شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : آدم عليه السلام


جمانة كتبي
01-25-2011, 10:02 PM
( آدم عليه السلام )



بداية نستعرض قصته عليه السلام من مواضع متفرقة من القرآن ، ولنذكر بعدها مضمون ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات ، وما يتعلق بها من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب الإمام ابن كثير رحمه الله ( قَصص الأنبياء ) والله المستعان .






قال الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ 30 وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 31 قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 32 قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ 33 وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ 34 وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ 35 فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 36 فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 37 قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 38 وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 39}البقرة .

وقال تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ 59 } آل عمران . وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا 1 } النساء .

كما قال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 13 } الحجرات .

وقال تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } الأعراف : 189 .

وقال تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ 11 قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ 12 قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ 13 قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 14 قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ 15 قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ 16 ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ 17 قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ 18 وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 19 فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ 20 وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ 21 فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ 22 قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ 23 قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 24 قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ 25 } الأعراف .

كما قال في الآية الأخرى : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى 55 } طه .

وقال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 26 وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ 27 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 28 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ 29 فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 30 إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ 31 قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ 32 قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 33 قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ 34 وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ 35 قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 36 قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ 37 إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 38 قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 39 إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ 40 قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ 41 إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ 42 وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ 43 لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ 44 } الحجر .

وقال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا 61 قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً 62 قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا 63 وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا 64 إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً 65 } الإسراء .

وقال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا 50 } الكهف .

وقال تعالى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا 115 وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى 116 فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى 117 إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى 118 وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى 119 فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى 120 فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى 121 ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى 122 قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى 123 وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى 124 قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا 125 قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى 126 } طه .

وقال تعالى : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ 67 أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ 68 مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ 69 إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ 70 إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ 71 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ 72 فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 73 إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ 74 قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ 75 قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ 76 قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ 77 وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ 78 قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 79 قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ 80 إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 81 قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 82 إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ 83 قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ 84 لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ 85 قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ 86 إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ 87 وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ 88 } ص .


http://174.132.118.28/img/all/Dec08/y9nBsk12250338.gif" alt=""/>

جمانة كتبي
01-25-2011, 10:06 PM
باب ما ورد في خلق آدم عليه السلام




أخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلاً لهم : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضاً كما قال : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ } الأنعام : 165. وقال تعالى : { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ } النمل : 62. فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته ، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه ، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة ، لا على وجه الاعتراض والتنقص لبني آدم والحسد لهم ، كما قد يتوهمه بعض جهلة المفسرين ، قالوا : {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء } . وقيل علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن والحِن – سفلة الجن وضعفاؤهم أو هم خلق بين الإنس والجن - قاله قتادة . وقال عبد الله بن عمر : كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء ، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور . وعن ابن عباس نحوه وعن الحسن ألهموا ذلك . وقيل : لما أطلعوا عليه من اللوح المحفوظ ، فقيل أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له السجل رواه ابن أبي حاتم عن أبي جعفر الباقر . وقيل : لأنهم علموا أن الأرض لا يخلق منها إلا من يكون بهذه المثابة غالباً .

{ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } أي نعبدك دائماً لا يعصيك منا أحد ، فإن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدوك فها نحن أولاء لا نفتر ليلاً ولا نهاراً . {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق خلق هؤلاء ما لا تعلمون ، أي سيوجد منهم الأنبياء والمرسلون والصديقون والشهداء الصالحون .
ثم بين لهم شرف آدم عليه السلام عليهم في العلم فقال : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا } قال ابن عباس : هي هذه الأسماء لا يتعارف بها الناس : إنسان ، ودابة ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجبل ، وجمل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها . وقال مجاهد : علمه اسم الصحفة – قصعة كبيرة منبسطة - ، والقدر ، حتي الفسوة والفسية . وقال مجاهد : علمه اسم كل دابة ، وكل طير وكل شيء وكذا قال سعيد بن جبير وقتادة وغير واحد . وقال الربيع : علمه أسماء الملائكة وقال عبد الرحمن بن زيد : علمه أسماء ذريته . والصحيح : أنه علمه أسماء الذوات وأفعالها مكبرها ومصغرها ، كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما وذكر البخاري هنا ما رواه هو و مسلم من طريق سعيد وهشام ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفَعْنا إلى ربنا ، فيأتون آدم فيقولون أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء " [ البخاري : 3/1350 – مسلم : إيمان 323 – أحمد : 3/ 116 ] وذكر تمام الحديث .

{ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . قال الحسن البصري : لما أراد الله خلق آدم ، قالت الملائكة : لا يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه فابتلوا بهذا ، وذلك قوله : { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} . وقيل غير ذلك كما بسطناه في التفسير – تفسير القرآن العظيم لابن كثير رحمه الله - .
قالوا : { سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } أي سبحانك أن يحيط أحد بشيء من علمك من غير تعليمك ، كما قال : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء } البقرة : 255.

{ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } أي أعلم السر كما أعلم العلانية . وقيل : إن المراد بقوله : { َأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ }ما قالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها " وبقوله : { وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }المراد بهذا الكلام إبليس حين أسَرَّ الكبر والنَّفاسة – الحسد - على آدم عليه السلام ، قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسدي والضحاك والثوري واختاره ابن جرير . وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة : { وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }قولهم : لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه .

وقوله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ } هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، كما قال : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } الحجر : 29. فهذه أربع تشريفات : خلقه بيده الكريمة ، ونفخه من روحه ، وأمر الملائكة بالسجود له ، وتعلميه أسماء الأشياء . ولهذا قال له موسى حين اجتمع هو وإياه في الملأ الأعلى وتناظرا كما سيأتي : " أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء " وهكذا يقول له أهل المحشر يوم القيامة كما تقدم ، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى .

وقال في الآية الأخرى : { لَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ 11 قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ 12 } الأعراف .قال الحسن البصري : قال إبليس ، وهو أول من قاس وقال محمد بن سيرين : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس ، رواهما ابن جرير . ومعنى هذا أنه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له ، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود والقياس إذا كان مقابلاً بالنص كان فاسد الإعتبار ، ثم هو فاسد في نفسه ، فإن الطين أنفع وخير من النار ، لأن الطين فيه الرزانة والحلم والأناة والنمو ، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق .

ثم إن آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه ، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له ، كما قال : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 28 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ 29 فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 30 إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ 31 قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ 32 قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 33 قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ 34 وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ 35 } الحجر . استحق هذا من الله تعالى لأنه استلزم تنقصه لآدم وازدارءه به وترفعه عليه مخالفة الأمر الإلهي ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين . وشرع في الإعتذار بما لا يجدي عنه شيئاً ، وكان اعتذاره أشد من ذنبه كما قال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا 61 قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً 62 قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا 63 وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا 64 إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً 65 } الإسراء .

وقال في سورة الكهف – 50 - : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي } أي خرج عن طاعة الله عمداً وعناداً وإستكباراً عن امتثال أمره ، وما ذاك إلا لأنه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليه ، فإن مخلوق من نار كما قال ، وكما جاء في صحيح مسلم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خُلقت الملائكة من نور ، وخُلقت الجان من مارج من نار ، وخُلق آدم مما وصف لكم " [ مسلم : زهد 60 – أحمد : 6/168 ] .

قال الحسن البصري : لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط وقال شهر بن حوشب : كان من الجن ، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله إليه جنداً من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم إلى جزائر البحار ، وكان إبليس ممن أسر فأخذوه معهم إلى السماء فكان هناك ، فلما أمرت الملائكة بالسجود امتنع إبليس منه
قال ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة وسعيد بن المسيب وآخرون : كان إبليس رئيس الملائكة بالسماء الدنيا قال ابن عباس : وكان اسمه عزازيل ، وفي رواية عنه : الحارث قال النقاش : وكنيته أبو كردوس قال ابن عباس : وكان من حي من الملائكة يقال لهم الجن ، وكانوا خزان الجنان ، وكان من أشرفهم ومن أكثرهم علماً وعبادة وكان من أولى الأجنحة الأربعة فمسخه الله شيطاناً رجيماً .

وقال في سورة ص : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ 71 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ 72 فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 73 إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ 74 قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ 75 قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ 76 قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ 77 وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ 78 قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 79 قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ 80 إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 81 قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 82 إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ 83 قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ 84 لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ 85 } .

وقال في سورة الأعراف : { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ 16 ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ 17 } أي بسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم كل مرصد – موضع المراقبة - ، ولآتينهم من كل جهة منهم ، فالسعيد من خالفه والشقي من اتبعه . وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا أبو عقيل - هو عبد الله بن عقيل الثقفي - حدثنا موسى بن المسيب ، وعن سالم بن أبي الجعد ، عن سبرة بن أبي الفاكه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الشيطان قعد لابن آدم بأَطْرُقِهِ " [ أحمد : 3/483 ] وذكر الحديث .

وقد اختلف المفسرون في الملائكة المأمورين بالسجود لآدم . أَهُم جميع الملائكة كما دل عليه عموم الآيات ؟ وهو قول الجمهور . أو المراد بهم ملائكة الأرض ، كما رواه ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس ؟ وفيه انقطاع وفي السياق نكارة ، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه . ولكن الأظهر من السياقات الأولى ، ويدل عليه الحديث : " وأسجدَ له ملائكته " [ البخاري : 3/1350 – مسلم : إيمان 323 – أحمد : 3/116 ] وهذا عموم أيضاً ، والله أعلم . وقوله تعالى لإبليس : { اهْبِطْ مِنْهَا } و { اخْرُجْ مِنْهَا } دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها ، والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته ، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة ، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه ، فأهبط إلى الأرض مذءوماً مدحوراً .

وأمر الله آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة فقال : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ }وقال في الأعراف : { قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ 18 وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 19} .
وقال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى 116 فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى 117 إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى 118 وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى 119 } طه .
وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم إلى الجنة لقوله : { يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } وهذا قد صرح به إسحاق بن يسار ، وهو ظاهر هذه الآيات . ولكن حكى السدي عن أبي صالح وأبي مالك ، وعن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا : أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة ، فكان يمشي فيها وحشي ليس له فيها زوج يسكن إليها ، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها : ما أنت ؟ قالت : امرأة قال : ولم خلقت ؟ قالت : لتسكن إلي فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه : ما اسمها يا آدم ؟ قال : حواء ، قالوا : ولم كانت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي . وذكر محمد بن إسحاق ، عن ابن عباس : أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر وهو نائم ولأم – لأم الجرح : شدّه وجمعه - مكانه لحماً . ومصداق هذا في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء } النساء .وفي قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ }الأعراف . وسنتكلم عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى .

وفي الصحيحين من حديث زائدة ، عن ميسرة الأشجعي عن أبي حازم ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " استوصوا بالنساء خيراً ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإنّ أعْوَج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبتَ تُقِيمه كسرته ، وإن تركتَه لم يزل أعْوَج فاستوصوا بالنساء خيراً " [ البخاري (3331) 2/1024 – مسلم : رضاع 60 ] وهذا لفظ البخاري .

وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ } فقيل : هي الكَرْم ، وروى عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والشعبي وجعدة بن هبيرة ، ومحمد بن قيس ، والسدي في رواية عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وناس من الصحابة ، قال : وتزعم يهود أنها الحنطة ، وهذا مروى عن ابن عباس والحسن والبصري ، ووهب بن منبه ، وعيطة العوفي ، وأبي مالك ، ومحارب بن دثار ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى . وقال وهب : والحبة منه ألين من الزبد وأحلى من العسل . وقال الثوري عن أبي حصين ، عن أبي مالك : { وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ }هي النخلة وقال ابن جريج عن مجاهد : هي التينة ، وبه قال قتادة ، وابن جريج ، وقال أبو العالية : كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي في الجنة حدث . وهذا الخلاف قريب ، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها ، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا ، كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن . وإنما الخلاف الذي ذكروه في أن هذه الجنة التي أدخلها آدم : هل هي في السماء أو في الأرض ، هو الخلاف الذي ينبغي فصله والخروج منه . والجمهور على أنها هي التي في السماء ، وهي جنة المأوى ، لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي ، وإنما تعود على معهد ذهني ، وهو مستقر شرعاً من جنة المأوي وكقوله موسى عليه السلام لآدم عليه السلام : " علامَ أخرجتَنَا ونفسكَ من الجنة ؟... " الحديث كما سيأتي الكلام عليه .

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي - اسمه سعد بن طارق - عن أبي حازم سلمة بن دينار ، عن أبي هريرة ، وأبو مالك عن ربعي ، عن حذيفة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تُزلَف – تقدّم - لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون : يا أبانا استفتح لنا الجنة ، فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ؟ " [ مسلم : إيمان 195 – الترغيب والترهيب 4/440 ] وذكر الحديث بطوله . هذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى ، وليس تخلو عن نظر . وقال آخرون : بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد ، لأنه كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة ، ولأنه نام فيها وأخرج منها ودخل عليه إبليس فيها ، وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى . وهذا القول محكي عن أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، ووهب بن منبه ، وسفيان بن عيينة ، واختاره ابن قتيبة في ( المعارف ) والقاضي بن منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره ، وأفرد له مصنفاً على حدة ، وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم الله ، ونقله أبو عبد الله محمد ابن عمر الرازي بن خطيب الري في تفسيره عن أبي القاسم البلخي ، وأبي مسلم الأصبهاني ، ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية . وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في ( الملل والنحل ) وأبو محمد بن عطية في تفسيره وأبو عيسى في الرماني في تفسيره ، وحكى عن الجمهور الأول ، وأبو القاسم الراغب ، والقاضي الماوردي في تفسيره فقال : واختلف في الجنة التي أسكناها - يعني آدم وحواء - على قولين : أحدهما : أنها جنة الجلد والثاني : أنها جنة أعدها الله لهما وجعلها دار إبتلاء ، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء . ومن قال بهذا اختلفوا على قولين : أحدهما : أنها في السماء لأنه أهبطهما منها ، وهذا قول الحسن ، والثاني أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار ، وهذا قول ابن يحيى ، وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم والله أعلم بالصواب من ذلك . هذا كلامه فقد تضمن كلامه حكاية أقوال ثلاثة ، وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة ولهذا حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسألة أربعة أقوال : هذه الثلاثة التي أوردها المارودي ، ورابعها : الوقف وحكى القول بأنها في السماء وليست جنة المأوي ، عن أبي علي الجبائي .

وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالاً يحتاج مثله إلى جواب ، فقالوا : لا شك أن الله سبحانه وتعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية ، وأمره بالخروج عنها والهبوط منها وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكن مخالفته ، وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع ، ولهذا قال : { اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا } وقال : { اهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } الأعراف : 13 . وقال { فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } ص : 77 . والضمير عائد إلى الجنة أو السماء أو المنزلة ، وأياً ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدراً في المكان الذي طرد منه وأبعد منه ، لا على سبيل الاستقرار ولا على سبيل المرور والاجتياز . قالوا : ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله له : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى } طه : 120 . وبقوله : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ 20 وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ 21 فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ }... الأعراف .وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما . وقد أجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور فيها ، لا على سبيل الاستقرار بها ، وأنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء .
وفي الثلاثة نظر ، والله أعلم . ومما احتج به أصحاب هذه المقالة : ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في الزيادات ، عن هدبة ابن خالد ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن البصري ، عين يحيى بن ضمرة السعدي ، عن أبي بن كعب ، قال : " إن آدم لما احتضر اشتهى قِطفاً من عنب الجنة ، فانطلق بنوه ليطلبوه له ، فلقيتهم الملائكة فقالوا : أين تريدون يا بني آدم ؟ فقالوا : إن أبانا اشتهى قطفاً من عنب الجنة فقالوا لهم : ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا إليه فقبضت روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل ومن خلفه الملائكة ودفنوه ، وقالوا : هذه سنتكم في موتاكم " . وسيأتي الحديث بسنده ، وتمام لفظه عند ذكر وفاء آدم عليه السلام
قالوا : فلولا أنه كان الوصول إلى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكناً ، لما ذهبوا يطلبون ذلك ، فدل على أنها في الأرض لا في السماء ، والله تعالى أعلم .

قالوا : والاحتجاج بأن الألف واللام في قوله : { وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }الأعراف : 19 . لم يتقدم عهد يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلم ، ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام ، فإن آدم خلق من الأرض ولم ينقل أنه رفع إلى السماء ، وخلق ليكون في الأرض ، وبهذا أعلم الرب الملائكة حيث قال : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }البقرة : 30 . قالوا : وهذا كقوله تعالى : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ } القلم : 17 . فالألف واللام ليس للعموم ، ولم يتقدم معهود لفظي ، وإنما هو للمعهود الذهني الذي دل عليه السياق وهو البستان .

قالوا : وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء ، قال الله تعالى : { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } هود : 48 . وإنما كان في السفينة حتى استقرت على الجودي ونضب الماء على وجه الأرض أمر أن يهبط إليه هو ومن معه مباركاً عليه وعليهم . وقال الله تعالى : { اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ }البقرة : 61 ، وقال تعالى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ }البقرة : 74 . وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير .

قالوا : ولا مانع - بل هو الواقع - أن الجنة التي أسكنها آدم كانت مرتفعة عن سائر بقاع الأرض ، ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور ، كما قال تعالى : { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى } طه : 118 ، أي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعري { وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } طه : 119 ، أي لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس ، ولهذا قرن هذا وهذا ، وبين هذا وهذا ، لما بينهما من الملاءمة . فلما كان منه ما كان من أكله من الشجر التي نهي عنها ، أهبط إلى أرض الشقاء والتعب ، والنصب والكدر ، والسعي والنكد ، والابتلاء والاختبار والامتحان ، واختلاف السكان ديناً وأخلاقاً وأعمالاً ، وقصوداً وإرادات وأقولاً وأفعالاً ، كما قال تعالى : { وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } البقرة : 36 .ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال : { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } الإسراء : 104 ، ومعلوم أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء . قالوا : وليس هذا القول مفرعاً على قول من ينكر وجود الجنة والنار اليوم ، ولا تلازم بينهما ، فكل من حكى عنه هذا القول من السلف وأكثر الخلف ، ممن يثبت وجود الجنة والنار اليوم ، كما دلت عليه الآيات والأحاديث الصحاح ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .



http://174.132.118.28/img/all/Dec08/y9nBsk12250338.gif" alt=""/>

جمانة كتبي
01-26-2011, 12:58 PM
ما ورد في نزول آدم عليه السلام إلى الأرض



وقوله تعالى : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا } أي عن الجنة ، { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } أي من النعيم والنضرة والسرور ، إلى دار التعب والكد والنكد ، وذلك بما وسوس لهما وزينة في صدورهما ، كما قال تعالى : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ 20 } الأعراف . يقول : ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ، أي لو أكلتما منها لصرتما كذلك .
{ وَقَاسَمَهُمَا}أي حلف لهما على ذلك ، { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ 21 } الأعراف . كما قال في الآية الأخرى : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى 120 } طه ، أي هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي ؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع . والمقصود أن قوله : شجرة الخلد التي إذا أكلت منها خُلِّدت ، وقد تكون هي الشجرة التي قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا شعبة ، عن أبي الضحاك ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها : شجرة الخلد " [ أحمد 2/455 – الترغيب والترهيب 4/ 519 ] .وكذا رواه أيضاً عن غندور وحجاج ، عن شعبة ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أيضاً به . قال غندر : قلت لشعبة : هي شجرة الخلد ؟ قال : ليس فيها هي . تفرد به أحمد .
وقوله : { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ }الأعراف : 22 . كما قال في طه : { فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى 121 } وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم ، وهي التي حَدَتْهُ – حدته : ساقته إلى فعل الشيء - على أكلها ، والله أعلم . وعليه يحمل الحديث الذي رواه البخاري : حدثنا بشر بن محمد ، حدثنا عبد الله ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه : " لولا بنو إسرائيل لم يَخْنَزِ – يخنز : ينتن - اللحم ، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها " [ البخاري (3330) 2/1024 – أحمد 3/304 ] .

تفرد به من هذا الوجه ، وأخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة به ، ورواه أحمد ومسلم عن هارون بن معروف ، عن أبي وهب ، عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس ، عن أبي هريرة به .

وفي كتاب التوراة التي بأيدي أهل الكتاب : أن الذي دلّ حواء على الأكل من الشجرة هي الحية ، وكانت من أحسن الأشكال وأعظمها ، فأكلت حواء عن قولها ، وأطعمت آدم عليه السلام ، وليس فيها ذكر لإبليس . فعند ذلك انفتحت أعينها وعلما أنهما عُريانان ، فوصلا من ورق التين وعملا مآزر ، وفيها أنهما كانا عريانين . كذا قال وهب ابن منبه : وكان لباسهما نوراً على فرجه وفرجها .
وهذا الذي في هذه التوراة التي بأيديهم غلط منهم ، وتحريف وخطأ في التعريب ، فإن نقل الكلام من لغة إلى لغة لا يتيسر لكل أحد ، ولا سيما ممن لا يكاد يعرف كلام العرب جيداً ، ولا يحيط علماً بفهم كتابه أيضاً ، فلهذا وقع في تعريبهم لها خطأ كثير لفظاً ومعنى . وقد دل القرآن العظيم على أنه كان عليهما لباس في قوله : { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا } الأعراف : 27 ، فهذا لا يرد لغيره من الكلام . ، والله تعالى أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا على بن الحسن بن أشكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم رجلاً طُوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق – السحوق : الطويلة - ، فلمّا ذاق الشجرة سقط عنه لباسه ، فأول ما بدا منه عورته ، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة . فأخذت شعره شجرة فنازعها . فناداه الرحمن عز وجل : يا آدم مني تفر ؟ فلما سمع كلام الرحمن قال : يا ربِّ لا ، ولكن استحياءً " [ تفسير ابن كثير 3/176 ] .

وقال الثوري عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ} ورق التين " .
وهذا إسناد صحيح إليه ، وكأنه مأخوذ من أهل الكتاب ، وظاهر الآية يقتضي أعم من ذلك ، وبتقدير تسليمه فلا يضر . . والله تعالى أعلم .
وروى الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن ذكوان ، عن الحسن البصري ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ أباكم آدم كان كالنخلة السحوق ، ستون ذراعاً كثير الشعر موارَى العورة ، فلمّا أصاب الخطيئة في الجنة بدت له سوأتُه ، فخرج من الجنة ، فلقِيَته شجرة فأخذت بناصيته – الناصية : مقدم الشعر من الرأس أو مؤخره - ، فناداه ربه : أفراراً مني يا آدم ؟ قال : بل حياء منك يا ربِّ مما جئتُ به " [ كنز العمال 22408 ] . ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن يحيى بن ضمرة ، عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .وهذا أصح ، فإن الحسن لم يدرك أبياً .ثم أورده أيضاً من طريق خيثمة بن سليمان الأطرابلسي ، عن محمد بن عبد الوهاب أبي مرصافة العسقلاني ، عن آدم بن أبي إياس ، عن سنان ، عن قتادة بن أنس مرفوعاً بنحوه .
{ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ 22 قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ 23 } الأعراف .وهذا اعتراف ورجوع إلى الإنابة ، وتذلل وخضوع واستكانة ، وافتقار إليه تعالى في الساعة الراهنة ، وهذا السر ما سرى في أحد من ذريته إلا كانت عاقبته إلى خير في دنياه وأخراه .

{ قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 24 } الأعراف ، وهذا خطاب لآدم وحواء وإبليس ، قيل والحية معهم ، أمروا أن يهبطوا من الجنة في حال كونهم متعادين متحاربين .
وقد يستشهد لذكر الحية معهما بما ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيّات ، وقال : " ما سالمناهُنّ منذ حاربناهُنَ " [ أبو داود 5248 – أحمد 2/247 – الترغيب والترهيب 3/624 ] . وقوله في سورة طه : { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } هو أمر لآدم وإبليس ، واستتبع آدم حواء وإبليس الحية . وقيل هو أمر لهم بصيغة التثنية كما في قوله تعالى : { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ 78 } الأنبياء . والصحيح أن هذا لما كان الحاكم لا يحكم إلا بين اثنين مدع ومدعى عليه ، قال : { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } .

وأما تكريره الإهباط في سورة البقرة في قوله : { وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 36 فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 37 قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 38 وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 39 }فقال بعض المفسرين : المراد بالإهباط الأول : الهبوط من الجنة إلى السماء الدنيا وبالثاني : من السماء الدنيا إلى الأرض . وهذا ضعيف لقوله في الأول : { وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }فدل على أنهم أهبطوا إلى الأرض بالإهباط الأول ، والله أعلم . والصحيح أنه كرره لفظاً وإن كان واحداً ، وناط مع كل مرة حكماً ، فناط بالأول عداوتهم فيما بينهم ، وبالثاني الإشتراط عليهم أن من تبع هداه الذي ينزله عليهم بعد ذلك فهو السعيد ، ومن خالفه فهو الشقي ، وهذا الأسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الحكيم .

وروى الحافظ ابن عسكر عن مجاهد قال : " أمر الله ملكين أن يُخرجا آدم وحواء من جواره فنزع جبريل التاج عن رأسه ، وحلّ ميكائيل الإكليل عن جبينه ، وتعلق به غصن ، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة ، فنكس رأسه يقول : العفو العفو . فقال الله : أفراراً مني ؟ قال : بل حياءَ منك يا سيدي " . وقال الأوزاعي عن حسان - وهو ابن عطية - : مكث آدم في الجنة مائة عام ، وفي رواية : ستين عاماً ، وبكى على الجنة سبعين عاماً ، وعلى خطيئته سبعين عاماً ، وعلى ولده حين قتل أربعين عاماً . رواه ابن عساكر .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن سعيد ، عن ابن عباس قال : أُهبط آدم عليه السلام إلى أرض يقال لها دِحْنا بين مكة والطائف . وعن الحسن قال : أُهبط آدم بالهند ، وحواء بجدة ، وإبليس بدستميان من البصرة على أميال ، وأُهبطت الحية بأصبهان . رواه ابن أبي حاتم أيضاً . وقال السدي : نزل آدم بالهند ، ونزل معه بالحجر الأسود وبقبضة من ورق الجنة ، فبثّه في الهند فنبتت شجرة الطيب هناك .

وعن ابن عمر : أهبط آدم بالصفا ، وحواء بالمروة ، رواه ابن أبي حاتم أيضاً . وقال عبد الرزاق : قال معمر : أخبرني عوف ، عن قسامة بن زهير ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة ، فثماركم هذه من ثمار الجنة ، غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير .

وقال الحاكم في مستدركه : أنبأنا أبو بكر بن بالويه ، عن محمد بن أحمد بن النضر ، عن معاوية بن عمرو ، عن زائدة ، عن عمار بن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ما أُسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس .

وفي صحيح مسلم من حديث الزهري عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة : فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها " وفي الصحيح من وجه آخر : " وفيه تقوم الساعة " [ مسلم : جمعَه 5 – أبو داود 1046 ] . وقال أحمد : حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعي ، عن أبي عمار ، عن عبد الله بن فروخ ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة " [ أحمد 2/401 ] . على شرط مسلم .

فأما الحديث الذي رواه ابن عساكر من طريق أبي القاسم البغوي : حدثنا محمد بن جعفر الوركاني ، حدثنا سعيد بن ميسرة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هبط آدم وحواء عريانين جميعاً ، عليهما ورق الجنة ، فأصابه الحر حتى قعد يبكي ويقول لها : يا حواء قد آذاني الحر ، قال : فجاء جبريل بقطن ، وأمرها أن تغزل وعلمها ، وأمر آدم بالحياكة وعلمه أن ينسج " وقال : " كان آدم لم يجامع امرأته في الجنة ، حتى هبط منها للخطيئة التي أصابتها بأكلهما من الشجرة " ، قال : " وكان كل واحد منهما ينام على حدة ، وينام أحدهما في البطحاء والآخر من ناحية أخرى ، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله " ، قال : "وعلمه كيف يأتيها فلما أتاها جاءه جبريل فقال : كيف وجدت امرأتك ؟ قال : صالحة " [ كنز العمال 15143 – الدر المنثور 1/138 ] . فإنه حديث غريب ورفعه منكر جداً ، وقد يكون من كلام بعض السلف ، وسعيد بن ميسرة هذا هو : أبو عمران البكري البصري قال فيه البخاري : مُنكر الحديث ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات ، وقال ابن عدي : مُظلم الأمر .

وقوله : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } قيل هي قوله : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ 23 } الأعراف . روى هذا عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، والحسن ، وقتادة ، ومحمد بن كعب ، وخالد بن معدان ، وعطاء الخرساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن بن إشكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال آدم عليه السلام : أرأيت يا ربِّ إن تبتُ ورجعتُ أعائِدي إلى الجنة ؟ قال : نعم " فذلك قوله :{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } " [ تفسير ابن كثير 1/116] . وهذا غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع . وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : الكلمات : " اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، ربِّ إني ظلمتُ نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين . اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، ربِّ إني ظلمت نفسي فتُب علي إنك أنت التواب الرحيم " .

وروى الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } قال : قال آدم : يا رب ألم تخلقني بيدك ؟ قيل له : بلى ، ونفختَ فيّ من روحك ؟ قيل له : بلى . وعطستُ فقلت يرحمك الله ، وسبقت رحمتك غضبك ؟ قيل له : بلى . وكتبت علي أن أعمل هذا ؟ قيل له : بلى ، قال : أفرأيت إن تبتُ هل أنت راجعي إلى الجنة ؟ قال : نعم . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وروى الحاكم أيضاً والبيهقي وابن عساكر من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربِّ أسألك بحق محمد إلا غفرت لي .فقال الله : فكيف عرفت محمد ولم أخلقه بعد ؟ فقال : يا ربِّ لأنك لمّا خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك ، رفعتُ رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمتُ أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحبّ الخلق إليك . فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحبُّّ الخلق إلي ، وإذا سألتني بحقه فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك " [ المستدرك 2/615 – كنز العمال 32138 ] . قال البيهقي : تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف . والله أعلم .

وهذه الآية كقوله تعالى : { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى 121 ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى 122 } طه .



http://174.132.118.28/img/all/Dec08/y9nBsk12250338.gif" alt=""/>

جمانة كتبي
01-26-2011, 02:03 PM
ذكر احتجّاج آدم وموسى عليهما السلام



قال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا أيوب بن النجار ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حاجَّ موسى آدم عليهما السلام فقال له : أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم . قال آدم : يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ؛ أتلومني على أمر قد كتبَهُ الله علي قبل أن يخلقني ؛ أو قدَّره علي قبل أن يخلقني ؟ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فحجّ آدم موسى " . وقد رواه مسلم بن عمرو الناقد ، و النسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد ، عن أيوب بن النجار به قال أبو مسعود الدمشقي : ولم يخرجا عنه في الصحيحين سواه وقد رواه أحمد ، عن عبد الرزاق عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، ورواه مسلم عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، حدثنا إبراهيم ، حدثنا أبو شهاب عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتجّ آدم وموسى ، فقال له موسى : أنت آدم أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟ فقال له آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، تلومني على أمر قُدِّر علي قبل أن أخلق ؟ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فحجّ آدم موسى مرتين " [ البخاري 6/121 (4737) ] . قلت : وقد روى هذا الحديث البخاري و مسلم من حديث الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا زائدة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " احتجّ آدم وموسى ، فقال موسى : يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة" . قال : " فقال آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه تلومني على عمل أعملُه ، كتبَهُ الله علي قبل أن يخلق السموات والأرض ؟ قال : فحجّ آدم موسى" [ أحمد 2/287 ، 314 ] . وقد رواه الترمذي و النسائي جميعاً عن يحيى بن حبيب بن عدي ، عن معمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الأعمش به .قال الترمذي : وهو غريب من حديث سليمان التيمي عن الأعمش . قال : وقد رواه بعضهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد .قلت : هكذا رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ، عن محمد بن مثنى ، عن معاذ بن أسد ، عن الفضل بن موسى ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد .ورواه البزار أيضاً : حدثنا عمرو بن علي الفلاس ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أو أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه .

وقال أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو سمع طاووساً ، سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتجّ آدم وموسى ، فقال موسى : يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة .
قال له آدم : يا موسى أنت الذي اصطفاك الله بكلامه - وقال مرة : برسالته - وخط لك بيده ، أتلومني على أمره قدَّره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ " قال : " حجّ آدم موسى ، حجّ آدم موسى ، حجّ آدم موسى " [ أحمد 2/264 ] وهكذا رواه البخاري عن علي بن المديني ، عن سفيان ، قال : حفظناه من عمرو عن طاووس ، قال : سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " احتجّ آدم وموسى ، فقال موسى يا آدم . . أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة . فقال له آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده ، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ فحجّ آدم موسى ، فحجّ آدم موسى ، فحجّ آدم موسى " هكذا ثلاثاً [ أبو داود : 4701 – البخاري 4/192 (6614) ] . قال سفيان : حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه عن عشر طرق ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن طاووس . عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وقال أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا حماد ، عن عمار ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقيَ آدم موسى ، فقال : أنت آدم الذي خلقك الله بيده ، وأسجدَ لك ملائكته ، وأسكنك الجنة ، ثم فعلت ما فعلت ؟ فقال : أنت موسى الذي كلمك الله واصطفاك برسالته ، وأنزل عليك التوراة ، أنا أقْدَم أم الذِّكر ؟ قال : لا ، بل الذكر . فحجّ آدم موسى " [ أحمد : 2/464 ] . قال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحميد عن الحسن عن رجل - قال حماد : أظنه جندب بن عبد الله البجلي - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقيَ آدم موسى ... " فذكر معناه . وتفرد به أحمد من هذا الوجه .

وقال أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا جرير - هو ابن حازم - عن محمد - هو ابن سيرين - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقيَ آدم موسى فقال : أنت آدم الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته ، وأسجد لك ملائكته ، ثم صنعت ما صنعت ؟ قال آدم لموسى : أنت الذي كلمه الله ، وأنزل عليه التوراة ؟ قال : نعم ، قال : فهل تجده مكتوباً علي قبل أن أخلق ؟ قال : نعم . قال : فحجّ آدم موسى ، فحجّ آدم موسى " [ أحمد : 2/392 – كنز العمال 611 ] . وكذا رواه حماد بن زيد ، عن أيوب ، وهشام عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة رفعه . وكذا رواه علي بن عاصم ، عن خالد ، وهشام ، عن محمد بن سيرين ، وهذا علي شرطهما من هذه الوجوه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلي ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني أنس بن عياض ، عن الحارث بن أبي دياب ، عن يزيد بن هرمز ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتجّ آدم وموسى عند ربهما فحجّ آدم موسى ، قال موسى : أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك جنته ، ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك ؟ قال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه ، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء ، وقربك نجياً ؟ فبكم وجدت الله كتب التوراة ؟ قال موسى : بأربعين عاماً ، قال آدم : فهل وجدت فيها { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى 121} – سورة طه - ؟ قال : نعم قال : أفتلومني على أن عملت عملاً كَتَبَ الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ " [ مسلم : القدر 15 ] قال : قال رسول لله صلى الله عليه وسلم : " فحجّ آدم موسى " قال الحارث : وحدثني عبد الرحمن بن هرمز بذلك ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .وقد رواه مسلم ، عن إسحاق بن موسى الأنصاري ، عن أنس بن عياض ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي رباب ، عن يزيد بن هرمز والأعرج ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وقال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "احتجّ آدم وموسى ، فقال موسى لآدم : يا آدم . . أنت الذي أدخلت ذريتك النار . فقال آدم : يا موسى اصطفاك الله برسالته وبكلامه ، وأنزل عليك التوراة فهل وجدت أن أهبط ؟ قال : نعم ، قال : فحجّه آدم " [ أحمد : 2/268 ] . وهذا على شرطهما ولم يخرجاه من هذا الوجه ، وفي قوله : " أدخلتَ ذريَّتك النار " نكارة .

فهذه طرق الحديث عن أبي هريرة ، رواه عنه حميد وعبد الرحمن ، وذكوان أبو صالح السمان ، وطاووس بن كيسان ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعمار بن أبي عمار ، ومحمد بن سيرين ، وهمام بن منبه ، ويزيد بن هرمز ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن . وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : حدثنا الحارث بن مسكين المصري ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه عن عمر بن الخطاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال موسى عليه السلام : يا ربِّ أرِنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة . فأراه آدم عليه السلام ، فقال : أنت آدم ؟ فقال له آدم : نعم . فقال : أنت الذي نفخ الله فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك الأسماء كلها ؟ قال : نعم . قال : فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ فقال له آدم : مَن أنت ؟ قال : أنا موسى . قال : أنت موسى نبي بني إسرائيل ؟ أنت الذي كلمك الله من وراء الحجاب ، فلم يجعل بينك وبينه رسولاً من خلقه ؟ قال : نعم . قال : تلومني على أمر قد سبق من الله عز وجل القضاء به قبل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحجّ آدم موسى " [ أبو داود : 4702 ] . ورواه أبو داود عن أحمد بن صالح المصري ، عن ابن وهب به .

قال أبو يعلي : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي ، حدثنا عمران ، عن الرديني ، عن أبي مجلز عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عمر عن عمر - قال أبو محمد أكبر ظني أنه رفعه - قال : " التقى آدم وموسى فقال موسى لآدم : أنت أبو البشر ، أسكنك الله جنته ، وأسجد لك ملائكته . قال آدم : يا موسى : أما تجده علي مكتوباً ؟ قال : فحجّ آدم موسى ، فحجّ آدم موسى " [ مسند أبي يعلى 1/209 ] . وهذا الإسناد أيضاً لا بأس به ؛ والله أعلم .وقد تقدم رواية الفضل بن موسى لهذا الحديث عن الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي سعيد ، ورواية الإمام أحمد له عن عفان ، عن حماد بن سلمة عن حميد ، عن الحسن عن رجل . قال حماد . أظنه جندب بن عبد الله البجلي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لقيَ آدم موسى ... " فذكر معناه .

وقد اختلفت مسالك الناس في هذا الحديث :
فرده قوم من القدرية لما تضمن من إثبات القدر السابق . واحتجّ به قوم من الجبرية ، وهو ظاهر لهم بادي الرأي حيث قال : " فحجّ آدم موسى " لما احتجّ عليه بتقديم كتابه ، وسيأتي الجواب عن هذا . قال آخرون : إنما حجه لأنه لامه على ذنب قد تاب منه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له . وقيل : إنما حجه لأنه أكبر منه وأقدم . وقيل : لأنه أبوه . وقيل : لأنهما في شريعتين متغايرتين . وقيل : لأنهما في دار البرزخ وقد انقطع التكليف فيما يزعمون .

والتحقيق : أن هذا الحديث روى بألفاظ كثيرة بعضها مروى بالمعنى وفيه نظر . ومدار معظمها في الصحيحين وغيرهما على أنه لامه على إخراجه نفسه وذريته من الجنة ، فقال له آدم : أنا لم أخرجكم ، وإنما أخرجكم الذي رتب الإخراج على أكلي من الشجرة ، والذي رتب ذلك وقدره وكتبه قبل أن أخلق ، هو الله عز وجل ، فأنت تلومني على أمر ليس له نسبة إليّ أكثر من أني نُهيت عن الأكل من الشجرة فأكلت منها ، وكون الإخراج مترتباً على ذلك ليس من فعلي ، فأنا لم أخرجكم ولا نفسي من الجنة ، وإنما كان هذا من قدر الله وصنعه ، وله الحكمة في ذلك . فلهذا حجّ آدم موسى . ومن كذب بهذا الحديث فمعاند ، لأنه متواتر عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وناهيك به عدالة وحفظاً وإتقاناً . ثم هو مروِّي عن غيره من الصحابة كما ذكرنا . ومن تأويله بتلك التأويلات المذكورة آنفاً ، هو بعيد من اللفظ والمعنى ، وما فيها من هو أقوى مسلكاً من الجبرية .

وفيما قالوه نظر من وجوه :
أحدها : أن موسى عليه السلام لا يلوم على أمر قد تاب عنه فاعله .
الثاني : أنه قد قتل نفساً لم يؤمر بقتلها ، وقد سأل الله في ذلك بقوله : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ } القصص : 16 .
الثالث : أنه لو كان الجواب عن اللوم على الذنب بالقدر المتقدم كتابته على العبد ، لانفتح هذا لكل من لِيم على أمر قد فعله ، فيحتج بالقدر السابق فينسد باب القصاص والحدود . ولو كان القدر حجة لاحتجّ به كل أحد على الأمر الذي ارتكبه في الأمور الكبار والصغار ، وهذا يفضي إلى لوزام فظيعة . فلهذا قال من قال من العلماء : بأن جواب آدم إنما كان احتجّاجاً بالقدر على المصيبة لا المعصية . والله تعالى أعلم .


http://174.132.118.28/img/all/Dec08/y9nBsk12250338.gif" alt=""/>

جمانة كتبي
01-29-2011, 04:20 PM
ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدم عليه السلام


قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ومحمد بن جعفر ، حدثنا عوف ، حدثني قسامة بن زهير ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك ، والخبيث والطيب ، والسهل والحزن وبين ذلك " [ أحمد 4/400 – 406 ] . ورواه أيضاً عن هوذة ، عن عوف ، عن قسامة بن زهير ، سمعت الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك ، والسهل والحزن وبين ذلك ، والخبيث والطيب وبين ذلك" [ الترمذي 2955 – أبو داود : 4693 ] . وكذا وراه أبو داود و الترمذي و ابن حبان في صحيحه ، من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، عن قسامة بن زهير المازني البصري ، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . قال الترمذي : حسن صحيح .

وقد ذكر السدي ، عن أبي مالك وأبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : فبعث الله عز وجل جبريل في الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني ، فرجع ولم يأخذ ، وقال : رب . . إنها عاذت بك فأعذتها .
فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل . فبعث ملك الموت فعاذت منه ، فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض وخلط ، ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة بيضاء وحمراء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين .
فصعد به فبل التراب حتى عاد طيناً لازباً . واللازب : هو الذي يلزق بعضه ببعض ، ثم قال للملائكة : { ... إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ 71 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ 72 } طه .فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ، فخلقه بشراً ، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت الملائكة ففزعوا منه لما روأه ، وكان أشدهم فزعاً إبليس ، فكان يرم به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصة ، فلذلك حين يقول : { مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ 14 } الرحمن ، ويقول : لأمر ما خلقت ، ودخل من فيه وخرج من دبره وقال للملائكة : لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف ، لئن سُلطت عليه لأهلكنه .

فلما بلغ الحين الذين يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح من رأس عطس ، فقالت الملائكة : قل الحمد لله ، فقال : الحمد لله ، فقال له الله : رحمك ربك ، فلما دخلت الروح في عينه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة . وذلك حين يقول الله تعالى : { خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } الأنبياء : 37 ، { فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 30 إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ 31 } الحجر ، وذكر تمام القصة .

ولبعض هذا السباق شاهد من الأحاديث ، وإن كان كثير منه متلقى من الإسرائيليات .
فقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لمّا خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه ، فجعل إبليس يُطِيف به ، فلمّا رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك " [ أحمد : 3/152 – كنز العمال 15139 ] . وقال ابن حبان في صحيحه : حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لمّا نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس ، فقال : الحمد لله رب العالمين ، فقال له تبارك وتعالى : يرحمك الله " [ صحيح ابن حبان 2081 – الدر المنثور 1/48 ] .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا حبان بن هلال ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن عبيد الله ، عن حبيب ، عن حفص - وهو ابن عاصم بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب - عن أبي هريرة رفعه قال : " لمّا خلق الله آدم عطس ، فقال : الحمد لله ، فقال له ربه : رحمك بك يا آدم " [ الدر المنثور 1/123 – البداية والنهاية 1/86 ] . وهذا الإسناد لا بأس به ولم يخرجوه . وقال عمر بن عبد العزيز : لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل ، فآتاه الله أن كتب القرآن في جبهته . رواه ابن عساكر .

وقال الحافظ أبو يعلي : حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن إسماعيل بن رافع المقبري ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق آدم من تراب ، ثم جعله طيناً ثم تركه ، حتى إذا كان حمأً مسنوناً خلقه الله وصوره ، ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخار قال : فكان إبليس يمر به فيقول : لقد خُلقت لأمر عظيم . ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه ، فعطس فلقَّاهُ الله رحمةً به ، فقال الله : يرحمك ربك ، ثم قال الله : يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم ، فانظر ماذا يقولون ؟ فجاء فسلم عليهم فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته . فقال : يا آدم هذه تحيتك وتحية ذريتك . قال : يا رب وما ذريتي ؟ قال : اختر يدي يا آدم ، قال : أختار يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين ، فبسط كفه فإذا من هو كائن من ذريته في كف الرحمن ، فإذا رجال منهم أفواههم النور ، وإذا رجل يعجِب آدم نوره ، قال : يا رب من هذا ؟ قال : ابنك داود ، قال : يا رب فكم جعلت له من العمر ؟ قال : جعلت له ستين ، قال : يا رب فأتم له من عمري حتى يكون عمره مائة سنة ، ففعل الله ذلك . وأشهد على ذلك . فلمّا تقدّم عمر آدم بعث الله ملك الموت ، فقال آدم : أوَ لم يبقَ من عمري أربعون سنة ؟ قال له الملك : أو لم تعطها ابنك داود ؟ فجحد ذلك ، فجحدت ذريته ، ونسى فنسيت ذريته ! " [ مسند أبي يعلى 11/453 ].

وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار والترمذي والنسائي في ( اليوم والليلة ) من حديث صفوان ابن عيسى ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال الترمذي : حديث حسن غريب من هذا الوجه وقال النسائي : هذا حديث منكر . وقد رواه محمد بن عجلان ، عن أبيه عن أبي سعيد المقبري ، عن عبد الله بن سلام قوله .

وقوله الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد ابن أسلم ، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لمّا خلق الله آدم مسح ظهره ، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وَبيصاً – الوبيص : اللمعان والبريق - من نور ، ثم عرضهم على آدم فقال : أي رب من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك ، فرأى رجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه ، فقال : أي رب من هذا : قال : هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود ، قال : ربِّ وكم جعلت عمره ؟ قال : ستين سنة ، قال : أي رب زده من عمري أربعين سنة . فلمّا انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت ، قال : أو لم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال : أوَ لم تعطها ابنك داود ؟ قال : فجحد فجحدت ذريته ، ونسى آدم فنسيت ذريته ، وخطِىء آدم فخطئت ذريته " [ الترمذي 3076 – الدر المنثور 3/143 ] . ثم قال الترمذي : حسن صحيح ، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين ، وقال : صحيح على شرط مسلم . ولم يخرجاه .

وروى عن أبي حاتم من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة مرفوعاً فذكره وفيه : " ثم عرضهم على آدم فقال : يا آدم هؤلاء ذريتك ، وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع الأسقام ، فقال آدم : يا رب لم فعلت هذا بذريتي ؟ قال : كي تشكر نعمتي " [ عِلل الحديث لأبي حاتم 2/88 (نقلاً عن قصص الأنبياء بتحقيق بديوي) ] . ثم ذكر قصة داود . وستأتي من رواية ابن عباس أيضاً .

وقال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا الهيثم بن خارجه ، حدثنا أبو الربيع ، عن يونس بن ميسرة ، عن أبي إدريس ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى ، فأخرج ذريةً بيضاء كأنهم الذرُّ ، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذريةً سوداء كأنهم الحُمَم فقال للذي في يمينه : إلى الجنة ولا أبالي ، وقال للذي في كتفه اليسرى إلى النار ولا أبالي " [ أحمد 6/441 – الدر المنثور 3/145 ] .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا خلف بن هشام : حدثنا الحكم بن سنان ، عن حَوشَب ، عن الحسن قال : خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صحفته اليمني ، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى ، فألقوا على وجه الأرض ، منهم الأعمى والأصم والمبتلى . فقال آدم : يا رب ألا سويت بين ولدي ؟ قال : يا آدم إني أردت أن أُشكر " . وهكذا روي عبدالرزاق عن معمر ، عن قتادة عن الحسن بنحوه .

وقد رواه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه فقال : حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب . عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لمّا خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس ، فقال : الحمد لله ، فحمد الله بإذن الله ، فقال له ربه : يرحمك ربك يا آدم ، اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فسلم عليهم ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : وعليكم السلام ورحمة الله . ثم رجع إلى ربه فقال : هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم . وقال الله ويداه مقبوضتان : اختر أيهما شئت ، فقال : اخترت يمين ربي ، وكلتا يدي ربي يمين مباركة . ثم بسطهما فإذا فيهما آدم وذريته ، فقال : أي رب ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك ، وإذا كل إنسان منهم مكتوب عمره بين عينيه ، وإذا فيهم رجل أضوؤهم - أو من أضوئهم - لم يكتب له إلا أربعون سنة ، قال : يا رب مَن هذا ؟ قال : هذا ابنك داود . وقد كتب الله عمره أربعين سنة . قال : أي رب زد في عمره ، فقال : ذاك الذي كُتب له ، قال : فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة ، قال : أنت وذاك . اسكن الجنة . فسكن الجنة ما شاء الله ثم هبط منها ، وكان آدم يعُدُّ لنفسه ، فأتاه ملك الموت فقال له آدم : قد عجِلتَ ، وقد كُتب لي ألف سنة . قال : بلى ، ولكنك جعلت لابنك داود منها ستين سنة ، فجحد آدم فجحدت ذريته ، ونسى فنسيت ذريته ، فيومئذ أمر بالكتاب والشهود " [ صحيح ابن حبان 2080 – كنز العمال 15123 ] هذا لفظه .

وقد قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً ، ثم قال : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فاستمع ما يجيبونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزاده ورحمة الله . فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن " [ البخاري (3326) 2/1023 ] . وهكذا رواه البخاري في كتاب الاستئذان ، عن يحيى بن جعفر ، ومسلم ، عن محمد بن رافع ، كلاهما عن عبدالرزاق به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان طول آدم ستين ذراعاً في سبع أذرع عرضاً " [ مسند أحمد 2/535 ] انفرد به أحمد .

وقال الإمام أحمد ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول من جحد آدم ، إن أول من جحد آدم ، إن أول من جحد آدم . إن الله لما خلق آدم مسح ظهره ، فأخرج منه ما هو ذارىء – ذارئ : خالق - إلى يوم القيامة ، فجعل يعرض ذريته عليه ، فرأى فيهم رجلاً يُزهِر ، قال : أي ربِّ من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود ، قال : أي رب كم عمره . قال ستون عاماً ، قال : أي ربِّ زد في عمره . قال : لا ، إلا أن أزيده من عمرك ، وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاماً . فكتب الله عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة . فلمّا احتضر آدم أتته الملائكة لقبضه ، قال : إنه قد بقي من عمري أربعون عاماً ، فقيل له : إنك قد وهبتها لابنك داود ، قال : ما فعلتُ ، وأبرز الله عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة " [ مسند أحمد 1/252 – كنز العمال 15151 ] .

وقال أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف ابن مهران ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من جحد آدم - قالها ثلاث مرات - إن الله عز وجل لما خلقه مسح ظهره فأخرج ذريته فعرضهم عليه ، فرأى فيهم رجلاً يُزهِر ، فقال : أي ربِّ زد في عمره . قال : لا ، إلا أن تزيده أنت من عمرك ، فزاده أربعين سنة من عمره . فكتب الله عليه كتاباً وأشهد عليه الملائكة . فلمّا أراد أن يقبض روحه قال : إنه بقي من أجلي أربعون سنة ، فقيل له : إنك قد جعلتها لابنك داود . قال : فجحد ، قال : فأخرج الله الكتاب ، وأقام عليه البينة ، فأتمها لداود مائة سنة ، وأتم لآدم عمره ألف سنة " [ مسند أحمد 1/299 ] . تفرد به أحمد وعلي بن زيد في حديثه نكارة . ورواه الطبراني عن علي بن عبد العزيز ، عن حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس وغير واحد . عن الحسن قال : لما نزلت آية الدََّين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول من جحد آدم - ثلاثاً - " [ الطبراني 18/214 – البيهقي 10/146 ] وذكره .

وقال الإمام مالك بن أنس في موطئه عن زيد أبي أنيسة ، أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى } الأعراف : 172، فقال ابن الخطاب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عنها فقال : " إن الله خلق آدم عليه السلام ، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرتيه . قال : خَلقتُ هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال : خَلقتُ هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون " .فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة . حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنة . وإذا خلق الله العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار " [ الموطأ 2/898 – أبو داود 4703 ] .

وهكذا رواه الإمام أحمد ، و أبو داود ، و الترمذي ، و النسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو حاتم و ابن حبان في صحيحه من طرق ، عن الإمام مالك به . وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، ومسلم بن يسار لم يسمع عمر ، وكذا قال أبو حاتم وأبو زرعة ، زاد أبو حاتم : وبينهما نعيم بن ربيعة . وقدر رواه أبو داود عن محمد بن مصفى ، عن بقية ، عن عمر بن جثعم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن مسلم بن يسار ، عن نعيم بن ربيعة ، قال : كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الآية فذكر الحديث . قال الحافظ الدارقطني : وقد تابع عمر بن جعثم أبو فروة بن يزيد بن سنان الرهاوي ، عن زيد بن أبي أنيسة قال : وقولهما أولي بالصواب من قول مالك رحمه الله .

وهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر وقسمتهم قسمين : أهل اليمين وأهل الشمال ، وقال : " هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وهؤلاء للنار ولا أبالي " فأما الإشهاد عليهم واستنطاقهم بالإقرار بالوحدانية ، فلم يجيء في الأحاديث الثابتة ، وتفسير الآية التي في سورة الأعراف وحملها على هذا فيه نظر كما بيناه هناك وذكرنا الأحاديث والآثار مستقصاة بأسانيدها وألفاظ متونها ، فمن أراد تحريره فليراجعه ثم ، والله أعلم .

فأما الحديث الذي رواه أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، وحدثنا جرير - يعني ابن حازم - عن كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذريته ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قَبلاً قال : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ 172 أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ 173 } الأعراف " [ كنز العمال 15124 – الدر المنثور 3/142 ] .فهو بإسناد جيد قوي على شرط مسلم ، رواه النسائي وابن جرير و الحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمد المروزي به . وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، إلا أنه اختلف فيه على كلثوم بن جبر ، فروي عنه مرفوعاً وموقوفاً ، وكذا روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً ، وهكذا رواه العوفي والوالبي والضحاك وأبو حمزة . عن ابن عباس قوله ، وهذا أكثر وأثبت والله أعلم . وهكذا روي عن عبد الله بن عمر موقوفاً ومرفوعاً والموقوف أصح .

واستأنس القائلون بهذا القول - وهو أخذ الميثاق على الذرية وهم الجمهور - بما قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثني شعبة ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مقتدياً به ؟ قال : فيقول : نعم . فيقول : قد أردت منك ما هو أهو من ذلك ، قد أخذتُ عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئاً ، فأبيت إلا أن تشرك بي " [ مسند أحمد 3/127 – كنز العمال 286 ] . أخرجاه من حديث شعبة به .

وقال أبو جعفر الرازي : عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، في قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الآية والتي بعدها قال : فجمعهم له يؤمئذ جميعاً ما هو كائن منه إلى يوم القيامة ، فخلقهم ثم صورهم ثم استنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق وأشهد عليهم أنفسهم : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى .... } الآية . قال : فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع ، وأشهد عليكم أباكم آدم ، ألا تقولوا يوم القيامة : لم نعلم بهذا ، اسمعوا أنه لا إله غيري ولا رب غيري ، ولا تشركوا بي شيئاً ، وإني سأرسل إليكم رسلاً ينذرونكم عهدي وميثاقي ، وأنزل عليكم كتابي . قالوا : نشهد أنك ربنا وإلهنا ، لا رب لنا غيرك ، ولا إله لنا غيرك . فأقروا يومئذ بالطاعة .ورفع أباهم آدم فنظر إليهم ، فرأى فيهم الغني والفقير ، وحسن الصورة ودون ذلك ، فقال : يا رب . . لو سويت بين عبادك ؟ فقال : إني أحببت أن أُشكَر .

ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور ، وخُصُّوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة ، فهو الذي يقول الله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا 7 } الأحزاب ، وهو الذي يقول : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ...} الروم : 30 ، وفي ذلك قال : { هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى 56 } النجم ، وفي ذلك قال : { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ 102 } الأعراف .رواه الأئمة : عبد الله بن أحمد وابن أبي حاتم وابن جرير و ابن مردويه ، في تفاسيرهم من طريق أبي جعفر ، وروى عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة والسدي ، وغير واحد من علماء السلف بسياقات توافق هذه الأحاديث .

وتقدم أنه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم ، امتثلوا كلهم الأمر الإلهي ، وامتنع إبليس من السجود له حسداً وعداوة له ، فطرده الله وأبعده وأخرجه من الحضرة الإلهية ونفاه عنها ، وأهبطه إلى الأرض طريداً ملعوناً شيطاناً رجيماً .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، ويعلي ومحمد ابنا عبيد ، قالوا : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا وَيلَه ، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأُمرت بالسجود فعصيت فلي النار " [ مسند أحمد 2/443 ] .

ورواه مسلم من حديث وكيع وأبي معاوية عن الأعمش به . ثم لما أسكن آدم الجنة التي أسكنها - سواء أكانت في السماء أم في الأرض على ما تقدم من الخلاف فيه - أقام بها هو وزوجته حواء عليهما السلام ، يأكلان منها رغداً حيث شاءا ، فلما أكلا من الشجرة التي نهيا عنها سلبا ما كانا فهي من اللباس وأهبطا إلى الأرض . وقد ذكرنا الاختلاف في مواضع هبوطه منها . واختلفوا في مقدار مقامه في الجنة : فقيل بعض يوم من أيام الدنيا ، وقد قدمنا ما رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً : " وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة " وتقدم أيضاً حديثه عنه . وفيه - يعني يوم الجمعة - " خلق آدم ، وفيه أخرج منها " فإن كان اليوم الذي خلق فيه أخرج فيه - وقلنا إن الأيام الستة كهذه الأيام - فقد لبث بعض يوم من هذه ، وفي هذا نظر وإن كان إخراجه في غير اليوم الذي خلق فيه ، أو قلنا بأن تلك الأيام مقدارها ستة آلاف سنة كما تقدم عن ابن عباس ومجاهد والضحاك ، واختاره ابن جرير ، فقد لبث هناك مدة طويلة .

قال ابن جرير : ومعلوم أنه خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة ، والساعة منه ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر ، فمكث مصوراً طيناً قبل أن ينفخ فيه الروح أربعين سنة ، وأقام في الجنة قبل أن يهبط ثلاثاً وأربعين سنة وأربعة أشهر ، والله تعالى أعلم . وقد روي عبد الرزاق ، عن هشام بن حسان ، عن سوار خبر عطاء بن أبي رباح : أنه كان لما أهبط رجلاه في الأرض ورأسه في السماء ، فحطه الله إلى ستين ذراعاً . وقد روى عن ابن عباس نحوه . وفي هذا نظر ، لما تقدم من الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعاً ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن " [ سبق تخريجه ] ، وهذا يقتضي أنه خلق كذلك لا أطول من ستين ذراعاً ، وأن ذريته لم يزالوا يتناقص خلقهم حتى الآن .

وذكر ابن جرير عن ابن عباس : أن الله قال : يا آدم إن لي حرماً بحيال عرشي . فانطلق فابن لي فيه بيتاً ، فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي ، وأرسل الله له ملكاً فعرفه مكانه وعلمه المناسك ، وذكر أن موضع كل خطوة خطاها آدم صارت قربة بعد ذلك . وعنه : أن أول طعام أكله آدم في الأرض ، أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة ، فقال : ما هذا ؟ قال : هذا من الشجرة التي نهيت عنها فأكلت منها . فقال : وما أصنع بهذا ؟ قال : ابذره في الأرض ، فبذره ، وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف فنبتت فحصده ثم درسه ثم ذراه ، ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه فأكله بعد جهد عظيم وتعب ونكد ، وذلك قوله تعالى : { فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى 117 } طه .

وكان أول كسوتهما من شعر الضأن : جزَّاه ثم غزلاه ، فنسج آدم له جبة ولحواء درعاً وخماراً .
واختلفوا : هل ولد لهما بالجنة شيء من الأولاد ؟ فقيل : لم يولد لهما إلا في الأرض وقيل : بل ولد لهما فيها ، فكان قابيل وأخته ممن ولد بها ، والله أعلم . وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى ، وأمر أن يزوج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه ، والآخر بالأخرى ، وهلم جرا ، ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه .


http://174.132.118.28/img/all/Dec08/y9nBsk12250338.gif" alt=""/>

جمانة كتبي
01-29-2011, 09:57 PM
ذكر قصة ابنَي آدم ( قابيل وهابيل )


قال الله تعالى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27 لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28 إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ 29 فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ 30 فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ 31 } المائدة .وقد تكلمنا على هذه القصة في سورة المائدة في التفسير بما فيه كفاية ، ولله الحمد . ولنذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك :
فذكر السدي عن أبي مالك وأبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة ، أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأثنى الآخر ، وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل ، وكان أكبر من هابيل وأخت هابيل أحسن ، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه ، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى ، فأمرهما أن يقربا قرباناً ، وذهب آدم ليحج إلى مكة ، واستحفظ السموات على بنيه فأبين ، والأرضين والجبال فأبين ، فتقبل قابيل بحفظ ذلك . فلما ذهب قرباً قربانهما ، فقرب هابيل جذعة – الجذعة من الغنم : ما كانت في سنتها الثانية - سمينة ، وكان صاحب غنم ، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه ، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال : لأقتلنَّك حتى لا تنكح أختي ، فقال : إنما يتقبل الله من المتقين .

وروى عن ابن عباس من وجوه آخر ، وعن عبد الله بن عمرو ، وقال عبد الله بن عمرو : وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده !

وذكر أبو جعفر الباقر أن آدم كان مباشراً لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل ، فقال قابيل لآدم ، إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي ، وتوعد أخاه فيما بينه وبينه .
فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي ، فبعث آدم أخاه قابيل لينظر ما بطأ به ، فلما ذهب إذا هو به ، فقال له : تقبل منك ولم يتقبل مني ، فقال : إنما يتقبل الله من المتقين ، فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله . وقيل : إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته . وقيل : بل خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع ، فمات ، والله أعلم .

وقوله لما توعده بالقتل : { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }دل على خلق حسن ، وخوف من الله تعالى وخشية منه ، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله . ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . قالوا : يا رسول الله هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " [ البخاري 9/64 (6875) – مسلم : فتن 14 ] .

وقوله : { إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ }أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى ، إذ قد عزمت علي ما عزمت عليه ، أن تبوء بإثمي وإثمك ، أي تتحمل إثم قتلي مع مالك من الآثام المتقدمة قبل ذلك ، قاله مجاهد والسدي وابن جرير وغير واحد . وليس المراد أن آثام المقتول تتحول بمجرد قتله إلى القاتل كما قد توهمه بعض الناس ، فإن ابن جرير حكى الإجماع على خلاف ذلك . وأما الحديث الذي يورده بعض من لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما ترك القاتل على المقتول من ذنب " [ كشف الخفا 2/258 ] فلا أصل له ، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضاً . ولكن قد يتفق في بعض الأشخاص يوم القيامة ، أن يطالب المقتول القاتل فتكون حسنات القاتل لا تفي بهذه المظلمة فتحول من سيئات المقتول إلى القاتل ، كما ثبت بن الحديث الصحيح في سائر المظالم ، والقتل من أعظمها والله أعلم ، وقد حررنا هذا كله في التفسير ولله الحمد – أي تفسير القرآن العظيم لابن كثير - .

وقد روي الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال عند فتنة عثمان بن عفان : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنها ستكون فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي " . قال : أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط إلي ليقتلني .
قال : " كن كابن آدم " [ مسند أحمد 1/185 – الترمذي : 2194 – أبو داود : 4257 ] . ورواه ابن مردويه ، عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً ، وقال : " كن كخير ابني آدم " [ الدر المنثور 3/59 ] . وروى مسلم وأهل السنن إلا النسائي عن أبي ذر نحو هذا .

وأما الآخر فقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ووكيع ، قالا : قال : حدثنا الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تُقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل – الكِفل : الضعف من الإثم - من دمها ؛ لأنه كان أول من سنَّ القتل " [ البخاري 2/1025 (3335) . مسلم : قسامة 7 – أحمد 1/383 ] . ورواه الجماعة سوى أبي داود من حديث الأعمش به . وهكذا روى عن عبد الله بن عمرو ابن العاص ، وإبراهيم النخعي أنهما قالا مثل هذا سواء .
وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم ، مشهورة بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها . وذلك مما تلقوه عن أهل الكتاب ، فالله أعلم بصحة ذلك .

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير - وقال : إنه كان من الصالحين - أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وهابيل ، وأنه استخلف هابيل أن هذا دمه فحلف له ، وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء ، فأجابه إلى ذلك ، وصدقه في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنه وأبا بكر وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس . وهذا منام لو صح عن أحمد بن كثير هذا ، لم يترتب عليه حكم شرعي . والله أعلم .

وقوله تعالى : { فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ }ذكر بعضهم أنه لما قتله حلمه على ظهره سنة ، وقال آخرون حمله مائة سنة ! ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين . قال السدي بإسناده عن الصحابة : أخوين ، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر ، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه ، وواراه ، فلما رآه يصنع ذلك " قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوآة أخي " ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه .

وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزناً شديداً ، وأنه قال في ذلك شعراً ، وهو قوله فيما ذكره ابن جرير عن ابن حميد :

تغيرت البــلاد ومن عليهــــا::~:: فوجه الأرض مُغبرٌّ قبيــح

تغــير كـل ذي لــونٍ وطـعـم::~:: قـلَّ بشاشة الوجـهِ المليح


فأجيب آدم :

أبا قابيل قد قُتلا جميـــعاً ::~:: وصار الحي كالميت الذبيح

وجاء بشرَّة – الحدة والطيش - قد كان منهــا ::~:: على خوف فجاء بها يصيح


وهذا الشعر فيه نظر . وقد يكون آدم عليه السلام قال كلاماً يتحزن به بلغته ، فألفه بعضهم إلى هذا ، وفيه أقوال والله أعلم .

وقد ذكر مجاهد أن هابيل عُوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه ، فعُلقت ساقه إلى فخذه ، وجُعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت ، تنكيلاً به وتعجيلاً لذنبه وبَغيه وحسده لأخيه ولأبويه . وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من ذنب أجدر أن يُعجِّل الله عقوبته في الدنيا مع ما يُدَّخر لصاحبه في الآخرة من البَغي وقطيعة الرحم " [ أبو داود : 4902 – الترمذي : 2511 – أحمد : 5/36 ] .

والذي رأيته في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذين يزعمون أنه التوراة : أن الله عز وجل أجله وأنظره ، وأنه سكن في أرض نود في شرقي عدن وهم يسمونه قنين وأنه ولد له خنوخ ، ولخنوخ عندر ، ولعندر محوايل ، ولمحوايل متوشيل ، ولمتوشيل لامك ، وتزوج هذا امرأتين : عدا وصلا . فولدت عدا ولداً اسمه أبل ، وهو أول من سكن القباب واقتني المال ، وولدت أيضاً نوبل وهو أول من أخذ في ضرب الونج – ضرب من الأوتار أو العود - والصنج . وولدت صلا ولداً اسمه توبلقين وهو أول من صنع النحاس والحديد ، وبنتاً اسمها نعمى .وفيها أيضاً أن آدم طاف على امرأته فولدت غلاماً ودعت اسمه شيث وقالت : من أجل أنه قد وهب لي خلفاً من هابيل الذي قتله قابيل ، وولد لشيث أنوش .

قالوا : وكان عمر آدم يولد ولد شيث مائة وثلاثون سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة ، وكان عمر شيث يوم ولد له أنوش مائة وخمساً وستين ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وسبع سنين . وولد له بنون وبنات غير أنوش . فولد لأنوش قينان وله من العمر تسعون سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وخمس عشرة سنة ، وولد له بنون وبنات. فلما كان عمر قينان سبعين سنة ولد له مهلاييل ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وأربعين سنة ، وولد له بنون وبنات . فلما كان لمهلاييل من العمر خمس وستون سنة ولد له يرد وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنون وبنات . فما كان ليرد مائة سنة واثنتان وستون سنة ولد له خنوخ وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنوت وبنات . فمال كان لخنوخ خمس وستون سنة ولد له متوشلخ ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة ، وولد له بنون وبنات ، فلما كان لمتوشلخ مائة وسبع وثمانون سنة ولد له لامك وعاش بعد ذلك سبعمائة واثنين وثمانين سنة وولد له بنون وبنات . فلما كان للامك من العمر مائة واثنتان وثمانون سنة ولد له نوح وعاش بعد ذلك خمسمائة وخمساً وتسعين سنة ، وولد له بنون وبنات ، فلما كان لنوح خمسمائة سنة ولد له بنون : سام وحام ويافث .

وهذا مضمون ما في كتابهم صريحاً . وفي كون هذه التواريخ محفوظة فيما نزل من السماء نظر ، كما ذكره غير واحد من العلماء طاعنين عليهم في ذلك . والظاهر أنها مقحمة فيها ، ذكرها بعضهم على سبيل الزيادة والتفسير ، وفيها غلط كثير كما سنذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى . وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير في تاريخه عن بعضهم : أن حواء ولدت لآدم أربعين ولداً في عشرين بطناً . قال ابن إسحاق وسماهم . . والله أعلم ، وقيل مائة وعشرين بطناً في كل واحد ذكر وأنثى ، أولهم قابيل وأخته قليما ، وآخرهم عبد المغيث وأخته أم المغيث . ثم انتشر الناس بعد ذلك وكثروا ، وامتدوا في الأرض ونموا ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء } النساء : 1 .

وقد ذكر أهل التاريخ أن آدم عليه السلام لم يمت حتى رأى من ذريته من أولاده وأولاد أولاده أربعمائة ألف نسمة ، والله أعلم .

وقال تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 189 فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 190 } الأعراف . فهذا تنبيه أولاً بذكر آدم ، ثم استطرد إلى الجنس وليس المراد بهذا ذكر آدم وحوله بل لما جرى ذكر الشخص استطرد إلى الجنس كما في قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ 12 ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ 13 } المؤمنون ، وقال تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ } الملك : 5 ومعلوم أن رجوم الشياطين ليست هي أعيان مصابيح السماء ، وإنما استطرد من شخصها إلى جنسها .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عمر بن إبراهيم ، حدثنا قتادة عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد ، فقال : سميه عبد الحارث فإنه يعيش . فسمَّته عبد الحارث فعاش ، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره " [ أحمد 5/11 – الترمذي 3077 ] . وهكذا رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم و ابن مرودويه في تفاسيرهم عند هذه الآية ، وأخرجه الحاكم في مستدركه ، كلهم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث به ، فقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر ابن إبراهيم ، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه . فهذه علة قادحة في الحديث أنه روى موقوفاً على الصحابي وهذا أشبه والظافر أنه تلقاه من الإسرائيليات ، وهكذا روى موقوفاً عن ابن عباس . والظاهر أن هذا متلقى عن كعب الأحبار وذويه والله أعلم . وقد فسر الحسن البصري هذه الآيات بخلاف هذا ، فلو كان عنده عن سمرة مرفوعاً لما عدل منه إلى غيره ؛ والله أعلم . وأيضاً فالله تعالى إنما خلق آدم وحواء فيكونا أصل البشر ، وليبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ، فكيف كان حواء لا يعيش لها ولد ذكر في هذا الحديث إن كان محفوظاً ؟! والمظنون بل المقطوع به أن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ ، والصواب وقفه . والله أعلم ، وقد حررنا هذا في كتابنا التفسير ، ولله الحمد . ثم قد كان آدم وحواء أتقى لله مما ذكر عنهما في هذا ، فإن آدم أبو البشر الذي خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه جنته .

وقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال : قلت : يارسول الله كم الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً " . قلت : يا رسول الله كم الرسل منهم ؟ قال : " ثلاثمائة وثلاثة عشر : جمٌّ غفير " قلت : يا رسول الله من كان أولهم ؟ قال : آدم . قلت : يا رسول الله نبي مرسل ؟ قال : " نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم سوّاه قبلاً " [ صحيح ابن حبان (2079) ] .

وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا نافع ابن هرمز ، عن عطاء بن رباح ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل الملائكة : جبريل ، وأفضل النبيين آدم ، وأفضل الأيام يوم الجمعة ، وأفضل الشهور شهر رمضان ، وأفضل الليالي ليلة القدر ، وأفضل النساء مريم بنت عمران " [ مجمع الزوائد 2/165 – كنز العمال 35343 ] . وهذا إسناد ضعيف ، فإن نافعاً أبا هرمز كذبه ابن معين ، وضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم و ابن حبان وغيرهم والله أعلم .

وقال كعب الأحبار : ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم ، لحيته سوداء إلى سرته ، وليس أحد يكنى في الجنة إلا آدم ، كنيته في الدنيا أبو البشر وفي الجنة أبو محمد . وقد روى ابن عدي من طريق شيخ ابن أبي خالد ، عم حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله مرفوعاً : " أهل الجنة يُدعون بأسمائهم إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد " . ورواه ابن عدي أيضاً من حديث علي بن أبي طالب ، وهو ضعيف من كل وجه والله أعلم .

وفي حديث الإسراء الذي في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا مرّ بآدم وهو في السماء الدنيا ، قال له : مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ، وقال : وإذا كان يمينه أسودة وعن يساره أسودة ، فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر عن شماله بكى فقلت : يا جبريل ما هذا ؟ قال : هذا آدم وهؤلاء نَسَمُ – النسم : الأرواح والنفوس - بنيه ، فإذا نظر قِبل أهل اليمين - وهم أهل الجنة - ضحك ، وإذا نظر قِبل أهل الشمال - وهم أهل النار - بكى " [ البخاري (3342) – مسلم : إيمان 263 ] . وهذا معنى الحديث .

وقال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني يزيد بن هارون ، أنبأنا هشام بن حسان عن الحسن قال : كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده . وقال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم : " فمررتُ بيوسف وإذا هو قد أُعطى شطر الحُسن " ، قالوا : معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام وهذا مناسب ، فإن الله خلق آدم وصوره بيده الكريمة ، ونفخ فيه من روحه ، فما كان ليخلق إلا أحسن الأشياء . وقد روينا عن عبد الله ، عن عمر وابن عمر أيضاً موقوفاً ومرفوعاً : " أنّ الله تعالى لمّا خلق الجنة ، قالت الملائكة : يا ربنا اجعل لنا هذه ، فإنك خلقت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ، فقال الله تعالى : وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية مَن خلقت بيدي كمن قلتُ له كن فكان " [ البداية والنهاية 1/97 ] .

وقد ورد الحديث المروي في الصحيحين وغيرهما من طرق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ الله خلق آدم على صورَتِه " [ البخاري : استئذان 1 – مسلم : بر 115 ] وقد تكلم العلماء على هذا الحديث فذكروا فيه مسالك كثيرة ليست هذا موضع بسطها . والله أعلم .






http://174.132.118.28/img/all/Dec08/y9nBsk12250338.gif" alt=""/>

جمانة كتبي
01-29-2011, 10:52 PM
ذكر وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث عليه السلام


ومعنى شيث هبة الله ، وسمَّياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قُتل هابيل . قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صُحف ، على شيث خمسين صحيفة " [ الدر المنثور 8/489 ] . قال محمد بن إسحاق : ولمّا حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلّمه ساعات الليل والنهار ، وعلّمه عبادات تلك الساعات ، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك . قال : ويقال : إن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا ، والله أعلم . ولما توفي آدم عليه السلام - وكان ذلك يوم الجمعة جاءته الملائكة بحنوط وكفن من عند الله عز وجل من الجنة ، وعزَّوا فيه ابنه ووصيه شيثاً عليه السلام . قال ابن إسحاق : وكسفت الشمس والقمر سبعة أيام بلياليهن .

وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثنا هُدْبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن يحيى - هو ابن ضمرة السعدي - قال : رأيت شيخاً بالمدينة يتكلم فسألته عنه فقالوا : هذا أبي بن كعب ، فقال : إن آدم لمّا حضره الموت قال لبنيه : أي بَنِيَّ ! إني أشتهي من ثمار الجنة . قال : فذهبوا يطلبون له ، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه ، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل – المكتل : إناء يعمل من الخوص يعمل فيه التمر - ، فقالوا لهم : يا بَني آدم ما تريدون وما تطلبون ؟ أو ما تريدون ؟ وأين تطلبون ؟ قالوا : أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة ، فقالوا لهم : ارجعوا فقد قضى أبوكم فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم . فقال : إليك عني فإني إنما أتيت من قِبَلِك ، فَخَلِّى بيني وبين ملائكة ربي عز وجل ، فقبضوه وغسّلوه وكفنوه وحنطوه ، وحفروا له ولحدوه ، وصلّوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضوه في قبره ، ثم حَثَوا عليه ، ثم قالوا : يا بني آدم . . هذه سُنتكم . إسناد صحيح إليه .

وروى ابن عساكر من طريق شيبان بن فروخ ، عن محمد بن زياد ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كَبَّرت الملائكة على آدم أربعاً " [ المستدرك 1/385 – كنز العمال 42292 ] ؛ وكبر أبو بكر على فاطمة أربعاً ، وكبر عمر على أبي بكر أربعاً ، وكبر صهيب على عمراً أربعاً . قال ابن عساكر : ورواه غيره عن ميمون فقال : عن ابن عمر .

واختلفوا في موضع دفنه ، فالمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط فيه في الهند ، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة . ويقال إن نوحاً عليه السلام لما كان زمن الطوفان حمله هو وحواء في تابوت ، فدفنهما ببيت المقدس ، حكى ذلك ابن جرير . وروى ابن عساكر عن بعضهم أنه قال : رأس عنه مسجد إبراهيم ورجلاه عند صخرة بيت المقدس . وقد ماتت بعده حواء بسنة واحدة . واختلف في مقدار عمره عليه السلام : فقدمنا في الحديث عن ابن عباس وأبي سريرة مرفوعاً : أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة . هذا لا يعارضه ما في التوراة من أن عاش تسعمائة وثلاثين سنة . لأن قولهم هذا مطعون فيه مردود ، إذا خالف الحق الذي بأيدينا مما هو المحفوظ عن المعصوم .

وأيضاً فإن قولهم هذا يمكن الجمع بينه وبين ما في الحديث . فإن ما في التوراة - إن كان محفوظاً - محمول على مدة مقامه في الأرض بعد الإهباط ، وذلك تسعمائة سنة وثلاثون سنة شمسية ، وهي بالقمرية تسعمائة وسبع وخمسون سنة . ويضاف إلى ذلك ثلاث وأربعون سنة مدة مقامه في الجنة قبل الإهباط على ما ذكره ابن جرير وغيره ، فيكون الجميع ألف سنة . وقال عطاء الخرساني : لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبعة أيام ، رواه ابن عساكر .

فلمّا مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام ، وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي ذر مرفوعاً : أنه أنزل عليه خمسون صحيفة . فلمّا حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش فقام بالأمر بعده ، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل ، وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه ملك الأقاليم السبعة ، وأنه أول من قطع أشجار ، وبني المدائن والحصون الكبار ، وأنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى . وأنه قهر إبليس وجنوده وشردهم عن الأرض إلى أطرافها وشعاب جبالها وأنه قتل خلقاً من مردة الجن والغيلان ، وكان له تاج عظيم ، وكان يخطب الناس ودامت دولته أربعين سنة . فلمّا مات قام بالأمر بعده ولده يرد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده خنوخ وهو إدريس عليه السلام على المشهور .




http://174.132.118.28/img/all/Dec08/y9nBsk12250338.gif" alt=""/>




هذا وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه والتابعين .