م.أديب الحبشي
01-26-2011, 01:17 PM
ميناء جدة البحري
قيل عن جدة "ميناء تهامي قديم" أطلق عليها حيناُ "ميناء الأحباش" . . وردت أول إشارة إليها كميناء لمكة لمكرمة عام 26هـ حينما اختارها الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي لله عنه بديلاَ عن "الشعيبة" في الرأس الأسود. . وجدة الميناء تشتمل على الشعيبة . . فأي ميناء لمكة لا يبعد كثيراً عن جدة فهو اليوم موضع محلة أو ضاحية من ضواحي جدة الحالية مثل الرويس وانلزلة اليمانية وطريق المدينة.
وكانت جدة خلال حقبها الإسلامية تتشرف بارتباطها بمكة المكومة ، وخضعت طيلة فتراتها لأشراف مكة الذي خضعوا بدورهم خلال بعض الحقب لأشراف المدينة المنورة إلى أن قسم الأتراك الحجاز إلى ثلاثة أقسام : مكة المكرمة ، جدة ، المدينة المنورة . . ثم استقل "الملك الحسين بن علي" بكامل الحجاز عقب الحرب العالمية الأولى .
وقد استخدم ميناء جدة منذ أقدم العصور بواسطة المراكب الشراعية وهي في طريقها من وإلي أقطار سواحل البحر الأبيض المتوسط وهي تحمل العاج والريش وأخشاب الصندل وبضائع أخرى ، كما كانت تصدر البن إلى مصر وتستورد الحبوب بدلاً عنها .
غير أن جدة لم تصبح كميناء لمكة المكرمة بل للحجاز بأكمله . ومن أكبر الموانئ في الشوق كله قبل القرن التاسع الهجري . وكان أهلها في حاجة إلى مساعدات مصر حتى القرن الثامن . .
إلا أن جدة بدأت تتحول إلى مرفأ عالمي في عشرينات القرن التاسع الهجري . ويورد المؤرخون في هذا الصدد أخباراً متناثرة من غير تعليق ، لكنها في غاية الأهمية لفهم ما قد حصل من تحول في حجم التجارة ونوعيتها في ميناء جدة.
وجدير بنا أن نذكر مقتطفات من بعض تلك الأخبار :
أولاً : سنة 822هـ ( وصلت المراكب القادمة إلى جدة أواخر ذو القعدة . فصالح السيد / حسن التجار الذين بها على عشرة ألاف دينار بعد وصوله لملاقاة الحجاج ).
وكانت تلك بداية قوة جدة التجارية وارتفاع دخلها من هذا المورد اوتفاعاً هائلاً في سنوات قليلة . ولم يكن السلاطين قد فطنوا إلى ما يمكن لبندر جدة أن يكسب . فظل شريف مكة منفرداً بأخذ العشور من التجار باعتبارهم جدة ميناءاً لمكة وتابعه لها وهى مقصد التجار الذين ينزلون بها وكانت العشور التي يدفعها التجار بجدة تؤمن لهم الطريق وتجعلهم في حماية أمير مكة سواء في دجة أو في مكة ، فكانت مكوساً وخفارة وحماية في نفس الوقت . .
وكانت خطوة التجار هذه بداية تحول واسع إلى ميناء جدة . فقد كانت المراكب الواردة من سواحل الهند ترد من قبل إلى عدن ( ولم يعرف قط أنها تعدت بندر عدن ).
ثانيا : سنة 825هـ خرج من مدينة "كاليكوت" تاجر هندي جرئ اسمه "إبراهيم" فلما مر على باب المندب حاول أن لا يرسوا بعدن للمعاملة السيئة التي كان سلطان اليمن يعامل بها التجار حتى ليكاد يصادر الجزء الأكبر من سلعهم ، واستمر إبراهيم في سيره حتى نزل جدة. إلا أنه حظه هنا كان أسوأ (فاستولى الشريف حسن بن عجلان على ما معه من البضائع وطرحها على التجار بمكة ).
فلما كانت السنة الثانية أى 826هـ قدم إبراهيم من الهند فلم ينزل بعدن ولا بجدة فأرسى بمدينة ( سواكن) ثم بجزيرة (دهلك) فعامله صاحبها أسوأ معاملة. .
فحاول 827هـ أن ينزل ينبع فتجاوز جدة وعدن معاً ، وكان خبره قد بلغ السلطان فأمر الأمير "قرقماش" أن يعده بالأمن والأمان على تجارته على أن يعود إلى جدة (فما زال يتلطف به حتى أرسى بجدة بمركبين فجامله أحسن مجاملة حتى قويت رغبته ومضى شاكراً ).
ثم عاد إبراهيم سنة 828هـ ومعه هذه المرة أربعة عشرة مركباً مملوءة بالبضائع وكان السلطان المملوكي "برسباى" قد عرف تماماً ما يمكن أن يستفيده من رسو السفن التجارية بجدة . فأراد مشاركة أمير مكة في ذلك وأرسل السلطان رجلاً من قبله هو "سعد الدين بن المره" ليأتيه بنصيب من مكوس جدة لا يتجاوز العشر فبلغ ما حصله تلك السنة سبعين ألف دينار (فصارت جدة من حينئذ بندراً عظيما للغاية ).
حتى إذ كانت سنة (829هـ - 830هـ) وصل من الهند وهرمز أربعين موكباً تحمل أصناف البضائع ( ذلك أن التجار وجدوا راحة بجدة بخلاف ما كانوا يجدونه بعدن فتركوا بندر عدن واستجدوا بندر جدة عوضه . فاستمر بندر جدة عظيما وتلاشى أمر عدن من أجل هذا ، وضعف حال متملك اليمن ).
يتبع
قيل عن جدة "ميناء تهامي قديم" أطلق عليها حيناُ "ميناء الأحباش" . . وردت أول إشارة إليها كميناء لمكة لمكرمة عام 26هـ حينما اختارها الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي لله عنه بديلاَ عن "الشعيبة" في الرأس الأسود. . وجدة الميناء تشتمل على الشعيبة . . فأي ميناء لمكة لا يبعد كثيراً عن جدة فهو اليوم موضع محلة أو ضاحية من ضواحي جدة الحالية مثل الرويس وانلزلة اليمانية وطريق المدينة.
وكانت جدة خلال حقبها الإسلامية تتشرف بارتباطها بمكة المكومة ، وخضعت طيلة فتراتها لأشراف مكة الذي خضعوا بدورهم خلال بعض الحقب لأشراف المدينة المنورة إلى أن قسم الأتراك الحجاز إلى ثلاثة أقسام : مكة المكرمة ، جدة ، المدينة المنورة . . ثم استقل "الملك الحسين بن علي" بكامل الحجاز عقب الحرب العالمية الأولى .
وقد استخدم ميناء جدة منذ أقدم العصور بواسطة المراكب الشراعية وهي في طريقها من وإلي أقطار سواحل البحر الأبيض المتوسط وهي تحمل العاج والريش وأخشاب الصندل وبضائع أخرى ، كما كانت تصدر البن إلى مصر وتستورد الحبوب بدلاً عنها .
غير أن جدة لم تصبح كميناء لمكة المكرمة بل للحجاز بأكمله . ومن أكبر الموانئ في الشوق كله قبل القرن التاسع الهجري . وكان أهلها في حاجة إلى مساعدات مصر حتى القرن الثامن . .
إلا أن جدة بدأت تتحول إلى مرفأ عالمي في عشرينات القرن التاسع الهجري . ويورد المؤرخون في هذا الصدد أخباراً متناثرة من غير تعليق ، لكنها في غاية الأهمية لفهم ما قد حصل من تحول في حجم التجارة ونوعيتها في ميناء جدة.
وجدير بنا أن نذكر مقتطفات من بعض تلك الأخبار :
أولاً : سنة 822هـ ( وصلت المراكب القادمة إلى جدة أواخر ذو القعدة . فصالح السيد / حسن التجار الذين بها على عشرة ألاف دينار بعد وصوله لملاقاة الحجاج ).
وكانت تلك بداية قوة جدة التجارية وارتفاع دخلها من هذا المورد اوتفاعاً هائلاً في سنوات قليلة . ولم يكن السلاطين قد فطنوا إلى ما يمكن لبندر جدة أن يكسب . فظل شريف مكة منفرداً بأخذ العشور من التجار باعتبارهم جدة ميناءاً لمكة وتابعه لها وهى مقصد التجار الذين ينزلون بها وكانت العشور التي يدفعها التجار بجدة تؤمن لهم الطريق وتجعلهم في حماية أمير مكة سواء في دجة أو في مكة ، فكانت مكوساً وخفارة وحماية في نفس الوقت . .
وكانت خطوة التجار هذه بداية تحول واسع إلى ميناء جدة . فقد كانت المراكب الواردة من سواحل الهند ترد من قبل إلى عدن ( ولم يعرف قط أنها تعدت بندر عدن ).
ثانيا : سنة 825هـ خرج من مدينة "كاليكوت" تاجر هندي جرئ اسمه "إبراهيم" فلما مر على باب المندب حاول أن لا يرسوا بعدن للمعاملة السيئة التي كان سلطان اليمن يعامل بها التجار حتى ليكاد يصادر الجزء الأكبر من سلعهم ، واستمر إبراهيم في سيره حتى نزل جدة. إلا أنه حظه هنا كان أسوأ (فاستولى الشريف حسن بن عجلان على ما معه من البضائع وطرحها على التجار بمكة ).
فلما كانت السنة الثانية أى 826هـ قدم إبراهيم من الهند فلم ينزل بعدن ولا بجدة فأرسى بمدينة ( سواكن) ثم بجزيرة (دهلك) فعامله صاحبها أسوأ معاملة. .
فحاول 827هـ أن ينزل ينبع فتجاوز جدة وعدن معاً ، وكان خبره قد بلغ السلطان فأمر الأمير "قرقماش" أن يعده بالأمن والأمان على تجارته على أن يعود إلى جدة (فما زال يتلطف به حتى أرسى بجدة بمركبين فجامله أحسن مجاملة حتى قويت رغبته ومضى شاكراً ).
ثم عاد إبراهيم سنة 828هـ ومعه هذه المرة أربعة عشرة مركباً مملوءة بالبضائع وكان السلطان المملوكي "برسباى" قد عرف تماماً ما يمكن أن يستفيده من رسو السفن التجارية بجدة . فأراد مشاركة أمير مكة في ذلك وأرسل السلطان رجلاً من قبله هو "سعد الدين بن المره" ليأتيه بنصيب من مكوس جدة لا يتجاوز العشر فبلغ ما حصله تلك السنة سبعين ألف دينار (فصارت جدة من حينئذ بندراً عظيما للغاية ).
حتى إذ كانت سنة (829هـ - 830هـ) وصل من الهند وهرمز أربعين موكباً تحمل أصناف البضائع ( ذلك أن التجار وجدوا راحة بجدة بخلاف ما كانوا يجدونه بعدن فتركوا بندر عدن واستجدوا بندر جدة عوضه . فاستمر بندر جدة عظيما وتلاشى أمر عدن من أجل هذا ، وضعف حال متملك اليمن ).
يتبع