ثروت كتبي
01-20-2011, 04:11 PM
اكتشاف كهف طيق أكبر كهوف العالم
سمير حنا (أستاذ مشارك بجامعة السلطان قابوس).
محمد بن علي البلوشي (باحث بجامعة السلطان قابوس)
فرانك مالكير (باحث بمركز التعليم الجامعي بسلوفينيا)
تحت أبهة السطح المهيب بعمان تكمن كهوف غنيته بالزخاوف الطبيعيته وممرات عميقته وأنهار وبحيرات تكونت عبر آلاف السنين بفعل المياه الجاريته. حيث تتسرب مياه الأمطار خلال الشقوق والنتحات وحفر الاذابته المثيرة للعجب ،لتعاود الظهور بعد ذلك وبطريقته مدهشة على هيئته ينابيع. وقد استعلاع الانسان عبر حملاته الاستكشافيته أن يسبر أغوار بعض من ممراتها الخفيته الممتدة من الجبال الى البحر.
مقدمة:
يبدأ تكوين الكهوف عن طريق إذابه صخور الحجر الجيري بمياه حمضيه تنتج منمياه الأمطار لثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء أو في التربة الغنيةبجذور النباتات والتي ترتفع فيها نسبة الكربون.
وعبر آلاف السنين نستمر عملية الإذابة هذه ببطء عبر الشقوق ومناطق الضعف في الصخور الجيرية مكونه كهوفا تحت أرضية وتعتبر محافظة ظفار واحدة من مناطق عمان التي تنفرد في هذا الجانب لاحتوائها نوعا من التربة تكونت خلال فترات الأمطار الموسمية (فصل الخريف) التي تستمر لعدة شهور من كل عام إن لتواجد هذا النوح من التربة دورا كبيرا في رفع درجة حموضة مياه الأمطار المذاب فيها ثاني أكسيد الكربون من الجو عند تغلغل هذا المحلول الحمضي في مسام هذا التربة الغنيةبالكربون تتآكل الصخور الواقعة أسفل التربة مما يؤدي الى حدوث ظاهرة "تعرية ما تحتالتربة (Subsoil erosion)التي تشتهر بها محافظة ظفار، الظاهرة عن أجزاء من النتوءات الصخرية المتآكلة ذات الأشكال المختلفة. أما الجزء العلوي للصخور التي تقع أسفل التربة فيكون أكثر وضوحا عند انجراف التربة بعد شهور الخريف التي تهب فيها الرياح الموسمية. إن هذه الظاهرة التي تتميز بها محافظة ظفار تعد أحد العوامل الرئيسية التي جعلت المنطقة غنية بأعداد كبيرة من الكهوف وحفر الإذابة تفوق تلك الموجودة في بقية أجزاء عمان.
من بين الكثير من الظواهر الكهفية المتوزعة في كهوف عمان عامة سنتناول فيما يلي وبإيجاز بعضا من خصائص التراكيب والتكوينات التي تزخر بها الكهوف التالية : مجلس الجن (خشلة مقندلي)، الهوتة والفلاح، محور، إضافة الى حفرتي الإذابة بطوي أعتير وطيق.
كهف مجلس الجن ( أو خلشة مقندلي):
يحتوي هذا الكهف الذي يقع في هضبة سلمى الكاريستية بجبل بني جابر على ثنالث أكبر غرفة كهنية Cave chamberفي العالم. إذ يزيد حجمها على 4ملايين متر مكعب. وهي أكبر حجما من أكبر أهراماث الجيزة وبإمكانها استيعاب أكثر من خمس أبنية بحجم فندق قصر البستان الشهير بمسقط.
ولهذا الكهف ثلاثة مداخل جميعها تفضي إلى غرفة الكهف الرئيسية. وللوصول إلى أرضية الكهف عبر أي من هذه المداخل لابد من الهبوط بحبل عبر المسافة التي تشكل فضاء الكهف الداخلي الفاصل بين الفتحات العلوية وأرضية الكهف والتي (أي المسافة ) تتراوح ما بين 118م الى158 م، لذا فإنه من العسير جدا الولوج الى هذا الكهف إلا لعلماء الكهوف المحترفين أو لهواة التسلق المهيئين بدنيا والمزودين بمعدات التسلق اللازمة.
لقد وصف دونالد ديفسون ( 1985) الغرفة الرئيسية للكهف على أنها تتخذ شكل قبة طولها 300 م وعرضها 200 م. ولها سقف يصل ارتفاعه الى 120م تقريبا أما مساحة سطحها فيبلغ حوالي 60.000 م2.
وقد تم حديثا استكشاف ممرات تصل ما بين الحفر المحيط بالكهف وممرات أخرى قد يصل طولها أكثر من 18كم وقد وجد أن الكثير من الممرات. والدهاليز تحت الأرضية مزخرفة بتراكيب عديدة من صواعد وهوابط وصخور انسيابية رائعة.
نظام الهوتة / الفلاح الكهفي:
يقع هذا النظام الكهفي في الجزء الجنوبي لطية الجبل الأخضر المحدبة وبالتحديد بالقرب من ولاية الحمراء. ولربما كان هذا الكهف مثالا نموذجيا لذلك التعريف الذي يقول بأن الكهوف هي النظائر تحت الأرضية لما نواه على سطح الأرض من أو دية ومجار مائية. إذ أن لهذا الكهف فتحتين يدخل من احداهما ماء الوادي المتحدر من أعلى الجبل وتسمى هذه بـ (الهوتة )، أما الأخرى (الفلاح ) فيخرج الماء عبرها بعد توغله داخل أروقة الكهف ودهاليزه المتصلة. يتميز هذا الكهف بدرجة حرارته المعتدلة والناتجة من تنفس الكهف لتيارات الهواء الخارجي عبر فتحتيه مرورا بالبحيرة الواقعة في منتصفه. يقع هذا النظام الكهفي في صخور العصر الكريتاسي المشكلة للمنحدر المائل لهضبة الجبل الأخضر الكاريستية.
ينبع غنى هذا الكهف وثراؤه من امتلائه بعدد كبير من التراكيب والأشكال الكهفية البديعة كالصواعد والهوابط، ولهذه الأخيرة أنواع عديدة في هذا الكهف، إذ أن به أمثلة نموذجية لما يسمى بصواعد جذع الشجرة والصواعد المركبة كالمصاطب والصواعد متناسقة القطر، كما أنه يزخر بعدد لا بأس به من الأحواض الجافة. ويوجد أيضا في بحيرة الكهف أنواع من الأسماك العمياء نادرة الوجود.
كهف صحور:
يقع كهف صحور في وادي نحيز الذي يبعد 5ر12كم الى الشمال من مدينة ملالة. يوجد هذا الكهف في أحد تكوينات الصخور الجيرية المنتمية ال الفترة المبكرة من العصر الثلاثي. يوجد بالهضبة التي يقع فيها الكهف مدخل كبير الحجم يطل على الوادي بقوسه المزين بهوابط قديمة وصاعدة كبيرة يبلغ ارتفاعها مترين تقف كحارس لتلك الردهة. وللوصول الى الغرفة الرئيسية للكهف لابد من اجتياز الممر الضيق الواقع في الجهة الشمالية من المدخل. تزدان هذه الغرفة بالكثير من التراكيب الكهفية الجميلة كالأعمدة والهوابط بأنواعها المختلفة (كالمصاصات والهوابط المدببة ) ويمكن مشاهدة قطرات الماء المتدلية في الكثير من الهوابط التي لا تزال في مراحل تكونها.
لكن العلامة المميزة لهذا الكهف هو ذلك الحوض الجاف الذي يبلغ طوله 8ر1م وعرضه 5ر1م والذي انطبعت عليه آثار لمياه شلالات متحجرة تبدو كما لو أنها كانت تنساب بالأمس القريب. يزخر هذا الكهف أيضا بالعديد من الكائنات كالخفافيش والحشرات.
حفرة إذابة طوي اعتبر (بئر الطيور):
تعد طوي اعتير واحدة من أكبر حفر الإذابة في العالم، إذ يبلغ حجمها حوال 000ر975م مكعب، ويتراوح طول قطرها فيما بين 130- 150م، أما عمقها فيصل الى 211م. بإمكان هذه الحفرة استيعاب بناية مكونة من 0لإ طابقا، وهي بتلك الأبعاد أطول بحوالي 70 مترا من أكبر أهرامات الجيزة بمصر (أكبر حفرة إذابة معروفة في العالم هي حفرة ايلسوتانو في المكسيك ويبلغ عمقها 430م تقريبا).
يبلغ إجمالي طول الرحلة الى داخل حفرة طوي اعتير حوالي 957م أما اجمالي العمق فيزيد على 211م. تشمل الرحلة الى داخل الحفرة السير على الحافة والأودية البسيطة الانحدار والخوانق شديدة الانحدار، وحوالي 70 مترا من النزول بواسطة الحبال، والسير مرة أخرى على الأقدام، ثم الفرص في مياه الدهاليز الجوفية.
إن الوصول الى الممرات والدهاليز الجوفية بطوي اعتير غير ممكن إلا في الفترات الجافة حين يكون منسوب المياد منخفضا بشكل مناسب،. ويجدر بالذكر أنه بإمكان الغواصين المحترفين والمزودين بالمعدات اللازمة استكشاف وسبر أغوار الكنوز المختبئة أسفل الحفرة ولمسا فات بعيدة حيث تنساب المياه لمسافات بعيدة عبر الشقوق الضيقة التي تصل قرب البحر.
حفرة إذابة طيق:
يعتقد أن هذا الحفرة واحدة من أكبر حفر الاذابة في العالم إن لم تكن أكبرهاعلى الاطلاق. إذ يبلغ حجمها 300 مليون متر مكعب (25ر1 × 1 كم × 250م )فيحين أن حجم أكبر حجرة كهفية في العالم هو 200 مليون متر مكعب علما بأن هذه الأخيرة ليست حفرة إذابة. هذه الحقائق تبرز حجم حفرة إذابة طيق على أنها أكبر مرة ونصف المرة من أوسع حجرة كهفية في العالم. وأكبر 75مرة من كهف مجلس الجن.
تقع حفرة إذابة طيق على بعد 9كم شمال شرقي طوي اعتير على تقاطع واديين رئيسيين يتجه أحدهما من الشمال الى الجنوب أما الآخر فمن الشرق إلى الغرب. أفضل طريق للوصول إلى الحفرة هو ذلك المتجه من الشمال عبر الطريق الساحلي لطوي اعتير وعلى بعد 24كم من دوار المعمورة. فبعد الوصول إلى طوي اعتير (32 كم ) أسلك الطريق الممهد المتجه نحو الشمال واستدر نحو اليمين بعد 10كم ثم مبامثوة استدر يسارا واستمر في السير لمسافة 5،6كم حتى تصل إلى نقطة تتقاطع فيها الطرق. هناك أسلك الطريق الواقع إلى يمينك باتجاه مواز لوادي ثيرات لتصل إلى الحفرة بعد 4.7 كم.
تعد هذه الحفرة خزان ماء رئيسيا فيما لو أغلقت فوهتها النشطة في فترة معينة من العام. فامتلاؤها بملايين الأمتار المكعبة يمكن أن يجعل منها موردا يمد للمنطقة بأكملها بالماء. ولتقييم الوضح والإمكانيات المائية للحفرة وحتى يمكن الاستفادة منها على أفضل وجه لابد من دراسة جيولوجية دقيقة تتقصى كلا من نظام الصدوع والينابيع الداخلية والأنفاق. إن الأدلة الجيولوجية المتوافرة حاليا تقودنا الى حقيقة شبه مؤكدة تتمثل في وجود اتصال تحت أرضي بين حفرتي الإذابة بطيق وطوي اعتير عبر عدد من الأنفاق الباطنية المتجهة من الشمال إلى الجنوب ومن المشوق الى الغرب والتي تشبه في اتجاهاتها الصدوع والوديان المنكشفة على السطح.
وتقع الحفرة على تقاطع وادي ثيرات ووادي شاري في الجزء الجنوبي من الحفرة، ويحيط بها جدران صخرية شبه عمودية.
حفرة طيق النشطة :
تشكل مدخل الحفرة النشطة بالتعرية الهائلة التي قامت بها مياه وادي ثيرات ووادي شاري. لهذا المدخل المستطيل الشكل (طوله 30م وارتفاعه 0 1م ) هندسة تشبه هندسة السلالم حيث يضيق كلما ابتعدنا عنه باتجاه الحفرة. ينحدر هذا المدخل المليء برواسب الوادي انحدارا خفيفا نحو الغرب.
الكهف المتحجر بطيق:
يمكن مشاهدة هذا الكهف غير النشط قرب أعلى الحفرة في الجانب الجنوبي من حفرة طيق وأعلى الحفرة النشطة تقريبا. ويستطيع المرء أن يصل اليه عبر مسالك صغيرة يمكن رؤيتها من المسار الرئيسي والتي يمكن من خلالها الاطلالة على مشاهد بديعة للحفرة ولشلالاتها.
يبلغ حجم الكهف المتحجر 170.000 م3 تقريبا (95 م × 60م × 30 م) يوجد بهذا الكهف ما لا يقل عن 6 مداخن أكبرها تقع عند المدخل والجدار الغربي. يفتقر هذا الكهف للتكوينات الكهفية المركزية لاسيما الهوابط، لكننا يمكن أن نشاهد في الجهة الجنوب شرقية من المدخل صاعدة كبيرة طولها 7م وعرضها 3م وارتفاعها 5م.ولعل أهم الصواعد هي تلك الموجودة بالقرب من الجدار الجنوبي والمصفوفة باتجاه (شرق _ غرب ) تحت صدع في السقف له نفس الاتجاه. هناك أيضا صواعد أخرى بعضها متناسقة الأبعاد وبعضها الآخر على شكل مصاطب أو مخروطية الشكل.
نشأة حفرة طيق:
إن نظام الصدوع الرئيسي الذي تحكم في نشأة هذه الحفرة يشمل مجموعتين من الصدوع تتجه من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. والدليل على ذلك هو الصخور المحيطة بالحفرة لاسيما في الجانب الجنوبي وفي الجدار الشرقي وفي سطح الكهف المتحجر العلوي الذي تتمثل فيه الصدوع بصف من الصواعد المتجهة من الشرق إلى الغرب تحت مفصل يتجه من الشرق إلى الغرب أيضا. أما الصدوع المتجهة من الشمال الى الجنوب فهي قليلة الانتشار في الدهاليز تحت الأرضية،رغم أنها تبدو ظاهرة على السطح.
إن جريان المحلول المائي على طول الأودية التي تصب في الحفرة أدى إلى إذابة الصخور بالتالي إلى تكوين الحفرة والشلالات الرائعة الواقعة على طول التقاطع مع حفرة طيق.
الوضع الهيدروجيولوجي لطيق بالنسبة لهضبة سمحان وعين قشروب:
يعد جبل سمحان هضبة كاريستية نموذجية، فهو يتكون بشكل كامل من حجر جيري يعود لعصر الايوسين ويتميز بكثرة عدد حفر الاذابة وحفر المياه والبحيرات والكهوف فيه.
في الفترات الموسمية المطيرة تنساب مياه الأمطار إلى داخل حفرة إذابة طيق وتتسرب الى دهاليزها الجوفية لتصل إلى طوي اعتير ثم تخرج على شكل ينابيع في قشروب. وحين تكون الأمطار غزيرة فإن سرعة تسربها قد تصبح أبطأ من سرعة تجمعها في الحفرة الأمر الذي قد يتسبب في حدوث فيضانات كبيرة أو جزئية.
كما أن الانسداد الجزئي لنظام القنوات الجوفية بالرواسب قد يتسبب في حدوث تلكالفيضانات. لكن ضغط الماء الهائل يقوم بفك ذلك الانسداد مما يؤدي إلى انبعاث تلك المياه على هيئة ينابيع في قشروب بعد أن يسبقها هبوب الريح.
إن وجود طبقات خفيفة من الترافرتين أمام نبع قشروب وبمحاذاة السهل الحصوي لدليل على أن انسداد القنوات الجوفية الذي يعقبه فيضان سبق وأن حدث مرات عديدة خلال الحقبة الرابعة (أي منذ مليوني سنة ). فالترافرتين يتشكل من ماء النبع المشبع بكربونات الكالسيوم المتخللة من الأحجار الجيرية خلال الرحلة منحفر الاذابة بالهضبة وحتى النبع.
تدعم جيولوجية الإقليم هذا الاتصال المفترض بين طوي اعتير وطيق وقشروب. إذ آن مستويات الضغط العالي للمياه التي تهبط نحو الساحل بالاضافة الى الفوالق المفتوحة والمرتمية إلى الجنوب يقومان بعملية اتصال المياه الجوفية وفي هذا ما يستبعد احتمال وجود عوائق مائية. كما أن الاتجاه الجنوبي الغالب على الدهاليز الجوفية في طوي اعتير وطيق مع وجود الترا فرتين في قشروب ليشير الى اتصال المياه الجوفية بين هذهالكهوف.
الامكانيات السياحية والمائية لكهوف محافظة ظفار:
يمكن استغلال الكثير من الكهوف المتحجرة كشوفات تطل على حفر الاذابة، كما أنه من الممكن تسيير جولات سياحية في الوقت الحاضر إلى طوي اعتير وطيق. وقيما لو تمت تنمية طوي اعتير ووادي در بات، فانها ستصبح بلا شك أماكن جذب سياحية مهمة تضفي على ظفار لونا خاصا من السياحة.
من الناحية المائية فبالتخطيط المتمعن لطيق وطوي اعتير وقشروب يمكن جمع واستغلال ملايين الأمتار المكعبة من الماء كل عام، إذ تشكل حفر الاذابة في ظفار
مخزنا رئيسيا للمياه الجوفية.
المراجع :
Hanna, S.& AI-Belushi M.(1996) Introduction to the caves of Oman Sultan QaboosUniversity : Muscat.
-حنا، سمير وما لكير، فرانك (1998) دراسة جيولوجية وهيددوجيولوجية للمنطقة الواقعة بين طوي اعتير وقشروب (ظفار، سلطنة عمان ) جامعة السلطان قابوس (غير منشور) : مسقط.
- Davison , W.Jr.(1985) M ajlis Al Jinn Cave, Sultanate of Oman. Report by Public Authority for Watar Resources: PAWR 85-20.pp. 1-16.
مصدر الخبر
مجلة نزوه
سمير حنا (أستاذ مشارك بجامعة السلطان قابوس).
محمد بن علي البلوشي (باحث بجامعة السلطان قابوس)
فرانك مالكير (باحث بمركز التعليم الجامعي بسلوفينيا)
تحت أبهة السطح المهيب بعمان تكمن كهوف غنيته بالزخاوف الطبيعيته وممرات عميقته وأنهار وبحيرات تكونت عبر آلاف السنين بفعل المياه الجاريته. حيث تتسرب مياه الأمطار خلال الشقوق والنتحات وحفر الاذابته المثيرة للعجب ،لتعاود الظهور بعد ذلك وبطريقته مدهشة على هيئته ينابيع. وقد استعلاع الانسان عبر حملاته الاستكشافيته أن يسبر أغوار بعض من ممراتها الخفيته الممتدة من الجبال الى البحر.
مقدمة:
يبدأ تكوين الكهوف عن طريق إذابه صخور الحجر الجيري بمياه حمضيه تنتج منمياه الأمطار لثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء أو في التربة الغنيةبجذور النباتات والتي ترتفع فيها نسبة الكربون.
وعبر آلاف السنين نستمر عملية الإذابة هذه ببطء عبر الشقوق ومناطق الضعف في الصخور الجيرية مكونه كهوفا تحت أرضية وتعتبر محافظة ظفار واحدة من مناطق عمان التي تنفرد في هذا الجانب لاحتوائها نوعا من التربة تكونت خلال فترات الأمطار الموسمية (فصل الخريف) التي تستمر لعدة شهور من كل عام إن لتواجد هذا النوح من التربة دورا كبيرا في رفع درجة حموضة مياه الأمطار المذاب فيها ثاني أكسيد الكربون من الجو عند تغلغل هذا المحلول الحمضي في مسام هذا التربة الغنيةبالكربون تتآكل الصخور الواقعة أسفل التربة مما يؤدي الى حدوث ظاهرة "تعرية ما تحتالتربة (Subsoil erosion)التي تشتهر بها محافظة ظفار، الظاهرة عن أجزاء من النتوءات الصخرية المتآكلة ذات الأشكال المختلفة. أما الجزء العلوي للصخور التي تقع أسفل التربة فيكون أكثر وضوحا عند انجراف التربة بعد شهور الخريف التي تهب فيها الرياح الموسمية. إن هذه الظاهرة التي تتميز بها محافظة ظفار تعد أحد العوامل الرئيسية التي جعلت المنطقة غنية بأعداد كبيرة من الكهوف وحفر الإذابة تفوق تلك الموجودة في بقية أجزاء عمان.
من بين الكثير من الظواهر الكهفية المتوزعة في كهوف عمان عامة سنتناول فيما يلي وبإيجاز بعضا من خصائص التراكيب والتكوينات التي تزخر بها الكهوف التالية : مجلس الجن (خشلة مقندلي)، الهوتة والفلاح، محور، إضافة الى حفرتي الإذابة بطوي أعتير وطيق.
كهف مجلس الجن ( أو خلشة مقندلي):
يحتوي هذا الكهف الذي يقع في هضبة سلمى الكاريستية بجبل بني جابر على ثنالث أكبر غرفة كهنية Cave chamberفي العالم. إذ يزيد حجمها على 4ملايين متر مكعب. وهي أكبر حجما من أكبر أهراماث الجيزة وبإمكانها استيعاب أكثر من خمس أبنية بحجم فندق قصر البستان الشهير بمسقط.
ولهذا الكهف ثلاثة مداخل جميعها تفضي إلى غرفة الكهف الرئيسية. وللوصول إلى أرضية الكهف عبر أي من هذه المداخل لابد من الهبوط بحبل عبر المسافة التي تشكل فضاء الكهف الداخلي الفاصل بين الفتحات العلوية وأرضية الكهف والتي (أي المسافة ) تتراوح ما بين 118م الى158 م، لذا فإنه من العسير جدا الولوج الى هذا الكهف إلا لعلماء الكهوف المحترفين أو لهواة التسلق المهيئين بدنيا والمزودين بمعدات التسلق اللازمة.
لقد وصف دونالد ديفسون ( 1985) الغرفة الرئيسية للكهف على أنها تتخذ شكل قبة طولها 300 م وعرضها 200 م. ولها سقف يصل ارتفاعه الى 120م تقريبا أما مساحة سطحها فيبلغ حوالي 60.000 م2.
وقد تم حديثا استكشاف ممرات تصل ما بين الحفر المحيط بالكهف وممرات أخرى قد يصل طولها أكثر من 18كم وقد وجد أن الكثير من الممرات. والدهاليز تحت الأرضية مزخرفة بتراكيب عديدة من صواعد وهوابط وصخور انسيابية رائعة.
نظام الهوتة / الفلاح الكهفي:
يقع هذا النظام الكهفي في الجزء الجنوبي لطية الجبل الأخضر المحدبة وبالتحديد بالقرب من ولاية الحمراء. ولربما كان هذا الكهف مثالا نموذجيا لذلك التعريف الذي يقول بأن الكهوف هي النظائر تحت الأرضية لما نواه على سطح الأرض من أو دية ومجار مائية. إذ أن لهذا الكهف فتحتين يدخل من احداهما ماء الوادي المتحدر من أعلى الجبل وتسمى هذه بـ (الهوتة )، أما الأخرى (الفلاح ) فيخرج الماء عبرها بعد توغله داخل أروقة الكهف ودهاليزه المتصلة. يتميز هذا الكهف بدرجة حرارته المعتدلة والناتجة من تنفس الكهف لتيارات الهواء الخارجي عبر فتحتيه مرورا بالبحيرة الواقعة في منتصفه. يقع هذا النظام الكهفي في صخور العصر الكريتاسي المشكلة للمنحدر المائل لهضبة الجبل الأخضر الكاريستية.
ينبع غنى هذا الكهف وثراؤه من امتلائه بعدد كبير من التراكيب والأشكال الكهفية البديعة كالصواعد والهوابط، ولهذه الأخيرة أنواع عديدة في هذا الكهف، إذ أن به أمثلة نموذجية لما يسمى بصواعد جذع الشجرة والصواعد المركبة كالمصاطب والصواعد متناسقة القطر، كما أنه يزخر بعدد لا بأس به من الأحواض الجافة. ويوجد أيضا في بحيرة الكهف أنواع من الأسماك العمياء نادرة الوجود.
كهف صحور:
يقع كهف صحور في وادي نحيز الذي يبعد 5ر12كم الى الشمال من مدينة ملالة. يوجد هذا الكهف في أحد تكوينات الصخور الجيرية المنتمية ال الفترة المبكرة من العصر الثلاثي. يوجد بالهضبة التي يقع فيها الكهف مدخل كبير الحجم يطل على الوادي بقوسه المزين بهوابط قديمة وصاعدة كبيرة يبلغ ارتفاعها مترين تقف كحارس لتلك الردهة. وللوصول الى الغرفة الرئيسية للكهف لابد من اجتياز الممر الضيق الواقع في الجهة الشمالية من المدخل. تزدان هذه الغرفة بالكثير من التراكيب الكهفية الجميلة كالأعمدة والهوابط بأنواعها المختلفة (كالمصاصات والهوابط المدببة ) ويمكن مشاهدة قطرات الماء المتدلية في الكثير من الهوابط التي لا تزال في مراحل تكونها.
لكن العلامة المميزة لهذا الكهف هو ذلك الحوض الجاف الذي يبلغ طوله 8ر1م وعرضه 5ر1م والذي انطبعت عليه آثار لمياه شلالات متحجرة تبدو كما لو أنها كانت تنساب بالأمس القريب. يزخر هذا الكهف أيضا بالعديد من الكائنات كالخفافيش والحشرات.
حفرة إذابة طوي اعتبر (بئر الطيور):
تعد طوي اعتير واحدة من أكبر حفر الإذابة في العالم، إذ يبلغ حجمها حوال 000ر975م مكعب، ويتراوح طول قطرها فيما بين 130- 150م، أما عمقها فيصل الى 211م. بإمكان هذه الحفرة استيعاب بناية مكونة من 0لإ طابقا، وهي بتلك الأبعاد أطول بحوالي 70 مترا من أكبر أهرامات الجيزة بمصر (أكبر حفرة إذابة معروفة في العالم هي حفرة ايلسوتانو في المكسيك ويبلغ عمقها 430م تقريبا).
يبلغ إجمالي طول الرحلة الى داخل حفرة طوي اعتير حوالي 957م أما اجمالي العمق فيزيد على 211م. تشمل الرحلة الى داخل الحفرة السير على الحافة والأودية البسيطة الانحدار والخوانق شديدة الانحدار، وحوالي 70 مترا من النزول بواسطة الحبال، والسير مرة أخرى على الأقدام، ثم الفرص في مياه الدهاليز الجوفية.
إن الوصول الى الممرات والدهاليز الجوفية بطوي اعتير غير ممكن إلا في الفترات الجافة حين يكون منسوب المياد منخفضا بشكل مناسب،. ويجدر بالذكر أنه بإمكان الغواصين المحترفين والمزودين بالمعدات اللازمة استكشاف وسبر أغوار الكنوز المختبئة أسفل الحفرة ولمسا فات بعيدة حيث تنساب المياه لمسافات بعيدة عبر الشقوق الضيقة التي تصل قرب البحر.
حفرة إذابة طيق:
يعتقد أن هذا الحفرة واحدة من أكبر حفر الاذابة في العالم إن لم تكن أكبرهاعلى الاطلاق. إذ يبلغ حجمها 300 مليون متر مكعب (25ر1 × 1 كم × 250م )فيحين أن حجم أكبر حجرة كهفية في العالم هو 200 مليون متر مكعب علما بأن هذه الأخيرة ليست حفرة إذابة. هذه الحقائق تبرز حجم حفرة إذابة طيق على أنها أكبر مرة ونصف المرة من أوسع حجرة كهفية في العالم. وأكبر 75مرة من كهف مجلس الجن.
تقع حفرة إذابة طيق على بعد 9كم شمال شرقي طوي اعتير على تقاطع واديين رئيسيين يتجه أحدهما من الشمال الى الجنوب أما الآخر فمن الشرق إلى الغرب. أفضل طريق للوصول إلى الحفرة هو ذلك المتجه من الشمال عبر الطريق الساحلي لطوي اعتير وعلى بعد 24كم من دوار المعمورة. فبعد الوصول إلى طوي اعتير (32 كم ) أسلك الطريق الممهد المتجه نحو الشمال واستدر نحو اليمين بعد 10كم ثم مبامثوة استدر يسارا واستمر في السير لمسافة 5،6كم حتى تصل إلى نقطة تتقاطع فيها الطرق. هناك أسلك الطريق الواقع إلى يمينك باتجاه مواز لوادي ثيرات لتصل إلى الحفرة بعد 4.7 كم.
تعد هذه الحفرة خزان ماء رئيسيا فيما لو أغلقت فوهتها النشطة في فترة معينة من العام. فامتلاؤها بملايين الأمتار المكعبة يمكن أن يجعل منها موردا يمد للمنطقة بأكملها بالماء. ولتقييم الوضح والإمكانيات المائية للحفرة وحتى يمكن الاستفادة منها على أفضل وجه لابد من دراسة جيولوجية دقيقة تتقصى كلا من نظام الصدوع والينابيع الداخلية والأنفاق. إن الأدلة الجيولوجية المتوافرة حاليا تقودنا الى حقيقة شبه مؤكدة تتمثل في وجود اتصال تحت أرضي بين حفرتي الإذابة بطيق وطوي اعتير عبر عدد من الأنفاق الباطنية المتجهة من الشمال إلى الجنوب ومن المشوق الى الغرب والتي تشبه في اتجاهاتها الصدوع والوديان المنكشفة على السطح.
وتقع الحفرة على تقاطع وادي ثيرات ووادي شاري في الجزء الجنوبي من الحفرة، ويحيط بها جدران صخرية شبه عمودية.
حفرة طيق النشطة :
تشكل مدخل الحفرة النشطة بالتعرية الهائلة التي قامت بها مياه وادي ثيرات ووادي شاري. لهذا المدخل المستطيل الشكل (طوله 30م وارتفاعه 0 1م ) هندسة تشبه هندسة السلالم حيث يضيق كلما ابتعدنا عنه باتجاه الحفرة. ينحدر هذا المدخل المليء برواسب الوادي انحدارا خفيفا نحو الغرب.
الكهف المتحجر بطيق:
يمكن مشاهدة هذا الكهف غير النشط قرب أعلى الحفرة في الجانب الجنوبي من حفرة طيق وأعلى الحفرة النشطة تقريبا. ويستطيع المرء أن يصل اليه عبر مسالك صغيرة يمكن رؤيتها من المسار الرئيسي والتي يمكن من خلالها الاطلالة على مشاهد بديعة للحفرة ولشلالاتها.
يبلغ حجم الكهف المتحجر 170.000 م3 تقريبا (95 م × 60م × 30 م) يوجد بهذا الكهف ما لا يقل عن 6 مداخن أكبرها تقع عند المدخل والجدار الغربي. يفتقر هذا الكهف للتكوينات الكهفية المركزية لاسيما الهوابط، لكننا يمكن أن نشاهد في الجهة الجنوب شرقية من المدخل صاعدة كبيرة طولها 7م وعرضها 3م وارتفاعها 5م.ولعل أهم الصواعد هي تلك الموجودة بالقرب من الجدار الجنوبي والمصفوفة باتجاه (شرق _ غرب ) تحت صدع في السقف له نفس الاتجاه. هناك أيضا صواعد أخرى بعضها متناسقة الأبعاد وبعضها الآخر على شكل مصاطب أو مخروطية الشكل.
نشأة حفرة طيق:
إن نظام الصدوع الرئيسي الذي تحكم في نشأة هذه الحفرة يشمل مجموعتين من الصدوع تتجه من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. والدليل على ذلك هو الصخور المحيطة بالحفرة لاسيما في الجانب الجنوبي وفي الجدار الشرقي وفي سطح الكهف المتحجر العلوي الذي تتمثل فيه الصدوع بصف من الصواعد المتجهة من الشرق إلى الغرب تحت مفصل يتجه من الشرق إلى الغرب أيضا. أما الصدوع المتجهة من الشمال الى الجنوب فهي قليلة الانتشار في الدهاليز تحت الأرضية،رغم أنها تبدو ظاهرة على السطح.
إن جريان المحلول المائي على طول الأودية التي تصب في الحفرة أدى إلى إذابة الصخور بالتالي إلى تكوين الحفرة والشلالات الرائعة الواقعة على طول التقاطع مع حفرة طيق.
الوضع الهيدروجيولوجي لطيق بالنسبة لهضبة سمحان وعين قشروب:
يعد جبل سمحان هضبة كاريستية نموذجية، فهو يتكون بشكل كامل من حجر جيري يعود لعصر الايوسين ويتميز بكثرة عدد حفر الاذابة وحفر المياه والبحيرات والكهوف فيه.
في الفترات الموسمية المطيرة تنساب مياه الأمطار إلى داخل حفرة إذابة طيق وتتسرب الى دهاليزها الجوفية لتصل إلى طوي اعتير ثم تخرج على شكل ينابيع في قشروب. وحين تكون الأمطار غزيرة فإن سرعة تسربها قد تصبح أبطأ من سرعة تجمعها في الحفرة الأمر الذي قد يتسبب في حدوث فيضانات كبيرة أو جزئية.
كما أن الانسداد الجزئي لنظام القنوات الجوفية بالرواسب قد يتسبب في حدوث تلكالفيضانات. لكن ضغط الماء الهائل يقوم بفك ذلك الانسداد مما يؤدي إلى انبعاث تلك المياه على هيئة ينابيع في قشروب بعد أن يسبقها هبوب الريح.
إن وجود طبقات خفيفة من الترافرتين أمام نبع قشروب وبمحاذاة السهل الحصوي لدليل على أن انسداد القنوات الجوفية الذي يعقبه فيضان سبق وأن حدث مرات عديدة خلال الحقبة الرابعة (أي منذ مليوني سنة ). فالترافرتين يتشكل من ماء النبع المشبع بكربونات الكالسيوم المتخللة من الأحجار الجيرية خلال الرحلة منحفر الاذابة بالهضبة وحتى النبع.
تدعم جيولوجية الإقليم هذا الاتصال المفترض بين طوي اعتير وطيق وقشروب. إذ آن مستويات الضغط العالي للمياه التي تهبط نحو الساحل بالاضافة الى الفوالق المفتوحة والمرتمية إلى الجنوب يقومان بعملية اتصال المياه الجوفية وفي هذا ما يستبعد احتمال وجود عوائق مائية. كما أن الاتجاه الجنوبي الغالب على الدهاليز الجوفية في طوي اعتير وطيق مع وجود الترا فرتين في قشروب ليشير الى اتصال المياه الجوفية بين هذهالكهوف.
الامكانيات السياحية والمائية لكهوف محافظة ظفار:
يمكن استغلال الكثير من الكهوف المتحجرة كشوفات تطل على حفر الاذابة، كما أنه من الممكن تسيير جولات سياحية في الوقت الحاضر إلى طوي اعتير وطيق. وقيما لو تمت تنمية طوي اعتير ووادي در بات، فانها ستصبح بلا شك أماكن جذب سياحية مهمة تضفي على ظفار لونا خاصا من السياحة.
من الناحية المائية فبالتخطيط المتمعن لطيق وطوي اعتير وقشروب يمكن جمع واستغلال ملايين الأمتار المكعبة من الماء كل عام، إذ تشكل حفر الاذابة في ظفار
مخزنا رئيسيا للمياه الجوفية.
المراجع :
Hanna, S.& AI-Belushi M.(1996) Introduction to the caves of Oman Sultan QaboosUniversity : Muscat.
-حنا، سمير وما لكير، فرانك (1998) دراسة جيولوجية وهيددوجيولوجية للمنطقة الواقعة بين طوي اعتير وقشروب (ظفار، سلطنة عمان ) جامعة السلطان قابوس (غير منشور) : مسقط.
- Davison , W.Jr.(1985) M ajlis Al Jinn Cave, Sultanate of Oman. Report by Public Authority for Watar Resources: PAWR 85-20.pp. 1-16.
مصدر الخبر
مجلة نزوه