ريمة مطهر
02-12-2011, 08:49 PM
مصعب بن عمير رضي الله عنه
( مصعب الخير )
نسبه
مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب العبدري ، يكنى ( أبا عبد الله ) . (1)
وقيل : مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، ويكنى ( أبا محمد ) . أمه خناس بنت مالك بن المضّرب بن وهب بن عمرو بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي ، وكان لمصعب رضي الله عنه من الولد ابنة يُقال لها : ( زينب ) ، وأمها حمنة بنت جحش بن رباب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ، فزوجها عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فولدت له ابنة يُقال لها : ( قريبة ) . (2 )
حياته في الجاهلية
أخبرنا محمد بن عمر قال : أخبرنا إبراهيم بن محمد العبدري عن أبيه قال : كان مصعب بن عمير فتى مكة شباباً وجمالاً وسبيباً ، وكان أبواه يحبانه وكانت أمه مليئة كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقه ، وكان أعطر أهل مكة يلبس الحضرمي من النعال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويقول : " ما رأيت بمكة أحداً أحسن لمة ، ولا أرق حلة ، ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير " . (3)
إسلامه
استمع رضي الله عنه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم ، وسرعان ما أعلن نفسه واحداً من بين المسلمين . كان رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام ومن فضلاء الصحابة وخيارهم ، شهد بدراً واختاره الله للشهادة في سبيله يوم أحد ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مصعب الخير ) .
موقف أمه من إسلامه
كان رضي الله عنه وحيد أمه المدلل ، فحرص على إخفاء إسلامه عنها ، حتى لا يضايقها ، لما يعلم من حبها إياه ، وسرعان ما عرف بأمر إسلامه أحد المشركين ، وأخبر أمه التي سارعت بحبسه في منزله ، حتى يرجع عن دينه ، ولكنه استطاع أن يهرب من الحبس ، ويفر بدينه مع غيره من المسلمين إلى الحبشة .
أهم ملامح شخصيته
الدعوة إلى الإسلام
كان رضي الله عنه يُعلم من أسلم من الأنصار أمور دينهم ، نشيطاً في الدعوة إلى الإسلام يأتي الأنصار في بيوتهم ومجالسهم ، ويدعوهم إلى الإسلام حتى فشا الإسلام فيهم ، وممن أسلم على يديه أسيد بن الحضير ، وسعد بن معاذ ، وقد جهد في الإسلام جهداً شديداً وعانى خشونة العيش من الجوع والشدة والتعب ، حتى قيل : إن جلده كان يتطاير عنه تطاير جلد الحية .
هجرته إلى الحبشة
عن ليلى بنت أبي حثمة قالت : لما اجتمعوا على الخروج ـ أي : إلى الحبشة ـ جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن مصعب بن عمير قد حبسته أمه " ، وهو يريد الخروج الليلة ، فإذا رقدوا قال عامر بن ربيعة : فنحن ننتظره ولا نغلق باباً دونه . فلما هدأت الرجل جاءنا مصعب بن عمير فبات عندنا وظل يومه ، حتى إذا كان الليل خرج متسللاً ووعدناه فلحقه فيه وأدركناه فاصطحبناه . قال : وهم يمشون على أقدامهم وأنا على بعير لنا ، وكان مصعب بن عمير رقيق البشر ليس بصاحب رجله ، ولقد رأيت رجليه يقطران دماً من الرقة ، فرأيت عامر خلع حذاءه فأعطاها حتى انتهينا إلى السفينة ، فنجد سفينة قد حملت ذرة وفرغت ما فيها ، جاءت من مور فتكارينا إلى مور ثم تكارينا من مور إلى الحبشة . ولقد كنت أرى عامر بن ربيعة يرق على مصعب بن عمير رقة ما يرقها على ولده ، وما معه دينار ولا درهم وكان معنا خمسة عشر دينار . (4)
هجرته إلى المدينة ( أول سفراء الإسلام )
هاجر رضي الله عنه هجرة الحبشة الثانية ، وما إن عاد إلى مكـة حتى كان رسول الله صلى الله عليه يعده لمهمة هامة وجليلة ، وهي أن يكون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معقل الإسلام الأول ( إلى المدينة المنورة ) . عن عروة قال : فلما حضر الموسم حج نفر من الأنصار من بني مالك بن النجار منهم معاذ بن عفراء وأسعد بن زرارة ، ومن بني زريق رافع بن مالك وذكوان بن عبد قيس ، ومن بني عبد الأشهل أبو الهيثم بن التيهان ، ومن بني عمرو بن عوف عويم بن ساعدة ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم خبره الذي اصطفاه الله من نبوته وكرامته وقرأ عليهم القرآن . فلما سمعوا قوله أنصتوا واطمأنت أنفسهم إلى دعوته ، وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إياه بصفته وما يدعوهم إليه فصدقوه وآمنوا به وكانوا من أسباب الخير ، ثم قالوا له : قد علمت الذي بين الأوس والخزرج من الدماء ونحن نحب ما أرشد الله به أمرك ، ونحن لله ولك مجتهدون وإنا نشير عليك بما ترى ، فامكث على اسم الله حتى نرجع إلى قومنا فنخبرهم بشأنك وندعوهم إلى الله ورسوله ، فلعل الله يصلح بيننا ويجمع أمرنا فإنا اليوم متباعدون متباغضون وإن تقدم علينا اليوم ولم نصطلح لم يكن لنا جماعة عليك ، ولكن نواعدك الموسم من العام المقبل ، فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قالوا . فرجعوا إلى قومهم فدعوهم سراً وأخبروهم برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله به ودعا إليه بالقرآن ، حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة ، ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا رجلاً من قبلك فيدعو الناس بكتاب الله فإنه أدنى أن يتبع ، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار ، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة ، فجعل يدعو الناس سراً ويفشوا الإسلام ويكثر أهله ، وهم في ذلك مستخفون بدعائهم . ثم إن أسعد بن زرارة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا بئر مرى أو قريباً منها ، فجلسنا هنالك وبعثنا إلى رهط من أهل الأرض فأتوهم مستخفين ، فبينما مصعب بن عمير يحدثهم ويقص عليهم القرآن أخبر بهم سعد بن معاذ فأتاهم في لأمته معه الرمح حتى وقف عليهم ، فقال : علام يأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب ، يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه ، لا أراكم بعدها بشيء من جوارنا ، فرجعوا . ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مرى أو قريباً منها فأخبر بهم سعد بن معاذ الثانية ، فواعدهم بوعيد دون الوعيد الأول ، فلما رأى أسعد منه ليناً قال : يا بن خالة ، اسمع من قوله ، فإن سمعت منكراً فاردده يا هذا منه ، وإن سمعت خيراً فأجب إليه . فقال : ماذا يقول ؟ فقرأ عليهم مصعب بن عمير " حم . والكتاب المبين . إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون " ، فقال سعد بن معاذ : ما أسمع إلا ما أعرف ، فرجع وقد هداه الله ولم يظهر لهم الإسلام ، حتى رجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام وأظهر إسلامه ، وقال : من شك فيه من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى فليأتنا بأهدى منه نأخذ به ، فو الله لقد جاء أمر لتحزن فيه الرقاب . فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد ودعائه إلا من لا يذكر ، فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرها ، ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد بن زرارة فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ ، فلم يزل عنده يدعو ويهدي الله على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة ، وأسلم أشرافهم وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم ، فكان المسلمون أعز أهلها وصلح أمرهم ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
- أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص . (5)
- قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عرم رضي الله عنه ، قال : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير وعليه إهاب ـ جلد ـ من كبش ، قد تمنطق به ، فقال : " انظروا إلى هذا الذي قد نور الله قلبه ، لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطايب الطعام والشراب ، ولقد رأيت عليه حلة شراها أو شريت له بمائتي درهم ، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون " .
بعض المواقف من حياته مع الصحابة
مع أسيد بن حضير
ذات يوم كان مصعب جالساً ومعه سعد بن زرارة - رضي الله عنهما - وهو يعظ الناس ففوجئ بقدوم أسيد بن حضير سيد بني عبد الأشهل بالمدينة ، وهو يكاد ينفجر من فرط الغضب على ذلك الرجل الذي جاء من مكة ليفتن قومه عن دينهم ، فوقف مصعب رضي الله عنه أمام أسيد وقد كان ثائر ، ولكن مصعب رضي الله عنه انفجرت أساريره عن ابتسامه وضاءة وخاطب أسيد قائلاً : أو لا تجلس فتستمع ؟ فإن رضيت أمرنا قبلته ، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره . قال أسيد : أنصفت . وركز حربته وجلس يصغى وأخذت أسارير وجهه تنفرج كلما مضى مصعب رضي الله عنه في تلاوة القرآن وفي شرح الدعوة للإسلام ، ولم يكد يفرغ من كلامه حتى وقف أسيد يتلو الشهادتين .
سرى النبأ في المدينة كالبرق فجاء سعد بن معاذ وتلاه سعد بن عبادة وتلاهم عدد من أشراف الأوس والخزرج . وارتجت أرجاء المدينة من فرط التكبير . وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة قدم من يثرب سبعون مسلماً من بينهم امرأتان ، وكان ذلك فاتحة مباركة لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . وهكـذا أتيح له - رضي الله عنه - أن يُسلم على يده هذا العدد من الأنصار ، حتى كادت المدينة كلها تدين بإسلامها لمصعب رضي الله عنه .
عودته إلى مكة وموقفه مع أمه
عاد مصعب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل له البشرى في مكـة ، وبلغ أمه أنه قد قدم فأرسلت إليه : يا عاق أتقدم بلداً أنا فيه لا تبدأ بي ! فقال : ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما أخبره ، ذهب إلى أمه فقالت : إنك لعلى ما أنت عليه من الصبأة بعد ؟ قال : أنا على دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله . قالت : ما شكرت ما رثيتك مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب . فقال : أقر بديني إن تفتنوني . فأرادت حبسه ، فقال : لئن أنت حبستني ، لأحرصنّ على قتل من يتعرض لي ! قالت : فاذهب لشأنك ، وجعلت تبكي . فقال مصعب : يا أمه ، إني لك ناصح ، عليك شفيق ، فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . قالت : والثواقب ، لا أدخل في دينك فيزري برأيي ، ويضعف عقلي ، ولكني أدعك وما أنت عليه وأقيم على ديني .
أول من جمع الناس للجمعة بالمدينة
عن الزهري قال : ابعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير بن هاشم إلى أهل المدينة ، ليقرئهم القرآن ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس يومئذ بأمير ، ولكنه انطلق يعلم أهل المدينة ، قال معمر : فكان الزهري يقول : حيث ما كان أمير فإنه يعظ أصحابه يوم الجمعة ، ويصلي بهم ركعتين . [ الجمعة - حديث رقم : 5146 ]
الوفاة
- في الطبقات لابن سعد عن أهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال : حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد ، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب ، فأقبل بن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها ، ومصعب يقول : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية ، وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه ، فضرب يده اليسرى فقطعها ، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية ، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه ، واندق الرمح ، ووقع مصعب وسقط اللواء ، وسقط شهيداً رضي الله عنه وأرضاه .
- عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم : أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتى بطعام وكان صائماً فقال : قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني ، كُفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي رجلاه بدا رأسه ، وأراه قال : وقُتل حمزة وهو خير مني ، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط ، أو قال : أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام . (6)
- قُتل رضي الله عنه يوم أحد على رأس اثنين وثلاثين شهراً من الهجرة وهو بن أربعين سنة أو يزيد شيئاً . فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بردة مقتول ، فقال : " لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة ، ولا أحسن لمة منك ، ثم أنت شعث الرأس في بردة " ، ثم أمر به يُقبر ، فنزل في قبره أخوه أبو الروم بن عمير وعامر بن ربيعة وسويبط بن سعد بن حرملة . (7)
المراجع
1- الإصابة في تمييز الصحابة ج 3/421-422
2- الطبقات الكبرى ج3/116
3- المرجع السابق
4- الآحاد والمثاني ج6/3469
5- الطبقات الكبرى ج3/116
6- صحيح البخاري
7- الطبقات الكبرى ج3/116
( مصعب الخير )
نسبه
مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب العبدري ، يكنى ( أبا عبد الله ) . (1)
وقيل : مصعب ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، ويكنى ( أبا محمد ) . أمه خناس بنت مالك بن المضّرب بن وهب بن عمرو بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي ، وكان لمصعب رضي الله عنه من الولد ابنة يُقال لها : ( زينب ) ، وأمها حمنة بنت جحش بن رباب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ، فزوجها عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فولدت له ابنة يُقال لها : ( قريبة ) . (2 )
حياته في الجاهلية
أخبرنا محمد بن عمر قال : أخبرنا إبراهيم بن محمد العبدري عن أبيه قال : كان مصعب بن عمير فتى مكة شباباً وجمالاً وسبيباً ، وكان أبواه يحبانه وكانت أمه مليئة كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقه ، وكان أعطر أهل مكة يلبس الحضرمي من النعال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويقول : " ما رأيت بمكة أحداً أحسن لمة ، ولا أرق حلة ، ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير " . (3)
إسلامه
استمع رضي الله عنه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم ، وسرعان ما أعلن نفسه واحداً من بين المسلمين . كان رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام ومن فضلاء الصحابة وخيارهم ، شهد بدراً واختاره الله للشهادة في سبيله يوم أحد ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مصعب الخير ) .
موقف أمه من إسلامه
كان رضي الله عنه وحيد أمه المدلل ، فحرص على إخفاء إسلامه عنها ، حتى لا يضايقها ، لما يعلم من حبها إياه ، وسرعان ما عرف بأمر إسلامه أحد المشركين ، وأخبر أمه التي سارعت بحبسه في منزله ، حتى يرجع عن دينه ، ولكنه استطاع أن يهرب من الحبس ، ويفر بدينه مع غيره من المسلمين إلى الحبشة .
أهم ملامح شخصيته
الدعوة إلى الإسلام
كان رضي الله عنه يُعلم من أسلم من الأنصار أمور دينهم ، نشيطاً في الدعوة إلى الإسلام يأتي الأنصار في بيوتهم ومجالسهم ، ويدعوهم إلى الإسلام حتى فشا الإسلام فيهم ، وممن أسلم على يديه أسيد بن الحضير ، وسعد بن معاذ ، وقد جهد في الإسلام جهداً شديداً وعانى خشونة العيش من الجوع والشدة والتعب ، حتى قيل : إن جلده كان يتطاير عنه تطاير جلد الحية .
هجرته إلى الحبشة
عن ليلى بنت أبي حثمة قالت : لما اجتمعوا على الخروج ـ أي : إلى الحبشة ـ جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن مصعب بن عمير قد حبسته أمه " ، وهو يريد الخروج الليلة ، فإذا رقدوا قال عامر بن ربيعة : فنحن ننتظره ولا نغلق باباً دونه . فلما هدأت الرجل جاءنا مصعب بن عمير فبات عندنا وظل يومه ، حتى إذا كان الليل خرج متسللاً ووعدناه فلحقه فيه وأدركناه فاصطحبناه . قال : وهم يمشون على أقدامهم وأنا على بعير لنا ، وكان مصعب بن عمير رقيق البشر ليس بصاحب رجله ، ولقد رأيت رجليه يقطران دماً من الرقة ، فرأيت عامر خلع حذاءه فأعطاها حتى انتهينا إلى السفينة ، فنجد سفينة قد حملت ذرة وفرغت ما فيها ، جاءت من مور فتكارينا إلى مور ثم تكارينا من مور إلى الحبشة . ولقد كنت أرى عامر بن ربيعة يرق على مصعب بن عمير رقة ما يرقها على ولده ، وما معه دينار ولا درهم وكان معنا خمسة عشر دينار . (4)
هجرته إلى المدينة ( أول سفراء الإسلام )
هاجر رضي الله عنه هجرة الحبشة الثانية ، وما إن عاد إلى مكـة حتى كان رسول الله صلى الله عليه يعده لمهمة هامة وجليلة ، وهي أن يكون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معقل الإسلام الأول ( إلى المدينة المنورة ) . عن عروة قال : فلما حضر الموسم حج نفر من الأنصار من بني مالك بن النجار منهم معاذ بن عفراء وأسعد بن زرارة ، ومن بني زريق رافع بن مالك وذكوان بن عبد قيس ، ومن بني عبد الأشهل أبو الهيثم بن التيهان ، ومن بني عمرو بن عوف عويم بن ساعدة ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم خبره الذي اصطفاه الله من نبوته وكرامته وقرأ عليهم القرآن . فلما سمعوا قوله أنصتوا واطمأنت أنفسهم إلى دعوته ، وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إياه بصفته وما يدعوهم إليه فصدقوه وآمنوا به وكانوا من أسباب الخير ، ثم قالوا له : قد علمت الذي بين الأوس والخزرج من الدماء ونحن نحب ما أرشد الله به أمرك ، ونحن لله ولك مجتهدون وإنا نشير عليك بما ترى ، فامكث على اسم الله حتى نرجع إلى قومنا فنخبرهم بشأنك وندعوهم إلى الله ورسوله ، فلعل الله يصلح بيننا ويجمع أمرنا فإنا اليوم متباعدون متباغضون وإن تقدم علينا اليوم ولم نصطلح لم يكن لنا جماعة عليك ، ولكن نواعدك الموسم من العام المقبل ، فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قالوا . فرجعوا إلى قومهم فدعوهم سراً وأخبروهم برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله به ودعا إليه بالقرآن ، حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة ، ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا رجلاً من قبلك فيدعو الناس بكتاب الله فإنه أدنى أن يتبع ، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار ، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة ، فجعل يدعو الناس سراً ويفشوا الإسلام ويكثر أهله ، وهم في ذلك مستخفون بدعائهم . ثم إن أسعد بن زرارة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا بئر مرى أو قريباً منها ، فجلسنا هنالك وبعثنا إلى رهط من أهل الأرض فأتوهم مستخفين ، فبينما مصعب بن عمير يحدثهم ويقص عليهم القرآن أخبر بهم سعد بن معاذ فأتاهم في لأمته معه الرمح حتى وقف عليهم ، فقال : علام يأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب ، يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه ، لا أراكم بعدها بشيء من جوارنا ، فرجعوا . ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مرى أو قريباً منها فأخبر بهم سعد بن معاذ الثانية ، فواعدهم بوعيد دون الوعيد الأول ، فلما رأى أسعد منه ليناً قال : يا بن خالة ، اسمع من قوله ، فإن سمعت منكراً فاردده يا هذا منه ، وإن سمعت خيراً فأجب إليه . فقال : ماذا يقول ؟ فقرأ عليهم مصعب بن عمير " حم . والكتاب المبين . إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون " ، فقال سعد بن معاذ : ما أسمع إلا ما أعرف ، فرجع وقد هداه الله ولم يظهر لهم الإسلام ، حتى رجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام وأظهر إسلامه ، وقال : من شك فيه من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى فليأتنا بأهدى منه نأخذ به ، فو الله لقد جاء أمر لتحزن فيه الرقاب . فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد ودعائه إلا من لا يذكر ، فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرها ، ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد بن زرارة فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ ، فلم يزل عنده يدعو ويهدي الله على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة ، وأسلم أشرافهم وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم ، فكان المسلمون أعز أهلها وصلح أمرهم ورجع مصعب بن عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
- أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص . (5)
- قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عرم رضي الله عنه ، قال : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير وعليه إهاب ـ جلد ـ من كبش ، قد تمنطق به ، فقال : " انظروا إلى هذا الذي قد نور الله قلبه ، لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطايب الطعام والشراب ، ولقد رأيت عليه حلة شراها أو شريت له بمائتي درهم ، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون " .
بعض المواقف من حياته مع الصحابة
مع أسيد بن حضير
ذات يوم كان مصعب جالساً ومعه سعد بن زرارة - رضي الله عنهما - وهو يعظ الناس ففوجئ بقدوم أسيد بن حضير سيد بني عبد الأشهل بالمدينة ، وهو يكاد ينفجر من فرط الغضب على ذلك الرجل الذي جاء من مكة ليفتن قومه عن دينهم ، فوقف مصعب رضي الله عنه أمام أسيد وقد كان ثائر ، ولكن مصعب رضي الله عنه انفجرت أساريره عن ابتسامه وضاءة وخاطب أسيد قائلاً : أو لا تجلس فتستمع ؟ فإن رضيت أمرنا قبلته ، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره . قال أسيد : أنصفت . وركز حربته وجلس يصغى وأخذت أسارير وجهه تنفرج كلما مضى مصعب رضي الله عنه في تلاوة القرآن وفي شرح الدعوة للإسلام ، ولم يكد يفرغ من كلامه حتى وقف أسيد يتلو الشهادتين .
سرى النبأ في المدينة كالبرق فجاء سعد بن معاذ وتلاه سعد بن عبادة وتلاهم عدد من أشراف الأوس والخزرج . وارتجت أرجاء المدينة من فرط التكبير . وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة قدم من يثرب سبعون مسلماً من بينهم امرأتان ، وكان ذلك فاتحة مباركة لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . وهكـذا أتيح له - رضي الله عنه - أن يُسلم على يده هذا العدد من الأنصار ، حتى كادت المدينة كلها تدين بإسلامها لمصعب رضي الله عنه .
عودته إلى مكة وموقفه مع أمه
عاد مصعب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل له البشرى في مكـة ، وبلغ أمه أنه قد قدم فأرسلت إليه : يا عاق أتقدم بلداً أنا فيه لا تبدأ بي ! فقال : ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما أخبره ، ذهب إلى أمه فقالت : إنك لعلى ما أنت عليه من الصبأة بعد ؟ قال : أنا على دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله . قالت : ما شكرت ما رثيتك مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب . فقال : أقر بديني إن تفتنوني . فأرادت حبسه ، فقال : لئن أنت حبستني ، لأحرصنّ على قتل من يتعرض لي ! قالت : فاذهب لشأنك ، وجعلت تبكي . فقال مصعب : يا أمه ، إني لك ناصح ، عليك شفيق ، فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . قالت : والثواقب ، لا أدخل في دينك فيزري برأيي ، ويضعف عقلي ، ولكني أدعك وما أنت عليه وأقيم على ديني .
أول من جمع الناس للجمعة بالمدينة
عن الزهري قال : ابعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير بن هاشم إلى أهل المدينة ، ليقرئهم القرآن ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس يومئذ بأمير ، ولكنه انطلق يعلم أهل المدينة ، قال معمر : فكان الزهري يقول : حيث ما كان أمير فإنه يعظ أصحابه يوم الجمعة ، ويصلي بهم ركعتين . [ الجمعة - حديث رقم : 5146 ]
الوفاة
- في الطبقات لابن سعد عن أهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال : حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد ، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب ، فأقبل بن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها ، ومصعب يقول : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية ، وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه ، فضرب يده اليسرى فقطعها ، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية ، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه ، واندق الرمح ، ووقع مصعب وسقط اللواء ، وسقط شهيداً رضي الله عنه وأرضاه .
- عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم : أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتى بطعام وكان صائماً فقال : قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني ، كُفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي رجلاه بدا رأسه ، وأراه قال : وقُتل حمزة وهو خير مني ، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط ، أو قال : أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام . (6)
- قُتل رضي الله عنه يوم أحد على رأس اثنين وثلاثين شهراً من الهجرة وهو بن أربعين سنة أو يزيد شيئاً . فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بردة مقتول ، فقال : " لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة ، ولا أحسن لمة منك ، ثم أنت شعث الرأس في بردة " ، ثم أمر به يُقبر ، فنزل في قبره أخوه أبو الروم بن عمير وعامر بن ربيعة وسويبط بن سعد بن حرملة . (7)
المراجع
1- الإصابة في تمييز الصحابة ج 3/421-422
2- الطبقات الكبرى ج3/116
3- المرجع السابق
4- الآحاد والمثاني ج6/3469
5- الطبقات الكبرى ج3/116
6- صحيح البخاري
7- الطبقات الكبرى ج3/116