه المدرسة في سنة ثلاث وستين وسبعمائة في الفترة المملوكية في عهد الملك الناصر محمد .
المُنشئ
وهو الأمير المقرّ الأشرف السيفي طازمملوك السلطان الملك الناصر محمد ، وهو أحد الأمراء الستة الذين حكموا في فلسطين ، واستمرّ حكمه حتى زمن الملك الصالح ، وفي زمن السلطان حسن أُبعِدَ عن مركز القوة ليكون حاكماً في حلب ، وفي أوائل عام 795هـ اعتُقِل وسُجِن في الإسكندرية وأصبح أعمى ، وعندما أطيح بالسلطان حسن أُفرِج عن طاز وسُمِح له بالإقامة في القدس ، وكان طاز قد تزوّج من ابنتيْن للناصر محمد ، توفّيت الأولى في سنة 750هـ ثم تزوج الثانية في سنة 752هـ ، وتوفي في عام 763هـ بعدها ، ودفن في دمشق في مقبرة الصوفيين .
وصف المدرسة
المدرسة عبارة عن مبنى قديم جاء على شكل (ـا) وهذا يدلّل على أنّ المباني المجاورة قد حدّدت شكْل بناء هذه المدرسة ، وهي عبارة عن ثلاثة غرف ولها مدخلٌ رئيس ودرج يعرج إلى غرفتين في الطابق العلوي ، أما الدهليز في الطابق السفلي فيؤدّي إلى قاعتين معقودتين ، القاعة الغربية تمتدّ حتى تصل إلى الناحية الشمالية للكيلانية ، والقاعة الثانية تمتدّ إلى الغرب حتى تصل الشارع ، وقد هُدِم الجزء العلوي من المدرسة ومن الصعب التكهّن بطبيعة عقدها وشكْلها حالياً ، إلا أنّ مجير الدين أكّد أنّ عليها نقش على واجهة المبنى وقد أشارت الوقفيات وسجلات المحكمة الشرعية إلى تاريخ هذه المدرسة العريقة .
النقش
نشره " فان برشم " في كتابه " نقوش القدس " وقال إنّ هناك لوحة كتبت بالخط المملوكي موجودة فوق إحدى نوافذ المدرسة جاء فيها ( بسم الله الرحمن الرحيم هذه تربة العبد الفقير إلى الله تعالى المقرّ الأشرف السيفي طاز ، توفي رحمه الله سنة ثلاث وستين وسبعمائة ) .
وقفيات المدرسة
أشار دفتر سجلات المحكمة رقم 602هـ إلى أنّ كل قرية " منيا " في منطقة صفد موقوفة على المدرسة ، بما فيها دكان وفرن الخباز والطاحون في القرية المذكورة ، وأنّ متولي هذا الوقف هم أولاد طاز .
الحركة العلميّة في المدرسة
ذكر العسلي عن سجلات المحكمة الشرعية سجل رقم 57 صفحة 62 لسنة 984هـ أنّه كان في المدرسة في تلك السنة عشرة موظفين هم : الناظر ، المتولي ، شيخ المدرسة ، معيد في المدرسة ، إمام ، شاهد وفقيه ، كاتب ، بواب وفراش ، جابي ، وقيّم .
وكان فيها من القراء خمس وعشرون قارئاً ، وعدد الطلاب سبعة عشر ، وتشير الدلائل إلى أنّ المدرسة كانت شاملة لمدرسة للقرآن ومدرسة للفقه وكانت على المذهب الشافعي ، وقد أوردت السجلات العديد من الأرقام التي تدلِّل على الرواتب وما أُنفِق من أموالٍ لتعمير المدرسة ، وكذلك ما أنفق على الإضاءة لمسجد صفد ، وهناك شيوخ درّسوا بالطازية ، أشهرهم شمس الدين محمد بن حامد بن أحمد الأنصاري ، شرف الدين عبد الرحمن القلقشندي ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ زين الدين المقدسي/ قاضي القدس وخطيب المسجد الأقصى المبارك ، محمود بن أحمد الديري ، عيسى بن شمس الدين بن محمد النصري ، علاء الدين محمد بن أبي اللطف .
ختاماً
فإنّ هذه المدرسة التي ذكرنا من تاريخها ومكانتها تحوي اليوم عدة مقامات مغلقة ، والجزء الآخر منها استخدم سكناً ولا أدري ما السبيل إلى إعادة مثل هذه المدارس وإعادة الأوقاف التي أوقفت على مثل هذه المدارس إلى أهلها ، ولا أجِدُ جواباً إلا في قول الله تعالى " ولتكن منكم أمهٌ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " .
إن إرجاع مثل هذه المدارس لهو المعروف الجميل ، وإن السكوت عنها وتضييعها لهو المنكر المذموم ، وإني أسأل الله في الختام أن يوفقنا جميعاً للعمل على تحقيق أوامر الله ومنهاج الله والحفاظ على هذه المدارس لعلنا ننعم بمدرسة أخرى من مدارس العز في حلقة قادمة بإذن الله تعالى .
المصدر
ناجح بكيرات - نقلاً عن مؤسسة فلسطين للثقافة